-->

NEVER LET ME GO 3 (AFTER BURN) - الفصل الثاني







الفصل الثاني


لا فائدة من إغلاق النافذة..
والمشهد مازال يدور أمام عينك!!

•¤•¤•¤



بعد أسبوعان .. الساعة الرابعة فجرا



كأمواج بحرا هائجة كانت تصارع هي فراشها .. تصطدم يسرى ويمنى في محاولة منها لصد تلك الهاجمات النابية التي تنهش روحها وتتغذى عليها .. لم يمنع الحزام الطبي الذي تلفه حول يديها ذلك الإلتواء الذي ينحني على نحوه معصميها، واصبح من الواضح انه لن يصمد كثيرا، وسينثني أمام التشنجات العاتية التي تجتاح جسدها الضعيف!!



داخل خبايا عقلها اللا واعي، معصميها كانا موثقان كلا على حدا، كالعادة .. تجذب قيدها بعنف محاولة الفكاك من اﻷسر، تثني وتثني معصميها على إستدارة خطرة تجعلها على بعد خطوة من كسر مضاعف بالمعصم لولا الحزام الحديدي الطبي الذي تلفه حول المنطقة.





حرارة حارقة تشعل جسدها، ضربات من نيران تنهال عليها .. القيد يشتد غلظه على يديها لتشتد هي في جذبه بإلتواء معصميها كرد فعل عكسي لتجنب الألم .. يزداد إصطكاك اسنانها ليغطي على صرخات تخرج من قاع روحها، لا يسمع لها صدى لإصطدامها بالواقي المطاطي الذي تبتلعه بين اسنانها حتى لا تطحنها.




عرق غزير يناسب منها من بين تقلباتها العنيفة على الفراش .. عينيه الحالكة تقترب وتقترب منها .. هي على بعد خطوة من رؤية سجانها الذي يزورها كل ليلة ليشعل الفراش بها .. عينيه فقط، لا ترى سوى عينيه المميته .. أزيز أسنانها ازداد لما أشتد بها الألم، وكأن نظراته تحرقها .. لا تريد رؤيته، تريد أن تنسحب من هذا الكابوس .. يكفي فريدة، هذا حلم، انتِ تحلمين، استيقظي ارجوك .. استيقظى الآن!!




شعرت فريدة بشئ ثقيل يتوسد صدرها ويعيق تنفسها ليوقف نوبة تشنجها، يعقبه بلل دافئ يمسح العرق عن وجهها .. غابت عنها تلك الأعين ليتشتت حلمها وتدخل في مرحلة بين اليقظة والحلم .. رفعت ذراعها تحاول إزاحة هذا الشئ عنها، لتغرق يديها في فراءه الأملس، فأدركت أنه كلبها (بلوتو) يحاول إفاقتها بعد أن صرع من مما يحدث لها.




شهيق منهك لقصبتها الهوائية يضيع بين ضغطها الضاري على اسنانها المتلاحمه بإصطدام .. حدقتيها متسعة في عمق الظلام تفتش عن معذبها بهلع .. دقائق مضت حتى إستقرت اعنيها على هذا الكائن اللطيف الذي لم يتوقف عن لعقها وتفقدها بقلق قلمَّا تجده في البشر، حتى ادركت واقعها لتعتدل وتبصق الواقي من بين اسنانها ومن بعدها إرتخي جسدها المنهك على الفراش




أرادت أن تربت عليه لتطمئنه فأنتبهت للأحذمة الطبية التي تحتل يديها، لتحلها عنها وتلقيها بغير إهتمام ثم أخذت تدلك معصمها الأيمن الذي تأذى جراء إنبعاج الحزم الحديدي به .. هل وصلت بها الأمر إلى العنف، حد ثني حزام حديدي؟! .. حسنًا، هذا أفضل بكثير من كسر معصمها!!




قبلت (بلوتو) قبل أن تزيحه لينبح ويسبقها للخارج بمرح .. مشطت شعرها بأطراف أصابعها لتتلمس العرق الدفين بين فروة رأسها .. مسحت وجهها بإرهاق وهي تنظر للساعة بجانبها، حقا لو لم يوقظها (بلوتو) لكانت مستغرقه بهذا الكابوس مدة أطول!!




تعرف جيدا ان هذا ليس سوى ميكانيزم دفاعي يستخدمه عقلها لإخافتها كلما اخذت خطوة في التنقيب عما حدث .. يهددها ويحاول بشتى الطرق أن يثنيها ويرجعها .. تعرف ذلك كما تعرف أنه شر لابد منه .. وعليها بطريقة أو بأخرى المضي به .. هذا ما تعرفه!!




● ● ●





بحلول شروق الشمس، وعلى نافذة زجاجية تعرض السماء الصافية لقلب العاصمة كانت تسمع أصوات منتظمة لإصطدام قدمها بسطح (المشاية) الرياضية .. حذائها الرياضي يوظب الركض على الآلة بسرعة كتدريب صباحي روتيني أعتادت ان تفعله منذ أن اصابها هذا الشلل واعجزها عن السير.




الموسيقى تطغي بأذنيها، تجعلها وكأنها تركض بين السحاب ..أغمضت عينيها لتنسجم مع هذه الأجواء برحابة نفس، ولكن ما حدث كان عكس هذا!!




أنقشع النوم ليحل بعده ظلام على غابة مقبضة تجري بها هي ليلا .. تجري وتجري حتى باتت تسمع أصوات انحسار قدمها بالأرض الترابية .. رعب يملؤ قلبها ويجفف دماؤها ، قلبها يهدر بعنف لا لهاثا بل خوفا .. شخصا ما يركض خلفها، تسمع حفيف اقدامه بوضوح، شخص ترهبه بشده .. زادت من سرعتها حتى بات من الصعب مواكبتها، تركض وراء حلمها علَّها تصل إلى شئ هذه المرة .. ولكن لم يقابلها سوى الظلام ومن بعدها إلتوت إحدى قدميها أسفلها وإنكبت من فوق الآلة أرضا!!




إصطدم جانب رأسها بالارض الرخامية الصلبة لتطلق تأوه قاسي ومن بين غمامه عينها خيل إليها أنها رأت اقدام تقترب .. إنتفضت للخلف بفزع وفي ذات اللحظة رأت كلبها يسقط ميتا أمام عينها والدماء تملئ رأسه!!




صرخت بهلع وقد تحشرج صوتها من فرط الهلع .. ظلت تصرخ وتصرخ وهي تزحف إلى الخلف بظهرها حتى حاصرها الحائط .. أوصدت عينها برعب وهي تخبئ وجهها بيدها .. ومن بين صراخها بدأت تسمع صوت يأتيها من بعيد وهو يحاول إحتضان جسدها بقلق متفاقم:

- فريدة .. حبيبتي .. هل انتِ بخير .. فريدة أتسمعيني؟؟ .. ماذا يحدث لكِ فريدة؟!




ببطئ خبى صراعها معه وتوقفت ضرباتها له فور أن أدركت انها سارة .. سارة هنا؟! .. بتوجس ازالت ذراعها عن عينيها لتراها ترمقه بخوف وقلق حقيقي .. اللعنة، ماذا حدث؟؟




- فريدة .. عزيزتي ما بكِ؟!

كررت سارة لتحدق بها فريدة بذهول من ثم إستقامت وهي تعرج بألم مغمغمه:

- أنا بخير .. بخير لا تقلقي!!




تلمست طريقها لمقعد قريب لتلقي بجسدها عليها وهي تفرد قدميها وتتفحص الإلتواء بها بتعابير متألمه .. اقتربت منها سارة وهي مازلت تتفحصها:

- فريدة .. اخبريني ما حدث؟؟



اجابتها دون ان تحيد بعينها عن قدمها:

- سقطت بينما أركض!!

ضاقت عيني سارة قبل ان تقول بتوبيخ:

- ليس هذا ما اقصده فريدة .. انتِ كنت ِتصرخين وكأنكِ ترين شيئًا أمامك!!




شردت فريدة لثواني فيما قالت بينما تتذكر مقتطفات تمر سريعا أمامها، لتذهب عينها دون وعي وتستقر على كلبها (بلوتو) الذي كان منبطح أرضا ويستقبل دعابات (داليدا) بمرح .. لتردف فريدة بعد فترة:

- لقد إندمجا مع بعض بسهولة!!




فطنت سارة أنها تتهرب من الحديث معها لتنهض متجه إلى المطبخ وتفتح البراد لتأخذ منه كيس ثلج وتعود لفريدة مرة أخرى:

- انت ِتعلمين كيف أنها تحب الحيوانات .. ثم أنا إلى الآن لا أعرف ما الذي دهاكي لتجلبي هذا الكلب؟؟




أشاحت فريدة بعيدا عنها وهي تأخذ منها كيس الثلج لتضعه على كدمة رأسها بحذر:

- لم أرد أن ابقى وحدي بالمنزل.

ربتت سارة على كتفها قائله:

- انتِ لستِ وحدك، نحن بالشقة المقابلة لكِ




صمتت للحظة قبل ان تعيد سؤالها:

- ألن تخبريني ماذا حدث لكِ؟؟

رفعت فريدة الثلج عن رأسها:

- آه ، أشعر بصداع .. 'سارة' من فضلك حضري لي بعض الطعام فلم اتناول الإفطار بعد!!




ضمت سارة شفيتها مانعه نفسها عن التذمر وعادت للمطبخ في حين جاهدت فريدى لجعل ملامحها محايدة.




أكثر ما يؤلمها حقا أنها لا تستطيع مشاركة أحد كوابيسها المرعبة تلك .. لا تستطيع اخبار أحد كونها تعاني من اضطراب الفزع الليلي، ونوبات هلع تأتيها على فترات .. لا تستطيع لأنها ببساطة إذا اخبرت احد بذلك، سيصبح عليها التعامل مع محاصرتهم لها بالأسئلة، ومتابعتها خلال زيارات الطبيب النفسي التي تخوضها .. لا بأس في ذلك، فليعتقدوا أنها بخير .. فليعتقدوا أن كل شئ على ما يرام .. علَّهم يرتاحوا ويريحوها!!




وضعت الثلج على قدمها كي تخفف من التورم الطفيف الذي بدأ في الظهور حتى إنتهت سارة من إعداد بعض الشطائر السريعة لتأتي لها .. قفزت الصغيرة على قدمي فريدة بحماس لتطعمها .. فرفعتها فريدة لتبدأ في إطعامها .. لاحظت سارة ذلك لتقول:

- ما إن علمت انكِ ستسافرين حتى تشبثت بي لأجلبها لكِ!!

على الفور كانت فريدة تقبل وجنتها المنتفخة بحمرة الصحة:

- حبيبتي




ثم إلتفتت ل(سارة) تسألها:

- أين القذمة الأخرى .. لمَّ لم تجلبيها معك؟؟

زمت سارت فمها وتوقفت عن المضغ للحظة قبل ان تبتلع وتجيبها:

- والدتها رفضت إعطاءها لي .. كما تعلمين، مذ أن عرفت بزواج مراد منكِ وهي ثائرة في وجه الجميع!!




توترت فريدة :

- انا لا اعلم شيئًا عن هذا .. أخيكِ لا يخبرني أي شئ وكأنني غريبة!!

تركت سارة ما بيدها وقد ادركت فداحة ما قالته:

- لا فريدة، الأمر ليس كذلك .. هو لا يرسد أن يشغلك بمثل هذه الأمور التافهه صدقيني .. مراد يخشى أن تتوتر علاقتكما بشيئًا كهذا!!




- لكن هذه والدتها فريدة .. وصدقا انا لا ارغب في أن اكون السبب في حرمان طفلة من والدتها!!

إستنكرت سارة حديثها:

- حقا انتِ لا تعلمين أي شئ .. كوني متأكدة فريدة انكِ تعامليها أفضل من والدتها .. وهذا تحديدا سبب الخلاف .. 'بسمة' تغير منكِ فريدة بعد أن نجحتي في إستقطاب الصغيرة لكِ هي أيضا!!




نفخت فريدة بضيق:

- وانا لا أريد مثل هذه الصراعات .. أريد أن أعيش بسلام ما مراد، فقط!!

لانت نبرة سارة:

- وهو أيضا صدقيني .. لا يريد سوى أن يحيى معك بسلام .. لذا اعطيه هذه الفرصة فريدة!! .. يكفي أنه سيترك عمله ويلحق بكِ في إيطاليا ليوفر لكِ بعض الصحبة هناك!!




تنهدت فريدة بشرود وهي تفلت الصغيرة ارضا:

- مراد أنبل شخص قد عرفته!!

رفعت سارة حاجبها قائله بمكر:

- حسنًا في مثل هذه الحالة عليَّ أن أخبرك بأن مستاء بسبب سفرك وبسبب إتفاقك مع كمال الذي تفاجئ به!! .. الحقيقة الجميع سيجن من أفعالك الغريبة هذه الأيام!!




نهضت فريدة وهي ترفع الأطباق عن الطاولة:

- لا أفهم حقا ما الغريب قي مساهمتي في قضية تستحق الدفاع عنها .. ثم أن الرجل لم يطلب الكثير، فقط حضور ساعة واحدة في ذلك المؤتمر ليشجع رجال الأعمال الأخرين على المشاركة في دعمه!!

دخلت سارة خلفها لتقول بريبة:

- انظري فريدة .. نحن أصدقاء من الصغر، وانا أخبرك الآن وبنسبة 100% انتِ تخفين عنا شيئًا كبير!!




وضعت فريدة الأطباق في حوض الغسيل لتلتفت لها وتقول بنبرة ذات مغزي:

- ليس الآن سارة .. سأخبرك كل شئ، ولكن ليس الآن .. تعالي معي ساعديني في إعداد حقيبتي!!





● ● ●





جلست كل من فريدة وسارة في صالة الإنتظار يحتسيان معا القهوة .. حين باغتتها فريدة بسؤالها:

- هل حاول 'ياسر' أن يتحدث معكِ مرة أخرى!!

حدقت سارة بفنجانها ثم غمغمت:

- لا يكف عن المحاولة .. يريد رؤية 'داليا' ويتوعد لي بالإنتقام وأخذها مني بعد أن حصل أخيرا على وظيفة بالأسكندرية.




همهمت فريدة بتفهم قبل أن تتحدث بعقلانية:

- أنظري سارة .. أنا لم أخبرك بهذا الحديث من قبل واناقشك بما فعلتيه ﻷنني أدرك مدى حساسية الأمر بالنسبة لكِ .. لكن هناك طفلة بينكما، لا يجب تجاهل حقوقها .. بالرغم من كل شئ هي تحتاج والدها، وصدقيني سارة مهما فعلتي لن تعوضيها عن ذلك .. سِليني انا!!




فتحت سارة فمها لتجب ولكن لم تجد في جعبتها ما تجيب به .. إنها على حق .. هي تعلم ذلك، وترى بأعين صغيرتها كل يوم، وهي تسألها عن والدها .. الجميع لا يكف عن ومها ما إن علموا من (ياسر) بأنها من دبرت له أمر الفضيحة وأغفله فعلته هو .. أغفلوا خيانته وطعنته الغائرة لها .. يشهد الله انها قد ندمت على تسرعها في إسترداد حقها، ولكن يبقى شيئا بداخلها يخفف عنها هامسا .. "هو يستحق!!"




لاحظت فريدة تبدل حالتها المزاجية على غير العادة لتهمهم بشرود بينما تراقب حركة إقلاع الطائرات وهبوطها:

- أتعلمين انها المرة الثانية لي للسفر إلى إيطاليا؟؟

إستدارت لتقابل تساؤل عينها، فرفعت (الباسبور) أمامها لتريها ما دون به مضيفة:

- غريب حقا أن الامر برمته لا يذكرني بشئ .. لا يذكرني سوى بعودتي هنا محمولة على كرسي متحرك وفاقدة للنطق!!



ضمت سارة يدها بمواساة:

- لا تفكري بهذا .. انتِ الآن بصحة وعافية، ونحن بجانبك .. هذا فقط ما يجب أن تتذكريه!!

إحتضن فريدة يدها بإمتنان حين سمعت نداء رحلتها لتنهض وهي توصيها:

- لا تنسي إطعام 'بلوتو' !!

- هذه المرة الخامسة التي توصيني بها فريدة .. لو إبنك لن تفعلي هذا!!




ضحكت فريدة وهي تحضنها فهمست سارة لها:

- إنتبهي لنفسك .. وهاتفيني ما إن تصلي .. لا تقلقي مراد سيلحق بكِ بعد يومان!!

أومأت لها فريدة وهي تسحب أغراضها متجه إلى صالة الدخول.





● ● ●





بعد 4 ساعات .. مطار (ميلانو)




فور أن غادرت فريدة بوابات المطار حتى وجدت يافطة مكتوبة بإسمها في إنتظار وصولها .. تناول السائق منها الحقيبة وفتح لها باب سيارة فارهه لتركبها والتوتر يعزف بداخلها.




توقفت السيارة أمام فندق شهير هناك لتترجل منها وما إن عبرت صالة الإستقبال حتى وجدته يقف بحلته السوداء يستقبلهة بإبتسامه دبلوماسية أقرب إلى اللطف:

- مرحبا بكِ فريدة .. تفضلي معي من هنا لنحتسي شيئًا في إستضافتك!!



دخل بها قاعة مخصصة لكبار الزوار ثم سحب لها مقعد برقي أمام هذه الطاولة التي تطل على نافورة عريقة التراث:

- كيف كانت رحلتك؟؟

إبتسمت فريدة بود وهي تزيح خصله عن وجنتها:

- رحلة بالدرجة الأولى، كيف ستكون؟؟ .. بالطبع أكثر من مريحة!!




- هذا أقل ما يليق بسيدة أعمال مثلك!!

جاء النادل ليسألها كمال:

- ماذا تريدين؟؟

- لا امانع أي شئ!!




- كأسان من النبيذ الأبيض من فضلك!!

أمر النادل ثم وجه إهتمامه لها ليراقب تعابيرها التي لم تتقبل مجاملته:

- من فضلك لا تبالغ .. أنا لست سيدة أعمال!! .. ثم أن الأمر يستحق!!




وضع النادل أمامهما الكأسان ثم إنصرف .. ليرفع كمال كأسه بنبل أمامها:

- بصحة عرضك السخي!!

إبتسمت فريدة له وهي تبادله التحية وترفع وترتشف منه جرعة صغيره دغدغة لسانها وقشعرت ملامحها .. ليسألها كمال بتخمين:

- أول مرة تشربين بها؟؟

- لا .. انا فقط لا أشرب على الدوام!!




كذبت ولا تعرف السبب .. ولكن شيئًا داخلها دفعها لهذا .. كما دفعها لفعل الكثير خلال الأسبوعان المنصرمان .. هذا الاتفاق ثم شراء الكلب وأخيرا احتسائها الشراب مع غريب .. ماذا ستفعلين أيضا فريدة؟!



- لم تخبريني عن السبب وراء هذا العرض .. اعني اننا لا نرى كل يوم شخص يتبرع بهذا المبلغ دون سبب؟؟

باغتها بالسؤال لترتخي ملامحها بنصف إبتسامه:

- وما السبب برأيك؟؟




همهم ثم قال وهو يستريح بالمقابل:

- من واقع عملي، أغلب الممولين إما يسعون خلف شهرة أو سلطة .. ومن رأي انتِ لستِ أيا من هذا .. إذا أرضي فضولي وأخبريني السبب!!

تجرعت فريدة رشفة أكبر هذه المرة وقد إستزغت طعمه .. ثم تحدث بسلاسة:

- ﻷنني تعرضت للخطف من قبل!!



إقترب منها كمال وقد شعر من نبرتها بشيئًا ما ليستفسر بهدوء:

- لقد جمعت بعض المعلومات عن حادثك ولم أفهم الكثير .. أحقا مازالتي لا تتذكرين شئ؟؟ .. يمكنني مساعدتك في ذلك اذا أردت!!

- بلى ولكني لا أفضل التحدث عن الأمر الآن من فضلك .. هل يمكنني الصعود لغرفتي؟؟




نهض على الفور بتهذيب مقابل لها:

- بالطبع .. تفضلي معي!!

توقفت فريدة عن السير للحظة وقد شعرت بأعين أحدهم تتبعها لتتلفت حولها بتفحص .. ليسألها كمال بعد أن لاحظ توقفها:

- هل هناك شئ؟؟



هزت رأسها وأرجتت ذلك لتأثير الشراب:

- لا .. هيا بنا!!

سبقها كمال للإستقبال ليأخذ لها مفتاح الغرفة التي سبق وقد حجزها لها .. ليقدمها لها قائلا بالإيطالية:

- ليلة سعيدة فريدة!!

- شكرا على الإستضافة الرائعة!!

- هذا أقل مما تستحقيه



إبتسمت له بعذوبة وسارت بضع خطوات للمصعد قبل أن تستدير عائدة له وتخبره بحماس:

- نسيت أن أخبرك .. هناك رجل أعمال سينضم لنا غدا!!





● ● ●





على الطرف الآخر من ذات البلد .. كان يجلس هو في تلك الجزيرة المتطرفة على حافة إحدى التلال العالية كل صباح علَّ الهواء المنعش يشفي روحه السقيمه




يجلس على الارضية بسرواله الجينز وقميصه عاري الأكمان، عينيه حالكة بتركيز، ذقنه مشذبه وشعره قد إكتسب طولا .. تعبث أصابعه في لبدة صديقه الوحيد (اللايجر) والذي لم يفارقه أبدا حتى بعد ان فارق البلد.




كحاله كل يوم، يراجع ما وصل له وما إقترفته يداه .. يفكر في خطوته القادمة وبأنه -ومنذ سنتان- لايزال واقفا بنفس النقطة!!




ﻷول مرة يتحد قلبه وعقله معا، وضده!! .. يرفضا السماح له بالمضي قدما .. يرفضا سمع حديث دكتور (مايك) وإتخاذ قرار والثبات عليه!!




هو ليس بصغير .. وليست المرة الأولى التي يعاني بها من هذا الضياع، ولكن هذه المرة ترفض نفسه العوده إليه .. إنها معها هنا .. بالرغم من انه لم يسمح لنفسه برؤيتها طوال هذه المدة إلا أن قلبه وعقله وروحها معها .. ماذا فعلتي (فريدة) لتستحوذي عليَّ بهذه الطريقة الصارمة؟!




لا ينكر أنه قد تحسن قليلا ما إن علم بشفاءها كليا ولكن ما لبث أن أصابه الغم من جديد، ولا يعرف السبب!!




أعني الأسباب كثيره .. عدم تذكرها له، طلاقها غيابيا منه، وأخيرا خطبتها من (مراد) .. هيا أدهم واجه الأمر هي لن تكون معك من جديد، ولن تكون لك!!




عزاءه الوحيد في ذلك أنها بخير .. تحيا حياتها بطبيعية .. حياة هو عجز أن يوفرها لها .. خاصة بعد رفض الكابو والمجلس الأعلى لتقاعده، وتكاتلهم ضده فور إعلانه عن رغبته في عودة (فريدة) إلى (مصر)!!




كيف له أن يسنح لها بالإبتعاد خارج دائرة العايلة بعد كل ما عرفته .. برغم كل ما حدث وبالرغم معرفته من أنها لم يكن لها يد في الخيانة التي تمت إلا انهم أعتبروها انها قد كشفت الهيكل التنظيمي للعائلة ولا يجب لها الخروج عنها بعد ذلك .. وإلا ستعتبر في حكم الخائن حسب قانونهم!!




بعد جدالات ومفاوضات إستمرت أسابيع، وبعد تبين حقيقة فقدانها للذاكرة، جاء حكم الكابو الصارم .. السماح ل(فريدة) بالعودة لمصر وبالمقابل نفي أدهم للجزيرة التي هو بها الآن منذ سنتان .. على شرط خط بالدم، في حال ظهور (فريدة) للساحة مرة أخرى وتبين تهديدها للعائلة سيتم التعامل معها دون الرجوع إليه!!




وافق .. لم يكن أمامه سوى أن يوافق .. هذا هو الحل الوحيد الذي ضمن له خروجها من دائرته الدموية المهلكة .. حتى لو كان الثمن هو !! .. وفي خلال أيام سلم كل أملاكه ل(ماتيو)، ذراعه اليمين، وإمتثل للحكم!! ..




كان الحكم يضمن نفيه في الجزيرة مدة غير معلومة، في البداية لم يكن هناك أي وسائل إتصال متاحة أمامه، علم اننم قد تواصلوا مع والده وأخبره بحكم نفيه، فأوقف حملة البحث الضخمة عنه .. كان هنا أربعة من الحرس مرافقين له أينما ذهب .. ليس لحراسته، بل لمنعه من الهرب في حال فكر في ذلك!! .. لم يعرفوا بأنه قد إرتاح لهذه العزلة وألفها، فما إنتهت مدة نفيه بعد سنة، حتى فوجئوا برفضه هو إنتهاءها!!




بعد إنقضاء السنة طالبه الكابو بالعودة ومباشرة عمله من جديد، حتى وافق على شرط عودته للعمل عن بعد دون الظهور في دائرة الضوء مثل .. لم يكن مستعدة للعودة بعد، خاصة وقد أصبح يرى الأمور بوضوح خلال هذه العزلة الجبرية.




تعرف على نفسه، وأصبح يراها بوضوح .. تغلب على النقاط المرضية به وروضها، بل إنتقم منها بحرمانها من شهوتها .. خرج من قوقعته، وقهر أنانيته، وبدأ أول خطواته في طلب العون من الخارج والإعتراف بعجزه أمامه مرضه!!




فبعد السنة الأولى اصبح مسموحا له بمغادرة الجزيرة، وأول ما فعله هو اللجوء لطبيب نفسي .. لا ينكر انه قد ساعده في تنظيم أفكاره عن الامر بشكل صحيح، وإيجاد بعد الإجابات عن تساؤلات متشتته داخله .. إلا انه لم يجب على سؤال واحد وتركه معلقا في ذهنه .. هل يمكنه الشفاء من (فريدة) يوما أم انه سيشقى بداءها أبد الدهر؟!




وعلى غرار حديثه الثائر مع نفسه، فوجئ بزئير اللايجر الرابض بين قدميه، فعلم بقدوم أحد الحرس ليقتحم خلوته .. أشار للايجر فيما يعني أنه صديق .. ليقترب الرجل ويهمس له ببضع كلمات كان من شأنها أن ينتفض كمَن أصابته الحمى!!

   


أخذه منه الهاتف ليراها أمامه في بث مباشر لذلك المؤتمر .. يراها لأول مرة من سنوات ليثور قلبه توقا لها وتمردا عليه، ليسافر لها ويجثو تحت قدميها علَّها تقبله كقربان للعفو.




إنها هي .. بقوامها الممشوق .. إبتسامتها التي المهلكة .. وذهبتيها .. تلك الذهبية التي تنافس شروق الشمس فتسطع على قلبه وتبدد عتمه الحالكة بعد سنوات قضاه في ظلمته!!




فريدة!!



هنا؟!




تذكر كل الأيام التي قضاها في عزلته يفكر بها ويتخيلها .. تذكر كل الاحلام التي زارته بها .. تذكر حتى كل الحوارات الواهمية التي دارت بينهم ليتعمق في جمالها الآخذها، يكاد يقسم أنه يشتم عبيرها من هنا .. طالتها الآسرة للعيون بهذا الثوب الذهبي الذي يلائم عينها .. وليس كذلك الذي كانت تزوره به!!




توقفت انفاسه وإختلجت ضربات قلبه حتى بات يسمع صداها بوضوح حين سمع صوتها الحاني وهي تقول بعد فقرة تصفيق حار:

- أشكركم جميعا على ترحيبكم بي اليوم .. ولكن اريد أن أعرفكم بالشخص الذي كان له الفضل في تشجيعي ودعمي في أخذ هذه الخطوة .. أقدم لكم سيدة الأعمال الخيرية والراعية الرسمية لحفل اليوم..



'سمر الشاذلي'!!



 #يتبع