-->

الفصل الثالث والثلاثون - عتمة الزينة - الجزء الثاني من ثلاثية دجى الليل


الفصل الثالث والثلاثون

 

"أحضنيني يا غادة" همس لها مرة أخرى وعيناه تتحرك يميناً ويساراً كي تتفحصا وجهها بأكمله وكأنه لأول مرة يراها لتمتد يدها بإرتجاف ثم عانقته بين ذراعيها ليسلط نظره على عينيها ثم أخترقها ببطئ شديد..

أهكذا كانت لتكون عندما يشعر بنفسه داخلها لأول مرة؟ أكانت لتنظر له نفس النظرات؟ أهي تشعر مثله؟ لربما تفعل!! لا.. هو يكذب على نفسه.. يهدأ قليلاً من روعه ليس إلا.. لم تختاره، لم تقع بعشقه مثلما فعل، لم تلق له بالاً، تركته، توقف الأمر بأكمله على الأموال.. حسناً هي أسفله، وهو قريب منها للغاية، وها هو يمتلك العديد من الأموال التي لا حصر لها.. 

ترك تفكيره جانباً وأسرع قليلاً من وتيرته داخلها ثم دفن رأسه بجانب وجهها كي لا تراه، لا يريد أن يظهر بمظهر الضعيف الخائف أمامها، هو يُعذب، يُعذب بكل ما يشعر به، كل ما يحدث حوله قد فتك به، ذلك البركان بداخله لا يكف عن التأجج أبداً.. 

ترك العنان لدموعه كي تنهار على سفح الجبل الذي أقسم أن يُشبهه، لم يعد يستطيع التحمل أكثر، تمنى لو أن بدلاً من ذلك العناق المُجبر ويداها المرتجفتان أن يرتجف هو من كثرة البكاء ويجدها تواسيه بعناق غير مغصوب.. لماذا عليه أن يحصل على كل شيء بالطريقة الخاطئة؟ لماذا عليه أن يتحمل الوحدة والآلم وفجائع القدر؟ يطارحها الغرام بالإجبار، تمتثل جميعهن أوامره لخوفهن منه، ولكن هل له أن يشعر ولو مرة أنه مرغوب من تلك الوحيدة التي أحبها قلبه؟!

"قوليلي إنك بتحبيني!" همس بجانب اذنها وهو يحاول أن يُخفي ذلك الإرتعاش بصوته مبتلعاً غصة آلامه بأكملها "انطقي" صرخ بها ليزيد من سرعته داخلها وبنفس الوقت عقد قبضته لاكماً الوسادة بجاب رأسها لتدمع عيناها في خوف مما قد يفعله بها

"بببحـ ـبك" همست في وهن وهي تبكي بشدة 

"ايه.. كتير عليا؟!" همس سائلاً في توجع ثم مرمغ وجهه بالوسادة كي يجفف تلك الدموع التي تُظهر ضعفه، فكفى أنه يعاشرها دون عنف.. كان ذلك له بمثابة الإنكسار الشديد "كتير عليا مش كده؟!" صرخ بها بعد أن نهض وهو بداخلها وفرق ذلك العناق الذي لوهلة تمنى لو أنه حقيقي كي يخفف عن نفسه بين ذراعي من يعشقها ثم باعد بين ساقيها وازدادت حدة دفعاته بها لينعكس على اثرها المزيد من صرخاتها

"كتير إنك تحبي شهاب.. علشان محيلتوش حاجات كتيرة زي هيثم وباباه مش كده؟!" صاح بين أسنانه التي أطبقها في غضب لتبكي هي بكاء مرير وهي لا تُصدق أنه لم ينسَ شيئاً مما حدث إلي الآن .. "اديكي اهو قدامي بين ايديا ولو طولتي تبوسي رجلي عشان أسيبك تمشي هتعمليها" تحدث بين أسنانه المطبقة غيظاً وقهراً من صوتها يومها الذي لا يُفارق ذاكرته أبداً "وريني بقا هتمشي ازاي الليلادي" ابتسم لها في شر خالص ثم ترك قدميها ليسقطا على السرير وحاوط عنقها بيده في قوة وأمسك بخصرها ليغرس أصابعه بداخله في عنف بالغ ونوى بداخله ألا يريها قسوته فحسب!! بل سيريها كل ما شعر به خلال ثلاث سنوات لم يراها بها وسيترجمه بأفعال عنيفة وحدها من تستحقها دون سواها..

--


"اتفضل" همست في وهن وهي بالكاد تستطيع الوقوف كي تجيب الطارق المنتظر الذي قابلته أمس بمنزل شهاب وأشارت له بالدخول نحو غرفة الإستقبال بمنزلها

"كان نفسي أجيلك في ظروف أحسن من كده" أخبرها متأثراً لحالتها وشحوب وجهها ليلمح شبح ابتسامة حاولت أن تزيفها ولكنها لم تستطع "تحبي أوديكي مستشفى؟!" سألها بدر الدين في جدية 

"لا أنا هاكون كويسة.." هنا ابتسمت على حالها في تهكم "تحب تشرب ايه؟!" سألته بلباقة لا تناسب تلك الحالة التي عليها ولا حتى تناسب صورتها العارية التي رآها بدر الدين عليها أمس 

"أنا مش جي علشان أشرب" أعتدل في جلسته بثقة بينما جلست هي أمامه "أنا جي علشان أعرف كل حاجة تعرفيها عن شهاب الدمنهوري" أخبرها لتبتسم في وهن 

"بص.. أنا مش عايزة مشاكل مع حد.." تنهدت في هدوء "أنا معرفش عنه حاجة غير إنه زبون زي باقي الزباين" نكست رأسها للأرضية وبدر الدين لا يُصدق أن تلك الفتاة التي ترتدي ما يستر جسدها وتتحدث بمثل هذه الطريقة هي مجرد عاهرة 

"بصي انتي.. من كلامك بيقول إنك يعني.." تريث وهو يتفرسها بثاقبتيه لتنظر هي له بلوم ولكنه تابع "بس أنتي متعرفنيش.. أنا بدر الدين الخولي وممكن تسألي عني.. بدل السين والجيم والأقسام والمشاكل ممكن تحكيلي كل حاجة.. اعتبريها فضفضة عن اللي بيحصلك منه"

"ولا أقسام ولا مشاكل ولا خايفة من حد.. خلاص مبقتش تفرق" تنهدت مرة ثانية وقد لمح الحُزن بنبرتها "أنا هاحكيلك.. ومعنديش مانع تجبلي حد يقبض عليا .. أقولك تعالى نروح القسم سوا بعض ما نخلص كلامنا" ابتسمت في سخرية على حالها ليعقد بدر الدين حاجباه في ترقب "الموضوع ببساطة إني شوفته راجل معاه فلوس وأنا كنت محتاجة الفلوس.. بروحله، بينام معايا، وبمشي.. ولا أعرفه، ولا أعرف أهله، ولا حتى أعرف شغله فين.. أنا مجرد جردل وسخ لرجالة كتير" دمعت عيناها للحظة ولكنها سيطرت بسرعة على دموعها التي تود الإنهمار "ومظنش إني أختلف كتير بالنسبة لشهاب" بالرغم من تأثر بدر الدين بما يسمعه ولكنه ابتسم في سخرية شديدة 

"تمام.. وهو ده بالظبط اللي جايلك علشانه.. عايزك تحكيلي عرفتيه ازاي بالتفاصيل، والأهم من ده واللي مش هلاقيه غير عندك.. شهاب بينام معاكي ازاي وبالتفاصيل؟!" نظرت له رافعة حاجبيها في دهشة 

"أنا مش فاهمة ايه لازمة السؤال بصراحة.."

"احكي وهاجاوبك على كل أسئلتك في الآخر" زفرت في ضيق ولكنها تريثت لبرهة فلعلها ولأول مرة بحياتها منذ أن خطت أولى خطواتها بذلك الطريق القذر تستطيع أن تخبر أحداً بكل ما تعانيه، وليقتلها شهاب أو يفعل ما يشاء فهي لم تعد تكترث بعد

"شوفته من فترة.. كام شهر بس.. يمكن قرب السنة.. كان قاعد في أوتيل.." أطلقت ضحكة خافتة بسخرية على حالها "دفعت كل اللي كان معايا ساعتها علشان أدخل ادور على زبون يدفع كويس.. كل اللي في جيبي دفعته في عصير برتقان.. تصدق العصير ده مش قادرة انساه لغاية دلوقتي.. كان وحش أوي.. وحش جداً.. معرفش الناس ازاي بتدفع المبالغ دي في أماكن معروفة انها يعني للصفوة" ابتسمت مجدداً في تهكم ليطلق بدر الدين شهيقاً في نفاذ صبر أمّا هي فتمنت من طيات قلبها لو أن هناك من يسمعها ويعرف عنها كل شيء 

"شكلي ومظهري وطريقتي اللي بعرف أتعامل بيهم مع الناس محدش يقدر يشك فيهم.. بالذات إني خريجة إعلام.. صحافة وبعرف اتكلم كويس" نظرت له وهي ترفع حاجبيها في تهكم ليعقد هو حاجباه في تعجب "كنت بنت ناس بسيطة.. حلمي إن أسمي يتكتب على أكبر جريدة في البلد.. والناس تستنى مقالي الأسبوعي.." دمعت عيناها دون أن تنهمر دموعها "حلمت بكلمة المقال مكسر الدنيا والناس عجبها كلامك.. حلمت إن الـ social media كلها تتكلم عني وعن القضايا اللي هانشرها.. حلمت إني في يوم أكبر وأكبر ويبقالي جريدة بتاعتي.. ذاكرت وخلصت جامعة وتقدير امتياز.. وفجأة!! كنت بقدم على شغل على النت.. سمعت صوت هبدة على الأرض" توسعت عيناها ليقع بدر الدين في الحيرة أكثر 

"جريت.. سبت اللابتوب اللي سالفاه من جارتنا ورميته على السرير وروحت أشوف فيه ايه.. أمي واقعة على الأرض!" تغيرت ملامحها ليسند بدر الدين وجنه على سبابته بتركيز شديد وهو يتفحصها بثاقبتيه ليتبين مدى صدقها بينما تنهدت هي "علشان مطولش عليك وبعد الفحوصات والتحاليل والدكاترة.. أمي محتاجة كلية!" تجمدت ملامحها ليبتلع هو في تردد "اللي يقول سوق سودا واللي يقول فرنسا.. وفيه اللي يقولي شوفيلك متبرع.. طب أنا أنفع.. لا طلعت منفعش اتبرعلها.. ملعون أبو الطب على سنينه" همست في تهكم 

"أمي اللي ربتني أنا وأخويا.. من غير أب.. معاشه سبعمية وخمسين جنيه ومرتبها تلت آلاف وخمسمية وتلاتة وأربعين جنيه وستين قرش بعد آخر علاوة" تفقدته بعسليتين دامعتين "طب أعمل جمعية زيها زي ما كانت بتدبر مصاريفنا بيها؟! مش هالحق.. أنا أصلاً ماليش مرتب.. طب أنزل كنترول عشان الزيادة!! مش هاينفع.. أصلي مش مُدرسة زيها.. مُدرسة بعد سنين تعب وشقا يوم ما تتعب يقولوها امشي أصلك بتغيبي كتير" هطلت دموعها لتزداد عقدة بدر الدين في تأثر وقد صدق كلماتها بأكملها 

"طب أشتغل كول سنتر.. أصلي بتكلم انجليزي حلو.. بس محتاجة شهرين تدريب وأول مرتب بعد ما ابقى certified .. يعني أول مرتب بعد تلت شهور.. وأخويا.. مصاريفه بعد شهرين ونص.. خريج تجارة English.. جيد جداً مرتفع.." ابتسمت بفخر ثم تابعت "كنت ماشية في الشارع.. كنت تايهة.. مكنتش عارفة أعمل ايه واحنا كل الدهب اللي معانا اتصرف على التحاليل والمستشفيات والدكاترة.. والسبعمية وخمسين جنيه بنجيب بيهم عيش وجبنة وفول طول الشهر ولو كفى فاتورة الكهربا يبقا بالعافية.. وآه.. أربعة وعشرين جنيه ونص إيجار الشقة.. أصلها بتاعة جدي أبو أمي.. وصاحب الشقة عايزنا نمشي علشان يبيعها" ضحكت في سخرية بين بكائها 

"مكنتش أعرف أنا ماشية فين.. شارع.. شارع ملعون" تنهدت في آسى ثم تغيرت ملامحها وكأنما تذكرت شيئاً ما لتصدح بصوتها عالياً "ما تيجي يا حلوة.. مبصتش.." تغيرت نبرتها بين أول جملة والتي تليها ثم عادت لترتفع مرة ثانية "هبسط وهاديكي اللي أنتي عايزاه.. بصيت بطرف عيني علشان أشوف مين ده.." تغيرت نبرتها مجدداً حتى تستطيع التخلص من تلك المرارة وكأنها تعيد كل شيء أمام عيناها مرة أخرى "تعالي مش هتندمي.. ركزت ولقيت عربية غالية.. من اللي بنشوف إعلانتها كل يوم على النت والتلفزيون ومرتب أمي لمدة ست شهور ميجبش حق كاوتشة من كاوتشاتها اللي بتدوس بيهم على الأرض.. حتة الكاوتشة اللي بتلمس الزبالة.. مش معانا حقها حتى" ابتسمت في تهكم على حالها 

"هتدفع كام!! كان لازم أستغله.. قربت منه وكلمته.. ما ده اللي كان لازم أعمله.." تنهدت في حزن جم "لما عرف إني بنت.. دفع مبلغ كويس.. مبلغ حلو يجيب مسكنات ويأكلنا ويدفع الفواتير لشهرين.. لا ومش جبنة وفول وعيش.. ده احنا كنا بنغير كمان كل يوم.. وفطار وغدا" ابتسمت ساخرة "وقولت ليه لأ.. وماله.. ما أقلب رزقي وزبون جر التاني وكله بالشياكة والإحترام" ولكنها أشارت بسبابتها وكأنها توقف نفسها عن الحديث "بس ماما وأخويا هاقولهم ايه؟!" 

"اتعينت في جريدة.. وأخدت سُلفة.. ايوة هي الجريدة دي بس بكتب فيها بإسم مستعار.. ومين فاضي يدور اللي عينه طالعة في المذاكرة ولا اللي بتموت من الوجع.. أنا هسافر أغطي أخبار.. وهضيفك يا أمي للتأمين.. أصل عندنا الموظفين يقدروا يضيفوا أهاليهم.." هزت كتفيها بإبتسامة امتلئت بالهم المرير "قولت أنا لو شقط.. مش شقط شوارع بقا.. روحت جبت هدوم شيك وطبعت كروت باسم غير اسمي وبيرفيوم وميك اب وحاجة كده سيدة أعمال الرذيلة بدرجة أولى" رفعت حاجبها في تفاخر ساخر "ودخلت الأوتيل.. وسألت عنه وروحتله" توسعت ابتسامتها 

"راجل.. فلوسه كتير.. شاب حلو مش عجوز ولا مكعبر ولا بلدي.. ماستفيدش ليه؟ مش فلوسه أولى لكلية أمي؟ وحقيقي فلوسه كفت وفاضت" تنهدت بآسى لتتابع "يومها فضلت أزن عليه بشياكة.. بدبلوماسية شديدة.. حلوين الكلمتين دول ينفعوا في مقال.. سبتلك الكارت وكتبتله اسمي الحقيقي وعنواني علشان يسأل عني ويعرف إني مضطرة.. أصل شهاب بيه معروف عنه انه بيساعد الغلابة وبيسيب بقشيش للناس بمرتبهم كله اللي بيقبضوه طول الشهر.. يمكن لو عرف حقيقة اللي بعمله يقبل.. يقبل أكون الجردل الوسخ في حياته!" همست بحرقة ثم انهمرت دموعها في قهر 

"كلمني بعد يومين.. كلمني وروحتله.. فاكرة هاقضي ليلة حلوة.. أصله شكله حلو.. ولا قولت يمكن يطلع مبيعرفش وأهو بيبعتر فلوسه.. ولا جايز ليلة وهاطلع من حياته علشان ادور على غيره.. قولت يمكن يبقاله أصحاب أقلب رزقي معاهم.. أطلع منه بمعارف.. فكرت في كل حاجة.. واتشيكت أوي وروحت رشيت من أغلى برفيوم عندي.. قررت إني مش هاسيبه يفلت من ايدي غير لما استفيد.. وكنت غبية.. غبية أوي" ابتسمت في آسى وهي تجفف دموعها 

"أول ليلة معاه.. عنفه كان غريب.. مش زي أي راجل عايز يحسس.. ولا حتى زي أي واحد بيتهبل بجسمي.. البرفيوم منفعش ولا جمالي ولا حلاوته ولا حتى الهدوم الغالية.. كان اغتصاب!! دي أقرب حاجة ممكن أقولهالك.." نظرت له لتنهمر الدموع من عينيها دون أن تتلاقى أهدابها في تلقائية كشلالات المياة الجارفة "أنت قولتلي أسمك ايه؟" باغتته بسؤالها لتتحول ملامحه للتعجب "أصلي نسيت اسمك ومش فاكرة غير شهاب.. أصله بقا كابوس" 

"كابوس بيبدأ يوم ما يقولي تعاليلي.. تعاليلي في رسالة.. يكلمني ويقولي تعاليلي ويقفل.. ولا بينا لا سلام ولا كلام.. كل اللي بينا إغتصاب بالتراضي.. أنا موافقة وهو.. هو مين؟! ده أنا حتى معرفش عنه حاجة غير اسمه وعنوان بيته اللي شوفتني فيه" توسعت عيناها وتوقفت عن البكاء "صحيح! نسيت أقولك على اللي حصل بعد أول مرة.. عربية.. الفيلا اللي قاعدة فيها.. عملية أمي.. وفلوس الترم التاني بتاعت أخويا اتدفعت" زفرت وهو توصد عيناها "ربنا ما يحرمني منك يا سلمى ويقدرني وأردلك كل اللي بتعمليه علشاننا.. ده أنا لسه رايح أسأل على المصاريف لقيتها مدفوعة.. أنا مش عارف أقولك ايه على كل تعبك معانا.. يااااه" انهمرت دموعها وبكت في هيسترية 

"أخويا كان مبهور بيا.. فاكرني بتعب.. فاكرني شريفة.." توالت شهقاتها في حُرقة "ميعرفش إني وسخة.. إني شقط.. إني بروح لواحد بيتفنن في انه يوجعني.. آه بجيب منه الفلوس بالتعب.. تعبي وجسمي اللي بيتبهدلوا وأنا معاه.. ده لو بينتقم مني مخصوص مش هيعمل فيا كده" جففت دموعها وهي تنظر له في وهن وقلة حيلة "الأيام عدت.. وأقنعتهم إني بشتغل برا علشان أكون تحت أمره.. الأيام عدت وغيرلي العربية وقالي بيعي القديمة وخدي فلوسها.. والأيام عدت وساعد في جواز أخويا.. وكل ما الأيام بتعدي وهو بيدفع فلوس.. وأنا بدفع وجع.. كل مرة بتبقا أسوأ من اللي قبلها، كل مرة غير التانية.. تعرف.. أنا نفسي في ايه؟" نظرت له بملامح ساخرة باكية "نفسي أبوس شهاب.. أصله عمره ما عملها" ضحكت في سخرية لاذعة 

"نفسي أنام معاه وياخدني في حضنه.. نفسي لما يهد حيلي يسيبني نايمة في سريره.. أو يرمي عليا غطا.. نفسي مرة يقول كلام أفهمه.. حتى اللي بفهمه بالألفاظ مالوش عندي معنى.. نفسي مرة أفهم هو ليه عنيف.. ليه قسوته دي.. كل مرة العذاب ده لغاية ما بقا نفسي أموت.. طب أقفل موبيلي..أهرب؟! وأمي وأخويا اللي شغله في بنك؟! طب لو سلمى الجبل اللي شايل كل ده لو أهلها عرفوا انها مومس؟! ميس سناء المحترمة.. أستاذ لؤي مدير الفرع الصغير اللي محدش عملها في سنه.. ومرات استاذ لؤي.. لما يعرفوا إني مومس هاعمل ايه؟!" ابتسمت لتزفر بعمق شديد 

"قوللي بقا.. ايه رأيك في الحكاية؟! عرفت حاجة زيادة عن شهاب؟ طب عرفت أنا مين؟ طب تقدر تساعدني؟ أنا مش عايزة فلوس.. أنا عايزة حياة.. عايزة أحس إني بني آدمة مش جردل وسخ!! تعرف تغير حاجة يا.. هو أنت قولتلي أسمك ايه؟! ولا ملوش لازمة الإسم.. تعالى نروح سوا القسم زي ما اتفقنا"...


--


"قبل البداية بقص النهاية التي آتت بي لأحدثك.. دعني أخبرك أن لك الحق.. وكل الحق في ألا تتقبل مني ألا أخط بسطورك حرف واحد.. أيها الدفتر الأسود ها أنا أعود إليك.. مُنكسة الرأس، قليلة الحيلة، لا أملك سوى أفكاراً شريدة وها أنت ستكون ملجأي وملاذي، لا أملك سوى أياماً عصيبة وستكون أنت دعمي وعكازي.. وإن لم تقبل فسأرغمك على أن تحتوي تلك الأيام المنصرمة، الماضي والحاضر وكل حياتي.. فأنا لأول مرة أكتب لي.. من أجل أن أعبر عن نفسي بخطي وكلماتي.. أكتب اليوم من أجلي..

أكتب إليك اليوم ليس لأنني ألهث خلف شورى، ولا أبحث عن إجابة لسؤال مكرر، ولا أريدك أن تتأثر لأجلي.. بل أنا أكتب اليوم لأعبر عما بي.. عن مكنونات صدري.. عن كل ما يلم بي من أحداث آلمتني وعن كل ما حدث لي من أمور ظننت أنها تُفرحني..

عزيزي الدفتر أستمع.. لقد وقعت بالعشق.. ووقعت بالإعجاب.. لقد شعرت بالحب.. وأحتياجي إلي الدعم والسند عبر كل الحدود.. لقد عرفت رجلاً رائعاً.. وعرفت رجلاً مُلهِماً.. أيها الدفتر.. لقد تسلل لعقلي وقلبي اثنان.. أولهما يُدعى سليم والثاني يُدعى شهاب.. ثانيهما ابن العم وأولهما ابن الخال..

سليم!! ظننت أن حياتي معه ستستقيم، سيرشدني إلي كل ما لا أستطيع أن أجده، سينتشلني من هذا الضياع، سليم الذي يعلم ما الذي فعلته بي والدتي.. اللطيف الحنون ذو الضحكة التي تسلب عقلي.. ذلك الرجل الرائع.. شبيه بدر الدين خالي الذي أعشقه.. ذلك الرجل الذي شعرت معه وكأنني نجمة تُزين السماء المعتمة بالسحب الكثيفة ولا يظهر بريق لسواي.. 

جعلني أدرك ما هو الحب دون أن ينطق بها، جعلني أرى الحب يتجسد في أفعال دون الأقوال.. جعلني وجعلني وجعلني .. لا تكف سطورك لمشاعري وقتها لقد كانت كالخيال؛ حنانه، مزاحه، هدوءه، طاقته الخفية في أن يرسم الإبتسامة على شفتاي، لمسته لي وإقترابه مني يجعلني أُحلق بالسماوات ولكن حدث ما آتى بي لأعمق بؤرة ببواطن الأراضين.. حدث ما لم أدع نفسي أتبين إن كان كذباً أم يقين..

ولقد كانت كلمات كسرت قلبي وهشمت تلك المشاعر التي أكننتها له.. شعرت وقتها بأنني تلك الصغيرة التي يستطيع كل شخص أن يخدعها، المريضة التي يُشفق عليها الجميع، تلك الضعيفة التي يستطيع كل من قابلها أن يتحكم بها..

حالة من نفور جم أمتلكني.. لقد أختفيت قبلها بثلاثة أيام فقط لأحاول استعادة قسطاً من راحة البال بعد مجادلة عنيفة مع أمي.. أتعلم أنها صفعتني أمام أعين خالي وزوجته بمنزلهما.. يا للسخرية!! يا لقدري التعيس.. والدتي مهما تغير الزمان، بالغة كنت أم مراهقة أم طفلة صغيرة لن تتغير معي أبداً..

لقد لاقيت شهاب يومها، بدأت علاقتنا في التقارب تزداد، تلك الثقة الشديدة التي يتحدث بها، عدم الحكم علي حتى ولو رآني أفعل أكثر فِعلاً مجنوناً بهذه الحياة، لا يحكم علي أبداً ولا يُطلق الأحكام حتى ولو بنظرة أو ردة فعل، هدوءه الغريب هذا جعلني أنسى الكثير مما أعانيه.. كونه بعيداً عن إخوتي وأمي وكل من أعرفهم جعلني أدلف عالماً جديداً لم أختبره من قبل..

لقد رأيت تهوره، طريقته المميزة في استمتاعه بالوقت، وجوده بجانبي وكأنه انتشلني من ذلك التشوش الذي كنت أحياه مع العائلة بأكملها، لقد وجدت ضالتي معه، لقد عايشت مجدداً أجواء العائلة الهادئة التي لطالما تمنيتها بصحبة شهاب وعمي كرم والده.. وبعد استعدادي التام عدت لسليم.. بالرغم من شعوري بالذنب في عدم اللجوء له ولكنني كنت سأعتذر، كنت أملك الكثير من المبررات وقتها ولكن ما أكتشفته جعلني أجن!!

لقد كنت متلهفه للقاءه، لمعانقته كي أقص عليه كل ما أشعر به، تمنيت أن أرى نظرته لي التي تجعلني أشعر وكأنني أجمل فتاة على وجه الأرض، كنت أشتاق لرائحته التي تتسلل لأنفاسي وكأنها رائحة الأمان، أردت أن أسمع منه كلماته التي ينتقيها كي أقع بعشقه أكثر، ولكن أروى جعلتني أرى الحقيقة بأكملها.. أو هكذا ظننت!!

آمنت بخوفها عليّ، بالرغم من أنها لم تتعامل معي من قبل بمثل تلك المشاعر ولكنني قرآتها بأعينها، لقد كانت تشعر بالخوف على من الإستغلال، لقد جعلتني أستمع لحقيقة مشاعر سليم تجاهي.. جعلتني أستمع لذلك الرهان السخيف بينه وبين أخي إياد.. لم أرى وقتها سوى صورتي المنخدعة بعشق رجل كاذب وصورتي الساذجة التي تثق في أخيها ثقة عمياء..

يومها أنهرت تماماً.. شعرت أنني لست سوى أداة لملئ فراغ أوقاتهما، كنت كالكفيفة التي أستعادت بصرها بعد الكثير من الوقت، وهرولت كالكفيفة التي تناست أن بصرها عاد إليها إلي مكتب سليم كي أصرخ بوجهه.. 

خرجت لأصرخ بالجميع، أردت أن أصرخ كي يعلمون أنني لست المُغفلة التي يستغفلها الجميع، لست الكفيفة التي يظنون أنها هي.. أردت بكل ما أوتيت من قوة أن أُبرهن لهم جميعاً أنني لن أنخدع مرة ثانية، لن أكون الفريسة الضعيفة التي تنهشها أنياب الليوث الجائعة.. صرخت بما صرخت لأجد نفسي بين ذراعي شهاب.. ويومها.. بدأ كل شيء..

بدأ الوهن بي يبحث عن الحضن الدافئ، بدأ إدراكي يرى من الطالح ومن الكاذب، بدأت في الظن بأنني أملك أخت تكترث لي، بدأت في التماس الأمان بعائلة تعترف بي، وجدته بجانبي، ملاذي، عُكازي، الحضن الدافئ الذي تمنيته طوال حياتي.. بدأت أن أعتبره يومي بأكمله وشعرت دونه أنني سأفقد أماني..

بين الدفء الذي التمسته بجانب شهاب وبين القسوة التي تلقيتها من سليم كالعذاب وجدتني أفقد نفسي.. بين معاملته بالإهانات التي لا تبقي ولا تذر وبين الإقتراب من أمان وهدوء بدأ في التغلل لقلبي وجدتني أهرول نحو السكينة التي بدأت في التسلل لكل ما بي.. بين كبرياء وعناد، أراه يبتسم لأروى ويتجهم كلما تقابلت أعيننا، يسعد طوال يومه وعندما يلاقيني يعاملني أنني أسوأ من يعرفه، وجدتني أهرب وأهرب وأعافر للوصول لكل ما يجمعني بشهاب..

تمنيت أن يبرر لي، أن يخبرني أنني لم أفعل ذلك.. كم تمنيت أن أكذب مسامعي.. ولكنه أبصرني الحقيقة اللاذعة بأم عيني.. فقط قل أي شيء، قل ولو حرفاً واحداً كي تفسر لي.. أصرخ، أغضب، أطنب معي بالحديث وأخبرني أنك لست الفاعل.. لماذا لا تتحدث؟ ألا تكترث لي؟ أكنت كاذباً لتلك الدرجة؟ أأنت الخادع الذي يقلب حياة الفتاة رأساً على عقب حتى تبدأ في الهروب من العشق بكافة أنواعه؟ أأنت عُقدتي؟ أستكون الذكرى السوداء كلما آتى على مسامعي علاقات الحب ونهايتها؟ لماذا تقسو علي لهذه الدرجة؟.. 

حسناً.. لا تتحدث ولا تبرر، لا تضب ولا تُفسر.. أذهب لتكمل حياتك، ودعني لأفعل أنا الأخرى.. عُد لتكون الرجل الذي يتواجد بالقرب من الجميع، ودعني أغرب أنا عن الجميع.. أنت كما أنت بحياتك التي تُزيفها أمام الناس بالضحك والإستمتاع والحيوية، وأنا كما أنا لا زلت بطريقي المجهول أبحث عن الحرية..

لن أضعف، لن أبكي، لا تظن أن الدموع بمقلتي قد تجمعت لوهني.. لا!! بل لقوتي.. قوتي في الثقة، في إعطاء الأمان، في تصديق الجميع وكأنهم ملائكة وكأن كلماتهم بُشرى.. 

ها أنا أفعل.. لقد تركت ما يلم بي من أوجاع وجراح على أرض تلك المعركة المميتة التي فتتني لأشلاء.. سأهاجر لأرض آمنة.. سأجد لي وطناً يحتضنني.. سليم الوداع.. أنت كنت حياة خادعة امتلئت بالوعود الواهية .. شهاب أهلاً ومرحباً .. أنت الوطن الجديد الذي بعث فيَّ الحياة..

خاتمه حول يدي، فتاة مخطوبة، أين بقية عائلتي؟ لا يهم لقد أردت الإبتعاد.. كل شيء أصبح غريب، حتى مشاعري غريبة.. وكأن هناك شيئاً غائباً.. تلك الفرحة والسعادة التي رأيتها بعيون الفتيات في الأفلام لا أشعر بها.. ربما لأنني قد جُرحت للتو من سليم وإياد.. هذه هي الحقيقة.. سأصبح أفضل بمرور الوقت.. سأصبح أفضل عندما أقترب أكثر من شهاب..

جسدي التهب كالمصابة بالحمى في آواخر كانون الأول، ودوي الرعد بأذني كصوته بمنتصف كانون الثاني.. لقد أصفر وجهي وشحب كأوراق أشجار تشرين الأول.. وجمدت ملامحي بلا حياة لأشبه  أشجار تشرين الثاني.. لقد تخلت عني نسمات آذار، وفقدت دماء وجهي ولم أعد أشبه ورود نيسان.. شعرت بعاصفة هوجاء ملتهبة هبت عكس عادتها بأول أيار، وكأنها تباغتني ولم تدعني أنتظر هبوبها بحزيران.. جمعتنا أشهر قليلة ولكنها عنت لي سنوات.. رياح ساخنة هبت وكأنني بالقرب من فوهة بركان، أم شتاء قارص في وسط شتاء بآخر بقاع الأرض؟ أأتوقف عن التنفس؟ أأفقد الحياة؟ ما الذي حدث لي عندما رأيته راكعاً أمامها؟  

شهاب بجانبي.. نتشابك الأيدي.. لقد كنت عروسٍ بالأمس.. والآن كل تلك الصيحات المُهنئة تحولت إلي همس.. وكأنني أعايش دمار، إنهيار، أو ربما أنا أريد الإنفجار.. أريد البكاء والصراخ.. أريد أن أهرول حتى أوقفه صارخة أنت تعشقني.. لقد رأيت عشقك لي.. لقد كنت أمزح بأمر خطبتي.. لماذا تخطبها هي؟ ألست أنا من تعشقها؟ نعم لقد رأيت عشقك بعينيك.. تلك الفتاة.. أختي.. أحد أفراد أُسرتي.. هي من تركتني أرى كذبك وأستمع لخداعك.. أتهرول كي تزين إصبعها بخاتمك.. أتتوسل لها أمام العائلة بأكملها بأن تقبل أن تكون شريكة حياتك؟ ماذا عني؟ ما الذي تفعله بي؟ ولماذا أمام عيني؟ 

زلزال ضرب حياتي وانهارت معه كل ما شيدت من ظنون.. كل تلك الأبنية المُشيدة تحولت إلي حطام.. يدي بيدك، أتلمسها لأهنئك.. ولكن قلبي يبكي دماء.. صوتي يود الصراخ بأن تنتهي وألا تستمر في تلك الفعلة الشنعاء.. أتوسل إليك توقف.. توقف أنت لا تدري شيئاً مما تفعله بي.. تلك الأخرى التي تعانق يدها يداك قد أبعدتني عنك وجعلتني أصدق كذبك.. تلك التي تجمعت العائلة من أجلها لا تكترث لهم، أنا أفعل، أنا أكترث للجميع ولكنهم لا يريدون تقبلي.. 

لقد تعذبت كثيراً بإنكار وكراهية والدتي لي.. لم أعلم من هو أبي.. وابي الآخر قد فقدته منذ أشهر.. عانيت بوحدتي، اكتئابي وبكاءي، بكيت بين ذراعيك من نوباتي.. ولكن أن تصبح لغيري.. كانت أصعب فاجعة بحياتي..

لماذا أشعر هكذا؟ ألست سعيدة بوجودي مع شهاب؟ لماذا لم تدافع عن نفسك أمامي؟ أأنت الآن تسعد معها وتتركني أنا بهذا العذاب؟ لماذا تهربت من أعين الجميع لأختلي بنفسي وانعزل عن هذا العالم القاسي، أردت الفرار، بداخلي دمار، لا يستطيع سواك أن يرممه، ولا تستطيع فعلتها لأنك تركتني وذهبت بعيداً دون الإكتراث لي..

لماذا أنت هنا؟ تجذبني من يداي.. تختلي بي.. أرجوك لا تفعل لا أستطيع سوى أن أعانقك وأبكي بصدرك، أريد الإستماع لخفقات قلبك التي أستمعتها من قبل تصرخ بأسمي وحدي دو سواي.. ابتعد عني.. اتركني.. أنت نسيتني.. كذبت علي.. تتلاعب على أختي وعلي.. أنا أكرهك بالرغم من عشقي لك.. ابتعد وأرجوك لا.. لا تُقبلني.. لو فعلتها لن أستطيع أن أنجو بعدها..

أنا لا أستطيع أن امنع نفسي عنك.. أنا وبالرغم من كل ما علمت أريدك، ولا زلت أريدك.. أتركها من أجلي أرجوك.. أتوسل لك انسى كل ما حدث وعد إلي.. أروى لا تستحقك بل أنا، لماذا تغيرت معها وتركتني؟ أكنت أنا كبش الفداء؟ أكنت الصغيرة التي تتسلى بها بينما أخترتها هي بعد اللهو لتبدأ حياتك معها؟ 

يوماً عصيباً.. يوماً لن أنساه أبداً.. يوماً لم تكف دموعي عن إدراكي كم كنت غبية بلهاء لتسرعي، أنا حتى لم أناقشه، لم أخبره بكل التفاصيل، تركته ورائي وهو الآن يرد الصاع لي.. لقد تركني وراءه.. لقد تخلى عني مثلما فعلت معه.. وحتى يُزين اليوم بآلم يُهشم قلبي آتى لي ليلتها.. تواجد أمامي.. بالقرب مني ليُخبرني أنني لا أستحق..

بدأ بتراهات عن العمل.. وللأسف كان مُحقاً بتقصيري.. ولكنني بطريقتي المعهودة وعنادي غير المتقبل لنزعات التحكم قابلته بالجدال ليقابلني بفجيعة الحقيقة.. نعم أنا الفتاة التي تستمع لكل شيء وتصدقه ظناً مني أن الجميع صاقون مثلي.. أنا مُقصرة، وأخطأ.. وهو معه كل الحق.. ولكن أتتحدث عن العمل أيها الكاذب الأعمى وتحاول التملص من عشقي لك الذي تلاعبت به.. إذاً أقسم لي أنت الآخر أنك لم تعشقني.. أعطِ لي ولو سبباً واحداً أو مبرراً لكل ما يحدث لي ولك!

يومها تعجب من أنني أخبره بتعدد وجوهه وكذبه، يومها واجهني بتركي للجميع أنا من تتغير وجوهي.. أنا من أتفقت معه على التغير والإستقامة والهدوء ثم تركت تشتتي ليفتك بي وبه وبكل من حولي.. أنا من حذرني من العديد من الأشياء وتخلفت أنا وألقيت بنفسي بفوهة ذلك الجُب الذي لا أعلم عنه شيء.. واجهته أنه كذب علي ثم ذهب ليخطب أروى ليواجهني بخطوبتي لشهاب.. احتدت المعركة وتبارزنا بالمزيد، رفع كلاً منا سيفه من الفولاذٍ القاسي الذي رأيت بريقه بعينيه، ورفعت أنا سيفي من الفولاذ المصهور الذي شابه مشاعري التي غلت بداخلي كحمم البركان.. 

أخبرته أنني لم أذهب لمن قال عني أنني كاذبة خادعه ليزين إصبعي بخاتم الزواج، ليباغتني هو بضربة سيفه القاسي، أخبرني أنه لم يعلم ما قالته أروى عنه، سألني لماذا لم أخبره؟..   

احتدت المعركة ودوي صراخ سيوفنا يتعالى، صرخت به قائلة أنه كذب علي، تراهنت علي، صرخت وأخبرته أنها من أخبرتني، أخبرته بأنها لا تحبه، تراه كاذباً مخادعاً.. وددت أن أكمل صراخي وأنا أصرخ ببقية الحقيقة.. أردت أن أُعلمه أنني لم أصدق، أردت أن أقول لا تزال مشاعري لك كما هي.. ولكنني كنت كجندي جبان بساحة الحرب ليدوي صوت سيفه المباغت لي بطعنته السائلة في استنكار "مش أنا كداب وأروى أختك حبيبتك جت عرفتك حقيقتي.. ليه مضايقة؟ ليه مضايقة اننا اتخطبنا؟" 

لا زلت أتذكر كلماته، ولا زلت لا أدري لماذا أنا حزينة وغاضبة، أجبته وأخبرته بأنني لا أدري.. أخبرته أنني مُتعبة من كل شيء، وتمنيت أن يعانقني بين ذراعاه، أن يُخفف عني ولو لثوانٍ معدودة..

ولكن سيفه لم يترفق بي وطعنني بالمزيد من القسوة، كالجندي الشجاع بساحة المعركة طعنني مجدداً بالحقيقة الصادمة.. الحقيقة التي ليس له ذنب بها، كوني لا أعلم فهذه هي مُشكلتي، وكوني أنني صدقت أروى وتغافلت عن كل ما فعلته معي بالماضي فهي أيضاً مًشكلتي، وطعنني طعنة غائرة بأنه حدثني من قبل، شرح لي.. تلك الأيام كان قريباً مني، كنت سعيدة ولكنني وبمنتهى البلاهة أضعته من يدي.. والطعنة القاتلة بأنني لا أستحق أن يُبرر لي شيئاً مزقت قلبي لأشلاء.. ليقنعني أنا نفسي قبل أن أعاتبه بأنني لا أستحق..

كانت تلك نهايتي مع سليم ليلملم والده، خالي، الصديق، الأب كل ما شتتني.. بطريقته ومزاحه وابتسامته وحبه وخوفه عليَّ وبعد لقاء طويل قصصت له به كل ما حدث بيني وبين سليم وشعوري نحو شهاب وتشتتي نصحني بأن ابتعد حتى أُقرر ما الذي أريده..

بالرغم من شعوري بضرورة تواجدي بجانب شهاب لوفاة عمي التي مر عليها حوالي يوم الواحد ولكن كان يجب أن ابتعد.. أن أستريح، أن أعود بالبوح بمكنونات صدري لخالي بدر الدين أو لأسما تلك الفتاة الهادئة التي تستمع لي بإنتباه أو لك أنت أيها الدفتر أو حتى لفيروز..

تلك المرأة رائعة وبها سحر غريب يجذبني كي أقص عليها كل شيء، شعرت بالراحة الشديدة كلما تحدثت لها وأخبرتها بالمزيد.. يبدو وأنني على الإكتراث لحالي قبل أن أكترث للجميع.. بالرغم مما أشعر به تجاه شهاب وسليم ولكن علي الإستماع لنفسي أولاً والجميع ثانياً سواهما هما الأثنان.. عليّ أن أقرر ماذا أريد والتخلص من ذلك التشتت الذي يقتلني آلاف المرات كل يوم..

فلأتنفس براحة وهدوء.. سآخذ هدنة من تلك الحرب مع سليم، وسأدع تلك المشاعر غير المُكتملة مع شهاب جانباً.. علي معرفة ماذا أريد؟ علي معرفة كل ما أخطأت به بيني وبين نفسي حتى لا أُكرره.. ومنذ اليوم علي البوح أكثر والتوقف عن الأسئلة التي لا إجابة لها..

وها أنا وصلت للنهاية وبالرغم من أنني آتيت إليك  مُنكسة الرأس، قليلة الحيلة، ولكن أعلم أنني أتنهد الآن براحة بعدما قصصت عليك الكثير والكثير مما حمله قلبي وعقلي الملتعان.. هدأت عاصفة التشتت وقرت عيناي الباكيتان.. خفقات قلبي عادت لهدوئها وانتظامها.. وأنتظر مني موعداً آخر كي أخبرك بكل ما توصلت له دفتري الأسود..

شكراً لتحمل سطورك كلماتي.. وداعاً..


--

 

"عايزني أقولك ايه؟ عايزني أقولك بيغرس صوابعه في جسمي كأنه بينتقم مني؟ عايزني أقولك إنه عامل زي التور في موسم التزاوج؟! ولا أقولك إنه كل مرة بيبقا أبشع من اللي قبلها؟ أقولك إن شعري بيتقطع وهو بيهذي في وداني بكلام مش فهماه وأنا بدوخ وحاسه إني روحي بتطلع مني بسبب شدة ممارسته معايا؟ بيفكرني اني نسيت نفسي وجيت اترجاه علشان أكون الجردل الوسخ.. ولا عايزني أحكيلك عن المرة اللي اتحايلت عليه فيها إنه بلاش يضربني على وشي ولا يشد شعري عشان فرح أخويا كمان يومين فضل يهين فيا ويذلني بكلام قذر ورماني على الأرض بعدها.. ولا أحكيلك إني في مرة فضلت اتعالج يجي شهر من اللي عمله فيا.. وآخر مرة يربطني لغاية ما حسيت ايدي هتتفصل عن جسمي ووجعي اللي في ضهري بيموتني لغاية دلوقتي... تحب تفاصيل تاني؟ تحب ايه كمان؟ تحب أقولك بالحرف كان بيقول ايه لما بيقرب خلاص.. أنا أقولك.. كان بيقول ..."

خلل بدر الدين شعره وهو يتذكر تلك الكلمات التي سقطت على مسامعه كالصاعقات، قصة تلك الفتاة وتحققه منها، تلك التسجيلات التي أمام عيناه التي وصل إليها من حاسوب شهاب، ما وصل له من معلومات عن وليد.. ما هذا الرجل!! كيف أصبح هكذا!! ليس بسادي، وليس بعنيف.. هذا الرجل مجنون!! 

لا يستطيع سوى وصفه بذلك.. ماذا لو أن شهاب تعرض لزينة بفعل شيء بها؟.. تنهد بقليل من الراحة لأنه جعلها تبتعد عنه.. سادية وعنف غير مبرران.. ربما يكون له يداً بتجارة أسلحة.. من هذا الرجل الذي دلف حياتهم ليقلبها رأساً على عقب؟!

--


"ماشي يا شهاب.. موبيلك مقفول.. صبرك عليا بس" تمتمت بداخلها وهي تُلقي بحنق بهاتفها داخل حقيبة يدها 

"قولي إني وحشتك الحبة دول!" نبهها صوت سليم لترتسم الضحكة على شفتاها 

"دول دقيقتين روحت فيهم التواليت يعني يا سليم انت بتبالغ اوي!" 

"تصدقي أنتي مش وش نعمة ولا دلع ولا كلام حب ورومانسية.. أنا أروح أخطبلي واحدة تانية بقا وأخلص من النكد ده" تصنع العبوس 

"روح.. هتلف الدنيا كلها ومش هتلاقي زيي"

"أموت أنا في الجامد الواثق من نفسه.. غلبتني يا شديد" همس لها مازحاً ثم غمز لها ثم أقترب ممسكاً بيدها ليجذبها مُرغماً اياها على السير معه 

"استنى بس رايح فين؟" صاحت في تعجب

"هنركب خيل"

"بس أنا لبسي مش.."

"هششش.. أنا محضر كل حاجة.. احنا جايين نتبسط بقا النهاردة متقوليليش لأ على حاجة" قاطعها ثم اشتدت قبضته على يدها لتتبعه وبدأت في إطلاق العنان لنفسها كي تختبر تلك المشاعر معه التي لم تظن قبلاً أنها ستشكل فارقاً بالنسبة لها..


--


حملها ممسكاً بأسفل مؤخرتها ثم دفعها بعنفٍ قاسٍ ليرتطم ظهرها بالحائط مُسبباً لها الآلم الشديد لتصرخ على اثر ما يفعله بها ثم باعد بين ساقيها وهو يتصبب عرقاً ودلفها بقوة للمرة الآلف ربما هي لا تدري، ولكنها فقدت مقدرتها على إدراك ما يفعله ولا تشعر سوى بقرب فقدانها للوعي للمرة الثانية..

"ايه.. هيثم مبيعملش معاكي كده؟!" صاح بين أسنانه المُطبقة في غيظٍ شديد لاهثاً "ما تنطقي.. ولا هو مبيكيفكيش!!" صرخ بها وهو يعاشرها بعنف لاذع بينما هي حتى لا تستطيع إحكام تشبثها به خوفاً من أن تسقط وظل يدفع بها بسرعة شديدة ممسكاً بها وقد توقف جسدها عن الإستجابة له منذ فترة فلقد غرقت تماماً بآلامها وأوجاعها التي يسببها له منذ ليلة أمس..

"ايه.. جبتي أخرك خلاص" ابتسم نصف ابتسامة متهكماً بعدما تركها فجأة لتسقط أرضاً لتنظر له بعد صراخها من تأثير السقوط في توسل شديد ودموع لا تتوقف 

"شهاب.. أنا مبقتش مستحملة.. كفاية" بالكاد همست بصوت فتك به الآلم 

"مش أنتي اللي تقولي كفاية" ألقى بجسده فوق جسدها لتفترش الأرضية بجسدها رغماً عنها وأعتلاها ليتواجد بداخلها مرة أخرى في سرعة جامحة رافعاً احدى ساقيها في قوة كي يسبب لها المزيد من الآلم وحاوط عنقها بيده الأخرى وأقترب بوجهه من وجهها للغاية "قولي إنك بتحبيني" آمرها والغل ينهمر من عيناه بينما نظرت هي له بكراهية أستطاع أن يقرأها بسهولة ودموعها الممزوج بصراخها لا يتوقف "انطقي!" صرخ بها ليزيد من سرعته ليرغمها مجدداً على النطق بها وضيق محاوطته لعنقها لتنظر له في رعب

"بحبك" همست في وهن ليوصد هو عيناه وأخذ جسده في التصبب بالمزيد من العرق وقارب على الخلاص لينتهك جسدها أسفله بعنف جم وبالنهاية أخذ شفتيها بين شفتاه ليفترسها بين أسنانه حتى كادت أن تُفتك ولكنها لم يكترث سوى للمزيد من إطلاق عنفه بتلك اللحظة التي ارتجف بها جسده وشعر بطعم دماء على لسانه من شدة تلك القُبلة الماجنة المهووسة بامتلاك هذه المرأة أسفله معتقداً استحقاقها لكل ذلك العذاب الذي بدأته هي يوماً ما..

يُتبع..