-->

رواية جديدة بحر ثائر جـ2 لآية العربي - الفصل 19 - السبت 12/7/2025

 

قراءة رواية بحر ثائر الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية بحر ثائر

الجزء الثاني 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل التاسع عشر 


تم النشر السبت 

12/7/2025


لأجل من لأجلهم ينبض القلب ويحيا


 أحترق و أُحْرِقْ... 


قد لا يزول هذا الألم 


قد لا تتبَدَّد الغيوم.. 


وقد لا تمطر... 


قد نبقى هكذا في المنتصف


لا طُلنا سماء الأحلام


ولا لامسنا أرضها..... 


لكن بعد كل غروب هناك شروق


وبعد كل فراق لا بُدَّ من لقاء


وراء كل غيمة هناك شمس... 


في عتمة الليل المظلم 


تَرْقُد النجوم.... 


وبعد كل نقص وألم


يكتمل القمر... 


ويولد الأمل... بأن لنا مع بعض أمل


فلا أنا أنا وانتَ لست معي.. 


ولا أنت انت وأنا لست معك


ولا الدنيا دنيا ولا الطرقات هي الطرقات


وأنا بعيدة وأنت بعيد... 


لأجل من لأجلهم ينبض القلب ويحيا


أحترق وأُحرق... 


وأنفض عني غبار الضعف


و رداء الصمود ألتحف.....


(بقلم فيروزة)


❈-❈-❈


لم يقنعها ولكنه جعلها توافق ، جعلها ترضخ لبقاء مارتينا هنا لذا فهي تجلس تتلوى غضبًا وغيرةً وهي تراها تمزح معه ويجلسان سويًا يشاهدان التلفاز في مشهدٍ يفترض أن تكون هي بطلته وليست هذه الدخيلة . 


جلست تحمل صغيرها وتطعمه على الأريكة المجاورة ، احتدت عليه حينما رفض تناول طعامه لذا بكى فباغتها توماس بنظرة غاضبة لم تبالِ لها بل تعمدت أن تباغته بمثيلتها فأدرك أنها وصلت للذروة لذا نهض يتجه نحوها والتقط منها الصغير ووقف يهدأه ويناغشه فهدأ الصغير معه لذا مال يقبل وجنته ويقضمها ثم جلس مجاورًا لرحمة ومال عليها يردف بخفوت  : 


- ملامحكِ هذه ستجعلها تغادر ، ما سبب هذا الغضب حبيبتي ؟ 


نبرته وقربه جعلاها تسحب جيوش غضبها وتستسلم مردفة بهمس وهي تميل عليه : 


- لم أقصد ذلك ، ولكن ليس عليك أن تكون قريبًا منها إلى هذا الحد ، نعم هي صديقتك ولكن لا تنسى أنني زوجتك  . 


قبل وجنتها تحت أنظار مارتينا التي ابتسمت وتملقت في جلستها تردف باستفزاز  : 


- لا داعٍ لغيرتكِ رحمة ، توماس ليس نوعي المفضل كحبيب ، هو صديقي المقرب فقط ، ثم أنني لست خائنة لزوجي ، اطمئني أيتها الصغيرة . 


اشمأزت رحمة من تبجحها ونطقت بنبرة تهكمية : 


- ولماذا لم تمكثِ في منزل زوجكِ أيتها الوفية ؟ 


باغتتها بنظرة عدائية وودت لو تنقض عليها ولكن نظرات توماس حذرتها من ارتكاب حماقة لذا عادت تتلون وتبتسم مردفة  : 


- سأذهب حينما يطلق المصرية التي تزوجها علي ، أنا لا أحب مشاركة ما يخصني مع أحد ، ولكن يبدو أن المصريات يعشقن المشاركة . 


بنظرة تحدٍ نطقت رحمة وهي تمسك بذراع توماس وتبتسم : 


- أنتِ مخطئة ، أنا لا أقبل أن يكون في قلب زوجي مكانًا لغيري ، لهذا أجلس مطمئنة  . 


قهقهت مارتينا باستفزاز وعادت تنظر للتلفاز وتلتقط حبات الفشار بلا مبالاة ظاهرية مما جعل رحمة تتلظى بنيران الغضب وتفكر في طريقةٍ تقنع بها توماس بضرورة مغادرة هذه الأفعى منزلها  . 


❈-❈-❈


حينما قص عليها مالك ما حدث ، وارت ما بها في الأعماق ، فقد قررت عدم إخبار عائلتها بشيء سوى داغر، لذا اندفعت عائدة للخارج تطالع منال ودينا وتتساءل بصدمة وهي تتفحص وجه شقيقتها  : 


- إيه اللي مالك بيقوله ده  ؟ معقول كل ده حصل في اليومين اللي غيبتهم  ؟ 


أشارت لها منال تردف بتمهل  : 


- تعالي يا ديما اقعدي وهحكيلك، الحمد لله ربنا ستر وعدّت على خير  . 


أسرعت تجلس وتتفحص ملامح شقيقتها وعينيها اللتان على وشك البكاء لذا احتوت وجهها وسحبتها تعانقها تربت على ظهرها وتبكي وكأن البكاء كان ينتظر سببًا منها لينهمر لتردف بأسف وصراعات باتت تؤرقها مؤخرًا : 


- أنا أسفة ، بجد أسفة  . 


ابتعدت وتساءلت وهي تطالعهما : 


- فهموني ده حصل إزاي  ؟ وليه ماحدش بلغني  ؟ 


نطقت منال موضحة  : 


- الحمدلله يا ديما ، دانا كنت هموت واخوكي ومراته وصالح ، كلنا كنا في حالة صعبة ، وانتِ تليفونك كان مقفول ومافيش داعي أصلًا تعرفي ، هتعملي ايه يابنتي ولا في إيدك إيه ؟  المهم الحمدلله دينا رجعت والمجرم ده اتقبض عليه ، كان عايز يضرب أخوكي بالنار بس بسمة هي اللي اتصابت . 


شهقت بفزع فلم تكن تعلم لذا نهضت تتساءل بكمٍ هائلٍ من الهموم  : 


- بسمة اتصابت ؟ إزاي ؟ مش هي كانت قاعدة هنا دلوقتي  ؟ 


هدأتها منال تردف  : 


- ماتقلقيش الحمد لله الإصابة بسيطة وفي دراعها ، بس هي لسة راجعة من المستشفى ودخلت ترتاح جوة وداغر معاها . 


وقفت تطالعهما بحزنٍ تجلى على ملامحها ، صفعة كلمات صغيرها واحتجاز حبيبها وما هي مقبلة عليه غلفوا عقلها عن رؤية بسمة جيدًا ، لذا نطقت بنبرة حزينة  : 


- لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم ، أنا هدخل اشوفها . 


أومأت لها منال فتحركت نحو غرفة بسمة وطرقت الباب فسمح لها داغر بالدخول ، دلفت تطالع بسمة التي تستريح على السرير ، نطقت بأسف ومقلتين لامعتين تخفيان الكثير من الألم   : 


- بسمة ، حقك عليا أنا لسة عارفة حالًا ، ألف سلامة عليكي . 


نطقتها وهي تتحرك نحوها ثم جلست على طرف الفراش تطالعها حيث ابتسمت الثانية وربتت على كفها تردف بلطفٍ تحت أنظار داغر الذي كان يقرأ مواعيد جرعات الأدوية  : 


- عارفة إنك ماخدتيش بالك ، ولا يهمك يا ديما ،  الحمدلله عدت على خير  . 


نظرت على جرحها وتساءلت باهتمام  : 


- طب دراعك عامل إيه ؟ 


- الحمدلله ، أحسن بكتير . 


أومأت ثم نظرت لشقيقها الهادئ على غير عادته ، نهضت والتفتت له وأسرعت تعانقه بعاطفة كبيرة ، كان هو المستهدف ، لم تكن لتحتمل فقده قط ، ولكن رحمة الله غالبة . 


بادلها بحنانٍ وربت على ظهرها يردف بنبرته المعتادة  : 


- بتحضنيني بعد إيه بقى ، أخويا هايص وأنا لايص ، الجونة حلوة يا ديما ! 


ابتعدت تباغته بنظرة معاتبة وتردف بضيق وعيون لامعة  : 


- أنا بجد مضايقة من نفسي أوي . 


ابتسم عليها وكذلك بسمة ليردف بحب  : 


- الحمدلله يا حبيبتي عدت على خير ، وبعدين إنتِ كنتِ تعرفي منين بس ، كويس إن حد فينا كان مبسوط ، وربنا مايعيدها أيام . 


أومأت تتنفس بعمق ثم نظرت لهما ونطقت بملامح شاردة  :


- هسيبك ترتاحي ، ولو احتاجتي حاجة اندهي عليا.


مد داغر يده يملس على ذراعها ثم تساءل بترقب :


- أومال ثائر مجاش معاكي ليه  ؟


صفعتان تلقتهما بسؤاله ، إحداهما على وجهها الذي شحب والأخرى على قلبها الذي صرخ ، غيمة جديدة تكونت في مقلتيها وفاضت وهي تطالع شقيقها وتردف بتحشرج  :


- سافر فرنسا كام يوم  . 


طالعها بشكٍ لذا أسرعت تنظر لبسمة وتبتسم ثم عادت لداغر تسترسل بترقب  : 


- داغر ممكن نتكلم شوية ؟ 


أومأ لها ودفعها بخفة للخارج ثم إلى غرفتها متجنبًا نظراتهن نحوه ، دلفا وأغلق الباب وأسرع يطالعها ويتساءل باهتمام  : 


- في إيه ؟ هو زعلك؟


سمحت لآلامها أن تطفو لذا رفعت رأسها تتنفس بعمق ورفعت كفها تدلك رقبتها نزولًا نحو صدرها الذي ضاق ذرعًا وعادت تطالعه بوميض لامع من أثر الدموع ونطقت بتحشرج بالغ  :


- ثائر اتحجز في أمن الدولة .


جحظ شقيقها وتساءل بصدمة  :


- نعم ؟ إزاي ؟ وليه ؟


ازدردت ريقها المتصلب فتألمت حنجرتها ونطقت تفرك كفيها وتراوغ  :


- أخدونا واحنا راجعين ، فضلوا يسألوني اسألة كتير عن جوازنا وقضية كتابي وفرنسا ، بس ما عرفتش كل ده ليه ، وحاولت أعرف ماحدش قالي أي حاجة ، بس في الآخر سابوني أمشي وهو لاء  ، هو هناك وأنا مش عارفة عنه حاجة .


ذُهل مما سمعه وتساءل بعدم استيعاب  :


- إزاي  ؟ أنا مش فاهم حاجة؟ ياخدوه ليه؟ لا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم . 


قالها وهو يطرق كفًا على كف لتستطرد بترجٍ وبكاء  : 


- داغر ماتقولش لحد حاجة لحد ما أفهم في إيه ، أنا ماعرفتش أي حد خالص حتى أهله ، علشان كدة جيت على هنا ، ثائر ليه أصدقاء قال لي عليهم واحنا في الجونة هحاول أتواصل معاهم يمكن يقدروا يساعدوني  . 


أومأ مؤكدًا وأردف بمساندة  : 


- ماتقلقيش إن شاء الله هيخرج ، هو يمكن علشان كان ممنوع من دخول مصر وكان ليه كذا مقال مثيرين للجدل ، هيحققوا معاه وهيطلع ، وأنا الصبح هحاول اعرف أي حاجة واطمنك . 


أومأت له بحزنٍ ليسرع في ضمها وطمأنتها فاستكانت في حضنه تستمد منه بعض القوة لتكمل مهمتها بينما هو استطرد مؤكدًا : 


- بإذن الله خير يا ديما ، هيطلع متقلقيش . 


❈-❈-❈


بعد عدة ساعات 


لم يبتعد عنه ، بل انتظر حتى يهدأ ليتحدث إليه ، لذا تحرك عائدًا نحو الغرفة المحجوز بها. 


دلف ليجده يجلس على السرير الذي أحضروه له ، يُطرِق رأسه ويشبك كفيه بسكونٍ تام ، الطعام موضوع على الطاولة كما هو . 


سحب مقعدًا وجلس أمامه يردف بترقب وعينيه عليه : 


- هديت شوية ؟ 


لم يجبه ، عن أي هدوء يتحدث ؟ وهل يهدأ عُقابًا تم احتجازه في قفصٍ و كبلوا أجنحته حتى لا يستطيع التحليق عاليًا ؟  زفر رشدي يسترسل بنبرة لينة  : 


- يا ثائر إنت بالنسبالي مش مجرد عميل ، أنا بعتبرك ابني ، وعارف إن وجودك هنا صعب وفوق تحملك ، بس ده أمن قومي بيهدد البلد وبيهدد حياتك وحياة ديما ، غيرتك مش في محلها ، لازم الخطة تمشي مظبوط وإلا كل شيء هيبقى ع المحك ، وانت عارف طبيعة شغلنا ، لازم تتعلم تسيطر على مشاعرك شوية . 


ظل على حاله ، لم يبدِ أي ردة فعل لكلماته ولم يتوقع رشدي أن يندمج معه لذا استرسل  : 


- ماتخافش على ديما ، هتنجح ، الخبرة اللي اكتسبتها معاك برغم أنها في وقت قليل بس هي من زمان أوي واجهت تحديات واجتازتها ، اختيار الجهاز ليها مش من فراغ ، حتى لما كتابها اتوقف هنا وسافرت فرنسا وقدرت هناك تعمل اللي ماعرفتش تعمله هنا ده ماخلهاش تتمرد على بلدها ، بالعكس كانت بتقعد قدامك وتناظرك باسم مصر ، وهو ده المطلوب إثباته ، ديما هتواجه توماس بوطنيتها وده هيكون أكبر دليل إنها مش تبعنا ، عكس الخطة بتاعتك لما سافرت فرنسا ، وده اللي توماس مستحيل يتوقعه ، وإذا كان هما شاكين فيك إنك طول السنين اللي فاتت كنت بتمثل عليهم وبتخدعم علشان بتتكلم ضد بلدك ، فـ ديما بقى هتثبت لهم العكس ، وانت لازم تفهم ده كويس ، لأن غيرتك ملهاش أي داعي ، المرة دي إحنا اللي هنحط الحدود ، ولازم تفهم كويس إنك مش هتقدر تمنع راجل تاني من التفكير في أي ست ، حتى لو الست دي هي مراتك . 


أعطى ردة فعل على جملته الأخيرة وهي كفيه المقبوضان بقوة وقسوة ، لا يحتمل ولا يتقبل ما يسمعه ، أصبح سجينًا للصمت يصارع أفكاره ولا يتحدث ليزفر رشدي ويتابع  : 


- إحنا من زمان عارفين توماس ، عارفين نواياه ، وعارفين نقطة ضعفه ، وآن الأوان بقى نخلص منه ، وانت لازم تفهم إن ديما هي أنسب واحدة تنفذ المهمة دي . 


رفع رأسه يطالعه بعينين حمراوتين وملامح مشدوهة رسم الغضب لوحته عليه ونطق بنبرة صلدة  : 


- عايز موبايل  . 


تبادلا النظرات لثوانٍ ، نظرة مترقبة ونظرة ثاقبة ليزفر رشدي ويوميء باستسلام قائلًا  : 


- ماشي ، هجبلك موبايل وهاخده منك الصبح ، بس لازم تحسن التصرف يا ثائر . 


عاد يطرق رأسه ولم يتحدث معه مجددًا لذا نهض رشدي يتحرك نحو الباب ويطرقه ، فتح له الشرطي فالتفت يردف قبل أن يغادر  : 


- ولازم تاكل ، ثائر ذو الفقار مش هو اللي يِضرب عن الأكل ، وافتكر إن أفضل تضحية هي التضحية للوطن . 


غادر وأغلق الباب وتركه يلوك الكلمات في عقله ، إن كان لابد من تقييده وحبسه فيجب أن يكون معها بصوته على الدوام ، يدرك الحالة التي تمر بها الآن ويجب عليه أن يحتويها  . 


❈-❈-❈


يجلس على فراشه وخلف ظهره الوسادة ، يضع سماعات الأذن وفي يده هاتفه يتابع الإعلامية أسما. 


وجهه مبتسمٌ تلقائيًا وهو يراها تلقي بنصائحها المعتادة تارةً وتتجادل مع شخصية نسائية تشجع النسوية تارةً أخرى . 


أفكارها وسطية ، لا تحمل استهانة أو تكبر، تعبر عن دور المرأة السليم ، تحاول اتباع المنطق لذا فهي تلاقي هجومًا من بعض النساء اللاتي لا تتقبلن أفكارها بحجة المساواة ، وكذلك تتلقى هجومًا من بعض أشباه الرجال الذين لا يتقبلون نصائحها المتزنة للمرأة بحجة القوامة .


أما هو فمنذ أول حوار لها وهو يتبنى أفكارها ، معجبًا بها ، كلماتها تشبه كلمات والدته كثيرًا.


لم ينتبه لدخول سها الغرفة إلا بعدما أغلقت الباب بحدة لذا رفع رأسه يطالعها وتجهمت ملامحه على الفور ليجدها تطالعه بضيق من تجاهله المستمر لها في الآونة الأخيرة .


تنفست بعمق وأغلق هاتفه يضعه على الكومود ثم خلع سماعتاه ووضعهما جواره بينما هي اتجهت نحو مرآتها تنظر لهيأتها بتباهٍ ثم استلت زجاجة عطرها ونثرت الكثير عليها ووضعتها وتحركت نحوه  .


جلست واقتربت منه ثم تحدثت بنبرة مستفسرة  :


- كنت بتتفرج على إيه ؟


- برنامج .


نطق بجمود فزفرت بضيق وتساءلت بتهكم وملامح منزعجة  :


- فيه إيه يا أحمد ؟ متغير معايا ليه كدة ؟ قولت عايز ترجع مصر ووافقنا ،قلت هتستقر هناك وبحاول أقنع نفسي بده علشانك ، حتى الأولاد وافقوا  ، فيه إيه بقى ؟  


التفت يطالعها للحظات ثم أجابها بفتور بات يلازمه تلقائيًا : 


- أنا عادي جدًا ، زي مانا طول عمري ، إنت اللي متغيرة . 


تساءلت بضيق من بروده  : 


- متغيرة إزاي  ؟ 


هز منكبيه وفرد ظهره مجددًا ورفع كفيه خلف رأسه يوضح بلا مبالاة : 


- بقيتي تهتمي بحالتي ، ودي حاجة مش متعود عليها . 


شردت تفكر وأدركت أنها بالفعل باتت تستفزها تصرفاته ، ربما لأنه لم يعد يستجديها حبًا ، ولم يعد يطالبها اهتمامًا ، ربما لأنه ملّ من تجاهلها له لذا باتت هي من تستجديه ؟ 


زفر وتمدد لينام وأردف بخفوت  : 


- أنا هنام ، تصبحي على خير  . 


ولاها ظهره وجلست تطالعه بغضبٍ مكتوم ، ليست هي من تُعامل بهذا التجاهل ، لن تسمح له أن يقلل من شأنها بهذا الشكل ، ستلقنه درسًا لن ينساه ولكن بتمهُل  . 


❈-❈-❈


فجرًا 


تحتضن صغيريها وتستند على السرير ، تنحني تقبلهما بين الفينة والأخرى، تداعب خصلات مالك وتحتضن رؤية ، وأفكارها تركض بلا هوادة في ساحة عقلها . 


ماذا ستفعل ؟ وهل ستنجح ؟ وكيف ستتلاعب بذلك التوماس حتى توقعه ؟ هي لا تتقن التمثيل ، وما حدث في الجونة كان مجرد موقف لحظي أحسنت التصرف فيه ، فهل ستستطيع فعلها لأيام  ؟ 


ماذا عن ثائر ؟ وكيف هو الآن ؟ وبمَ يشعر ؟ وهل أكل ؟ هل نام ؟ 


تنهدت بحرارة وازدردت ريقها واعتصرت عينيها تدعو ربها ، تطلب منه العون ، والقوة ، والصبر. 


رن هاتفها فأسرعت تلتقطه وتنظر له ودون أي مقدمات فتحت الخط تجيب بيقين  : 


- ثائر  . 


استمع إلى نبرتها المتلهفة بألمٍ وعجزٍ ، يحاول التحكم في مشاعره ، لذا تنفس ونطق  : 


- عاملة ايه  ؟ 


قبل أن تجيبه بما تشعر تمالكت نفسها جيدًا ، هو الآن طائر جريح ليس بيده شيء لذا عليها أن تطمئنه فنطقت بنبرة بثت فيها قوة زائفة ويقينًا صادقًا   : 


- الحمد لله ، هنبقى بخير ، هنتجاوز الأزمة دي وهنوصل بر الأمان وهنحقق الحلم اللي قولت لي عليه في الجونة. 


شرد قليلًا لا ينكر أنه بالفعل هو من استمد منها القوة لذا تساءل باهتمام  : 


- إن شاء، الله ، إنتِ فين ؟


أجابته وهي تتطلع على صغيريها بحبٍ :


- أنا في بيتنا ، مالك ورؤية نايمين في حضني  . 


زفر بالقليل من الراحة حيث أنهما سيمتصان جزءًا كبيرًا من همومها لذا أردف  : 


- خليكي معاهم لحد ما اخرج ، وبوسيهم لي  . 


نفذت طلبه وانحنت تقبل رؤية ثم مالك ثم اعتدلت تردف بترقب  : 


- اللوا رشدي قالك حاجة ؟ هتخرج امتى ؟ 


زفر أنفاسه ثم أردف بترقب  : 


- سيبك من اللي قالهولي ، احكيلي اللي قالهولك  . 


توترت ، لقد أخبرها رشدي ألا تخبر مخلوقًا ، ومن المؤكد إن علم سيثور ولن يهدأ ، لذا حاولت أن تراوغ فنطقت  : 


- لسة ، ماتكلمش معايا عن تفاصيل ، هو قالي أروح وأحاول أهدى وبس . 


أدرك مراوغتها وتألم لهذا ، إخفاءها عنه أكد له أن الخطة لن تروق له قط لذا نطق بضيق : 


- ماشي يا ديما ، مش مهم تقولي ، اللي لازم تعرفيه إني واثق فيكي جدًا ، واثق في حبك ليا ، وعارف إنك سيدة المواقف الصعبة ، بس ده مايمنعش إني أخاف واقلق ، لازم تعرفي كويس مين هما توماس ومارتينا . 


ازدردت ريقها وأردفت بثقة  : 


- مش هقولك ماتخافش وماتقلقش ، بس اللي اقدر اقوله دلوقتي إننا قدام أمر واقع ،وأنا همشي على خطاك ،وعلى تعليماتك ،هنفذ كل كلمة قولتهالي الأيام اللي فاتت ، وفاكرة كويس لما قولتلي إن لسة الأرض ماشلتش حد نخاف منه  .


كلماتها القوية كانت شعاعَ نورٍ لظلمته ، انتشلت قدرًا كبيرًا من مخاوفه لذا نطق بصدق  : 


- بحبك  . 


استهدفت الكلمة قلبها الخائف فربتت عليه تطمئنه لذا تنفست بعمق ونطقت بصدق واستفاضة : 


- وأنا كمان بحبك، وبوعدك إن اسمك ومكانتك جوة قلبي عمرهم ما هيتهزوا . 


زفر بعمق ، أشعرته بالتميز والانفراد بعرشٍ ثمين له وحده ، برغم سجنه ، برغم بعده ، برغم إجباره على عدم حمايتها ، إلا أنها مدته بكلماتٍ وطاقةٍ كفيلتان لجعله يتحمل قضاء هذه الأيام لذا حاول أن يهدأ ونطق بنبرة جادة  : 


- طيب ركزي معايا في المعلومات اللي هقولهالك دي ، واحفظيها كويس . 


- تمام . 


والته كامل اهتمامها فبدأ يخبرها الكثير مما يعلمه ويحتفظ به عن توماس ومارتينا ، نقاط ضعفهما ، نقاط قوتهما ، عدة طرق لخداعهما ، وكيفية التعامل في وقت الخطر  . 


❈-❈-❈


صباحًا 


في طريق عودتهما بعدما استخرجا تأشيرة العمل التركية والتي استطاع الحصول عليها بعدما دفع الكثير لأحد صناع المحتوى الذين سافروا إلى هناك منذ زمن . 


يخطو معها متذمرًا بضيق فزفرت وتساءلت   : 


- افرد وشك يا كمال ، مالك كدة قافش ليه  ؟ 


نطق بتجهم وتأفأف  : 


- وش إيه اللي افرده ! انتِ مش شايفة اللي صرفناه اد إيه؟ أومال لما نروح نعيش هناك بقى هنعمل إيه ؟ دي باينها كانت شورة منيلة . 


نفضت يدها وتوقفت تطالعه بغيظ ولوحت تنطق  : 


- ماتنبرش فيها وصلي ع النبي كدة ، اللي دفعناه ده مايجيش نقطة في بحر اللي هنجمعه تاني ، اصبر بس واتفائل خير وامشي ورايا هتكسب  . 


طالعها متجهمًا وأردف متوعدًا  : 


- مهو لو ده ماحصلش يا زينة إنتِ اللي هترجعيلي فلوس المعرض والبيت ، أنا مشيت ورا كلامك على أساس هنكسب دهب ونعيش بقى زي ما الناس عايشة ، إنما لو لقيت كلام تاني ساعتها ورحمة أمي ماهعتقك . 


ابتسمت وعادت تتكتفه وتكمل سيرها معه مؤكدة بثقة وخبث : 


- طب امشي يا كمولة واتفائل خير كدة وماتهددنيش علشان أنا ماضربتكش على ايدك ، أنا اقترحت عليك وانت وافقت ياخويا ، وبكرة تشوف بقى اقتراحي ده هيكون سبب سعدك وهناك إزاي   . 


زفر بضيقٍ وخطا معها يحاول الوثوق في وعودها ، فليس أمامه سبيلًا آخر ، وهو يريد أن يثبت للجميع أنه سينجح ، والجميع هنا تعني ديما فقط . 


❈-❈-❈


بعد مرور ثلاثة أيام 


الغياب سلاح لا حد له ، ينهك عقلك ، يؤلم قلبك ، يسرق نومك ، يحزن يومك . 

الغياب لا عهد له ، لا قلب له ، لا يمكنك استعطافه قط، إنه الشيء الأكثر إيلامًا بعد الفقد . 

يجعلك تنظر في مرآتك فترى كل الأشياء إلا أنت . 

فترى كل الوجوه إلا وجهه ، وترى كل الطرقات مظلمة ، وترى كل الأماكن غير آمنة ، ويأتيك الخوف مهرولًا فيصبح لا سبيل لك سوى مواجهته ، إما أن تنتصر ، أو تصبح بلا ظل . (بقلم آية العربي وحصري لمدونة رواية وحكاية) 


انتظر انقضاء هذه الأيام ظنًا منه أنه يقوم بتسوية لهفتها على نار هادئة ، يراقبها منذ أن تم احتجازه ، يرى محاولاتها هي وشقيقها لإخراجه ، والتي باءت جميعها بالفشل . 


كان في قمة سعادته ، لم يعد يهمه إن كان ثائر عميلًا حقًا أم لا ، هدفه الأهم الآن بات الوصول إليها ، خلال الأيام الثلاث التي ترك فيها رحمة ومارتينا تتناحران كان هو منشغلًا بتتبع ملكتِهما ، انشغل عقله بها ، بمحاولتها البائسة كي تراه ، رأى بأم عينيه كيف تبكي لأجله في الطرقات وأمام الأماكن التابعة لأمن الدولة ، كلما وصلت إلى مكان أبلغوها أنه في آخر وهكذا وفي كل مرة تذهب دون كلل أو ملل بل بحزنٍ يلازمها ، لم يحزن أحد عليه هكذا من قبل ، لم يهتم به أحد كما تهتم هي به و محاولاتها لتحريره هي وشقيقها  ، حتى حينما أصابته مارتينا بطلق ناري ومكث في المشفى لم يهتم لأمره أحد ، ما يراه أمامه منها جعله يتمنى لو تحبه هو ، ازداد حقده على ثائر ، فليكتفي بمارتينا أم ابنه وليترك هذه الفرعونية له . 


يجلس في سيارته أسفل منزل رحمة ، يُمسك هاتفه وهو على وشك الاتصال بها ، الساعة الآن الثانية صباحًا ، هذا هو الوقت المناسب ليسمع صوتها ويخبرها بما لديه  . 


كانت كالعادة تتمدد بجوار صغيريها ، تفكر في ما حدث خلال الأيام الماضية ، حُرمت منه ، من رؤيته ، حتى من سماع صوته منذ تلك المكالمة ، كان عليها أن تبذل مجهودًا لإقناع توماس بأنها لم تفلح في الوصول إليه ، علمت أنه يراقبها ولكنه إلى الآن لم يحاول الاتصال بها لذا هي قلقة وكلما مر الوقت تضاعف قلقها ، خاصةً وأنها كلما سألت رشدي عن حبيبها يخبرها فقط أنه بخير ، كلما ترجته أن تهاتفه يكون الرد لا ، تلك اللا الأقسى على الإطلاق . 


تنهدت بعمق وحاولت أن تغفو قليلًا ولكنها وجدت هاتفها يعلن عن اتصال فأسرعت تلتقطه ظنًا منها أنه ثائر برغم أنها لم تشعر بهذا مثل السابق لذا فتحت الخط تردف بلهفة  : 


- ألو  ؟ 


تحدث بنبرة منمقة رسمية لا تتلائم مع الوقت  : 


- مرحبًا ديما ، كيف حالك ، أنا توماس ، أعتذر عن اتصالي في هذا الوقت ولكن علينا أن نتحدث .


كاد قلبها أن يكسر عظام صدرها ويخرج من مكانه من قوة نبضاته ، أتى الاتصال المنتظر ، تضاعف توترها وانعقد لسانها للحظات قبل أن تدرك ما عليها فعله لذا هندمت أفكارها أمام مرآة عقلها وحاولت أن تبدو على طبيعتها فنهضت بهدوء لتبتعد عن صغيريها واتجهت تجلس على المقعد الجانبي في ركن الغرفة وأجابته بنبرة تحمل انزعاجًا مبهمًا  :


- توماس ؟ من أين حصلت على رقمي ؟


ابتسم على نبرتها وأجابها بهدوء  :


- من صفحة المجلة الرسمية  .


تعلم أنه سيجيب بهذا ، فهي بالفعل قد دونته على الصفحة الرسمية للمجلة منذ أيام حسب تعليمات رشدي  .


ازدردت ريقها وأردفت بنبرة حادة متعمَّدة  :


- حسنًا ولكن لم يكن عليك الاتصال بي ، أنا سأغلق .


أسرع يردف ليمنعها  : 


- لا انتظري قليلًا أرجوكِ ، أنا لدي معلومات بخصوص ثائر . 


تنبهت حواسها جيدًا وحاولت ادعاء الاهتمام واللهفة وهي تسأله  : 


- أي معلومات  ؟  


ابتسم لنجاحه في الحصول على اهتمامها وأجابها بخبث  : 


- أنا منذ ساعة فقط علمت بما حدث معه ، أخبرتني مارتينا . 


شهقت بزيفٍ ونطقت بشكٍ ماكر  : 


- ومن أين علمت مارتينا ؟ 


أجابها مستمتعًا بهذا الحديث  : 


- للأسف ديما ، مارتينا هي من قامت بالتبليغ عن ثائر ، لهذا يجب أن أراكِ ونتحدث ، هناك الكثير الذي يجب عليكِ معرفته . 


انتظرت قليلًا تدعي التفكير ثم تساءلت بشكٍ :


-  ليس عليّ أن أثق في كلامك ، أنت أيضًا تكره ثائر ، ما أدراني ربما هذه خطة متفقٌ عليها منكما ! 


حاول طمأنتها فأردف بنبرة لينة محاولًا إقناعها  : 


- حسنًا لو كنت مكانك لفكرت بنفس المنطق ، ولكن حقًا أنا لست عدوًا لثائر ، أخبرتني مارتينا للتو أنها أرسلت وثائقًا تثبت احتمالية بأن ثائر جاسوسًا ، وكذلك ادعاءً بأنكِ تساعديه في ذلك ، كانت تخبرني وهي في قمة غضبها وندمها على ما فعلت به خاصة وأنكِ حرة وهو لا ، ولكنها نفذت أوامر والدها ، صدقيني هي تريد مني أن أتدخل في الأمر ، بدأت تدرك أنها قامت بتوريطه بالفعل ، لذا يجب أن نتحدث . 


لم تجبه فورًا ، بل صمتت لتوهمه أنها في شكٍ صريح من كلماته لذا استرسل مترقبًا  : 


- حسنًا إن أردتِ يمكنكِ اختيار المكان بنفسك ، لا داعي للخوف مني ديما ، وإن لم ترغبي في هذا اللقاء فيمكنكِ تجاهل مكالمتي كأنها لم تكن . 


تنفست بعمق تحاول تهدئة نبضاتها وهي تخبره بنظرة توعد ثاقبة :


- حسناً ، غدًا في الساعة الثالثة عصرًا في مقهى *****  .


توغلته فرحة تعجب منها و قام بِلكم الطارة بحماس وهو يردف  : 


- سأكون هناك في انتظارك  . 


❈-❈-❈


في الغرفة المجاورة 


جلست بسمة تتابع بعض الأعمال عبر الحاسوب ، ذراعها لم يُشفى بعد ، ولكنها ملت من البقاء هكذا دون فعل شيء .


تريد أن تشغل عقلها بالعمل خاصةً وأنها ترى داغر منشغلًا كثيرًا في الأونة الأخيرة ، يغادر صباحًا مع ديما التي تذهب لتتابع أعمال المجلة في غياب ثائر ، ولا يعود إلا ليلًا مرهقًا . 


حاولت التحدث معه وسؤاله عما يحدث وعن سبب انشغاله بهذا الشكل المكثف ، حتى أنه لم يجدد طلبه في مسألة كتب كتباهما وهذا يزعجها كثيرًا ، ولكن ربما اهتمام منال بها يهون عليها قليلًا . 


تلك السيدة الحنونة التي تراعي مواعيد أدويتها ، وطعامها ، وتعاملها بحنانٍ خلافًا عن دينا التي لاحظت تجنبها لها ولكنها لا تهتم . 


سمعت طرقات على الباب لذا رفعت رأسها لتجده داغر الذي فتح ودلف يطالعها مبتسمًا وعينيه تحمل نظرة أسفٍ وإرهاق . 


هو صباحًا مع شقيقته في مسألتها ومساءً مع صالح في مشروعهما ، يعلم أنه أهملها مجبرًا ولكنه أيضًا مجبرٌ على الصمت لخاطر شقيقته التي يؤلمه حالها . 


اتجه يجلس مقابلها ويتساءل وهو ينظر إلى الحاسوب : 


- بتعملي إيه ؟ 


تنفست بعمق وأجابته بهدوء وملامح ثابتة : 


- بقفل شوية حسابات للشركة . 


كانت تتعامل مع الحاسوب بيدٍ واحدة لذا تساءل باهتمام : 


- دراعك أحسن النهاردة ؟ 


نظرت للرباط المعلق فيه ذراعها ثم رفعت مقلتيها تطالعه وتردف بنبرة هادئة مبطنة بالعتاب :


- أيوة أفضل بكتير ، خالتو منال كتر خيرها مش مقصرة معايا أبدًا ، بصراحة مش عارفة من غيرها كنت هعمل إيه . 


ابتسم حينما أدرك عتابها ليومئ قائلًا : 


- ماشي يا ستي عرفنا إن إحنا مقصرين ، بس صدقيني غصب عني يا بسوم ، ضغط شغل جامد اليومين دول. 


لو أنها تعلم أن هناك بالفعل ضغط شغل لما حزنت لذا زفرت وأومأت تدعي التفهم وضغطت ( Inter) ثم أغلقت الحاسوب ونظرت له تردف بترقب : 


- ماشي يا داغر ، ولا يهمك. 


لم يرتَح لنبرتها لذا مد يده يلتقط كفها ويملسه بحب فابتسمت وسحبته منه بتملق تحت أنظاره المتعجبة لتردف بمغزى وابتسامة : 


- دونت تاتش ، إحنا رسميًا منفصلين ، قول اللي إنت عايزه من غير لمس .


رفع حاجباه متعجبًا يطالعها باستنكار ويردف :


- والنبي إيه ؟ من امتى ده ؟ وماكناش منفصلين وأنا بغيرلك في المستشفى ؟ 


باغتته بنظرة ثاقبة واستطردت تعترف بخبث : 


- كنا منفصلين ، وفعلًا كنت غلطانة وقتها لما سمحتلك بده ، علشان كدة من هنا ورايح ممنوع اللمس . 


تذمر وبات يجلس على صفيحٍ ساخن وذهب إرهاقه في مهب رياح رفضها ليردف بتجهم مراهق : 


- يعني إيه ممنوع اللمس ؟ هو أنا بحسس على كيم كونغ أون ؟ إنتِ مراتي وقولنا ده طلاق بالإجبار ومايقعش . 


رفعت سبابتها تحذره ونطقت بسعادة من تذمره تخفيها خلف قناع الجدية : 


- ماتحاولش يا داغر ، من هنا ورايح هنتعامل بحدود . 


جن جنونه وبات لا يعلم ما عليه فعله لذا نهض يومئ لها مرارًا وتكرارًا بتوعد ورفع سبابته هو أيضًا يردف : 


- ماشي ، خليكي فاكرة كلامك ده كويس ، علشان لما نرجع نكتب الكتاب ماحدش يلوم عليا وقتها . 


اندفع خارج الغرفة وتركها تبتسم عليه وتشعر أنها فعلت الصواب ، نعم يبدو أنه كان بحاجة للتذكير بهذا الأمر . 



❈-❈-❈


صباحًا . 


كان يسمع عن الحبس ويعلم مدى صعوبة هذا العقاب ولكنه لم يجربه ، أما الآن فهو يدرك جيدًا أن السجن هو إقرارًا بالعجز ، العجز الذي يصيبه في مقتل .


برغم أنهم يحتجزونه في غرفة لا تدل على سجنٍ إطلاقًا ، فقد تم نقله إلى مكانٍ مريح ، سرير مرتب ، شاشة تلفاز ،مكتب وكتب وأوراق وأقلام ، وماكينة قهوة .


هذه الأشياء جميعها لم تغنِه عن لحظة واحدة يطالعها بها6، لذا قرر أن يصب جُل غضبه وعجزه وقهره واشتياقه لها في قصةٍ خصصها لها بعنوان ( مراحل العشق الأسير) 


جلس يدون كلماته في الصفحة السبعين ، فُتح الباب فرفع بصره ليجد رشدي أمامه فعاد ينظر لورقته ويكمل ما يفعله متجاهلًا إياه . 


اتجه رشدي يجلس مقابله ويطالع ما يفعله لذا أغلق الدفتر ووضع عليه قلمه ثم رفع بصره يردف بشكٍ : 


- فيه حاجة حصلت ؟ 


تكتف رشدي يحدق به ثم هز منكبيه وأردف يخفي عنه مكالمة توماس : 


- لاء ، جاي أطمن عليك . 


حدجه بنظرة كاشفة لكذبه ونطق مترقبًا يشعر بقبضة تعتصر قلبه وأحشاءه : 


- توماس تواصل مع ديما ؟ 


نطق رشدي بعد زفرة مطولة وهو يحرر كفيه ويضعهما على المكتب : 


- اللي مهم تعرفه إن لحد دلوقتي المهمة ماشية كويس جدًا ، ولازم أهنيك على تعاليمك لديما ، نظرتي ليها كانت في محلها .


 شعور متناقض ، فرح وحزن ، فخر وقلق ، حماس وإحباط ليردف بعدها في محاولة منه للهرب مما يفكر به الآن : 


- خلي عينكوا على معاذ ، مارتينا ممكن تحاول تهربه . 


أومأ رشدي بتأكيد وأردف مطمئنًا : 


- ماتقلقش ، معاذ في أمان وتحت عنينا ، مارتينا مش هتعرف تقرب منه . 


أومأ مرارًا ليسأل رشدي بترقب : 


- مش عايز تقول حاجة ؟ لو حابب تتكلم ؟ 


- شكراً . 


نطقها ثائر بجمود ونظرة حادة ليومئ رشدي وينهض مغادرًا بعدما يأس في استدراجه للحديث ، غادر وعاد ثائر يفتح دفتره ويدون المزيد عنها ، خاصةً بعد تلك الكلمات القليلة التي قالها رشدي .



❈-❈-❈


طرق الباب فسمحت له بالدخول  . 


دلف فوجدها تجلس تمشط شعر رؤية وتجدله ، تحرك نحوها وجلس مجاورًا لها ثم مال يقبل وجنة الصغيرة فابتسمت . 


انتهت ديما ونطقت بحنان  : 


- يالا يا قلبي اخرجي العبي مع مالك . 


التفتت الصغيرة تشكرها بقبلة على وجنتها فعانقتها ديما ثم ابتعدت الأولى تتحسس خصلاتها الناعمة بسعادة ثم نظرت إلى داغر ونطقت بدلال : 


- شوفت يا خالو ضفييتي  ؟ 


- تحفة يا روح خالو ، يالا روحي لتيتا تعملك كوكيز . 


ركضت الصغيرة نحو الخارج ونهض داغر يغلق الباب خلفها ثم عاد يجلس ويطالع شقيقته مردفًا بترقب : 


- هنعمل إيه يا ديما ؟ لحد دلوقتي ماحدش واخد باله بس لو الوضع فضل كدة هيتعرف ، خصوصًا إن مافيش تواصل معاه ، أصلًا أمك شاكة في سفرية فرنسا دي . 


سحبت نفسًا عميقًا تواري به حقيقتها ثم طالعته وأردفت بقناعٍ جديد يلائم مهمتها  : 


- إن شاء الله يمكن يطلع قريب ، فيه واحد فرنسي يعرف ثائر ، هو هنا في مصر ، كلمني بليل وقالي إن اللي بلغ عن ثائر هي مارتينا ، هو عرف لإنهم اصحاب ، بيقول أنه حابب يساعده علشان كدة أنا هروح أقابله الساعة 3 .


تأهب داغر ونطق بتحفز  : 


- تمام ، وانا هاجي معاكي . 


مطت شفتيها تطالعه بهدوءٍ مبهم ونطقت : 


- لاء يا داغر ، أنا هروح أقابله لوحدي ، هو طلب كدة ، بس أنا اللي حددت المكان ، يمكن لأن الموضوع حساس ومش عايز يورط مارتينا اللي هي المفروض صديقته . 


لم يقتنع وهز رأسه رفضًا فتابعت وهي تمسك بكفيه وتترجاه بعيون لامعة ونبرة حزينة  : 


- ماتضغطش عليا يا داغر ، علشان خاطري أنا مش مستحملة ، لو حسيت بأي حاجة هكلمك . 


لم يرتح قلبه ولكنه زفر وأُجبر على القبول ليجدها تومئ وتسبل جفنيها فنهض يردف بهدوء  : 


- طب قومي يالا علشان نفطر  . 


نهضت معه وتحركا سويًا نحو الخارج ليجدا نظرات منال مصوبة نحوهما بشكٍ لذا أردف داغر مراوغًا بنظراته  : 


- هي دينا لسة نايمة؟ 


أجابته بسمة التي تجلس على الأريكة : 


- أيوة يا داغر صحيها يالا . 


باغتها بنظرة طفولية غاضبة فهو لم ينسَ ما فعلته بالأمس ، وتحرك يتجه نحو غرفة دينا يطرق بابها ويردف  : 


- دينـــــــــــا ، اصحي يالا . 


في السابق كان يدلف يوقظها بنفسه ، ولكنه مؤخرًا قرر اتباع نظام جديد معها ، نظامًا محددًا ليفيدها هي أكثر منه . 


لم تجبه لذا زفر وعاد يجلس مجاورًا لبسمة ويدعي تجهمه فباتت تبتسم خلسةً عليه ، بينما تحركت ديما تساعد منال في تحضير الفطور . 


نظرت لها منال بشكٍ وتساءلت  : 


- هو إنتِ مش هتروحي المجلة النهاردة ؟ 


أجابتها وهي تحضر الأومليت تردف بنبرة هادئة  : 


- هنزل يا ماما بس شوية كمان ، على اتنين كدة هنزل . 


أومأت منال وعادت تتساءل بترقب  : 


- وثائر عامل إيه ؟ 


تنهيدتها خرجت محملة بأطنان من الاشتياق و هي تردف : 


- كويس ، كلمني بليل وبيسلم عليكي ، هيظبط أموره وييجي علطول . 


باتت حائرة في أمرها ، فلم تعد تفهم ما يدور بخلدها ، هناك نظرة حزينة تراها في عينيها بوضوح وكلما حاولت معرفة سببها وجدت ابنتها تراوغ بأسلوبٍ جديد أكثر فتورًا لا يعود لابنتها ، ولكنها مجبرة على التصديق. 


جهزتا الفطور وتحرك الجميع نحو الطاولة وهذه المرة لم يجلس داغر ملتصقًا ببسمة بل ترك المقعد لرؤية وجلس جوارها . 


بدأوا الطعام ليتحدث داغر بنبرة عالية ومغزى  : 


- صالح كلمني يا ماما وعايز يكتب الكتاب ، أنا قلتله لما ثائر يرجع نكتب كتابنا سوا . 


ابتسمت بسمة ونطقت بترقب  : 


- كويس جدًا ، هو ممكن ثائر يبقى وكيلي؟ 


رفع بصره يطالعها وحن قلبه لها على الفور لذا ابتسم يردف متناسيًا موقفه : 


- ينفع يا حبيبي . 


نظرت له بحبٍ فعاد يتذكر موقفه لذا تحمحم يرتدي قناع الجمود مجددًا ومد يده يناول رؤية الخبز بينما نطقت بلطفٍ  : 


- أه طبعًا يبقى وكيلك مهو جوز أخت العروسة والعريس . 


ابتسمت لها بسمة بينما انفتح باب غرفة دينا وخرجت تخطو نحوهم وتجلس على مقعدها بوجهٍ محتقن باكٍ ثم نطقت  : 


- صباح الخير ، مافيش كتب كتاب دلوقتي يا داغر . 


طالعها باهتمام كما الجميع وتساءل باستفهام  : 


- ليه يا دينا ؟ انتوا متخانقين ولا إيه ؟ 


زمت شفتيها وهزت وجهها بلا ثم شرعت في تناول الفطور حتى لا تفصح عما بها أمام الجميع ، لن تشرك أحدًا في أمرها ، لأنها تعلم جيدًا أنهم سيصبون الخطأ في حجرها . 


❈-❈-❈


في تمام الثالثة . 


دلفت ديما المقهى المنشود تبحث بعينيها عنه بين الجالسين. 


وجدته يشير لها بإصبعيه حيث جلس ينتظرها في ركنٍ مميز بطاولة تطل على النيل ،  تنفست بعمق واتجهت نحوه لتجده ينهض مبتسمًا ليستقبلها . 


وقفت أمامه تومئ له لذا مد يده ليبادر بالسلام فتمسكت بحقيبتها بكلتا كفيها ونطقت بملامح معتذرة  : 


- معذرةً ، لا أصافح الغرباء . 


قبض كفه بحرجٍ ولكنه تدارك موقفه سريعًا وابتسم يومئ ويشير لها بالجلوس : 


- حسنًا لا بأس ، تفضلي . 


جلست أمامه بملامح جادة تردف مباشرةً  : 


- هل يمكنك إخباري بما لديك ؟ 


التهمت عيناه ملامحها ونطق بخبثٍ وابتسامة  : 


- تمهلي قليلًا ، جئتِ للتو ، دعينا نتناول مشروبًا على الأقل . 


زفرت بنفاذ صبر وتجلى الضيق على ملامحها واسترسلت بخفوت وحزنٍ ومقلتين لامعتين  : 


- أرجوك قدر موقفي ، أنا زوجي معتقل بتهمة التجسس ، عقلي سيتوقف منذ أيام وكل ما أريده هو معرفة الحقيقة ، قل لي ما لديك أو دعني أقابل مارتينا بنفسي . 


كلماتها أشعلت حواسه ، إذًا هي راودها الشك في أمر ثائر ، مهمته باتت أسهل بكثير لذا حاول تهدأتها فنطق بتروٍ وهو يراها تجفف دموعها بمحرمة ورقية  : 


- حسنًا اهدئي ، أعدك أنني سأفعل ما بوسعي كي تصلي للحقيقة ، ولكن دعيني أطلب لكِ كوبًا من عصير الليمون ، حسنًا ؟ 


وجدها تتنفس بانزعاج وبدت غاضبة لذا أسرع يسترسل بخبث كي يستدرجها  : 


- أخبريني أولًا أي كتابٍ أعجبكِ؟


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة