-->

الفصل التاسع - جسارة الإنتقام

- الفصل التاسع - 

نظر إليهما وكأنما الغضب قد أغرق تلك الفيروزيتان في أعمق قيعان الجحيم.. بدا كوحش يريد أن ينقض على فريسته ولكنه صُدم عندما رآهما جالسان يلعبان سوياً، إذن هي لم تكن تخونه كما تخيل عقله.. لن يستطيع أن ينفذ ذلك السيناريو الذي رسمه بمخيلته، لم يتصور أن ما تفعله كان بريئاً للغاية هكذا!!..

ولكن ماذا سيظنون به وهو يعلم أنه يبدو مُخيفاً وبذلك المظهر الذي قد يرتعد له أعتى الرجال؟؟ أنفاسه المتعالية غضباً تدفع صدره العريض صعوداً وهبوطاً حتى كاد أن يهتك ذلك القميص الرسمي أسفل بزته الصارخة بالثراء!!

يُدرك جيداً أنها ستستفسر عن طريقته تلك بإقتحام الغرفة عليهما بهذا العنف، بم سيخبرها عندها؟ بل بم سيفسر مجيئه من الأساس؟!

أخرجه "مراد" بصوته المتسائل في تلقائية من شروده حينما قدم يده إليه ليصافحه:

- جاسر بيه.. ازيك عامل ايه؟!

ابتلع دون أن يلاحظه وتمنى بداخله ألا يكون علم شيئاً عما خططوا له، وإلا ما سبب مجيئه المفاجئ هذا؟! 

استعاد بروده وسيطرته على نفسه التي برع في التحكم بها خاصة بعد إفراغ ضغطه على تلك المسكينة التي ألقى لها مبلغاً من المال، وصافحه بإقتضاب وهو يرد بسماجة:

- أهلاً

لاحظ تلك العسليتان الناريتان تتفرسه في تعجب، ليتحدث ذلك المزعج أسفل زرقاويتيه إليها:

- طيب سيري.. أنا هاروح، كده كده الوقت أتأخر ولازم أمشـ..

قاطعته بعد أن توقفت عن إلقاء رمقاتها الغاضبة نحو "جاسر" ثم وجهت ظهرها له وواجهت "مراد" في نظرات متوسلة ناقضت نبرتها تمامًا:

- لا تروح ايه.. نام في أوضة من أوض الضيوف.. احنا ورانا حاجات أصلاً عشان فرح رامز ونيرة، وهنصحى بدري نخلصها، بدل ما تروح وتيجي نام هنا أحسن

فهمها "مراد" جيدا بأنها لا تود أن تُترك وحدها بالمنزل معه هي ووالدها فقال بعفوية:

- ماشي يا ستي، عشان خاطرك بس.. يالا تصبحوا على خير!

نظر نحو "جاسر" الذي حاول أن يبدوا هادئاً مصطنعاً البرود ولكن لاحظ مراد أن هناك شيئاً يخفيه وبوجهه بعض الإضطراب فغادرهما مؤجلاً هذه التساؤلات لاحقاً إلي الصباح فقد تُفسر له "سيرين" سبب ذلك الوجه العبوس..

بمجرد اغلاق الباب عليهما حدثته بأعين متسائلة بتحفز وعقدت ذراعيها منتظرة اجابته:

- ويا ترى ايه سبب الزيارة الغير سعيدة! وحشك وشي العكر ولا وحشتك اللي متسواش في سوق الحريم؟!

طالعت ملامحه التي لاحظت أنها قد أختلفت كثيراً عن اليومان التي تواجدت بهما معه وهي تنتظر اجابته عليها، هناك لمعان غريب بعينيه، شيء ما لا يُطمئنها، هناك أمراً يدعو للريبة والقلق بتلك الزرقاوتان، هل هذا لأنها أكتشف ما فعلته به؟ هل آتى الآن ليواجهها بهذا أم لماذا آتى من الأساس؟!

رمقها وبداخله يشتاق ليذيق تلك العسليتان الخوف والرعب.. شرد بهما كثيراً وود أن يرى حمرتهما وهي تبكي بتذلل تتوسل رحمته أسفل قدماه، التوت شفتاه في ابتسامة ساخرة وهو يتمتم في نفسه:

- ياما نفسي أجرجرك من شعرك واجيبك تحت رجليا، الصبر جميل بكرة أوريكي! إن ما صرختي وانتي بتبوسي إيديا ورجليا وتقوليلي ارحمني يا سيدي مبقاش أنا جاسر!

صاحت به من جديد عندما طال صمته أكثر من اللازم:

- هتجاوب ولا هتفضل مبلملي كتير؟!

نظر لها مبتسما بمزيد من السخرية وكادت أن تصرخ أن هذه المرة شيئًا به مختلفا، هناك شيء لا يُطمئنها بملامحه، وكأن غطرسته ازدادت أو لربما غروره! هي حقاً لا تستطيع التحديد بعد ولكن عيناه مريبتان!

القى بعدة كلمات لاذعة كإجابة لها وظل مبتسما ظنا منه بأنه يهينها:

- وحشني أمرمطك، وبعدين هلاقي أوسخ منك ومن لسانك فين!

ردت بمنتهى الثقة قائلة:

- والله وبقيت بوحشك يا جاسر بيه ووشي العكر بقا يليق بيك!

حسنا ردها أدهشه، لم يكن يتوقع منها هذا! تلك الطريقة التي نطقت بها اسمه بعفوية أزعجته للغاية!! أهو يشتاق لها؟! هي بالتأكيد تمازحه، لا يبغض أحد مثلها بحياته، هي ليست فقط تلك الفتاة ابنة من أغتصب أمه، لا بل هي أيضا من بيدها أمواله، من تقف أمامه بشراسه أمامه كما لم تفعل إمرأة من قبل، بل كما لم يفعل أحد قبلها!!

تمتم بهدوء مرعب وابتسامة شيطانية مُريبة:

- لا عندك حق، وشك العكر يليق بيا اني اهينه وأبهدله..

إلي الآن لا يزال يتحكم في أعصابه، أقترب منها بخطوات متريثة، يعرف كيف تبدو ملامحه جيدا وهو بمزاج كهذا، لقد استعاد ذلك الوحش بداخله.. ولكن ما تعجب له هو عدم ظهور أي ملامح خوف على وجهها، لم تهتز، لم تظهر حتى قلق أو تغير أو قليل من الخوف والرهبة!

أقترب جاذبا شعرها بقبضته وظل ناظرا لعينيها الجريئتان، حاول أن يبدو مخيفا.. استحث الهيمنة والسيطرة التي تخيف النساء ولكن لم تؤثر بها.. كل ذلك الشموخ به ينكسر أمامها دون حتى أن تتفوه بكلمة!

رفع مزيدًا من سقف هذه المعركة المميتة بينهما ونظراتهما تتقاتلان دون هوادة ثم اخبرها:

- مش ناوية يا وسخة تلمي لسانك ولا وحشك المرمطة.. شكلك كده عاوزة الجزمة فوق نفوخك

اندهشت من تسلطه غير المبرر ثم عقبت على حديثه بكلمات جعلته يود أن يقتلع رأسها بيديه:

- وحشتني المرمطة؟! ليه شايفني ببوس على ايدك انك تمرمطني ولا جاية لغاية عندك برجليا؟! واضح كويس إن أنت اللي جايلي برجليك! فانجز وقصر وقول عاوز ايه؟!

اطلق ضحكة خافتة في تهكم وتولت نبرته للبرود القاتل ثم تكلم قائلًا:

- هفوقلك! هفوقلك يا بنت الكلب وهربيكي من أول وجديد! بس تقولي كده لقيتلك لازمة! هتعرفي الصبح هنعمل ايه! غوري اتخمدي دلوقتي

 تعجبت منه بسبب كل ذلك البرود بينما لاحظت رغبة مريبة داخل عيناه لأمر ما لا تستطيع تفسيره بعد، خاصة بتلك الإبتسامة وتلك الطريقة الهادئة التي ترك بها شعرها لتعود لخشونتها في التحدث وقالت بملامح لا تعتلي سوى وجه صبي:

- لا بص أنا مش فاضيالك، أنا ورايا حاجات.. ومظنش الإسبوع خلص، مش ده كان اتفاقنا ولا اتفقت مع عيل مش قد كلمته؟!

أثارت غضبه بتلك الكلمات الأخيرة المتسائلة! حسناً لقد عرفت كيف تُغضبه.. دوت قهقهاته المغتاظة بالغرفة ماررا بسبابته على شفته السفلى وهو ينظر لها بملامح شيطانية ثم  تحدث ببرود كالثلج ونبرته تهدر لتدفع بداخلها مشاعر مشتتة:

- أنا حذرتك قبل كده من طولة لسانك! بس واضح إن فعلا وحشتك المرمطة! تمام! أقلعي يا حيلة أبوكي!

 نظرت له في عدم فهم ثم صاحت به بنبرة هازئة:

- ده اللي هو ايه؟ أقلع ايه بالظبط؟

 لم ترتد تلك النظرة بعيناها، لم تُصدم، لا يصدق أنه يبحث فقط على نظرة واحدة منها، نظرة خوف أو رهبة أو حتى تردد ولكن لا سيتماسك أمام تلك الجسارة الشديدة بعسليتيها وحاول ألا يغضب أمامها وحافظ على بروده ليقل في تحدي وهو يرفع احدى حاجباه بنبرة استفهامية:

- طيب بصي أنا لما أقول حاجة تتنفذ، هتقلعي ولا أقلعك أنا؟

كانت اجابته عبارة عن ضحكة متهكمة وهي تستهزأ بحديثه واجابته بلهجة استفزازية:

- فاكرني واحدة من الأوساخ بتوعك وهتقلعها! لا يا عم الأمور، روحلك شوفلك واحدة منهم واتمسى كده واهدى ولا فجأة كده بقيت اسوى في سوق الحريم!

نظر لها بأعين هادئة تماماً كهدوء البحر ولكن تلك اللمعة بها مُخيفة! قد يبدو البحر هادئا ولكن لا نعلم ما قد يُخفي بطيات أعماقه السحيقة!!

ظل يقترب منها وهي واقفة تنظر له في كبرياء ونظراتها لم تضعف بل ظلت قوية كما هي، أخرج يداه من جيوبه ثم خلع سترته ملقيًا اياها أرضًا ثم قبض بيداه ذراعيها وهو يدفعها للسرير حتى استقرت بظهرها عليه ليرمقها بجرأة ووقاحة ثم همس في مزيد من التحدي محذرًا:

- أنا وصلت لغاية هنا وافتكري إني لسه بقولك أقلعي بنفسك!

 اتكئت على ساعديها كي تحاول النهوض والإفلات منه ثم صاحت به في صلابة:

- ده بعدك.. مش أنا اللي اسمح لواحد بقذارتك يلمسها!

 رمقها بنظرات لأول مرة تشعر بقلبها يخفق من الخوف ولكنها حدثته من جديد بنفس الثبات وقالت: 

- بقولك ايه روح دور في سوق الحريم الوسخة اللي تليق بيك يا إما أقسم بالله هصوت والبيت كله هيتلم عليـ..

قاطعها معتليها لتحتوي ركبتاه ساقيها ويده على فمها كي تمنعها من الحديث ويده الأخرى مستنداً عليها وحدق بعسليتاها برغبة مفترسة ولكن لتعذيبها فقط ثم قال:

- فكرك يا واطية لما تصوتي عشان بقولك اقلعي حد هيلومني.. قدام الناس انا جوزك، ومحدش هيجيب الغلط عليا بالعكس شوفي بقا هيقولوا مش عاوزاه يلمسها ليه وانتي لسه عروسه.. مش عروسه بردو ولا بيتهيألي؟

ظلت يده تحكم شفتاها كي لا تصرخ وحاولت أن تدفعه ولكنها فشلت فشلا ذريع فأخذت تغرس أظافرها بيده ليقول هازئًا:

- لا بتعرفي تخربشي زي القطط اهو، بس دايماً معروف أن القطط خاينه.. مش كده يا بنت ابوكي.. ما أكيد أنتي زيه.. هتطلعي لمين يعني.. رباية وسخة.. 

تكلمه أمام وجهها بعث تلك الأنفاس التي جعلتها تشعر بالغرابة واتسامه بالبرود الهائل وهدوء نبرته جعلاها تتعجب  في حين أن كل ما يفعله يلزمه مجهود وعنف..

فجأة، وبدون اي مقدمات فتح السحاب الخاص بسترتها الرياضية وبالرغم من يديها التي حاولت أن توقفه ولكنها لم تستطع حيث انه جذب كل يد ليضعها أسفل كلا من ركبتاه وأخذ يحدق بنهديها اللذان صعدا وهبطا في عنف وأنفاسها على يده تلفحها في سرعة جنونية فنظر بعيناها نظرة إرتعدت لها ولكنها أخفت ذلك الخوف جيدا وحاولت أن تفلت من جسده ولكن دون جدوى..

امتدت يده في ثواني ليقوم بخلع الضمادات التي ثُبتت أمام ضلعها وأخذ ينظر لأثار الكدمات على جسدها مكان ركلاته ثم ابتسم لها حتى ظهرت أنيابه ومن ثم بدأ يرخي جسده فوقها وازاح يده لتتحدث هي في زجر شديد: 

- ابعد عني.. قوم وامشي بدل ما اصوت واحكي للكل أنت عملت فيا ايه

ابتسم بشراسه دعتها داخليًا للخوف وهي لم تعد تتحمل تلك الكلمات والعداء غير المبرر منه ثم هدر صوته محذرًا ببرود قاتل:

- اعمليها وانا ايتمك على ابوكي

دفعت جسده فوقها ما إن نطق بتلك الكلمة ولم يعطيها فرصة للحديث ليهدر صوته من جديد: 

- ابقي حطي عليها شوية تلج كل يوم.. كفاية كده جبيرة عشان غلط على الجسم.. 

نظرت له نظرات دهشة فلم يدع لها الفرصة مجددًا أن تبادر بالحديث ليرمقها بزرقاويتين تصرخا بالتوعد والإستهزاء ثم تكلم في سخرية:

- دماغك متروحش بعيد يا حيلة أبوكي.. بكرة خبر جوازنا الناس كلها هتعرفه، بالجبيرة ديه مش هتعرفي تلبسي لبس زي بقية الستات.. مش هخاف على واحدة زيك انها تموت حتى

نهض مبتعدًا عنها وتجول بالغرفة في غطرسة واضحة لتصيح في امتعاض وهي ترمقه بنظرات نارية:

- أنت إنسان قذر!

التفت ناظرًا لها في شماتة وتقزز وقال متهكمًا:

- أنا بردو اللي قذر.. بصي على المزبلة اللي أنتي عايشة فيها! ديه أوضة بنت..

 سكت رامقا اياها بمزيد من الإشمئزاز وتهكم مرة أخرى بمنتهى البرود:

- معلش نسيت.. أصلك مش بنت أصلا

ابتسم هازئًا وهي تحاول أن توصد سترتها عليها مرة أخرى ليهمس في مزيد من التهازؤ:

- بتداري ايه..

تحولت بعد تلك الكلمتان ابتسامته لضحكات هيسترية ليُصيبها بالغضب وقال في استفزاز بين ضحكاته: 

- فاكرة نفسك ست اوي.. تعرفي يا حيلة ابوكي أنتي لو حتى عريانة ملط قدامي مش هتحركي فيا ولو شعره واحدة..

ابتسمت له هي الأخرى في استهزاء ثم حدثته بنبرة استفزازية مثله:

- طب لما أنا وحشة اوي روح شوفلك واحدة تانية وسخة زيك وتليق بمقامك القذر وطلقني

تحولت قهقهاته لضحكة ثابته وسخر بنبرة واثقة لتصاب بقليل من الخوف داخلها:

- أطلقك!.. 

تلاشت ضحكته في ثوان ولمع بريق الإنتقام في عينيه ليتحدث ببرود بصوت خافت وكأن هناك العديد من الأمور التي لم تفهمها مختبئة خلفه:

- بعد ما اخلص كل اللي أنا عاوزه وبمزاحي هرميكي زي الكلبة.. وعلى فكرة؛ عاوزك تنسي لسانك كمان وتغلطي فيا براحتك اوي عشان كل حرف هتتحاسبي عليه.. بس تقدري تقولي إني بحوشلك؛ وكل ما الحصيلة تكبر كل ما أنا هتبسط أكتر وحسابك هيزيد معايا!

توجه بالقرب من سريرها ليخلع جميع ملابسه عدا سرواله الداخلي لتتفرس "سيرين" ذلك الجسد الرجولي بسرعة دون أن تطيل النظر ولكنها لم تشعر بالخجل بتاتًا لتتحدث سائلة في ثقة حاولت أن تستلهمها ولكن طيف التردد لاح بنبرتها:

- أننت.. أنت بتعمل ايه يا مجنون.. 

التفت ناظرًا لها نظرة جانبية عجت بالهيمنة الشديدة ورد ببرود:

- هنام! وهوريكي في يوم قد ايه أنا مجنون.. اتخمدي عشان هنصحى بدري

تأففت ثم زجرته في غيظ:

- لأ بقا أنت زودتها ومش ممكـ..

أوقفتها قبضته حول عنقها ويده الأخرى جذبت شعرها بعنف وقال بهدوء مميت جعلها تُجن:

- كلمة تانية يا بنت هشام وهطلع روحك في ايدي

ظل بيده الخبيرة يضغط على مناطق مرور الهواء بعنقها وحاولت هي أن تبعد يده ولكنها لم تستطع لتهمس في صعوبة وهي تحاول أن تسرق بعض الأكسجين لرئيتيها:

- ابعـ.. ابعددد ايدك

ابتسم ابتسامة جابنبية في شراسة أكسبته المزيد من الملامح المُحيرة للغاية بالنسبة إليها ليهدر صوته ببرود متسائلًا:

- طيب سمعتي قولت ايه، ولا اطلع روحك في ايدي؟ 

أومأت له بسرعة بالفهم ليترك عنقها وشعرها دافعا اياها على السرير مبتسمًا بغطرسة ورضاء مغترًا بفعلته وهمس في ثقة هازئًا:

- شاطرة يا حيلة ابوكي

وجه له ظهرها ونام لتشرأب عسليتيها في تعجب ممتزج بالغيظ ليدور بينها وبين نفسها حديثًا مطولًا يمتلئ بالتساؤلات التي لا تملك إجابتها:

- ايه بقا يعني ده؟! جايلي ليه وكمان ماله متغير كده؟ بصاته وعينيه مش طبيعية!! مبقاش بفهم حاجة لو مكانش شايفني حلوة! أنا شفت بصات كتيرة زي ديه.. ايوة شفتها، فاكرة كويس لما كان رامز بيبص كده لنيرة، ملهاش تفسير غير انه عاوزني وعاوزني اوي! 

بس على مين.. ده أنا هسففه تراب الأرض، وبعدين هو دخل عليا أنا ومراد ليه كده؟ ازاي أنا نسيت ومفاتحتوش في حاجة زي ديه؟ ازاي أصلاً كمان أخاف منه كده فجأة.. أنا أترعبت، بس أكيد مكانش باين عليا! ولا يا ترى اخد باله؟! أنا بجد مبقتش عارفة حاجة وحاسة إني متلخبطة اوي..

وايه خاينة وزي ابوكي؟ هو بابا عمله ايه بالظبط؟! أنا فعلا تعبت من التفكير ومبقتش عارفة الأيام الجاية هتعدي ازاي.. يارب بس اقدر أنفذ كل اللي خططنا ليه من غير ما أي حاجة تحصل!

تحدث عقلها بعد أن انتقلت على جانبها الآخر وولته ظهرها هي الأخرى ولم تستطع أن تلتفت خلفها، تشعر بخوف شديد، هناك شيئا به تغير عن أي مرة رآته فيها.. كما حاول عقلها بالحصول على أسباب لذلك الكره الذي يكنه لأبيها ولكن دون جدوى! ظلت تُفكر حتى نامت من كثرة ارهاق عقلها ولم تكترث لذلك الذي بجانبها..


⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

اشتم أنفاسها الرقيقة ليلتقط أنفاسه ثم اراح جبهته على خاصتها موصداً عيناه ثم همس أمام شفتيها:

- متبعديش عني تاني..

حاوطت عنقه بيديها ثم أخبرته في ضعف هامسة:

- مش هاقدر..

تحدث لها بآلم مهسهسًا بين أنفاسه ثم أخذ شفتيها بين أسنانه بقليل من الحدة وأطربت هي أذانه بتلك الآنات التي تصيح بها بين قبلتيهما:

- أنا محتاجك اوي..

انهمر الشغف المتبادل بين أعينهما تارة وبين أنفاسهما تارة ليهمس هازيًا وهو يلثم عنقها في شوق للمزيد منها ورغبة هائلة لم يكنها قبلًا لإمرأة أخرى بحياته:

- أنا من أول ما شفتك وأنا اتجننت، عمري ما حسيت كده مع واحدة غيرك

يريدها، لا يريد أن يتوقف، مد يده ليحرر مفاتنها حتى يتذوقهما، وما إن وقعت عيناه على ما ظهر أسفل ثيابها حدق بهما بوله تام وكأنه لأول مرة ينظر إلي مفاتن إمرأة، تفقد ملامحها فوجدها موصدة عيناها.. تنتظره، أنفاسها اللاهثة دفعته لفعل المزيد ولن يتوقف حتى يصل لأعماق ذلك الشغف معها..

فتح عينه لاهثًا ليرى شعرها الأسود حولها مبعثرا بفوضوية وقد ارتمى على جبهته بعض خصلاتها، وتفقدها ليتأكد أنها نائمة وأنفاسها منتظمة.. ووجد ذراعاه تحيط بخصرها وساقه تعتليها.. 

رأسه تتوسد نهديها، كأنما يحتمي بها من أمر يخيفه، لقد تكرر هذا الحلم مجددا ليجد نفسه يتحرك بعفوية واعتلاها دون وعي منه ليتمتم عقله:

- وبعدين معاكي بقا!

حدق بملامحها النائمة المستسلمة في هدوء ليتهكم بداخله قائلًا:

- على الأقل مش زي وانتي صاحية بلسانك اللي عايز القطع ده

ظل يحدق بالمزيد من ملامحها البريئة، لا تبدو الآن مثل الصبي المتمرد.. تبدو جميلة للغاية بتلك الشفتان الصغيرتان الورديتان ليجد نفسه يتسائل: 

يا ترى طعمهم زي ما في الحلم! 

اندهش رافعا حاجباه في تلقائية ليرى تلك العسليتان تنظر له في جرأة بينما تسمرت فيروزيتاه بعيناها، لم تمنعه، لم تدفعه أو تآباه، نظر لتلك الشفتان مجددا.. يريد أن يتذوقهما بأي طريقة، أصبح شغوفا بذلك المذاق الذي تذوقه مرتان بحلمه..

حسنا سيفعلها الآن، هي لا تمانعه على كل حال.. دنا أكثر منها لتلفحها أنفاسه الساخنة وأخذت تعض على شفتها السفلى لتلمع عيناه أكثر بينما أغمقت زرقة البحر بعيناه ليصرخ عقله متوسلًا:

- لأ لأ! بلاش تعضيها كده.. لاحت الإثارة تنفجر بعروقه كالبركان لتندفع دماءه وهي تغلي بجسده  بينما شعر بتصلب أسفل خصره ليصيح عقله في غيظ:

- لا مش وقته.. أنا هاقوم من عليها ازاي.. ده مش بعيد مسيبهاش تقوم أصلا من تحت مني

نظر لها من جديد وهو يلاحظ ملامحها الناعسة بدأت في الإستفاقة ليقرر أن يُقبلها وليحدث ما يحدث..

فجأة استمع كلاهما لصوت أنثوي:

- سيرين اصحي يا بنـ.."

تسمرت "منى" بمكانها عندما رآته يعتليها لتتحدث في توتر بإعتذار: 

- أنا آسفة يا بنتي مكنتش أعرف إن جوزك هنا

 نهض فجأة عنها وهو يستعيد نفسه ويسيطر على أنفاسه بينما تنفست هي الصعداء من اقترابه الغريب ليصيح آمرًا بنبرة غاضبة:

- اعمليلي قهوة..

تعجبت "منى" من طريقته الفظة وتركتهما بينما أندفعت نحوه "سيرين" في غضب شديد لتزجره في خشونة:

- لا كله إلا دادة منى!! أنت سامعني! لما تيجي تكلمها تحترمها، مش شغالة عندك!

تأتأ في سخط ثم حدثها متأففًا:

- اخفي من وشي يا حيلة ابوكي.. أنا مش ناقصك على الصبح

رفعت حاجباها في دهشة ثم تحلت بالثقة وهي تنهاه عما يفعل لتقول:

- ما تتلم بقى وتبطل غلط..

رمقها بطرف عينيه ليقول بلهجة مستفزة:

- هو ده اللي عندي وإذا كان عاجبك!

تمتمت بعدة كلمات لتخلف وشوشة لم يستطع تبينها ثم صاحت به في اعتراض:

- بص.. أنت شكلك مش ناوي تجيبها لبر! مالكش دعوة بحد في البيت ده وسيبهم في حالهم!

ابتسم متهكمًا وأكمل ذلك الجدال معها:

- ده أنتي مستأسدة أوي وبتدافعي عنهم!

صرخت به في تحذير لا يحتمل النقاش ولم تعد تتحمل استهزاءه وتهكمه:

- لو جيت ناحية حد فيهم هاكلك بسناني يا جاسر يا شرف الدين  

نظر لكل ذلك الجبروت البادي عليها وعيناها المليئتان بالشجاعة وعدم الخوف وليس كأنها كانت أسفله منذ قليل وهو يوشك على تقبليها عنوة ليهمس بهدوء ليس له مثيل متوعدًا اياها:

- خليكي.. عكي اوي بس وحياة أمي لا أفرجك

تركها صافعا باب الحمام بشدة خلفه ليهتزا كتفيها على أثر ذلك الإرتطام لتتمتم في حنق يتآكلها:

- مجنون ده.. وبعدين ايه اللي كان بيعمله قبل ما دادة منى تدخل! وأنا زي الغبية كنت مستسلماله أوي! هو ايه اللي بيحصلي بالظبط!

جلست على الأريكة تفكر بكل ما حدث وهي تعتريها الدهشة تجاه نفسها وقررت أن تنهي تلك التراهات بأي طريقة فهي تفصلها عدة دقائق عن التخلص من وجهه وملامحه لليوم على كل حال!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

أنّب نفسه بقسوة أثناء استحمامه ليزجره عقله مُفكرًا:

- جرا ايه مالك يا جاسر! ديه بنت هشام منصور الوسخ اللي بهدل أمك، فوق!! فوق من الهبل اللي كنت هتعمله.. ديه مش حلوة، مفيهاش ريحة الأنوثة، أنت هتنتقم منها!! ايوة هنتقم منها، يمكن بس عشان منمتش معاها، بس مسيرها تيجي تحتي تترجاني!

نظر لنفسه بالمرآة وهو يتفقد ملامحه ليقع في الحيرة من أفعاله تلك وتمنيها بأحلامه بتلك الطريقة ثم قرر أن يُخرج مثل تلك التراهات التافهة من عقله ثم خرج ملتفا بتلك المنشفة في الحمام ليرمقها بنظراته الهادئة المتحكمة وحدثها بلهجة آمرة في برود: 

- غوري البسي عشان نخلص اللي ورانا!

ردت بسماجة شديدة وهي تحاول ألا يستفزها بكلماته ومظهره:

- لا أنا ورايا حاجات.. واتفقنا على اسبوع.. خليك راجل قد كلمتك

 انفجر الغضب بوجهه اثرًا لكلماتها اللاذعة بينما صرخ ناهيًا:

- جرا ايه يا حيلة ابوكي! ما تتكلمي عدل بدل ما أبهدلك واعرفك مقامك!

رمقته في غضب مماثل لغضبه من كلماته وصاحت به:

- أنا عارفة مقامي كويس.. الدور والباقي على اللي عاشوا عيشة مش بتاعتهم من زمان!

رمقها بشر دفين وهو يحاول منع نفسه أن يذهب كي يفصل تلك الرأس التي تحتوي على هذا اللسان السليط بأعجوبة ليكز أسنانه كي لا تتفلت أعصابه أكثر من هذا ثم تحدث في غيظ:

- غوري اعملي اللي بقولك عليه بدل ما امسـ..

قاطعته عاقدة ذراعيها في تحفز:

- هخلص الأول مع رامز ونيرة وبعدين هعملك اللي أنت عاوزه..

 تطلعته وقطرات المياة تنساب على جسده المشدود وصدره العريض.. حاولت أن تبدو غير متأثره بما تراه قدر الإمكان حتى لا يُفضح أمرها بينما آتى صوته الزاجر:

- أنتي هتبدي شوية الـ..

قاطعته مجددا قبل أن تدخل بجدال آخر لا نهاية له:

- احنا اتفاقنا! ولا كمان مش قد كلمتك؟!

نظر لها مبتسماً بخبث بعد أن ابتلع وهو يحاول استلهام الصبر:

- لا.. قدها ونص.. ماشي يا بنت هشام! خلصي شوية الألاضيش بتوعك دول! بس افتكري انك قولتيلي هتعملي اللي عاوزه.. ولا مش قد كلمتك؟!

ابتسمت في ثقة ثم همست به بلهجة استفزازية:

- لا متقلقش.. أنا طول عمري راجل في كلمتي! مش زي ناس!

جحظت زرقاويتاه بلهيب الغضب ثم صاح بها:

- تقصدي ايه ياحيوانة؟

اقترب منها جاذبا شعرها لترمقه بنظراتها النارية بينما دفعها هو حتى الحائط وحاوطها بذراعاه وهمس بها في شر متوعدًا:

- أنا قد كلمتي، وهوريكي، هوريكي يا حيلة أبوكي..

استمرت نظراتهما التي تبادلاها في توعد وغضب وكراهية وتيبس جسديهما وحتى عقلاهما عن التفكير لتتحول تلك الجحيم التي لا تخمد بينهما إلي شرود بدا وكأنه أبدي..

صاح صوت "مراد" ليفيقها من شرودها عندما طرق الباب وهو يقول:

- يالا يا سيري هنتأخر..

انسلتت من أسفل يداه بجسدها الضئيل وجرت للحمام وأغلقته خلفها لتهمس في ذهول وهي تستحم بسرعة كي لا تضيع المزيد من الوقت:

- يا نهار اسود! ايه اللي أنا بعمله ده!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

صاح صوت "هشام" الذي لا يكره أكثر منه في الحياة ليلتفت له "جاسر" وهو يحاول أن يتحكم في أعصابه ألا يفقدها ويذهب ليبرحه ضربًا:

- صباح الخير يا جاسر يا ابني.. عامل ايه؟

اجابه بإقتضاب ليبتسم الآخر له في طيبة:

- تمام!

تمنى لو هشم ذلك الوجه الزائف بينما ربت "هشام" على كتفه وحدثه بنفس الإبتسامة:

- تعالى تعالى نشرب قهوتنا في الجنينه..

حاول ألا يكسر يده بصعوبة فنهض معه بينما تحدث "هشام" له مرة أخرى:

- اتغيرت كتير يا جاسر عن زمان.. مكنتش مصدق في يوم إنك ممكن تكون جوز بنتي، سيرين عاملة معاك ايه؟

رد بإقتضاب من جديد:

- كويسة..

تنهد ثم حدثه في هدوء:

- معلش، أنا عارف بنتي ناشفه شوية بس عمرك ما هتلاقي اجدع أو أحن منها.. 

تعرف يا جاسر، كان نفسي شرف يكون معانا أوي دلوقتي.. معندكش فكرة فراقه مقصر عليا ازاي، واوعى تفتكر اننا بعدنا في يوم من الأيام بالرغم من كل اللي حصل زمان! انا وهو فضلنا زي ما احنا.. أهم حاجة يا ابني تسامح.. تسامح مهما حصل

صرخ عقله بينما نظر له بزرقاويتاه الهادئتان ولم تعكسا ما بداخله من غضب عارم واحتقار شديد لطالما كنه له:

- اسامح على شرف أمي يا وسخ يا قذر!! وديني لا ابهدلك أنت وبنتك.. صبرك عليا!

كلمه بطيبة مرة أخرى:

- تعرف لما سيرين كانت صغيرة.. كانت جامدة وناشفة كده مكنتش مصدق اللي بتعمله بالرغم من إن..

توقف عن الحديث من تلقاء نفسه عندما صدح هاتف "جاسر" بالرنين واجابه هو على الفور حتى يتخلص من ملامح ذلك الرجل الذي يتمنى أن يذيقه أشد العذاب:

- آلو..

آتاه صوت والدته الغاضب الذي يهدر وكأنما هناك أمرًا عظيمًا قد حدث دون علمه:

- أنت فين؟ طول الليل كنت فين وسايبني.. مع الهانم مش كده؟!

تنهد في ضيق ثم تحدث بهدوء وصوت خافت وابتعد عن "هشام" كي لا يستمع لتفاصيل المكالمة:

- اهدي بس يا أمي فيه إيه؟ انتي كويسة؟

تآكلها الغيظ عندما لم تستمع لإجابة منه ثم صاحت به:

- وهبقى كويسة ازاي طول ما بنت هشام اسمها على اسمك!! ما تطلقها وتخلص منها!

زفر زفرة مطولة في ضيق ثم حاول أن يُثنيها عن كلماتها بأن تنتهي منها ليُحدثها في وقار لا يظهر سوى معها:

- يا أمي قولتلك إن بكرة هاخلص منها لغاية بس ما ناخد حقنا!

لم تتقبل تلك الكلمات ثم صرخت به في غضب:

- ما نطعن بالتزوير في الوصية دي ولا نشوف حد من محامينا يجبلنا حقنا.. هو يعني الدنيا خلاص هتوقف علشان بنت هشام.. مش فاهمة انت ازاي مستحمل تكون الحيوانة دي على اسمك وانت جوزها.. رايح تتجوز بنت الحقير اللي في يوم اغتصبني.. 

انتحبت ببكاء زائف تصنعته وهمست بحرقة:

- يا ابني.. يا ابني حرام عليك.. ليه بتعمل فيا كده على حياة عيني.. بقى ابني الوحيد اللي مطلعتش من الدنيا كلها غير بيه يأذيني الأذية دي!! ليه يا جاسر كده.. ليه يا حبيبي بتعمل فيا كل ده

تعالى نحيبها ليقارب هو على تهشيم أسنانه التي يُطبقها في عنف وكلماتها وبُكائها يجعل ذرات الدماء تغلي بعروقه ليتوعد كلًا من "سيرين" ووالدها بأشد العذاب بداخله ولم تتوقف "هويدا" وأخذت تطرق على الحديد وهو ساخن عله ينتهي منها بعد فقط عدة ايام من زواجهما وستكون بمثابة صفعة قوية شديدة لكلًا من "هشام" وابنته فهمست من جديد:

- بقى كده يا جاسر.. أنا اللي قولت ابني هيجبلي حقي في يوم من الأيام رايح تتجوزها وتكمل معاها.. ده جزاتي بعد سنين تربيتي ووقفتي جنب شرف يبقى استاهل كده.. حرام عليك يا ابني تقهرني على حياة عيني باللي انت بتعمله ده! 

ازداد لهاثه عندما اشتد تعالي صوتها الباكي وفي وسط غضبه تهادى إلي اذنيه أصوات صياح وضحك:

- ولا هتعرف تمسكني 

جرت "سيرين" بينما التفت لينظر لها "جاسر" بدهشة وغضبه كاد أن يعميه وهي تفر أسفل انظاره كي لا يُمسك بها "مراد" بجسدها الصغير كالطلقة المندفعة للتو وتعالت صراخاتها المازحة..

ابتلع في حنق ثم همس بهاتفه:

- معلش يا أمي أنا آسف.. هعملك حاضر كل اللي انتي عايزاه بس هاضطر اقفل دلوقتي..

انهى المكالمة ووضع هاتفه بجيبه وهو يتوعدها بداخله وعينيه تلتمع ببريق الشر ليستمع إليهما:

- يا سيري مش ممكن اللي بتعمليه ده!! بس مش سايبك

استمر في الجري خلفها تحت أنظار "جاسر" التي كادت أن تفتك بهما ولكن لم يكترث أيا منهما له، هما حتى لم يلحظاه ليفيقه صوت "هشام" وهو يتحدث بين ابتسامته الودودة:

- إيه؟ مستغرب؟!

نظر له رامقا اياه ببرود ليتابع: 

هما كده ورامز كمان.. تحسهم اطفال صغيرين بيتخانقوا.. بس بيموتوا في بعض، ربيتهم زي ولادي من يوم ما عرفتهم في مدرستها، ملوا عليا حياتي، وهما بياخدوا بالهم منها وشايلنها في عنيهم.. بيحسسوني انهم اخواتها اللي مخلفتهومش.. لو كان سلوى بس..

سكت فجأة عن الكلام ليعقد "جاسر" حاجباه ثم تمتم عله يتخلص من صوته الكريه:

- الله يرحمها..

ولكن هذا لم يمنعه من أن يتحدث بداخله ساخرًا:

- اللي خنتها وهي حامل في بنتك! شخصية قذرة بقا نقول ايه!

تنهد "هشام" في آسى ليعقب على كلمتيه قائلًا:

- يارب..

ابتلع في حزن وهو يذكر العديد من الذكريات بينهما ثم همس بصوت صاحبه الآلم في استسلام:

- أنا مسامح يا ابني.. كل حاجة حصلت مسامح فيها ومسامح هويدا أمك، في يوم كانت زي أختي بردو.. بآمنك على بنتي يا جاسر.. أنا نفسي أشوفها سعيدة قبل ما أموت

أومأ له في تقدير زائف وكأنه يفهم ما يقول بينما انفجر بداخله صارخًا: 

- مين اللي يسامح مين! ده أنت معندكش دم! حتى مفكرتش مثلاً إني ممكن أكون عارف كل حاجة عن اللي عملته فيها زمان!! 

أوقفه عن حديثه بداخل عقله صوت "سيرين" القائل بإبتسامة:

- ماشي يا سيدي.. عشان خاطر الغمازت الحلوة ديه

أمسك "مراد" بيده شيئا ما ليبتسم لها فبادلته الإبتسامة وشرد بها "جاسر" تماما دون أن يقصد، ولم ير من قبل تلك الحيوية والابتسامة التي على وجهها، وكأنها فتاة أخرى لم يرها ولم يتعرف عليها ولا حتى على لسانها السليط!.. 

قتمت عيناه فجأة عندما تذكر كلماتها لـ "مراد" لتحتقن دمائه التي قاربت على الإنفجار ليصرخ من جديد بداخله:

- صحيح واحد قذر هيخلف ايه غيرزبالة بتاعت رجالة!

رن هاتفه من جديد وظن أنها والدته ولكنه تفقد هوية المتصل ليجد أن المتصل "معتز" فأجابه ولم يدع له الآخر الفرصة في أن يتولى الحديث:

- ايه يا معتز بتقول ايه!! حصل امتـى.. 

بالرغم من أن الأخبار أنتشرت وأدرك أنه سيتأثر وسمعته على المحك في سوق العمل بعد تلك الأخبار التي نقلها له "معتز" ولكنه وجد نفسه يشرد بها من جديد وبمظهرها المختلف عما عهده وأصبح صوت ابن خالته في الخلفية لا ينتبه له على الإطلاق!

أطال النظر ليتفقد ما ترتديه، ثوبًا قصيرا أسود اللون بأكمام فضفاضة مطعم بتفاصيل فضية وجوربا أسود وشعرها الفحمي متمردا حول وجهها ومنسدلا إلي أن لامس أسفل ظهرها.. تضع مساحيق التجميل التي أبرزت تفاصيل وجهها مرتديه حذاء أسود عصري للغاية وتحمل حقيبة جلدية تلائم ثوبها لينبهه صوت "معتز" على الهاتف من ولهه:

- يا جاسر سامعني؟!

حمحم وهو يحاول أن يستجمع ملامحه الجادة الباردة الصارمة بينما اجابه:

- ها.. ايه.. آه سامعك

أطلق زفرة متهكمة ثم حدثه قائلًا:

- معايا!! ده أنت مش معايا خالص!

تنهد في سأم ثم حدثه ببرود آمرًا:

- اديني اسم الجرنال اللي عمل كده واسم رئيس التحرير..

آتاه صوته الموافق ثم سأله:

- هبعتهولك حاضر.. أنت جاي امتى؟!

تأفف حانقًا ثم انهى المكالمة بعد أن قال:

- هكلمك تاني يا معتز سلام..

نظر نحوها وهو مأخوذ برؤية ذلك المظهر الأنثوي الذي لم يتوقعه منها وشعر بالتيه بين تلك الأخبار الصادمة التي تخص العمل وبين كلمات والدته وتواجده بجانب هذا الحقير وشعر أنه قارب على الإنفجار بينما استمع لما تقوله:

- لا يا اسطى.. كله إلا عربيتي

امتعض قالبًا شفتاه في تقزز ليتمتم بداخله:

- يا ريتها ما فتحت بقها، لسان عايز القطع..

حدثها "مراد" ليتفقا كيف سيذهبا:

- ماشي بس انا كده هاروح لرامز ونيرة بعربيتي وانتي تعالي ورانا بعربيتك"

هزت رأسها بالموافقة واتجهت نخو المرأب لتوقفها قبضته القوية كي يمنعها من أخذ المزيد من الخطوات:

- رايحة فين يا حيلة ابوكي؟

تأففت في ضيق ثم ردت بإقتضاب مُجيبة:

- يوه بقا! ما قولتلك ورايا حاجات..

نظرت له بتمرد وشعرت بالإشمئزاز من تلمسه اياها ثم تحدثت بسماجة: 

- وبعدين بطل تلمسني كل شوية عشان بقرف

ابتسم متهكمًا ثم حدثها في تقزز:

- بتقرفي.. على اساس انك بني آدمة مثلًا

زفرت متأففة وسيطر الغضب على ملامحها لتصيح به:

- غور بقا من وشي وسيبني في حالي.. روح شوف وراك إيه واعمله!

ابتسم في سخرية ابتسامة جانبية لم تلمس عينيه بينما آمرها في برود:

- طب اركبي قدامي يا حيلة ابوكي

اندهشت في تعجب ورفعت حاجبيها لتنظر له بعسليتان تصرخا بالإستغراب ثم سألته:

- اركب فين؟ أنت أصلا فاكر نفسك رايح فين؟

رمقها بمزيد من النظرات الساخرة المتهكمة ثم اخبرها بنبرة لاذعة:

- بدل ما الناس تقول مرات جاسر شرف الدين ماشية مع رجالة لوحدها.. باعتبار ان الاضيشك دول رجالة.. هاجي معاكوا!

نظرت له "سيرين" بحقد كبير والغضب يندلع بدمائها وكادت أن تندفع كما هي عادتها بسيل من الكلمات الفظة.. ولكنها فكرت لوهلة..

 ماذا لو تفوه احدهما أمامه بشيء؟ هل آتى منذ الأمس ليمكث معها لعلمه بما خططوا له؟ تحول الغضب بداخلها إلي القلق ثم تذكرت كيف يبدو وهو غاضبًا من أمر لتتمتم بداخل عقلها:

- أكيد لو فيه حاجة كان اتكلم من بليل ومكنش سكت لغاية دلوقتي! 

حاولت أن تُهدأ نفسها قدر المستطاع وتنفي ذلك الظن السيء أنه قد علم شيئا واستعادت ثقتها وجرأتها وتركت ذلك القلق جانبًا ثم حدثته بإستفزاز:

- تيجي ولا متجيش.. زيك زي قلتك.. بس أنا اللي هسوق!

توجهت لصغيرتها السوداء التي تعشقها أكثر من أي شيء في الحياة لتتهادى إلي أن تواجده أسفل أنظارهم أفضل من أن يكون بعيدًا وهي لا تعرف ما إن توصل إلي أنهم من خلف كل ما يحدث له أم لا!!..


     

#يُتبع . . .