الفصل الثامن - جسارة الإنتقام
- الفصل الثامن -
تهاوى جسده الضخم بالنسبة لتلك الصغيرة لينظر بعيناها التي كانت تماثل عين والدتها بشدة ثم حدثها في حُزن معتذرًا:
- حبيبتي حقك عليا.. آسف أتأخرت عليكي
نظرت له تلك النظرة النارية من عسليتيها ثم ردت بحدة وكأنها تبلغ العشرون من عمرها وليس فقط ثماني سنوات:
- لو هتتأخر تاني هاروح أنا وأتصرف
تفقدها بإبتسامة ثم حمل جسدها الضئيل للغاية ونهض بها وهو يقول:
- روح قلبي تتصرفي ازاي والبيت بعيد عن المدرسة.. أنا من بكرة هشتركلك في الباص ويوديكي ويجيبك
أخبرته ببراءة في دهشة:
- باص، بس يا بابا يعني.. مش أنت قولتلي اننا مش هينفع نشترك في الباص السنادي ومصروفي بس هيفضل زي ماهو
ابتلع "هشام" بحزن وهو يرى تلك الصغيرة تشعر بالقلق ثم حدثها بإمتنان:
- بابا بقا شاطر في شغله عشان سيرين القمر بتساعده وبتسمع كلامه.. والمصروف كمان هيزيد
حاول ألا يبالغ في حزنه لشعور فتاة في مثل عمرها بالقلق عليه لتأزمه ماديًا بينما حدثته في ثقة طفولية:
- لأ.. المصروف بيكفي وأنا بجيب بيه كل حاجة وبحوش منه كمان وهدفع منه في اشتراك الباص، أنا حبة وأنت حبة
تهشم قلبه لما تقوله وهو يشعر بعجزه أمام طفلته الصغيرة التي سبقت سنها بالعديد من الأعوام ليحاول أن يمازحها:
- يااه.. بتحوشي، لا ده أنتي شكلك بقا من الأجازة الجاية هتساعديني في الشركة، كبرنا خلاص
تسائلت بلهفة و بأعين ملئتها البراءة:
- يعني هاروح معاك الشغل كل يوم؟
أقترب منها ليقبلها على وجنتها ثم أخبرها في حماس:
- يا نهار أبيض، سيرين منصور هانم بنفسها هتنورني.. ده أنا مش هلاقي زيك وروح قلبي الصغير ده هيبقى الكل في الكل
نظرت له بعبوس غاضبة ثم زجرته في حدة:
- أنا مش صغيرة يا بابا، أنا فاهمه كل حاجة وهتعلم الشغل وأساعدك
توسعت ابتسامته ثم تابع حديثه إليها:
- ده أنا أسبلك الشغل كله وامشي أنا، خلاص متزعليش يا ستي، حقك عليا، ويالا أصالحك واعزمك على أكلة حلوة كمان
ادعت أنها لا تريد شيئًا ثم أخبرته في إباء:
- أنا مش جعانة وخلي الفلوس للباص عشان تكفي وكده يبقى اروح كل يوم بسرعة واعمل واجباتي..
نظر لها وهو غير مصدق لعقل تلك الطفلة التي دائمًا ما أعطته الدافع للمثابرة من أجلها وشعر بالحيرة فحاول معها من جديد:
- طيب بلاش عزومة برا، نجيب أكل في البيت بدل ما نعمل الأكل النهاردة ونستفيد بالوقت واحنا بنعمل الواجبات.. ها، اتفقنا؟
أومأت بالموافقة وقالت:
- اتفقنا بس حبة صغيرة ليا بس..
تنهد في النهاية وهو يرمقها في غير تصديق لإيثارها كل ما قد تتمناه فتاة في مثل عمرها ثم حدثها موافقًا:
- ماشي اتفقنا يا ستي
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
رمقه "معتز" في ترقب وخشية من إنزعاجه الذي ارتسم على ملامحه بالرغم من تلك النبرة التي يتحدث بها وظل متريثًا إلي أن يُنهي مكالمته:
أنهى المكالمة ليُلقي هاتفه ليُهشمه أرضًا ثم صرخ غاضبًا به:
- اسيب الشغل يومين تلاتة ارجع الاقي قواضي.. جرا ايه يا معتز! سايب عيل ورايا!
تحدث له "معتز" وهو لا يدري من أين جاء كل ذلك لتأتي نبرته مهزوزة:
- قواضي ايه بس! ما كل حاجة كانت ماشية تمام.. وبعدين احنا معانا محامي عقر وكل ورقنا في السليم
نظر له نظرة قاتلة في صرامة وحدثه بلهجة غاضبة:
- وأنا لسه هستنى قضية ومحكمة ومحامي! عارف أخبار زي دي ممكن تعمل فينا ايه؟ وضعنا في السوق هيتهز جامد! نفسي أعرف بس مين ابن الكلب اللي بيعمل كده! لو وقع تحت ايدي هموته بإيديا
حمحم وهو يحاول أن يجد الكلمات الصائبة التي يُدرك أنها لن تثنيه عن غضبه ولكنه حاول على كل حال فتحدث له قائلًا:
- هنتكتم يا جاسر على الخبر ومحدش هيقدر يقول حرف وبعدين احـ..
توقف بعد أن صدح هاتفه بالرنين فأجاب خشية من أن يكون أمرًا آخر قد حدث:
- أيوة.. بتقول ايه!! اتوقفت بآمر من الحكومة! طب انا جايلك حالاً!!
ابتلع في تردد ونظر نحو "جاسر" ثم أخبره في هدوء:
- جاسر.. محاجر حلوان كلها اتوقفت بآمر من الحكومة.. أنا رايح أشوف فيه ايه..
نهض مسرعًا وبسرعة ألقى بالتهم عليه وحدثه في تهكم:
- عاوزني أسيبك تخربها زيادة! أنا هاجي معاك
تماسك "معتز" ولم يرد أن يبدأ معه في جدال بما قد وقع على مسامعه كي لا يضيعا الوقت ثم غادرا معًا وقرر أن يعاتبه لاحقًا على ما قال!..
نظرت لها في رفض وآتى صوتها مهزوزًا لتخبرهما في تردد:
- بس ده جبار واحنا مش قده.. ممكن نتبهدل فيها!
زفرت "سيرين" في إنهاك من محاولة إقناعها ثم حاولت مرة أخرى:
- نيرة أرجوكي.. أنا بعد كل اللي حكتهولك ده أنتي فعلاً مش عاوزة تساعديني؟
شعر "رامز" بالإنزعاج من رفض خطيبته للأمر ولكنه حاول هو الآخر:
- بصي أنا أصلا عمي طربقها على دماغه وعمله شوشرة حلوة كده يتهدله فيها يجي شهرين تلاته كمان.. وكل اللي عاوزينه منك خبر حلو كده في الجرنال اللي بتشتغلي فيه وعارفين كويس انك مسنوده واسمك مش هيجي سيرته
رمقته في حدة وتطاير الغضب من عينيها وهي ترمقه في غل ثم صاحت به:
- أنت بالذات مسمعش منك ولا كلمة.. أنا بكلم سيرين مش بوجهلك كلام، ومش هكلمك غير لما تديني رد في اللي قولتهولك
تأتأت "سيرين" وهي تأنبهما سائلة:
- جرا ايه يا ناقر ونقير، عملتلها ايه يا سي زفت أنت كمان؟
عقدت ذراعيها وهي تتفرس ملامحه بعد أن التفتت نحوه ليجيبها بتلقائية:
- أبدا يا ستي عاوزانا نتجوز الشهر ده واديكي اهو شايفة احنا مسحولين والوقت مش مناسب
عبست ملامح "نيرة" لما استمعت له منه لتتريث "سيرين" ولمعت عيناها ونظرت للجميع بإبتسامة انتصار لتتكلم في حماس:
- بالعكس بقا ده أنسب وقت، جوازك هيغطي على اللي بنعمله، ونيرة ترمي الخبر لرئيس التحرير وتاخد اجازة جواز، اديك اسهم من الشركة بمناسبة جوازك، غير نصيبك أصلاً، وبعدها موضوع موت بابا..
يبقى كده بنكسب وقت أكبر، كمان مكنتش متخيلة إن عمك ايده طايله اوي كده وفي يومين قدر يهزه كده.. أنا عرفت انه طربقله محاجر حلوان وده معناه إن الأسمنت اللي شغال بيه هيتأثر شوية، وحتى على ما يفكر يستورد عشان يغطي العجز هيأثر بردو عليه، كمان مع الخبر محدش هيشتري منه وحدات زي الأول، والكل هيقلق منه، وحتى اللي بيوردلهم اسمنت وحتى الحديد هيتأثر وهنكسب وقت أكبر
تدخل "مراد" بإطراء على ما فكرت به بينما تهللت ملامح "نيرة" بذلك الإقتراح التي استمعت له بشأن زواجهما:
- مش ممكن دماغك يا سيري.. طول عمرك لعيبة!
هتفت "نيرة" مُتسائلة في حماس:
- يعني هاتجوز الشهر ده؟!
صاح "رامز" بها بنظرة تتفقدها بقليل من التهكم المازح:
- ياختي اتهدي.. مستعجلة على ايه، خلاص هتموتي على الجواز
رمقه "نيرة" بغرور تأفف ثم قالت:
- ماهو سنتين حب وتلت سنين خطوبة كتير..
غمز لها "رامز" بإبتسامة خبيثة ثم قال في مُزاح:
- على الله بس متجيش تجيبي ورا وتعمليلي فيها ست المكسوفة.. ده أنت هتطحن يا جميل أنت
انفجرت الحمرة بوجه "نيرة" لتندهش "سيرين" وشعر "مراد" بالإحراج لتحدثهما هكذا معا فزجره مسرعًا:
- ما تتلم يا رامز، عيب معانا بنات!
رمقه في رفض ثم صاح به:
- بنات ايه يا عم.. عندك الست سوسو مبتتكسفش والهانم هتبقى مراتي.. سيبوني بقا أفجر اللي جوايا
عقبت "سيرين" على كلماته في جرأة شديدة وهي تتحدث كالصبيان تماما لتقول:
- لا ده أنت حالتك صعبة! قال مكنش عاوز يتجوز قال! رجالة صحيح بتفكر من تحت الحزام!
اندهشت "نيرة" وطأطأت برأسها للأسفل ونهضت وهي تُمسك بحقيبتها ثم قالت:
- لا بصوا أنا أسيبكم الحق ارجع الجرنال لحسن أنا مليش في كلامكم ده
همس "رامز" متكئا بكرسيه بإبتسامة لعوب:
- اللي ملوش نخليه يبقاله! صبرك عليا يا مطلع عيني!
زجرته "سيرين" بكلمة غير متوقعة منها وصُدم "مراد" لما قالته فمهما ظن أنه أكتفى من كلماتها الغير متوقعة دائما لا يزال لديها المزيد:
- لا بطل هيجان واتلم.. أنا قاعدة قدامك ياض وركز كده معايا وقولي وصلنا لفين!
هتفت بها "هناء" في زجر علها تنتهي عما تفعله:
- ضيعي بقا كمان اللي في بطنك على زعلك على هشام، ما احنا مبقاش ورانا غيره خلاص
همست في صدمة بين نحيبها:
- هيتجوز.. عارفة يعني ايه؟ يعني خلاص استحالة يحس بيا بعد كل السنين دي
كادت أن تجن من أفعال أختها التي لا تليق سوى بمراهقة لتحدثها بمزيد من الزجر:
- هو أنتي بردو لسه مفوقتيش، أنتي على وش ولاده، جوزك راجل محترم وبيحبك وطموح في شغله وأي واحدة تتمناه.. ايه بقا يا شيخة، مزهقتيش، مبتحسيش على دمك، أنتي على وش ولاده، هتبقي أم خلاص..
تخيلي نظرة ابنك أو بنتك ليكي هيكون شكلها ايه لو لاحظوا ده، تخيلي شرف الدين الراجل الطيب لو حس بده.. اتقي الله وكفاياكي بقا! يا إما ليه تظلميه معاكي من الأول!
صرخت بها وهي لا تتقبل تمامًا ما تستمع له:
- ارحميني بقا أنتي مش حاسه بيا، جابها وماسك ايدها وبيعرفني عليها، بيحبها أوي وأنا كأني مش موجودة قدامه، كل ده عايزاه ميزعلنيش؟!
اندهشت ليرتفع حاجبيها في تعجب من كثرة هذا الوهم الذي تتعايش به لتحاول أن تُنهيها وهي تُكلمها بما يُعقل:
- شيء طبيعي يحبها وتبقي مش موجودة قدامه، عشان هو راجل محترم وبيعتبرك أخته ومرات صاحبه، حاجة عادية جداً بس انتي اللي عايشة في وهم، جواكي غل من ناحيته وأكيد من ناحية البنت اللي هيتجوزها..
ارحمي نفسك بقا، كفاية، الطفل اللي جاي ذنبه ايه وشرف ذنبه ايه؟ مش حاسة ان حياتك بتتغير وبتكبري مبقتيش عيلة في جامعة
همست "هويدا" بدموع تماسيح زائفة:
- أنا غلطانة يا هناء اني بحكيلك كل حاجة.. غلطانة اني بفضفضلك على اللي جوايا..
تنهدت "هناء" ثم اقتربت منها ونظرت لها بآسى على حالها وربتت على كتفها في حنان وحدثتها بنبرة هادئة:
- يا حبيبتي مقصدش.. هويدا الأيام اللي انتي فيها ديه استحالة تتعوض تاني، السعادة بتاعت أول بيبي، أول فترة جواز، أول فرحة ليكي بإنك تضمى حتة منك، شوفتيني كنت فرحانة بمعتز ازاي اول ما خلفته، ببصله كده وهو نايم في حضني بحس ان وجوده جنبي بالدنيا وما فيها، سيبك من تفكيرك في هشام واعتبريه موضوع وخلص وعدى، استمتعي بالنعم اللي حواليكي واشكري ربنا عليها بدل ما يجي وقت وتندمي فيه على كل ده، أنا بس نفسي أشوفك مبسوطة
ردت بإقتضاب وهي تومأ لها:
- حاضر يا هناء.. حاضر
ولكنها لا تعلم ما الذي تخيلته وهي تشرد بتفكيرها لتتحدث داخل نفسها:
- ولادي هيكونوا نور عنيا.. مش علشان مبحبش شرف يبقا مش هحب ولادي.. ولعلمك ولادي بالذات اول واحد ده هيكون خاتم في صباعي وهو اللي هيساعدني مع هشام.. خلاص كده انا نويتها.. يا هشام يكون ليا أو ميكونش لحد غيري أبداً! بكرة هوريكي..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صاحت بأخيها بلهجة مصممة لا تحتمل النقاش:
- هتجوزه يا سامي واللي عندك أعمله.. هشام إنسان كويس ومحترم، كمان ده ابن عمك يا أخي، هتآمن لمين أكتر منه وكمان يكون في علمك بابا موافق عليه
رد في إنزعاج شديد وصاح هو الآخر في رفض قاطع:
- هشام عيل مش عارف مصلحته، رايح يرمي كل فلوسه وورثه من عمي في ايد صاحبه ومراته، مرضيش يشاركني مع اني عرضت عليه، وزي ما بتقولي ابن عمي، يعني أنا كنت أولى أنه يشاركني
اندهشت متعجبة من تكالبه الواهي على ما ورثه "هشام" ثم أكملت جدالهما قائلة:
- كل واحد حر يا أخي.. وبعدين ما هو انسان كويس ونجح أهو في خلال سنين قليلة، هو حر، ده مهندس وبيحب التسويق ومهتم بيه، أنت بتستورد أجهزة طبية ودكتور، ايه بقا لم الشامي على المغربي؟
ارتفع احدى حاجباه في تحدي ليسألها:
- يعني خلاص ده آخر كلام عندك؟!
أومأت في إصرار ثم اجابته في حدة:
- آه يا سامي ده آخر كلام عندي وفرحنا الشهر الجاي
ابتسم في تهكم ثم حدثها وقد هدأت نبرته ظنًا منها أنها ستغير رأيها عندما قال:
- ماشي يا أختي براحتك، بس يكون في علمك فلوس بابا مش هتلمسي منها جنيه يا سلوى، حتى بعد ما يموت، وأنتي عارفة اني اقدر العب في دماغ ابوكي الطيب كويس أوي..
رمقته في عدم تصديق وهي لا تصدق أن اخيها قد أخذ هذا القرار ولكنها لم تكترث وحدثته في ثقة:
- مش عايزة منك حاجة، ولو حصل واحتاجت حاجة مش هطلب منك، اشبع بالفلوس يا سامي، سيبهالك مخضرة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
زفر "معتز" في ضيق وهو يشعر أن هذا أسوأ موقف قد مر عليهم بينما تمتم متعجبًا:
- أنا مش عارف ايه اللي بيحصلنا ده بس
زجره "جاسر" ببرود ولم ينظر له قائلًا:
- سايب عيل ورايا، لو كنت أنا موجود مكنش حصل كل ده
لم يعد يستطيع تحمل تلك الإهانات اللاذعة والتُهم التي توجه له ليصرخ به في غضب:
- بص بقا، أنا مقدر اللي أنت فيه، بس نازل عليا من الصبح كلام زفت وأنا مستحمل، جرا ايه؟! هو أنا عمري يعني مشيلتلك الشغل؟ ما أنت ياما كنت بتسيب الدنيا فوق راسي وتغطسلك يومين وحتى محدش عارف كنت بتبقا فين وبترجع تلاقي كل حاجة زي الألف! خلاص عشان شوية مشاكل شايف اني عيل ونزلت كراجل من نظرك!
رمقته فيروزيتي "جاسر" بهدوء مريب ثم تكلم ساخرًا بمزيد من البرود:
- لا بتعرف تتعصب يا ابن خالتي!
تحول على أثر بروده الذي لم يعد يعرف كيف يتعامل معه وجه "معتز" لجحيم مستعر لينفجر بوجهه صارخًا:
- لاا! ده أنا مشوفتش كده، أقسم بالله إن ما لميت الدور ما هتشوف وشي تاني جنبك وأعتبر كل اللي بنا مات..
أنا تعبت من تصرفاتك يا أخي، أنا سايبك وماشي وهجيلك الصبح عشان نشوف المصايب اللي نازلة ترخ فوق نفوخنا، ياريت تكون اتعدلت كده وترجع جاسر ابن خالتي اللي أعرفه!
رمقه "جاسر" بالعديد من النظرات الهادئة للغاية مستمعا ليصل الآخر إلي قمة نفاذ الصبر ليتوجه مغادرًا ثم صفع الباب خلفه ليتمتم الأول بنبرة عميقة غارقًا في تفكيره:
- حاضر يا معتز، هرجع جاسر اللي تعرفه!
ابتسم بملامح مرعبة ثم طالع هاتفه ليجري مكالمة وسرعان ما تم الإجابة عليه ليتحدث إلي الطرف الآخر:
- لا يا روح أمك.. منستش.. تقدري تقولي مكنش ليا مزاج! وأنتي مستنية غير أمري يا كـ****.. واحدة حلوة كده على الفيلا اللي في المريوطية بس مش الشـ***** بتوعك، عايز واحدة من اياهم، خدامة يعني بتسمع الكلام..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تحدثت تلك الفتاة العارية وهي جالسة أسفل قدماه تقبلهما في شغف وتفاني:
- آمرك يا سيدي
همس بشر وزرقاوتان قاتمتان لها:
- شاطرة يا و***، شكلك بتعرفي ترضي سيدك
وضع قدمه الأخرى على رأسها وهي لا زالت تقبل قدمه وأخذ يضغطها بشدة حتى تمرمغ وجهها بأكمله على قدمه ثم فجأة ركلها بين ملتقى ذراعها وعنقها لتتهاوى أرضا ونهض مبتعدا
جلست الفتاة على ركبتيها ونظرها مسلطاً للأرضية ثم همست في اعتذار:
- يا سيدي آسفة لو ضايقتك
تكلم بهدوء ونبرة تردد صداها لتُقلقها أكثر وهو يجذب شعرها في عنف:
- فاكرة يا بنت الـ*** تقدري تضايقيني، ده أنا أدوس على شرفك يا *****
آمرها وهو يترك شعرها بنبرة ارعبتها:
- غوري أقفي هناك ووشك في الحيط لغاية ما أجيلك ومش عايز أسمعلك حس!
ذهبت على أربع وهي مرتعدة من تلك النظرات التي رمقها بها لتمتثل آمره في ثوانٍ و جلس على كرسيه ببزته السوداء التي صرخت بالثراء نافثا دخانه وهو ينظر إليها برغبة عارمة كالأسد الذي سينقد على فريسته قريبًا..
أسد جائع؛ لم يتذوق خضوع إمرأة منذ خمس سنوات، سيدمي ذلك الجسد، سيضاجعها حتى تُزهق روحها، سيترك علامات على جسدها ستخيفها منه للأبد، فتاة مثلها لن تتجرأ أبدا على أن تأتيه بقدمها مجددا.. ستهابه للأبد ومهما أعطاها من أموال لن تستطيع أن تأتيه مرة ثانية..
شعر بذلك الإحتياج أن يُخرج كل ما به من أعباء على ذلك الجسد، هي عاهرة بالنهاية، هي تدرك جيدا ما آتت من أجله، ليس لها الحق بأن ترفض شيئا وإلا تعلم ما قد يحدث لفتاة مثلها..
التوت شفتاه في سُخرية ثم توقف ذاهبا نحوها لتثبت قبضته عنقها واليد الأخرى أطفأت سيجارته بمؤخرتها لتصرخ هي:
- آه.. حرام عليك.. ايه اللي أنت بتعمـ..
قاطعها ليدير جسدها بقبضته حول عنقها ثم نظر لها بزرقاوتاه المرعبة دافعا جسدها بعنف لتصطدم بالجدار خلفها وحدثها في زجر:
- جرا ايه يا مو**.. جيتي برجلك ليا يا كـ **** وانتي هنا عشان تبسطيني.. هتتعدلي يا لـ*** ولا أعرفك مقامك!!
ابتلعت في رعب من ملامحه ثم همست في آسى ومؤخرتها لازالت تحرقها بفعل السيجارة ولم تجد غير ذلك قولاً حتى تستطيع الإفلات من تحت يده حية هذه الليلة:
- آسفة يا سيدي.. تحت آمرك أعمل فيا اللي أنت عاوزه
ظلت تتابع تلك النظرات التي رمقها بها وطوله وجسده أمامها جعلها ترتعد مما هي مقبلة عليه وأدركت أن عليها الموافقة على كل ما يفعله وإلا قد تنتهي حياتها هذه الليلة.. هي لا تعرف إذا كان خبيرا بتلك الممارسات أم هو رجل يريد أن يُجرب ذلك الجنون فحسب، لا تثق به؛ لا تستطيع التنبؤ غير بأن هذا الرجل ليس بهينا أبدا من هيئته التي يبدو عليها..
رمقها في سُخرية لتتجهم ملامحه ثم آمرها بنبرة عميقة:
- شاطرة يا روح أمك.. غوري أقفي هناك تحت الجنش اللي هناك ده"
ذهبت مرتعدة وأنتظرت حتى شعرت بيداه ترفع ذراعاها لتكبلهما معا في تلك السلاسل المتدلية من السقف وهمس بالقرب من أذنها:
- اسمعي الكلام عشان متتبهدليش.. سامعة يا قذرة؟
اجابته الفتاة بخضوع وإذعان تام بصوت مهزوز:
- حاضر يا سيدي.. حاضر
شعرت به يتجول خلفها ومن ثم بدأ في جلدها بسوطه وبدأت صراخها في التعالي وتملكها الرعب ما إن لم تستطع الهروب من أسفل يداه حية دون اصابات هذه الليلة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تحدثت "سيرين" إلي "مراد" وهي تتكأ على سريرها :
- ياااه يا مراد، أخيراً هخلص من الواد رامز، عقبال ما أخلص منك أنت كمان
آتى "مراد" وجلس على مقربة منها في تلقائية ثم تحدث في نهي:
- لا يا ستي.. أنا مش ورايا غير الشغل وماما وسيري حبيبة قلبي.. لما اطمن عليها الأول أبقا اسيبك تخلصي مني
أطلقت زفرة ساخرة ثم قالت في تهكم:
- يا سيدي على التضحية يا أبو قلب حنين.. جرا ايه يا اسطى ده أنت عليك جوز غمزات يوقعوا مزز من العيار التقيل تحت رجلك
تنهد في سأم من طريقتها الفجة التي لن تتغير أبدًا ثم حدثها بقليل من الإنزعاج:
- يا سيري ارحميني، أنتي بنت يا حبيبتي مينفعش تفضلي تتكلمي كده..
رمقته بعسليتين حماسيتين ثم قالت:
- هتوه عني ولا ايه، فاكر ياض لما أنت والواد رامز كنتو بتتخانقوا كل يوم في باص المدرسة واحنا صغيرين وروحت راقعاكوا علقة وبعدين صالحتكوا.. ياااه أيام..
دفعته للضحك بخفوت على تلك الذكرى بينهم ليقول:
- أنا حقيقي مكنتش مصدق إن فيه بنت بتمد ايدها عليا
ابتسمت هي الأخرى وأوصدت عيناها في راحة بينما استند "مراد" بيداه الاثنتان خلف رأسه واستمع لها وهي تتحدث في إرهاق:
- بنت ايه أنا بمية راجل.. بس ايه أنا مبسوطة اوي، أقسمبالله احنا عصابة بجد
ضحك في خفوت ليتمتم في تصديق على كلماتها:
- ده زمانه هيتشل، بس لو وصل اننا اللي عملنا كده بجد ممكن يموت حد فينا..
فتحت عينيها تنظر له بجدية وهي تُحفزه:
- ياض اجمد ونشف قلبك الحنين ده ولا هيعرف..
حدثها في جدية بنبرة قلقة:
- والله يا سيري أنا خايف عليكي
نظرت له تلك النظرات النارية الغاضبة وزجرته في خشونة وكأنه يتكلم إلي رجل وليس بفتاة أبدًا:
- لا بقا ده أنا أمسكك اديك درس عشان تجمد كده..
تريثت لبرهة وهي تضيق ما بين حاجبيها في تعجب ثم تابعت تحدثها إليه:
- وبعدين خد تعالى هنا أنا ليا تار بايت، من يوم ما غلبتني آخر ماتش وأنا ماخدتش بتاري.. قوم يا عم المز قدامي أما أغلبك..
رمقها في حماس ليقول:
- ماشي بس أنا هلعب ببرشلونة
نظرت له كالصبيان واندفعت به في نهي قاطع:
- نعم يا حلاوة!! ده انا اقطعلك ايدك، أنا هنا اللي بلعب ببرشلونة طول عمري
تنهد في قلة حيلة وهما يستعدان ليلعبا سويا وهما جالسين بغرفتها:
- يخربيت لسانك الزالف ده!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
همس بينما ألتقط أنفاسه وهو يغادر جسد تلك الفتاة:
- أخيرا
ألقاها جانبا وهو حقا لا يكترث بما فعله بها، كل ما اكترث له هو شعوره بتلك اللذة التي قد تركها منذ سنوات..
أخرج كل ما شعر به بجسدها بمنتهى المرضية الشديدة والعنف، أوجاعه وآلامه، رغبته بالعودة لممارساته السادية، تلك المشكلات بالعمل، موت والده، رغبة انتقامه من سيرين ووالدها، وضع ذلك صوب عيناه وهو يرسم بسوطه على جسدها حتى ادمى وفقدت الوعي، عندما ولجها وهي جثة هامدة لا حول لها ولا قوة..
استمتع كثيرا وهي أسفله، لا ترفضه ولا تآباه ولا تقول له لا، ود لو أن تلك العينان الناريتان ترى ما يراه، لو فقط تعلم أن ليس هناك من تستطيع الوقوف أمامه وتعامله تلك المعاملة التي تتعامل بها معه، تذكر كم هي جريئة وتظن أنها قوية ولكنها حقا لا تعلم مع من تتعامل بعد ليتمتم داخل نفسه:
- بكرة تجربي يا حيلة أبوكي بس مش هسيبك توصلي لكده، أنا هعذبك لغاية ما تقوليلي ارحمني، حرمت، أنا خدامتك يا سيدي
رمق الفتاة مرة أخرى وهو يُفكر بـ "سيرين" ليجد حمرة دمائها ملئت السرير فابتسم ابتسامة جانبية ثم أخرج كلا من هاتفه ودفتر شيكاته وكتب مبلغ مالي لا بأس به من أجل تلك التي هشم عظامها ثم تحدث بهاتفه ببرود:
- حسام.. فيلا المريوطية.. ومتنساش لما تفوق تديها الشيك!
ولم يدعه حتى أنا يخبره ولو بكلمة واحدة وأنهى المكالمة ثم توجه ليستحم وارتدى بزة أخرى واختلفت نظرة عينه تماما وهو ينظر لنفسه بالمرآة، لاحظ ذلك اللمعان الذي انعكس على زرقة البحر بعيناه فنثر عطره هامسا في هوس:
- جاسر بتاع زمان رجع اهو!
توسعت ابتسامته حتى ظهرت أنيابه وهو يرمق ملامحه التي باتت مفعمة بالحيوية وتمتم في مكر:
- وحياة أمي لا أفرجكوا!
غادر مستقلًا سيارته ثم أشعل المحرك وانطلق لمنزل والدته ولكنه ود أن يرى شخصا آخر فغير رأيه وتوجه بإتجاه مخالف وأخذ يغني بصحبة تلك الأغنية التي يستمع لها..
صف سيارته وسمح له الحراس بالمرور ودلف المنزل بغرور وغطرسة وتسائل بهيمنة لأحدى الخادمات:
- الهانم فين؟
تسائلت الفتاة بعفوية:
- هانم مين حضرتك؟
التوت شفتاه في تهكم وتحدث بفظاظة:
- بنت هشام بيه؟ ايه مش هي الهانم بتاعت البيت.. ولا آه نسيت، هي مش ست أصلاً!
حصل على نظرات مبهمة من الفتاة فهمس بها في هدوء مخيف:
- هتقولي فين ولا..
ابتلعت في خشية من ملامحه الغريبة واجابتهمسرعة بصوت مهزوز:
- حضرتك في أوضتها أتفضل بس حضرتك مين؟
تهكم نحوها بإبتسامة أخرى ثم اجابها:
- جاسر بيه شرف الدين! جوزها!
أومأت الفتاة وهي لا تدري لماذا تشعر بالخوف منه ثم حدثته على استحياء:
- طيب اتفضل حضرتك وهندهالك
عقد حاجباه بينما مرر سبابته على شفته السفلى وسألها:
- لا ملوش لزوم.. أوضتها فين؟
ابتلعت الفتاة وهي تشعر بعدم الراحة والتوتر من طريقته لتجيبه:
- بعد ما حضرتك تطلع السلم، آخر أوضة على اليمين
تركها هو وتوجه نحو غرفتها ولكن أوقفه صوت ضحكاتها فترقب في مكانه حتى يستمع لها ولكل ما يدور خلف باب غرفتها المُغلق:
- لأ يا مراد بجد، مش كده قولتلك، خليك تقيل وبلاش شغل السرعة ده..
رفع احدى حاجباه ليأتي صوت هذا الحقير الآخر ليستمع له:
- ده أنا هوريكي المرادي يا سيري
صدحت ضحكتها ليشعر بغليان الدماء بعروقه ثم تابعت حديثها:
- يا سلام، فاكر هتخلص مني بسرعة.. ده أنت للصبح معايا.. الحاجات ديه عايزة مزاج، تتكتك كده، شايف أنا بعمل ايه، لمستك نفسها تكون مدروسة
ضحك هو الآخر ليكر "جاسر" أسنانه في عنف واستمع للمزيد:
- مكنتش مرة يا روحي.. وبعدين انتي هتعلميني ولا نسيتي اللي عملته فيكي المرة اللي فاتـ...
لم يعجبه بالطبع ما سمع وذهب عقله مُفكرا بشيئا مختلفاً تماما ولم يعد يتحمل الإنتظار ليصرخ بعقله:
- ده أنا هموتك يا وسخة يا بنت الكلب!
فتح الباب صافعا اياه للخلف ليرتطم بقوة مُخلفًا صوتًا عاليًا ووقعت تلك الزرقاوتان القاتمتان الغاضبتان عليهما وهو يتوعدها بأشد العقاب داخله!
#يُتبع . . .