-->

الفصل الستون - شهاب قاتم





 



الفصل الستون


⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢


~ أنا أعلم أنك تتألمين. واعلم ان الظلام هنا يعمي عينيك ولكني لا أشك في أن يصيصاً من النور لا يزال يضيء أعماق نفسك.

 اما أنا فانني أحمل بين جنبي سجناً أشد من هذا السجن ظلاماً وبرودة.


(فيكتور هوجو - أحدب نوتردام)

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

في وطأة الظلام القاتم، في خضم البرودة المحيطة بهما، في وسط تلك العلاقة التي تندلع نيرانها لتلتهم كل ما تلمسه.. أجت ذكريات ماضيه الدامس لتحرق كل ما فيه، واضطرمت لظى قهرها لتحرقهما سويًا.. 

عندما تصل العلاقات لهذه المرحلة، رجل وإمرأة يعلمان ما يؤلم بعضهما البعض جيدًا ويفعلاه، يُبدعا في دوامة الإنتقام فيما بينهما، يستغلان كل ما لديهما ويسخراه لأجل رد الصاع.. لا تكون نهايتهما سوى نهاية مأساوية تنتزع روحهما سويًا..

تساقطت دموعها بينما صاح هو في ترجي مذعورًا:

- بلاش يا فيروز!! بلاش أرجوكي.. 

حاولت الإستمرار، تود أن تُنهي ما بدأته، ولكن كيف سيتركها ذلك؟ سيتركها مثله تمامًا لا تختلف عنه في شيء!! 

تعالى صراخها في نحيب مستمر ثم أمسكت بالعصا لتبدأ في ضربه بها بمنتهى الهمجية على جسده وعدلت على أن تذيقع مرارة الإنتهاك من جديد وصاحت به لتعكس نبرتها قهرًا وذلًا مما فعله بها لتتسائل بالعديد من الأشياء التي حقًا لا تود أي إجابة عليها، هي تريد أن يتحرك هذا الحمل الثقيل عن صدرها علها تستطيع أن تواكب كل ما يحدث دون أن تفقد عقلها:

- ليه عملت كده؟ ايه اللي أنا عملته يخليك تعمل فيا كل ده؟ بتعاملني كأني واحدة قذرة من الشارع.. ده أنت لو حبتني ربع الحب اللي كنت بتبينه طول الشهور اللي فاتت مكنتش قدرت تأذيني الأذى ده! 

تلك العصا وهي تنهال على ظهره، صوتها الباكي الممزق من وطأة ما فعله، نحيبها الذي شابه ذلك النحيب الذي تمناه يومًا لنفسه.. قد نجح ببراعة.. هي تعشقه مثل ما ود أن يحصل يومًا على ذلك العشق.. ولكن في أي حالة؟ زوجة تعاتب زوجها على اغتصاب جسدها بعنوة! يا له من خائب!

عاد من جديد صوتها المنتحب الصارخ ليجعله يلعن نفسه آلاف المرات وتحدثت في حرقة:

- الأذى سهل.. ما أنا ممكن أأذيك مرة واتنين وعشرة.. بس هنستفاد إيه من الأذى؟ أنت عايز تخليني نسخة منك! نسخة بتقتل وبتغتصب وبتنتقم! ليه خلتني أعمل فيك كده؟ كنت عملتلك إيه علشان تبهدلني بالطريقة دي! 

تحمل تلك الضربات منها المتتالية في قسوة ولكن لم يتحمل صراخها المعاتب له، صوتها ونبرتها التي خلال تلك القتامة لا يدرك منها سوى أن بسبب فعلته قد تدمرت كل تلك اللحظات التي تعايشا بها سويًا.. تلك الحرقة التي شابهت حقول من نيران وسط العتمة لم تغفل عينيه عن رؤيتها كإنعكاس لخراب لن يستطيع إصلاحه أبدًا.. 

خارت قواها لتخور معها المزيد من دموعها المقهورة على كل ما تشعر به والقت بالعصا أرضًا لتنهض جالسة على السرير بمحاذاته وهي تذرف آلمًا شاردة في تلك الظُلمة القاتمة لتهمس في حسرة بنبرة استفهامية:

- ليه عملت كده؟ ليه تخليني أأذيك؟ ليه يا شهاب دمرت كل حاجة ما بيننا؟ 

ردود أفعال الناس تختلف كثيرًا.. هناك من يتحمل الآلم الجسدي ولا يكترث به، وهناك من يتحمل مرارة الأيام بكل ما فيها من فقر وظلم، قد تتحمل الكثير من الأشياء التي يقف أمامك الناس وهم يخبروك كيف تحملت كل ذلك؟ 

وهناك أشياء لا تتحملها، تنهار أمامها، مهما كنت قويًا أو واثقًا أو حتى عانيت الكثير، وحتى لو كن قاتلًا.. قد تكون عِدة كلمات بسيطة هي التي تجعلك تنهار!! 

كلماتها لم يستمعها بأذن رجل الأعمال، ولا القاتل، ولا حتى المُغتصِب الذي ترتعد منه النساء.. بتقييده ووجوده في تلك القتامة التي شابهت روحه، استجاب الطفل المشوه الذي بداخله لكلماتها ومشاعره لم تستطع التحمل أكثر! 

صرخ بها هو الآخر في حرقة بصوت متحشرج بسبب بُكاءه الصامت الذي لم يلحظه أيًا منهما إلا عندما شرع في التكلم:

- علشان كذبتي عليا.. علشان لما شوفتك ايدك في ايد بدر الدين في المستشفى شوفتني وأنا متعري قدام واحد مبكرهش حد في الدنيا اكتر منه! واحد وجعني وأنا مقدرتش أخد حقي منه.. كنتي بتقوليله ايه عني؟! بتقوليله متقلقش هتقدر عليه ده عيل صغير؟ كنتي بتقوليله كل حاجة قولتهالك مش كده؟! كنتي بتقولي لهاشم وهبة إني معيشتش ربع اللي همّ عاشوه ويا حرام كسبتي ثواب لما اتجوزتيني! صح؟

توسعت عينيها في ذهول بينما انهمرت دموعه في قهر ولأول مرة يشعر بأن الظلام القاتم حوله يحتوي ذلك الخوف بداخله ويحمي نفسه من أن ترى حقيقته.. الطفل الجبان الخائف!! 

صرخت به مشدوهة وهي تتذوق طعم دموعها المالحة التي توقفت من كثرة تعجبها:

- أنت اتجننت! فاكرني بقوله على كل أسرارك؟ انت مجنون للدرجادي! 

أخذتها الصدمة لتتذكر كلماتها يوم أمس إلي أخواته وكذلك كلماتها مع "بدر الدين" التي لم تدم سوى لدقيقة واحدة.. حتى بعد كل ذلك الدمار لا يزال يدفعها كي تظن أنها هي المُخطئة وأن كل ما فعله كان بمثابة ردة فعل ليس إلا!

- شهاب اتغير كتير، بقى احسن في كل حاجة الحمد لله.. سواء معايا أو مع أهله.. كل حاجة اتغيرت! وحضرتك شايف اهو جاي يزور سليم.. أنا نفسي مكنتش اصدق كل ده!

ابتسم لها "بدر الدين" بإبتسامة مقتضبة ثم أدرف معقبًا:

- ربنا يسعدكوا!

همست في مزيد من الدهشة والتعجب ولم تلحظ ما يبدر منه بجانبها:

- أنت ازاي عقلك يسولك أصلًا إني ممكن فعلًا بعد كل ده مبقاش عايزة اساعدك وابقى عايزة اقول لبدر الدين كل حاجة عنك.. ده كان بيعاملك زي ابنه وقلقان إنـ..

فاقت على صوت زمجرته وصراخه العالي لتتوقف عن الكلام:

- قولتلك فكيني!! فكيني يا فيروز.. كفاية كده..

تبع صراخه لهاث عنيف لا نهائي وتابع في همس مستغيث:

- مبعرفش اقعد في الضلمة.. عمري ما حد ربطني كده.. فكيني أرجوكي!

ابتسمت في حسرة على توسله وعلى ما يلم بها من حزن على فعلتها التي ارتكبتها يديها ورغمًا عنها انهمرت دموعها لا تدري بسبب نبرته المُستغيثة أم جراء ذلك الآلم الذي يشعر به وهي من شعرت به أولًا لتهمس له في تساؤل:

- إيه!! صعب إن حد يجبرك على حاجة انت مش عايزها مش كده؟ صعب إنك تحس بالقهر وإن حد بيظلمك! مضايق ليه وأنت اللي عملته معايا كان نفس اللي بعمله معاك دلوقتي! 

بستغلك وبستغل جسمك في إني أعذبك! ليه متضايق من اسلوبك اللي بتتعامل بيه مع الغير؟! 

فتحت احدى الأنوار الجانبية للسرير وفكت احدى يداه ثم تابعت في همس دون أن تنظر له: 

- حلو الشعور وانت عاجز ومربوط واللي قدامك بيستغلك بأكتر حاجة بتضايقك مش كده.. فك نفسك أظن تقدر تعملها بسهولة.. وطلقني يا شهاب علشان بعد اللي حصل ده استحالة اعيش معاك لحظة واحدة بعد كده!

تركته خلفها ثم غادرت ليدفعه غضبه للعمى التام.. كما دفعها غضبها هي الأخرى!! 

كلًا منهما بعد الأذى والدمار الذي انهارت على اثرهما أي مسمى للعشق أو المشاعر، لا يرى في غضبه سوى الخلاص والهروب.. 

هو لن يشعر أنه أفضل إلا عندما يستنزفها إلي النهاية وهي لن تشعر أنها أفضل إلا عندما تتخلص منه بالهروب والإبتعاد.. كان هذا كل ما يعتقدا.. وكلاهما ببساطة لن يجدا ما يرغبا بشدة لأن كلاهما مخطئان!   

تخلص من تلك الأربطة ونهض ليتناول الجهاز اللوحي حتى ينتهي من تلك البرودة وحاول التغلب على تلك الرهبة التي تركته بها مسلوب الأنفاس منذ قليل وهو يعلم بقرارة نفسه أن ما فعلته به سيرده أضعافًا مضاعفة لها! ليس هو بمن ينسى من أساء إليه ولو بعد آلف عام!

توجه للحمام خالعًا ذلك القميص القطني وتوجه ليقف أسفل المياة الساخنة في محاولة منه بائسة للتغلب على ما حدث وعلى تعرق خوفه الذي كسى جسده وجرده من ثقته الزائفة وجرأته وبأسه المصطنعان!! 

انتهى ليستر جسده برداء الإستحمام ثم توجه مغادرًا ليبحث عنها ووجدها خارج المنزل بأكمله في الحديقة الملحقة به فأمسك بمعصمها ليجبرها على الإلتفات له لتلتفت هي في تلقائية وصفعته بقوة وهي تصرخ به:

- إياك تلمسني! سامع!!

تفقد وجهها الذي اتضح به الكدمة التي خلفت ملامح لم يعهدها.. ملامح مشوهة للمرأة التي يتيقن أنه يعشقها بكل ما فيها.. ملامح تخلت عن رغبتها في تقبل ذلك الرجل المشوه الذي لطالما كان عليه ولا يزال!

أمسك بيدها الأخرى وضغط في قسوة على ملتقى معصميها لتتآوه كالمقهورة الضعيفة وتلاقت حدقتيها الذارفتان للحسرة وخيبة الأمل ببنيتيه اللتان سالتا بأبحر من القتامة قابلتها هي بجسارة واشمئزاز أدركهما جيدًا فهمس مُحذرًا بين أسنانه الملتحمة وعينيه التمع بها نظرات مُرعبة:

- بقولك إيه! هو ده اللي عندي.. وهتتعاملي كده وإذا كان عجبك.. مفيش طلاق ومش هتبعدي عني!! مش هو ده اللي قبلاني بكل ما فيا وعايزاني اكون احسن واتعالج! إيه فجأة كده صحيتي على شهاب الوحش الكخة! اتعدلي بمزاجك بدل ما اعدلك غصب عنك!! 

ضيقت عينيها وهي ترمقه في خزي وتقزز لتهمس له بنبرة تصرخ بالمقت وكزت أسنانها وهي تشعر بحنجرتها تتجرع الآلم وغصة الإهانة بمجرد تحمل لمسته والنظر إليه:

- غبية علشان قبلتك وصدقت إنك بتحبني وإنك عايز تكون إنسان احسن! كنت متخلفة يوم ما حبيتك!

ابتسامة جانبة ارغمت شفتاه على الإلتواء وهو يرمقها بأعين يتطاير نيران الغضب منهما وهسهس أمام وجهها بنبرة مهيبة:

- وأنا كنت متخلف يوم ما صدقت إن واحدة بتحبني ليا أنا مش مستغفلاني وبتكدب عليا! 

صرخت به وهي ترمقه في ذهول:

- أنت مجنون! بطل تخلف! فاكرني رايحة احكي عنك للناس

صرخ بها هو الآخر في غضب ودفعها بقسوة لإحدى الجدران ليُسبب لها وجع شديد بعظام ظهرها:

- ايوة بتحكي للناس زي ما من شوية عملتي اللي عملتيه! 

لم تساعد تآوهاتها من قسوته التي دفعها بها في تملك ذرة من شفقة بين طياته القاتمة لتصيح به:

- وأنت كنت عملت إيه؟ ولا نسيت؟ تهزيء وقلة قيمة وأنا في بيت أهلي.. مديت ايدك عليا.. وفي الآخر اعتديت عليا زيي زي أي واحدة رخيصة! كل اللي عملته ده ميـ..

قاطعها بلهاث غاضب صارخًا بها:

- اللي عملته علشان انتي كدابة.. كدبتي عليا وانا حتى لما عدتها مقدرتش استحمل اشوفك واقفة معاه قدام عيني وانا حاسس إني مُغفل وعبيط! 

هدأت نبرته واستكانت وهما يرمقا بعضهما البعض في ندية شديدة ونيران الغضب تحكمت بسائر دمائهما ليتحول صراخه لهمس مقهورًا:

- الوحيدة اللي قربتها مني.. الوحيدة اللي سمحتلها تعرف عني كل حاجة.. عريت نفسي قدامك.. حبيتك حب محبتهوش لحد في الدنيا دي كلها! وانتي كنتي بتستغفليني..

نظرت لتلك الدموع التي هبطت على وجهه لتبكي هي الأخرى وصاحت به:

- كنت بساعدك مش بستغفلك.. وأنت الوحيد اللي في وسط وجعي حبيته وقربته منه واكتفيت بيه عن الناس.. ومقدرتش اخبي عليك وقولتلك بنفسي.. تيجي بعد كل اللي عدينا بيه ده تعمل اكتر حاجة بتوجعني واتكلمنا فيها بدل المرة مليون!! عرفت دلوقتي كنت اقصد ايه بإننا نأخر جوازنا.. عرفت يعني ايه اول مشكلة بجد تقابلنا؟! اديني اهو ست مكسورة قدامك وانت اللي كسرتني بإيديك! 

صرخ بها من جديد وبكى دون أن يشعر وهو ينظر لملامحها المتألمة:

- اخرسي!! انا ياما سألتك وكنتي بتكدبي عليا! لولا إنك انتي اللي قولتيلي بنفسك كنت حرقتك زي ما بحرق أي حد! كنت موت اهلك قصاد عينيكي بالبطيء وانا بعذبهم!

لهث في عنف وخارت قواه وترك يديها وهمس لها:

- كنت موتك بالبطيء اوي يا فيروز زي ما عملتي فيا.. خلتيني بموت كل مرة بشوفك فيها قدامي وانا عارف إني كنت لعبة في ايديكي! 

لم يعد يتحمل تلك النظرات القاتلة من حدقتيها بصحبة ملامحها المشوهة ليرتمي بجسده عليها وهمس بإنكسار بصوت باكي:

- مكنتش عايز غير بداية جديدة معاكي بعيد عن كل حاجة عيشتها بس طلعتي زيك زيهم متفرقيش عن اي واحدة وسخة عرفتها في حاجة.. كل واحدة اتفننت في انها تستغلني وتستغفلني وتوجعني بس انتي كنتي أسوأ منهم كلهم.. استغلال واستغفال وكدب والمصيبة إني حبيتك!

لو بس نرجع شهر واحد ورا.. شهر واحد بس! كنت فاكر إني خلاص هافضل سعيد طول حياتي معاكي.. حتى كل حاجة كنت بعملها كنت بعملها وأنا فاكر إني بقيت انسان جديد تاني! إنسان عنده عيلة وفلوس وكمان واحدة بتحبه وشايفاه كويس! 

بس بوساختك رجعتيني أوسخ من الأول! 

حاول كتم دموعه بينما وقعت هي في حالة صدمة جعلت جسدها لا يتحرك كالمشلولة ليزداد انكساره وهمس متلعثمًا:

- طول عمري كنت وسخ.. وأنا عيل، مكنتش بلاقي حاجة نضيفة البسها.. ولما كبرت وبقيت بشتغل كنت وسخ برضو وأنا كل اللي في سني مبسوطين وأنا بشتغل في الشوارع وبتبهدل.. ولما سافرت وساختي زادت اوي.. 

كل مرة ببقى وسخ كان بيبقى بسبب واحدة، زمان آمال.. وبعدها بسبب إني مش لاقي أم.. وفي الآخر غادة! 

كنت فاكر إني في يوم هخلص بقى وهاعيش بنضافة، انتي اللي ادتيني الأمل ده.. بس باللي عملتيه صدقيني خلاص مبقاش هيطلع مني غير وساخة وأسوأ من الأول كمان! 

ابتعد ليطرق برأسه إلي الخلف لينظر لها بأعين الطفل الصغير بداخله وهو يبكي لترمقه هي الأخرى في هدوء وقاسمته ذلك البُكاء لتجده يهمس إليها من جديد:

- بتقولي انتي والدكتور اني مبندمش مش كده؟ بتقولوا اني مريض ومبندمش ولا بحس بتأنيب ضمير.. انتو كدابين اوي! انا عمري ما ندمت غير على معرفتي لواحدة كدابة زيك! وندمان اني في يوم كان عندي أمل اكون إنسان احسن! 

نظر لها مُعاتبًا بينما رمقته هي في مزيج من الصدمة والتقزز من اقترابه منها ليتسائل في وهن:

- ليه عملتي كده؟ ليه يا فيروز؟ ليه كل مرة الدنيا بتثبتلي إني مستاهلش؟ لا أمي حبتني وحاولت علشاني، ولا أب حبني زي ما الناس بتحب أولادها، ولا إنسانة مُخلصة وقفت جنبي من غير اسباب وحبتني زي ما أنا.. ليه دايمًا النتيجة بتكون واحدة؟ 

حتى يوم ما كنت بحاول اتغير واكون إنسان احسن اكتشفت إني بيتضحك عليا! ليه بيحصلي كل ده؟ 

نظرت له ودموعها تنهمر دون إرادة منها لتهمس في حرقة:

- انا حبيتك زي ما أنت وقبلتك بكل ماضيك وفضلت جنبك.. بس النتيجة كانت إيه؟ 

ابتسم في مرارة وهو يومأ لها في انكار ثم تابع همسه الباكي:

- انتي استغفلتيني !! انتي كنتي كدابة! بس تعرفي ايه اللي اختلف المرادي.. اني بحبك بجد! 

تهكمت بنظراتها واعتصرت عينيها في آلم شتت كيانها بأكمله وحاولت التفكير، كيف يبدو عاشقًا اياها لهذه الدرجة بينما أفعاله لا تُفسر سوى بأنه لا يعشقها بالأساس؟

 تابع بصوت باكي مهزوز ليخرجها من افكارها:

- عرفت كدبتك وقربتك مني.. افتكرت اني عديت الكدبة بس مقدرتش.. قولت اخليكي زيك زي اي واحدة بس اول مرة في حياتي اعرف يعني ايه ندم لما أأذي واحدة.. 

رمقها وهي تنتحب في صمت وتذكر أمر زواجهما الباطل ليدرك بقرارة نفسه انه لن يُكفيه الإنتقام حتى ولو فعلها كل يوم، وكذلك لن يستطيع الإبتعاد عنها ليقترب منها وهمس أمام شفتيها:

- عارفة بعد كل ده.. مش عارف ابطل احبك! 

ارتجفت شفتاها وومضات من ذكريات عدة تعصف برأسها وهي تحاول أن تجد تفسيرًا لكل ذلك الشتات بينما آلمتها رأسها وي لا تُطيق أنفاسه وتواجده بالقرب منها وصوته المبحوح المتألم لتتساقط المزيد من دموعها ثم همست في توسل:

- ابعد عني يا شهاب أنا مش طايقاك.. كفاية بقى كده! 

دفعت بكلتا يديها لتبعده بينما لاقاها بجسد صلب لم تحركه يديها الخائرتان مسلوبتان القوي ليهمس بمزيد من البكاء:

- ما أنا لو كنت قادر ابعد كنت بعدت!! كنت بعدت من الأول! 

فتحت عينيها لتنظر له ليقابلها بحدقتين صرخ بهما الآلم ليهمس بملامح اتضح بها الحُزن والإنكسار وآتى صوته متحشرجًا:

- صدقيني لو وجعك من اللي عملته فيكي مش قادرة تستحمليه فده مش هيجي ربع اللي عملتيه فيا! 

أنا خلاص بقيت عامل زي المسجون في سجن استحالة اهرب منه، لا عارف اكرهك وابطل احبك ولا هاعرف في يوم اكون كويس زي ما كنت عايز! وانتي مقدامكيش حل غير إنك تستحملي نتيجة كدبك عليا!

شُلت حواسها عن العمل، يستحيل أن يكون كاذبًا بعد كل ذلك.. اينتقم منها لإخفاءها أمر "بدر الدين" عليه؟ ترى الندم بملامحه وعينيه، ولكن يستحيل أن يكون خادعًا كاذبًا بمثل هذه البراعة! أيتعرض لإنتكاسة؟! أهذا ما يحدث له؟! 

حاولت النظر من جديد له لتجد مذاقًا مختلفًا لدموعها وتلامس غريب يمر على شفتاها لتدرك أنه يُقبلها في غفوة منها كانت تحاول أن تفهم ما الذي يحدث إليه خلالها وشعرت بالتقزز والإشمئزاز منه لإقترابه الشديد وهو يُفرض تلك القبلة لتحاول التفلت والهروب ولكنه كان أقوى بكثير منها لتبكي مُخلفة أصوات نواح خلال قبلتيهما التي يجبرها فابتعد قليلًا وأخفض يديه ليهمس لها:

- مش هي دي الطريقة اللي بتحبيها؟ الهدوء والحب.. رفضتيني دلوقتي علشان حقيقتي مش كده؟ حتى لما بحاول اقرب منك بطريقتك بترفضيني! 

نظرت له بلوم وهي تنتحب في غير تصديق وصاحت به:

- برفضك علشان الأذى اللي اذتهوني.. لو كنت رفضاك علشان حقيقتك مكنتش اتجوزتك اصلا ولا حبيتك.. احنا كنا كويسين في كل حاجة وانت دمرت كل اللي ما بينا علشان افكارك الغلط.. 

جاي تغير من اخوك؟ فاكرني بطلع اسرار جوزي اللي حبيته لبدر الدين؟ انت ايه مرضك عماك لدرجة مش شايف انت بتعمل ايه!! 

ابعد عني.. انت استحالة تلمسني تاني لغاية ما نتطلق!! ومش هاقبل اي حاجة غير الطلاق! 

كادت أن تغادر ليجذبها عنوة إليه ومن جديد أمسك بها في قسوة لتتأوه ولكنه لم يكترث ليصيح بها في البداية ثم تحولت نبرته إلي هسهسة بصعوبة استطاعت فهمها:

- مش هطلقك ومش هتبعدي عني!! عايزاني مالمسكيش ماشي.. بس مش المرادي يا فيروز!! تعالي اوريكي يعني ايه تكوني موجوعة وانتي بتحاول تمارسي علاقة.. لا وتتبسطي كمان بيها.. لأن هو ده اللي كنت بعمله بالظبط الأيام اللي فاتت!

دفع شفتاه لتُقبلها في نهم شديد بينما حاولت هي التفلت منه ولم تستطع ولم يترك لها في النهاية سوى أن تركله برجولته ولكنه كان يتوقع ذلك منها وتفادى ركلتها ببراعة ثم فصل قبلتهما ليبتسم في انتصار مخبرًا اياها بأنفاس متسارعة:

- انا حافظك وحافظ ممكن تعملي ايه.. أنا مش غبي علشان تكرري نفس الحركات معايا تاني.. ولا نسيتي إني مبنساش وبعرف اخد حقي كويس! 

نظرت له في تقزز وامتعاض ليُجبرها من جديد على مشاركته لتلك القبلة القاسية اللحوحة وحاولت أن تتخلص منه ولكنه أرهقها للغاية إلي أن خارت قواها! 

ابتعد قليلًا بأنفاس لاهثة ليهمس لها: 

- يمكن متصدقيش.. مش مهم!! بس أنا محتاجك! 

عاد من جديد ليُقبلها لتتساقط دموعها في غضب ممتزج بالقهر بينما أخفض غطاء رأسها ليتفاجأ بشعرها القصير فابتعد عنها في دهشة وهو يرمقها في غير تصديق ليتسائل هاتفًا بين أنفاسه المتسارعة:

- انتي.. انتي عملتي ايه في شعرك؟

ابتسمت له في تشفي وانتصار ثم اجابته بنظرة احتقار:

- مش ده اللي انت كنت بتحبه وبعدين جيت قرفت منه لما طلع في ايدك!! 

رفعت احدى حاجباها في تحدي بينما عقد حاجباه في غضب وأطبق أسنانه ليقول متحديًا:

- عارفة لو فيكي البدع مش هتعرفي تبعدي عني ولا تبعديني عنك.. يمكن الموت بس اللي ينجيكي مني يا فيروز!

اقترب منها من جديد وأخذ يُقبلها في همجية شديدة ولم تتجاوب معه ولم تتوقف عن دفعه ومحاولات تفلتها منه بينما هو كان يُمارس الجنس بطريقة مرضية بحتة!! 

هو لا يبالغ بالعنف ولا الإجبار، على النقيض تمامًا، يستخدم كل الحيل كي يستجيب جسدها، يستخدم معها كل ما يعرف أنها تُحبه، يحاول بشتى الطرق أن يحصل على استجابة منها ولكن أخذت الدقائق تمر إلي أن شعر بأنه يفشل تمامًا معها.. 

ابتعد عنها وهو يرمق جسدها العاري اسفله، بالرغم من كل ذلك الوقت ولكنها لا تزال تدفع عنادها إلي جسدها ببراعة، لم يجد سوى أن يرمقها بغضب هائل ممزوج بإحتياج وخيبة أمل وانعدام ثقة ليهمس لها بمزيد من التحدي وهو يلهث غير مكترثًا بتلك النظرات المنتصرة من حدقتيها:

- اللي بتعمليه ده مش هيخليني ابعد عنك!! استمري.. بس لاحظي إنك مصممة تطلعي أسوأ ما فيا.. 

استمر هو الآخر في محاولاته العديدة كي يستجب جسدها لتنظر حولها لتجد أنها مرتمية أسفله في غرفة مكتبه، هي حتى لم تلحظ كيف عادا من الحديقة إلي هنا، وكثرة أفعاله تجعل قواها التي تمنعه وصراخها ورفضها تبوء جميعًا بالفشل! 

ما الذي يريده؟ أن يجعلها تكرهه أكثر، أن تكون كالجثة الهامدة أسفله وهي تقبل كل مداعباته وتستجيب لممارسة علاقة تصيبها بالإشمئزاز والتقزز أكثر؟ متى سيتوقف؟ ما الذي عليها فعله كي يُدرك أنها لا تريده؟ 

اعتصرت عينيها مُشمئزة عندما شعرت به يتحرك داخلها ليتملكها الغثيان من جديد لتستمع لهمسه الآمر:

- افتحي عينك.. بصيلي.. هو ده شهاب اللي كان معاكي امبارح! 

لم تستجب وامتعضت ملامحها أكثر ليصرخ بها من جديد في قسوة:

- افتحي عينيكي! 

فعلت ببطئ وارتجفت شفتاها الممتعضتان منه بينما أزاد من حدة حركاته وهمس أمام شفتاها في تساؤل:

- لسه بتحبيني؟ 

أشاحت بوجهها عنه وتساقطت دموعها في قهر مما يفعله بينما استمعت لهمسه:

- ما انتي ورتيني الوحش وكدبتي عليا وفضلت احبك.. اشمعنى انتي مش قبلاني؟! علشان مرة واحدة بس شوفتيني على حقيقتي؟! 

ابتسم في تشفي عندما تعالت أنفاسها رغمًا عنها لإستجابة جسدها الفطرية التي لم يتواجد بها ولو مثقال ذرة من مشاعر ليُكمل همسه إليها وقسى أكثر على التحكم في يديها أسفله ثم تابع: 

- تقدري تقولي إنك بتحبيني زي ما انا كنت بقولها الأيام اللي فاتت؟ تقدري تبصي في وشي زي ما أنا ما عملت وتتجاوبي معايا وتسيبي الأذى على جنب؟ انتي اللي ابتديتي وانتي اللي أذتيني.. أنا مجرد رد فعل وبس!

التفتت لترمقه في كراهية ثم تمتمت بين بُكائها:

- أنت مريض.. أنت محتاج تتعزل علشان الناس تخلص من شرك!

توسعت ابتسامته لوهلة بينما عقد حاجباه وهو يشعر بتفاقم الرغبة بداخله ثم همس لاهثًا:

- الدكتورة فيروز!! ياااااه تصدقي كنت ابتديت انساها.. وأخيرًا رجعنا لأيام زمان.. 

تفلتت احدى تآوهاته وبدأ جسده في التعرق لتشعر بالغثيان وهمست به في وهن بعد أن شعرت أنها كادت أن تتقيأ وبالكاد منعت نفسها:

- ابعد عني بسرعة! 

أومأ بالإنكار ليلهث أمام شفتاها:

- بصيلي وقوليلي إنك بتحبيني.. ساعتها هابعد عنك! 

نظرت له في ذهول هائل من شدة مرضه وتقززت ملامحها بينما لم ينتظر ليهتف بين أسنانه الملتحمة:

- ما أنا طول الوقت ده كنت عارف بكدبك ولسه بحبك.. قوليهالي.. ولا انتي تستاهلي وانا مستهلش إنك تحبيني؟ 

توقف تمامًا لينظر لها في توسل صحبه الغضب وانهمرت احدى دموعه ليهمس في خزي لأول مرة يشعر به مما يفعله:

- حتى دي متوقعتهاش منك.. إني اتذل قدامك على كلمة محتاج اسمعها منك! 

احكم كلتا يداها بين يداه ورفعهما فوق رأسها ليُثبتهما بيد واحده لتُصبح هي خائرة القوى بين آلم اعتدائه عليها منذ ساعات، وبين افتقارها للنوم، وأخيرًا بين تلك الحرب المستمرة بين عقلها ومشاعرها الرافضان لما يفعله و جسدها الذي استجاب لمداعباته وتبعها بمضاجعة هادئة لتشعر بأنها أوشكت على الإختناق وخصوصًا عندما أعاد اختراقها بدفعات متسارعة غير قاسية واقترب للغاية من أُذنها هامسًا:

- كدبتي ومش طيقاني وعايزاني اطلقك بس لسه بحبك.. استغفلتيني وخدعتيني ولسه بحبك!! مين فينا بيحب التاني اكتر؟ انتي ولا أنا؟

انهمرت دموعها في صمت وتلك الحالة من الغثيان بدأت في التلاشي لتعود نبرته من جديد تسقط على مسامعها:

- انا بحاول وانتي اللي بتصديني.. افتكري دي كويس.. 

ازداد لهاثه مرة اخرى وازدادت سرعته ليتآوه مُطلقًا شهوته بداخلها وارتمى عليها بكامل جسده وبعد لحظات استطاع أن يستعيد بها وتيرة أنفاسه الطبيعية حمحم ثم تحدث في هدوء:

- اطلعي اجهزي علشان مسافرين! 

نهض دون أن ينظر إليها وتركها خلفه لتصارع هي حالة من توقف جسدها عن العمل ولم يكن هناك سوى أنفاسها التي تتنفسها هي التي تجعل بينها وبين الأموات ارقًا بينما هي نفسها بدت كجثة بلا روح.. 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

الثاني من مارس عام 2020..

ابتسم إليها في قلة حيلة ثم تنهد في حزن ليتحدث بنبرة مُعتذرة من جديد:

- حقك عليا والله لو مكنش اتسحب مننا المشاريع دي مكنتش هاسيبك.. وأنا عارف إن آسر مش هيقدر يتصرف لواحده.. وحتى في الظروف دي مش هينفع نكتب كتابنا وكمان هيبقى لسه قدامنا إجراءات علشان الإقامة! 

أومأت له في تفهم ثم ابتسمت بعذوبة وهي تنظر له: 

- أنا فاهمة وكفاية اعتذارات بقى هتتأخر على طيارتك.. وبعدين أول ما ترجع بالسلامة نبقى نكتب الكتاب ونشوف الإجراءات ونعمل كل حاجة.. 

رمقها في امتنان واحتياج هائل ثم توسلها:

- معلش يا منة خليكي جنب هديل وشاهي اليومين دول! انتي عارفة يعني إن الدنـ..

قاطعته وهي تشير بيديها:

- متقلقش هافضل جنبهم من غير ما تقول وأروى كمان هاروحلها بنفسي الأسبوع ده! 

أومأ لها "زياد" وشعر بمزيد من الإمتنان إليها ثم انخفض ليربت على رأس ابنتها ثم عانقها بقوة بين ذراعيه وتحدث لها:

- وانتي بقى اللي هطمن منك على مامي كل شوية.. لو مكلمتنيش أول ما تخلصي المدرسة وكل يوم قبل ما تنامي هزعل منك جدًا..

عانقته هي الأخرى لتودعه ثم قالت:

- حاضر يا بابي هكلمك..

فرق عناقهما لينظر لها في حنان ثم حدثها بقليل من التحذير:

- لو سمعنا الكلام هنخرج سوا اسبوع بحاله كل يوم اول ما اجي ولما نسافر امريكا سوا هاجيبلك اي حاجة تطلبيها! اتفقنا؟

أومأت له بإبتسامة ليُقبلها ثم نهض من جديد موصيًا "منة" في همس:

- طمنيني على بدر أول بأول.. أنا خايف عليه جدًا من كل اللي بيحصل ده! وعارف إنه مبيحبش يقول لحد لو تعبان! 

تنهدت في آسى وهي تلمح القلق جليًا بمُقلتيه لترد بنبرة مُطمئِنة:

- حاضر.. متخافش.. هكلمك كل يوم واطمنك ولو لاحظت حاجة هعرفك على طول! 

فجأة تحولت ملامحه لأخرى مداعبة في مكر ثم همس لها كي لا تستمع ابنتها:

- حضن مطارات بقى.. من نفس زياد ي يعني! أو بصي خليها بوسة!

توسعت عينيها في زجر ولاحت ابتسامة على شفتاها وهي تهمس مُحذرة:

- زياد البنت واقفة! 

زفر في عمق وهو يومأ لها ثم همس:

- بكرة نبقى لوحدنا والله ما هاعتقك.. 

توسعت ابتسامتها أكثر ثم تحدثت في تجاهل لكلماته:

- يالا يا حبيبي علشان طيارتك وتروح وترجعلنا بالسلامة 

انهى وداعه المازح لهما وهو يتجه ليُنهي الإجراات استعدادًا للسفر إلي الولايات المتحدة ليعاوده الوجوم الذي يُسيطر على ملامحه بالآونة الأخيرة وهو يُفكر كيف لتلك المشروعات أن يتم سحبها منهم بالكامل في وقت واحد وهو مُتأكد من كيفية سير العمل التي مكث لسنوات يبنيه ويشيده.. لابد من أن هناك أمرًا غير منطقيًا..

فكر فيما أخبره "إياد" بشأن شكوك "سليم" التي أفصح لها عنه قُبيل الحادث الذي تعرضا له.. ولكنه بعينيه رآى "شهاب الدمنهوري" هو وزوجته يقومان بزيارة ابن أخيه! 

هل يُمكن أنه الوحيد خلف كل ما حدث بالمخازن وكذلك فرع الولايات المتحدة؟ وإن كان يفعل كل ذلك ما الذي سيكسبه إذن ما دام طبيعة عمليهما مختلفة تمامًا وبعيدة كل البُعد عن التنافس؟ 

عليه أن يبحث جيدًا خلف الأمر.. لن يأخذ بكلمات "بدر الدين" وحدها وفي نفس الوقت لن يتجاهل كلمات "سليم" .. سيرى وقتها من منهما مُحقًا!! 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

السابع من مارس عام 2020..

بواحدًا من منزلي "شهاب الدمنهوري" بإيطاليا..

جلست تُحدق في زرقة المياة وتلاطم أمواجه من خلف زجاج هذه الغرفة وهي تُطنب التفكير بكل ما يحدث منذ تلك اللحظة التي دمر هو بها كل شيء.. 

تتبع أسلوب الصمت والتجاهل التام.. لا تدري كيف عليها التفكير ولا حتى كيف عليها التخلص من كل ما يحدث لها معه!! لم تعد تشعر بالآمان.. 

بالرغم من تلك الهدنة المُعلنة وتصرفاته اللطيفة التي يحاول أن يبادر بها تجاهها منذ ذلك اليوم المشؤوم وكلماته التي تؤلم أكثر مما تبدو كمحاولة للعتاب واللوم إلا أنها قد اكتفيت من استكمال هذه التمثيلة السخيفة وكل واحد منهما يُحاكي دورًا ليس بشخصياتهما الحقيقية!

لن تجلس خائرة القوى إلي أن يُبادرها بإعتداء جديد أو ربما أسوأ، ولن تتقبل منه ذلك الطعام الذي يصنعه يوميًا ويُحضره إليها، وبالطبع لن تستمع إلي تلك الجُمل المُقتضبة التي يُلقيها على مسامعها في محاولات شتى للظهور بمظهر المظلوم المخدوع.. 

سألت نفسها الكثير من الأسئلة التي عجز عقلها عن الإجابة عليها.. هل كان يدعي كل تلك الأيام بأنه يعشقها؟ هل هو خلف ما يحدث إلي "بدر الدين" وعائلته من حرق مخازن وإصابة ابنه "سليم" في حادث؟ هل كان مُحقًا عندما اعترف لها أن الأمر كله بدأ عندما رآهما بالمشفى؟ هل لها أن تُصدقه بعد تلك الأيام التي سعدت بها معه؟ 

لا تزال تشعر بآثار انتهاكه المزري لها، ولا تزال تشعر بذلك الإشمئزاز والغثيان كلما نظرت إليه! لا تستطيع أن تشعر بالأمان حتى عند نومها.. 

تساورها الكوابيس بفعلته بها مرارًا لتنهض لاهثة كلما غفت عينيها، تمزقت أفكارها بين تلك التساؤلات والأوجاع لتلح عليها مشاعرها الساذجة بأنه يمر بإنتكاسة!! 

تسرعت كثيرًا عندما ظنت أنهما سويًا سيستطيعا اجتياز كل شيء، ساذجة درست وتعلمت وسمعت عن فجائع عدة عن تأثير الشخص السيكوباثي على من حوله ولكنها انساقت لمشاعرها.. ولكن أين لها الملاذ من كل ما تمر به معه؟! 

تذكرت أمر التوكيل الذي كتبه إليها.. هي موكلة عنه إذن.. قانونيًا تستطيع أن تحصل على الطلاق بأوراق صحيحة.. ولكن شرعيًا وهو لم ينطق بها.. أستكون زوجته حينها؟  

انهمرت احدى دموعها قهرًا وقد آتى على عقلها أن تُفكر بأن "هاشم" هو الوحيد الذي يستطيع مساعدتها، لن تستطيع طلب المساعدة من والدها الذي لح عليها بأخذ وقتها وبالطبع ليست "هبة" من ستأخذ الأمر في هدوء.. ولن تغامر بالتحدث إلي "بدر الدين" الذي لو جمعتهما الصدفة أسفل أنظار "شهاب" لن تستبعد وقتها أن يُعذبها مرارًا.. 

وحتى لو ستطلب المساعدة من "هاشم"، كيف ستفعلها وهي لا تملك أي من وسائل الإتصال؟ لقد ترك هاتفها بمصر وهاتفه وحاسوبه يحملان رمزًا سريًا لا يعلمه سواه.. كيف ستفعلها بهذا المنزل على كل حال؟! 

استمعت لطرقات على الباب فعلمت أنه قد آتى فجففت احدى دموعها عندما دخل ولم تنظر له بتاتًا بالرغم من شعورها ببنيتيه تخترقها ليسقط صوته على مسامعها لتتقزز منها:

- قومي البسي علشان هنخرج!

تركها وغادر مُغلقًا الباب خلفه لتلتفت ناظرة نحو الباب في مقت وكراهية وكل ما تبادر لذهنها أن تنهض وتذهب بعيدًا عنه بأي طريقة علها تجد ملاذًا من هذا الرجل!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

هنا...

هنا حيث بدأ كل شيء.. حيث بدأ العشق الزائف.. حيث بدأ "شهاب الدمنهوري" يُصبح أسوأ رجل على وجه الكرة الأرضية.. هنا أول موعد غرامي له في حياته بأكملها.. أول مرة يشعر بالفرحة والسعادة وخفقات القلب المتسارعة من لوعة رؤية حبيبته.. هنا بدأ بقبول أول عرض لصفقة من الصفقات المشبوهة.. يأتي اليوم ليتذكر من أين بدأ وما هي دوافعه.. 

يأتي ليتذكر أن إنتقامه من كل إمرأة مغرورة زاهية بنفسها يجب أن يمتن له العالم بأكمله عليه.. يأتي هنا جالساً ليحتسي فنجان من القهوة ثم يطلب العديد من المشروبات التي لن يتناولها فقط ليدفع الكثير من الأموال..

ولكن هذه المرة لم يكن بمُفرده.. كان معها هي.. عشق جديد.. زائف منها وحقيقي حتى الثُمالة منه هو لدرجة أنه طغى على كيانه بأكمله!! 

إمرأة بحيلها اللانهائية ظنت أنها تستطيع إنهاء تلك القتامة بداخله بالإنغماس في خداع لا نهائي وظنت أنه ساذج.. هي لا تعلم من هو بعد! 

لا يدري لماذا آتى بها هنا؟ لا يدري إلي متى ستظل هي الوحيدة التي يستطيع أن يبوح لها بكل شيء؟ والأسوأ، هو إرادته التي لا تنتهي في أن يُحدثها مثل ما كان يفعل دائمًا! 

جذب تلك النظارة الشمسية التي تخفي بها تلك الهالة المُتبقية اثرًا للكمته اياها ورمقها في تردد وحيرة بالغتان ثم همس إليها في تساؤل:

- مش من الأماكن اللي متعود اقعد فيها.. اصله مش قد المقام! مش كده؟! 

رمقها مطولًا وهي مُنكسة لرأسها وقد أدرك أنها لا تود النظر إليه ولكنه على كل حال سيتحدث.. لم يسعه من قبل البوح أمام أحد، عليها أن تشاركه كل شيء مثل ما اعتاد دائمًا وعليها التحمل! أليست هي من قالت مئات المرات أن يقص عليها الأمر؟ لتصغي له إذن!!

آتى صوته متحشرجًا وهو يشرد بعينيه نحو احدى الطاولات الموضوعة في المكان وقال في سخرية لاذعة:

- ده أول مكان خرجت فيه أنا وغادة.. أول مرة اقبض فلوس ليا من صفقة مشبوهة.. مش سألتيني قبل كده وكنتي عايزة تعرفي.. اهو هنا ابتدت كل حاجة في حياتي السودا!! 

اسمعي مني أنا احسن ما تسمعي من حد تاني.. الأيام الجاية لازم تكوني عارفة كل حاجة عني.. علشان متبقاش مفاجأة بالنسبالك! 

رفعت مرمى بصرها إليه ولأول مرة تقصد أن تنظر له منذ تلك الليلة المشؤومة ليباغتها من جديد بملامح متألمة لا تكره سواها بالحياة! 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . .

61 يوم الأحد الموافق 24 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد

62 يوم الثلاثاء الموافق 26 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد

63 يوم الخميس الموافق 28 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد

64 يوم الأحد الموافق 31 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد

في شهر اتنين هاخد اجازة هاخدلي كام يوم افصل فيهم علشان أنا مش إنسان آلي.. ووالله ما شايلة الأجزاء ولا بحتفظ بيها.. أنا بكتب وبنشر على طول.. بس لسه مش عارفة الاجازة هتكون امتى بالظبط..

دمتم بخير