الفصل الثاني عشر - جسارة الإنتقام
- الفصل الثاني عشر -
صاح "شرف الدين" في دهشة:
- ازاي هشام يعمل كده؟ ازاي بس؟
اجابت "هويدا" في تعجب زائف:
- معرفش يا شرف، اديك شايف اهو مسحوب كام من حسابه دفعة واحدة، وكمان واخد من الخزنة مبلغ مش قليل..
تعجب مرة أخرى مستفسراً في ذهول:
- يعني هو اللي بادئ الشركة والفلوس أصلاً فلوسه في الأول وفي الآخر هيجي يهدها بعد اتناشر سنة؛ بعد ما بقا لينا وضعنا واسمنا في السوق؟!
تصنعت المزيد من الإندهاش وحاولت التبرير بأسباب منطقية:
- أكيد لأ مش عايز يهدها، بس اديك شايف الحسابات عاملة ازاي! وبعدين ما يمكن موضوع حمل مراته المفاجئ ده عملها عمليات كبيرة وصرف عليها كتير..
لم يُصدق ما استمعه منها ليرد قائلًا:
- يا حبيبتي ربنا يشفيها ويقومها بالسلامة.. هيصرف عليها مليون؟ اتنين؟ استحالة أكتر من كده..
تحدثت له بحقد جاهدت في أن تخفيه:
- ما هو كل شوية سفر ومرواح ومجي وعمليات وهدوم وفسح ودكاترة قد كده
تريث لبُرهة مُفكرًا وبعد لحظات تحدث إليها بنبرة تدل على ارتيابه:
- برضو كل ده مش داخل دماغي.. أكيد فيه حاجة غلط! احنا أرباحنا بالملايين.. وملايين كتير، وأنا وأنتي فاهمين وعارفين كويس إن كل الفلوس أصلاً بتاعت هشام.. سواء الشركة اللي ابتدينا بيها ولا حتة الأرض اللي بنينا عليها أول مجمع سكني..
تفتكري هشام بيودي فلوسه في حتة تانية أو بيعمل حاجة مش عاوزنا نعرف هي ايه؟
اجابت سؤاله متصنعة عدم المعرفة في حيرة زيفتها ببراعة:
- مش عارفة يا حبيبي.. أنا ليا باللي قدامي، أكيد طبعاً مش هننسى فضله علينا ووقفته جنبنا بس أنا بالوضع اللي شايفاه ده وبما إنها شراكة شايفة إن ده اختلاس!!
انفعل بها صارخاً في صدمة:
- اختلاس.. ايه الكلام اللي بتقوليه ده يا هويدا؟!
حاولت مرة أخرى التحكم في ملامح وجهها وتعبيراتها قدر الإمكان واستطاعت الكذب والتظاهر ببراعة وهي تجيبه:
- عارفة، الكلمة صعبة، وأنا هشام بالنسبالي أخويا زي ما هو أخوك وصاحب عمرك.. بس غصب عني أعمل ايه بس؟ يا إما كده كل حاجة هتضيع!!"
صاح منفعلاً:
- لا تضيع ايه.. أنا هتكلم معاه!!
زمت شفتيها في ضيق ولكنها وجدت المزيد من الأسباب كي تضيق عليه الخناق:
- براحتك يا شرف.. بس لازم نعرف قرارنا في أقرب فرصة! فيه طلبية أسمنت وحديد لازم نسددها آخر الأسبوع، يادوب الفلوس اللي معانا تكفي على ما نحصل فلوسنا أول الشهر، وودايع مرتبات الموظفين مش هاقدر اجي جنبها..
اجابها في غضب متمتمًا:
- اديني وقت شوية، ناخدها بالآجل وخلاص..
اندهشت ناظرة له وهي لا تقبل أيًا من اقتراحاته:
- مينفعش الكلام ده واحنا عمرنا ما اتعاملنا معاهم كده، بردو دي سمعتنا مينفعش ننزل من نظر الناس..
تنهد وهو لا يُصدق أبدًا أن "هشام" قد يفعل ذلك ليهمس في هوان:
- ربنا يحلها من عنده
غضبت وعبست ملامحها لتزجرة بنبرة حادة:
- جرا ايه يا معتز.. جايين هنا عشان نضحك؟"
حاول التنفس بصعوبة كاتماً ضحكاته ثم سألها مستنكرًا:
- أنتي متأكدة إنك بتتكلمي على سيرين اللي هي بنت هشام منصور اللي اتجوزها جاسر مش كده؟
تسائلت في تهكم:
"ايوة هي.. ايه بيتجوز كل اسبوع واحدة؟
وجدته يضحك مجددا فأخبرته بإنفعال ثم أمسكت بحقيبة يدها لتنهض وتغادره:
- أنا صحيح غلطانة لما فكرت إنك ممكن تساعدني!
أمسك بيدها وحدق بتلك الفيروزيتان الغاضبتان في شغف ثم همس بنبرة ينعكس عليها اثار ضحكاته التي توقفت:
- متزعليش.. حقك عليا.. مش هضحك تاني!
اشارت بسبابتها لتزجره:
- لو ضحكت هسيبك وامشي ومش هاقولك على حاجة تاني
أومأ لها ثم تحدث في جدية:
- أوعدك خلاص..
زفرت ثم تمتمت على مضض:
- ماشي
اخبرها وكل ذلك الوقت لا يزال يحدق بعيناها بطريقة لم تعهدها منه:
- طيب
نظرت له باستغراب لتتعجب سائلة:
- في ايه يا معتز؟
هز كتفاه بتلقائية واجابها:
- مفيش..
ضيقت ما بين حاجبيها لتتعجب مرة اخرى:
- امال ماسك ايدي ليه كل ده؟
حك معتز مقدمة أنفه للإحراج الذي حدث للتو، ثم نظر لها وحدثها في اعتذار بعد ان حمحم وهو يشعر بغباءه الشديد:
- معلش آسف.. مخدتش بالي
لاحظت إضطرابه ولكنها لم تأت من أجل تصرفات "معتز" الغريبة لتسأله:
- ايه هتفضل ساكت؟ مظنش نازلة من بدري كده عشان نفضل ساكتين.. هنعمل ايه في اللي قولتلك عليه؟
حمحم مُستعيداً طريقته المعتادة معها ليتعجب سائلًا:
- طيب لو بيحبها..أنا أعمل ايه؟
نظر لها بتلك الزرقاوتان لتلاحظ عدم التصديق بهما فحاولت الحصول منه على أي شيء يخبرها ما إن كان يعرف حقيقة ما فعلته أمها فتلاعبت بالكلمات قليلًا:
- فرضاً إنك عامل عبيط ومش فاهم حاجة.. تفتكر مسكها بهدلها قدام ماما امبارح ليه بالطريقة دي زي ما حكيتلك؟ ليه دايماً بيتخانقوا وكأنهم أعداء؟
تابعت حركات جسده المتوترة وحمحمته مرة أخرى وهو ي حاول أن يتهرب منها قائلًا:
- ما أنتي عارفة يعني جاسر أخوكي، واحدة زي سيرين المسترجلة مش من النوع اللي بيستهويه وبيدخل دماغه، أكيد لا حب ولا حاجة..
حاولت تضيق نطاق الحديث عليه أكثر فسألته:
- ممم.. ماشي، هصدقك! بس هي ليه ماما بتكرهها اوي كده؟ دي بتتعفرت لما تشوفها!
هز كتفاه مرة اخرى في عفوية ثم اجابها:
- مش عارف يا نور.. يمكن عشان باباكي الله يرحمه غصب جاسر يتجوزها وموضوع الورث ده.. أنتي عارفة هي بتحب جاسر ازاي
تمتمت مُعقبة:
- الله يرحمه
نظرت له تتفحص ملامحه التي بدا عليها الكذب بينما هو شرد بعيناها مرة أخرى لتستغرب فعلته فهمست ظنًا منها أنها تتذاكى ولكن في عينيه بدت أنوثة طاغية لا يستطيع سوى أن يشرد بها أكثر:
- بقولك ايه يا معتز!
تعجبت عندما رآته يبتلع أمامها وهو ينظر لشفتاها وأغمقت عيناه فنادته:
- معتز..
بدا صوتها كسمفونية بأذناه وظل شاردا ولم يعطها أي رد أو جواب لتسأله بغتة وهو لا يزال شارداً بها:
- أنت عارف إنك بتكدب؟
اجاب بمنتهى التلقائية بين هذيانه الذي شرد فيه:
- ايوة بكدب..
ادرك ما أخبرها به للتو ثم توسعت عيناه في دهشة فصاح بعقله:
- يخربيتك.. جاسر ممكن يموتني لو عرف حاجة!!
لاحظ تلك النظرات الغاضبة تنهمر من عيناها فتحدثت له بإنفعال:
- طب يعني بتكدب وعمال تديني في أعذار واهيه وشكلك عارف كل حاجة ومش عاوز تساعدني.. أنا غلطت لما أفتكرت إنك ممكن تساعدني وتلفت نظر جاسر بإعتبار إنك أخوه وأقرب واحد ليه ونفسك تعرفه الحقيقة.. آسفة إني ضيعت وقتك يا استاذ معتز..
ودت في المغادرة لتجده ينهض أمامها ثم يدفعها على الكرسي وحدق بفيروزيتاها مُقرباًوجهه الغاضب لها واخبرها بإنفعال هو الآخر:
- ما انتي متعمليش حركاتك دي وبعدين تسبيني وتمشي
ضيقت ما بين حاجبيها في استغراب شديد ثم زجرته بحدة:
- حركات ايه.. وبعدين انت ازاي تقربلي كده قدام الناس؟ أنت اتجننت يا معتز ولا ايه مالك؟
ما إن سمع اسمه يُنطق بتلك الطريقة وشفتاها تحركت هكذا أمامه حتى خارت قواه وود لو قبلها الآن ولكنه يعرفها جيدا وستغضب منه للأبد ولن تسامحه مهما فعل او اعتذر فحمحم ثم سألها في جدية:
- انجزي يا نور! عاوزة تعرفي ايه؟!
سألته بغضب حانقة:
- ايه اللي ماما وجاسر يعرفوه عشان يبهدلوا سيرين كده؟!
اجابها مسرعًا:
- بصراحة أنا مش هاقدر أقولك لأن جاسر استأمني وانتـ..
قاطعته بحدة زافرة انفاس غاضبة:
- مفهمك إن أنكل هشام أغتصب ماما مش كده؟!
ادهش رافعا حاجباه وتوسعت تلك الفيروزيتان لما سمعه ليصيح بها سائلًا:
- أنتي عرفتي منين؟!
اجابته بنبرة تحمل الآسى:
- امبارح مامتك كلمتني وعرفتها إن ماما مضايقة من الأخبار اللي نزلت.. جاتلها عشان تقعد معاها وسمعت كل حاجة بس من غير ما يخدوا بالهم اني سمع
عقد حاجباه بينما نظر إليها مليًا وقرر أن ينهي هذا الحديث فقال لها:
- طيب اديكي عرفتي اهو جاسر بيعمل ليه كده مع سيرين هو ومامتك.. خلاص ارتاحتي؟
حدثته في إصرار وانفعال بنبرة مُصممة ناهية كل ما يعتقده عن هذا الأمر:
- بس اللي أنت متعرفوش إن كل ده كدب..
لاحظت الصدمة البادية على ملامحه وراقبته في صمت مضيقة عيناها وحاول هو استدراك اندهاشه وحاول التحكم قليلاً في ملامحه ثم سألها:
- هو ايه اللي كدب بالظبط؟
تنهدت في قلة حيلة ثم اجابته:
- هقولك كل اللي سمعته بس أنا كده معنديش غيرك يساعدني..
تململت سيرين في سريره لتفتح عيناها بصعوبة ودلكت وجهها بأكمله لتعقد شعرها في كعكة فوضوية وهي تشعر بعدم الراحة لنومها في هذا الثوب منذ البارحة فنهضت وتوجهت لحمامه لتغسل وجهها الذي لا زال يحمل آثار مساحيق التجميل وجففته ثم توجهت خارجاً فهي تشعر بالجوع الشديد ولم تتناول أي شيء منذ أمس.
خرجت لتبحث عن المطبخ وفي طريقها قابلت إمرأة كبيرة في السن نوعاً ما فحدثتها في طيبة:
- صباح الخير..
ابتسمت لها السيدة في وقار ثم ردت:
- صباح النور يا بنتي
تحدثت لها بإحترام وسألتها:
- ممكن لو سمحتي تقوليلي المطبخ منين؟
اجابتها في استفسار:
- حضرتك محتاجة ايه وأنا اجبهولك؟
ابتسمت لها بإمتنان واجابت:
- يعني.. لو قهوة واي ساندوتش
أومأت لها برسمية ثم قالت:
- تحت آمرك يا مدام
ضيقت حاجبيها في اعتراض ثم بادرت نافية:
- لا قوليلي سيرين بس.. حضرتك اسمك ايه؟
حمحمت المرأة ثم اجابتها:
- أنا سميرة.. مسئولة عن كل حاجة في البيت، الخدم والمطبخ
ابتسمت لها في ود ثم امتنت لها:
- متشكرة يا سميرة..
سألتها من جديد في رسمية:
- تحبي اجيب لحضرتك الفطار في السفرة ولا الجنينة؟
همهمت وهي تفكر وتريثت قليلا ثم اجابت في النهاية:
- ماشي الجنينة.. وبلاش حضرتك دي أنا صغيرة يعني من دور أولادك ملهاش لزوم
ابتسمت لها في طيبة ثم ردت قائلة:
- خلاص يا بنتي اللي تشوفيه، ثواني وكل حاجة تكون جاهزة
تركتها ثم توجهت للخارج وهي تمشي حافية الأقدام دون اهتمام، فهي لن ترتدي تلك اللعنة التي كانت بقدماها ليلة أمس وملابسها لا تزال بغرفة "نور" منذ البارحة فسارت حتى مشت وجلست بجانب منضدة بالحديقة الشاسعة التي تحيط بمنزله وآخذت تستمتع بهذا الهدوء الذي حاوطها وغرقت في تفكيرها وهي تُحدث نفسها:
- يعني باين وواضح اوي إن بيت بالمنظر ده اصحابه اصحاب مليارات، مستخسر فيا وفي ابويا اللي بسببه معاهم كل ده إنه يديني حقي من سكات ومن غير بهدلة وقلة أدب.. ازاي الطمع بيعمل كده في الناس؟!
هزت رأسها بإنكار وشردت مجددا لتسأل نفسها شاردة:
- بس لأ مش طمع.. جاسر عاوز ينتقم مني ومن أبويا!! بس ليه؟! عمله ايه؟ وليه هو مقليش لغاية دلوقتي؟!
اخرجها من افكارها ذلك الصوت الأنثوي الغاضب الذي صاح بها:
- أنتي ايه اللي جابك هنا؟!
تطلعت "سيرين" صاحبة الصوت لتراها بأكمل زينتها وأناقتها وكأنها ابنة العشرين لتجيبها في سخرية:
- والله أسألي ابنك.. كلها دقايق وسيبهالك وماشية..
زجرتها في غضب شديد:
- ما تردي عليا عدل ولا أبوكي معرفش يربيكي؟
صرخت بها في غضب هي الأخرى:
- بصي يا ست أنتي.. أنا مستحملة بهدلة ابنك بإعتبار انه جوزي، لكن أنتي مالكيش حاجة عندي، ورحمة أمي زرابيني هتطلع عليكي بجد لو جيبتي سيرة أبويا على لسانك
ابتسمت لها في خبث لتتحدث في غطرسة:
- ايه الطريقة البيئة اللي بتتكلمي بيها دي؟ طبعاً ما انتي بنت سلوى.. وملقتيش اللي يربيكي!
نفذ صبرها ولم تعد تتحمل كلماتها لتصيح بين اسنانها الملتحمة غيظًا:
- لا وأمي كمان؟! ده أنتي ناوية أجيب أجلك بإيدي باين عليكي
نظرت لها بتعالي وتهكمت في غرور:
- بصي لمنظرك وواقفة حافية، معرفش ازاي، بقا ابني جاسر بيه شرف الدين يتجوز جربوعة زيك!
عقدت ذراعيها ونظرت لها بتهكم واحتقار وقالت ساخرة:
- مش أحسن ما ابقي لابسه على سنجة عشرة وأنا في الآخر حرامية..
ابتسمت لها بإنتصار وهي تتابع:
- لمي نفسك يا ست انتي واعرفي إن كل اللي أنتو فيه ده من خير أبويا! ولا نسيتي يا مدام هويدا اللي سرقتيه منه؟!
تحولت ملامح الأخرى للغضب لتصرخ بها:
- اخرسي!!
صفعتها من كثرة غيظها بكل ما لديها من قوة لترى "سميرة" ما حدث لتتوتر وارتبكت بشدة مما رآته ولم تستطع التدخل بتاتًا فهي تعلم كيف تكون "هويدا" وهي غاضبة!!
تحدث "معتز" بصوت مصدوم من هول ما استمع له:
- يا نهار أسود.. ازاي يعني اللي بتقوليه ده؟! يعني كل ده جاسر بقاله تمنتاشر سنة واخد على قفاه!
شعرت "نور" بالحزن من كل ما يحدث فدمعت عيناها حتى تهاوت احدى الدموع على وجنتها وهمست بآسى:
- أنا فعلاً مش عارفة أعمل ايه يا معتز، مش مصدقة إن كل ده يطلع من ماما! والمصيبة جاسر لو عرف رد فعله هيكون مش سهل، وسيرين متبهدلة معاه، ده بابا موصيني عليها قبل ما يموت..
مد أنامله ليلامس وجهها مجففا اياها فتعجبت وهي تنظر له بدهشة ولملامسته اياها بتلك الطريقة بينما زجرها في عصبية:
- متعيطيش تاني قدامي يا نور بدل ما اموتلك أخوكي وخالتي!
تعجبت أكثر من قوله ولكنها ظنت أنه ربما يمزح ليخرجها من تلك الحالة فتحدثت له بجدية:
- يعني بجد بتهزر في اللي احنا فيه ده؟
اجابها بحدة ورآت ملامحه الغاضبة:
- لا مبهزرش يا نور
ازداد تعجبها ولكنها قررت أن تترك امره جانبًا الآن وسألته:
- طب قولي هنعمل ايه؟! جاسر لازم يعرف كل حاجة..
تريث قليلاً وهو يحدق بفيروزيتاها ولكنه حمحم وحاول العودة لموضوعهما الأساسي الذي يتحدثان به وقال:
- يعرف ازاي بس.. أنتي مشوفتيش منظره لما قالي، أول مرة أشوفه منهار بالمنظر ده.. أنتي متعرفيش احساس الراجل ازاي لو حد قرب من أمه أو أخته أو الست اللي بيحبها.. ما بالك بقا بواحد يغتصب أمه! أنا مش عارف أصلاً هو مستحمل كان ازاي كل ده لوحده؟
تنهدت في حزن وسألته مرة أخرى:
- طب مين هيقوله ولا هيعرف ازاي؟
زفر في ضيق وهو يعلم أن مجرد اخباره عن الأمر سيكون بمثابة محاولة انتحار فأجابها بنبرة محتقنة:
- مين اللي يقوله ايه بس.. جاسر مش اهبل، مش هيصدق بسهولة ولو فضلنا نحلفله من هنا لعشر سنين قدام، أنتي مش متخيلة يا نور هو بيحب مامتك قد ايه..
أومأت له وردت مُعقبة:
- عارفة.. عارفة وخايفة اوي لما يعرف..
تحدث ناظراً لها بصدق ثم أمسك يدها ثم همس لها:
- أوعي تقولي كلمة خايفة دي تاني وأنا جنبك!
حاولت هي منذ أن رآته أن تتجاهل تصرفاته الغريبة معها ولكنها لم تستطع أن تسكت وتتجاهل أكثر من هذا لتسأله في انفعال:
- معتز أنت بتعاملني كده ليه من ساعة ما قابلتك؟ عمال تمسك ايدي وتقول كلام غريب وتقرب مني و..
قاطعها بإنفعال هو الآخر ونفاذ صبر فهو لن يستطيع الإنتظار أكثر من هذا لهمس بحرقة:
- نور أنا بحبك من زمان.. و.. وعايز أتجوزك!!
اندهشت ثم وضعت كفيها على فمها في صدمة وهي غير مُصدقة لما قاله للتو.. بينما هو تطلع ملامحها في تفحُص وفيروزيتاه تآكلت خاصتها ثم حمحمت لتحاول التحدث وهي تحاول الخروج من تلك الصدمة لتسمع صوت هاتفها فردت بسرعة كي تهرب مما قال منذ ثوان:
- آلو.. أيوة يا سميرة.. ايه!! طب وجاسر فين؟! طب أنا جاية حالاً..
انهت المالكمة بإنفعال ثم أمسكت بحقيبتها لتنهض مسرعة في تأهب فأوقفتها قبضة "معتز" وسألها في تعجب:
- ايه ده رايحة فين؟!
اجابته في ارتباك:
- ماما وسيرين ماسكين في بعض في البيت وجاسر مش معاهم
أخبرها وهو يخرج بعض الورقات المالية واضعا اياها على الطاولة وأمسك بهاتفه ومفاتيح سيارته:
- استني أنا جي معاكي..
حمحمت في توتر ثم سألته:
- طب لو شافوك معايا هيقـ..
قاطعها مسرعًا:
- قوليلهم اتقابلنا صدفة.. يالا
توجها مسرعين ليصلا على أصوت صراخ كلاً من "هويدا" و "سيرين" التي استمعا لها من على مسافة واقبلا وهما يتجها نحوهما ليُنهيا هذا العراك:
- أنتي أم أنتي؟!
زجرتها بنظرات ينهمر منها الشر:
- احترمي نفسك يا بنت سلوى
لم تعد تتحمل أن تأتي هذه المرأة على سيرة والدتها فصاحت بها في صلابة ولكنها لم ترد أن تبرحها ضربًا فقط لأنها إمرأة متقدمة في العمر:
- بردو بتجيبي سيرة أمي!! وبهدلتيني ولغاية دلوقتي مش عايزة أغلط فيكي!!
نظرت لها في غطرسة واكملت في غضب متهكمة:
- يالا يا جربوعة.. أنا هاعرف اخلي جاسر يشوف شغله مع واحدة قليلة الأدب ومش متربيـ...
تدخلت "نور" لتقاطعهما وتحدثت إلي والدتها:
- ايه يا ماما صوتك واصل لباب الفيلا برا
حالت بينهما لتقف في المنتصف بينما بدأت "هويدا" في تصنع الحزن وكأنها مظلومة وذرفت الدموع الكاذبة وتكلمت باكية:
- شوفتي.. شوفتي البنت دي بتعمل فيا ايه؟
صاحت "سيرين" في غضب لاذع وهي لا تصدق مدى براعة هذه المرأة في الكذب:
- شوف الست الحرباية..! ممثلة درجة أولى! ولا كأنها هي اللي ابتدت تتخانق معايا!!
صدح صوت "معتز" الذي حاول التدخل بينهما:
- خلاص يا طنط معلش حصل خير
أدعت بدموع التماسيح خاصتها القهر الشديد وهمست في هوان:
- الحمد لله يا ابني إنك جيت.. أصل جاسر مكنش هنا، لازم تعرفه اللي حصل.. البنت دي فورتلي دمي واتكلمت معايا بقلة أدب وأنا في دور مامتها.. أنا كبرت خلاص.. مش قد المناهدة والأسلوب ده!
حاول تهدأتها ليقول:
- معلش يا طنط خلاص اهدي.. حقك عليا أنا
التفت نحو "نور" ثم همس لها في جدية:
خديها يا نور دلوقتي واطلعوا أوضتك وأنا قاعد مع طنط شوية
كادت "سيرين" أن تتحدث فنظر لها في غضب بنظرة لا تحتمل النقاش وليست في استعداد لسماع المزيد من الكلمات فجذبتها "نور" من ذراعها بخفة ليغادراهما..
تسائلت في لهفة وهي تحاول معرفة كل ما حدث بينهما بعد أن صعدا لغرفتها:
احكيلي يا سيرين.. ايه اللي حصل؟!
لم ترد أن تتحدث بشيء فهي بالنهاية ابنتها ولن تقبل حقيقة ما حدث فتمتمت في ضيق:
- مفيش حاجة.. لو سمحتي اديني هدومي عشان ارجع بيتنا
تنهدت "نور" في ارهاق ثم حاولت من جديد سائلة:
- برضو؟! لسه مش واثقة فيا؟!
زفرت في حنق واحتقنت الدماء بوجهها وردت في صلابة:
- لو سمحتي مش عاوزة اتكلم بعد إذنك سيبيني امشي وهاريحكوا مني خالص..
حاولت أن تنهاها لتقول:
- تمشي تروحي فين؟! وبعدين ده بيت جوزك!
اطلقت زفرة متهكمة لتعقب قائلة:
- جوزي آآه!
زمت شفتاها بينما سألتها في توسل:
- احكيلي ماما عملت ايه؟!
تأففت مرة أخرى لتنفجر بالكلمات في انفعال شديد:
- معرفش يا نور، وهي كده من ساعة ما قابلتها وهي مش طايقاني.. ارتاحتي؟ اديكي عرفتي! هدومي فين بقا عشان امشي..
تنهدت في ارهاق من جديد لكل ذلك العناد الذي ستواجهه بينما حاولت أن توضح لها الأمور وأن تكسب ثقتها فقالت:
- بصي يا سيرين.. أنا متأكده إنك مظلومة، وعارفة إن جاسر صعب وجامد ومش سهل حد يتعامل معاه.. بس أنا هظهر الظلم اللي اتظلمتيه ده كله أنتي وباباكي.. خليكي واثقة فيا شوية بس، وبعدين يا ستي حد يكره يكون ليه أخت زي القمر زيي كده؟!
نظرت لها الأخرى بطرف عينيها لتتابع "نور" حديثها وحاولت أن تثير فضولها:
- أنتي جاسر بهت عليكي ولا ايه؟ ايه مبتهزريش؟ تصدقي إني غلطانة إني كنت عايزة احكيلك اللي جسور قالهولي امبارح، بس يا عيني الواد وقع وكعبلتيه كعبلة وحشة اوي! بس بردو مالوش لزوم أكشف أخويا قدامك!
ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب لتجد نفسها تتحدث سائلة دون تحكم منها بما يغادر شفتاها:
- أنا كعبلته ازاي؟ هو قالك ايه؟.. وبعدين أنا مالي يعني.. مش مهم أعرف.. هو قالك امتى؟!! ولا أقولك متقوليش
لاحظت تلعثمها وظهور الارتباك عليها فهمست في تحفز وابتسامة لتقول:
- لا واضح إن مش مهم تعرفي.. وواضح إن في غير جسور اتكعبل!
شعرت بالإنزعاج لتنفي بحدة ما تشير إليه:
- لا بصي.. الكلام ده ميهمنيش، ولا كعبلة ولا هباب.. أنا ماشية ورايحة بيتنا!
شعرت "نور" بالغضب منها وانفعلت لتصيح بها:
- يا بااي عليكي.. ما تتهدي شوية بقا وتسبيني اتكلم.. ده أنا اللي اسمي اخته مش شبهه زيك.. دماغكو ايه؟ اضربت في خلاط واحد؟
تنهدت ثم نظرت لها بعسليتاها في تردد وهمست قائلة:
- اتكلمي طيب..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
- هي قالتلك كده؟
اجابه وهو ينظر له في حزن شديد:
- أنا اللي عرفته كله جيت صارحتك بيه، أرجوك أنت كمان صارحني، لو فيه مشكلة أو حاجة عرفني، هتلاقيني أول واحد جنبك..
أومأ في تفهم ثم أخبره دون أن ينظر له مباشرة:
- معلش يا شرف، سيبني احتفظ بأسبابي لنفسي.. هي معاها حق
تسائل في لهفة وتعجب لذلك الأسلوب الغريب الذي يتعامل به صديقه:
- من امتى بنخبي على بعض؟ ايه فجأة كده مبقتش صاحبك؟! انت أخويا اللي مجبتهوش أمي قبل ما أكون صاحبك.. احنا عشرة عمر.. قولي فيه ايه خلاك تحتاج كل المبالغ دي؟!
اجابه في آسى دون أن يُعطيه سببًا مقنعًا:
- بص يا شرف، كده أحسن، مش لازم تعرف أسباب، خلي كل حاجة زي ما هي..
تريث لبرهة ثم أكمل:
- خد بالك من الشركة عشان ده تعبنا سوا، وخد بالك من جاسر ونور.
أخبره ليشعر "شرف الدين" بإستسلامه الغريب ووداعه المفاجئ ثم همس بمرارة كلمته الأخيرة:
- وهويدا
ازدادت حيرته وغضبه من ذلك الإستستلام الشديد وعدم اعطاءه أي اسباب منطقية ليصيح به:
- بردو مصمم؟! بس كده أنت بتخسرني.. سيبك من الفلوس، أنت بتخسر صاحبك..
ابتلع بمرارة وهو لا يُصدق أن صديق عمره يودعه بتلك الطريقة ليُخبره متألمًا:
- يمكن هاخسرك دلوقتي مؤقتاً.. بس بدل ما أخسرك يا شرف الدين للأبد بطريقة مفيش واحد فينا يتحملها..
نظر إليه في حُزن، فهذه ربما تكون آخر مرة يراه بها وتركه في حيرة من أمره وحزن لم يختبر مثله أبداً..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
- احكيلي يا سميرة متخافيش..
توترت وشعرت بالخوف الشديد إذا تحدثت لتقول في تلعثم:
- أصل يا معتز بيه.. يعني..
حاول أن يطمئنها مرة أخرى فقال مصممًا:
- والله ما فيه حاجة هتوصل لهويدا هانم ولا لجاسر بيه، احكي ومتخافيش، أضمنلك أنك في أمان ولو حصل وشغلك هنا حصل فيه مشكلة هتيجي عندي البيت أنا وماما..
ابتلعت لتقول بصوت مهزوز:
- متشكرة يا معتز بيه.. بس..
زفر في ضيق ولكنه سيطر على أعصابه وحاول مجددًا أن يمنحها بعض الثقة:
- قولتلك متخافيش وده وعد على رقبتي.. اطمني واحكي..
حمحمت ثم قررت أن تخبره ولكن آتى صوتها مليئًا بالخوف:
- بصراحة سيرين هانم قالتلي اعملها فطار واوديهولها الجنينة، وكانت طيبة أوي معايا ومرضيتش حتى غير اني اقولها يا سيرين كده من غير ألقاب.. ولما روحت الجنينة لقيتها هي وهويدا هانم صوتهم عالي وسيرين هانم قالت عن حاجة فيها سرقة وقالتلها انها حرامية فقامت الهانم الكبيرة ضربتها بالقلم!!
شعر بالآسى تجاه ما فعلته خالته بينما سأل في استفسار:
- في حاجة تاني خايفة تقوليها؟!
أومأت المرأة بالنفي واجابت في ثقة:
- لا يا معتز بيه.. ده كل اللي حصل وكل اللي شوفته.. والله ما خبيت عليك حاجة
تنهد وأومأ لها في تفهم ثم سألها:
- هي نور فين؟
اجابته في تلقائية:
- في أوضتها.. تحب أبلغها إنك عاوزها؟
أومأ بالإنكار واجابها:
- لا هطلعلها أنا.. هي سيرين معاها؟!
اجابت سؤاله في رسمية:
- لأ.. لسه ماشية من شوية
ابتسم لها بإقتضاب ممتنًا ثم حدثها:
- طيب خلاص متشكر يا سميرة.. شوفي وراكي ايه!
تنهد في حيرة وشعر بثقل كاهله فجأة لكل ما حدث بذلك اليوم ثم توجه للأعلى حيث غرفة "نور" ثم طرق الباب ليأتيه صوتها المجيب:
- ادخل
دخل ثم أغلق الباب خلفه لتسأله بلهفة:
- ماما قالتلك ايه؟!
زفر في ملل ثم اجابها:
- مفيش.. عيطت شوية وهاتولي جاسر والبنت دي مش محترمة وشوية كلام كده مالوش معنى.. وأنتي سيرين عملت معاكي ايه؟!
اجابته لتقص عليه ما حدث:
- حاولت اهديها شوية واحسسها اني جنبها وكلمتين حلوين عن جاسر بس هي بردو كانت مصممة تمشي وتروح بيتها فسيبتها براحتها
لاحظت نظرات عيناه المتفحصة لعيناها وتذكرت كل ما حدث صباح اليوم من طريقته الغريبة وعرضه عليها الزواج فجأة هكذا وأعترافه لها بحبها فتوترت قليلاً وفكرت أن تجذبه لحديث آخر فقالت متعجبة:
- طب بردو متفقناش هنعرف جاسر ازاي؟!
حمحم في انزعاج ثم اجابها:
- مش عارف.. بس استحالة يصدق حكاوي من حد.. لازم يعرف من طنط هويدا نفسها
عاد مرة أخرى لتلك النظرات فأخرجته من شروده بها فصاحت بقليل من الحدة:
- استحالة ماما تقوله..
تريث قليلاً ولم يتحدث ليفكر بشيء ما وهو يهمهم ثم فجأة لمعت عيناه فقال:
- بصي، احنا نستفز مامتك انها تتكلم ونسمعه الكلام ده!
تسائلت "نور" بفيروزيتان متسعتان:
- تفتكر؟!
هز كتفاه في تلقائية وقال:
- أصل مفيش حل غير كده.. سيبي حتة انه يسمعها بتقول الكلام ده عليا أنا
تنهدت لتتعجب من جديد في حيرة وهي لا تدري كيف سيفعلاها:
- طب ازاي؟! ومين أصلاً اللي هيتكلم معاها عشان يوصلها لكده؟!
همهم مفكرًا للحظات ثم اجابها:
- ماما.. كل أسرار طنط معاها
شعرت باليأس الشديد لتقول:
- ازاي بس وآخر مرة اتخانقوا جامد ومشيت من عندنا وهي بتقولها انها مش هتعرفها ولا تكلمها تاني..
حاول أن يُطمئنها فقال في ثقة:
- يا ستي سيبيها عليا أنا.. أنا هعرف اقنع هنون بطريقتي!
تنهدت في حيرة
- لما نشوف هيحصل إيه!
وجدت نظراته لها تتغير مرة أخرى وكادت أن تنهاه ليبادر بسؤالها:
- وردك على اللي قولتهولك ايه؟!
كانت تحاول الهروب من هذه المواجهة فتصنعت البلاهة وحاولت التغلب على ارتباكها فسألته في تلقائية مُزيفة فشلت بها وصوت مهزوز:
- اللي هو ايه؟!
رأته يقترب منها فأخذت هي خطوات للخلف حتى حاصرها ليصبح الجدار خلفها ليهمس لها:
- اتجوزيني يا نور.. أنا مبقتش قادر أشوفك كل شوية واسمع أخبارك واستحمل ابعد عنك.. أنا بحبك من زمان اوي، من أيام ما كنا صغيرين.. اتجوزيني وعمري ما هزعلك، هتعيشي اسعد إنسانه في الدنيا..
شعرت بالتردد الشديد والإرتباك لترد في تلعثم:
- بصراحة يا معتز أنا أتفاجئت بكلامك والموضوع محتاج تفكير وأنا يعني.. أنا بصراحة.. مبفكرش في الجواز ولسه..
قاطعها وهو يقترب منها أكثر:
- أحنا مش عيال.. أنا عندي خمسة وتلاتين سنة وأنتي سبعة وعشرين، هتفكري في ايه بس؟!
شعر بتوترها الشديد وهي تضع بعض خصلاتها خلف أذنها لتتحدث في صعوبة شديدة بعد لحظات عدة من الصمت:
- طب.. طب.. سيبني أفكر معلش.. واديني وقتي..
لم يستطع أن يبتعد عنها وهما بذلك الإقتراب الشديد وازدادت سرعة خفقات قلبه ليهمس ونظره مُسلط على شفتاها وتثاقلت أنفاسه الساخنة ليسألها:
يعني أعتبره وعد؟!
شعرت بالإرتباك لم يعد يرأف بها لتهمس له:
- هفكـ..
لم تُكمل اجابتها ليبتلع شفتاها في قبلة شغوفه لطالما ود أن يحصل عليها منذ سنوات عدة..
#يُتبع . . .