الفصل الثالث والثمانون - شهاب قاتم
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
(عزالدين شكري فشير ـ عناق عند جسر بروكلين)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ابتسمت إليه وهي لتوها فرغت من تلمس شفتاه بقبلة تملؤها الشغف لقنته بها ذرات قليلة من عشقها إليه ثم همست له:
- علشان خاطري تروح تعتذر لسيف.. متضايقهوش يا سليم.. وبعدين مش هينفع التريقة عليه فهمتك اكتر من مرة إن الموضوع غلط وبيضايقه.. انت بتفضل تدلع ليلي انما تريقتك كل شوية عليه ممكن تكبر الموضوع عنده..
رفع حاجباه وهو يتطلعها بقلة حيلة ليرد بالموافقة:
- علشان خاطر العيون الحلوة دي انا اعمل اي حاجة..
توسعت ابتسامتها في دلال لتقبله من جديد وهي لا تريده ان يغادر تلك الغرفة ليظل معها وبداخلها القليل من التذمر ولكنها تعي تماما تلك المسئوليات التي تقع على عاتقه لتفترق شفاههما وتناول كلاهما بعض الانفاس ليهمس هو بمكر بأذنها:
ـ طيب ولو اعتذرت مفيش سفرية كده حلوة ونسيبنا من الدوشة اللي هنا دي.. يعني نلعب عريس وعروسة مرة تانية..
نظرت له بلوم ثم قالت بإبتسامة هادئة:
- بعد امتحانات سيف إن شاء الله
زفر بتأفف ثم تكلم بحنق:
- انا مش فاهم سيف ده هيوصلني لفين.. شوية محاضرات وشوية اعتراضات واروح اعتذرله وكمان يعطلني عن سفرية عرسان.. شكله هو اللي هيربيني مش انا اللي هاربيه..
صدحت بضحكتها وقبلته قبلة خاطفة على وجنته ثم حدثته لتقول:
ـ يالا علشان مستنينا تحت على العشا..
تركته لتغادر للخارج بينما أخذ هو سترته المنزلية وارتداها وتوجه ليبحث عن "سيف" حتى وجده ليحدثه بنبرة متحفزة:
- مساء الخير يا سيف بيه..
رفع له عينيه وهو يتفقده على مكث ثم رد التحية بإقتضاب:
- مساء النور يا فندم!
تنحنح ثم عقد ذراعاه وكلمه برسمية:
ـ لو ممكن دقيقتين من وقتك اكون متشكر ليك جدًا!
أومأ له بالموافقة ليكاد الآخر أن يصدح بضحكته بينما نظر له "بدر الدين" بتحذير فادعى الملامح الجادة بينما نهض حفيده ليتبع والده ليغمغم خلفهما:
- استرها يارب.. مش ناقص مشاكل على المسا..
عقبت "نورسين" بجانبه لترد قائلة:
- سيبهم انت بس.. بكرة يبقوا بدر وسليم تانيين..
تابعتهما بزرقاويتيها إلي أن غابا عن الانظار متوجهان لأحدى غرف المكتب وجلس "سليم" ليفعل ابنه المثل واصبح كلاهما في مواجهة بعضهما البعض ليترقب هو ما يود والده قوله ليبدأ الآخر بالكلام:
- أنا آسف.. زودتها معاك شوية.. وعلى فكرة انت احلى واحد عينيا بتشوفه.. بطولك وشعرك وعينيك الحلوين.. كل حاجة فيك بحبها زي ما هي.. ومكنتش عايزك تزعل مني.. يمكن هزرت معاك بسخافة بس جايلك اهو وبقولك وعد مش هتحصل تاني..
أومأ له بتفهم ليضيق والده عينيه ثم سأله:
- مفيش حضن حلو لبابا بمناسبة إنك مسامحني وكده؟
تفقدته لوهلة ثم اندفع ناهضًا ليعانقه بقوة وهمس له بنبرة حزينة:
- لو سمحت يا سليم يعني متقوليش كده بالذات قدام حد علشان بتضايق
ابتعد عنه قليلًا ثم حاوط وجهه بكفيه ليحدثه بثقة:
- أنا غلطت.. ومش هاعملها تاني.. ومتزعلش ولا تضايق من حاجة تاني ابدًا.. ربنا خلقنا زي ما احنا بشكلنا وادى لكل واحد حاجة تميزه وانت حلو وبحبك زي ما أنت.. والمرة الجاية لما تقولي مقولكش حاجة هاسمع كلامك.. أنا آسف.. وسيف ده احسن ولد في عينيا.. اتفقنا؟
أومأ له الآخر ليقبله على وجنته ثم نهض حاملًا اياه وتوجه كي يلحقا بالجميع لتهمس "نورسين" بملامح متهللة إلي زوجها عندما رآت "سليم" يحمل ابنه والآخر يعانق عنقه:
- مش قولتلك.. بدر وسليم تانيين اهو
رمقها بقليل من الإمتعاض ثم تمتم:
- طيب كملي اكلك!
نظر بصحنه ثم غمغم بصوت يكاد لا يُسمع:
- قال بدر وسليم تانيين قال!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
دفعت الهاتف الخاص بها على سطح المائدة لتقربه من ابنتها بينما اكملت هي ارتشاف قهوتها الصباحية لتنظر لها "كاميلا" بإستفسار قرأته بعينيها التي تشابه خاصتها لتخبرها:
- باباكي..
امتدت اناملها الصغيرة وهي تتفقد تلك الصور التي وجدتها غريبة للغاية عنها وتفحصتها بعناية شديدة بينما نظرت إليها والدتها بأعين حريصة على معرفة انطباعها لتعيد لها الهاتف بنفس الطريقة ثم تحدثت بشبح اعجاب طفيف بنبرتها:
- يبدو وسيمًا.. ربما اوسم من صديقي رون!
رفعت "فيروز" حاجبيها بدهشة متعجبة مما استمعت له ثم سألتها:
- لم الاحظه.. هل هو وسيم حقًا؟
زمت شفتاها بإبتسامة ثم اجابتها بأعين اتسعت بالإعجاب:
- قليلًا..
همهمت في تفهم لترد مُعقبة بتساؤل:
- من الجيد أن نملك صديق وسيم.. ولكننا لدينا قاعدة هامة.. هل تتذكريها؟
زفرت في تأفف لتجيب بإرهاق:
- الشكل ليس كل شيء.. والمظاهر خادعة..
ابتسمت بهدوء ثم ارتشفت ما تبقى بكوبها واستئذنت لتقول:
- هل لي بعناق؟
اتجهت اليها لتقومم بمعانقتها على الفور لتهمس لها:
- أنتِ ذكية كامي.. وأريد أن اراكِ ذكية دائمًا.. ستكونين الفتاة الأذكى عندما تحكمين على الشخص بما بداخله وبما هو عليه.. وليس بمظهره.. هل توافقيني في هذا؟
ابتعدت عنها لتتفقدها ثم اجابتها:
- اوافقك روزي.. هل لنا أن نذهب الآن؟
أومأت لها بالموافقة ثم نهضت وجذبت سترتها لترتديها ثم توجهت كلتاهما إلي السيارة وانطلقت بها "فيروز" حتى تصلا بموعد الزيارة المحدد لتسألها ابنتها متعجبة بطيف قلق يتضح بنبرتها:
- هل سيحبني والدي؟
ابتسمت وسرعان ما اجابتها:
- بالطبع.. هو يحبك منذ أن كنتِ طفلة.. لقد حملك وجالسك ولكن ربما لا تتذكرين هذا.. وسنراه بعد قليل على كل حال..
صفت السيارة لتتعلق "كاميليا" بيدها وقد شعرت بإرتباكها قليلًا ولكنها سارت بثقة فربما قد تفعل ابنتها المثل وجلستا في انتظار أن يأتي "شهاب" ولم تمر سوى دقائق تعد على اصابع اليد الواحدة حتى تلاقت عينيه بخاصتها ولم يستطع هو سوى النظر إليها..
نفس الملابس التي تغطي عنقها، نفس الشعر الأشقر القصير.. نفس النظرات التي تحمل الكثير من الحزن بعينيها وهي تحاول أن تدعي السعادة والتلقائية.. ولكن ليس نفس الطفلة التي لتوه لاحظها..
جلس بمقابلتهما وتفقد كلتاهما بنظراته ثم همس سائلًا:
- عاملين ايه؟
رفعت "كاميليا" حاجبيها ثم هتفت:
- انت بتعرف تتكلم عربي زينا؟!
أومأ لها بالموافقة ليجدها تتحول ملامحها واجابته:
- أنا كويسة.. وأنت كويس؟
أخذت تتفحصه بنظرات عدة وهي تقوم بتقيمه بمقايسها الطفولية بداخلها ليستشعر الإستغراب ولكنه اجابها بشبح ابتسامة:
- أنا كويس آه..
حمحمت "فيروز" ثم تحدثت لكلاهما:
- أنا هقوم اجيب عصير.. راي، عايز عصير؟
نظر لها بتعجب لتحدجه بنظرات مُحذرة ونظرت بلمحة سريعة إلي ابنتها ومن ثم إليه ليومأ لها بإقتضاب بأن تطمئن بينما هي لابد وأن تتحدث إلي الطبيب الذي يتابع حالته فنهضت وهي تقول بإبتسامة:
- هسيبكم تتكلموا مع بعض..
توجهت لتراقبهما من على مسافة للحظات لتجد أنها لا تزال تنظر إليه بتلك الطريقة التي لطالما نظر لها بها وهو يحاول أن يعرف ما يدور برأسها فتزفر بتوجس بينما رآتها تتحدث له ولكنها لم تستمع إلي صوتهما:
- هل تتحدث الإنجليزية مثلي؟
أومأ لها وهو يحاول أن يعرف ما خلف تساؤلاتها ولكن اكثر ما عزاه هي تلك الأعين اللامعة التي تشابه اعين والدتها فهي تبدو رمادية اللون الآن لتسأله من جديد:
- هل ستغادر تلك المشفى؟
ابتسم بهدوء ثم تفقدها لوهلة واجابها:
- علي استشارة الطبيب اولًا وبعدها سأعرف..
همهمت له بالموافقة لتقول على مضض:
- كنت تبدو وسيمًا بتلك الصور.. ملامحك الآن ليست بنفس الوسامة..
عقد حاجباه وهو لا يعلم من اين آتت تلك الكلمات ليجدها تتابع بمزيد من التساؤلات:
- هل ستكون معنا بنفس المنزل؟
تنهد وهو لا يدري بم يُجيبها ولكن تلك النظرة من عينيها تُذكره بشدة بوالدتها ليجد نفسه يشعر بتخبط هائل واجاب مضطرًا:
- سنرى.. اخبريني.. هل تذهبين إلي المدرسة؟
هذا ما استطاع أن يتسائل به لتضيق هي عينيها ثم نهضت لتجلس بجانبه والتفتت له كليًا لتلمح "فيروز" انها سمحت اخيرًا لنفسها بأن تقترب منه فاطمئنت قليلًا لتذهب إلي الطبيب..
تفقدته مليًا ثم تحدثت بثقة:
- يبدو أنك ستكون والد جيد!
رفع حاجباه لذلك الإطراء ولكنها سرعان ما تسائلت مجددًا بعد أن تناولت نفسًا مطولًا ليُدرك أن تلك الفتاة هي مجرد "فيروز" اخرى قصيرة القامة فحسب:
- عندما تكون والدي، هل ستُعاقبني؟
زفر بسخرية مبتسمًا ثم فكر لوهلة بسؤالها ليُجيبها بقليل من التلعثم:
- لن اعاقبك إلا عندما تخطئين..
همهمت له ثم سألته:
- هو انت كنت بتحب ماما؟
ابتسم بمصداقية وذلك السؤال كان عليه أن يكذب به:
- ايوة..
هو لم يكن يُحبها.. بل لا يزال يفعل.. ولا يدري لماذا سألته عن ذلك ليراها فجأة نهضت من جديد وجلست في مقابلته وحدثته بجدية بالرغم من تلك البراءة التي تبدو عليها ولكن كلماتها جعلته يشعر وكأنه يتحدث إلي شخص بالغ:
- استمع إلي قبل أن تأتِ والدتي.. اذا كنت تريد أن نكون على وفاق عليك أن تساعدني بأن تتوقف روزي عن عقابي..
عقد حاجباه بإستغراب وسألها:
- ولماذا تعاقبك إذن؟
همهمت لتحك انفها بقليل من الإرتباك ثم اجابته:
- تري أنني افعل الكثير من الأخطاء.. ولكن هذا ليس ما ارسد التحدث عنه.. هل ستساعدني؟
حمحم وهو يشعر وكأنه بورطة ما من تلك الطفلة.. كان يعمل ألا يُفسد الأمر ولكنها صعبت عليه الأمر كثيرًا ليضيق عينيه لها وهو يتفقدها على مُكثٍ ثم اجابها بثبات:
- سأساعدك ألا ترتكبين الأخطاء.. انا خبير الآن في هذا..
تمتم بجملته الأخيرة في سخرية لتتعجب هي ثم حدثته بملامح طفولية ولهجة مُحذرة:
- انظر.. اتعلم لماذا نحن هنا؟ لأنني طلبت ذلك.. لذا سأقول أنك الأب الأفضل بالعالم وانت ستساعدني لاحقًا.. أنا اثق بهذا!
هل هي تُفرض عليه امر لا يعلم هو بشأنه، أم اصاب رأسه بالغباء من كلمات تلك الطفلة؟ أم هذا لأنه لم يتحدث مع الكثيرين لوقت طويل؟
لم يكن "حازم" مثلها.. ولماذا تتحدث بكل هذا النضج، هل غاب اعوام عن الحياة ليستيقظ فجأة ليجد نفسه أمام اربعة اعوام واعين لا يعرف ما لونها ولسان لا يتوقف عن قول كلمات غريبة؟
حمحم بعد أن ادرك أنه ظل صامتًا لفترة ليست بقليلة بينما هي تتفحصه عاقدة ذراعيها ليسألها:
- وما الذي جعلك واثقة انني سأساعدك؟
همهمت في تفكير وزمت شفتاها ليلاحظ اقتراب ملامحها هنا منه ليبتسم بهدوء وهو يتفقدها لتنبهه بنظراتها القوية التي تبدو كوالدتها ثم اجابته:
- لأننا سنكون اصدقاء..
توسعت ابتسامته لها ثم اخبرها بقليل من الاعتراض:
- لا تفعلين ما يدل على اننا سنكون اصدقاء.. منذ أن بدأتِ بالحديث وأنتِ تملين اوامرك علي ليس إلا..
توسعت عينيها في حيرة لتنهض واقتربت منه ثم عانقته وقبلته على وجنته بينما آتت "فيروز" لتتوقف مكانها وراقبت ما يحدث بينهما لتجدها تتكلم معه مرة اخرى:
- لقد فعلت الآن ما افعله مع روزي وحدها.. وهي اقرب اصدقائي.. هل نحن اصدقاء الآن؟
تنهد ثم جذبها ليُجلسها على قدمه مثلما يرى البعض يفعلون فلقد اكتسب بعض التصرفات بمراقبة من حوله ثم تحدث لها بإبتسامة:
- ماشي.. بس لما روزي اقرب اصحابك ليه مش بتسمعي كلامها؟
نظرت بملامحه وهي تتفقدها في تعجب فهي لم تكن بهذا القرب من قبل مع احد سوى والدتها لتهمس مجيبة:
- بسمع كلامها.. بس كل ما اجي اعمل حاجة جديدة الاقيها بتضايق مني..
همهم في تفهم ثم تكلم بجدية:
- طيب ايه رأيك كل ما تبقي هتعملي حاجة تاخدي رأيها أو رأيي؟
شعر بتنفسها غير المنتظم ولمح علامات التفكير تتضح على وجهها ثم اجابته:
- مش عارفة.. ما هي بتكون في الشغل وانت بعيد وانا في المدرسة..
اقتربت "فيروز" لتقاطعهما عن الحديث ونظرت إليهما بتفحص لتقول:
- ملقتش عصير.. هابقى اجبلك من مكان تاني..
أومأت لها بالموافقة ثم توجهت لتتركه وجلست بالقرب منها لتحتويها اسفل ذراعها وتفقدته مليًا ثم سألتها بإبتسامة وملامح مستفسرة:
- اتبسطتي علشان شوفتي بابا؟
نظرت نحوها ثم نحوه لتهمهم وهزت كتفيها:
- لا أدري..
اختلفت ملامح "شهاب" الذي تعجب لإجابتها فهي للتو كانت تقبله وتعانقه ليجدها فجأة تبتسم وهي تنظر له بذكاء وتابعت مسرعة:
- اظن اننا سنكون اصدقاء..
ابتسم في غيظ وهو يتفقدها لوهلة بعد أن استطاعت أن تُثبت له أنهما لابد وأن يبقيا على وفاق تام إن غادر تلك المصحة الكئيبة وادرك الآن كلمات "فيروز" عن ذكائها بينما استمع لها تقول:
- طيب الحمد لله..
نظرت إليها ثم سألتها:
- يالا نمشي؟
تفقدتها ثم نظرت نحوه وهمست بدلال:
- اريد أن ابقى معه قليلًا..
ابتسمت هي وهي تتفقدها بإرتياب.. تشعر وكأنما هناك شيء ليس على ما يرام أو انها اسقطت ملاحظة بعض الأمور لتغيب هي في افكارها بينما هو كان لا يريد اكثر من توقف الزمان حولهما ليستطيع أن يُمتع عينيه بالنظر اليها وإلي ملامحها التي مهما تغيرت ستظل أفضل ما يراه بالعالم بأكمله لتجد في النهاية أنه يحدق بها اكثر من اللازم فنظفت حلقها لتتحدث متحاشية النظر إليه والتفتت نحو ابنتها لتقول:
- هنيجي ونشوفه تاني ونقعد معاه وهو كمان هيجلنا.. بس مش هينفع نكول النهاردة اكتر من كده لأن اخدنا وقت الزيارة كله.. يالا سلمي عليه علشان نمشي..
تنهدت ثم أومأت بالموافقة لتنهض وذهبت نحوه لتعانقه فبادلها ولا يزال ينظر إلي "فيروز" بذلك العشق الذي كادت أن تزجره بأن يتوقف عنه فهو لن يحدث مجددًا ويستحيل أن تبادله به لتتحاشى النظر له مرة أخرى ليجد "كاميليا" تهمس له:
- ارجوك فكر ان توقفها عن عقابي.. والا سأقول انني اكرهك.. ولن اجعلك تأتي إلينا ..
التفتت نحو والدتها ثم ابتسمت واخبرتها:
- انا مستعدة للمغادرة..
أومأت لها لتنهض وودعته بكلمة مقتضبة تقارب الغمغمة المستنكرة لتمسك بيديها وتوجهتها لتغادره كلتاهما وتركتاه فريسة لأفكاره المتعجبة من قدوم حياة أخرى جديدة لم يكن يتوقع انها ستكون بمثل هذه التفاصيل وبالطبع لم يكن يظن أنه سيواجه فتاة بشخصة "كاميليا" ابنته..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تركت القلم الذي كانت تحاول التلوين به ثم توجهت نحو غرفة معيشتهما عندما استمعت لأصوات تلك الموسيقى التي تخص احدى افلامها المُفضلة فلقد تعجبت لذلك الصوت المُرتفع الذي تهادى إلي اركان المنزل بأكمله لتتفقد الغرفة بينما لم تجد والدتها واقتربت نحو مصدر الصوت بينما باغتتها "فيروز" لتقول له بمرح:
- احدهم كان يشكو انني مثالية اكثر من اللازم..
اجبرتها على الإلتفات ثم امسكت بيدها وهي تبدأ في التحرك بحركات راقصة لتنظر لها الأخرى في استغراب ثم سألتها:
- هل لا زلتِ منزعجة من كلماتي؟
أومأت لها بالإنكار وهي تستمر بالرقص ثم حملتها وقبلت وجنتها لتتمسك الأخرى بها واجابتها:
- راجعت نفسي لقيت ان بقالنا كتير لا بنرقص ولا بنعمل حاجة حلوة واحنا week end ومش عايزة ازعلك في الاجازة.. وممكن اكون فعلًا غلطانة..
ابتسمت إليها وبدأت في التحرك بين يداها على انغام تلك الموسيقى ثم سألتها بخبث طفولي:
- ولكن هذا يُعد خرق للقواعد! هل تُفسدين العقاب بالرقص؟
أومأت لها بإنكار ثم اجابتها بإبتسامة:
- العقاب نص على ألا تشاهدين الأفلام.. لم يذكر شيئًا عن الرقص في عطلتك الأسبوعية..
اخفضتها لتقف ارضًا واستمرت كلتاهما في الرقص سويًا لتبدأ والدتها في ادعاء ملامح مُضحكة لتقهقه الأخرى وأخذت احدى الأوشحة الملونة لتضعها حول عنقها وخصرها وكذلك قبعتان ملونتان تمتازا ببريق لامع لترتدي كل واحدة منهما واحدة وأخذت كلتاهما تبرعان في حركاتهما الراقصة لتُمسك "فيروز" بأحدى مواد التزيين اللامعة التي تمتاز ببريق ومُشكلة على هيئة قلوب صغيرة ونجوم ودوائر لتُلقيها عليها وهي ترقص لتشعر الأخرى وكأنها اميرة بأحدى حفلات التتويج لتهتف بها:
- أريد الآن أن اكون اميرة بأحدى افلامي المُفضلة..
اقتربت اليها لتقول بإبتسامة:
- أنتِ بالفعل اميرة بعيناي.. الأميرة كامي راي آرون..
ابتسمت اليها وجذبت عنقها في عناق وقبلتها لترفعها "فيروز" حاملة اياها لتهتف ابنتها متسائلة بتلقائية:
- هو بابا لما يجي هيرقص معانا؟
هدأت ابتسامتها لتتوجه حاملة اياها واخفضت الصوت ثم اتجهت بها نحو مائدة المطبخ لتجلسها عليها لتتنهد في تفكير ثم اجابتها:
- بابا رجليه بتوجعه.. مش هيقدر يرقص.. بس هتتفرجوا سوا على الأفلام اللي بتحبيها وهيجيلك المدرسة وهتقعدي معاه كتير بس كل ده هيكون بعد معاد شغله وبعد ما يخرج من المستشفى إن شاء الله.. انتي كمان فكري كويس قبل ما تطلبي منه حاجة وشوفي كده هيقدر يتحرك ويعملها ولا لأ علشان متضايقهوش.. اتفقنا؟!
أومأت لها بالموافقة ثم ردت:
- اتفقنا..
توسعت ابتسامتها لها ثم سألتها بحماس لتقول:
- احنا عندنا تلت قصص لسه جداد.. قصة سيدنا محمد.. وسيدنا موسى وسيدنا ابراهيم.. تختاري القصة واعمل فشار واحكيلك زي ما متعودين في الاجازة؟
أومأت لها بالموافقة لتقترب لتُقبلها بينما همست لها:
- بس عايزاكي تحكيلي قصتين.. علشان لسه قدامنا وقت كبير على النوم
همهمت في تفكير وهي تضيق عينيها نحوها ثم أردفت بتساؤل:
- حسنًا.. سأقص قصتان.. هيا اخبريني.. بم تحدثتِ أنتِ ووالدك؟
همهمت "كاميليا" بينما التفتت "فيروز" وهي تصغي اليها في اهتمام ومنذ الوهلة الأولى ادركت انها ستكذب وستراوغ لسكوتها وتريثها ثم اجابتها في النهاية:
- سألته عنه.. عن قدمه وعن عمله وماذا إن كان سيأتي معي إلي المدرسة.. فقط اشياء بسيطة..
تنهدت وهي تحاول أن تكظم غيظها وحاولت ترك ذلك جانبًا كي لا تفسد امسيتهما بينما لاحقتها بما لم تتوقعه:
- وسألته هل كان يحبك..
عقدت حاجبيها في استغراب من استماعها لنبرتها الصادقة وهي تتابع ما تفعله لتحمحم ثم ادعت التلقائية لتسألها دون النظر اليها:
- ولماذا سألتِه عن ذلك؟
اجابتها بعفوية وطفولية:
- لا ادري.. ولكنني شعرت بذلك.. لا اعرف لماذا ابتعدتِ عنه وهو كان يحبك..
تناولات نفسًا عميقًا ثم زفرته ببطأ والتفت نحوها لتخبرها بهدوء:
- بصي يا كامي.. انا يا حبيبتي بشوف بنات كتيرة بتحبك ونفسها تبقى من اصحابك القريبين.. بس انا بسيبك تختاري اصحابك بنفسك وعمري ما اتدخلت بينكم.. بحترم دايمًا اختيارك وانتي كمان لازم تحترمي قراري اختار مين احبه ومين ابعد عنه.. يعني انتي لورين اقرب اصحابك وانا كايت اقرب اصحابي وكل واحدة فينا مبتحكمش على التانية..
وعلى فكرة انا بحب باباكي لأنه اداني كامي احلى بنوتة في الدنيا.. وبحبه علشان بيحبك جدًا بس احنا كل واحد فينا مش قادر يتفاهم مع التاني علشان كده اختارنا نبعد عن بعض.. لو عايزة تعرفي اي حاجة اسأليني وانا هجاوبك بس لازم كل واحدة فينا تحترم قرار التانية.. اتفقنا؟
هزت رأسها بالموافقة لتتبادلان الابتسامة ثم توجهت لتُكمل صنعها حتى تستعدا لقضاء الامسية سويًا وهي تفكر أن اول شيء عليها فعله هو رؤيته والتحدث له في اقرب فرصة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
طرقت بأصابعها على تلك الطاولة الصغيرة وهي تنتظره بنفاذ صبر وأخذت تتفقد الباب الذي سيدخل منه بين الحين والآخر إلي أن آتى وتريثت إلي أن جلس لتسأله بتحفز:
- انت وكامي اتكلمتوا في ايه؟
شعر بإنزعاجها وكذلك ارتباكها وتفقدها مليًا بينما لاحقته بلهجة مُهددة:
- اياك تكدب!
عقد حاجباه وكاد أن ينادي بأنه لم يعد يكذب والكثير من الكلمات ولكنه تراجع.. كلاهما يمتلكان تاريخًا ليس بقصير من العديد من الكذبات وأدرك أنه لا ملجأ من الصدق.. هذا أن اراد أن يُريها أنه قد تغير بالفعل فأجابها بهدوء:
- قالتلي انك بتعاقبيها وعايزاني اساعدها انك تبطلي تعاقبيها.. قالتلي انكم موجودين علشان هي طلبت تشوفني.. وقالت اننا هنكون اصحاب.. قربت مني وحضنتني وسألتني لو كنت بحبك.. وانا قولتلها ايوة!
تفقدته برماديتيها لتزفر في ضيق وتراجعت بكرسيها لتبتسم في سخرية ليتوسلها بداكنتيه بينما استطرد:
- أنا قولتلها إني هساعدها متعملش اي حاجة غلط.. وتسألني قبل ما تعمل اي حاجة.. وسألت لو كنت هعيش معاكم ومديتهاش اجابة محددة.. متقلقيش أنا مش هاعملك مشاكل معاها..
نظرت له بحيرة ليتسائل في تعجب:
- هي بتعمل ايه بالظبط علشان بتعاقبيها؟
اغمضت عينيها لتتنهد بقلة حيلة وهي تهزر رأسها بإستنكار لتندفع بالكثير من الكلمات:
- دي فظيعة.. مجنناني.. بتفضل تعمل مقالب في زمايلها في المدرسة، وبتكذب.. وبترفض اي عقاب سواء مني ولا من مُدرسينها.. لولا إنها شاطرة جدًا وذكية كانوا اتعاملوا معاها بطريقة تانية خالص وعلشان أنا برضو مامتها وبشتغل في نفس المدرسة بحاول معاهم نسيطر على تصرفاتها!
لمحت الحماس بأعينه ولانت شفتاه بإبتسامة لتسأله عاقدة حاجبيها بإستغراب:
- بتضحك على إيه؟
أومأ لها بالإنكار ثم توسعت ابتسامته ليجيب:
- مفيش..
ابتسمت له بإمتعاض لتزجره بنبرة ساخرة في همس كي لا يستمع اليهما احد:
- فرحان انها نسخة منك مش كده.. مبسوط إن ليك تابع يكمل أذاك للناس! بس اطمن.. انا عندي استعداد اواصل الليل بالنهار علشان بنتي متبقاش شهاب تاني.. ممكن اعرض نفسي للموت ولا إنها تبقى شبهك!
تلاشت ابتسامته وسيطر على وجهه الوجوم بعد كلماتها ليتحدث بنبرة هادئة ليئة بالثقة:
- أنا كنت بضحك وفرحان ومبسوط آه.. بس مش علشان هي نسخة مني.. انتي وانتي بتتكلمي حسيت إنك أم بجد.. أم مكنش عندي زيها ولا كانت تعرف لا هي ولا ابويا انا بعمل ايه في المدرسة ولا بتصرف ازاي ولا بكدب امتى ولا ايه بيحصلي..
ابتسم نصف ابتسامة بإنكسار شديد ثم أردف بتنهيدة:
- كنت مبسوط إنك قدرتي تكوني أم ناجحة بعد كل ده.. بنتنا ذكية وشاطرة بسببك وبسبب تربيتك ليها.. وكمان بتعملك حساب وفارق معاها إن كنت بحبك ولا لأ.. ده لواحده خفف عليا حمل كبير.. لأني عمري ما كنت هاعرف اتعامل معاها.. لما فكرت فيها وفي كلامها بعد ما مشيتوا لقيت اني مش بتعامل مع طفلة عايزة مشاعر وبس.. لأ دي بتفكر وبتقرر وبتطلب مساعدتي وكأني بكلم بنت كبيرة مش صغيرة!
ابتلعت في استغرابٍ من كلماته لتطلع ملامحه الصادقة وشعرت بالحيرة جراء ما يقوله ليستطرد بجدية:
- طول عمري معاكي عارف إنك قوية وتقدري على كل حاجة.. بس إنك تعيشي مع البنت اللي انا شوفتها واتبهرت بيها وكمان شاطرة في مدرستها ده اكتر من اللي كنت اتوقعه..
فكرتي في كل حاجة.. في حياتي وحياتك وحياتها وبتشتغلي كمان وموفرلها حياة كويسة.. واحدة بعد كل اللي حصلها على ايديا مكنتش حتى بصت في وشي ولا عرفتني إن ليا بنت.. وكمان بتحاول إني ابقى في حياتها وجاية وجيبهالي وواضح إنك مكرهتيهاش فعلًا فيا..
تحشرج صوته بدموعٍ مكتومة بينما اكتثت عيناها بالعبرات الآبية للهروب ليهمس في النهاية بإمتنان ونبرة نادمة:
- شكرًا يا فيروز..
توسعت عيناها في حذر لتهمس بشفتان مرتجفتان:
- روز.. ارجوك متغلطش قدام البنت..
اعتصرت عيناها في محاولة أن تمنع تلك العبرات من التزايد وبعد لحظات نظرت له من جديد لتُحدثه بجدية:
- أنا اتكلمت مع الدكتور وقالوا هيعملولك شوية اختبارات وممكن تخرج قريب إن شاء الله يوم ما تخرج هتقعد في اوتيل كام يوم لغاية ما تشوف بيت قريب مننا.. وتشوف هتبدأ بمشروع ايه ولا هتدور على شغل.. انا هدفعلك ايجار اول شهرين ولو عايز الفلوس إللي هتبدأ بيها ماشي بس تعرفني الأول هتعمل ايه..
ابتسم بسخرية على حاله لتردف هي مُشددة على نطق الكلمات:
- كل ده علشان كاميليا.. لا علشاني ولا علشانك..
أومأ في تفهم وكادت هي أن تنهض ليوقفها متسائلًا:
- انتي ليه سمتيها كاميليا؟
تفقدته لوهلة ثم اجابته بهمس:
- قولت يمكن تحبها لو حققتلك حلمك بإنك تسمي كاميليا.. ولو اني متأكدة إن عمرك ما هتحبها بجد..
ارتخى جسده بكرسيه ليتمتم بإنكسار زافرًا بقهرٍ يجعله يشعر أن اقترابه منها من جديد بات مستحيلًا:
- انا حبيتها.. وهاحبها اكتر.. لأنها نسخة منك!
مراوغ.. لن يكف عن مراوغته.. ولو كان الرجل الأخير بهذه الدنيا لن تستجيب أبدًا لأفعاله وادعاءه، وحتى لو كان صادقًا فهي لم يعد بداخلها له سوى كراهيته كرجل.. جروحها لم تُسكنها تلك السنوات.. ولكن كوالدٍ لإبنتها فهي عليها التعامل معه بمنتهى الإحترام شاءت أم آبت..
نهضت لتهمس له:
- أنا سيبتلك فلوس في الأمانات.. مبلغ صغير علشان تقدر تاخد تاكسي وموبايل لو حبيت تاخد أوبر وهتلاقي عنوان البيت موجود في note عليه ومش هيسمحوا تاخدهم غير لما يتوافق على خروجك.. سلام!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور أكثر من شهر..
استمعت لرنين جرس الباب لتصيح حتى تُسمع ابنتها كلماتها:
- انها لورين ووالدتها.. افتحي الباب كامي..
صاحت من غرفتها لترد عليها قائلة:
- حسنًا سافعل..
اتجهت نحو الباب بتلقائية فهي تعلم أن "لورين" ستصل الآن ليُقضيا اليوم سويًا وكانت بإنتظارها بالفعل ففتحت الباب لتجد والدها يقف امامها فشعرت بالإستغراب قليلًا وهي تنظر لحقيبة ملابسه وعصاه التي يستند عليها لتتفقده في حيرة ولم يتبادلا ولو كلمة واحدة ثم تركته ودخلت تهرول نحو والدتها لتخبرها بقدومه:
- إنه والدي.. ليست لورين!
ابتسمت لها بالرغم من ذلك الخوف الذي كانت تحاول أن تتحاشاه طيلة الفترة الماضية والتغافل عنه بينما ادعت الهدوء واتسعت عينيها في حماس:
- ماذا تنتظرين.. فلتدعيه إلي الداخل..
أومأت لها لتهرول من جديد نحو الباب لتراه ينظر لها عاقدًا حاجباه وملامحه مستفسرة ولكن شفتاه تبتسمان لتحدثه:
- كنت استشير والدتي.. هذه هي قوانين المنزل.. تفضل بالدخول..
ابتسم لها ثم همس وهو يدخل:
- وحشتيني..
رفعت نظرها إليه بعد أن اغلقت الباب ثم بادلته:
- وأنت ايضًا..
ظلت واقفة بمحازاته بينما تفقد هو ذلك المنزل.. ليستنشق رائحة غريبة.. ربما هناك رائحة احدى المخبوزات أم هذا لأنه كان يتوق إلي طعامٍ افضل من طعام المصحة؟!
تطلع تلك التفاصيل ليشعر ويستنشق رائحة اخرى.. شيئًا لم يدركه قبل هذه اللحظة تحديدًا.. الدفئ الشديد.. هذا كل ما عكسه هذا المنزل بكل تفاصيله كما أنه مُعبأ بنسائم دافئة لم يستنشقها أبدًا سوى هنا!
آتاه صوت ابنته التي حدثته لتقول:
- يُمكنك أن تضع سُترتك هنا..
أشارت له نحو المكان الذي ترى والدتها تُعلق سترتها به فتوجه ليفعل بقليل من الصعوبة لتأتي "فيروز" وابتسمت برسمية وساعدته لتتناول منه السُترة دون أن تلمسه:
- حمد الله على السلامة..
حمحم ثم رد مُعقبًا:
- الله يسلمك..
تبادلا النظرات لوهلة ليشعر هو بالحرية الشديدة أنه بات يراها الآن في مكان آخر غير غرفة الزيارات الباردة بينما هي توجست من حقيقة انه بات الآن في حياة كلتاهما لتحمحم هي ثم وجهت حديثها إلي ابنتهما:
- ما رأيك كامي أن تريه غرفتك.. وغرفة المرسم أيضًا!
تعجب هو، هل تملك هذه الفتاة غرفة للرسم؟ ولم تمر سوى ثانية لتستجيب لها قائلة:
- حسنًا.. هيا بنا..
توجهت امامه ليرمق "فيروز" بنظرات مستفسرة ولكنها لم تستجب لها لتتركه على الفور وتوجهت عائدة إلي المطبخ بينما وجد أنه وحده فاتبع نفس الإتجاه الذي أخذته "كاميليا" منذ قليل وهو يتفقد المزيد من هذا المنزل..
نظرت إليه وهي تتحرك بتلقائية وتشير إلي محتويات غرفتها:
- هذا الفراش.. مكتبي.. دولابي وكل حاجتي..
توجهت لتجذب احدى شهادات التقدير لتناولها له:
- بص..
تفقدها ليجد اسم ابنته ملتحقًا بإسمه ولقبه المُزيفان لتفوقها الدراسي على الجميع وحصولها على المركز الأول ثم أخذت احدى الكؤوس الغير وكذلك ميدالية ذهبية لتناوله اياهم:
- كمان اخدت دول هدية..
ابتسم لها وهو يتفقدها بفخر حاول أن يُظهره على ملامحه فهذا هو التصرف المناسب والمشاعر الذي لابد أن يتظاهر بها في هذا الموقف ثم حدثها قائلًا:
- برافو عليكي.. بس عايزك تفضلي شاطرة كده على طول..
أومأت له في تفهم ثم أخذت منه ما بيده لتعيد كل شيء إلي مكانه ثم اخبرته:
- تعالى اتفرج على الأوضة التانية..
اخبرها وهو يحاول أن يبدو مرحًا:
- فلتريني الطريق آنسة آرون..
نظرت له بأعين مبتسمة ثم قادت الطريق لتفتح باب الغرفة الأخرى ليدخلها ورآى لوحات للرسم، الكرسي الخاص بالجلوس ولكنه يبدو مناسبًا لعُمرها الصغير.. اريكة اخرى وامامها منضدة.. وبعض اللوحات المُعلقة على الجدران ليتعجب بداخله أنها قد ترسم بمثل هذه البراعة في عمرها وتسائل لماذا كل اللوحات تحتوي على رسومات للبيوت والمنازل بأشكال مُختلفة؟..
تفقد المزيد ليجد الكثير من انواع الألوان المُختلفة ثم أخذت تتحرك بتلقائية لتجذب بعض رسوماتها واخبرته:
- تعالى اتفرج عليهم..
توجهت للأريكة لتجلس عليها فتبعها وتفقد تلك الرسومات ليسألها بنبرة غير مُصدقة:
- انتي اللي بترسميهم ولا بتلونيهم؟
تفقدته بجدية ثم همست مجيبة:
- انا.. بس مش حساهم حلوين..
قلبت شفتاها بطيف حُزن وسألته:
- هو انت بتعرف ترسم؟
ضيق عينيه متفحصًا اياها ثم تفقد بقية رسوماتها ليُجيبها:
- كنت بعرف زمان.. بس بقالي كتير مرسمتش..
التفت إليها ليسألها قائلًا:
- هو انتي ليه بترسمي بيوت بس؟
هزت كتفيها بتلقائية لتجيبه:
- بحبها.. ونفسي اعمل بيوت كتيرة شبه اللي برسمهم
همهم لها في تفهم وربت على رأسها:
- انا كمان كنت برسم بيوت.. ولو عايزاني اساعدك هساعدك.. وهعرفك ازاي رسوماتك تبقى حلوة..
اتسعت عينيها في حماس لتهتف به:
- بجد.. هتجيلي ونرسم سوا؟
أومأ إليها لتبتسم له ولكن سُرعان ما تلاشت ابتسامتها لتخبره:
- احيانًا أُعاقب بألا ارسم.. عليك أن تجد طريقة كي تكف والدتي عن فعل هذا!
تنهد ثم قال بهدوء وهو لا يزال يتذكر كل مرة لحت بها عليه بشأن عقابها وكذلك كلمات "فيروز" له التي تكررت بكل مرة آتت له بها في آخر ايام جلوسه في المصحة:
- وماذا لو انتهيتِ عن فعل الأخطـ..
دخلت "فيروز" التي قاطعتهما قائلة:
- لورين بتخبط على الباب.. روحي افتحيلها..
نهضت بخفة ثم توجهت للخارج لتحدثه بجدية بعد أن تناولت نفسًا طويلًا:
- البنات هيجوا يقعدوا هنا واحنا لازم نتكلم في حاجات كتير.. اتفضل نقعد برا..
التفتت وغادرته بينما اتكأ على عكازه لينهض تابعًا اياها وبداخله شعر بأن ما ستقوله لن يبدو جيدًا خاصةً بعة تنفسها بتلك الطريقة التي لا تبشر بالخير!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
الفصل القادم يوم الأربعاء أو الخميس
ستنتهي الرواية قبل شهر رمضان
كل عام وانتم بخير