-->

الفصل السادس والعشرون - جسارة الإنتقام


 - الفصل السادس والعشرون - 

جلس "أدهم" وهو يتسائل في لهفة خوفًا من أن يكون حدث لها شيئًا:

- ايه اللي حصل يا سيرين؟ وايه اللي جابك هنا فجأة؟

 أخبرته مجيبة والحزن يغلف نبرتها:

- الأوتيل هنا بتاع جاسر.. صمم أننا نيجي نبات هنا لغاية ما بيتنا الجديد يخلص!

 أندهش وارجع رأسه للخلف بعفوية ثم تسائل مبتسمًا وكأنه يشعر بإفتقاره للعديد من المعلومات:

- لا ده واضح إن فاتني كتير.. أنسي بقا جو الزعل اللي أنتي فيه ده وكلميني كده بالعقل عشان نطلع من قعدتنا بحاجة" 

قابلت ابتسامته بمرارة لتهمس متسائلة:

- فعلاً فاتك كتير.. فاكر يوم ما جيتلي والحراس طلعوك برا؟

همهم في تفهم واجابها:

- بغض النظر إنك مسألتيش على ابن خالك حبيبك من يومها وأنا هتغاضى عشان العيون الحلوة دي زعلانه بس آه فاكر!

تنهدت ثم تابعت بآسى:

- من غير ما أدخلك في تفاصيل كتير جاسر قالي ننسى كل حاجة ونبدأ من جديد وانه استحالة يسيبني.. قمت قولتله كام كلمة وسيبته ومشيت!

رد معقبًا في سخرية على حديثها:

- آه.. وأنتي هتقوليلي على لسانك؟ زمانك كرهتيه في اليوم اللي اتولد فيه باللي بتسميهم كلمتين دول!

صاحت به في انفعال ودمعت عيناها:

- يووه بقا!! هو ليه كل الناس في صفه؟ ليه محدش حاسس بيا؟! حتى رامز ومراد بقوا زي ما يكونوا اصحابه هو مش أنا.. بس فعلاً أنا غلطانة إني أفتكرتك الإنسان الوحيد اللي ممكن ألجئله وأحكيله كل حاجة!

نظر مبتسماً ابتسامة هادئة ولانت ملامحه كي يشجعها ويحثها على الحديث وقال بهدوء: 

- طيب كملي وأنا أقولك ليه كل الناس في صفه

نظرت له في عتاب وأكملت كلامها:

- روحتله الشركة عشان نمضي كل حاجة وهو اشترط إن لو اتنازلي عن ورثه من باباه هنفضل متجوزين وهنعيش في بيت واحد وأنا وافقت!

تسائل في تعجب رافعاً حاجباه:

- هو فعلاً وافق بسهولة كده؟!

ردت في خشونة واندفاع:

- ما هو ده اللي هيجنني.. 

زفرت في حيرة وهي تتفقده بعسليتيها المترددتان ثم أكملت: 

- وأنا كمان وافقت بس بشروط أنه ميقربش مني وكل واحد يكونله أوضه ليه وهو قال إنه هيعمل اللي أنا عاوزاه، من ساعتها عمال يعمل حاجات غريبة، يقولي بطلي خوف وارجعي سيرين بتاعت زمان، وقالي بالحرف لا جاسر ولا عشرة زيه يقدروا يعملولك حاجة، جابلي تلت أجهزة Electric Shock وقالي ممكن حتى استعمله معاه لو خوفت.. 

وبعدين أنا بردو اتعصبت منه، خلاني البس جاكيت البدلة بتاعته قال ايه عشان محدش يبصلي!! لأ وايه كل شوية يقربلي بسبب ومن غير سبب بقا عامل زي اللزقة! 

نفخت كالأطفال شهيقاً عميق ليكتم "أدهم" ضحكته بينما استطردت هي: 

- والمجنون وداني بيت جديد وعاوزني اختار ديكوره بنفسي، جابني هنا في أوضة لوحدي وجابلي لبس كتير جداً ونمت وصحيت على كابوس..

ابتلعت في صعوبة لتغرورق عيناها بالدموع وتابعت:

- معرفش فتح الأوضة ازاي.. يمكن ماستر بيفتح الأوض كلها وفوقني.. أنا قمت مفزوعة بس.. بس.. هو مشي ومجاش جنبي لما أنا فوقت وبعدين أوضته جانبي سمعت فيها تكسير كتير وبصراحة خوفت وكلمتك

 تنهدت في آسى لينظر لها بملامح هادئة وظل صامتاً حتى شعرت بفيروزيتيه تخترق روحها كما لو كان يبحث بداخلها عن شيء لتزجره بصلابة كما الرجال:

- جرا ايه يا أدهم بتبصلي كده ليه؟

سألها بإبتسامة واثقة:

- أنتي ليه لابسة كده لما جيتي تشوفيني دلوقتي ولما كنت جايلك وجاسر عندك كنتي متشيكة اوي؟!

زفرت لتتهرب من سؤاله وقالت بنبرة حانقة:

- شوف بكلمه في ايه وده بيكلمني على اللبس

صمم على ما يُريد ولم يدعها لتُكمل:

- جاوبي بس سؤالي.. وياريت يكون بصراحة!

أطلقت زفرة مصحوبة بصوت يدل على الغضب ثم اجابته بصلابة:

- عشان أغيظه

سألها مرة أخرى:

- وأنتي عايزة تغظيه ليه.. معلش يعني آسف لو كلامي هيضايقك، بس بعد اللي أتعرضتيله منه هتكرهي انه يبصلك بصة.. ممم.. نقول فيها desire شوية!

 أجابت وهي تتهرب بعيناها منه:

- هو كده عايزة أغيظه وخلاص

همهم في تفهم وتريث لبرهة ثم قال:

- طيب بصي يا سيرين.. أنتي عارفة إني عايش ظول عمري برا، أنا Open minded وهتقبل كل كلامك.. ياريت تكوني صريحة معايا شوية وأعتبريني قريب ليكي

نظرت له والصدق والتوسل ينهمرا من عينيها: 

- ما أنا لو مش معتبراك قريب مكنتش كلمتك

همهم في تفهم وسألها:

- طيب Perfect.. قوليلي بقا عايزة تغيظيه ليه؟

ابتلعت بقليل من الحيرة واجابته بعسليتي طفلة بتردد:

- بصراحة أول ما اتجوزنا فضل يقولي إني مش حلوة ومفياش أنوثة وأنا من ساعتها وأنا بغيظه وبثبتله إني حلوة

هز رأسه وقال متهكمًا:

- زي ما اخدتيني معاكي يوم الفرح.. أي جردل والسلام!

تأففت في ضيق وقالت مسرعة:

- يووه يا أدهم أكيد مقصدش.. بس بصراحة كان نفسي أبقا حلوة في عينيه وأغيظه وأنت معايا

شعرت بمغادرة الكلمات من ثغرها دون إدراك بينما تابع في زهو مازح:

- عشان أنا so handsome قولتي أخليه يغير.. مش كده؟

رمقته في غضب وقالت بخشونة:

- لا بقولك ايه هتتنطط عليا عشان عنيك زرقا يعني هاسيبك وامشي

تسائل في ابتسامة ماكرة:

- ما تبطلي بقا تحوري في الكلام وتتهربي من الإجابة.. كنتي قاصدة انه يغير.. صح ولا لأ؟ 

انفجرت به غاضبة بفظاظة:

- آه.. ايوة كنت عايزاه يتزفت يغير، عشان يعرف إن فيه مليون راجل غيره ممكن يبصلي.. وكان نفسي يشوفني حلوة أوي

تفقدها بجدية واستطرد متسائلًا:

- طب بذمتك بكلامك ده لو بتكرهيه ومش طايقاه هتعملي كل ده؟

 توسعت عيناها بعد أن أدركت ما يقصده ثم تلاحقت أنفاسها في غضب:

- أنا بكرهه.. وهو انسان قذر.. أنا بس كنت عايزة أثبت بيني وبين نفسي إني أقدر على أي حاجة.. وبعدين.. يعني.. 

تلعثمت بالكلمات لتعقد حاجباها في غضب وتابعت:

كده كده كل اللي عملته ده كان قبل ما اللي يحصل يحصل.. متفكرنيش أرجوك

همهم في تفهم وتناول شهيقًا مظولًا ليزفره وهو يقول مبررًا تصرفاتها:

- وهو بعد اللي حصل ما حصل موقفتيش قدامه بفستان يبين جمالك؟ مخلتيهوش يغير لما كلمتيني أنا عشان أجيلك؟ اشمعنى مكلمتيش مراد أو رامز اللي هو واثق مليون في المية أنك شايفاهم أخواتك.. لكن أنا عشان لسه داخل حياتك بتخديني حجة أنه يغير.. 

وبعدين تفتكري لبسك الجاكيت بتاعه ليه وانتي قبلتي تلبسيه بعندك ودماغك الناشفه اللي مفيش حد في الدنيا بيجبرك على حاجة إلا لو كنتي متأكدة كويس إن لبسك Over!! 

ليه وافقتي ترجعي تعيشي معاه وأنا واثق إن مش فارق معاكي ورث باباه، فارق معاكي تحرقي دمه وخلاص.. ليه أنتي أصلاً قاعدة معايا وبتحكيلي دلوقتي إلا إذا كنتي واثقة إن مشاعرك ناحيته مش كره وبس.. أنتي حاسة من ناحيته بمشاعر كتير و...

قاطعت كلماته التي شعرت وبحدتها وكأنها تعصف بضربات قلبها وتزيد من وتيرتها: 

- كفاية بقا كفاية.. مش ذنبي اللي هو عمله، ومش ذنبي إني عايزة أخد حق أبويا اللي سرقته أمه زمان، مش ذنبي إني لمرة واحدة في حياتي كان نفسي أحس إن ست وحلوة في نظر راجل حيوان زيه و..

قاطعها هو الآخر ليوقفها:

- ست وحلوة في نظره هو وبس..

نظرت له بعسليتين تهاوت منهما الدموع ليستطرد:

- سيرين إنتي بتحبي الإنسان ده، لسه حتى بعد اللي حصل باقية على رأيه ويفرق معاكي

 بدأت في النحيب ما إن أخبرها بتلك الكلمات فأردف هو:

- أنا متأكد بكلامك السم اللي قولتيهوله قدامي يوم ما كنا في الشقة وهنتعشى وطريقتك معاه أكيد حصل حاجات زي دي ما بينكم تاني لما روحتي الشركة النهاردة، بس عارفة انتي حكتيلي ايه اول ما جيتلك من شوية؟

توقفت عن النحيب للحظة ثم نظرت له بأعين دامعة في استفسار متسائلة بتحديقها به فأجابها مُكملًا:

- أنتي حكتيلي إنه جابلك بيت جديد، عايزك تكوني مش خايفة وترجعي قوية، إنه جابلك لبس، عايز يحميكي بأي حاجة ومن كل حاجة حتى لو من نفسه.. أنتي بنفسك جاية تدوريله على مبرر معايا، جايباني علشان اقرر بدالك.. 

بتقولي انك هتتجنني إنه وافق بسهولة يتنازلك عن الورث، مبسوطة انه غيران عليكي.. أنتي كلامك كله عنه بيقول انه اتغير وبيعاملك حلو ومستنية مني أقولك لأ بلاش ده هو الراجل اللي بهدلك..

توقف عن الحديث لتتساقط دموعها هذه المرة في صمت تام وشردت بنظرها بعيداً عنه لتحدق بالمنضدة أمامها فأردف هو:

- تعرفي يا سيرين.. أنتي خايفة تتكلمي مع مراد ورامز لأنهم عارفينك وحافظينك اوي أكتر مني بكتير.. أنا مجيش جنب أصحاب بينهم عشرة سنين حاجة، عشان كده خايفة تواجهيهم وبتحاولي تهربي من اللي ممكن يقولهولك.. وفي نفس الوقت هتتجنني من انهم فجأة بقوا بيدعموه وواقفين في صفه! 

ما إن نطق بتلك الكلمات حتى سيطرت عليها شهقات متتالية ودموعاً تساقطت كالشلال من عسليتاها فأكمل بجدية:

- أنا آسف بس أنا مبعرفش أكدب.. أنتي بتهربي من احساسك ليه بالرغم من اللي عمله فيكي وأنا عارف إن كل اللي عمله فيكي يستاهل الحرق عليه، وعمري ما أكون مؤيد لإغتصاب راجل لمراته، عارفة لو كان عمل كده اول جوازكم كنتي فعلاً كرهتيه.. بس أنتي حبتيه من قبل كده، وكمان لسه فيه في قلبك وجواكي حب ليه، بتتلمسيله الأعذار عشان تسامحيه ومستنية اللي يقولك فوقي 

ازداد نحيبها لتحاوط وجهها بكفيها ثم أخبرها بلين بعد أن ربت على كتفها وهمس لها:

- اهدي وبصيلي

لم تمانعه فنظرت له بوجه حمل أثار البكاء فسألها:

- أنتي عايزة ايه؟ حاسة إنه ندمان بجد وبيحاول إنك تسامحيه واتغير فعلًا ولا مش قابلة حاجة زي اللي عملها؟ الموضوع يختلف من واحدة للتانية ودرجة التسامح متفاوتة عند كل إنسان.. القرار قرارك.. انتي قررتي ايه؟

نظرت له لبرهة في قلة حيلة ثم تعالت شهقاتها وصاحت بنحيب:

- أنا مش عارفة.. مش عارفة.. خايفة ومش هاقدر... مش عارفة أنسى.. مش عارفة أسامحه.. حتى لو بحبه، حتى لو بيتغير معايا للأحسن، كل ما.. ما.. كل ما بفتكر! مش قادرة يا أدهم أنسى واسامح!

جفف دموعها بظهر يداه بينما هي ابتلعت في وجل بسيط وشعرت بالتوتر ولكن لم يكن بداخلها ذلك النفور الشديد مثل قبل تجاه الرجال وحدثها بمزيدًا من اللين: 

- ممكن نبطل عياط ونهدى كده عشان نعرف نتكلم؟! فاكرة أول حاجة قولتيهالي ايه لما جيت؟ عايزنا ننسى ونبدأ من جديد!! كان فيه مليون حاجة تبتدي بيها.. ممكن كنتي تقولي اتخانقنا أو أنا خايفة أو اي حاجة تبتدي بيها الحوار معايا غير كلمتك.. أنتي عاوزه كده ولا لأ؟ انتي عايزة تنسي وتسامحي وتبدأي من جديد؟ وهل هو محل ثقة فعلًا؟

قلبت شفتاها وعسليتيها تلتم ببريق عبراتها وهمست في هوان:

- مش عارفة.. أنا مش بكدب عليـ

قاطعها مصدرًا تأتأة وقال:

- مقولتش إنك بتكدبي.. بس هاقولك حاجة.. ايه رأيك تدي الموضوع شوية وقت ونشوف ايه اللي هيحصل؟ االوقت هو اللي يقدر يحدد، ويخليكي تحكمي وبيكشف النوايا والتمثيل وهتقدري تشوفي إذا كان كل اللي بيعمله بجد ولا فترة وهيرجع لكل اللي كان بيعمله..

ابتلعت في تفكير ثم همست في رفض:

- بس يا أدهم..

قاطعها لتنظر له في قلة حيلة: 

- من غير بس.. أنتي لازم تقرري وتعرفي إذا كان الشخص اللي قدامك ندمان بجد ولا لأ.. يستاهل فعلاً إنك تسامحيه ولا مجرد شوية وهيرجع زي ما كان، متسمعيش لقلبك بس، ولا لعقلك.. لازم تدي الاتنين فرصة وقرارك يكون مبني على الاتنين

 تنهدت بآسى ثم جففت عيناها مرة أخرى لتنظر له وقالت:

- اللي عمله فيا مكانش سهل، حتى لو مكانش ذنبه وامه الزفت دي هي السبب بس مش مبرر برضو!

أومأ بتفهم وقال:

- أنا عرفت من رامز ومراد موضوع مامته وانها كانت مفهماه كل حاجة غلط..

زفر في حرقة ليُكمل: 

- هحاول أفهمك وأنا مبحبش أعيد وأزيد كتير بس بنت عمتي اللي ربنا بلاني بيها وأمري لله! 

أخبرها بحنق لتنظر له نظرة نارية بعد أن أستعادت سيطرتها على دموعها وبكاءها وردت بفظاظة:

- ليه مالي إن شاء الله!! إذا كان عاجبك.. أنت تطول أصلاً؟ 

قهقه من كلماتها وعقب ممازحًا:

- بلوة ومصيبة!! ولأ ياختي مطولش..

تريث لبرهة ثم أكمل بجدية: 

- اسمعي بقا الكلام المهم ده.. 

تنهد ثم أراح معصماه على الطاولة أمامهما ليستند بذقنه على كفاه وملامحه بأكملها لا تدل سوى على الإنتباه:

- جاسر راجل ومن طريقته كده اللي لاحظتها المرتين اللي شوفته فيهم واضح إنه مش سهل.. لما بيغير بيغير بجد، وشكله لما بيحب بيحب بجد، من النوع المركز أوي في كل حاجة.. أكيد لما أمه تفضل وراه سنين صبح وليل تقوله راجل أغتصبني متستبعديش إنه يقتله فعلاً.. 

تريث لبرهة لتنظر له بإندهاش فتابع كلماته:

- احنا في بلد شرقي يا سيرين.. وتخيلي لما الأم بنفسها اللي الواحد ميفكرش للحظه إنها تكون كدابة تقوله كده، هيحس إن شرفه اتهان، هيكون بجد بيفكر في قتل الإنسان ده، ولما عمي هشام مات ملقاش غيرك قدامه، حس انه استنى كتير وضيع كتير.. إذا كان فيه ستات بتضحك على اجوازهم وعلى اللي بيحبوهم بشوية تمثيل وعياط واحنا زي الهبل بنسمع كلامهم، ما بالك الأم؟ لأ وكمان موضوع الإغتصاب نفسه حاجة شديدة على أي راجل!

طبعاً فيه تفاصيل معرفهاش ومن غير ما أعرفها إنتي أدرى بيها، عايزك تفكري في كلامي كويس.. عايزك متكونيش أنانية، أحكمي على الموضوع من برا من غير ما تدخلي نفسك فيه مع إن ده صعب جدًا، وركزي في كل حاجة حصلت ما بينكو، وعموماً هتلاقيني جنبك أياً كان قرارك!! بس أهم حاجة تكوني مرتـ..

قاطعهما ذلك الصوت العميق الهادر فجأة: 

- ايه مشبعتوش كلام!! قدامي يا هانم على فوق.. 

نظرت له في دهشة لترى ملامحه تكاد تذيب قلبها بينما هو لاحظ أثار البكاء تكسو وجهها بشدة ولكنها صاحت به بحدة وخشونة:

- أنت مالك وبعديـ..

شدد "أدهم" على نطقه لإسمها محذراً ليوقفها عن الكلام: 

- سيرين!

توقف ونظر له ثم حدثه بلباقة:

- ازيك يا جاسر.. لسه أنا وهي كنا بنتكلم عنك

ابتسم له ليرمقه "جاسر" في تقزز وغضب ليبتسم "أدهم" داخليًا على تلك الغيرة التي يراها بعينيه فاقترب منه ليتعجب الأول لتجرأه هامساً بأذنه: 

- براحة عليها شوية.. بس أياً كان اللي بتعمله بينفع معاها!

لم تحتمل تلك الهمسات وصاحت بغضب متعجبة وهي تنهض في انفعال:

- فيه ايه يا أدهم! 

اجابها بعفوية مُدعيًا أي حُجة منطقية:

- بصراحة كنت عايزه في شغل واهي فرصة.. عموماً أنا يادوب أمشي عشان عندي مشوار مهم بدري جداً.. تصبحوا على خير

 ابتسم لهما وغادرهما لتصرخ هي بعقلها وهي تتوجه دون إكتراث للمصعد وتركت "جاسر" خلفها:

- يا حتة حيوان!! سبتني معاه ومشيت.. نهارك أسود لما أشوفك

تبعها في صمت وما إن دلفت لاحظته خلفها  لتصيح به في غضب بنبرة خشنة:

- وأنت ايه أنت كمان؟ بتراقبني؟ ناقص تعملي حصار؟! أنا قرفت من أسلوبك وطريقتك المـ..

قاطعها وصاح بها لتتقاذف الكلمات من فمه غاضباً:

- لا بقا ده أنتي مش طبيعية.. أنتي عايزة ايه مني؟ مش مكفيكي كل ده؟ عايزاني اسيبك سهرانة مع راجل غريب.. أنا مش قرني يا هانم!! آه أنا غلطت وطلعان عيني ليل نهار عشان أحاول أصلح غلطتي بس أنتي اللي بتعمليه مش طبيعي أبداً!

حاول أن يهدأ من غضبه ولكنه لم يملك سلطانًا عليه ليصرخ من جديد بها:

- عايزة تكلميني بقلة قيمة لوحدنا ماشي.. ضرب وبهدلة واحنا لوحدنا ماشي.. عايزة فلوس أهلي كلها هارميهالك تحت رجلك.. أياً كان اللي بيني وبينك ايه أنا قابله كله، لكن تيجي قدام الناس وتقوليلهم اتفرجوا أنا جوزي نطع وقرطاس لأ يا سيرين!

جذب ذراعها بعنف لتتلألأ عسليتاها بالدموع من ملامحه المخيفة واستطرد في فشل أن يمنع نفسه عن قول المزيد:

- حطيها حلقة في ودانك عشان متشوفيش مني وش تاني ميخطرش على بالك.. تصغريني قدام حد بموتك، أنا خلاص تقريباً خسرت كل حاجة في حياتي، أمي وأختي وأبويا وحتى ابن خالتي بيكرهوني دلوقتي يا خرجوا من حياتي.. 

صدقيني متسبعديش أموتك وأموت نفسي وراكي لو متعدلتيش قدام الناس.. راجل تاني غيري لأ، سميه غيرة عامية ولا سميه زي ما تسميه ميفرقش معايا!! لما تبقي تحبي تشوفي واحد من ألاضيشك أبقي أتزفتي وقوليلي وأنا مش هامنعك.. بس كله بعلمي وبحدود!! أنا سيبتك المرادي وأنا بتفرج عليكم لغاية ما صبري نفذ، عملالي خايفة وبتقرفي وسايباه يحسس عليكي.. ما أنتي لو فكرتي للحظة إنك متجوزة راجل مكنتيش سمحتيله!! إنما لغاية هنا وكفاية!

ترك ذراعها دافعاً اياها بعنف دون أن يشعر بما يفعله من كثرة غضبه ثم توجه لغرفتها لتجده يفتحها بإحدى البطاقات فتبعته بعيناها وصاح بإقتضاب:

- اتفضلي خشي قدامي 

 نظرت له بنصف ابتسامة وملامح باهتة لتقول هامسة بخزي:

- عرفت ليه مش عارفة أثق فيك، عرفت ليه عمري ما هسامحك، فهمت ليه مش مدياك حق إنك جوزي، بعد ما قولتلي هتسيبني براحتي الاقيك فاتح الأوضة عليا وبتـ..

قاطعها بغضب وهو يتحدث بسرعة والكلمات تتقاذف من فمه:

- يا غبية!! أفهمي بقا.. بطلي اندفاع بقى.. متبقيش غبية زي ما كنت في يوم من الأيام!! أنا مش هاستحمل أشوفك بتتأذي تاني، لما سمعت صوتك بتصوتي اتجننت، جبت الـ Access من الـ reception تحت وجريت أفوقك.. 

ارحميني بقا وفتحي عينك.. أنا مش هاقدر أأذيكي تاني، أنا الموت بقا أهونلي من إني أشوف ضعفك بسببي، أنا كنت خايف أقابلك وفضلت تلت شهور بحالهم مرعوب من أول مرة تبصيلي فيها، فضلت أراقبك من بعيد من خوفي عليكي لحد يضايقك أو يجرالك حاجة بالذات لما عرفت إنك بقيتي عايشة لوحدك..

خوفك اللي أنتي فيه ده بسببي، فاهمه يعني ايه؟ يعني هافضل عايش بالذنب ده جوايا لغاية ما أموت، هافضل عايش بذنب مش ذنبي عشان الوحيدة اللي وثقت فيها قرطستني وخلتني عيل قدام الكل! هافضل ندمان لى طول على اللي عملته فيكي من اوي يوم خيانة وبهدلة وفي الاخر مديت ايديا عليكي بسبب أمي اللي وثقت فيها وهي ضربتني في ضهري من غير ما احس! 

 آتى لنهاية حديثه معها وتحدث بإنكسار لتراه بعينه لأول مرة فازدردت لعابها في ارتباك فأشاح بنظره مبتعداً حتى لا يشعر بذلك الضعف أمامها وهمس اليها:

- الـ Access عندك في الباب أهو خديه، بس أوعدك لو سمعتك بتصوتي هاكسر عليكي الباب..

فرغ مما ود أن يقول ثم التفت وتركها ذاهباً لغرفته شاعرًا بالحسرة والندم لتتنهد هي في حيرة وآلم ودخلت موصدة باب الغرفة خلفها وتأكدت أنه لن يفتحه بسهولة!

     

صاحت "نور" في تردد وارتباك:

- مش عارفة.. حساه فيه حاجة غلط.. أنتوا شايفين ايه؟

 وقعت "سيرين" في حيرة شديدة بينما اجابتها "رزان" وحاولت أن تقنعها بكلماتها:

- أنا شايفاه كويس أوي وشكلك زي القمر فيه وتحسيه كده شبهك منه Classy وفي نفس الوقت Stylish

فكرت "سيرين" قليلًا لتضيف:

- مممم.. هي رزان عندها حق، بس حساه خانقك شوية ومش هتعرفي تتحركي فيه.. ايه رأيك لو الـ Top layer تكون Movable..

تحدثت "نور" في ارتباك:

- بجد يا سيرين قولتي اللي معرفتش أقوله، أنا كنت خايفة من كده، بس مبقاش فاضل غير اسبوع وغيرت التصميم كذا مرة

حاولت اقناعها مرة ثانية وكلمتها بهدوء:

- اهدي بس.. أفصلي الجزء اللي تحت خالص ونعمل تحته جزء simple كده تقدري تلبسيه طول الفرح وتتحركي فيه براحتك، والجزء اللي اتفصل نعمله as extension يعني ومش هناخد وقت كتير إن شاء الله

شعرت بالإرتباك يغمرها:

- أنا خايفة أوي، حاسة إني مش هالحق أخلص حاجة ولولا طنط هناء خلصت البيت مكنتش عارفة هاخلص كل ده امتى، والنهاردة خلاص الساعة قربت على واحدة بليل و..

قاطعتها "سيرين" وقالت لتُطمئنها:

- حبيبتي متقلقيش احنا جنبك ومعاكي من الصبح.. أدخلي بس غيري عشان لازم تنامي كويس ونكمل بكرة يا إما مش هتعرفي تكوني مركزة

تثائبت "رزان" وهمست في إرهاق:

- بصراحة أنا كمان عايزة أنام.. ومراد هيعدي عليا بكرة الصبح

عبست ملامح "نور" في ثوانٍ وقالت "سيرين" في نهي:

- لا مراد ايه سيبك منه.. المعاد ده هيتأجل، بعد الفرح ابقوا اقعدوا مع بعض براحتكوا، ليكي عليا يا ستي تلت ايام اجازة بحالهم عشان خاطرك.. عندنا كام رزان يعني..

ابتسمت "رزان" في خجل لتصيح "نور" في استغاثة:

- اجازة وكام رزان وأنا واقفة هنا مزنوقة في الـ Dress والـ Assistant بتاعتي روحت.. واحدة فيكو بقا تقوم تساعـ..

 توقفت "نور" عن الحديث ما إن سمعن طرقاً على الباب وقبل أن تجيب إحداهن دخل "جاسر" ليُصدم بمظهر أخته وظل محدقاً بها وهو لم يصدق حقاً كم تبدو جميلة..

تقابلت أعينهما ليبتسم هو بتلقائية بينما دمعت عيني اخته وهما إلي الآن لم يتحدثا، منذ أكثر من ثلاث أشهر ونصف كل منهما يتجنب الآخر، بالرغم من احتياجهما الشديد لبعضهما البعض لم يدرك كلاً منهما كيف له أن يبدأ الحديث مع الآخر..

أخذ خطوات نحوها لتخرج "رزان" للخارج لتجيب هاتفها بينما راقبتهما "سيرين" في سكوت وتحدث لها بلين وود اخوي ممازحًا بسخف:

- شكلك زي القمر يا جزمة

عانقته هي بدون مقدمات وأجهشت بالبكاء في صدره وتحدثت بلهفة بين بكائها:

- وحشتني.. وحشتني اوي

 جفف عيناها ووجنتيها بإبهاميه و توسعت ابتسامته في عذوبة فرحًا بها:

- وانتي كمان.. وبعدين في عروسة حلوة كده تعيط.. بطلي عشان خاطري

 نظرت له نظرة لوم شديدة وهمست بحزن:

- كنت محتجاك اوي جنبي الأيام اللي فاتت. ليه يا جاسر تفضل بعيد عني كل ده، وحتى لو قولتلك متكلمنيش؛ مش أنا أختك الصغيرة بردو.. أنا بجد مش مصدقة أن اول مرة نفضل منكلمش المدة دي كلها وكمان قبل فرحي

 دمعت عيناها مجدداً ليعانقها رابتًا على ظهرها في حنان لتشعر "سيرين" بالحرج فغادرت غرفة القياس حتى تعطيهما بعض الخصوصية ليبقيا وحدهما.

همس راددًا بآسى:

- غصب عني يا نور، مكنتش قادر أواجه حد.. أنتي بالذات..

تريث لتبتعد قليلاً عنه حتى تستطيع التطلع بوجهه وتابع هو همسه بحسرة:

- أنتي عرفاني وعارفة إني مبحبش أكون ضعيف قدام أي حد مهماً كان، حتى معتز لغاية دلوقتي عمري ما اتكلمت معاه عن سيرين أو اللي حصل من يوم ما راحت المستشفى.. متزعليش مني بس الحِمل تقيل عليا اوي!

لاحظت مدى معاناته للتفوه بتلك الكلمات فحدثته بلين:

- أنا فاهمه وعارفة؛ أنا كنت هاكون أول واحدة جنبك لو بس حاولت تكلمني ولو لمرة واحدة.. يوم ما عرفت الحقيقة أنا كنت مرعوبة إني اتكلم معاك أو أواجهك.. كنت خايفة عليك اوي..

شرد بعيناه حتى يفر من نظراتها وهو يقول:

- خلاص يا نور.. مالوش لازمة الكلام ده!

لامست أسفل ذقنه لترغمه بلطف على أن ينظر لها وسألته:

- جاسر أنت لسه بتحبها أوي مش كده؟

لم يستجب لها وابتعد فارًا من مواجهتها ليجيب بهمس:

- ايوة.. ومن قبل اللي هببته كمان

سمعته لتشعر بغصة في حلقها وتوسلته:

- خليك جنبها يا جاسر.. سيرين شبهك، زي ما تكون حتة منك.. على قد ما هي ناشفة وقوية من برا وأسلوبها صعب بس هي طيبة اوي، أنا كمان حاسة انها بتحبك

ما إن سمعها حتى ابتسم ساخراً ولكنها استطردت:

- أنت الوحيد اللي هتعرف تتعامل معاها؛ وأنت اللي تقدر تخرجها من اللي هي فيه، أنا شايفاها بتحاول تتعامل عادي زي سيرين اللي كلنا كنا نعرفها بس زي ما أنت اتكسرت هي كمان اتكسرت.. حاول معاها كتير ومتيأسش.. أنا متأكدة إن قلبها هيحن في يوم

اخبرها بإقتضاب وهو يشعر ببراكين الآلام التي انفجرت بداخله:

- إن شاء الله يا حبيبتي.. سيبيها لوقتها

 رآت أخته ملامح الشعور بالذنب قد كسته وكأن ما يسير بعروقه حزنًا وندمًا وليس دمًا ليُحدثها مغيرًا لمجرى الكلام:

- يالا غيري عشان اوصلك، الوقت أتأخر أوي

تسائلت بعفوية بعدما تذكرت اتفاقها مع "معتز" وقالت:

- ايه ده هو مش معتز اللي كان هيوصلني؟

ابتسم بسخرية وقال:

- خلاص مبقتيش طايقاني وعايزة دماغ البهيمة ده جنبك.. كلها يومين واخلص منكو!

زجرته بحنق وقالت:

- لو سمحت متقولش عليه كده

توسعت عينيه في دهشة وهز رأسه بإنكار:

- يا سلام!.. خشي ياختي خلصي بلا نيلة!

     

همست في ارتباك وحدثتها قائلة:

- بصراحة أنا حاسة أننا بنتسرع، وملحقناش نعرف بعض..

زفرت بعمق وردت لتقول:

= متقلقيش يا رزان، مش عشان أخويا بس مراد فعلاً إنسان كويس، وهو مش من النوع اللي بيحب يحور كتير، دايماً عارف هو عاوز ايه، علشان كده راح البيت واتقدملك على طول، وبعدين لسه قدامك فرصة تعرفيه كويس في فترة الخطوبة..

تحدثت لها "رزان" بحيرة من جديد:

- أنا مش هاكدب عليكي بس من أول يوم شوفته فيه وأنا حسيت من ناحيته بحاجات كتير، وأحترمته جداً لما جه وأتقدملي على طول ولولا إن الوقت كان ضيق عشان جواز نور ومعتز كان عنده إستعداد إننا نعمل خطوبة بسرعة، بس شايفة إني معرفش عنه حاجات كتير، معرفش حب قبل كده ولا لأ، معرفش حد في حياته غيرك انتي وأحياناً بشوف رامز صاحبه، ومامته شوفتها يوم ما جه اتقدملنا، غير كده معرفش حاجة خالص، غير إني شايفاه مش بيسألني مثلاً عن حاجات المفروض اي اتنين يعرفوها عن بعض 

 ضيقت "سيرين" عسليتاها وهي تتفحصها بعناية وحدثتها: 

- أسأليه.. أنا متأكدة إنه مش هيكدب عليكي، وأنتي لو عايزة بردو تحكيله حاجة احكيها، استني بس فرح معتز يعدي واقعدي معاه قاعدة طويلة كده وطلعيله كل الكلاكيع اللي جواكي

هزت كتفيها بعفوية ودلال فطري وهمست:

- خايفة إني معرفش أتكلم

ردت بثقة مُعقبة:

- لا متخافيش.. جمدي قلبك كده واتكلمي 

تنهدت هي وأخذت تفكر بكلامها التي تراه منطقي للغاية ثم للحظة سألتها بعفوية: 

- أنتي عاملة ايه مع جاسر؟ 

نظرت لها عاقدة حاجبيها ولم تلحظ أياً منهما "جاسر" الذي خرج ليدخن احدى سجائره ريثما تنتهي "نور" من تبديل ملابسها واجابتها بإقتضاب بعدما أنتظرت الكثير من الوقت لتجيب هذا السؤال، فكلتاهما قد أقتربتا وقويت علاقتهما بالفترة الأخيرة ولكنها لم تحدثها عنه من قبل:

- عادي يعني.. زي ما احنا

حمحمت وقالت في ارتباك وقليلًا من الندم:

- بصراحة يا سيرين أنا عارفة إني كنت سخيفة أوي معاكي أول ما شوفتك، وبردو عايزة أقولك إني أنا دايماً كنت معجبة بجاسر، فضلت سنين مستنيه انه ممكن يحس بيا وماما دايماً كانت شايفه انه مش مناسب ليا خالص، وبعدين مش عارفة، حسيت بعد ما اتجوزك انه مجرد انسان عادي بالنسبالي، وبعد ما ابتديت اتكلم معاكي حسيت اننا ممكن نكون اصحاب، متزعليش مني بس أنا كنت فاهمه وشايفة كل حاجة غلط.

أردفت مداعبة بسخرية:

- لا يا ستي مش زعلانة، والله لو كان بيحبك كنت سبتهولك، حلال عليكي متنازلة عنه لأبعد حد!

ابتسمت لها لتضحك "رزان" هي الأخرى وانزعج "جاسر" مما استمع له لتتحدث مُعقبة:

- لا أنا كفاية عليا مراد.. قفلت على كده

غمزت بمزاح وقالت:

- بس عمالة تقوليلي مش عارفاه واتسرعت.. اديكي واقعة أهو

تنهدت وابتسمت في خجل وردت:

- ما هو اللي gentleman بزيادة، بيحسسني كده أنه جي من زمن تاني

غمزت لها مرة اخرى وحدثتها بغزل:

- لا وقلبه رهيف أوي وعليه جوز غمزات يهبل 

غضب "جاسر" مما سمعه لتخجل "رزان" بإبتسامه وسألتها ممازحة:

- هتعاكسيه قدامي ولا ايه؟! 

تصنعت الجدية بعد سؤالها لتنظر لها "سيرين" متعجبة ورفعت احدى حاجبيها لتوقل بخشونة:

- يا هبلة ده أخويا.. وعمري ما أعاكسه ولا ابصله غير انه اخويا، وكمان بقا أقولك شكلكوا لايق على بعض جداً!

نظرت لها بزرقاوتان متسائلتان لتتعجب بإستفسار:

- أنتي شايفة كده؟

 أومأت لها بإيجاب وفجأة التفت الجميع لصوت "نور" الذي سمعوه ثلاثتهم:

- معلش أخرتكوا أوي 

اتجهوا جميعهم لسيارة "جاسر" لتتحدث "نور" بإرتباك:

- أنا خايفة اوي لا ما ألحقش أخلص!

حاولت "رزان" أن تهدئها فقالت:

- متقلقيش كله هيبقى تمام..

سار الجميع في صمت وركبت "سيرين" بالخلف لتترك "نور" تجلس بجانب اخيها ثم أنطلق ليوصلهن!

     

أخرجه صوته العميق من شرودها فجأة:

- لسه منمتيش؟

أومأت له ببرود وإقتضاب فحمحم وهو لا يدري كيف له أن يُحدثها بشيء وهي تتجنبه تلك الأيام الماضية منذ أول ليلة لها بعودتها بجانبه، تعامله ببرود شديد، قلما تتوجه له بالحديث أو تفاتحه بشيء، حتى عندما حاول استفزازها ترمقه بإحتقار ثم تتركه وتغادره، وها كادت أن تفعل ليتحدث قائلًا:

 - على فكرة البيت قرب يخلص ممكن بعد فرح معتز ونور نروح على هناك!

 أومأت له بإقتضاب مرة ثانية ليزدرد في صعوبة وبالفعل نهضت لتغادر الحديقة فناداها مسرعًا:

- سيرين..

توقفت ونظرت له بأعين متسائلة فسرعان ما استطرد:

 - أنا مكنتش عايزك تيجي البيت هنا لولا بس نور حبت اننا كلنا نتجمع ونفضل معاها وساعتها سألتك وقولتي إن عادي تيجي بس مـ..

قاطعته حتى لا يطيل الكلام:

- ما هو فعلاً عادي  

التفتت وأخذت بعض الخطوات لتشعر بمسكته على معصمها فنظرت ليده بتقزز ثم رفعت عسليتاها له واحدى حاجباها ارتفع معبرًا عن اعتراضها ليهمس في توسل:

- لحد امتى هتفضلي تعامليني كده؟ أنا بحاول على قد ما أقدر لكن أنتي مش مدياني فرصة! أنا عارف إنه صعب عليكي تنسي اللي حصل، بس حاولي تقدري إني كنت فاهم غلط، مكنتش أقصد كل ده!

تطلعت ملامحه التي بدا عليها الآلم والإنكسار وعيناه الصادقتان وبالرغم من إرادة قلبها بأن تعطيه تلك الفرصة التي يتحدث عنها وتستجيب لما طلبه ولكن عقلها رفض هذا تماماً.

ابتلعت ونظرت له في آسى ولو وهمست بحرقة:

- لحد امتى هتفضل مصدق نفسك.. أنا بكرهك وعمري ما هاسمحك.. انسى فكرة المظلوم اللي أنت عايش فيها، أياً كان اللي اتقالك عشان يوصلك لكل اللي عملته معايا مش مبرر ومهماً عملت مش هتقدر تغير حاجة..

رمته بتلك الكلمات لترى الآلم يزداد في عينيه ثم لمحت غضبه الشديد وبالرغم من كرهها لرؤيته هكذا بسببها جذبت ذراعها في عنف وتركته وصعدت لأعلى.

#يُتبع . . .