الفصل السابع والعشرون - جسارة الإنتقام
- الفصل السابع والعشرون -
مر الأسبوع سريعًا في التحضيرات للعرس وسرعان ما وصلوا لليوم المقرر للحفل ليتأنق الجميع استعداداً لحضور زفاف "نور" و "معتز" وبأكملهم يشعرون بالسعادة من اجلهم!
لم يكن أيًا منهما يفكر بفرح ضخم أو مبالغ فيه خاصة بعد الظروف التي مرت عليهم مؤخراً، ولكن "جاسر" صمم ألا يمر زفافهم دون احتفال يليق بكلاً منهما، فبالنهاية من سيتزوج هي أخته الوحيدة وابن خالته وبعد تفكير كثير كان لابد أن يفاجئ الجميع بقراره هذا لأنه يعلم مدى عناد أخته وبالطبع "معتز" برأسه البهيمية سيوافقها على كل شيء.
التفت بعد أن سمع خطواتها ليراها لأول مرة تبدو كالملائكة، لأول مرة يراها متأنقة ولكن دون أن تُثار غيرته العمياء، كم كان كل ما ارتدته بسيطاً، ذلك الفستان بلون الشمبانيا الذي غطا كل أنملة بجسدها ليهبط على الأرض يداعبها خلفها بعد أن انساب على تفاصيل جسدها دون مبلاغة بالإلتصاق ولكن في نفس الوقت لم يتسع كثيراً عن قوامها الذي تمنى أن يحتضنه بكل لحظه عندما تقع فيروزيتاه عليهما، شعرها الذي أجمعته على أحدى كتفيها في أنوثة ذهب بعقله بعيداً، ذلك الظل الذي أحاط عسليتاها ليبرزهما أكثر، وتلك الشفتان المرسومتان باللون الوردي اللامع صعب عليه الأمر وتطلب كل ذرة تحكم في نفسه ألا يذهب ويقبلها.
ابتلع مُحدثاً جلبة في عنقه بتحرك ذلك البروز بها ليحاول السيطرة على نفسه ثم همس لها:
شكلك حلو أوي..
كعادتها التي دمرته بتلك الأيام القليلة المنصرمة أكملت لعبة الجمود خاصتها ولم تنظر له وكأنها لم تسمعه من الأساس ثم سارت ليذهب خلفها في هدوء وانتظر كلاهما أمام المصعد ليدلفا في صمت ويتوجها للطابق الذي يُعقد به حفل زفاف أخته.
حمحم ثم ناداها متوسلًا:
- سيرين!!.. النهاردة فرح نور أختي.. أنا مبقاش ليا حد من أهلي غيرها
تريث لبرهة ثم نظر لها نظرة ذات معنى أمتلئت بالآلم والتوسل الشديدان وترجاها قائلًا:
- أرجوكي لو ممكن ترضي إني أطلب منك حاجة، بلاش تعامليني ببرود قدام الناس على الأقل لغاية ما الفرح يخلص، نور هتتبسط أوي لو حست اننا كويسين، لو هي تفرق معاكي في حاجة يا ريت تعدي الليلادي من غير مشاكل
أخبرها ليحدق بعسليتاها لتتفحصه لثانيتان ثم أشاحت بنظرها بعيداً لتومأ له بالموافقة ولكن ببرود ليهمس بإمتنان:
- شكراً يا سيرين
أدركت نبرة الامتنان في صوته لتطلق هي تنهيدة وفكرت كم أختلف كثيرًا معها وكم أصبح ليناً وهادئاً لا يُجبرها على فعل شيء، لقد تغير هي تستطيع الشعور بهذا ولكن لا يزال هناك ذلك الصوت بداخلها يزجرها ألا تتهاون معه بعد كل ما فعله بها.
صاحت "نور" في توتر شديد للمرة الآلف:
- لا يا رزان، حاسة إن شكلي فيه حاجة غلط، فيه حاجة في الـ Make up مش مظبوطة
بدأت "رزان" في الغضب فقد حاولت اقناعها أكثر من مرة أنها تبدو رائعة ولكنها حاولت أن تطمئنها من جديد علها تنتهي:
- والله العظيم كله تمام ولو مش مصدقـ..
قاطع كلماتها طرقات على الباب لتدلف "سيرين" فاستغاثت قائلة:
- اهي يا ستي سيرين جت.. أسأليها لو مش واثقة في رأيي"
توجهت لتجلس على احدى الكراسي بغرفة الفندق لتفسح للأخرى المجال وكأنها تستنجد بها من تلك المعركة وكادت "نور" أن تتحدث لتوقفها "سيرين" بإبتسامة وقالت:
- زي القمر.. بجد شكلك حلو اوي.. يا بخت معتز يا عم
غمزت لها ممازحة وثغرها يعلوه الإبتسامة لتتسائل فيروزيتيها ونطقت بتعجب وارتباك:
- يعني بجد شكلي حلو؟
ابتسمت لها ثم حاولت أن تمتص توترها:
- تقريباً يعني أحلى عروسة شوفتها في حياتي.. بس قوليلي بقا، أول مرة ألبس الاستايل ده، أنا واثقة إنه حلو طبعاً عشان أنتي اللي عاملاه، بس إيه رأيك؟
تفقدتها بأعينها الخبيرة في التصميمات واجابتها:
- حلو أوي يا سيرين بجد ومش مجاملة والله
همهمت ثم سألتها في محاولة أن تُنسيها امر مظهرها:
- طب والـ make up؟ أصل أنا اللي عملته لنفسي
صاحت في دهشة لتتوسع تلك الزرقاوتان:
- بتهزري!! بجد ولا أحلى make up artist يا بنتي.. طلعتي فنانة بقا واحنا مش عارفين
غمزت لها ثانية وحدثتها متسائلة:
- الرك على اللي علمني بقا.. هنعجب يعني؟
ضيقت عيناها بنظرة متلهفة لفهم المقصود من سؤالها:
- قوليلي بس عايزة تعجبي مين؟
رفعت احدى حاجباها واجابت بمضض مصطنع:
- هو فيه غيره.. عمومًا كده كده أنا عارفة ومتأكدة إني عاجباه
تحدثت في ثقة لازعة لتنظر لها "نور" في تعجب واستطردت:
- آه لو شوفتيه وهو هيآكلني بعنيه.. بس يالا أما ترجعي بقا هبقى احكيلك كل حاجة وياريت نفتحله الباب لحسن زمانه هيطلع دخان من ودانه
قررت أن تمازحها بالأمر وتدفعها لتصديق انها باتت تتقبله قليلًا فقالت:
- أنا بجد مشوفتش اتنين كده ولا هاشوف.. شوية مش طايقاه وشوية عايزة الفستان يعجبه!! يالا يا مجنونة
ضحك الثلاث فتيات لتسمعن طرقات الباب فصاحت "نور" بالسماح:
- ادخل
نظر لها "جاسر" في حب وفيروزيتان دامعتان لتدمع عيناها التي تماثل عيناه هي الأخرى ليذهب نحوها ويُقبل جبينها قبلة طويلة في ود وحنان بالغ وهمس بلوم:
- خلاص يا جزمة مش هنبات في بيت واحد تاني؟
نظرت له في حزن وتساقطت دموعها وهمست له:
- هجيلك.. مش هتروح مني في حتة يا جسور
أخبرها وهو يقبل جبينها مرة أخرى:
- طيب متعيطيش بقا عشان الوش الجميل ده مينفعش الناس تشوفه إلا وهو بيضحك ومبسوط
ساعدتها "سيرين" على تجفيف دموعها بأحدى المحارم الورقية ثم ابتعدت ليتحدث "جاسر" ثانية"
- جاهزة؟
أومأت له ليسدل الوشاح الملحق بالفستان فوق وجهها الملائكي وقدم ساعده لها فتأبطته وخرجا سوياً مغادران لتتبعهما كلاً من "رزان" و "سيرين" إلي الخارج ليبدأ الحفل ومراسم الزواج.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صرخت في سعادة لتعانق صديقتها التي أشتاقت إليها كثيراً:
- بجد أحلى مفاجأة حصلتلي النهاردة.. بسطتيني أوي يا أميرة، كان نفسي تيجي أوي وزعلت لما قولتيلي انك مش هينفع تسيبي الشغل وتسافري
افترقا لتنظر لها في عتاب وتابعت:
- بتحوري عليا!! ماشي.. والله ما هعديهالك
اجابتها بإبتسامة سعيدة:
- حبيت أعملك مفاجأة وعموماً أنا أصلاً كنت بستقيل وهرجع مصر على طول
توسعت عيني "نور" في دهشة وصاحت بتساؤل مذهولة:
- بجد؟! لا بقا أنا مش هسافر وقعدالك، وحشتيني اوي ومش مهم نأجل السفر
عقدت "أميرة" حاجباها في تعجب لينظر "معتز" لهما في دهشة وهمست بأذنها:
- أنتي عبيطة عشان متسافريش مع جوزك هوني مون؟ لا أنتي مش طبيعية، أنا هاروح الحمام وأرجعلك لحسن واضح معتز هياكلنا بعينه
توجهت على الفور وابتلعت "نور" ريقها لإدراكها ما صاحت به منذ قليل ليهمس متهكمًا:
- عايزة تسبيني عشان صاحبتك؟! ده أحنا لسه مكملناش ساعة جواز! هايل الكلام ده!
تنهدت وقالت معتذرة:
- يووه بقا يا معتز.. كانت وحشاني اوي وقولت كده من المفاجأة.. عارف بقالي ست سنين مشوفتهاش
سألها ساخرًا:
- طب ومعتز اللي بيحبك بقاله سنين من وأنتي عيلة!! هان عليكي تسيبيه كده في ثانية؟
أومأت بالإنكار وقالت:
- أكيد طبعاً مهانش بسـ..
قاطعها متلهفًا:
- يعني مفيش تأجيل سفر؟
أومأت له بالإنكار ليجذب خصرها طابعاً قبلة على جبينها ثم نظر لعيناها بعشق وهمس لها:
- يعني طلعتي بتحبيني اهو.. وأنا اللي كنت فاكر إنك وخداني اي جوازة والسلام!
نظرت له بإستغراب من كلماته ولنبرته الممازحة وقالت:
- أكيد بحبك طبعاً أمال ليه وافقـ..
قاطعها في لهفة وكأنما وجد كنزًا لم يحصل عليه سواه:
- لا أسمعها بقا مرة تانية ولوحدها كده مش في وسط الكلام عشان أنا طلعت عيني سنين وأنا مستني أسمع الكلمة دي
ابتسمت هي في خجل وهمست في حرج:
- معتز ما هـ..
قاطعها مُحذرًا:
- قوليها تاني بدل ما أشيلك في ايديا وأخرج بيكي قدامهم
تأففت هي ولكن نظرة فيروزيتاه المسلطتان عليها لا تعطياها مجال للتهرب فهمست على مضض:
- بحبك.. ارتحت كده؟
أومأ لها بالموافقة ثم أمسك بيدها ليقول:
- بكرة تطلع بنفس.. وراكي والزمن طويل
نظرت له في حنق لتلتفت على ذلك الصوت الذي لم تكن تتوقع أنها ستستمع له ولأول مرة وجدت "جاسر" يغني أمام الجميع:
أخذ يغني وهو يعزف بالبيانو والجميع يطالعه في دهشة واستمتاع واضحان ولكنه لم يكترث أن تلك هي المرة الأولى التي يغني بها أمام أنظار الجميع..
عيناه كانتا مسلتطان عليها وحدها دون الآخرين، ود لو أنها تستمع حقاً لما يقوله وتصدقه، يُدرك أن القدر تدخل بكل علاقتهما معاً ولكن ربما آن الآوان لتغير كل ما حدث بينهما.
لم تبادله أياً من الأنظار لتذهب خلفه بينما هو قد قرر مسبقاً أنه سيغني بعضاً من كلمات تلك الأغنية فقط لتلائم المناسبة فقرر أن يُركز بتلك الكلمات وأغمض عيناه وكاد أن يشرع مجدداً بالتغني بالجزء القادم لتتوسع عيناه دهشة مما وقع على مسامعه.
أتظن أنه سهلاً؟
أتظن أنني لا أريد أن أجري لك؟
لكن هناك جبال..
وهناك أبواب لا نستطيع العبور خلالها،
أعلم أنك تتسائل لماذا؟
لاننا قادران أن نكن
فقط، أنا وأنت
بداخل تلك الجدران
ولكن عندما نذهب للخارج
ستستيقظ لترى أنه كان ميئوسًا بعد كل شيء
لا يستطيع أحد تغير الأقدار
كيف يمكنك أن تقول أنك ستكون لي؟
كل شيء يفرقنا
ولست أنا من قُدر لك إيجادها
الأمر ليس بيدك،
وليس بيدي..
عندما يخبرنا الجميع بما يمكن نكونه
كيف يمكن أن نغير الأقدار؟
قائلاً، أن العالم سيصبح ملكنا
الليلة..
هنا لم يستطع التوقف عن الإبتسام والنظر لها بعد أن أقتربت منه لتنظر له وكأنهما بأحسن حال، لم يرد لتلك اللحظة أن تندثر، ولأول مرة يشعر بمدى التناغم والتشابه بينهما، ابتسامتها وصوتها الساحر الذي لم يتخيل أنه يبدو بتلك العذوبة، لا يكترث إلا لتلك اللحظة التي جمعتهما فشرع بالغناء معها
كل ما أريده هو التحليق معك
كل ما أريده هو أن أقع معك
لذا، فقط أعطيني كلك
إنه شعور مستحيل
(ليس مستحيلاً)
هل هذا مستحيل؟
قل هذا ممكن
كيف نغير الأقدار؟
افتراضاً، أنك قُدرت لي؟!
لا شيء يستطيع أن يُفرقنا
لأنك الإنسان الذي قُدر لي إيجاده
الأمر بيدك،
وبيدي،
لا أحد يمكنه قول ما سنكون عليه
ولماذا لا نغير القدر؟
نغير العالم ليكون ملكنا
توقفا عن الغناء ليصفق الجميع تحت ابتسامتهم السعيدة بتلك الأغنية الرائعة لتزيف "سيرين" ابتسامتها أمام الجميع وابتعدت لتناول أحدهم مكبر الصوت الذي كانت تستخدمه للتو وبعقلها بقية تلك الأغنية التي تعلم نهايتها جيداً ليهمس هو ببقيتها دون أن يلاحظ أحد..
تعلم أنني أريدك
إنه ليس سراً أحاول إخباءه
ولكن لا يمكنني الحصول عليك
لابد لنا من الإنكسار، ويداي مقيدتان..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صاحت "سيرين" بعد أن عانقته بخشونة:
- وحشتني يا عم.. خلاص مبقاش وراك حاجة غير الشغل وسايبلي مراد؟
اجابها بنبرة معتذرة:
- حقك عليا معلش، بس يادوب من عند جاسر للشركة لنيرة مش بلاقي وقت..
عانقت "نيرة" لتبادلها بود:
- وأنتي كمان وحشتيني.. مش رامز بس
نظرت لها "سيرين" بحماس ومن ثم إلي الجميع وتحدثت في حماس:
- ما تيجو نظبط يوم نسهر فيه زي زمان... وحشتتي القاعدة سوا اوي، أو نقضي اليوم كله عند حد فينا ايه رأيكم؟
عقب "رامز" بغزل جريء:
- أنا معنديش مانع.. بس هجيلكو بالمزة دي
نظرت له "نيرة" بحنق بذكرها هكذا أمام أعين الجميع بينما عقب "مراد" وقال:
- وأنا كمان موافق
التفتت نحو "رزان" لتخبرها:
- وأتتي كمان يا رزان تعالي مع مراد
أومأت بالموافقة لتردد:
- أوك.. اتفقنا
للحظة وقفت "أميرة" بجانبها ممتثلة الصمت فهي لا تعرف أياً منهم غير "رزان" وذلك لقرابتها بـ "نور" صديقتها وعادت من جديد "سيرين" لتتحدث إلي "ادهم" الذي حضر لتوه وتوجهت بالقرب منه لتصافحه في تساؤل:
- ايه يا ابني مجيتش ليه من الصبح؟ دايماً متأخر كده؟
أعتذر منها قائلا:
- كان ورايا كام حاجة خلصتها بسرعة وجيت على طول.. متزعليش بس غصب عني
سلم على الجميع ليلاحظ تلك الفتاة الواقفة بجانب "رزان" ولم يميزها فقدم يده إليه ليصافحها مقدمًا نفسه:
- أدهم الإبياري
ابتسمت له بإقتضاب وصافحته بحدود وقالت بإقتضاب:
- أميرة
غادرت دون حديث ليتعجب لفعلتها عاقداً حاجباه ثم توجه نحو "سيرين" وحدثها بصوت خافت:
- ما تيجي كده نتمشى شوية بدل الدوشة دي
أومأت بالموافقة وقالت:
- يالا بينا
سارا سوياً لتتبعهما تلك الفيروزيتان الناريتان المشتعلتان غيرة وغضباً ولكن بالرغم من شعوره الحانق إلا أن هناك جزءاً سعيداً بداخله منذ بداية تلك الأمسية، لاحظ تغيرها وطريقة معاملتها بدأت لتعود طبيعية وتلقائية، ولكن يبقى هو الشخص الوحيد الذي لا تتوقف عن معاملته ببرود ولا زالت تتجنبه.
سألها "أدهم" بينما وضع يداه بجيبي بنطاله"
- ها.. ايه أخبارك أنتي وجاسر؟
مطت هي شفتاها وتنهدت في حيرة ثم اجابته:
- أنا بقيت باردة معاه، تقريباً بكلمه بالعافية، والنهاردة بس بمشي الدنيا عشان قدام الناس مش أكتر
سألها وهو يتفحصها بعناية:
- طيب وبعدين قررتي ايه؟
هزت كتفيها بعفوية وهمست بحيرة وصوت متردد:
- مش عارفة أقرر، هو لغاية دلوقتي بيعاملني كويس والمفروض إنه قال بعد الفرح هنروح على البيت الجديد.. بس زي ما تقول كده أنا لسه مش عارفة أحكم على كل اللي بعمله، ولغاية دلوقتي قلبي مش راضي يسامح!
همهم متفهمًا ثم سألها مجددًا:
- مش واثقة فيه يعني ولسه عايزة تشوفي لما تكونوا لوحدكم؟!
همهمت ونظرت له بجدية:
- أنا خلاص مبقتش بثق في حد
تحولت نظرتها للحزن والإنكسار فأخبرها بهدوء:
- شوفي يا سيرين، طول ما أنتي بتجبري نفسك على كده هتفضلي تعاني من المشكلة دي قدام، لكن أنا شايف إن كل اللي حواليكي بيحبك وبيحاولوا يرضوكي بأي طريقة وكلهم عاوزين يطمنوا عليكي.. حتى جاسر
نظرت له في حنق عاقدة حاجبيها وصاحت به:
- يا سلام!! قال جاسر قال.. قول كلام غير ده عشان أنت عارف كل اللي عمله من يوم ما عرفته مكانش سهل..
ابتسمت بتهكم في نهاية كلماتها وهي تخبره بمنتهى التحفز تلك الكلمات ولكنه قاطعها قائلًا:
- بصي يا بنت عمتي يا عنادية أنتي.. قولتلك أخرجي برا الموضوع وبصي بعنيكي وبعدين أحكمي
زفر في حنق ثم أردف:
- هو رامز لما بيتعصب بيبقا عامل ازاي؟
اجابته متعجبة بتساؤل:
- وايه جاب رامز لكلامنا؟
زفر بإرهاق وقال:
- جاوبيني بس وأنا افهمك
اجابته في نفاذ صبر وهي لا تعلم ما المغذى من كل ذلك:
- مبيبقاش شايف قدامه وممكن يبهدل أي حد ومبيتحكمش في نفسه
تنهد في راحة وفسر كلماتهما:
- ومن غير ما جاسر يعمل اللي عمله، استفزتيه كام مرة؟ كام مرة عصبتيه؟ أنتي مش قادرة تحسي براجل قلبه محروق على أمه وفي نفس الوقت قلبه غصب عنه حس بيكي، كان عامل زي ما يكون كل واحد بيشده من ناحية ومش..
قاطعته صارخة وقد شارفت عيناها على البكاء:
- ما كفاية بقا، بتدافع عنه كده، وأنا محدش حس بيا! أنا مبهدلنيش بكل اللي عمله من أول يوم جواز لينا لغاية دلوقتي؟
لاحظها "جاسر" من على مسافة ثم لاحظ غضب "أدهم" هو الآخر الذي تابع حديثه:
- وأنتي من أول يوم جواز زي ما بتقولي، كنتي هادية معاه ولا استفزتيه وطلعتي عينه
رفعت حاجبيها في اندهاش لسلبيته وصاحت به:
- يا سلام وهو يعني اللي كان بيطبطب عليا!! ما تسمع نفسك يا أدهم وشوف بتقول ايه
تأفف ثم حدثها بوهن:
- اللي هقوله إن جاسر بيحبك زينا كلنا، وندمان ومش مسامح نفسه، وأنا شايف إن من حقه فرصة.. وانتي حرة في الأول وفي الآخر يا تكملي يا تبعدي
رفعت حاجبًا آبيًا لتلك الكلمات ثم قالت في غيظ:
- أقولك حاجة! روح إتجوزه أنت..
رمته بتلك الكلمات لترى ملامح الإندهاش أعتلت وجهه ثم تركته لتعود لأصدقائها لكن قبضة على ذراعها أوقفتها فالتفتت لترى "جاسر" الذي هتف متسائلًا في اهتمام:
- أنتي بتتخانقي مع أدهم ليه؟!
تفحصها بعناية بأعين امتلئت بالقلق والخوف ولكنها رمقته ببرود ثم أفلتت قبضته بهدوء كي لا يلاحظهما أحد وأكملت طريقها دون أن تجيبه.
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صاحت "هويدا" وهي تتحدث بهاتفها منفعلة وغير مصدقة ما وصل إليها من اخبار شتى:
- مين اللي بتتجوز؟! يعني نور بنتي بتتجوز معتز؟!
اجابها بإقتضاب:
- ايوة يا هانم..
اشتعلت غضبًا ثم صرخت به:
- وأنت كنت فين؟! أنا غلطانة إني معتمدة على واحد زيك، أنا هاديك حسابك ومتكلمنيش تاني..
لم تعطه الفرصة لقول شيء لتوصد المكالمة مسرعة وكادت أن تحترق من كثرة الغضب ليصيح عقلها:
- خلاص كده بقيت ولا حاجة في حياتكوا!! حتة البت الصغيرة رايحة تتجوز من غير ما ترجعلي، لأ ومين معتز كمان!!
تخبطت أسنانها غضباً لتتحدث إلي نفسها:
- أنا هوريكوا، هوري كل واحد فيكوا، إما رجعت جاسر ابني تحت رجلي تاني يبقى أنا مبفهمش حاجة، وهعرف ازاي أحرق قلب شوية عيال بيعملوا اللي على مزاجهم!
تمتم عقلها مفكراً لتبتسم بتهكم ثم تمتمت:
- عشان كده مكنتش بتروح الشركة يا جاسر ومعرفتش أعمل اللي أنا عاوزاه!! حلو أوي!! عامل فيها كبير من غيري وبتجوز نور!! ماشي.. أنا بقا هعرفك إنك مهما كبرت هتفضل ابني الصغير اللي ميعرفش يعمل حاجة من غيري
ابتسمت بعد أن توصلت لخطة جديدة لتمسك بهاتفها مرة أخرى واتصلت برقم آخر:
- بص بقا اللي أنت جبتهولي ده حمار ولا يفهم حاجة، أنا عايزة اللي يجيبلي من الآخر، والموضوع ده هديك فيه خمس أضعاف اللي كنت بدفعه لحتة الواد الأولاني.. بس توعدني إن اللي هقولهولك يتنفذ بالحرف، ازاي بقا دي بتاعتك أنت!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
رمقها لثانية بينما أعاد نظره للطريق ولأول مرة يشعر بأنه يريد أن يحقق لها كل ما تمنته يومًا واكتشف أنه بالكاد يعلم شيئًا عنها فسألها بنبرة هادئة:
- هو احنا لو كنا اتجوزنا في ظروف أحسن، كنتي هتعملي فرح؟
سمع صوت نفسها الذي زُفر في سأم واجابته بإقتضاب:
- مفكرتش في الموضوع ده
انزعج هو قليلاً من استمرار برودها اللاذع معه ولكنه تغاضى سريعًا فخطأه لم يكن هينًا وغير مجرى الحديث فسألها:
- مش ناوية تقوليلي كنتي بتكلمي أدهم في ايه؟
اجابته بهدوء مبالغ فيه:
- لو سمحت بطل تدخل في خصوصياتي ومش من حقك تعرف عني حاجة
سحق هو أسنانه وكأنها تُصمم على إغضابه بأي شكل، فأكمل القيادة في صمت حتى وصلا بيتهما الجديد وما إن توقف بسيارته حتى غادرت مسرعة وتوجهت للداخل ليلحقها مسرعًا هو الآخر..
هتف مناديًا كي يوقفها:
- سيرين استني
توقفت ثم استدارت لتواجهه على مضض وقالت:
- افندم!
ظل ناظرًا لها في توسل ولهفة شديدة ثم همس بحرقة ومشقة:
- أنتي ليه مصممه على إننا نفضل كده، أرجوكي كفاية واديني فرصة، فرصة واحدة بس.. صدقيني أنا أتغيرت، مبقتش جاسر اللي عرفتيه زمان، أنا بحاول بكل طاقتي وأنتي بردو مش عايزة محاولة واحدة بس تنجح، كأنك بتسدي كل الأبواب في وشي
تريث لبرهة وهو يبحث بعسليتاها عن ردة فعل لكلماته ولكنه وجد الفراغ المطلق وكأنها توقفت عن الشعور، هو حتى لم ير ذلك الغضب الذي واجهت به "أدهم" ولا جسارتها المعتادة معه فابتلع وأكمل لربما تستجيب:
- أنا عارف إني غلطت، بس سيبيني أحاول، بلاش برود وعصبية معايا، كل اللي طالبه منك إنك تقبليني بس من غير ما توقفيني بتصرفاتك، عامليني زي ما بقيتي بتعاملي أصحابك أو أدهم أو نور، عامليني طبيعي من غير ما تبصيلي نفس البصة اللي كنتي شايفاني بيها قبل كده!
توقف عن الكلام علها توافق لتسأله بكبرياء وبرود:
- خلصت كلامك؟
أومأ لها في ارتباك لتحدثه بجدية لم تتخل عن التهكم:
- اديك فرصة لإيه؟! إنك تعيد حاجة تانية من اللي عملته فيا زمان؟ استحالة أغير فكرتي ونظرتي ليك، تعرف ليه؟ لإنك عمرك ما ادتني سبب واحد ولو حتى صغير إني انسى واعدي واسامح!!
من يوم ما اتجوزنا ومن قبلها كمان عمرك ما عاملتني كويس، واللي أنت عملته مش بس إنك عاشرتني بالإجبار وبمنتهى القسوة وكان إنتقامك وحق أمك زي ما بتسميه، لأ، أنت من أول كام دقيقة مديت ايدك عليا وبهدلتني وجبت ستات قدام عينيا وهزئتني وحاجة في منتهى الإهانة، وأنا كمان مكنتش سهلة!
ليك الحق في ده، بس افتكر إن كل كلامي وأفعالي ليك رد فعل مش فعل، وإذا كان أنا ليا رصيد عندك بإنك ظلمتني وغلطت فيا كتير.. فأنت مفيش ليك أي رصيد عندي يا جاسر.. أقفل الموضوع وكفاية محاولات مش هتقدم ولا تأخر..
اللي حصل بيني وبينك قفل قلبي من ناحيتك خلاص، وبالذات آخر حاجة حصلت، حولتني لإنسانة شكاكة ومهزوزة ولولا ناس كتير وقفت جنبي كان زماني اتجننت ولا اتحولت لمريضة نفسية.. مكنتش أبداً أحب اللي أتجوزه وابقا على ذمته ينزل من نظري كراجل، بس أنا للأسف مش بشوفك غير حاجة مقززة خايفة أقرب منها لا أتوسخ!
بكررهالك تاني، أنت مبقاش ليك عندي ولا أي حاجة وكل ما تعمل حاجة تفتكر وأنت بتعملها انها كويسة وهتعوضني عن اللي عملته فيا أفتكر كويس كل تفاصيل ليلة ما اتهجمت عليا!
ابتسمت في حزن متهكمة واغرورقت عيناها بالدموع ثم تابعت بآلم:
- ولا أقولك، أفتكر كام حاجة كده صغيرة، أفتكر إنك ماكنتش فاكرني شريفة، أفتكر إنك غلطت في أبويا الراجل المحترم اللي راحت مراته عشان واحدة حقيرة مش محترمة راحت بكل قلة ادب وسفالة عرضت نفسها عليه وهو حافظ على شرف مرات صاحبه فجيت أنت كافئته باللي عملته مع بنته، افتكر انك قولتيلي أنك بتغتصبني على سريره، ويوم ما مات..
تساقطت دموعها رغماً عنها ولم تكترث بملامحه أمامها حيث حالت عبراتها المحتقنة بعينيها بينهما وتابعت بمرارة:
- ايه اتفاجئت؟ أول مرة تسمع التفاصيل مني مش كده؟ أحب أعرفك إنك كنت واعية وسمعت كل كلامك، حسيت بكل حاجة وسمعت كل كلمة ممكن تكره اي ست في اي راجل حتى لو كان بيحبها من سنين.. أنا فاكرة كلمة عمالة ترن في وداني..
قولتلي ساعتها إنك هتخلص كل حاجة دلوقتي، فعلاً كل حاجة خلصت ساعتها.. مبقاش فيه حاجة تانية نتكلم فيها! كل حاجة حصلت واي حاجة كانت ممكن تحصل، ماتت ما بينا للأبد
التفتت ولأول مرة لم تشعر بالضعف لتساقط دموعها أمامه وبنفس الوقت لأول مرة تواجهه مثل هذه المواجهة وغادرت للأعلى دون اكتراث لملامحه التي هشمت قلبها هي الأخرى.
#يُتبع . . .