-->

الحلقة الثانية - زوجتكم نفسي

 


الحلقة الثانية زوجتكم نفسي



زواج الفتاة كالانتقال من وطنٍ لآخر فحين تختاري اختاري وطناً يليق بكِ


آيه همام


°°~°°~°°


اغلقت "هَنا" الكتاب الذي أمامها و خلعت عويناتها تفرك كلتا عينيها الصغيرتين الخضراوين بيديها ثم خرجت من غرفتها و هي تتثأب فقابلت والدها الذي يجلس في الشرفة التي تقابل غرفتها فوقفت أمامه و تنفست نفسا عميقا ثم قالت بضحكة سعيدة و هي تعض علي شفتها السفلي :


- بابا.. انا خلصت الكتاب


ترك والدها السيد"خالد" الكتاب الذي يمسكه و خلع عويناته و قال بحزن مصطنع تحول لنبرة مستفَزة :


- يا لئيمة.. بقي كدة خلتيني خسرت.. طب علي فكرة بقي انا لولا الشغل اللي جالي و كان مستعجل كنت كسبتك زي كل مرة


فضحكت"هَنا" ثم جلست علي يد مقعد والدها و قالت بخبث :


-يلا بقي ايدك علي الميه جنيه


فتصنع والدها النسيان و قال :


- ميه جنيه بتوع ايه؟ 


- بتوع الكتاب الجديد 


فربت علي قدمها بحنان و قال بتهكم :


- لا يا حبيبتي الكتاب انا اللي هشتريه احنا متفقين علي كدة.. ولا عايزة تقلبي باقي الميه في جيبك 


- يا بابا ده هما أربعين جنيه بريئة 


- بردو لا احنا متفقين إن انا اللي اختارلك الكتاب الجديد 


فمطت شفتيها بمسكنة و اصطنعت الحزن :


- خلاص ماشي.. انا ليه حظي كدة يا دنيا بس 


فضربها والدها علي مؤخرة رأسها وقال :


- ايه بنجلدك هنا ولا مشغلينك عندنا ها؟ 


فقامت بسرعة و جرت إلي باب غرفتها ثم استندت علي حلق الباب و قالت بسرعة :


- طب علي فكرة بقي الناجح يرفع ايده. 


فخلع والدها خُفه البيتي و رفعه كأنه يقذفها به فصرخت و دخلت غرفتها تضحك فضحك هو الاخر و دعا الله :


- ربنا ما يحرمك من هبلك يا هَنا يابنتي. 


ثم ضحك و ارتدي عويناته مرة اخري و امسك كتابه يكمله و هو يفكر أي كتاب سيشتري لها فمنذ كانت هي في السابعة عشر يحرص والدها علي تشجيعها علي القراءة عن طريق عمل مسابقة بينهما وهي من سينهي الكتاب - الذي اختاراه سويا - أولا و الخاسر يأتي بكتاب هدية للفائز و اعتاد هو الفوز لحبه للقراءة منذ سنين فكان سريعا بينما "هَنا" بطيئة قليلا فتحجج اكثر من مرة بعمله حتي يجعلها تفوز هي ولا تمل من الأمر و كم هو الشعور بالنصر شعورا رائعا و ها هي ابنته وصلت لسن الخامسة والعشرين و أصبحت طبيبة أطفال يفتخر بها أمام الجميع و مازال شعور النصر بعد معاناة - سواء كانت كبيرة كمصيبة من مصائب الزمن أو صغيرة كإنهاء كتاب في وقت محدد - كالماء البارد الذي انسكب فوق جسداً تغلي دمائه من شدة الحر. 


السيد "خالد" محامي في أواخر الأربعينات و زوجته السيدة "نوارة" ربة منزل في منتصف الأربعينات و أولادهم "هَنا" في الخامسة و العشرين و "سعد" في الخامس عشر من العمر هم عائلة متوسطة الحالة الاجتماعية كالكثير من العائلات و هم كغيرهم من عائلاتٍ يملؤها الحب و التفاهم و الترابط 


في أحد الأيام ذهبت "هَنا" في استراحتها إلي أحد المقاهي مع صديقتها "سناء" ليتناولوا غدائهم و يتسامروا قليلا.. فقالت "سناء" التي انهت كوب عصيرها المثلج :


- الست دي مبتنزليش من زور.. حاجة كدة كتلة من السخافة و السماجة. 


فردت عليها "هَنا" التي تحتسي فنجاناً من القهوة :


- مش شعورك لوحدك.. ولا الواد علاء أسبرينة ده حاجة يلهوي علي تقل الدم 


فعاتبتها "سناء" بنبرة هائمة و عينيها تشع قلوباً حمراء :


-بس يابت يا هبلة .. أنتي اللي دمك سم.. هو فيه زي دم أسبرينة قلبي ده. 


- والله أنتي اللي هبلة.. بقي في واحدة تحب واحد اسمه اسبرينة اصلا. 


تركت "سناء" الماصة و مطت شفتيها بحزن ثم قالت :


-و هو ذنبه ايه بس أنهم سموه كدة عشان ماسك الصيدلية بتاعت المستشفي 


- لا وحياتك عشان ماشي يوصف الأسبرين للي رايح و اللي جاي


فأخرجت "سناء" لسانها ل"هَنا" فبادلتها الاخري نفس الحركة ثم حمحمت و قالت بخفوت و هي تشير للطاولات القريبة منهم بعينيها


- اتلمي معانا ناس


فأقبل عليهم شاب متوسط الطول، و البنية. و شعره، و عينيه لون البندق. ذا بسمة مرهِقه تظهر صفي لؤلؤ لامعين وحياهم بأدب ثم قال موجهاً حديثه ل"هَنا" :


-دكتورة هَنا ممكن أخد رقم تليفون والد حضرتك؟ 


فنظرت "هَنا" ل"سناء" باستغراب ثم سألته :


- ممكن أعرف ليه طيب؟ 


- عشان عايز أطلب إيد حضرتك منه. 


فأخفت وجهها بين كفيها بسرعة بخجل انثوي في حركة معتادة لا إرادية منها فابتسم الشاب ابتسامة حلوة و نظر لأسفل بينما ظلت "سناء" تنغز صديقتها حتي تعطيه الرقم قبل أن يذهب و عندما فقدت الأمل قالت "سناء" مصطنعة الضحك :


- انا هقول لحضرتك الرقم.. اصل شكلها نامت و مش هتصحي النهاردة. 


و أعطته الرقم فذهب بعد أن شكرها و ودعها.. فقرصت "سناء" ذراع "هَنا" فكتمت الثانية صراخها ثم فتحت عين من عيونها الزيتونية تتأكد من ذهابه و عندما تأكدت زفرت براحة فسبتها "سناء" و ضربتها علي ذراعها مجددا فتأوهت "هَنا" و هي تمسد ذراعها و تذمرت :


- الله في ايه؟.. مكسوفة ياست ايه مبتتكسفيش


- لا بتكسف بس بختار وقت الكسوف يا متخلفة 


فضحكت "هَنا" بسخرية ثم قالت :


- متشكرين يا سكر علي المعلومة. 


تجاهلت "سناء" تهكمها و قالت في حماس :


-سيبك مني دلوقتي.. ها عايزة فستان الاشبينة بتاعتك يكون لونه ايه؟


- اشبينة؟ هو احنا في فيلم اجنبي ياختي.


- اومال اسمها ايه يا امو المفهومية ؟


-معرفش و مش مهم.. عموما ممكن تكون حركة عشان يكلمنا مش اكتر و ولا هيتصل ولا نيلة. 


-يخربيت فقرك يا شيخة ان شاء الله هيتصل متقريش فيها أنتي بس.. بس هو عارف اسمك منين؟ 


- يمكن جه كشف عندي بابنه قبل كدة ولاحاجة. 


فضربتها "سناء" علي ذراعها مرة اخري فتأوهت "هَنا" معترضة :


- ما تسيبي دراعي في حاله بقي. 


❈-❈-❈


- ألو.. معايا أستاذ خالد نصر الدين 


رد والد "هَنا" علي المتصل و قال :


- ايوه مع حضرتك.. اتفضل 


- مع حضرتك أحمد سعد بِشري و كنت عايز أقابل حضرتك عشان موضوع شخصي 


-أهلا و سهلا يا أحمد.. بس ممكن أعرف فحوى الموضوع الشخصي ده إيه؟ 


فتحمحم "أحمد" بخجل و قال :


- كنت عايز أجي ازور حضرتك انا و أهلي و نطلب إيد دكتورة هَنا بنت حضرتك. 


- تنوروا يا ابني.. بس أنت ممكن تجيلي مكتبي نتكلم شوية قبل الزيارة دي عشان اديلك موافقة مبدأية كدة بعدين نعمل الزيارة العائلية بإذن الرحمن. 


- تمام حضرتك مفيش مشكلة. 


❈-❈-❈


- والله يابنتي شكلك حلو.. كفاية وساوس بقي.


قالتها "سناء" بملل ل"هَنا" التي تقف مضطربة أمام المرآة فتململت "هَنا" في وقفتها تعض شفتها السفلي بحيرة ثم قالت :


- حاسة إن فيه حاجة ناقصة. 


- لا والله شكلك زي القمر.. يلا بقي ظبطي نفسك كدة عشان زمانهم علي وصول. 


و في غرفة اخري كان يجلس السيد "خالد" في انتظار عائلة "أحمد" و هو شاب في التاسعة و العشرين من العمر يعمل مهندس جودة بأحد مصانع إنتاج البلاستيك حسن الخُلق و محترم كما قال من سألهم عنه في محيط عمله و سوف يتعرف بأهله أيضا بعد قليل 


دُقّ جرس الباب ففتح والد "هَنا" و والدتها لاستقبال عائلة "أحمد" و بعد التحيات و السلامات و الجلوس قال والد "أحمد" السيد "سعد" و هو يشير علي أفراد عائلته ليعرفهم 


- انا عندي بقي محمد الكبير و مراته و بنتي التالته سُمية.. و عندي عُلا اللي بعد محمد علطول و ده جوزها و ابني عبدالله.. و بعد عُلا ابني أحمد و هَنا اللي هتبقي مرات ابني و بنتي بإذن الله.. و الصغيرة بقي اخر العنقود دي عائشة عشان مبتحبش حد يقولها عيشة و عندها سبعتاشر سنة و في ثانوية عامة السنة دي في أدبي .. و دول بقي اسيل و اسر تؤام ولاد محمد عندهم خمس سنين و وليد. الصغنن عنده سنة و نص.. و عشان عُلا و سُمية ظابطين علي مواعيد بعض عُلا عندها عادل خمس سنين بردو و عنود سنة و نص 


فضحك الجميع و قال السيد "خالد" ببشاشة :


- منورين والله. 


- بنورك يا أستاذ خالد.. ندخل في المهم بقي.. احنا عايزين نطلب إيد كريمتك هَنا لابننا أحمد علي سنة الله ورسوله. 


- ده شرف لينا يا أستاذ سعد والله بس لازم ناخد رأي العروسة ولا ايه؟


- اه طبعا لازم رأي عروستنا الحلوة. 


- أدخلي يا أمو هَنا نادي علي عروستنا. 


فقامت السيدة "نوارة" و دخلت لتنادي علي "هَنا" 


- يلا يا حبيبتي الناس مستنين برا. 


- طب شكلي حلو يا ماما؟ 


- زي القمر يا نور عين ماما.. يلا يا دكتورة بقي. 


فنظرت "هَنا" ل"سناء" و دمعت عين الأخيرة فاحتضنا بعضهما البعض بحرارة ف"سناء" هي صديقة الطفولة و رفيقة الدرب و أخت ثانية ل"هَنا" و هي نعمة الصديقة بحق فقالت ل"هَنا" :


- يلا عشان تخرجي تتجوزي الواد الحليوة ده.. اوعي تعيطي احسن الميكاب يبوظ. 


فخرجت لهم "هَنا" تحمل صينية المشروبات و تخفض عينيها أرضا بخجل انثوي و تكتم ضحكها و في عقلها تحدث نفسها أن "هَنا" الفتاة التافهه يجلس اشخاصاً في انتظارها لاخذ رأيها و يتجمعوا من أجلها لتزويجها بشاب ساحر، بندقي المقلتين.. قال السيد "سعد" بعد دخول "هَنا" :


- بسم الله ماشاء الله ايه القمر اللي هل علينا ده. 


فخجلت "هَنا" و كم تمنت لو يديها فارغتان لتخبيء وجهها الان.. و بعد تقديم المشروبات للضيوف و ثناء والد و والدة "أحمد" علي جمال و رقة "هَنا" ثم عن ما يمتلكه "أحمد" من شقة مجهزة في بيت عائلته و عن عمله.. قال والد "هَنا" :


- و زي ما قولتلك يا هَنا يابنتي أحمد شافك في المستشفي لما جه مع أخته و بنتها الصغيرة و سأل علي اسمك عشان يطلبك مني.. ها ايه رأيك. 


فنظرت "هَنا" ل"سناء" في الخفاء و كلتاهما تكتما الضحك بشدة و لكن "هَنا" تمالكت نفسها و قالت بخفوت :


- اللي تشوفه حضرتك يا بابا. 


- خلاص علي بركة الله نقرأ الفاتحة. 


❈-❈-❈


بعد تعرف "هَنا" علي شخصية أحمد اكثر و كم كان شخصاً جيدا و محترماً و ذو خُلق كما أنه ملتزم دينيا و تأكُدها انه سوف يتق الله فيها كما كانت قد بدأت تعجب به و تبادله إعجابه بها أقاموا حفلة خطبة بأحد القاعات و رغم تدخل أهله بعض الشيء في تفاصيل حفل الخطبة و التي تكون علي العروس و أهلها لم تعطي "هَنا" اهتماما لهذا الأمر 


و في أحد الأيام كانت عائلة "هَنا" في ضيافة عائلة "أحمد" في منزلهم المتواضع فقال الاستاذ "سعد" :


- منورين يا جماعة والله. 


فابتسم السيد "خالد" ببشاشة :


- البيت منور بصحابه. 


و بعد قليلا من الوقت سمعا صوت هتاف "عُلا" علي "سُمية " :


- يا سُمية.. هبعت عادل يطلع ياخد اللي قولتلك عليه و الكبة عشان البصل. 


فصاحت "سُمية" من غرفة اخري :


- ماشي.. بس خليه ميقلبش الدولاب يإما هقطعه والله. 


فاعتذر السيد "سعد" بابتسامة محرجة :


- انا اسف والله.. طول اليوم قاعدين في المواويل دي. 


فضحك السيد "خالد" 


- لا عادي مفيش اسف ولا حاجة. 


بعد الغداء صعدت كلا من "عُلا" و "هَنا" و" سُمية" إلي شقة الأولي و تسامروا قليلا فقالت الأخيرة :


- و جبتي هدومك ولا لسه يا نونة؟ 


- يعني مش كله لسه شوية حاجات. 


- جبتي قمصان النوم ولا لسه طيب؟ 


فخجلت "هَنا" و ضحكت ضحكة قصيرة ثم قالت :


- اه جبت شوية يعني لسه هجيب تاني 


فشدتها "سُمية" من يدها اتجاه غرفة النوم و قالت ل"عُلا" :


- تعالي يا عُلا وريها الحاجات اللي اشتريناها سوا آخر مرة نزلنا. 


فتعجبت "هَنا" من تصرف "سُمية" بحرية في بيتٍ ليس بيتها و في اشياءٍ ليست ملكها. 


❈-❈-❈


-و لسه بكلم حماة محمد قالتلي قال ايه مرات اخو سُمية عايزة تطلق. 


كانت والدة "أحمد" تتحدث مع السيدة "نوارة" كما اعتادوا منذ خطبة أولادهما.. فسألت الأخيرة مستفسرة :


- عايزة تطلق ليه؟


فمصمصت والدة "أحمد" شفتيها و قالت بنبرة تهكمية :


- قال ايه عشان قالها انزلي ساعدي أمي.. بنات اليومين دول بيتدلعوا زيادة عن اللزوم. 


- بس هي حرة بردو يا سميحة دي مش حاجة إلزامية عليها. 


- و هي هتمن عليها يعني ما هي في مقام أمها بردو و كلنا كنا بنخدم حمواتنا. 


- بردو مش من حقه إنه يجبرها علي حاجة زي دي. 


- يلا مش مهم.. انا الحمدلله بصحتي مبحبش حد يعملي حاجة بس هما البنات اللي بيصروا يعملوا بالعافية والله ربنا يكرمهم و يبارك في صحتهم. 


- يارب ياحبيبتي. 


❈-❈-❈


- انا مش مطمنه يا خالد خالص لجواز هَنا في بيت عيلة 


فرد السيد "خالد" بتهكم و هو يغير ملابسه في غرفتهما بعد وصولهما للمنزل :


-و أنتي جاية تقولي كدة دلوقتي. 


- اصل النهاردة كانت بتكلمني سميحة علي ان البنات بينزلوا يعملولها الاكل و يخدموها و انا مش عايزة بنتي تنزل بصراحة تخدم حد و كمان كلهم لازم يتغدوا مع بعض و كدة و انا مش عاجبني الكلام ده. 


- و كنتي فين من أربع شهور ها ما أنتي بتكلميها كل يوم. 


- هما يعني حق ربنا ناس طيبين و ميتعيبوش و بيحبو هَنا و أحمد كمان هيحطها في عينيه. 


زفر السيد "خالد" و قال و هو يتمدد علي السرير بتعب '

- خلاص يبقي القرار لبنتك هي اللي تقول هتقدر تعمل ايه و متعملش ايه و هتستحمل ولا لا.. عموما انا في حاجة تانية في دماغي اللي قلقان منها ولازم اكلم فيها هَنا بس بكرة بقي عشان هلكان علي الاخر. 


نام السيد "خالد" علي جانبه فوضعت يدها علي كتفه و سألته :


- حاجة ايه يا خالد. 


- بكرة بقي يا نوارة عشان تعبان دلوقتي.. تصبحي علي خير يا حبيبتي. 


قبلت جانب رأسه و قالت بهمس :


- وأنت من أهل الخير يا حبيبي. 


❈-❈-❈


- أديني قولتلك كل اللي ماما خايفة منه.. أنتي بقي شايفة ايه و ايه رأيك في الكلام ده؟.. ولا تستني تسمعيني انا كمان و تسمعي مخاوفي؟ 


قالها السيد "خالد" ل"هَنا" التي تجلس معه في الشرفة كما اعتادوا في نقاشاتهما سواء عن الكتب أو مواضيع عامة.. ردت الأخيرة علي والدها بأدب :


- لا اسمع حضرتك للاخر بعدين ارد علي كله. 


- تمام... انا لاحظت في بيت أحمد انعدام الخصوصية تقريبا بين أفراد البيت و أنتي لماحة لأبوكي و أكيد لاحظتي اللي بقول عليه.. فهل أنتي هتعرفي تتعاملي مع الكلام ده ولا هيسببلك مشاكل؟


- بالنسبة للي ماما خايفة منه انا شايفة إن إلاجابة جاتلها لما قالت طنط سميحة إنها مش بتحب حد يعملها حاحة اصلا و إن البنات بينزلو يعملوا بمزاجهم يعني انا مش مجبرة علي حاجة و مع ذلك معنديش مانع اساعدها باللي ميقصرش علي بيتي و جوزي.. أما بالنسبة لمخاوف حضرتك انا لاحظتها فعلا بس انا هتجوز أحمد يا بابا مش هتجوزهم هما و هما اه كويسين و كل حاجة بس انا هاخد موقف و مش هسمح لحد يتدخل في حياتي و هعرف أحمد الكلام ده بإذن الله 


- ماشي يابنتي ده قرارك و دي حياتك و انا عملت اللي عليا و عرفتك مخاوفي و انتي اللي عليكي الاختيار و تحمل نتيجة اختيارك زي ما عودتك. 


- طبعا يا بابا حضرتك عارفني كويس. 


❈-❈-❈


- " يلا ندعيلهم كلنا.. بارك الله لهما.. و بارك عليهما.. و جمع بينهما في خير"


قالها المأذون الجالس وسط السيد "خالد" و "أحمد" و علت أصوات الزغاريد و التصفيق للتعبير عن السعادة بعقد قران "أحمد" و "هَنا" الجالسين بجوار بعضهما البعض و يمسك "أحمد" كفها بكفه الأيسر بحب بينما يمسك بكفه الأيمن كف السيد" خالد"


بعد قضاء الزفاف و الرقص و الغناء احتفالاً بدخول فردين جديدين قفص الزوجية و قد شهد الله الليلة علي إتمام أحد عباده لنصف دينه و خلق رابطة مودة و رحمة جديدة بين اثنين من موحديه. 


بعد تبديل "هَنا" لفستان الزفاف و ارتداء قميص طويل ابيض و فوقه ردائه المصنوع من الحرير و الدانتيل الذي يجعلها فاتنة اسدلت شلال شعرها الأسود سواد الليل و كحلت عينيها الزيتونية و وضعت احمر شفاه قاني ابرز جمال شفتيها و خرجت من الغرفة لأحمد الذي حدق بها بإنبهار.. فسمعت صوت زغاريد في الأسفل فابتسمت و أشارت علي الباب و قالت بصوت خافت من الخجل :


- لسه بيحتفلوا. 


فاق من تحديقه بها علي صوتها ثم اقترب منها و عو يبتلع ريقه و قال بهمس أيضا :


- اه شكلهم كدة.. مبروك يا هَنا أحمد و قلبه. 


فوضعت "هَنا" كفيها علي وجهها بسرعة بخجل و ضحكت قصيرة و تمتمت بشيء من خلف كفيها فازاح أحمد كفيها ببطيء و هو يهمس :


شيلي ايدك عشان اسمعك.. و عشان اشوف عينيكي. 


نظرت لإسفل و هي تضحك بخجل فسألها ببسمة محببة لقلبها :


- بتضحكي ليه؟ 


لوهلة نست خجلها و موقفهما و ردت بتلقائية :


- اصلي مش مصدقة بصراحة واحدة تافهه زيي يتعملها فرح بقي و ناس تيجي و معزايم و رقص و زيطة و كل ده عشاني انا. 


و عندما اتي الموضوع مجددا في عقلها جلجلت ضحكتها بدون تصديق فضحك هو الاخر و هو يتأمل فتنتها و جمالها و يشكر الله بداخله أن جمعه بها و أصبحت حلاله.. أمسك ذقنها فجأة و اقتنص ببطيء أول قبلة من شفتيها فصُدمت هي من الموقف و ظلت ثابتة و بعد قليل ابتعد عنها قليلا ثم اسند جبهته علي جبهتها يتنفس بسرعة و قد احاطها بذراعيه ثم انتقل يقبل جيدها فضحكت مجددا فضحك هو الاخر و هو يستند بشفتيه علي جيدها ثم استقام و قال :


- يلا استعنا علي الشقي بالله 


و وضع ذراعه خلف ظهرها و الاخر تحت ركبتيها و رفعها فجلجلت ضحكتها و هي متمسكة برقبته و قالت بضحك :


- أسفة اسفة بغير والله.. حاسب يا أحمد هنقع سوا.. يا أحمد هنق...


و لم تستطيع إكمال كلماتها فقد عرف طريقة إسكاتها جيدا 


❈-❈-❈


بعد مرور شهر.. 


انتهي كلا من "أحمد" و "هَنا" من حمامهما سويا فامسك "أحمد" المنشفة و لف بها خصره ثم سحب واحدة اخري و اقترب من "هَنا" يقَبلها و هو يلف جذعها بالمنشفة و هي تحيط عنقه بذراعيها ثم ابتعدت هي لتأخذ منشفة اخري فاحاط ظهرها و ظل يقبل رقبتها من الخلف فألتفت له تجفف شعره بحنان ثم دارت مرة اخري تجفف شعرها في المرآة و تلفه بالمنشفة و بعدما انتهوا فتح "أحمد" باب الحمام الصغير بغرفتهما و خرج و هو ينظر ببسمة ل"هَنا" خلفه التي صرخت بمجرد رؤيتها ل"عُلا" في غرفة نومهما و هي تمسك بسلة الغسيل و تنقل ما فيها إلي سلة اخري


دارت تخبيء "عُلا" عينيها بمجرد ما خرجوا من الحمام بالمناشف أمامها فقالت مفسرة :


- اسفة والله امي انا بحسبكوا برا البيت و ماما قالتلي اطلع اخد الغسيل من الشقة. 


فقال "أحمد" الذي يضع يده خلفه علي ظهر "هَنا" المختبئة خلفه :


- خلاص يا عُلا محصلش حاجة.. انزلي انتي دلوقتي. 


- حاضر يا حبيبي.. حمام الهنا 


بعد قليل قالت "هَنا" بهدوء حاولت استجماعه بكل طاقتها :


-يعني ايه محصلش حاجة.. ازاي نفتح باب الحمام نلاقي حد غريب في اوضة نومنا. 


- محصلش حاجة يا حبيبتي ماهي بتقولك اهو.. بيحسبونا خرجنا. 


تنفست "هَنا" الصعداء لتهدأ ثم قالت :


- بص يا أحمد احنا بقالنا شهر اهو متجوزين و لسه راجعين من الغردقة من 3 أيام و انا بصراحة كنت عايزة اناقشك في النقطة دي من قبل جوازنا بس معرفتش اجيبهالك ازاي.. انا يا أحمد خصوصيتي دي بالنسبة ليا خط احمر و مش بحب حد يتعداه و.. 


شدها إليه يقبلها قبلات متقطعة من تلك التي تجعلتها تذوب بين ذراعيه.. فقال وسط قبلاته : 


- و ايه يا قلب أحمد؟ 


فحاولت ابعاده بضعف و لم تستطيع 


- بس يا أحمد بقي.. و.. و أهلك.. 


- حقك عليا انا 


- يا أحمد مينفعش.. 


لم تستطيع إكمال أي من جُملها لأنها قد ذابت بين ذراعيه بالفعل


❈-❈-❈


بعد مرور يومان.. 


نزلت "هَنا" عملها في المشفي بعد فترة إجازتها.. جلست مع "سناء" تحكي لها كل ما حدث في إجازتها نهاية بما حدث معها يوم اقتحام "عُلا" شقتها


- و أحمد عمل ايه لما قولتيله كدة


تحمحمت "هَنا" بخجل و ردت و هي تنظر إلي نقطة بعيدة بلا مبالاة


- مفيش كلني في الكلام و عدينا الموضوع


- و بعدها انتي سكتي؟


- لا كلمته تاني و وعدني انه هيعرفهم يبقوا يستأذنوا مني و كدة قبل ما يدخلو


- و انتي سايبة عندهم نسخة من مفاتيح شقتك ليه اصلا؟


- قالو عشان إذا حصل حاجة و احنا مسافرين و عشان يطلعو ينضفوا الشقة قبل ما نرجع.


- بردو مش سبب.. خديه منهم


-مهو انا معرفش اكسفهم كدة بصراحة.. هما ناس كويسين اوي علي فكرة و انا بحبهم و هما تحسيهم عِشَاريين كدة و عايزين يتدخلوا في تفاصيلك و يدخلوكي في تفاصيلهم و متبقيش غريبة عنهم.. فاهماني؟


- اه فهماكي للاسف.. بقولك ايه يا هَنا الموضوع ده هيعملك مشاكل كتير اوي.. انا رأيي في أول فرصة تسمح تنقلوا في شقة برا.


- شوفي انا بقولك ايه و انتي بتقولي ايه.. يابنتي..


رنين هاتف "هَنا" قاطع حديثهم فنظرت في الهاتف و وجدتها "سُميه" فردت عليها :


- الو... ازيك يا سُمية عاملة ايه يا حبيبتي؟.. نعم بتقولي ايه عايزة تاخدي العجانة بتاعتي عشان بتاعتك باظت و عُلا معندهاش واحد.. هتعملي تورتة.. طب مينفعش تستني لما اجي اديهالك انا؟


تعمدت "هَنا" رفع صوتها لتسمع "سناء" التي عوجت فمها باعتراض علي ما تسمعه و اكملت الاولي مكالمتها و هي تظهر ملامح باكية بدون صوت :


- هتعرفي انتي مكانها.. طيب يا حبيبتي طيب خديها براحتك. 


قرصتها "سناء" من ذراعها و وبختها :


- عارفة العيب مش عليهم والله.. العيب عليكي انتي انك موافقة علي الكلام ده.. براحتك بقي لما يبقوا يطلعو ياخدو هدومك يلبسوها. 


- يابنتي واحدة واحدة اهي علي الاقل استأذنت المرة دي. 


- لا ياحبيبتي بيقولك اطرق علي الحديد و هو ساخن يعني في ساعتها فاهمه ولا لا. 


- كنتي عايزاني اقولها ايه يعني عايزاني اكسفها طب هبص في وشها ازاي بعدها. 


- هبلة.. والله العظيم هبلة


❈-❈-❈


- يا حبيبتي ما انتي اللي وافقتي انها تطلع. 


تحدث "أحمد" رداً علي اعتراض "هَنا" 


- يعني كنت عايزني اكسفها و هي بتقولي محتاجاها. 


- طب انتي عايزة مني ايه دلوقتي؟


- عايزاك تشوفلي حل فاللي بيحصل ده.


- يا هَنا عايزاني اقولهم ايه يعني متكلموش مراتي تطلبوا منها حاجة تاني عشان بتزعل.. حاضر ياستي مفيش مشكلة.. حاجة تاني. 


كان سيرحل فامسكت ذراعه ثم دمعت عينيها فرقّ قلبه و اقترب منها يمسد وجنتها و هو يهمس لها :


- مالك ياحبيبتي بس بتعيطي ليه دلوقتي؟ 


فقالت و قد بدأت شهقاتها تظهر :


- عشان مش عارفة انا عايزة ايه.. انا بحبهم اوي والله بس.. بس مش عاجبني تدخلهم في حياتنا بالشكل ده و عايزة نحط حدود لحياتنا .. أنت فاهمني؟


فضمها إليه بحنان و هو يهمس لها :


- خلاص خلاص اهدي خالص هعملك كل اللي انتي عايزاه ماشي بس متعيطيش. 


فلفت ذراعيها حول خصره و تمسكت في ظهر قميصه القطني البيتي و بدأت بالبكاء بصوت عالي و هي تدفن رأسها في صدره فاستغرب "أحمد" هشاشتها و انهيارها بسبب موضوع تافه كهذا الأمر.. هو حتي الآن لا يستوعب أين المشكلة في تدخل أهله في حياتهم فطوال عمره لا يعرف الخصوصية تلك تقريبا و لكن حبه ل"هَنا" سيجعله يحاول إرضائها بأي شكل حتي لا تبكي هكذا و تؤلم قلبه خصوصا بعد علمه بهشاشتها تلك. 


❈-❈-❈


بعد مرور اسبوع.. 


قالت "هَنا" ل "أحمد" الذي يغير ملابسه :


- هو مينفعش ناكل النهاردة مع بعض؟ 


- ما انتي عارفة يا حبيبتي ماما زعلت المرة اللي فاتت و مش عايزين تزعلها 


فتنهدت بحزن و قالت :


- خلاص مش مشكلة. 


و عندما لاحظها "أحمد" اقترب منها مربتاً علي ظهرها بحنان :


- عايزاني اقولهم طيب اننا هناكل مع بعض النهاردة و بكرة نبقي ننزل عندهم؟


- لا مش مشكلة خلاص 


- طب يلا نلحق ننزل عشان تساعدي عُلا و سُمية فالاكل 


- لا انا تعبانة اوي يا أحمد النهاردة مليش نفس أكل خلاص. 


- مالك ياحبيبتي؟


وضعت يدها علي جبهتها و قالت بنبرة مرهقة :


- مش عارفة دايخة كدة و مش علي بعضي. 


- طيب خلينا و انا هخلي ماما تطلعنا الاكل عشان لازم تاكلي و تشوفك مالك. 


- لا لا خلاص. 


أخذ هاتفه ليتصل بأمه و هو يقول باعتراض:


- لا خلاص ايه اهم حاجة صحتك طبعا استني بس اكلمها و اجي. 


بعد قليل من الوقت صعدت السيدة "سميحة" الشقة مع "عُلا" و "سُمية".. فقال "أحمد" لأمه بعدما أخبرته احتمال وجود حمل :


- تفتكري يا ماما؟ 


- الله اعلم ياحبيبي يمكن؟ 


تعجبت "هَنا" من حديثهم المبهم فسألت بتعب :


- يمكن ايه يا ماما؟ 


- يمكن حامل ياحبيبتي. 


لم تتعجب من ذلك الاحتمال فقد اتي هذا الأمر برأسها بالفعل بحكم عملها كطبيبة.. و لكنها قالت :


- لا مظنش يا طنط دول شوية دوخة عادية من الجو و الشغل. 


- طب اخر مرة دورتك جاتلك امتي؟


حمحمت و اخفصت وجهها بخجل و قالت بصوت خافت :


- من شهر تقريبا. 


- و معادها فات؟ 


أومأت بصمت فربتت السيدة "سميحة" علي فخذها بحنان امومي و قالت :


- عموما محمد نزل يجبلك الاختبار بتاع الحمل ده و جاي و اغديهم بس و اخدك علي المستشفي. 


بعد قليل فتح "أحمد" الباب لاخيه الذي دخل يضربه بكتفه غامزا :


- ايه يا وحش مش بدري كدة كنت عيشتلك يومين حلوين بدل الوحم و الدكاترة و البزازات و الهم ده. 


- ما أنت عارف اخوك جامد بقي 


فضحك كلاهما ثم اخذ منه التحليل و دخل و أعطاه لوالدته التي فتحته و أعطته ل"هَنا" و هي تقول :


- خلصي واديهولي اشوفه.. ادخل معاكي ولا قادرة لوحدك؟ 


فنفت "هَنا" بخجل و دخلت للمرحاض و اثناء استخدمها للمرحاض طرقت أمه و قالت :


- ها ادخل اخده منك دلوقتي ولا ايه؟ 


فنفخت "هَنا" بعصبية و حاولت ان تتحدث بأدب :


- انا بعرف استخدمه يا طنط شكرا. 


- بتعرفي تستخدميه ازاي ياختي كنت حملتي قبل كدة؟.. هاتيه بس انا هشوفه.. ادخل؟


جزت "هَنا" علي أسنانها و قالت من بينهم :


- لا يا طنط بعد إذنك. 


- طيب خلصي و اديهولي يلا.. و بلاش طنط دي قولتلك مبحبهاش. 


- حاضر.. حاضر يا ماما. 


خرجت "هَنا" بعد قليل من المرحاض و هي تبتسم بخجل و كانت ستتكلم لكن قاطعتها حماتها و هي تقول بسرعة و هي تشد التحليل من يدها :


- هاتي وريهولي. 


- حامل يا ماما.. انا بعرف استخدمه والله قريت التعليمات.. خطين اهم. 


تحدثت و هي تشير علي التحليل مسكته حماتها ثم أطلقت زغاريد طويلة فرحا بولي عهد ابنها.. ثم قالت :


ولد ان شاء الله ولد.. معندناش رجالة بتجيب بنات الأول خالص. 


فاستفزت "هَنا" بشدة و لكن لم تتكلم احتراما لسيدة في مقام والدتها و رجحت عصبيتها السريعة بسبب هرمونات الحمل 


❈-❈-❈


طرق علي باب شقتهم الفجر؟ استقامت "هَنا" ترتدي اسدالها بسرعة هي و "أحمد" مفزوعين من نومهم و اتجهوا للصالة الكبيرة لفتح باب الشقة بسرعة فوجدوا كل العائلة تقريبا علي الباب و ابعدوا "أحمد" عن الطريق ليدخلوا فقالت "عُلا" و هي تبعد أحمد لتدخل أولا :


- قولنا الدنيا أمان النهاردة و مفيش قلة أدب كدة ولا كدة بتحصل عشان الدكتورة قالت لا فقولنا نطلع نقعد معاكو 


- تنوروا ياستي.. ادخلو هدخل بس اغسل وشي و اجي 


فدخل "أحمد" غرفة النوم و اسرعت خلفه" هَنا" التي تكلمت بصوت خافت معترضة :


- ازاي يطلعوا كدة بدون استأذن و يخبطوا علينا الفجر أنت بتهزر يا أحمد ازاي بتقول عادي؟


- لا مش بهزر يا حبيبتي بس عايزاني اعمل ايه يعني اقولهم اطلعوا برا ولا متدخلوش.. خلاص اديهم طلعو و دخلو. 


جفف وجهه بالمنشفة ثم تابع غامزا :

- و بعدين كدة كدة هيسلونا بدل ما الدكتورة منعت عننا اي تسلية. 


فخرجت "هَنا" من الغرفة فوجدت عُلا فصرخت صرخة قصيرة و وضعت يدها علي فمها بسرعة فقالت "عُلا" :


- كنت داخله اسألك عندك فشار ولا ابعت اجيب من عندي؟ 


ابتلعت "هَنا" ريقها و حاولت تنظيم انفاسها و قالت من بين أنفاسها :

- اه.. موجود جوا في المطبخ.. استني اجيبهولك


فاشارت لها "عُلا" بالنفي و قالت :


- لا خليكي انتي انا هدور عليه و اعملنا طبقين كدة. 


و خرجت فوضعت "هَنا" يد في خصرها و الاخري علي قلبها عله يهدأ ثم خرج أحمد فاحاط كتفيها بغرض ارضائها و قبل أن يقول شيئا سمعوا صوت تكسير في الخارج فهرولوا خارج الغرفة اتجاه الصوت فوجدوا اسيل قد كسرت فازة كبيرة كانت قد ابتاعتها السيدة "نوارة" هدية لابنتها خصيصا فكادت "هَنا" ان تبكي ولكن "أحمد" اشار لها ان تصمت و قال :


- خلاص حصل خير يا جماعة.. فداكي يا لولو. 


و بعد قليل قالت السيدة "سميحة" بعتاب ل"هَنا" :


- تعالي ياللي مرضتيش اجي معاكي عند الدكتورة تعالي.. بقي كدة يا نونة طب والله زعلانة منك. 


- مكونتش عايزة اتعبك والله يا طنط فكلمت ماما تيجي معايا. 


- شوف بردو بتقولي طنط.. طب طنط زعلانة منك بقي شوفي هتصالحيها ازاي. 


فقال أحمد بصوت ل"هَنا" خافت مسموع للكل :


قومي بوسي راسها و ايديها و صالحيها يلا. 


فنظرت له "هَنا" بعتاب لانه احرجها و قامت و نقذت ما قاله بحرج شديد.. فقالت السيدة "سميحة" :


- خلاص ياحبيبتي محصلش حاجة.. بس المرة الجاية انا اللي هوديكي. 


❈-❈-❈


استمرت زيارات الفجر لمدة أسبوع كامل و تنتهي في الصباح 


في المشفي دخلت "سناء" مكتب "هَنا" فوجدتها نائمة علي المكتب نوما عميقا و عندما ايقظتها حكت لها هَنا" و هي تتثائب عن تلك الزيارات المفاجئه التي أصبحت معتادة 


- طبعا انتي غلطانة و ستين غلطانة كمان.. انتي ست بتشتغلي مش فاضية زيهم المفروض يراعوا ده.. انتي ازاي تسكتي علي الكلام ده و أحمد ازاي قابل يحصل كدة.


- لو اتكلمت اساسا هيقولولي اقعدي من الشغل عشان الدكتورة قالتلي ارتاح و مبذلش مجهود كبير. 


- ايه هيقولولي دي؟ جوزك هو الوحيد اللي له كلمة عليكي يا مدام مفيش حاجة اسمها هيقولولك فاهمه؟


- مهو جوزي بيسمع منهم و موافق اعمل انا ايه؟ 


- توقفيه عند حده تقوليله انك عايزة تنقلي في شقة برا البيت و يبقي ليكم حياتكم الخاصة. 


- يا سناء مش هينفع هو متعلق بيهم اوي.. انا بس اللي مضايقني ان حماتي بقيت تدخل في طريقة عمايلي لكل حاجة عايزاني اقلدها و امشي علي نهجها و طبعا سُمية و عُلا مش بيقولو غير أمين و انا بقي الشريك المخالف طول الوقت و أحمد زهق من شكوتي طول الوقت و خايفة ليزعل مني و يحصل خناقات. 


- بيتك كدة هيتخرب علي فكرة.. تدخل الاهل بيخرب البيوت انا قولت اهو لازم تتصرفي 


❈-❈-❈


في أحد زيارات الفجر سحبت "سُمية" يد "هَنا" و دخلوا غرفة النوم فقالت "سُمية" :


- بصي يا هَنا انا فيه كام حاجة عندك كدة في قمصان النوم و هدوم الخروج يلزموني و مظنش هتعرفي تلبيسهم تاني عشان الحمل. 


فابتسمت "هَنا" بحرج فهي لا تحب ارتداء ملابسها مع احد كما لم تعتاد ذلك فهي فتاة وحيدة و مع ذلك قالت بحرج رغما عنها :


- عادي يا حبيبتي ابقي خدي اللي عايزاه البسيه و رجعيه تاني. 


فتغيرت ملامح "سُمية" و كأنها كانت تطمع في اكثر من ذلك و لكنها لم ترد فقط اومأت.. و عند خروجهم سمعت "هَنا" "عائشة" تقول لأمها بقرف :


- يع يا ماما شايفة شقتها مبهدلة ازاي. 


لا تعلم ما مشكلة تلك ال"عائشة" معها ففي شهر عسلها كانت تتصل كل يوم ب"أحمد" و في زيارات الفجر تلك تجلس معه وحدهم لأكثر من ساعة يتحدثون و من الواضح تعلقها الشديد به كما هو واضح كرهها لها ولا تعلم السبب.. سمعت "سُمية" الحديث كذلك فنظرت ل"هَنا" و حركت شفتيها باعتذار بدون صوت و لكن "هَنا" قررت ألا تصمت فدخلت و تخصرت و نظرت ل"عائشة" و قالت :


- معلش يا عيشة مهو انا معنديش وقت ارتب البيت بروح شغلي و برجع تعبانه انام عشان انتو بتنورونا هنا الفحر فلازم ابقي صاحيه لاستقبالكوا. 


- و لازمته ايه بس شغلك يابنتي هو انتي ناقصك حاجة مهو أحمد معاه اهو و قبضه مكفيكم. 


كان هذا رد السيدة "سميحة".. لقد صُدمت فعلا! هل هذا ما وصلهم من ما قالته؟! اللعنة علي صمتها و علي حياتها و عليهم جميعا.. فبدون كلام تركت كل شيء و دخلت لتنام و لكنها وجدت اسيل و عادل يلعبون في مستحضرات تجميلها او يدمرونها فصرخت و اطلقت العنان لمشاعر مضغوطة منذ اسابيع وصرخت ثم سقطت.. 


فتحت عينيها ببطيء فوجدت نفسها نائمة علي السرير و بجانبها أحمد و أمه و أخواته ثم سمعت صوت "عائشة" من بعيد تقول :


- قولتلكوا بتستهبل. 


نظر لها "أحمد" بتحذير و هدر بها :


- عائشة!!.. احترمي نفسك. 


- حاضر.. سكتنا. 


ثم تحدثت والدتهما :


- أنا رأيي يا ابني كفاية شغل علي كدة انتو مش ناقصكوا حاجة و هي شكلها مش حمل شغل بيت و شغل برا و حمل كمان 


❈-❈-❈


بعد مرور اسبوعين..


أمسكت "هَنا" الهاتف ترد علي والدتها


- الو يا ماما.. انا الحمدلله كويسة وانتي عاملة ايه.. اه دايخه شوية و عايزة ارجع.. لسه زي ما انا بردو و الزيارات بتاعت الفجر.. لا قلت شوية من ساعة ما انتي لمحتي لمامته بس لسه هي زعلانه مني انا حاسه.. انا عارفة يا ماما انه ده الصح بس انتي عرفاني محبش حد يبقي زعلان مني.. المهم بابا عامل ايه.. استني كدة يا ماما عشان في صوت خبط جامد برا.. خلاص اقفلي دلوقتي و هبقي اطمنك 


فتحت "هَنا" باب الشقة فوجدت كرة مطاطية صغيرة تضرب وجهها فصرخت و قد فُتحت شفتها السفلي و نزفت فصرخ اسر و اسيل و عادل و نزلوا لجدتهم. 


❈-❈-❈



- لازم نمشي من هنا يا أحمد انا مش مستحملة كدة كتير 


زفر أحمد بعصبية و حاول أن يهدأ و هو يقول :


- يعني منعتي امي و اخواتي يدخلوا بيتي و قولنا ماشي و دخلتي مامتك بينا و سكت.. انما تخليني اسيب بيت اهلي عشان شوية عيال صغيرة مش هيحصل يا هَنا. 


- انا ممنعتش حد يدخل هنا يا أحمد هما بيدخلو في وقت طبيعي و انا بمنعهم دول بيجو الفجر و انا ست بشتغل و انت كمان بتشتغل. 


- ياستي انا اشتكيتلك ولا قولتلك دول عملنلي مشكلة.. انا شايف ان المشكلة كلها في شغلك انتي بصراحة اللي ملوش لزوم خالص اساسا انتي ناقصك حاجة ياستي. 


- و هو انا بشتغل عشان في حاجة نقصاني ولا عشان يبقي ليا كيان.. هو انا دخلت طب و قعدت فيها ست سنين عشان اقعد فالاخر فالبيت عشان اهلك معندهمش ذوق. 


صفعها ولأول مرة يمد يده عليها و لأول مرة تُصفع في حياتها.. سالت دموعها علي وجنتها و كان ستقول شيئا لكن طرق الباب اوقفها.. فتح "أحمد" الباب فوجد اسر يقول له :


- بابا عايز الكراڤته الرصاصي بتاعتك عشان مش لاقي بتاعته. 


فزفر "أحمد" بعصبية ثم صاح به 


- مش دلوقتي يا اسر معلش. 


- بس هو خارج دلوقتي. 


فمسح "أحمد" وجهه بكفيه بغضب و قال :


- خلاص ادخل خدها من دولابي بس بسرعة. 


فجري الطفل بسرعة للداخل فضحكت "هَنا" بسخرية و دموعها تسيل علي خدها و دخلت لغرفة اخري و اغلقت عليها الباب من الداخل بالمفتاح و جلست تبكي حظها و غبائها و عدم سماعها لكلام أبيها الذي حذرها. 


بعد قليل طرق علي باب الشقة جعل "هَنا" تفوق من شرودها و ركزت مع الباب حتي تأكد من فتح "أحمد" له و لكنه لم يفتح فاضطرت ان تخرج من الغرفة و تدخل غرفة النوم الكبيرة لتأخذ اسدالها فامسكها احمد و احتضنها بسرعة يعتذر لها و قد نجحت خطته في استدراجها خارج الغرفة 


- انا اسف حقك عليا.. متزعليش مني.. بس انتي بردو غلطتي في حقي بس مكنش ينفع اضربك.. سامحيني بقي 


- خلاص.. خلاص يا أحمد.. بس عشان الباب بيخبط.. لازم افتح 


فاقترب منها اكثر يحيطها باحد ذراعيه و يحتضن وجنتها بكف ذراعه الاخر و هو يهمس :


- طب بوسة الاول و هسيبك


- بس يا أحمد مش وقته 


فاقترب منها يقبلها و لم تبادله و سالت دموعها و كم تحتاج للبكاء الان من أجل كرامتها المكسورة و كم تريد والدها الان ليحتضنها و يربت عليها و يخبرها أن كل شيء سيكون بخير. 


مسح دموعها باصابعه و قبل جبهتها و قال لها :


هروح افتح انا الباب هاا.. اهدي لحد ما اجيلك تاني 


و تركها و ذهب ففتح الباب و وجد عائشة وجهها منتفخ من البكاء فهرولت اليه تحتضنه و تبكي فربت عليها ليهدأها و يحاول ان يفهم ماذا حدث 


- مالك يا اوشا.. في ايه يا حبيبتي بس بتعيطي ليه.. شكلك اتخانقتي مع ماما تاني


فأومأت و هي تبكي فهدأ قليلا و ادخلها و اغلق الباب و قبل رأسها محاولا تهدأتها لتحكي له و بعد قليل قال أحمد :


- ماهي ماما ليها حق بردو المكان ده بعيد اوي و ده عيد ميلاد ممكن تدي لصاحبتك هديتها في اي وقت تاني. 


- بردو انت كمان هتقول كدة.. انا عايزة احضر عايزة اروح مع صحابي و مش هتأخر 


- مش هتأخري ازاي اذا كان عيد الميلاد بيبدأ سبعة بليل.. عموما خلاص قولي لماما ابيه احمد هيوديني 


-بجد يا ابيه - بجد يا قلب ابيه 


فقفزت عليه تحتضنه و تقبله و هي تضحك فضحك هو الاخر و قبل خدها بحب فقالت له و هي تعض علي شفتها السفلي 


- بس انا مش هينفع انزل النهاردة تحت خالص. 


-ليه؟.. شكلك بهدلتي الدنيا مع ماما 


فأومأت و عضت علي شفتها السفلي مجددا 


- طيب خلاص باتي هنا 


و عند هذه الجملة كانت "هَنا" ارتدت اسدالها و خرجت فوجدت "عائشة" تجلس علي قدمي "أحمد" و تدلل عليه فقالت "عائشة" :


-بس انا عايزة انام جمبك يا ابيه زي زمان.. ولا ابلة هَنا هيبقي عندها مانع. 


و قبل ان يرد ردت "هَنا" بسرعة :


- لا و ابلة هَنا تمانع ليه الأوضة عندك جوا خدي ابيه جمبك براحتك 


و تركتهم و اغلقت باب غرفتها و خلعت اسدالها لتنام فهي تعلم انه سيبتزها عاطفيا كالعادة و يضغط عليها و هي لا تحتمل احد اليوم 


❈-❈-❈


بعد مرور خمس سنوات.. 


و بعد مرور خمس أعوام علي نفس الحال من انتهاك الخصوصية و التدخل و ولادة طفلتها الاولي "تمر حنة" كما اصرت ان تسميها جدتها علي اسم جده "أحمد"، و تحت اصرار "أحمد" و بعد مشورة والدته بالطبع و قد كان فاض بها الكيل هي أيضا قررت ترك عملها و التفرغ لبيتها او لتلك الحدائق المفتوحة التي تعيش بها و قد قررت عدم إدخال أهلها في حياتها حتي تحافظ علي بيتها و حاولت التعايش قدر الإمكان مع ما يحدث حولها و لكن الأمر وصل للتدخل في تربية ابنتها و افسادها. 


في يوم من الايام بعد نزول "تمر حنة" الإجباري لجدتها ككل يوم سحبتها جدتها علي المطبخ تعطيها قطع شيكولاتة و هي تقول لها :


- خدي يا حبيبتي بس كلي بسرعة قبل ما امك تشوفك عشان انا عارفاها هتقعد تزعق و تولول. 


و لطخت "تمر حنة" ملابسها و فمها فحاولت جدتها تظنيفها قدر استطاعتها ولكن قد فُضح الأمر بالفعل فقد نزلت "هَنا" خلف ابنتها ككل يوم و نادت عليها فهرولت الفتاة إلي امها فهدرت "هَنا" :


- تاني يا ماما انا مش قولت لحضرتك الدكتور قال غلط عليها عشان الحساسية. 


- ما كل العيال بتاكل اشمعنا بنت ابني بقي. 


- يا ماما هتتعب كدة غلط عشان ارجوكي متعمليش كدة تاني من غير ما تعرفيني


- وانا هستأذنك عشان آكل البت في شقتي ولا ايه 


و كالعادة تدخل السيد "سعد" لمحاولة حل الخلاف بينهم و انتهي الأمر حتي جاء يوم قررت الجدة نزول "تمر حنة" مع اولاد عمها و عمتها للشارع لتلعب معهم بينما "هَنا" مشغولة بتنظيف شقتها و انزلت ابنتها لجدتها لانها تتحسس من الغبار 


نزل الأطفال ليلعبوا بالكرة ثم تشاجروا فصعدوا كلهم و نسوا "تمر حنة" التي جلست تبكي في الشارع لا تعرف كيف تعود و تريد امها فوجدت مجموعة من الأطفال علي الجانب الاخر من الشارع فجرت إليهم و وهي تجري صدمتها احدي الدراجات النارية فسحلتها في الشارع و وافتها المنيه.. 


كان "أحمد" في الشارع عائد من عمله فلاحظ تجمع مجموعة من الناس فذهب إليهم و وجد طفلة مغطاه بالجرائد لم يعلم ماهيتها و عندما رفع احدهم الجرائد وجد صغيرته هي الملقاة علي الارض و دماء ابنته تغرق الأرض حولها فمن صدمته فقد وعيه فعرف الجميع أن ابنه "أحمد سعد بِشري" هي من ماتت 


بعد شهر من الحادثة و انهيار كلا العائلتين و رفض "أحمد" تطليق "هَنا" رفعت قضية طلاق لاستحالة العشرة بينهما... 


(تمت)