-->

سلسلة أماكن مسكونة- بقلم الكاتبة سمر إبراهيم- الحلقة الثالثة (مشرحة حلوان)


 

الحلقة الثالثة

مشرحة حلوان

سلسلة

 أماكن مسكونة 


مشرحة حلوان في نظري مثيرة للرعب أكتر من قصر البارون، وعمارة رشدي بمراحل.

يمكن يكون ناس كتير متعرفش عنها حاجة، أو مش مشهورة أوي، لكن اللي اتقال عنها يخلينا نخاف منها جدا، ومن حلوان كلها.


طب إيه حكاية مشرحة حلوان دي؟ وليه يقال عنها انها مسكونة؟


تعالوا أقولكم.


المشرحة دي في الأصل كانت قصر من قصور العيلة المالكة في مصر قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م، مكان القصر في حلوان في منطقة الأربعين حرامي جمب الحديقة اليابانية.


لما قامت ثورة يوليو وتم ضم القصور الملكية للدولة تحول القصر ده لمشرحة ملحقة لمستشفى حلوان العام.


الكلام ده كان عام ١٩٥٣م تقريبا، لحد دلوقتي ومفيش أي مشكلة خالص بقت الجثث داخلة خارجة من المشرحة عادي جدا ومفيش أي مشكلة.


بس اللي حصل بعد كدا هو اللي فيه مشكلة.


العاملين في المشرحة بقوا يشوفوا، ويسمعوا، حاجات غريبة جدًا، بدأت فى الأول بهمس وأصوات غريبة بيسمعوها، زي مثلا يبقى واحد قاعد يسمع حد بينده عليه بصوت واطي، ولما يلتفت ميلاقيش حد، أو حد يستغيث بيه ولما يدور برضو ميلاقيش حد، بس الموضوع اتطور بعد كدا وبقوا يشوفوا حاجات غريبة صعب تصديقها.


❈-❈-❈


هقولكم دلوقتى نبذة عن شهود العيان من اللي كانوا شغالين في المشرحة وحكوا عن اللي تعرضوا له هناك وطبعا العهدة على الراوي، أنا لا أملك إلا نقل الصورة وأنتم عليكم تصديقها أو تكذيبها.


أول موقف على لسان واحد من اللي كانوا شغالين في المشرحة بيقول:

" كنت ماشي في المشرحة عادي، و مرة واحدة لقيت ست كبيرة في السن قاعدة على الترولي، وبتشاور عليا ولابسة أسود في أسود، معرفتش أحدد ملامحها، بس بصيت ورايا وقولت همشي خلاص، لقيت قط أسود قاعد وباصصلي أوي، ونط في وشي وأغمى عليا في ساعتها، وأول ما فوقت لقيت نفسي نايم عالأرض، وجنبي ست شكلها مرعب جدا بصالي وبتشاور للسقف، بصيت لقيت فيه حد مشنوق في السقف و باصصلي ومبتسم، طلعت أجري من الأوضة بسرعة، ومحكيتش لحد اللي حصل خالص".


الموقف الثاني على لسان فرد أمن فى المشرحة بيقول:

"أنا فرد أمن في يوم جت جثه جديدة، و حطيتها عالترولي لحد التلاجة، وطلبت من الممرض اللي كان في الأوضة يشيل الجثة معايا؛ عشان نحطها في التلاجة، و مرة واحدة لقيت إيد الجثة خبطتني بالقلم على وشي، وعنيها برقتلي جامد، وهمست بصوت مش مفهوم كلام خلاني أعصابي تسيب وأطلع اجري بره المشرحة كلها".



٣- واحد تاني من اللي شغالين بيقول:

"في يوم كانت ممرضة معانا كانت بتزق الترولي وعليه راجل، وفي طريقها للمشرحة، ومرة واحدة لقت الراجل قعد في مكانه، وبصلها، وبرق، و فتح بقه، وبدأ إنه يرتعش ويصوت بصوت غريب، ولما الممرضة صوتت، الراجل وقع من على الترولي عالأرض وبعدها اكتشفنا إن الراجل كان في غيبوبة، و أول ما دخل المشرحة جاتله سكته قلبية ومات"


٤- صاحب القصة بيقول:

في يوم جاتلنا جثة وكانت لابسة جزمة حلوة أوي عجبتني، خدتها ولبستها وروحت بيها البيت عادي، ولما الوقت عدا 12 بليل سمعت خطوات رجل عند باب الشقة، ولما طلعت أبص لقيت الجزمة ماشية و كأن فيه حد لابسها، وماشي بيها، والجزمة بتلف في البيت كله، طبعا اترعبت، واستنيت ساعة أذان الفجر، وأخدت الجزمة ورميتها في الشارع بسرعة، بس لقيت بعدها خيالات في البيت، و بدأت أشوف حاجات ماشية وكأنها روح المتوفي كانت في البيت عندي، ومش بس كدا، أنا فضلت متابع الجزمة بعد ما رميتها ولقيتها فعلا ماشية في الشارع، ويعتبر لفت الشارع بتاعنا كله، ومسابتش حته إلا لما راحتها"



٥- ممرض بيحكي ويقول:

"فى يوم كنت نايم في أوضة جنب التلاجة، و كنت قافل باب الأوضة عليا كويس، و طافي النور، بس حسيت إن فيه حد نايم جنبي وسمعت نَفَسُه قومت أجري، و شغلت النور، ملقيتش حاجة، ولقيت الباب مقفول زي ما هو، استغربت، ورحت نمت تاني، وتاني يوم كنت براجع كشف جثه لسه مستلمينها، وبولع سيجارة كدة، لقيت فيه حاجه ورايا بتنفخ في الولاعة، وبتطفي النار، بصيت ورايا ملقيتش حاجة، ولا فيه ورايا أي مصدر للهوا إنه يطفي النار، رجعت و بجرب تاني حصل نفس الموضوع، وفي تالت مرة لقيت فيه حد بيخبطني علي كتفي، ولما بصيت بسرعة ملقيتش حاجة، وقعدت فترة طويلة معرفش أولع سيجارة جوا المشرحة"


٦- صاحب القصة بيقول:

"في يوم جت جثة ست عاملة حادثة بشعة لدرجة إن رجلها كانت جوة بطنها، وكان المنظر صعب جدًا، وأنا بصيتلها كتير أوي مش عارف ليه؟ بس كان فيه حاجة شداني أبصلها، وبعدها فضل شكل الست ملاحقني في كل مكان، لما أبص في أي حته أشوفها، ولما أنام أحلم بيها، ولما أبص في السقف أشوفها برضو، وفي نفس اليوم ده بالليل وأنا قاعد في المشرحة سمعت صوت بيخبط جامد علي باب المشرحة، طلبنا الشرطة، وجت، وفتحوا الباب، ولقينا راجل بيجري قدامنا يمين وشمال بحركات عشوائية غريبة، ومرة واحدة وقع عالأرض بسكته قلبية"


٧- دي بقى بيرويها حارس أمن تاني فى المشرحة بيقول:

"في يوم لقينا أنا و زمايلي جثه ست ملهاش ملامح، جاية تجري وبتخبط علي باب المشرحة، فتحنا لقيناها ملهاش ملامح خالص كأنها كانت مدفونه قبل كدة وطلعت من التربة، و أول ما دخلت المشرحة وقعت عالأرض، وماتت، شيلتها وحطيتها في الخشبة، وطلبت من زميلي يرفعها معايا بس رفض؛ عشان كان خايف من شكلها، وخايف يلمسها، وأول ما رفض مرة واحدة اتكعبل، ووقع في الخشبة معاها، و راح واقف بسرعة وقعد يصرخ، وطلع يجري بره المشرحة."


٨- بيقول صاحبنا:

" في يوم كانت عندنا جثة ست عندها غرغرينا في رجلها ومكناش عارفين نشيلها فطلبنا من ست معانا إنها تيجي و تشيلها معانا، وفعلا جت معانا، وأول ما دخلت الأوضة وشافتها، بصتلها أوي وبرقت، و الجثة برقتلها هي كمان، راحت الست واقعة عالأرض، وجالها سكته قلبية، وماتت في ساعتها."


دي كانت الروايات اللي اتقالت على لسان الناس اللي كانوا شغالين في المشرحة ولكم حرية تصديقها أو تكذيبها.


كل الروايات دي متقالتش والمشرحة شغالة، كلها اتقالت بعد المشرحة ما اتقفلت.


❈-❈-❈

 طب هي اتقفلت ليه؟


أنا هقولكم.


في يوم النار مسكت في المشرحة بالجثث اللي فيها من غير سبب، والناس حاولت تطفي النار بكل الطرق، بس مع الأسف النار كانت بتزيد، مش بتقل خالص، حتى المطافي لما جت معرفتش تطفيها أبدًا، وفضلت النار شغالة لحد ما كلت المشرحة باللي فيها.


حصلت بعد كدا محاولات كتير لتجديد المشرحة لكن للأسف التجديدات دي مكانتش بتحصل أبدًا، ليه؟ الله أعلم.


فضل الحال على ما هو عليه والمشرحة مقفولة لحد عام ١٩٩٢م لما حصل الزلزال المشهور، وتصدعت مباني المشرحة وبقت آيلة للسقوط ومينفعش تتجدد ولازم تتهد وتتبنى من جديد.


من يوم اللي حصل والمشرحة بقت مكان مهجور، الغريب إن الدولة حاولت كتير جدا تهدها؛ علشان تبنيها من جديد لكن في كل مرة كان قرار الهدم بيقف من غير أي سبب، ومن يومها لحد النهاردة المبنى موجود ومحدش قادر يقرب منه، لا بالهدد ولا بالتجديد.


نيجي بقى للجيران في المنطقة، كلهم يقسموا إنهم بيسمعوا أصوات غريبة خارجة من المشرحة، سواء بالليل، أو بالنهار، دا غير الأنوار اللي بتنور، وتطفي لواحدها، وكلهم كمان أجمعوا إن المبنى ديما مظلم سواء بالليل، أو بالنهار.


من هنا بدأ الاعتقاد عند كتير من الناس إن المكان ده مسكون، وطلعت بقى إشاعات، وأساطير، كتير جدا حوالين المكان منها اللي يتصدق، واللي لا يتصوره عقل.


فيه بعض السكان قرروا إنهم يدخلوا المشرحة علشان يشوفوا فيها إيه ولما خرجوا حكوا عن أصوات همس سمعوه جوا غير هوا سخن بيجي ورا ودنهم، زى ما يكون حد بينفخ وراهم، غير الخيالات اللي قالوا إنهم شافوها.


الغريب إن كلهم أجمعوا إنهم بعد ما خرجوا بدأت تحصلهم حاجات غريبة، ويشوفوا خيالات مرعبة في بيوتهم، غير الكوابيس اللي مكانتش بتسيبهم، ومبتخليهومش يعرفوا يناموا،


من ٧ سنين حصل موقف غريب جدًا، مجموعة من طلبة مدرسة السلام اللي جنب المشرحة قرروا إنهم يدخلوا المشرحة؛ علشان يشوفوا فيها إيه ويعرفوا سرها.


دخلوا بالليل وكان معاهم كبريت؛ علشان ينوروا المكان، بس الغريب إن أعواد الكبريت كل ما يولعوها كانت بتنطفي فجأة، وكأن حد بينفخ فيها، لحد ما الكبريت اللي معاهم خلص، وبدأوا يسمعوا أصوات غريبة في الضلمة، وحاولوا يخرجوا لكن ملقوش الباب اللي دخلوا منه، وبقوا عاملين زى اللي تايهين في الصحرا، بيجروا في الفراغ، ولا فيه أبواب، ولا حتى جدران، وهنا اتفزعوا، وبدأوا يصرخوا، لحد ما السكان سمعوا صراخهم، واتصلوا بالنجدة اللي جت وخرجتهم، ولما خرجوا حكوا الكلام اللي قولته ده.


وفيه ناس بتقول إن اللي خرج من المكان ده هو واحد بس، والباقي اختفى من غير أي أثر.


فيه رواية تانية بتقول:

 إن المكان فيه تحف، ومقتنيات ملكية ثمينة، ودا طبعا أغرى كتير من الحرامية علشان يدخلوا يسرقوا التحف دي، لكن اللي كان بيدخل مكانش بيخرج تاني ولو خرج كان بيخرج جثة هامدة.


طيب دا الكلام اللي بيتقال عن العفاريت والجن اللي ساكنين المكان، بس زي ما عودتكم لازم أجيب لكم الرأي التاني رأي الناس العقلانيين اللي بينكروا كل الكلام ده وبيفسروا اللي بيحصل ده تفسير منطقي.


قالوا إيه بقى؟


قالوا إن كل الكلام ده مش صحيح، ولا يمت للحقيقة بصلة ولا فيه عفاريت، ولا جن، ولا أصوات، ولا أي حاجة، كل الحكاية إن المكان زي ما قولنا كان مليان تحف، وآثار، وكان فيه ناس عايزة تستولي على الحاجات دي، فهما اللي روجوا للإشاعات دي وطلعهوها؛ علشان يقدروا يستولوا على الحاجات دي براحتهم، من غير ما حد يحس بيهم، وهما اللي كانوا بيعملوا الأصوات، والأنوار، والكلام دا كله، واللي يؤكد كلامهم، إن كل الكلام اللي اتقال ده كلام مرسل مفيش عليه أي دليل.


قالوا كمان إن المكان دلوقتي بقي مأوى للبلطجية، والمغتصبين، وقطاع الطريق، وتجار المخدرات، ودول من مصلحتهم إن المكان يفضل مهجور؛ علشان يرتكبوا فيه جرائمهم، ويخفوا فيه الحاجات اللي عايزين يخبوها، من مخدرات، ومسروقات، وآثار، وغيره، من غير ما حد يقولهم انتوا بتعملوا إيه.


حاول كتير من أهل المنطقة يجيبوا قرار بإزالة المبنى علشان يخلصوا من المجرمين اللي موجودين فيه، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، ولسه المكان موجود لحد دلوقتي، ويمثل لغز كبير محدش عارف يحله. أو يكتشف سر غموضه.


بقلم سمر إبراهيم