-->

الحقة الثانية (عمارة رشدي) - سلسلة أماكن مسكونة

 



الحلقة الثانية

(عمارة رشدى)


عمارة رشدي تعتبر من أشهر الأماكن المسكونة في مصر ولما اقول مسكون مش قصدي خالص إنه مسكون بالبشر إنما مسكون بكيانات تانية خالص.


عمارة رشدي أو عمارة العفاريت زي ما هي مشهورة في إسكندرية بالاسم ده .


معظمنا سمع عن عمارة العفاريت، وإزاي الكل بيخاف يعدي من قدامها، وبالرغم من موقعها المتميز جدا في أبو قير في شارع رشدي المشهور جدا في إسكندرية إلا إنها غير مأهولة بالسكان من يوم ما تم بنائها من ٦٠ سنة.


  طب ايه حكايتها بقى؟ تعالوا أقولكم.


الحكاية بدأت عام ١٩٦١م لما اشترى خواجة يوناني اسمه "بارديس" قطعة أرض في شارع رشدي؛ علشان يبنى عليها بيت ليه هو، وأولاده الخمسة، وبالفعل بنى عمارة جميلة جدا مكونة من خمس أدوار، واتنقل هو، ومراته، وأولاده علشان يعيشوا فيها.


بعد اسبوع واحد بس من انتقالهم للبيت الجديد قرر الخواجة فجأة كدا يطلع رحلة صيد هو وأولاده، وفعلا ركبوا مركب وبدأوا رحلتهم، لكن اللي حصل إن المركب غرقت بيهم كلهم وماتوا هما الستة مرة واحدة.


بعد كدا الست زوجة الخواجة بعد موت جوزها وأولادها تشاءمت جدًا من البيت، وقررت تبيعه بأي تمن وترجع اليونان تعيش فيها من تاني.


عرضت الست العمارة للبيع بتمن مغري جدًا، وفعلا قدرت تبيعها بسهولة لتاجر أخشاب كبير في إسكندرية اسمه "الحاج محسن" أو محسن بيه زي ما كان مشهور في الوقت ده .


اشترى الحاج محسن العمارة بتمن لقطة زي ما بيقولوا وقرر يوضبها، ويعرضها للإيجار.


بالفعل جاله واحد علشان يأجر الدور الأرضي كان اسمه "الأستاذ سيد عباس" وأجره بالفعل، وانتقل إليه هو وأسرته، بس الغريب إن بعد يومين بس من انتقالهم للعمارة حصل في شقتهم حريق ضخم قضى على كل حاجة في الشقة، وقضى على الأستاذ سيد نفسه، وتوفيَ في الحريق ده، وطبعا عيلته سابت الشقة وعزلت بعد موته.


الدور التاني في العمارة: أجره دكتور شاب علشان يعمله عيادة، وفعلا بدأ فى التجهيزات، وكانت كل حاجة ماشية تمام التمام، لكن اللي حصل إن قبل افتتاح العيادة بيومين اتنين بس توفي الدكتور في حادثة عربية، كان بيعدي الشارع وخبطته عربية، الغريب في الموضوع إن الحادثة حصلت قدام العمارة، كان خارج منها وبيعدي الشارع هوب انتقل إلى رحمة الله.


الدور التالت والرابع: أجرته شركة أجنبية عالمية علشان تفتح فرع ليها في إسكندرية، وكانت شركة كبيرة جدا وأرباحها خرافية، بس اللي حصل إن بعد انتقالهم للعمارة بأيام قليلة حصلت خسائر فادحة للشركة، وتقريبا أعلنت إفلاسها، وكان صاحبها مهدد بالسجن، وده اللي خلاه ينتحر، رمى نفسه من مقر الشركة اللي هو في عمارة رشدي.


طبعا أربع حوادث ورا بعض كانوا كفيلين بإن الناس تتكلم عن العمارة، وإن فيها حاجة غلط، وإنها عمارة نحس، أو مسكونة بالجن والعفاريت، وبدأت الناس تخاف تقرب من العمارة ومحدش رضي يسكن فيها.


❈-❈-❈


عام ١٩٨٧م استخرج مالك العمارة ترخيص لتحويل العمارة لفندق سياحي، فيه مركز تجاري، وسوبر ماركت، وكافتيريا، ومكتب سياحي، ومطعم، ومركز مؤتمرات، وقاعة أفراح.


لكن التراخيص وقفت وفضلت العمارة زي ما هي، ومتحولتش لفندق ولا حاجة إيه السبب؟ الله أعلم.


عام ١٩٩٠م كان فيه عريس بيدور على شقة، وقرر يجازف ويأجر شقة في الدور الثاني في عمارتنا المشهورة.


طبعا ناس كتير حذرته وقالت له إن العمارة مش كويسة، وإنها مسكونة، بس هو مقتنعش بكلامهم، وقالهم:

 "ما عفريت إلا بني آدم"

 وقرر ميسمعش كلام حد، وبالفعل أجر الشقة، وجاب عمال علشان يشطبوها.


العمال نصحوه كتير إنه يصرف نظر عن الشقة، وقالوا له إنهم طول ما هما شغالين سامعين أصوات غريبة خارجة من الحمام، بس العريس مسمعش كلامهم وقال إنهم اكيد بيتخيلوا، وخلاهم يكملوا تشطيب الشقة.


يوم الفرح وبعد دخول العريس، والعروسة الشقة بكام ساعة، تفاجئ الجيران بصوت صريخ جامد جاي من العمارة، بالتحديد من شقة العريس، وفجأة لقوا العريس والعروسة مرميين في الشارع شبه عريانين وجسمهم كله دم.


 الناس اتجمعت علشان يلحقوهم، وقدروا بالفعل إنهم يلحقوا العريس، لكن للأسف العروسة ماتت وكان واضح إنهم وقعوا من البلكونة.


لما العريس فاق وحكى اللي حصل قال إنهم أول ما دخلوا من باب الشقة لقوا على الحيطان بقع حمرا زي ما تكون الحيطة بتنزف، محطوش في دماغهم، ودخل العريس الحمام علشان ياخد شاور، بس تفاجئ بالحنفية بتنزل مياه لونها أحمر زي الدم، وفجأة سمع صوت صراخ فظيع، طلع يشوف فيه إيه؟ لقى مراته بتصرخ، ومنهارة، وقدامها قط أسود ضخم بحجم كلب كبير.


هجم القط على العريس، والعروسة، وهما حاولوا يهربوا منه ويخرجوا من باب الشقة، بس الغريب إنهم ملقوش الباب زي ما يكون اتبنى مكانه حيطة سد، ومالقوش قدامهم إلا البلكونة فقرروا ينطوا منها، هو كان حظه حلو علشان الشقة كانت فى الدور التاني، لكن العروسة وقعت على دماغها وتوفت في الحال.


بعد الحادثة دي الناس بقى عندها يقين إن العمارة مينفعش حد يسكن فيها .


حاول مجموعة من المشايخ يدخلوا العمارة كذا مرة علشان يقرأوا فيها قرآن، ويطهروها من اللي فيها، لكن الغريب إنهم كانوا بيحكوا إن أول ما بيدخلوا من مدخل العمارة ويطلعوا على السلم مكانوش بيلاقوا أبواب أصلًا علشان يدخلوا الشقق، كانت الأبواب زي ما تكون حد شالها وحط مكانها جدار سد.


في مرة شيخ قرر يتحدى الكل وراح عاش في العمارة، وقال إنه هيقدر على الجن الموجود فيها، وبالفعل قعد يوم، والتاني، والتالت، لدرجة إن الناس صدقت فعلا إنه قدر يحل المشكلة، لكن اللي حصل إن في اليوم السابع الناس لقت الشيخ طالع من البيت، ولونة مخطوف، وعمال يجري، وقبل ما ينطق بأي كلمة وقع وتوفي في ساعتها.


فيه ناس تانية قالت إنه مماتش ولا حاجة، وإنهم لقوه مغمي عليه فى الشارع، وعفشه جمبه متكسر كله، ولما فاق مرضاش يقول إيه اللي حصله في العمارة.


❈-❈-❈


بعد كدا قرر أصحاب العمارة إنهم يقفلوها نهائي؛ علشان محدش يدخلها تاني ويؤذى نفسه، وجابوا طوب وقفلوا بيه مدخل العمارة علشان محدش يعرف يدخل.


الجيران بتوع العمارة بقى محدش فيهم أجزم إنه شاف، أو سمع حاجة في العمارة خارقة للطبيعة، غير بس الملاحظة اللي معظمهم خد باله منها وهي إن في عز الظهر والعمارات كلها الشمس ضاربة فيها ومنوراها، كانت عمارة رشدي بتبقى مظلمة مفيش ضوء منعكس عليها نهائي.


دا غير واحد من السكان اللي ساكنين في العمارة اللي قدامها قال إنه كان ديما بيستغرب لما يبص على العمارة في عز الضهر بيلاقيها مظلمة من برا ومن جوة، بس فى مرة وهو بيدقق النظر في العمارة لمح حد بيتمشى في شقة من الشقق، بس الحد ده لمحه وفضل مركز معاه ويقرب من البلكونة لحد ما لمح عنيه مرعبة جدا شبه عيون القطط، وطبعا الراجل اترعب وقرر ميبصش على العمارة دي تاني.


❈-❈-❈


طيب ايه السبب بقى لكل اللي بيحصل ده؟


اختلف الناس في السبب بين مجموعة من الآراء المختلفة.

• الرأي الأول بيقول:

  السبب في كل ده إن العمارة دي كان مكانها مسجد وتم هدمه لبناء العمارة مكانه.


• الرأي الثاني يقول:

لأ دا كان واحد من العمال في جيبه مصحف وقع منه وهو شغال وتم بناء العمارة عليه.


• الرأي الثالث قالوا:

 إن العمارة مبنية على مقابر لناس ماتت ميتات بشعة وأشباحهم هي اللي ساكنة العمارة.


• الرأي الرابع بيقول:

  الأرض اللي مبنية عليها العمارة كانت مملوكة لاثنين شركا واحد فيهم نصب على التاني، قوم إيه التاني عمل سحر ودفنه في أركان الأرض الأربعة؛ علشان يوقف حالها ومحدش يشتريها بس دفنه للعمل في الأركان الأربعة خلى قبائل من الجن تسكن الأرض والعمارة من بعدها.


• الرأي الأخير:

 هو الرأي الرافض للأفكار دي كلها بيقول إن السبب في ده كله هو إن صاحب العمارة الأصلي توفي، وكان ليه ورثة كتير، وحصل خلاف بينهم، فقرروا يطلعوا الإشاعات دي على العمارة؛ علشان محدش يسكنها أو يفكر يشتريها.


❈-❈-❈


عام ٢٠١٢م اطلق شاب من إسكندرية مبادرة على الفيس بوك بعنوان "هنفتح عمارة رشدي" وكانت المباراة عبارة عن دعوة للشباب إنهم يتجمعوا في يوم معين، ويروحوا يفتحوا العمارة، ويثبتوا للناس إن مفيش حاجة اسمها عفاريت ولا حاجة، ويقضوا على أسطورة عمارة العفاريت.


بالفعل اتجمع شباب كتير جدا، وراحوا العمارة، وفتحوها، ودخلوا البلكونات، وقعدوا يصفروا للناس، ويحيوهم؛ علشان يثبتوا لهم إن مفيش حاجة، وإن الموضوع وهم ليس إلا، وفعلا الجيران خرجت، وحيت الشباب، وكان يوم حلو جدا. 


الغريب إن الشباب دول لما خرجوا من العمارة، ولما الناس سألتهم شافوا إيه جوا قالوا حاجة غريبة جدا.


قالوا إن العمارة من جوة تحت الإنشاء، الجدران على المحارة، مفيهاش سباكة، ولا صرف صحي والسلم من الخرسانة، يعني استحاله يكون حد عاش فيها قبل كدا هي اصلا مفيهاش حنفية علشان تنزل دم، ولا أثر حريق، ولا أي أثر للحياة من أصله. 


كلام الشباب ده ثبّت عند الناس فكرة إن الكلام اللي اتقال عن العمارة ده كله فعلا كان إشاعات، ومفيش حاجة فيها صحيحة، خصوصا إنك لو سألت أي حد من الجيران هيقولك سمعنا كذا، إنما مفيش حد فيهم هيقول أنا شوفت كذا، محدش شاف بعينه كلهم سمعوا بس.


❈-❈-❈


عام ٢٠١٣م قامت شركة إنشاءات كبيرة اسمها شركة "هرتاج" بشراء العمارة، وجددتها، وعملت ديكورات مبهرة، غيرت معالمها خالص؛ علشان تغري الناس إنهم يسكنوا في العمارة، وفعلا أكتر من واحد قدم علشان ياخد وحدة سكنية فيها.


بالرغم من الديكورات ، والتجديدات اللي حصلت في العمارة، بس معظم الناس لسة لحد دلوقتى بتقول عليها عمارة العفاريت، ولسه بيخافوا يعدوا من قدامها، وفيه ناس قالت والله لو دفعوا لنا فلوس، مش ممكن نجازف وننام فيها يوم واحد.


كانت هذه هي كل الآراء التي قيلت حول عمارة رشدي، وأنت عزيزي القارئ لك حرية الاختيار في تصديق، وتكذيب ما تريد.


  سمر إبراهيم