-->

الفصل الرابع عشر - كما يحلو لكِ - النسخة العامية



الفصل الرابع عشر

النسخة العامية

 

 

لقد كانت تغادر وهؤلاء السُذج غارقون في النُعاس، عليه أن يُغير طاقم الأمن الذي عينه بأكمله بعد أن اكتشف مدى غبائهم بمجرد حيلة بسيطة تافهة منها، كيف لهم ألا يتفقدوا المكان جيدًا؟ هل هذا إجراء صعب على ثماني رجال؟

 

رؤيته لهذه التسجيلات توضح أنها كانت تتجه إلى سيارتها القديمة حتى المرأب وتستقلها بصحبة سائقها وبعدها بالطبع لا يعلم إلى أين تذهب، ما الذي تريد أن تُخفيه؟ ما الشيء أو الشخص الذي يجعلها تخدع رجال الأمن حتى تذهب إليه؟ ما الذي حرمه عليها بعد كل دلاله لها حتى تفعل ذلك به؟!

 

عندما اكتشف ما فعلته "يُمنى" يومًا ما لم يكتفِ منها لعامين، أمّا عن زوجته، التي عشقها بعد ظنه بأن وقوعه في العشق امر مُستحيل الحدوث بل والتخيل، التي أخبرها بالكثير والكثير مما لا يعرفه أحد عنه سواها، الزوجة التي تريد الانفصال عنه، وهي أيضًا التي تحاول أن تتستر على امرٍ ما تفعله، يا ترى كم سيدوم انتقامه منها، خمس سنوات؟ أكثر، أقل، أو ربما الأمر سينتهي بموتها بين يديه؟! خاصةً وهي الآن تُبرهن له أنها و "يُمنى" تشاركا أكثر من مجرد الملامح، على ما يبدو أن كلتاهما تفعلا المثل!! تبًا للنساء!

 

 

ربما بالأمس كان يُعاملها كموكلته، لقد عمل على الخطوة الأولى وهي بناء الثقة الظاهرية، ولو لحظيًا، ثم بعدها استطاع أن يُجري تحقيقه معها ببراعة، وبعد يقينه من مصداقيتها قدم الحلول، هذا التوكيل الذي يملكه الآن بين يديه والذي يؤهله لإدارة شركاتها التي هي حجتها المُقنعة للتهرب منه دائمًا، العمل الذي لا ينتهي!!

 

 

بعد ما اكتشفه اليوم لن يُعاملها سوى بأنها عدوته، ليأخذ منها أكثر ما تهتم به، ليرى إلى أي حد تريد الوصول إذن، ولو تظن أنها ستعرف ما اكتشفه لابد أنها تحلم!

 

 

كيف ستفعل وهي لا تملك هاتفًا ولا حاسوبًا ووالدتها تظن أنهما مُسافران لقضاء عُطلة سعيدة سويًا لعلها تُعرض عن فكرة الانفصال تلك التي بادرت بها، يا له من ذكي، يُطري على نفسه كثيرًا أنه قد انتهى من أمر والدتها هذا الصباح قبل كل شيء.. بعد الضغوطات بالعمل، عدم مقدرتها على تفهم الحياة الزوجية التي لم تعتدها بعد، فلقد كانت قبل كل هذا فتاة والدها المُدللة، وسيدة الأعمال المنشغلة، ولكنها لم تعرف قط ما معنى الزواج ولا أن تكون امرأة متزوجة وهو سيحاول بكل ما أوتي من قوة أن يجعلها تتفهم ذلك.. وكما توقع، والدتها ستقع في هذا الفخ ببراعة!!

 

 

لم يعد هناك مساحة لها لاتخاذ القرارات، لم يعد هناك عمل، لم يعد هناك أي شيء ولا أي أحد يُشغل وقتها سواه، لتظن ما تظنه، ولتبكي وتصرخ وتعصيه كيفما شاءت، ولكنها لن تغادر قبضتيه قبل أن تكون امرأة أخرى تمامًا.. امرأة تُناسب رجل مثله، لا تفعل سوى ما يُريده وستفكر آلاف المرات قبل أن تنطق بحرفٍ واحد لا يلقى اعجابه!

 

 

الوقت يكشف الكثير، والوقت وبحثه عما كانت تفعله سيُجدي بالكثير من النتائج حتمًا، لا ضير من تربص الفريسة حتى الإيقاع بها، لا هو لا يُريد الإيقاع بها، بل يُريد اذعانها واستسلامها، هذا ما سيعمل عليه الفترة المُقبلة!

 

 

نفس الماضي يتكرر، خديعة امرأة، أليس الأمر بأكمله يتعلق بامرأة ما في مكان ما في وقت ما تقرر بعقلها المحدود أن تُغير حياة رجل، مرة بالعشق، ومرة بالخيانة، والمغفل من يتركها تفعل، ونعم لقد كان مغفل ذات مرة منذ أمد بعيد، لن يسمح لها بأن تحوله لمغفل مرة ثانية الآن!

 

 

الشوارع تستغيث من كثرة هذا الزحام، بالكاد هناك فُرجة ضئيلة بين كل سيارة والأخرى، ملله يزداد، يشعر بالاختناق من طوال هذه المُدة التي جلس بها بسيارته إلي أن يصل للفندق، ربما سيجارة أخرى قد تلتهم بعض الوقت، بالرغم من أن ساقه التي تهتز دون توقف تصرخ معترضة على انتظاره هذا..

 

 

عقله مُلبد بركام أفكار لا ينتهي، فكرة تتسارع معها الأخرى وتنافسها بضراوة كي تنتصر هي ويُنفذها لتُصبح حقيقة ملموسة وليست مجرد فكرة، خيانتها، قضية الخلع، شركتها، تلك القضايا التي اتفق مع "باسم" بأنه سيُعطي بها الاستشارات لفريقه الذي يعمل عليها، انتقامه منها، رغبته في التخلص من هذا الزحام الخانق واحتساء كأسًا يروي ظمأه للثمالة التي تُنسيه الكثير وتُحسن من مزاجه، والده، يا ليت والده يرى ما حدث اليوم وليلة أمس.. لو يرى ما توصل له معها سيكون فخورًا به كثيرًا..

 

 

نفث دخانه وهو يبتسم هازئًا، كم كانت خاضعة متوسلة، شارفت على البُكاء من شدة رغبتها، وقعت التوكيل بمنتهى السهولة بمجرد قوله بأنه سيفعلها لو وقعت على هذه الورقة، لقد كان يتحكم بها بإشارة من طرف سبابته وهي تُنفذ كل ما يُريد، خاصةً بعد ثمالتها للمرة الثانية، كانت كقطعة من الهلام التي بلمسة واحدة منه تستجيب له..

--

 

بذلك الوقت عندما استيقظت وباتت تُدرك ما يحدث لها، عندما جذبها عاقدًا خصلاتها حول قبضته وهي تحاول أن تكافح الألم ولكن لم تجد ملجأ منه إلا أن تتبعه، من جديد يستخدم العنف مُستغلًا اخر ما تبقى من تأثير ثمالتها، أليس كل ما يحدث نهاية امرأة مثلها؟ سيدفعها حتى أن تفقد عقلها من شدة عذابه واهانته لها إلى أن تتوقف عن افعالها وتتحلى ببعض العقل، إن لم يجعلها كل ما يفعله تعود عن قراراتها التي تظن أنها لها الحق بها سيُضاعف كل هذا العذاب وسيظل يفعلها إلى أن تستسلم له بالكامل في يقظتها وثمالتها وحتى بأحلامها!!

 

 

هذه الغبية تدفعه لكراهيتها بدلًا من عِشقها، ليس كراهيتها وحسب بل مُعاملتها أسوأ مُعاملة على الاطلاق بعد أن جعلت منه مُزحة سائغة بألسن الجميع، عليها أن تتعلم ما يستطيع "عمر الجندي فعله، ستثمل من جديد كما يُريد ويشاء، سيُقيد يديها مرغمًا اياها على الاتكاء أرضًا كالحيوانات فهذا ما تستحقه امرأة لا تعرف ولو معنى للطاعة بعقلها، سيستخدم كل ما يعرفه عن كيفية اثارة النساء ومذاق الخمر يحرق فمها وحتى ولو السبيل أن تلفظ أنفاسها كلما تجرعت جرعة تسللت قطراتها إلي مجرى تنفسها وهو يُكرهها على تناول الشراب من جديد!!

 

 

وكما توقع تمامًا، لقد استجابت للثمالة من جديد بعد جرعة ليست بالكبيرة، أو ربما هي كبيرة، لا يهم، ما يهم هو أن يصل لكل ما يُريده وبعد أن حفظ ما يُعجبها لن تستطيع المقاومة وعقلها غائب عن الواقع وقد شرد بالفعل في الرغبة من جديد..

 

 

لا يستطيع نسيان ذلك الوقت عندما اخفض من بصره نحوها يُتابعها وهي تُعاني في موازنة جسدها حيث تقييد يديها يجعلها لا تستطيع البقاء كما وجهها للجلوس ولا حتى تستطيع الاعتدال، تائهة بين صعوبة مجرد جلسة قطة بائسة قد تجلس بطريقة افضل منها وبين صعوبة التركيز فيما يحدث لرأسها الذي سيتألم بقسوة صباح غد!!

 

-       مالك؟

 

 

 

امتعضت ملامحها وهي تحاول الحصول على صورة لوجهه بوضوح:

-       مش عارفة اتحرك.. ممكن تُفكني؟

 

 

 

ابتسم من شدة طغيان الرضاء بداخلها وهو يراها تُعاني لمجرد الثبات بموضعها، أي ألم وأي مُعاناة وأي لمحة من وجهها وهو يرى عليه عدم قبول ما تواجهه يجعله ينتشي بالسعادة الشديدة، لماذا لا تكون هكذا طوال الوقت؟!

 

 

اقترب منها وامسك بخصلاتها المُبتلة، وجذبها مُرغمًا إياها على اتباعه وجلس على كُرسي ثم حدثها متسائلًا باستهزاءٍ وهو يتشفى برؤية حالها:

-       عايزاني افكك؟

 

 

تفقدها بعد أن اجلسها امامه بين قدميه حتى أصبحت تواجهه وهمهمت بالإيجاب وهي تومأ له ليدنو منها مُشاركًا إياها قُبلة تبعها الكثير من القُبلات التي حولت أنفاسها للهاث ومن جديد استطاع أن يجدد بداخلها هذا الإعصار الذي يلتهم كل ما بطريقه، لا يترك العقل والمنطق دون أن يدمرهما، ولا يترك سوى تركيز عقلها الثمل على الرغبة المحضة!!

 

 

ابتعد عنها ولم تلحظ أنه حررها بالفعل لتجده ينهض وهو يبتعد عنها لركن بالغرفة وفتح درج المكتب الصغير المُلحق بالجناح بينما تابعته بعينيها ونادته بأنفاس متلاحقة:

-       عمر، انت بعدت ليه؟

 

   

 

اخرج هذا التوكيل الذي اعده مُسبقًا ثم جذب الزجاجة التي لا تزال ممتلئة فلقد قاربت جرعات الاحتفال الوشيك بتملكه لواحدًا من أسباب تهربها منه، يعرف أنه سيستطيع النجاح في دفعها على التوقيع، واحتفاله سيستمر حتى صباح يوم غد!

 

 

عاد مرة ثانية وهي لا تكترث سوى لإنهاء ما بدأه معها فجلس وتفقدها وهو يترك ما بيده بجانبه ثم استخدم حيله ومكره مرة أخرى، لن يتوقف عن افعاله حتى تُصبح له اليد العُليا في كل حياتهما سويًا، بداية من هذه الجلسة التي تجلسها اسفل قدماه ونهاية بالقضية التي ستحلم برؤيتها تكسبها ولكن احلامها لن ترى النور يومًا ما، سيظل يستخدم مشاعرها الفطرية ضدها حتى تُصبح وبالًا عليه!

 

 

 

فرق قُبلة طويلة تملكتها للحظات وهو يتريث في التقاط أنفاسه بينما هي كانت مشتتة للغاية لا تدرك أي مما يحدث لها وقبل أن تقترب منه مرة ثانية اخفض يديها المتشبثتان بعنقه ثم سألها مُستنكرًا:

-       عايزاني أأقرب منك؟

 

 

 

تبع سؤاله بلمسات ماكرة، هادئة، يعرف تمامًا أنها تعشقها، لقد بات على يقين تام من كل ما تُحبه وتكرهه، فتاة بريئة مثلها لم تأخذ معه وقت كي يحفظ ما تُريده ويجعله يستميلها نحو أي فعل ببراعة شديدة، حتى الآن وهي تهز رأسها بالموافقة بأنفاسها التي سلبتها افعاله منها قد توقع فعلتها!

 

 

-       طيب علشان مننساش بعد اللي هنعمله، خدي امضي ده!

 

 

ضيق عينيه نحوها وهو يُتابعها تنظر إلي هذه الورقة باستغراب شديد وتعجبها واضح على كل ملامحها الغارقة بالنشوة ولكنه لن يترك شعورها للذهاب فقد لا يعود لو ادركت ما ستوقع عليه فتحدث متريثًا بتوضيح:

-       ده هدية جبتهالك ولازم تمضي الورقة دي علشان تستلميها.. مش عايزك تفضلي زعلانة مني يا قطتي!

 

 

 

امسك بالقلم يناوله لها ويده الأخرى تمسك بالزجاجة استعدادًا لاحتفاله الوشيك وارادته في ذهاب عقله وهو معها، فهناك جزء بعقله يُخبره بأن يكون واعيًا بكل ما يحدث وبكل ما سوف يتشاركاه والجزء الآخر يُلزمه بأن ينسى ويترك نفسه تحت شفقة مشاعره لها وارادته الفطرية بها!! والجزء الأول لو تركه ينتصر بهذه المعركة الفكرية لن يتركها سوى مُكبلة ارضًا للصباح، شعوره بالاشتياق الغريب لمشاركتها علاقة حميمة كرجل سادي سيتركها مريضة حتمًا وهو لا يُريد لها هذا، على الأقل حتى يرى ما الذي ستفعله بخصوص الانفصال السخيف الذي لا تنفك تتحدث عنه بكل ثانية تمر عليهما معًا..

 

 

 

-       يالا!!

 

 

 

حاولت تسليط تركيزها على ما كُتب في هذه الورقة ولكن الحروف تتراقص امامها بشكل غريب لم تختبره قط، ها هي تُمسك بالقلم وتحاول تفسير هذه الحروف مرة ثانية ولكنها لم تستطع، لماذا لا يتركها كي تتبين ما تفعله، وما لعنة ما يفعله بعنقها، ألم يكن منذ قليل امامها على هذا الكُرسي الفارغ الآن، هل نهض وهي لم تلحظ ذهابه؟ عليه التوقف أو عليها هي الالتفات له حتى تنتهي من هذا الشتات!!

- امضي!

 

 

 

اللعنة على هذا الشتات، عليها أن تنتهِ من هذه الورقة السخيفة ولتلتفت له اذن، لن تتحمل همسه بأذنها بصحبة قبلاته المحمومة التي يُبعثرها على عنقها أكثر من هذا!

 

 

القت بالقلم والورقة بعيدًا على الكرسي الفارغ بعد أن وقعتها والتفتت له لتراه جالسًا خلفها فتفقدته بأنفاس متسارعة وشعرت أو ربما هي تتخيل أن ذراعه تحاوط خصرها، لماذا يحتسي المزيد من الشراب الآن؟ هل سيقترب منها أم سيثمل؟ هي تتذكر أنه ثمل مرتين بالسابق وتتذكر كيف كانت تلك المرتين، هي بالكاد تستطيع التركيز بأمرٍ واحد! عليه التوقف عن الاحتساء هذا والا عليها مواجهة مزاجه العكر بالصباح!!

 

 

 

حاولت أن تجذب منه هذه الزجاجة ولكنه لم يترك لجذبتها الواهنة أن تُخلصه منها، يحاول دفع نفسه أن ينسى كل ما حدث بينه وبينها، يحاول أن يغرق في هذه اللحظة التي من المفترض أن تحدث قريبًا بعد كل ما واجهه جسده من خمر، تبًا لرأسه الفولاذي الذي يحتاج الكثير من الوقت حتى يثمل بالكامل!

 

 

 

دفعها أمامه، أصبحت تجلس ارضًا، لا تستند سوى على هذا الكُرسي بينما لا تستند على ذرة من الوعي، نظراتها لا تزال مُشبعة بالرغبة، هذا ما كان يُريد أن يصل له، ربما عليه الغياب في جولة جديدة من الشراب الممتزج بمذاقها هي..

 

 

دنا منها وهو يسكب المزيد عليها، جولة أخرى جديدة، وهي لا تُمانع أيًا مما يفعله، يا لها من لعينة، لا تعرف تأثير استجابتها له، تجعله يُحلق بالسماء، ترغمه على نسيان كل ما لا يقبله وتستمر هي في فعله، أليس هناك حدود لتملكها إياه؟ إلى متى ستستمر في استغلاله بهذه الطريقة؟!

 

 

بدأت الدقائق تتفلت من ادراكه، وبدأ وعيه في التراجع قليلًا، واوشكت هذه الزجاجة أن تُصبح فارغة، وأوشك هو على فقد عقله، هل حقًا يُريد هذا؟!

 

 

نهض بأنفاس لاهثة يتفقد هيئتها الغائبة في الرغبة الخالصة، يشعر بأنه لا يستطيع التركيز، وقدميه لا تحملاه، لقد كان قرار غبي، لماذا ترك نفسه ليثمل؟ لماذا يفعل بنفسه هذا؟ عليه الاستيقاظ وعدم التأثر بلمساتها وتأوهاتها وتلك الغلبة التي دائمًا ما تنتصر بها عليه، ليتوجه لينسى نفسه قليلًا أسفل المياه الباردة، وستشاركه هي تلك التخيلات برأسه حيث أنه لا يُريد أن يفقد هذا الرجل الذي كان عليه منذ سنوات فقط من أجلها، لقد فقد الكثير بالفعل.. وفي النهاية لم يُعجبها هذا ولم يلق قبولها ولا يظن أنها صدقت الحقائق التي أخبرها بها.. لقد كان اختيارها على كل حال!

 

 

 

أرغمها على النهوض وبعد ما قرره كان عليه أن يُنحي هذه الزجاجة بعيدًا، ولكنه تناول آخر ما فيها ثم القاها على هذا الكُرسي بجانب التوكيل الذي حصل عليه منها، قرار وحيد تغير في جزء من الثانية بداخل رأسه، ولكنه لا يُلاحظ أيًا مما يفعله.. لقد بدأت الخمر في التأثير عليه ولكنه لا يُدرك ذلك بعد!

 

 

لماذا تعانقه؟ ولماذا يُقبلها ويستجيب إليها؟ عليها التوقف عن ممارسة هذه الشعوذة التي تجعله مسحورًا بها ومستعدًا لفعل كل ما يُرضيها، لا يستجيب "عمر الجندي" لامرأة قط مهما بلغت فتنتها!!

 

 

 

حاول الاتجاه بصحبتها نحو الحمام كي يغتسل، يريد الاستيقاظ من تلك اللعنة التي تناولها، ولكنه لا يستطيع رفض هذه الدُفعة المُهلكة منها، متى أصبحت مُتقنة لكل لمسة وقبلة منها، وما الذي يفعله بالفراش، ألم يكن متجهًا للاغتسال؟!

 

 

لو كانت تستجيب له فهو يستجيب اضعافًا مُضاعفة، ولو كانت هي تفعل كل ما تفعله استنادًا على الرغبة المحمومة فلقد اهلكته رغبته منذ أيام، ربما عليه أن يستيقظ قليلًا من ثمالته ويُريها كيف هو العذاب المميت بأن تكون قريبة للغاية من تلمس كل ما تمنته وفجأة يختفي حُلمك الذي ظننت أنه سيُصبح حقيقة!

 

 

اعتلاها، لن يترك لها التحكم في مُجريات الأمور، لن تُسيطر عليه بل هو من سيفعل، وبمكره الشديد وادراكه الجزئي بما يفعله وهو يتفقدها بنظرات شبه واعية توقف فجأة ليجدها تصرخ بتوسل:

 

 

 

 

ارجوك كفاية، بلاش تعمل كده تاني!

 

 

ابتسامة ارتسمت على شفتيه التي يغادرهما أنفاسه المتسارعة ونظرة تشفي علت وجهه ثم همس بصعوبة لم يدركها من شدة ثمالته:

مش كنتي عايزة تسبيني وتطلقي.. ده اللي هتحسي بيه بالظبط لو انا مش معاكي كل ما تفتكريني!

 

 

أومأت بالإنكار وهي تحاول أن تجذبه إليها وهي فاقدة الوعي بالكامل لكل ما يحدث ولل ما تتفوه به:

خلاص مش هاسيبك بس ارجوك متبعدش، بلاش الموضوع ده بيضايقني!

 

 

اطنب بنظراته إليها وهي تتلوى اسفله تحاول الحصول عليه بأي طريقة وقال شيئًا، بل أشياء، ولكن إلى هنا هذه نهاية ما يتذكره من هذه الليلة الطويلة!!

--

 

لم تكن ليلة أمس طويلة، بل اليوم يبدو وكأنه لا ينتهي، منذ ذهابه لوالدتها، مُقابلته مع "باسم"، تلك القضايا التي تنتظره، انتظاره لتوثيق التوكيل حتى يُصبح رسميًا، هذا الاجتماع الطويل الذي التهم وقته، ذهابه إلى المصرف بعد ملاقاته لوالدتها، هل عليه أن يترافع بنفسه أم يكتفي بإعطاء رأيه والكثير من الخطوات لفريقه؟ الطريق لا يُريد أن ينتهي، وهذه الرغبة العاتية بالعودة إليها تحثه على أن يُغادر هذه السيارة ويعود لها بأي طريقة من الطُرق حتى لو عليه أن يهرول كي ينتهِ من هذه المسافة اللعينة التي تفصل بينهما!

 

-       محمود هو مفيش طريق غير ده؟

 

 

تساؤله لسائقه كان بنبرة نافذة للصبر، فلقد أوشك على لفظ أنفاسه الأخيرة من شدة الملل بينما آتاه الرد فيء النهاية:

-       للأسف لأ، بس خلاص قربنا نوصل أقصاها عشر دقايق ولو الطريق فتح شوية هم دقيقتين بالظبط ونوصل!

 

 

زفر بضيق بينما حاول أن يُفكر فيما سيفعله، حاسوبها وهاتفها سيتركهما بأمانات الفندق إلى أن يرى طاعتها وموافقتها على كل ما يُريده هو!

 

 

ألا يرى ما يحدث له؟ هل يُلاحظ ولو امر واحد مما يطرأ عليه؟ بالطبع لا.. في هذه النوبة تحديدًا وكونه رجل مريض لا يعلم شيئًا عن مرضه الذي قد تفاقم بشدة هذه المرة لن يُلاحظ شيئًا، وربما ستتأخر ملاحظته إلى أن يتكبد الخسارة الفادحة بالكثير من أمور حياته!

 

 

لا يُلاحظ أنها تناسى بالفعل ما رآه وهي تذهب إلي مكان غير معلوم دون معرفته، ولا يُلاحظ أنه لم يسألها اثناء ثمالتها عن طريق معرفتها بالمحامي، ومجرد فكرة تحويل مبلغ ضخم إلي حساب آخر حتى يُصبح تحت تصرفها مُكون من رقم ما قد نسيه وبجانبه ستة اصفار قد كان ليُفكر آلاف المرات اثناء مزاجه المُعتدل أو حتى المُكتئب قبل اخذ قرار كهذا، لا يدري أن نشاطه واشتهاءه لها وللطعام وللخمر وكل هذه التصرفات غير اللائقة والكلمات التي تغادر شفتاه دون تحكم منه بل اتباعًا لأفكار واهية غير مدروسة تطرأ على عقله فيقوم بتنفيذها بالحال، كل هذا بأكمله ليس إلا مجرد اعراض لنوبة هوسه الخفيف.. ولا يُدرك أنها ستشتد، ولم تلحظ هي كل هذا بعد!

 

 

 

ربما لو كان واعيًا لكان أرغمها على أن توقع له بامتلاك كل ما تملكه هي، ولكن مجرد خطوة قانونية تافهة كتلك عقله لم يستطع أن يتبينها في حالته الحرجة التي انغمس بها بعد أن تجددت صدماته بداخله، وبعد أن فكر مليًا بما حدث له وهو طفل صغير اثناء سفره، وفي نفس الوقت يتحمل بأعجوبة سخرية والده منه، وفي النهاية ادراكه أن الشيء الوحيد الجيد في حياته سينتهي للأبد بعد أن عرف بقضية الخُلع.. الكثير من الضغط على عقله بكل ما يخشاه أهله بكفاءة شديدة أن ينغمس بهذه النوبة، والخمر ببداية هذه الليلة مهدت الطريق لوعيه كي يسقط ببؤرة سحيقة من المرض الذي لن تكون نهايته جيدة!!

--

 

فتح باب الجناح وتوجه للداخل ليجدها جالسة بمنتهى الشموخ على الأريكة المتواجدة بصالة الاستقبال وعينيها تقطران غلًا وكراهية، واقترب لتوضح له عسليتيها أن ما تشعر به من غضب لم يلمحه بعينيها أبدًا منذ أن عرفها!

 

 

 

بالرغم من ذلك الإلحاح بداخله الذي يدفعه إليها حتى يعانقها بشوقٍ جارفٍ يحاول التغلب عليه منذ أن تركها في الفراش صباح اليوم ولكنه سيطر على نفسه بأعجوبة كي لا يبدو كصبي أهوج لا يستطيع الابتعاد عنها واصطحب نفسه بأفكاره هو وحاسوبه وكل ما يجري بداخله نحو الحمام ووضع كل ما بيديه بالمنطقة الرخامية الجافة بجوار الحوض وبدأ يخلع ملابسه ليُلقيها أرضًا دون اكتراث وبالطبع لم ينتبه لتغير حال الجناح بأكمله فلقد تركه صباح اليوم في حالة من الدمار ولكنه الآن يبدو صالح للاستخدام الآدمي!

 

 

شعر باتباعها له بخطواتٍ سريعة وتيقن من نظرات عسليتيها التي تحرقه من شدة غضبها وكاد أن يقول الكثير فهو يشعر بالرغبة في التحدث ولكنها سبقته بلهجة مهددة قاطعة لن تقبل أن يُناقشها ولو بحرفٍ وواحد مما قد قررته بالفعل طوال هذه الفترة التي مكثت بها وحدها:

-       تجيب موبايلي واللابتوب بتاعي وتسيبني امشي حالًا بدل ما رد فعلي ميعجبكش!

 

 

التفت وهو يتفقدها من اعلى رأسها لأخمص قدميها متفقدًا قيد كل أنملة بها وكل ما فيها يصرخ متوسلًا أن يدفعه للسيطرة عليها بجذبها بعنفٍ كي يُمسك بها ويخرج عقلها من مكانه ليُعيد تهيئته ثم يعيده لرأسها لعلها تتعقل قليلًا وأخذ خطوتين بطيئتين نحوها وتسائل بابتسامة:

-       ويا ترى إيه رد الفعل اللي مش هيعجبني بقى؟!

 

 

رفعت احدى حاجبيها وهي تُلاحظ تلك المسافة التي باتت اصغر بينهما لتعود للخلف من جديد بحرصٍ ألا تتعثر وهتفت به:

-       أنا مبقتش بالغباء بتاع زمان، روان العاقلة الهادية اللي بيفرق معاها الناس مبقتش اعرفها ولا انت نفسك هتلاقيها، لآخر مرة بقولك بمنتهى الاحترام والهدوء أنا هامشي يا عمر بس مش قبل ما اخد حاجتي.. هتتعامل معايا كويس ولا اتصرف؟!

 

 

 

رفع حاجبيه متصنعًا الدهشة ليستقر نظره على ترقوتها التي يلمح عليها اثار قبلاته لها ليلة أمس ثم حدثها مجيبًا بسخرية هائلة:

-       هتبسط اوي لما اشوف قطتي كبرت وبقت بتعرف تتصرف!!

 

 

 

هل هو يسخر منها، لتريه اذن!!

 

بعد كل تلك الأيام التي ظلت تتابع الكثير من وسائل التواصل الاجتماعي وهي ترى جنون النساء مع ازواجهن ليكون له نصيبًا هو الآخر، لن يتوقف أي كائن حي في هذا الطابق عن سماعها تصرخ، لم يعد لديها ما تخسره معه على كل حال!

 

 

اتجهت نحو الباب تعدو وهي تصرخ باستغاثة مُتهمة إياه بتعنيفها، بجنونه اللاذع، بأن ينقذها منه أي شخص يستمع إليها، ولكنها قبل أن تفتح باب الجناح وجدت يده توقفها عن صراخها بعد أن استطاع اللحاق بها ولم يكترث ولو للحظة بأن الحارسان كادا أن يمتلكان صورة واضحة عن جسده الذي لم يستره سوى سرواله الداخلي القصير!

 

-       فاكرة إن الحركات دي هتنفع معايا!!

 

 

لم يكن سؤالًا بل كان استهزاء واضح وهو يجذبها نحو الحمام من جديد كاتمًا أنفاسها وفمها كذلك كي لا تصرخ من جديد ولا يرى سوى ضرورة تهذيب هذه الفتاة التي افسدها بدلاله المبالغ به!

 

 

حاولت أن تدافع عن نفسها وهو يحمل جسدها تارة وتارة وهو يدفعه ليجبره على الوصول حيث أراد، حاولت أن تتوقف أو حتى أن تجذب أي شيء لاستخدامه دفاعًا عن نفسها ويداها تعانيان للتخلص منه ولكن دون جدوى!

 

 

 

ثواني مرت قاربت على تكوين دقيقة واحدة كان فمها مُغلق بالفعل بواسطة رابطة عنقه قبل أن يضع جوربه بفمها كي يكتم أي صوت قد يغادره..

 

 

بالطبع حاولت أن تنهاه ولكنها لم تصمد أمام شدة شعوره بالنشاط والحيوية ولم تسلم من أفكار الرجل السادي الذي يريد أن يؤلم ويتمتع بإذلال من امامه، فهو لم يُكفيه ما عرض كلًا من "باسم" و "علا" وسائقه إليه اليوم من تسلط واذلال بالكاد تحمله ثلاثتهم خوفًا من خسارة اعمالهم!!

 

 

المزيد من الثواني وكان قد انتهى من تقييد يديها بقميصه الرسمي بإحكام ثم امسك بكُميه ليوصلها بهذا الصنبور المُثبت بالحائط بحوض الاغتسال وقصد أن يترك جسدها أرضًا ليُلاصق المغطس نفسه، فلو حاولت الابتعاد ستؤلمها يديها، ولو حاولت تخفيف الألم على ذراعيها من هذا التقييد ستؤلمها عظام جسدها عندما تصطدم بالمغطس!

 

 

زفر بأريحية بعد أن اعتدل وهو يرمقها بالقرب من قدميه ووضع يداه يسندها على خصره بينما رفعت عسليتيها الغاضبتين بدموع مكتومة وهي تبدو كالمكلومة الواهنة التي لا تملك سوى أن تمتثل أوامره ثم انتهى بنبرة آمرة:

-       لو اتعدلتي وبقيتي شاطرة كده احتمال افكك، عيب اوي اللي بتعمليه ده يا روان، مش هي دي البنت اللي اخترتها تكون مراتي!

 

 

التوت شفتاه بابتسامة جانبية تشفت برؤيتها وهي تحاول أن تتخلص من تقيدها وأنفاسها تلهث بشدة فالتفت وتركها كي يغتسل بكابينة الاستحمام ولكنه توقف في طريقه ليتفقدها ثم ذهب ليُحضر ما يُناسب للتقييد وهو يلعن حظه بتواجده هُنا وليس بمنزله فلقد كانت غرفته الآن حلًا مُناسبًا لعصيانها الذي لا يُقهر وجذب رابطة عنق أخرى لتنال قدميها نصيب آخر من التقييد وهو يُثنيهما اسفلها رغمًا عنها!

 

-       خدي بالك كل ما تتحركي اكتر وكل ما تحاولي تصوتي هتتعبي اكتر.. خليكي شاطرة واستحملي عواقب غلطاتك!

 

 

اتجه بمنتهى الانسجام وهو يغتسل أسفل انظارها وتركها مقهورة بما تواجهه من تصرفاته المندفعة الذي لا يشعر بتفاقم نتائجها داخل عقله وهو يُفكر بأن عليه طلب الطعام، تناول بعض الخمر دون اسراف، ربما النظر بتلك القضايا، وبالمساء أو بعد قليل ربما سينتهي من شعوره بالرغبة الجامحة في الحصول عليها!

 

 

جذب رداء الاستحمام ليرتديه ثم توجه ليُقوم بطلب الطعام وبعدها جذب الكُرسي ليُثبته أمام الحمام مباشرة هو والمنضدة التي سيعمل عليها وآتى بحاسوبه ليضعه فوقها ثم وجد أنه لم يعد هناك أي شراب بالجناح بأكمله فقام بطلب أربعة زجاجات قد تُكلف البعض ثروة من اجود الأنواع وجلس يُمسك بهاتفه ورمقها بتشفي وهو يتحدث إليها غير مُكترثًا بملامحها الباكية:

-       لما تتعلمي الأدب ممكن أبقي افكر اني اسمحلك تباتي النهاردة في السرير زي البشر إنما انتي حيوانة متستهليش غير كده!

--

 

 

بعد مرور أربع ساعات..

 

تابعته بعينيها بصدمة شديدة وهي تراقب المزيد من افعاله، ربما بالبداية كانت تتوعده، تغرق بكراهيته على كل ما يفعله بها، تحتقره ويزداد شعور التقزز بداخلها، ولكن ما يستمر بفعله يُرعبها إلى حد غريب لم تشعر بمثله طوال حياتها حتى في غُرفة عذابه بمنزله!!

 

 

لا يعمل لأكثر من عشرة دقائق متوالية، لا ينفك يتناول أي شيء بجانبه، هي حتى لا تُصدق أنه يتناول القهوة ثم الشراب ثم القهوة ثم طعام آخر قام بطلبه من جديد.. لقد كسر شيئًا على ما يبدو وهو يُصيح بغضب، لا تستطيع رؤية كل انحاء الغرفة بسبب جلستها هذه، ولكن الآن ما يوشك على فعله جعل الدماء تتجمد بعروقها!

 

 

ما الذي يفعله بوقوفه اعلى سور الشُرفة، هل سينتحر؟ ما الذي يحدث له؟ ما الذي يدور برأسه يجعله يفعل ذلك؟!

 

 

احتبست أنفاسها وهي تتابعه، لو صرخت به لن يغادر شفتاها سوى أنين مكتوم بفعل هذه اللعنة التي قيدها بها، نعم هي بهذه اللحظة لا تكره أكثر منه ولكن أن يقتل نفسه، لا ترضى هذا لأي إنسان بالحياة!

 

 

ابتلعت ملوحة دموعها وهي تتابعه وصمتت تمامًا خوفًا من أن تنفسها وحده قد يصل لمسامعها ويدفعه للغضب وبعد مرور ما يقارب دقيقتان مرا عليها كمئتي عام اخيرًا لمست قدميه الأرض من جديد ثم تابعته بحرصٍ إلى أن عاد مجددًا ليجلس أمام حاسوبه وكأنه لم يكن يفعل شيئًا منذ قليل!

 

 

عادت لها وتيرة أنفاسها الطبيعية وراقبت ما يفعله فوجدته يتخلص من رداء الاستحمام الذي ألقاه أرضًا ليزداد استغرابها من أفعاله وهي تسأل نفسها، إلي أين ذهب الرجل الذي كان منظمًا بشدة وجعلها الأمر تتساءل بينها وبين نفسها عن حاله وما يحدث له وعن مآلها وما ستنتهي إليه إن لم يُنقذها أحد من تصرفاته تلك!

 

 

لاحظت أنه يرفع هاتفه وهو يتجه نحو الخارج ليتحدث به فأنصتت لتحاول تبين ما الذي سيفعله فوجدته يتحدث لوالده بشأن قضية ما وصوته هادئ غير واضح فأخذت تحاول الإنصات لتستمع للقليل من هذه المُكالمة والقليل من الجُمل التي بالكاد تبينت ما تعنيه:

 

-       لا، استشارات مش اكتر..

-       لا لا ماليش مزاج..

-       يغور في داهية بقى.. تأجيل في تأجيل على ما ياخدوا اجازتهم اكيد هيطلع معاش وقاضي تاني هيجي مكانه!

 

 

لوهلة ظنت أنه يُحدثه عن قضيتها هي ثم حاولت أن تنصت أكثر لتعرف ما الذي يُفكر به:

-       طيب بابا سلام وهكلمك تاني معايا مكالمة!

 

 

لا تدري هل هذا يخص قضيتها في شيء أم لا لتجده فجأة يُصيح بنفاذ صبر:

-       يووه بقى، بعدين يا بابا نبقى نتكلم!

 

 

انهى المُكالمة مع والده دون تبادل أي كلمات تدل على الوداع أو حتى إنهاء المُكالمة واستقبل المكالمة الأخرى وأجاب الطرف الآخر بإقتضاب مبالغ فيه ليأتيه صوت هذا الرجل الذي لتوه نسي ما كلفه بفعله:

-       احنا بنحاول نرجع للكاميرات في الشوارع والموضوع حضرتك هياخد فترة أطول، بعتذرلك بس احنا محتاجين وقت أطول من النهاردة بليل علشان نعرف المكان بالظبط اللي كانت بتروحه المدام!!

 

 

لوهلة حاول تسليط تركيزه على ما يستمع له، يُعاني في تذكر هذا الأمر، ما الذي يقصده بالمكان الذي كانت تذهب إليه؟ دلك رأسه وهو يحاول التذكر ليستمع إلي الرجل من الطرف الآخر يُناديه:

-       حضرتك معايا؟

 

 

حمحم وهو يُجيبه إجابة عامة لا توضح ما إن كان يتذكر الأمر أم لا:

-       تمام، شوف هتوصل لإيه وكلمني على طول!

 

 

اغلق الهاتف ثم رمق حاسوبه وصندوق بريده الالكتروني الذي يحمل رقم مبالغًا به يوضح عدد الرسائل غير المقروءة ليشعر بالملل الشديد فطوى الحاسوب ثم توجه إليها مرة أخرى وهو ينظر إليها ظانًا أنه يحاول السيطرة على ملامحه ولكنه في الحقيقة كان يبدو كمن يحاول أن يفعل شيئًا ما لا يدري ما هو!

 

-       اتعلمتي الأدب ولا لسه؟

 

 

آتى سؤاله لترمقه بقهرٍ يلتمع بعينيها، أو هكذا ود أن يقرأ تلك النظرات المصوبة إليه فأضاف لها بلهجة آمرة:

-       افكك واعاملك زي الناس ولا هتتجنني تاني واربطك تاني!

 

 

 

قصد أن يُخفض من نظره إليها بجانب قدمه ثم أكمل بمزيد من أوامره وازاد بسؤال بنبرة جعلتها تشعر بالتقزز من كل ما يحدث لها:

-       هزي راسك وشوفي علشان نازل دلوقتي، افكك زي الناس ولا اسيبك مرمية كده؟

 

 

 

تفقدته بهوانٍ ثم تحاشت النظر إليه وهو يتجول عاريًا هكذا فهذا ليس من افعاله المعتادة ثم أومأت بالموافقة لتجده يتلمس اسفل ذقنها مجبرًا اعينهما على التلاقي ثم حدثها بتشفي:

-       المرادي سيبتك ساعتين مربوطة، المرة الجاية هيبقى يوم كامل يا قطتي.. اتفقنا؟!

 

 

لوهلة استغربت بشدة من كلماته التي نطقها بمنتهى الثقة الهائلة، ساعتان ماذا، لقد مر اكثر من أربع ساعات وهي جالسة مُقيدة بهذه الطريقة، ما لعنة ما يمر به؟!

 

تفقدته ببعض التعجب لتجد فحميتيه تلتمع بشكل غريب ولكنها أومأت بالموافقة كي تتخلص من كل ما يحدث لها وتنتهي من هذه المعاملة غير الآدمية لتجده يشرع بحل قيودها بالفعل ثم فعل المثل بما يحاوط به فمها لتتابعه بوجلٍ من تصرفاته، لقد باتت لا تعلم من هو حقًا ولا حتى ما يحدث له!

 

 

دنا منها حتى شعرت بأنفاسه ترتطم بوجهها وأخذ يُربت على رأسها بتريث وهي كل ما بها يصرخ بالتقزز منه ووجدته يُخبرها:

-       مبحبش اللي مبيسمعش كلامي يا بنوتي، متعمليهاش تاني يا إما عقابك هيبقى اكبر!

 

 

اقترب منها مُقبلًا إياها بشراهة غريبة بينما اتسعت عينيها بدهشة لتلاحظه غامضًا عينيه باستمتاع وكأنهما بأفضل حال ثم تركها لتنكمش بجسدها للوراء ورأت الرغبة المُلحة بفحميتيه واضحة كشمس الظهيرة فكادت أن تتحدث بالرفض ولكنه فاجئها بقوله ونبرته الهادئة:

-       هطلع اشرب سيجارة برا، تكوني لبستي كده لبس حلو من اللي بحبهم علشان هنخرج شوية، بدل الخنقة اللي احنا قاعدين فيها دي، واياكي تفكري تهوبي ناحية باب الـ  suite  يا إما الاتنين اللي برا دول هيطردوا من شغلهم بسببك!

 

 

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفقده بوجل ولا تصدق تغير امزجته فقط في اللحظة الواحدة بين عدة مشاعر، الغضب، الملل، تعظيم نفسه، ثم فجأة يبدو رائقًا بشكل مُخيف، حقًا تتساءل بينها وبين نفسها ما الذي يحدث له!

 

 

تركها ونهض واتجه نحو الخارج عاريًا كما كان، فتابعته لتراه يُدخن سيجارته بالشرفة ولكن بنفس هيئته دون ملابس ليزداد بداخلها القلق الهائل مما تواجهه معه فزفرت وهي لا تدري إلى ماذا يريد الوصول بكل افعاله هذه لتنهض بصعوبة وهي تشعر بتيبس قدميها وفكرت انها ربما تستطيع التخلص من هذا السجن بأي طريقة حتى لو ستذهب للجحيم!

--

جلست بالسيارة وهي تتابع الطريق بعينيها بخوفٍ وتحاول أن تنظر إلي سائقه بنظرات استغاثة عبر المرآة ولكنه يتحاشى النظر إليها تمامًا لتُفكر كيف تفر منه بأي سبب منطقي وقبل أن تجده وجدته يتحدث إلي "محمود" بلهفة غريبة لم تستمع لها منه قط:

-       بس، بس، اركن هنا على جنب!

 

 

تفقدت المكان حولها لتحاول أن تخمن ما سبب توقفهم المفاجئ ولكنه سرعان ما انطلق سريعًا من السيارة ثم توجه حيث معرض سيارات وهو يجذبها من يدها القابض عليها ونظر لسيارة رياضية غريبة الشكل ذات لون غريب فلا هي سوداء ولا هي فضية أو رمادية ولاحظت كيف يتفقدها مليًا وكأنه طفل صغير يرى لعبة جديدة ثم التفت وسألها بنبرة سعيدة:

-       حلوة اوي مش كده؟

 

 

 

ابتلعت وهي تتفقد السيارة ثم نظرت إليه واجابته قائلة:

-       هي حلوة بس، اظن إنك مش بتركب العربيات دي، أنت اغلب الوقت بتتحرك بسواق!

 

 

لم يمر الكثير من الوقت لتجد موظف البيع الخاص بالمعرض يقترب منهما وهو ينظر لها مُبتسمًا برسمية فبادلته بأخرى متناهية الصغر بينما هو يعبث بالباب محاولًا فتحه ليجلس في النهاية بداخلها بمجرد أن ساعده الموظف الذي أخذ يُثرثر بالكثير من مزايا السيارة!

 

-       تمام، هشتريها..

 

 

صُعقت "روان" من قراره السريع وخاصة بما يتعلق بسيارة لا يملك مثلها أبدًا فهذا ليس باختيار من اختياراته ولكنها اطمأنت بمجرد تكلم البائع:

-       مفيش مشاكل يا فندم بس للأسف هي مش متوفرة دلوقتي ولازم قبلها حجز بعشر شهور على الأقل!

 

 

 

اتضح الانزعاج على وجهه وتريث لجزء من الثانية ليشعر أنه لن يستطيع الانتظار لتملكها فقال اقتراح مقنع للغاية ليُغري هذا البائع على تسليمه السيارة سريعًا:

-       ولو دفعت ضعف تمنها، ممكن اخدها دلوقتي؟

 

 

رفع الرجل حاجباه مُتعجبًا ثم حدثه بتردد:

-       طيب ممكن حضرتك تتفضل تشرب القهوة بتاعتك على ما ارجع للإدارة لأن قرار زي ده خارج عن ايدي!

 

 

 

زم شفتاه بنفاذ صبر وأومأ له بالموافقة واتجه ثلاثتهم للداخل فهمست له بأعين متسعة:

-       ايه اللي انت بتعمله ده؟

 

 

لم يُعرها اهتمام بينما هي تشعر بالإحراج مرة أخرى لو حدث شيئًا أمام كل من بالمعرض وتركهما البائع ثم انصرف ليأتي بعدها بحوالي عشر دقائق عامل يحمل فنجانين من القهوة فأومأت له بامتنان ثم انتظرت أن يُغادر وحاولت أن تلفت انتباهه مرة ثانية:

-       عمر، مش منطقي أبدًا تدفع حوالي عشرة مليون في عربية بورش مبتركبهاش اصلًا.. ممكن نستنى لغاية ما العربية تبقى موجودة وبعدين تبقى تشتريها براحتك!

 

 

بدا غاضبًا وهو يُسلط تركيزه بشدة على الهاتف واخذ يطرق بسبابته عليه مرارًا لتتعجب مما يجعله بهذه الهيئة لتجده يُخرج بطاقة ائتمانه ليقرأ الثلاث ارقام السرية على وجهها الخلفي ثم اعادها لحافظة نقوده لتُدرك أن هذا الأمر لا يُستخدم إلا في عمليات الشراء عبر الانترنت فاقتربت لتلمح ما يفعله فوجدته يقوم بشراء بعض العملات في لُعبة ما!

 

 

لحظة مرت عليها وهي تحاول أن تستوعب ما يفعله ولكن دون أن تجد تفسيرًا لكل تصرفاته اليوم، رأسها لا تجد سوى الحكم قطعًا بأنه فقد عقله!!

 

 

فجأة وجدته ينظر إليها ثم سألها متعجبًا:

-       هو انتي ليكي account على الـ facebook؟

 

 

هل هذا ما يُريد التحدث عنه حقًا، ما الذي يريد أن يصل له؟!

 

-       ايوة!

 

 

اجابته وهي تحاول أن تستلهم بعض الهدوء لأعصابها ثم سرعان ما اضافت:

-       عمر أنا هستناك في العربية!

 

 

أخذت قراراها فهي لن تُكمل معه هذا الجنون المحض، من الذي يُريد أن يدفع ضعف الثمن في سيارة لا يحتاج إليها وينفق على تطبيق ما سخيف لا يستخدمه أبدًا!!

 

 

نهضت لتجد يده تقبض على معصمها وكتمت تأوهها حتى لا يلاحظ احد ليلتفت إليها بملامح متهللة ثم همس بنبرة مُحذرة:

-       مش قولنا هنعقل يا بنوتي.. متتحركيش من على الكُرسي من غير ما اقولك!

 

 

 

عاد من جديد ذلك الرجل بصحبة رجل آخر على ما يبدو مُديره وبداخلها شعرت بغصة شديدة، العقلانية والمنطقية تُنادي بأن تصرخ به أمام الجميع، أن تضرب بكلماته واوامره عرض الحائط، ولكنها لا تزال تشعر بهذا الخوف ما إن نظر لها أحد نظرة سيئة، لا تدري إلي متى سيُلازمها هذا الشعور!

 

 

هذا وحده ليس تفكيرها بل كذلك ما حدث وما يحدث حاليًا، ها هي بجانب رجل قد فقد عقله على ما يبدو بالكامل ويُسمى بزوجها ولا تستبعد أن يؤذيها حقًا هي ووالدتها وأخيها وحتى أبناء خالتها، من يموت ضميره بأن يساعد شاب قتل أربعة شبان ويبرئه من التهم المنسوبة إليه قد يموت ضميره في أي شيء آخر.. أي ورطة قد وضعت نفسها بها؟

 

 

 

يا ليتها استمعت لثرثرة الفتيات بالجامعة، يا ليتها علمت طريق مواقع التواصل الاجتماعي لتقضي عليها ولو ساعة كل يوم لتعرف أي شيء عن الرجال، كيف لم ترَ أن محامي مثله اشترط عليها الزواج سيكون من المستحيل أن تحظى معه بزواج سعيد.. ولكن بم سيُفيد ندمها الآن!!

 

 

 

لم تمر سوى لحظات لتنتبه إلي ما يفعله حيث اخرج بطاقته الائتمانية واعطاها لواحدًا من الرجال وهو يوقع على شيء بعدها لتتعجب بشدة، من يحمل هذا المبلغ الضخم ببطاقة ائتمانية قد يفقدها بأي لحظة ويتجول بها هُنا وهناك؟!

 

 

هي ليست فتاة فقيرة، ورأس مال شركاتها يُقدر بالملايين، منذ أن كان والدها يدير كل شيء وهي مُدركة أن هناك أُسر بأكملها مستمرة وقائمة على عمل موظفين مجموعتهم، ولكنها لا تتجول هكذا بهذه المبالغ الضخمة ببطاقة ائتمان قد تتعرض للسرقة أو الفقدان في لمح البصر، هل تزوجت من مخبول ما؟!

 

 

نهض وهو يُخرج بطاقته التعريفية ثم تركها أمام الرجل على المكتب وهو يقول:

-       كلم الرقم التاني ده هيكمل معاك كل الإجراءات..

 

 

قالها يقصد "باسم" بالطبع، فلقد تنحى منذ زمن عن استكمال أي إجراءات بنفسه، لم يعد طفلًا صغيرًا، هو فقط يستمتع بالحياة بكل ما تُعطيه على اكمل وجه بعد أن عانى كثيرًا..

 

 

إشارة من رأسه إليها كانت كفيلة بأن تفهمها فنهضت واتجها للخارج لتزداد دهشة عندما رأته مُصممًا على أن يقود السيارة الجديدة بنفسه واتجه سريعًا للمقعد الرئيسي وهو يحدثها بلهجة آمرة:

-       اركبي

 

 

 

لجزء من الثانية تخيلت نفسها تهرول بعيدًا بالشارع الذي حتى لا تعلمه، ستوقف سيارة اجرة ثم تذهب إلى منزل والدتها وأخيها، ثم بعد، ألن يصل لها؟ هل سيتركها لتنجو؟ لأول مرة تشعر كم تحتاج لوالدها بشدة.. لماذا لم تمت هي ويبقى هو حي ليحتمي به الجميع ولتدفن هي في طي النسيان، على كلٍ ربما بقاءها بقبرها وحيدة أخف وطأة من كل ما تُعايشه!!

 

 

كادت الدموع تفر من عينيها ولكنها حاولت التماسك ودلفت السيارة مُرغمة لينطلق هو بها لتتعجب من طريقة قيادته، لولا تلك السيارات التي تحول بينه وبين الطريق لكان التهمه التهامًا ضاريًا بإطاراته التي لتوها تمس الأسفلت!

 

 

وجدته يتحدث بهاتفه وهو يملي بأوامره كعادته البغيضة:

-       روح الاوتيل اللي كنت فيه النهاردة، شوف حسابهم كام وادفعه، وابعتلي الشنط والحاجات وشوف محمود يساعدك!

 

 

كاد أن يُغلق هاتفه ولكنه وجد رسالة فقرأها:

-       احنا لسه مش عارفين الطريق بالظبط بس دايمًا هي والسواق كانوا بياخدوا طريق الدائري والمشوار مبيقلش رايح جاي عن 4 ساعات وبيكون في نص اليوم حوالي الساعة 12!

 

 

كاد أن يصطدم بسيارة بجانبه فامسكت بعجلة القيادة وهي تنبهه:

-       حاسب يا عمر خد بالك!

 

 

انتبه على ما يحدث وهو يحاول أن يتذكر هذا الرجل الذي يُحدثه، ربما قد كلفه بالبحث عن الأماكن التي تذهب إليها.. سيكتشف هذا الأمر حتمًا، ولكنه يشتاق كثيرًا إلي برق ويشتاق أكثر لمكتبته الضخمة بكل ما فيها ويشتاق إلي تفاصيل منزله.. فكرة المكوث بفندق كانت مروعة!

 

 

لم يلبث كثيرًا حتى اصبحا على الطريق السريع ووقتها كادت أن تموت رعبًا من تلك السرعة التي واكبتها خفقات قلبها عندما لمحتها بعداد السيارة، حسنًا هو ينتحر بصحبتها، يا له من مشهد ملحمي، رجل يبتاع سيارة بعشرة ملايين جُنيه ليُلاقي مصرعه هو وزوجته وهو عائد بها للمنزل!! لقد كانت حياة مُرهقة وشهور مُرعبة معه على كل حال!

 

 

 

حاولت أن تكون هادئة قدر المستطاع وتقطعت حروفها وهي تُحدثه بتلعثم:

-       عمر، ممكن نمشي بالراحة شوية.. يعني احنا مورناش حاجة..

 

 

التفت نحوها بمزاج رائق للغاية ثم أعطاها ابتسامة جانبية وأعاد نظره للطريق أمامه ثم حدثها ببعض الاستهزاء قائلًا:

-       لا مش ممكن، مش هايحصل، أنا اشتريت العربية علشان اشوف تقدر تعمل ايه، وانتي هتجربيها معايا، حساها ايه، حلوة مش كده؟!

 

 

رطبت شفتاها ثم ابتلعت لتشعر بجفاف حلقها وملامحه لا تطمأنها اطلاقًا فأخبرته بتردد:

-       حلوة اه وكويسة جدًا، بس ممكن تهدي شوية؟

 

 

التفت نحوها وهو يسألها لتشعر بالرعب لعدم نظره للطريق:

-       ايه رأيك ابقى اسيبهالك تخلصي بيها مشاويرك علشان تروحي وتيجي بسرعة؟

 

 

ارتفعت أنفاسها بخوفٍ وامتدت يدها للمقود وهو تنظر للطريق امامهما واجابته:

-       حاضر هاعمل اللي انت عايزه بس بالراحة ارجوك وركز في الطريق

 

 

اخذ منعطفًا على سرعة خطِرة اصبتها بالفزع لتصيح متوسلة:

-       عمر ارجوك بلاش كده، انا مش متعودة اركب عربية بالسرعة دي

 

 

 

ضحك وكأنه استمع لمزحة ما ليُردف ساخرًا بما تبقى من اثار ضحكته:

-       بكرة تتعودي وانتي بنفسك اللي هتسوقيها مكان ما تروحي..

 

 

 

هي لا تعي شيئًا ولا تستمع لحرف مما يقوله، لقد بات عقلها غائبًا بتلك السيارات التي تتخيل الاصطدام بها كلما تفلت من بينها بتلك الطريقة الهوجاء ولا تظن أنه سيستمع إليها بأي طريقة من الطُرق!!

 

 

شعرت بأن قلبها سيغادر صدرها لو استمر في افعاله هذه فأخذت تتوسل بمصداقية:

-       هاعمل كل اللي أنت عايزه لو هديت شوية ارجوك، انا بجد اعصابي مش هتستحمل، عمر أنا لو جرالي حاجة مامي ممكن تروح فيها، مستعدة اعمل أي حاجة.. بس ارجوك بالراحة شوية!

 

 

نظرت إليه بتضرع لمحه ليشعر بالرضاء وتمنى لو كان فعل هذا منذ بداية زواجهما ليسألها مُستغلًا رعبها:

-       أي حاجة أي حاجة؟!

 

 

أومأت له بالموافقة وهي تحاول أن تسيطر على أنفاسها الصاخبة التي تعكس صوت خفقات قلبها المتسارعة لتجيبه:

-       اللي انت عايزه..

 

 

ابتسم إليها وهو يُزيد السرعة لتصيح وجسدها بأكمله يرتجف ذعرًا:

-       أي حاجة هاعملها بس بلاش كده ارجوك!

 

 

تفقدها مُجددًا ثم بدأ بإلقاء تعليماته:

-       القضية تلغيها كلها وتوقفي اجراءاتها

 

 

أومأت له وسرعان ما عقبت وهي تنظر للطريق امامها:

-       حاضر، بالراحة بقى وهدي شوية

 

 

لم يكتفِ بإجابتها ليُزيد من سرعته ثم اطنب:

-       مفيش شغل لغاية ما أنا أوافق!

 

 

ابتلعت وعينيها تتسع بفزع وأومأت بالموافقة وهي على اتم استعداد أن تقول أي شيء قد يخطر على بال أحد كي تغادر هذه السيارة وهي على قيد الحياة:

-       ماشي اوك اللي تقوله!

 

 

وصل مؤشر السرعة إلي اقصى حد طُبع على اللوحة الأمامية وهي تكاد أن تبكي من شدة الرعب، ألا تملك هذه السيارة اللعينة مثبت للسرعة أو حتى سرعة لا تسمح لقائدها بأن يتعداها فدفنت وجهها بين يديها لتجده يجذبها بيده فالتفتت له بمزيد من الفزع الذي كاد أن يُصيبها بتوقف قلبها وهي لا تُصدق أن عقله سمح له بفعلها اثناء قيادته على هذه السرعة التي ستصيبهما بالموت لتجده يضيق عينيه وهو يتفحصها مليًا:

-       مخبية ايه عليا يا روان؟

 

 

سرعان ما اجابته بتوسل:

-       مفيش، مفيش حاجة مخبياها، ارجوك كفاية يا عمر اللي انت بتعمله ده، ده مش عقاب ولا هزار، احنا بجد ممكن نموت.. أنا بخاف من السرعة جدًا.. كفاية لو سمحت، أنا مش فاهمة انت بتعمل كده ليه!

 

 

بالطبع لن تغامر بأن تخبره عن لقاءها مع "يُمنى" هذا كل ما تخيلته بعقلها، ربما وقتها سيفقد اعصابه وسيفقدان سويًا حياتهما لو علم شيء عن الأمر..

 

اضافت مبررة بحروف ارتجفت من شدة خوفها:

-       اكيد لو مخبية حاجة كنت اتكلمت في موقف زي ده، عمر اللي بتعمله ده نتايجه مفيهاش هزار، هنموت بجد.. ارجوك كفاية لغاية هنا!

 

 

لم يكترث لكلماتها التي اطنبت بها ولا حتى توسلها إياه وظل يقود بهذه السرعة لما يقارب ثلاثون دقيقة حتى وصل لمنزله وفي جزء من الثانية غادر السيارة بينما هي شعرت وكأنها نجت من الموت الذي كان يحوم حولها طوال هذه المسافة التي تقسم أن قلبها آلمها من شدة خفقانه بجنون اثناء هذا المضمار المُهلك!

 

 

شعرت وكأن جسدها كالهلام، لا تستطيع التحرك، هي لم تمت أليس كذلك؟ أم هي تتخيل انهما وصلا منزله وكلاهما لم يصطدما بسيارة أخرى أو بشيء ما، لا تعرف ولكن هذا الشعور لأول مرة تختبره بحياتها ولا تتمنى أن يمر أي شخص به طوال حياتها..

 

 

وضعت يدها فوق صدرها وهي تطمأن أنه قد هدأ ولكنه باغتها بفتح باب السيارة وجذبها للخارج..

 

-       فيه ايه يا عمر؟

 

 

سألته بنبرة مُرتجفة عندما عاد إليها مشاعر الفزع مرة أخرى لتجده يتحدث بانتشاء غريب واستهزاء جعلها تتقزز من نطقه لكل حرف يخرج من بين شفتيه:

-       مفيش، عايز مراتي، تحبي استأذن حضرتك او حاجة!!

 

 

 

قبل أن تحاول رفضه وجدته يدفعها على مؤخرة السيارة وهو يرغم جسدها على الالتفات وامسك بكلتا يديها ليُثبتهما خلف ظهرها واعاق تحرك جسدها باستخدامه جسده بحِنكة ولم يكترث لأي كلمة سقطت على مسامعه منها، لا توسلها ولا ترجيها سيُفلح في جعله يرتد عن ارادته ورغبته بها، لا يهتم أنهما بالعراء التام، أمام بوابة منزله، ولو بكت بدل الدموع دماء لن يرق قلبه، هو لا يستطيع تحمل هذا الالحاح اكثر من ذلك..

 

 

بات كف يديه مُسيطرًا على صوتها الصارخ، بالنسبة له ليس إلا حق مشروع ولا يراه سوى كذلك، وبالنسبة لها لم تجد تعريفًا يصفه سوى الاغتصاب الصريح ولا عزاء لقلبها الذي يذرف قهرًا ومهانة!

 

تلك المشاعر التي تشعر هي بها الآن تجعلها تكره أنها ولدت في يوم، كانت الأسوأ على الإطلاق، وأما عنه فكان محركه الأساسي هو الشراهة التي يُعاني منها بسبب اضطرابه العقلي الذي لا يرأف به وبالطبع لا يعلم شيئًا عنه، وهي قاربت على أن تُنجيه منه عما قريب، ولكن ما الثمن الذي ستتكبده حتى يُصبح بخير، ربما جزءًا من عقلها والكثير من مشاعرها والعديد من الذكريات التي لن تنساها إلا بتدخل إلهي ومُعجزة ما!!

 

 

لا أحد منهما يعلم أن لو بقليل من الكلمات والكثير من المشاعر لبات الأمر مُختلفًا كثيرًا، ولكن لا يدرك أحدهما هذا.. لو كانا مستيقظان من ثمالتهما ليلة أمس لكانا اعترفا سويًا أنهما سيجتازان كل الصعاب معًا ولكن يستحيل أن يعي أيًا منهما أنهما بالفعل اتفقا على هذا!

 

--

 

اطنب بنظراته إليها وهي تتلوى اسفله تحاول الحصول عليه بأي طريقة، تتشاجر يداها التي تعوقهما يداه، يمنعها ويصدها، ليس لأنه لا يُريد ذلك، لا بل هو يُريد هذا أكثر من أي شيء، ولكنه كان سبيل من سُبل الأخذ بالثأر لا يملك سواها الآن حتى يُعذبها بها كما تعذب بالأيام الماضية:

-       ما انتي بعدتي قبل كده وناوية تبعدي تاني.. هو انا محتاج اعمل ايه تاني علشان تفضلي جانبي؟ محتاج اقولك ايه تاني؟

 

 

لولا اغلاقه لعينيه وعنفه في السيطرة على يديها وقُبلاته تترك اثر شراسته على ترقوتها التي أراد أن يُمزقها منذ رؤيتها بكامل انوثتها الفاتنة وهي تسير كإعصار يلتهم كل ما في طريقه حتى آتت وجلست بجانبه على طاولة العشاء، لكان بكى بكثرة، ولكنه لا يُريد أن يبكي، بل هو يشعر بالسعادة، ما الذي تفعله به؟ هل هي سبيله للسعادة السرمدية أم طريقه لنيران العذاب الأبدية؟

 

عليه أن يُذكرها بما يستطيع فعله، لن يسمح لها بضم المزيد من الانتصارات بينما هو خائبًا مستسلمًا لها، ستبرهن لها دفعاته تلك أنه لن يعود ابدًا لما كان عليه معها، وقبلاته شديدة القسوة التي لن تتركها في الصباح دون أن تصرخ بحقيقة ما هو عليه لن تزين لها الفرصة بالهروب منه مجددًا!

 

 

-       عمر بالراحة، بلاش الطريقة دي..

 

 

توقف عما يفعله بعد عدة دقائق تقهقرت بها رغبتها، وبعد معركة بينهما لم يتضح بها من هو الفائز بعد واعتلاها وهو يستند على يديه ليدعم وزن جسده بهما وازداد الاشتهاء بعينيه وهو يحترق بغضبٍ لاذع ثم تكلم دون أن يعي ما يقوله:

-       انتي الوحيدة اللي خلتني راجل تاني.. بعد كل اللي عملتيه فيا عايزة تبعدي عني ليه!

 

 

تفقدته بخليط من الحزن والرغبة خبت لوهلة بداخلها بعد استماعها للومه وبعد شدة حركاته ودفعاته التي كانت بعيدة كل البُعد عن المتعة واقرب بكثرة إلي الألم، فحاولت أن تُثبت ملامحه التي تتحرك بعنف أمامهاو همست بمصداقية بالرغم من أنها هي الأخرى غارقة بثمالتها:

-       معرفش.. ده الحل الوحيد قدامي.. مش قادرة أعيش في خوف طول الوقت.. انت بتتعامل مع مجرمين، وناس بتقتل، وبتخبي عليا حاجات كتيرة.. خايفة اوي اكمل معاك..

 

 

هتف بها مبررًا وهو يُعدل من جلستها ثم جلس بجانبها على الفراش وبالرغم من عدم اتزان كلاهما إلا أن بداخلهما الكثير من الكلمات المُختنقة التي لم يسمح لهما كبرياءهما بتركها لتُلاقي مسامع بعضهما البعض:

-       أنا حكيتلك كل حاجة، وبطلت يا روان، بطلت حاجات كتيرة اوي، من يوم ما كنت هموت البنت دي وانا بطلت حاجات كتيرة غلط.. بس قوليلي اعمل ايه بكل الناس اللي شغالة عندي؟ قوليلي!! اجي في يوم واقولهم روحوا بيتكم مبقاش فيه قضايا هتترافعوا فيها تاني؟ اغير بعد سنين اني محامي؟ شوفي كل القضايا بتاعتي اخر تلت سنين واحكمي بنفسك.. هواجه بابا ازاي ولا هاعيش ازاي.. انا بقيت برفض قضايا كتير اوي وبحاول مخدش غير قضايا بسيطة!

 

 

احتوى جانب وجهها بكف يده وهو يتفقدها بنظرات خائفة ولكن رغبته لم تندثر كما تراجعت خاصتها وواصل كلماته:

-       مكونتش اصدق إني وصلت للي وصلتله معاكي بعد كل السنين اللي وعدت فيها نفسي معرفش الحب تاني، بس لقيتني بحبك يا روان، ومجرد فكرة إنك تبعدي عني بتخليني اتجنن.. قوليلي عايزاني اعمل ايه وأنا اعملك كل اللي تقوليه!

 

 

حاولت أن تركز بصعوبة على ما يقوله، ولكنها وجدت نفسها تشعر بعدم اتزان رأسها، نظراته المصوبة نحو شفتيها وأنفاسه الدافئة التي تُرغمها على تذكر تلك الأوقات الهادئة معه لا ترأف بها وتجذبها إليه لتهوي ساقطة بأعماقه دون أن تحس بما يحدث لها، عينيه المُسبلتين إليها بهيئته المبعثرة التي لا تختلف عن هيئتها جعلتها تتضارب بداخلها، تود أكثر من أي شيء أن تحتويه بعناق ولكنها لا تستطيع نسيان ما حدث بينهما!

 

 

ارتفعت يديها لتتخلص من كف يده التي لا تدري متى ولا كيف باتت تتوسدها بجانب وجهها ولكن حقيقة ما تفعله هو تلمس يديه بلمسات محرجة لمطالبتها بالاطمئنان معه لوهلة بعد كل ما حدث، لقد اشتاقت له ولا تستطيع التصريح بهذا، سيقتلها الأمر لو اعترفت لنفسها بأنها لا تزال تُريد هذا الزوج الذي تعاهدت معه على أن يُصبحا أفضل، ولقد اوشك على أن يكون، لماذا عليها تحمل تغير هذه الحقيقة التي كانت تعيش بها قبل معرفة ما يُخفيه عنها؟!!

 

 

وجدت نفسها تهمس وهي تتفقده بعسليتيها الناعستين التي لا تكف عن الصراخ والإلحاح في اقترابه منها وكأن سبب حياتها الوحيد هو أن تحظى بعناق تشاركه إياه إلى الأبد:

-       مش عارفة ممكن تعمل ايه.. مبقتش عارفة حاجة، ليه خبيت عليا إني شبهها؟ يمكن لو كنت قولتلي من الأول كنت اتعاملت عادي!

 

 

اومأ لها بالإنكار وهو يحاول التحامل على رغبته ثم اعتدل بجلسته ليُصبح اقرب إليها بينما لاحظ عينيها تقارب على ذرف الدموع ولم يستطع سوى النطق بالحقيقة المجردة:

-       لأنك مكونتيش هتستحملي الحقيقة، انتي ممكن تكون ثقتك مهزوزة في أي حاجة في الدنيا ما عدا شكلك.. انتي مشوفتيش كنتي داخلة بمنتهى الثقة مكتبي ازاي.. ولا انا كنت اعرف إني هاحبك اوي كده!

 

 

امتلأت عينيها بالدموع لتغلقهما لتزداد يديه بعثرة لمشاعرها نحوه فهي بكل ثانية تواجه شعور مُشتت لا يرحمها بين ارادته والرغبة به وبين ضرورة ابتعادها عنه فهمست ببكاء:

-       انا راسي بتوجعني اوي وعايزة أنام..

 

 

قربها إليه وهو يضمها بعناقٍ جعلها تجهش بالبكاء وهي لا تدري ما النهاية لمعرفته كل ما تُريده ويدور بداخلها وكأنه يراها ككتاب مفتوح أمامه، لا تعلم بعد أنه يشتاق لهذا العناق اكثر منها، ربما يبدو وكأنه رجل لا يُطاق ولكن تلك المشاعر المتوهجة المستترة اسفل ما هو عليه وحقيقة هذا الفتى الذي تمنى العشق يومًا ما بالثامنة عشر لا تزال متواجدة بداخله بهوة عميقة تخفي نفسها من شدة الذعر لو وجدتها امرأة عابثة من جديد!

 

ربت على رأسها مداعبًا خصلاتها التي لم يذهب ابتلالها بعد، يا لها من طفلة مشاغبة، لقد أخبرها مرارًا أنه من الصعب التراجع بهذه اللحظات.. كيف عليه أن يفعلها، هل لا تُحب الاجبار أبدًا وهو يعشقها بنفس مقدار الثمالة التي وضع نفسه بها!

 

 

-       نفسي انسى، او احس إن الموضوع عادي بس مش قادرة.. انا بقيت بكره ملامحي كل ما اشوف نفسي في المراية

 

 

أعاد رأسه للوراء وهو يجذبها إليه بقوة واجابها بنبرة نعسة:

-       هتنسي وانا هساعدك.. وهافضل أحاول معاكي لغاية ما ترجعي زي الأول واحسن!

 

 

ابتلع ذلك الجفاف بحلقه وهو يتمنى تناول جُرعة مياه لينظر بجانبه فلم يجد ليلعن حظه، لم يكن عليه أن يثمل وكل ما يشاركها به قد ينساه بأكمله، وبالطبع لو كتب إليها رقم لم يسطره التاريخ بعد من الرسائل مستخدمًا كل ذرات البحور والأنهار كمداد برسائله لن تُصدق ما تحدثا به، ولن تصدق أنه تراجع من أجلها، يا للسخرية، لن يُصدق هو نفسه ما يحدث.. سيُجرح كبرياءه بقسوة ولا يظن أنه سيستطيع أن يواجه نفسه بحقيقة كهذه ابدًا، أنها اجبرته مجددًا على فعل كل ما يحلو لها بمجرد عناق واحد!

 

 

-       عمر

 

نادته فهمهم إليها كعلامة على الاستجابة فسألته:

-       تفتكر ممكن في يوم نرجع كويسين؟

 

 

اخفض بصره نحوها واكتفى باجابتها باقتضاب:

-       نفسي!

 

 

فتحت عسليتاها الثملتان وهي تحاول أن تحصل على ملامحه بصعوبة وهمست بحروفٍ ترنحت من كثرة الشراب:

-       أنا مش عايزة اسيب الراجل الوحيد اللي حبيته!

 

 

رطب شفتيه وحاول أن يعتدل قليلًا حتى يواجه تلك المقلتين التي قد يشرد بها لسنواتٍ دون أن يشعر بالحاجة لأي شيء آخر بالحياة:

-       مش هيحصل..

 

اقتربت هي منه تاركة لنفسها تلك القبلة التي سرعان ما استجاب لها ولكنها الألطف منذ بداية هذا الليلة الطويلة التي لم تكن تظن أنها ستنتهي بهذه الطريقة، الأطول، الأكثر اشعالًا للعشق الذي يبادله كلًا منهما للآخر سرًا في هذه المرحلة الحرجة، والقبلة الوحيدة التي اختبرها كلاهما لتصرخ بقوة مُعلنة عن أن الرغبة ليست مقصدهما الوحيد..

 

اكدت تلك الأنفاس التي يحاول كلاهما التقاطها بعد شعورهما بانعدام الهواء تمامًا تلك الحالة العشقية التي هوى كلاهما بها إلي حد غريب من الهوس فيما بينهما ولكنهما لم يُدركا الأمر بعد، فكلاهما ثملان، عاريان، يتشاركان الفراش والجاذبية التي لا تتوانى عن التواجد رغمًا عن أنف كلاهما، ما الذي يمنعهما إذن من مباشرة هذا إلي أن يُصبح علاقة حميمة؟

 

 

ربما سُترت عقولهما بالخمر وكُشفت نواياهما غير الواعية بشيء آخر يخفيه كلًا منهما سرًا، فهي لم ولن تعشق سواه، وهو لم ولن يعشق مثلها بهذه القوة التي تجبره على أن يصبح رجل غريب عن نفسه من اجلها، ربما تلك الحرب ستستمر عند استيقاظ كلاهما وهما يتشبثان بعناد لا ينتهي بما يحلو لهما..  

 

ولكن هذا العناق غير الواعي ربما يكون أصدق ما تشاركاه منذ تلاقي اعينهما لأول مرة، ومنذ أول لمسة اجتمعا بها.. وتبًا لكل ما حدث، هكذا دون حائل يُكرههما على الغضب والكراهية، لا يتمنيا سوى البقاء معًا حتى تنته هذه القصة التي لا يعلم أحدًا ما نهايتها..


 يُتبع..