-->

الفصل الحادي عشر - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى



 الفصل الحادي عشر

النسخة الفصحى


وكأنها وقعت بورطة لا نجاة منها أبدًا، هل من الممكن أنه علم عن لقائها هي و "يمنى" بمنزل ابنة خالتها؟ أم قد تأكد بالفعل أنها هي من ساعدتها واستطاعت الوصول لشركة هذا المحامي؟


تغيرت ملامحها، ووتيرة أنفاسها، ووجهها بأكمله يبدو شاحب يشوبه القلق، هناك أمرًا ما بالتأكيد، هذه التعابير تؤكد له أنها تخفي امرًا عنه!


- لماذا هذا الشحوب بوجهكِ؟


ادركت أن كل ما تشعر به يظهر على ملامحها وهذا لن يكون جيدًا أبدًا، لن يساعدها أن تبدو بهذا المنظر امامه، عليها التحكم في نفسها والتحدث بهدوء، فلقد استعدت لهذه اللحظة كثيرًا وتعرف ما الذي ستقوله جيدًا، لن تترك نبرته تلك لتثير التوتر بها!

- هل أنتِ خائفة؟!


سؤال آخر يلي الأول وهي لن تتركه له زمام الحديث للتسلط عليها ببعض حجج مُقنعة لحظيًا كعادته.. تمالكت نفسها بسرعة وهي تتذكر هذا المحامي الذي عرفته يومًا ما لتجيبه فورًا بنبرة تلقائية قدر استطاعتها:

- ولماذا سأشعر بالخوف؟ هل لأنني وجدت رجل يستطيع مواجهتك هو وفريقه دون أن يخاف منك؟


نصف ابتسامة ملتوية وتحديق دام للحظات متبوعًا بأعين مُسلطة على شفتيها دون أن يقترب منها كثيرًا وهو بالكاد يستطيع السيطرة على نفسه أمام فتنتها المُهلكة ثم ترك العنان لذلك السواد كي يُلاقي اعينها التي ثبتت الآن بشكل افضل ولم يعد بها التوتر الذي تلاشى سريعًا:

- لقد اخبرتك اننا سنتحدث وسيطول الحديث ولا اريد ابقائك واقفة هكذا!


تركها وغادر إلي ركن بصالة الاستقبال ثم اشعل غليونه واتجه ليجلس يُدخنه بمنتهى الزهو الشديد ولمحها بعينيه ووضع ساقًا على اخرى بينما لم تتحرك هي واستمرت هادئة قدر الامكان في هذا المضمار القاتل بينهما لتجده يلتفت نحوها وكلمها بلهجة آمرة:

- اجلسي، لا يزال لدينا الكثير لنتحدث بشأنه حلوتي


زفرت بارهاق ثم اقتربت نحو مقعده قليلًا، عليها أن تتصنع كل ما يظهر على وجهها حتى تستطيع الفرار منه، ربما مهمة صعبة ولكنه قد يُصدق في النهاية أن قرارها اليوم لن يتغير مهما فعل!

- ما الذي تريد معرفته، ليس لدي شيء كي اخفيه او اكذب بشأنه


نظر إليها بنصف ابتسامة وهو لا يثق بكلماتها ولا يُصدق أي منها واشار لها بحركة من رأسه كي تجلس على الأريكة امامه فتنهدت بملل وذهبت لتجلس في النهاية ولكن بمنتهى الثقة مثله تمامًا وعكست واحدة من ساقيها الأخرى ونظرت له بجرأة شديدة بالرغم من أن بداخلها تلك اللعنة التي اتبعتها يومًا ما وجعلتها تتحكم بها وتركت لها القرار في أن تعشقه، والآن هي تكاد تغادر قفصها الصدري من شدة الخفقان الذي تتصاعد وتيرته بجنون:

- كيف توصلتِ لنبيل مسعود؟


سألها وقد هدأت قليلًا بمقعدها فلقد فكرت مرارًا ما الذي ستقوله لو سألها هذا السؤال فاجابته بهدوء دون أن تسمح للتوتر بأن يعتري ملامحها:

- منذ عدة اشهر اتيت لك، ولم اكن اعرف ما معنى محامي وقضية، وبعدها بعدة ايام وبعد استخدام نفوذك بخبث لم اجد غيرك.. ربما لو كنت اعطيتني المزيد من الوقت كنت سأجد على الأقل آلف محامي غيرك، او على الاقل كنت ساستطيع التفكير دون ضغط على اعصابي فعمي الكاذب من جهة ورجل مثلك من جهة اخرى!! هذه المرة كان امامي وقت كافي لأجد محامي غيرك لا يكترث لما ستفعله أنت أو والدك!


قلب شفتيه بإعجاب وعقب قائلًا:

- جيد للغاية! هذا ما اتوقعه من سيدة اعمال مثلك!


ضيقت عينيها وهي لا يُعجبها هذه النبرة التي تغادر شفتاه ولا تلك النظرات المتفحصة منه بينما استنشق من غليونه عدة انفاس نفثها بمنتهى التريث وهو يُفكر في قوله القادم:

- عُلا من وجدته أم انتِ بنفسك؟


ابتسمت له بفخر وثقة رافعة احدى حاجبيها وهي تقول بإقتضاب هائل:

- تعاون مُشترك..


هز رأسه بتفهم وغمغم بابتسامة:

- على الاقل تعلمتي مني بعض الأشياء


رفعت حاجبيها بإندهاش لتعقب بأنوثة طاغية ونبرة بمنتهى الهدوء منها برهنت على كلماته باتفاقٍ مثالي:

- انت محق، الغبي هو من لا يتعلم من اخطاءه، وأنا تعلمت من اخطائي باكملها وخصوصًا معك انت


احتدمت تعابير وجهه على الفور وتلاشت ثقته وابتسامته التي يُكافح أن يرسمها على ملامحه كي يستفزها بها وكاد أن ينهض ليفتك بها غير عابئًا بكل ما تعاهدا عليه يومًا ما بينما تابعته بنظراتٍ متفحصة وكأنما تخبره خلال مُقلتيها أنها لم تعد تلك الفتاة الصغيرة التي لا تعلم شيئًا في الحياة وكان منجيها ذلك الصوت الرجولي الذي تبع ثلاث طرقات على باب الجناح مُعلنًا عن وصول الطعام!


احضر الطعام للداخل ووضعه بينهما وجلس ليتناول طعامه بنهم لتتعجب من فعلته، لقد تناولا الطعام لتوهما، وكل ما تعرفه عنه أنه ليست لديه هذه الشهية الغريبة لتناول الطعام.. ربما عليها التصرف بتلقائية حتى تصل لما تُريده وتستطيع النجاة بنفسها!

- احمد المنشاوي..


نطق بهذا الاسم بعد مُدة من تناوله للطعام وهو يلمحها بين الحين والآر بينما ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب من هذا الاسم الذي لم تعرف من صاحبه ليقرأ هو هذه الملامح على وجهها ثم تابع بعد أن ابتلع دفعة من الطعام امامه:

- عمرو الشاعر..


من جديد نفس ملامحها تتحول لترتسم عليها علامة استفهام قهرت سابقتها ليُتابع بابتسامة:

- عابد منصور، ناجي شرف..


سرعان ما تملكها الغضب من تلك الاسماء التي لا تعلم من اصحابها ولكنها حاذرت ان تقع بفخ جديد من حيله التي لا تنتهي فثبتت قدر ما استطاعت وهي تتابعه بأعين متأهبة ليسألها وهو ينظر في صحنه مُسلطًا تركيزه على ما امامه حتى كادت أن تُقسم أنه يتناول بنهم مبالغ به لم تره يومًا عليه:

- ما الذي تعرفيه عنهم؟


سرعان ما سلط نظراته المتفحصة عليها لتقلب شفتيها متحلية بثقة لا تستند سوى على قشة واحدة قد تنهار بأي لحظة واكتفت بهز رأسها بالإنكار واجابة مُقتضبة:

- لا شيء


عادت له الثقة وهو لأول مرة ربما منذ كثير من الوقت يبدو كأعوامٍ يجد نفسه لا يستطيع تبين مصداقيتها أو حتى كذبها ليقول قاصدًا استفزازها:

- هؤلاء رجال مثلي يمتهنون نفس مهنتي وأنا لا اتفق معهم.. احفظي اسماءهم جيدًا حتى تجدين من يترافع لكِ بقضية خلعك الثانية سوى نبيل مسعود وفريقه الذين سيخسرون القضية!


تحركا نهديها صعودًا وهبوطًا بتنفس متوالي من شدة غضبها وشابت الحُمرة وجنتيها وبدأت ثقتها الظاهرية تتراجع حتى اتضحت على جلستها لتتحدث بين اسنانها:

- لن اخسرها عمر!


ضحك بخفوت ولم يرفع رأسه من صحنه بينما اكتفى بنظرة واحدة من عينيه وتسائل بسخرية:

- فجأة هكذا بعد بحثك عن محامين وجدتِ نبيل مسعود خاصة وذهبتِ له وقد وافق على تولي القضية، أليس الأمر غريب؟


هزت كتفيها وهي تحس نفسها على الهدوء واخذت تساؤله بجدية لتجيبه مُفسرة:

- كلا، الأمر بسيط، قم بكتابة عمر الجندي في اي محرك بحث، ستجد قضية مُهمة توليتها من قبل من بين الكثير من النتائج بمحرك البحث وكان ليها صدى كبير، وعرفت من هو المحامي الذي كان يترافع عن الطرف الآخر وبحثت عن شركة المحاماة نفسها، ووجدتها شركة جيدة للغاية، حتى انها تترافع عن الفقراء والاشخاص البريئة، عكسك، ليس عليّ أن اكترث بمعرفة كل اعداءك ومنافسيك كي اكسب قضية خُلع النساء تكسبها كل يوم!


نهضت وهي ترمقه باستعلاء ثم بصقت الحروف من بين شفتيها بتقزز:

- ربما يومها استطعت تبرئة شاب قتل اربع شباب آخرون ليس لهم ذنب بما فعله.. ولكن نبيل مسعود لم ينس الأمر هو وكل فريقه الذي يعمل بشركته.. استطاع أن يوفر لي محامي جيد يعمل بشركته ويساعدني في قضيتي ورحب جدًا بالتعامل بيننا!


توقفت وهي تحدق به ببعض الحُزن بينما اندلع الغضب الصريح على وجهه ولكنها لم تكترث وتابعت:

- وربما كذلك أُسر الأربعة الذين قُتلوا لم ينسوا ما حدث.. هذا جعلني اخمن لمحة من مستقبلك الذي في يوم كان من الممكن أن يكون مستقبلي 


ابتلعت وهي ترمقه بآسى واردفت:

- ربما مات جنينا كعقاب من القدر مثل هؤلاء الأربعة الذين لم تصل اسرهم للقصاص العادل، وربما ليس مُقدر لك أن يكون لديك اطفال، وأنا في يوم من الأيام اتمنى أن يكون لي اسرة واصبح أُم.. انسان مثلك لا يُصلح أن يكون أب، وامرأة مثلي لا تستطيع أن تستمر مع رجل ظالم مثلك لا يخاف أن يأتي يومًا عليه ويجني ثمار ظلمه، وحقيقته سيكتشفها الجميع وستسقط كل اقنعته!


الاحتقار انهمر من عينيها لجزء من الثانية ولكنها علمت أن لا النظرة ستُفيدها ولا حتى الكلمات فتوجهت بعيدًا كي تتجنب الاستمرار في النظر إليه فهي بداخلها لا تعلم اكان قولها قاسيًا أم يستحقه تماما، ولك كان يستحق هذا فما ذنبها هي؟ ربما الإجابة ستكون أنها غبية للغاية لأنها وقعت في عشق رجل مثله يومًا ما!


استمع لصوت احتكاك اسنانه فسرعان ما تناول اخر ما تبقى بصحنه وهو يمضغه بغل إلي أن ابتلعه بتريث وجفف فمه مستخدمًا شرشف الطاولة الذي القاه بإنزعاج وقد فقد السيطرة على اعصابه تمامًا فارتكن إلي المزيد من تبغ غليونه وهو يُفكر بهذه القضية التي ربما لم يكن هناك مفر امامه سوى من أن يكسبها، والا سيكون اعلان بالحرب على والده وعلى والد ذلك الشاب الطائش الذي يعلم الجميع من هو وما يستطيع أن يفعله وكل ما استطاع فعله يومها هو مجرد اتقان دور المحامي ببراعة الذي يلتمس عدالة المحكمة الموقرة بأن الأمر حادث وكاد المتهم الشهير نجل رجل الأعمال الأشهر أن يلقى حتفه تمامًا مثله مثل هؤلاء الأربعة!!


اغمض عينيه ولمحات تعصف برأسه بكل ما يتعلق بهذه القضية والحاح والده، ليست هذه القضية وحدها، بل الكثير من القضايا الأخرى التي سهلها له اسم "يزيد الجندي" علنًا، والحاح والده سِرًا.. الإبتسامة سُرعان ما احتلت محياه.. الفرحة والسعادة الغامرة تسري بدماءه.. لقد كسب هذه القضية والكثير من القضايا.. لقد نجح يومًا ما بمنتهى الحرفية والبراعة وسيبقى دائمًا وأبدًا ممتنًا لوالده!


فتح عينيه وتوجه ليسكب كأسًا امتلئ نصفه من هذه القنينة بوليفية الصنع واضاف قطرتين من الليمون ثم توجه ليبحث عنها فوجدها لا تزال عاقدة لذراعيها تحدق من النافذة الجانبية بصالة الاستقبال بالجناح ليرتشف متلذذًا بمذاق الخمر اللاذع واستنشق بعضًا من تبغ غليونه واكتفى بمتابعة قوامها صامتًا وهو يُخيل له فعل الكثير مما اشتاق له ولكن يكفيه تلهفًا.. هو لم يعد صبي.. هو رجل لا يقبل إلا بالخضوع!!


استمعت لخطواته وتحركاته خلفها ولكنها لم تكترث وهي تحاول الثبات على موقفها، لابد من أن تتذكر كل تلك الشنائع التي عرفتها عنه، كل تلك الأمور التي ذكرها بخطاباته، وحقيقة أنها مجرد بديلة يحقق بها احلامه التي لم يستطع أن يحققها يومًا ما!


لاحظت خفوت الضوء عندما لم يتبق سوى مصابيح جانبية مُضاءة بسائر الغرفة وازدادت رائحة تبغه حولها لتشعر لوهلة بالتوتر وبنفس الوقت بالآسى، فما الذي قد يفعله ولم يفعله بها؟ عنف، مناقشة ستخسر بها، ادهاءات باطلة، تهديد خفي أو صريح، لا يهم!


حاولت أن تنهي صراعها المرير مع تلك الذكريات وذكرت نفسها أن عليها الارتكاز والثبات مهما بلغت حيله معها وزجرت نفسها آلاف المرات أن تحاول تجنب النظر إليه حتى لا يستخدم انجذابهما اللعين، لن تسمح له اليوم بحيله الرخيصة، ولن تنخدع بصوته الدافئ وابتسامته ولا حتى استفزازه اياها!


- اعجبت بكِ للغاية..


التقت اهدابها عدة لقاءات بتوتر ولاحظها عبر انعكاس صورتها بزجاج النافذة ليبتسم وتابع:

- طريقة تحدثكِ، ثقتك، غرورك.. جعلتيني اشعر انني اقابل روان صادق من جديد، سيدة الاعمال المتفوقة البارعة الذي يقول عليها الجميع انها ذكية..


اقترب خطوتان وهو يرتشف المزيد واردف بدفء نبرته:

- ولكن من علمتها أنا الكثير، لقد اصبحت نسخة مُصغرة مني صغيرتي!


التفتت له بإندهاش ونظرات منكسرة وعقبت بهدوء:

- ربما اصبحت نسخة منك، ولكن كل ما تعلمته منك هو الخداع والآلم والثقة أن هناك ما لا يقل عن مليون طريقة تصل خلالها لما تريده، وجميعها طُرق خطأ.. اصبحت اشعر أن كل شيء خطأ بداخلي أنت من تسببت به، بداية بالافكار وردود الافعال إلي الذكريات المُرة معك!


فرت سريعًا إلي الشرفة عله يتوقف عن متابعتها، فهي لا تكره الآن سوى نفسها اكثر من كراهيتها له، أو ربما عدم كراهيتها له على الاطلاق، تعلم أنها لا تزال تعشق هذا الرجل الذي ظنت أنه ربما تواجد بداخله بمكان ما، حتى ولو كان ناء بعيد عن الأعين، لأيام صدقت تلك الكلمات التي خطها بحرفية تامة وهي تشعر وكأنما ترى انعكاس صورة لوجهه الباكي بين سطوره البارعة وهي تتصوره نادم على الرجل الذي كان عليه يومًا ما..


ولكن الحقيقة تتجلى اليوم في صورة المحامي الذكي البارع الذي يكسب القضايا الصعبة مهما كانت التُهم المنسوبة إلى موكله، قتل وسفك دماء، ربما تدمير اجيال كاملة باطنان من المخدرات، أيًا كانت التهمة فهو كالثعبان يلتف حولها ليبتلعها بأكملها للداخل وفي غضون ساعات لا يظهر من اثرها شيء..


شعرت باحتدام حرارة جسدها فحاولة تنظيم انفاسها بهدوء وخلعت حذاءها حتى تعانق قدماها الأرض الرخامية اسفلها وحاولت التحديق بمياة النيل الذهبية بفعل الاضواء المنعكسة عليها وحاولت التنعم بنسيم الربيع الهادئ عله يُذهب لهيب حياتها البائسة وقبل أن تتخلص من اثر اللهيب ودخانه الخانق اعاده إليها بكلمة واحدة عندما قاطع صفاءها الذي تحرت عنه بأعجوبة بكلمة واحدة منه فقط:

- انظرِ لي


ابتسمت بسخرية عندما عصفت على ذاكرتها الكثير من المشاهد التي تبعت امره اللعين هذا بالنظر إليه كل مرة نطق بها هذه الكلمة ولكنها التفتت لترمقه خلال الاضواء الخافتة الليلة المنبعثة بالشرفة واجابته بنبرة متسائلة دون غضب أو استعداد لمشادة كلامية:

- ماذا تريد؟


عقد حاجباه وشبح ابتسامة يتلاعب على شفتيه بينما ارتشف من كأسه واجاب:

- لا شيء، فقط الاستمتاع بالنظر إليكِ


ابتسمت بسخرية وسألته بنبرة مُرهقة هادئة:

- هديتك إلي بسام، كلماتك لوالدتي، العشاء، هذا الفندق وبقاءنا هنا، اختفاءك انت وعدي فجأة، الحارسان امام هذا الباب، كل هذا فقط لتراني، حقًا ما الذي تُريده بعد كل ما مر بيننا؟ اتظن أنك ستكسبني مرة اخرى بما تفعله الآن؟


رفع حاجباه ثم اخفضهما وبالرغم من الكثير لا يجد بداخله سوى السعادة التي لم يُفسر سببها سوى بتواجدها بالقرب منه اسفل عينيه بعيدًا عن أعين الجميع وكرر مقتبسًا من كلماتها بهسهة بالكاد استمعت لها:

- تكسبني مرة اخرى، يا له من تعبير


توسعت ابتسامته ليرتشف المزيد من خمره اللاذعة واخفض كأسه وكاد أن ينحيه جانبًا بينما رفعه من جديد ليتجرع كل ما به ثم القاه ارضًا خلفها لتفزع ووجدته يقترب منها ضاحكًا وهو يُكرر من جديد:

- تكسبني!!


حاولت الثبات امامه بالرغم من التوتر الذي اندلع بداخلها لتجده يسألها:

- ماذا تظنين نفسك؟ جائزة ما؟


حدجها بنظراتٍ شرسة تخللتها كما أنياب الليث ليسألها مرة ثانية بينما هي تشعر بالغضب يكاد يلتهم كيانها:

- اخبريني من انتِ؟ ها؟!! افضل امرأة خُلقت بهذه الدنيا وانا لا الاحظ هذا بعد؟ ربما اليوم لن اكسبك، ولكن من الذي فعل، عُدي أم يونس؟ من الفائز في مباراة اليوم؟


رمقته باحتقار ورفعت يدها لتصفعه فمجرد كلماته اصابتها بالتقزز ولكنه احتواها سريعا بقوة ضارية:

- اتعرفين، لا اكره في حياتي اكثر من الألعاب الجماعية.. عندما العب واتنافس واحب ان اربح اتبارى وحدي ودائمًا اجد طريقة أو اخرى للربح، روان!


نطقها بغل مُبتسمًا وبدأت انفاسه في التسارع وهو لا يتوقف عن النظر إليها بطريقة لا تستطيع تفسيرها بينما نطقت بحقد بين اسنانها المُلتحمة:

- وانا لا اكره في حياتي اكثر منك!!


مجرد تصور تلك الغيرة العمياء التي تتقد بسواد عينيه المنعكس عليه اضواء المدينة بهذه الساعة من ليل الربيع تجعلها تتقزز أنه قد يُفكر أنها بهذه الوضاعة بينما اقترب منها وهو يضيق عقدة يده على معصمها بغلاظة وسألها:

- حسنًا، ومن الذي تعشقيه منهما؟ الرجل القديم بذكرياته أم الجديد كنوع من التجربة وكسر الملل؟


امتعضت تقاسيم وجهها وشفتاها تقوستا للأسفل بتقزز ساخر لتهمس بيأس مصحوب بالغضب:

- من يا تُرى، هل هو اخوك الذي عرفته بمعرفتك انت أم ابن خالتي الذي كان امامي طوال عمري


تجولت عينيها بخاصته بندمٍ جارف واخبرته بلوم:

- انا حقًا لا اصدق انك تظن بي هذا


ابتسم بسخرية لم يعلم أنها تعكس سعادة خالصة تنهمر من عينيه لا تعلم ما مبررها بعد وهو يعقب بنبرة حادة نوعًا ما:

- تذهبين لواحد منهما كي يُخلصك مني ويُساعدك بطلاقك والآخر معجب بكِ للغاية ويدللك أمام الجميع.. ما الذي تنتظريه مني؟


نظرت إليه نظراتٍ متحدية لتنفض يده بقوة وهي تجيب تساؤله السخيف:

- ربما لو هذا ما تراه فربما المُشكلة بك أنت زوجي العزيز، لو كان زوجي رجل صادق وصريح وعلاقتنا بخير وجيد معي لم استطاع أي رجل اخر أن يقترب مني!


رفعت احدى حاجبيها بتحدي وكادت أن تدفعه لتتخلص من وجوده امامها وتفر للداخل ولكنه هو من دفعها للخلف لتضرر قدميها بشظايا الزجاج فصرخت وحاولت الابتعاد عن البقايا المنثورة اسفلها بعد ان تضررت كلتاهما ولكنه منعها ممسكًا بكلتا ذراعيها وكأنه يُريد لها المزيد من الأذى ورمقها باستمتاع مبتسمًا ينما هي تحاول تحمل الآلم وبادلته النظرات بغلٍ شديد ليسألها بهمس:

- لست جيد بماذا، لم اكذب عليكِ وكنت صادق وصريح، فلتخبريني ما الذي لم اكن جيد به؟


تفقدته والدموع تحول بين مُقلتيها وخاصته كحاجز لعين يمنعه من متعة غالية على قلبه، تُبهجه تلك العسليتين والآن لأول مرة يريد لإمرأة أن تكف عن البكاء كي يستمتع بأعين وقع بغرامهما فأضاف مكررًا:

- اجيبي اسئلتي اللعينة؟


تساقطت دموعها وتجنبت النظر إليه وبلحظة امتزجت بين ضعف حقيقي وآخر زيفته لانت يداه ظنًا انها تبكي وامتدت واحدة منهما لأسفل ذقنها كي توجه تلك العسليتان صوب خاصته ولكنها نجحت في اللحظة المناسبة بدفعه بعيدًا وفرت إلي الحمام المُلحق بصالة الاستقبال الخاصة بالجناح وهي بطريقها تحمل حقائبها من على المنضدة بجانب الباب!


❈-❈-❈

سكب المزيد، يحاول أن يثمل بشتى الطرق، يعلم أنه امر خاطئ ولكن هذا هو الحل الوحيد حتى لا تكون تصرفاته القادمة معها واعية، يحاول أن يفقد ذلك الإلحاح بداخله كي يذهب ويُهشم ذلك الباب، فلقد فعلها مرة بالسابق وقد يفعلها مئات المرات، ولكنه يحاول الهدوء، وكلما حاول كلما ادرك أن هناك دافع بداخله يجبره على التركيز والنشاط لا يعلم سببه.. هل ما يشعر به لإنعدام علاقتهما الحميمة بالأيام الأخيرة منذ تلك الصورة اللعينة التي وجدتها؟


المذاق لاذع وقوي، وكل ما يراه منها الليلة يجعلها تزداد فتنة بعينيه، وكل ما يُريده أن يجلسها اسفل قدماه نادمة على تلك القضية، وذهابها لذلك المحامي، يريد لها التوسل وهو يُكيل لها الإهانة على كل ما فعلته وتفعله معه، ولكنه يعشقها بالرغم من كل ذلك!


تفقد هاتفه من جديد، رسالة اخرى من سكرتيره الشخصي "باسم"، اخيرًا وصل إلي الرجل الشاب الطموح الذي تنبأ الجميع له بالنجاح في اختصاصه بالشئون الاسرية، "خالد مأمون"، بالتاسعة والعشرون من عمره، يعمل بشركة "نبيل مسعود" .. مرحبًا بالأعداء اذن!


اغلق هاتفه تمامًا، تجرع المزيد من الزجاجة مباشرة وبداخله يندلع الغضب، اللعنة على مزاجه السيء، حسنًا ربما يُفيد أن يصب غضبه على الجميع سواها هي لأنه لو فعل وترك العنان لغضبه حتى ينعكس عليها سيقتلها لا محالة ولقد اوشك أن يفعلها بالسابق!


ترك الزجاجة وذهب، توقف امام باب الحمام الملحق بصالة الاستقبال، لم يطرق، لن يطلب الاذن ولا السماح، غروره المُفرط سيؤلمه لو حدث، يكفي أن يُناديها وإن لم تفعل ما يُريده لن تكون العواقب جيدة، وهو في مزاج مناسب للغاية كي يُعاقبها ويحضر بهذا العقل الذي سممه لينه وهدوءه وتغزله بها بعض الواقعية بأنه زوجها ولن يسمح لها بتركه!


- افتحي هذا الباب بدلًا من أن اقوم بتدميره، اظن أنك اختبرتِ الأمر بنفسك بالسابق!


قالها بصوتٍ مسموع حتى تستمع له جيدًا، ظن أنها ستبكي أو ستصرخ ولكن هذا لم يجده، وجد الهدوء الشديد الذي ناقض رأسه الصاخب بأصوات عديدة لا تنتهي.. اصواتٍ يكرهها تعقد كل الأمور معها.. اصواته هو نفسه!!

- ليست افضل طريقة عمر، لا تكسر الباب عزيزي!

- اخرس انت لا اريد سماع صوتك اللعين


حاول أن ينفضها بعيدًا ولكنها عادت من جديد:

- لا تُحل هذه الأشياء بطريقتك هذه..

- قولت اخرس!!


زجر نفسه بصوت مسموع ولكنه فشل تمامًا ليعود الصوت صارخًا بقوة:

- سلط تركيزك على القضية واكيد ستجد عدد لا نهائي من الحلول ولكن أنا وأنت تأكدنا جيدًا بالسابق انها ستكرهك لو قمت باتباع افكارك هذه معها

- واللعنة اخرس او اذهب للجحيم!! دعني وشأني وغادر رأسي!


صرخ بنفسه، واستمعت هي له، ظنت أنه يتحدث لنفسه من جديد، ولكنها اكتفت من افعاله واقواله وتقلباته التي لا نهاية لها، ستفاجئه، لقد اختارها منذ البداية لأنها توأم مطابق لحبيبته على كل حال!


فتحت الباب بهدوء، لم تنتظر كثيرًا بعد أن ارتدت هذا الشعر المستعار الاسود القصير والخضرة الزائفة تنهمر من عينيها، تحاول التحامل على قدميها بعد ان استطاعت أن تخرج قطع الزجاج منها بصعوبة، ربما تبقى بعض الشظايا بهما ولكن على كل حال الزجاج وآلمه افضل آلاف المرات من وطأة آلم الخداع والكذب عليها!


التحمت اسنانه بمعركة حامية، الغُلبة ليست واضحة بعد لفكه العلوي أم السُفلي، وكأنه يري الشيطان مجسد امامه بداخل المرأة التي يعشقها، هي تشبهها فعلًا، اكثر من هذه الفتاة التي اوشك على انهاء حياتها يوم مولده، هل يُمكن أن يقتل زوجته الآن بغرفة فندقية فاخرة ويُفلت من العقاب؟ والده لن يتركه، يستطيع أن يلحق بها الكثير من التُهم، في القانون كل شيء ممكن، ولكن الأمر سيُسبب له صداع لعين.. رأسه لن تستطيع الصمود أمام كل هذا!


تلك النظرات منه ملحمية، اسطورية، يُمكن أن يكتب بسببها ملايين الخطابات لإمرأة اخرى كم أن زوجته تريد أن تغضبه، لقد استطاعت مفاجئته حقًا، هل يعشقها الآن اكثر بهيئتها الحالية؟!


يا للسخرية!! لم هو غاضب؟! لقد تزوجها من أجل تشابه ملامح كلتاهما، لم ملامحه تبدو وكأنه سيقتلها لامحالة؟! ألا يُعجبه ويروق لذوقه بالنساء ما تبدو عليه الآن؟!

- هل اعجبك هكذا اكثر، ملامحي هكذا تبدو افضل، أليس كذلك؟!


ابتسامة مُتشفية لاحت على شفتيها، بالرغم من الآلم والتهور الذي ينطلق من سواد عينيه الحالك بالضوء الخافت كالرصاص صوب عينيها، مُقلتيه تصرخا بالهلاك الوشيك لها، ولكنها لا تكترث!


تقدم خطوات نحوها لتعود هي للخلف على اطراف اصابعها غير المتضررة كي تخفف من شدة آلمها وتحدثت له بتحدي لا يخلو من استفهام مستنكر:

- هل ذكرتك بها؟ أم ربما كنت تريد كل هذا الوقت أن ابدو مثلها اكثر؟!


توترت من اقترابه ولكنها تابعت اسفل نظراته القاتلة:

- ها نحن ذا، لقد حققت لك كل ما تمنيته وحلمت به، لقد فعلت لك كل ما اردت، مظهري، وجعي، سيطرتك على كل من حولك، لم يعد هناك ما استطيع فعله بعد أن اصبحت نسخة منها واحترمتك للغاية امام الجميع.. فلتفعل المثل معي وطلقني!


الوجوم يُسيطر على ملامحه، ولكن الغضب تجلى بعينيه، واقترابه يجعلها تتوتر اكثر ولكنه سألها سؤال واحد دون تعابير واضحة على ملامحه:

- اهذا ما تريدي؟ كل هذه السخافة كي اطلقك؟


ابتلعت وهي ترمقه باستنكار وأنفاسها المتوترة اللعينة لا تنفك تسيطر عليه لتدفعها للإرتباك الجلي ولكنها حاولت الثبات واجابته متسائلة:

- اتظن أن بعد كل هذه الاجراءات أريد امرًا آخر غير الطلاق؟


لا تدري اهذه ابتسامة أم مجرد تحرك شفتيه بسخرية واستهتار ولكن تساؤله جعلها ترتاب اكثر:

- ولماذا لم تتركِ منزلي انتِ ووالدتك واخيكي ما دام هذا ما تُريديه؟ ما الذي يجعلك تنتظري في منزلي أنتِ وأُسرتك إلي الآن؟ أم أن المحامي الفاشل الذي قمتِ بتوكيله لم يذكر لكِ أنكِ ستتركين المنزل بالنهاية ما دام لا تملكي ابناء مني؟


هزت رأسها بآسى ليقترب منها من جديد إلي أن شعرت بإرتطام خصرها بهذه الحافة الرخامية خلفها وادركت أنها وصلت إلي الحوض ولكنها اجابته بثقة:


- لو كنت عُدت إلي بيتنا، هل كنت ستتركني وشأني؟ هل كنت ستصمت ولن تأتي لتتواجد معي رغمًا عن انفي وانف الجميع؟ هل كنت ستبدو هادئًا وتحل الامور بيننا بتكتم دون أن تدخل والدتي بطريقة ستهز صورتي بأعينها وصورتك أنت أيضًا؟ مع الأسف كنت اريد أن احافظ على سُمعتنا أمام الجميع وننفصل بهدوء!


رطبت شفتيها وحاولت السيطرة على تلك المشاعر بداخلها التي ستدفعها للبكاء حتمًا واكملت كلماتها بمزيد من التحدي:

- وبيتنا الذي عشت به مع والدي ووالدتي وأخي هو اقل مكان ذهبت أنت له، وهذا اكثر مكان يذكرني بكل شيء جيد مع أُسرتي الهادئة السعيدة.. قررت أن يكون خاليًا منك أنت وذكرياتك وحُيلك وخداعك وكذبك المتكرر.. لن اسمح لك أن تدمره..


أومأ بالتفهم ليقترب محيطًا خصرها فصرخت به:

- ابتعد عني..


حاولت التخلص من مسكته على جسدها التي احرقت كل ما بها ولكنه لم يستجب واجبرها على الالتفات لتجد نفسها بين ذراعيه بصورة واضحة منعكسة بالمرآة امامهما واخذت في التحرك عله ينتهي بينما لم تجد مفر فأحكم ذراعه اليُسرى فوق خصرها وهو يحدقها خلال المرآة فتعالى لهاثها من الخوف من نظراته ووجدته يتحدث لها بمنتهى الهدوء وهو يتخلص من ذلك الشعر الأسود الكريه الذي لا يليق بها بيده اليمنى والقاه ارضًا وحدثها بلهجة آمرة:

- اخلعي هذه العدسات روان، فورًا!!


حاولت أن تتخلص منه من جديد بينما لم تفلح وسألته بغضب بين تنفسها السريع:

- لماذا؟ ألم تعشقها بكل ما هي عليه لسنوات وحتى اخترت أن تتزوج من تشابهها؟


رمقها بتحذير وهو يهشم فكيه بدلًا من أن يهشمها هي ولكنها واصلت تحركها ليُزيد من قوة مسكته إليها:

- اظن ابدو افضل هكذا! ربما لو بقيت اكثر بهذا المظهر سأجد بعض الحظ وستتركني في النهاية مثلما تركتها!


طالت نظراته إليها ليهمس بالقرب من اذنها مستفسرًا بسخرية:

- اهذا ما تظنيه، أنني سأتركك؟


ابتسامة مُظلمة لاحت على شفتيه ونظراتٍ من التحذير بخطورة ما تفعله، باردة كالموت، تخترقها عبر المرآة، إلي عينيها الزائفتين، وذراعيه تثبتها بمكانها، ودفعة قوية منه إلي جسدها بأكمله للأسفل حتى تتأذى قدماها بفعل شظايا الزجاج التي جرحتها جعلتها تود الصراخ ولكنها ابتلعت ضعفها بصحبة صراخها وسلطت له نظرات معاتبة ممتزجة بالتحدي كرد واضح منها أنها لم تعد تلك الفتاة التي تتأثر بلمساته ولن تخضع لأقواله بعد الآن!

- اتعرفين عندما اراكِ هكذا ما الذي سأفعله؟


تساؤله اخافها اكثر وحاولت التملص من جديد دون أن تنجح بالفرار لتلتصق شفتيه بأذنها وهو يهمس مُكملًا بنبرة دافئة وأنفاس محمومة انعكست على بشرتها:

- ربما سأقتلك مثلما قاربت على قتل فتاة تُشبهها يومًا ما، انتبهي صغيرتي


زفرة ضاحكة استمعت لها ولكنها لم تستطع أن تراها خلال المرآة ولم ترى بعينيه المُغلقة شيئًا واخذت تحاول في جذب يديه بعيدًا ومن جديد بائت محاولتها بالفشل:

- أنا لم اعشق يُمنى ولا امرأة سواها مثل ما اغرمت بكِ، والفتاة التي اوشكت على قتلها لم اشعر نحوها بشيء.. جرائم القتل دائمًا المشاعر تكون هي الدافع للقتل بها.. خاصة الرجل الذي عشق زوجته يومًا ما!


ابتلعت برعب من كلماته وخصوصًا اشارته أنه كان مغرم بها بيومٍ ما وكأن هذا الأمر انتهى للأبد لتحس بثقل ينطبق على صدرها وشعرت بأن الهواء انعدم برئتيها بينما حدقها بتحذير بعد أن فتح عينيه وابتعد عن اذنها وباتت ملامحه المُخيفة اوضح واكمل بلهجة آمرة:

- امامك دقيقتان، اخلعي هذه اللعنة، وإما لن تري النهار ولا سواه، ولتصدقيني ستأكد بنفسي أنكِ لن تري طوال حياتك لون عينيكي ولا حتى لون عينيها ولا أي شيء في الحياة سوى العتمة السرمدية!


انهى كلماته بدفعه لها لترتطم بقوة بالرخام القاسي امامها لتشعر بالآلم بخصرها حيث كانت حركته مفاجئة وخرج سريعًا محاولًا التهام اكبر كمية من الهواء إلي رئيتيه ولاذ إلي المزيد من الخمر ولم يكترث بسماعه لصوت بكائها الذي تعالى شيئًا فشيء!


❈-❈-❈

حاول أن ينظم أنفاسه، أو ربما هو يحاول أن يسيطر على شعور الغضب الكاسح بداخله، لا يدري ما لعنته معها، ولا يريد أن يُصدق أن كل شيء بينهما ينهار لأنها فقط تُشبهها!

- أم ربما تخاف من أن تفعل اسوأ مما فعلته يومًا ما!


صوته اللعين!! كيف عليه الانتهاء منه؟ هل عليه أن يقتل نفسه أم يقتلع رأسه بيديه؟!

- الدم، النزيف الذي لا يريد أن يتوقف، يومها كنت ثمل بشدة، تركتها مُكبلة وسقطت بالنوم، هل تخاف أن روان ستواجه نفس الأمر، أم خائف لأنك لن تقدر أن تفعل بها المثل؟ هل تخاف عليها أم على كبرياءك الذي يتراجع بشدة امامها؟


سيتجاهل صوت نفسه، سيتجاهل ما حدث منذ اكثر من ثلاث سنوات، سيتجاهل كل شيء وسيثمل، هو ليس بغفة متعته، هذا فندق على كل حال وليس هناك نفس الادوات، لقد قصد أن يأتي إلي هنا كي لا يفتك بها!


- لا يمكن لرجلٍ أو إمرأة ، أو لجبانٍ أو شجاع أن يمنعَ قدرَه.. اتتذكر هذه الكلمات، كنت تؤمن بها للغاية، ربما قدرك أن تبتعد عنها!


يا لصوته البغيض المترنم بالإلياذة الآن بداخل رأسه، اهذا ما يستطيع التفكير به، عليه تجاهل الأمر وتجرع المزيد من الخمر!

- كيف ستصلح هذا، ألم تُفكر يومًا بردة فعلها عندما تكتشف الأمر، أو لو عرفت ما التفاصيل الخفية بحياتك اكملها، كلماتك المنمقة بعد سنواتِ من قرراءة الأدب والشعر والتي اخترتها انت بعناية فائقة ربما اثرت بها قليلًا، ولكن الأحداث الحقيقية والقضايا لن تبدو بنفس طريقة جواباتك الرومانسية، عمر..


- اخرس ايها الكريه، انا سأستطيع أن اجد حلًا لكل هذا!


ترك صوته والزجاجة وكل ما يدور بعقله وذهب مجددًا الي الحمام ليجدها جالسه بالقرب من الحوض، قدماها لا تلامس الأرضية، تذكر ذلك الزجاج، لابد من أنها تتألم من الواضح ولا تستطيع أن تخطو بقدميها على الأرضية الصلبة ويا للمتعة، ليس هناك ما يُضاهي آلمها بعينيه لذة ولكن هذا ليس المدخل الصائب لعقلها الذي لا يعلم من السبب في سُم افكارها الراهنة!


رفعت رأسها تنظر إليه ليجد اثار البكاء ووجهها مختلط بالحمرة ولكنها على ما يبدو توقفت عن ذرف الدموع بمجرد تواجده ونظرت إليه في صمتٍ ناقض كل ذلك اللوم المنهمر من تحديقها به، يراها بأعينها كوضوح الشمس، هذه الكلمات التي لا تريد أن تنطق بها، تصرخ اعينها بأنها لا تستحق منه ذلك، وفي نفس الوقت تأبى بنفورٍ شديد أن تلومه بالكلمات أو أن تظهر ضعيفة امامه لأنها لو تكلمت ستبكي ولقد فعلتها كثيرًا ولم تُسفر عن أي نتيجة مُرضية لها بالسابق!


اقترب منها اكثر ثم سألها ببرود:

- كيف حال قدميكِ؟


ترددت لبرهة ناظرة له وبالرغم من آلاف الجُمل الساخرة التي تستطيع أن تجيب بها وكاد لسانها أن يندفع بها فضلت الهدوء عله يدوم ولو قليلًا واجابته بإقتضاب:

- سأكون بخير


تأهبت بجلستها عندما اقترب منها بينما هبط بجسده وهو يحاول أن يلمس قدميها وهو يغمغم بإقتضاب:

- دعيني ارى


حاولت أن تبعد قدميها ولكنه كان اسرع بقبضتيه حولهما وتفرسها مُحذرًا لتتنهد بسأم واخفض نظره ليجد جوربها الرقيق عليه قطرات الدماء التي تخالط تمزقات طفيفة اثر الزجاج المكسور من كأسه وهي تتهكم بداخلها، منذ قليل كان يؤلمها ويدفعها والآن يكترث من اجل جروح هو الذي سببها لها، أي جنون تتعامل معه؟

- انتظري مكانك!


تابعته بعينيها ولوهلة شعرت باليأس وقلة حيلتها امامه، ما يُريده دائمًا ما يحصل عليه، وخصوصًا معها، سواء بعلاقة حميمة، أو بكلمات منمقة، أو بحفنة وعود كان من الغباء أن تؤمن بها وتُصدقها! الأمر بات مُعقد، ما حيلتها معه؟ ما الذي تملكه أمامه وتستطيع أن تدافع به عن نفسها؟ كيف ستنجو من كل هذا؟ تبكي وتصرخ ثم ماذا؟


لم يلبث سوى جزء من الدقيقة بينما عاد لنفس جلسته وهو يحمل زجاجة الخمر البوليفية ذات التركيز الكحولي الشديد لتتعجب منه وسرعان ما ضمت قدميها عندما احست بيده ترتفع لتخلصها من جوربها وهي تشعر بعدم الراحة من لمسته التي تتذكر جيدًا ما نتيجتها النهائية وسيكون من الغباء والبلاهة أن تترك نفسها لتلك الكيمياء المتفجرة التي تتحفز تلقائيًا كلما اقتربا من بعضهما البعض!

- حسنًا!!


همس بها وعينيه تتلاعب بنظرة استمتاع عندما استشعر رفضها لصعود يده اكثر فرفع قدمها واسندها على ركبته ليمزق الجورب حتى يستطيع رؤية مدى ضرر قدمها الذى حمل اثار الدماء لتنتفض اثر ما فعله وعادت للخلف قليلًا مُعدلة جلستها فوجدته يُمسك بزجاجة الخمر ويسكب منها وهو يمرر ابهامه مُدلكًا اماكن جروحها الطفيفة ليجدها تهسهس بآلمٍ ورفع قدمها اكثر وهو يُخفض من رأسه كي يرى أي بقايا للزجاج ومرر يده ليتحسس أي شظايا اسفل بشرتها الناعمة بينما لم يجد شيئًا..


هبطت بعض من خصلاته القصيرة على جبينه بينما تفقد قدمها الأخرى بنفس الطريقة واخفضت بصرها وهي تحدق به وبداخلها آلاف التساؤلات مع من تتعامل، المحامي الثعباني التفكير، أم الزوج المُحب، أم الرجل المريض ذو النوبات، الرجل الذي يبحث عن شبيهة حبيبته السابقة أم الآخر السادي الذي تتمنى اندثاره من الحياة؟!


رفع عينيه نحوها ليجدها تحدق به بتمعن فنهض امامها وسألها بنبرته الدافئة:

- هل اصبحت لا تتحملي أن المسك؟


ابتلعت من تلك النظرات التي تعلم كل ما يتبعها جيدًا لتُفكر في اجابتها مليًا دون أن تخوض بتفاصيل قد تقودهما سويًا برائحة الخمر التي تفوح منه إلي طريق نهايته لن تكون جيدة وقالت بهدوء وتلقائية مجيبة بتساؤل:

- لقد طالبت بالطلاق عُمر.. ماذا تظن؟!


همهم بتفهم ورمقها للحظات بأعين لم تفهم منها شيئًا سوى أن هناك الكثير يدور برأسه لتبتلع وهو يقترب منها فسرعان ما حاولت منعه:

- عمر، توقف ارجوك انتـ..

- اهدئي، لن يحدث شيئًا قبل أن اخبركِ!


قاطعها موقفًا اياها عن متابعة ظنونها وحملها لتزفر باستياء وهي تحاول التخلص منه كي تهبط ارضًا غير مُتقبلة لإدعاءه الزائف بالاهتمام بها، فلقد كان منذ لحظات يريد لها أن تتألم ويتصرف كالأهوج والآن يأتي ليتحدث بهدوء ويطمئن عليها؟! لن تقبل هذا منه!!

- ارجوك اتركني وتوقف عن تصرفاتك هذه


مشى حاملًا اياها إلي أن وصلا إلي الغرفة ثم توجه بها نحو الحمام وانزلها على حافة المغطس الذي تقسم أنه يسع اربعة اشخاص على الأقل وبداخلها التهمها الانزعاج من تصرفاته وتجاه نفسها لعدم مقدرتها على فعل شيءٍ كرد على تصرفاته!


تأكد من اغلاق مسار المياة ثم قام بفتح الصنبور ليملئ المغطس وهي تتابعه بعسليتين متفحصتين والتأهب يسري بدمائها لتسأله باستنكار:

- ما الذي تظن أنك ستفعله؟


اعتدل بجسده واقفًا امامها ووضع يديه بجيبيه واطنب النظر بها للحظات ثم اجابها وهو يقوم بحل ازرار اساورة قميصه:

- لقد كان يومك طويلًا ولابد أنكِ مُرهقة، تحتاجي لبعض الاسترخاء والذهاب للنوم..


تجنب النظر لها وسكب بعضًا من مستحضر الاستحمام ذو الرائحة العطرة وبعدها توجه بعيدًا واكمل خلع قميصه:

- لو تريدين ألا تواجه ملابسك نفس مصير جوربك فلتتخلصي منها بهدوء


ابتلعت وهي تنهض لتتآوه بآلم من اثر الجروح وذهبت تابعة اياه متحاملة على وجعها وتحدثت بانزعاج ورفض قاطع:

- انا لا افهم اي جنون تفعله، دعوة الجميع للعشاء، هذا الفندق، هديتك لأخي، والآن تظن أننا سنقضي وقتًا معًا كي نسترخي سويًا بمنتهى الهدوء وكأن هذا مثلًا سيُصلح ما يحدث بيننا!


التفت لها ليجد ملامحها ممتعضة والرفض يتضح على كل تقاسيمها لتتابع:

- ليس معنى انني لا زلت احتفظ ببعض الأمل بأن تكون صورتنا جيدة امام الجميع وننفصل دون شجار علني أنك تفعل كل ما تفعله منذ عودتك من سفرك!


ضحك بخفوت وهو يرفع حاجباه مندهشًا من كلماتها وشاهدها باستمتاع فكادت أن تفقد عقلها من كثرة استفزازه لها لتحدثه بلهجة آمرة:

- اريد أن اغادر حالا واعود للمنزل، لدي عمل بالغد ولا املك وقت لاضيعه على كل هذا!


حدجته بجرأة شديدة وها هي نظرة التحدي من جديد يراها واضحة بعينيها ليتنهد مغمغمًا:

- حسنًا!


جذبها إليه بغتة ثم ارغم جسدها على الاستدارة حتى يلمحها خلال المرآة وحدثها بلهجة هشمت كل ذرة قوة بداخلها:

- غدًا ليس هناك عمل، لقد اخبرت علا باجازتك..


توسعت عينيها بدهشة ليبتسم ثم تابع:

- وحديثنا لم ينتهِ بعد.. علينا أن نستكمله


ابعد شعرها إلي احدى الجوانب ليستقر على صدرها بينما ذراعه الأخرى تطوق خصرها واكمل وهو ينظر إلي عنقها والجزء الجانبي من ترقوتها المُهلكة:

- صدقيني حلوتي، من الممكن أن اتصرف بالاجبار وبإرغامك على ما اريده وفي الحقيقية هذا كل ما اريده منذ عودتي من سفري، وانا وانتِ نعلم جيدًا انني فعلتها بالسابق، ما الذي سيمنعني من فعلها الآن؟!!


تعالت انفاسها والغل يهب كالعاصفة من عسليتيها وصاحت به مستهزءة:

- هل يعني هذا أنك كنت كاذب؟ ألم تقل أنك لن تفعلها مجددًا؟

- لقد كذبتِ أنتِ أيضًا، وفعلتِ ما لا اقبله، ألم نتعاهد سويًا على حل كل ما بيننا بالهدوء وأننا سننجح سويًا بهذا الزواج، وبمجرد ما حدث امرًا واحدًا فقط تطالبين بالانفصال.. لا اظن اننا نختلف عن بعضنا البعض في شيء


عقب على كلماتها وهي تشاهده خلال المرآة ولا تصدق مدى البساطة التي يزين بها كلماته ولا الهدوء الذي يتبعه معها ولا اقترابه اللعين منها بالرغم من رغبتها الصريحة في ابتعاده عنها وعدم قبولها لكل ما يفعله مما اغضبها للغاية فسألته بتحدي:

- هل الأمر يستند على عدد الاحداث أم مدى تأثير الحدث؟!


ثبتت في مكانها ولم تعد تحاول التملص منه الآن واضافت دون ان تكترث لإغضابه ونطقت دون أن تُفكر في كلماتها التي قد تفتك بها:

- خذ هذا المثال، أنا منذ زواجي بك لم اكذب قط ولم أخفِ أي شيء عنك ولم أكن السبب في أي خلاف بيننا، هل هذا يُعطيني الحق أن اخونك مثلًا او اكذب واوجهك بعد أن تكتشف الأمر واعتذر لك واقول عفوًا، هذا امرًا واحدٌ فقط؟!


رفعت احدى حاجبيها بغطرسة وهي تشعر وكأنها ضيقت الخناق عليه بالكلمات بينما استغل هو هدوئها اللحظي وهي لم تعد تحاول أن تبتعد عنه ليجذب سحاب ردائها الخلفي للأسفل بغتة ثم دفعها مرة ثانية وارغمها على الاستدارة بهمجية وصرخ بها:

- لو قمت بخيانتي لن تستطيعين التحدث لأنكِ ستكونين ميتة متوارية اسفل التراب، ولو قمتِ بالكذب في أي شيء سأعلم، ووقتها لن ارحمك!


شعرت بالخوف من نظراته الغاضبة بالرغم من محاولتها للتحلي بالثقة وأخذ قلبها يخفق بتسارع شديد حتى كاد يهشم ضلوعها فتابع بنبرة مُحذرة ولهجة تهديد صريح بين اسنانه الملتحمة:

- اسمعيني جيدًا، لو سمعت كلمة منك تغادر شفتاكِ في ليلتنا السعيدة هذه ولم تعجبني لا تستبعدي رقود جسدك بسرير المشفى بدلًا من سرير هذا الجناح.. قلت لكِ سنجلس سويًا معًا، وسنذهب للنوم، وسنقوم بقضاء عدة أيام هنا، لذا ستكونين فتاة جيدة وستعودين لصوابك، وإما صدقيني، عمر القديم الذي كنتِ تخافين منه ويجعلكِ تشعرين بالحزن ستتوسلين أن يعود بدلًا من هذا الرجل الذي سأتحول له لو قمت بعصياني، انزعي هذه اللعنة وانتظريني هنا..


ابتلعت وهي تنكمش بجسدها للخلف ناظرة له بخوفٍ شديد ولم تعد تستطيع التنفس وكأنما انعدم الاكسجين بالهواء حولها ليرفع يده ولمس وجنتها بسبابته وهدأ من نبرته ليهمس لها بنبرة آمرة وابتسامة جعلت الرعب يجري بدمائها:

- كوني فتاة جيدة ونفذي ما اقول حتى لا تحزني صغيرتي!


تركها وغادر للخارج لتتابعه بعينيها وحاولت أن تجد بعض الهواء لإمراره برئتيها وشعرت بأنها تُريد الثبات على موقفها اكثر وتواجهه ولكن لو نفذ تهديده هذه المرة حقًا لن يكون الأمر هينًا، فهي حتى ليست بمنزلها، وهناك الحارسان خلف هذا الباب، وهو معها الآن.. ما الذي يُمكنها فعله لتفر من كل هذا؟!


اخذت خطوات بهدوء للخارج كي تبحث عن هاتفها بينما فكرت لو وجدها ستخبره بأن عليهما الانفصال دون اثارة اي متاعب اخرى وبالكاد مشت على اطراف اصابعها لتتجه نحو صالة الاستقبال ومنها للأريكة بعد أن لمحت عدم تواجده واخذت تبحث بين وسائد الأريكة ليفزعها صوته وهو يدخل من الشرفة:


- هل تبحثين عن هذا؟!


ارتجفت لمفاجئته لها بهذه الطريقة والتفتت نحوه وهي ترمقه بتأهب وحاولت تكوين بعض الكلمات بينما لم تفلح ليقترب منها فحاولت هي الابتعاد بينما كلمها ببرود مستفز:

- لا اظن أنني سمحت لكِ بمغادرة الحمام، اذهبي من جديد، ولن تحصلين على هاتفك!


لم يُعجبها هذه النبرة منه اطلاقًا لتعقب مستفهمة:

- وإن لم اشاركك حمامك الهانئ؟


ابتسم وطالت ابتسامته إلي أن تحولت لضحكة مجلجلة وذهب من جديد نحو نفس الركن بصالة الاستقبال حيث قنينات الخمر ودس هاتفها بجيبه وسكب لنفسه كأسًا وارتشف منه ثم التفت لها متجاهلًا سؤالها بنظرات التحدي بعينيها وبدأ في أخذ خطوات نحوها وهو يقول بملل:

- اشعر انني لم اسعد اليوم بالعشاء مع اقاربك، كان وقت سخيف للغاية، وما تفعليه سيبدأ في ازعاجي ولقد اوشك صبري على النفاذ، صغيرتي هذه اخر مرة احذرك بها كي لا تري رجل ستتمنين الموت بدلًا من أن تقضي معه دقيقة واحدة.. هيا بنا اذن؟!


قدم يده لها ولكنها نظرت ليده المنتظرة ثم إليه بنفور ليتجرع كل ما بكأسه ثم تركه جانبًا وبعدها تقدم وحملها على كتفه واتجه بها من جديد حاملًا بطريقه زجاجة الخمر نفسها لتصيح به:

- ما تفعله لن ينجح معي! توقف واتركني رجاءًا..


اخفض الزجاجة بجانب المغطس وبعدها اوقفها امامه وانتزع ثوبها رغمًا عنها ولكن دون أن يُمزقه ونظر لها بأعين مُتلاعبة وهو يقول:

- عندما اخبرك بأن تفعلين شيئًا فعليكِ فعله دون نقاش.. واؤكد لكِ لن احذركِ مجددًا


وقفت امامه تلهث بعد محاولات تملصها الفاشلة وانكمشت على نفسها تحاول أن تخفي نفسها عن اعينه الجائعة بينما ذهب ليغلق المياة بعد أن امتلئ المغطس بأكمله وخلع بنطاله وما اسفله ثم دلف مُستقرًا بداخله وجذب زجاجة الخمر ليتجرع منها بينما لم تكترث لأفعاله وقررت الخروج فهبطت لتحمل ثوبها عليها ليوقفها بصوت يغلب عليه السأم:

- لا صغيرتي، لقد اتفقنا انكِ ستكونين فتاة جيدة وستفعلين ما تؤمري به.. كوني فتاة جيدة واقتربي واجلسي امامي.. لو فكرتِ فقط بأخذ خطوة واحدة نحو الخارج لن اجد سوى خصلاتك الطويلة البُنية التي اعشقها لأجذبك منها وبعدها كل ما سيحدث لن ينال اعجابك!


تجمدت في مكانها لتلتفت إليه غير عابئة بما يظهر منها فلم يعد هناك ما لم يره بالسابق على كل حال ونظرًا لأوقاتهم سويًا لقد حفظ عن ظهر قلب كل ذرة ضئيلة بجسدها وهسهست بين اسنانها الملتحمة بغضب ينهمر من عينيها بينما هو جالس بمنتهى الاريحية يمدد ذراعيه يمينًا ويسارًا بمستوى جسده:

- اقسم لك سأجعلك تندم على كل ما تفعله!!


اخذت تخلع ملابسها التحتية ثم دلفت المغطس بهرجلة شديدة ورفعت شعرها لتعقده ببعضه البعض كي لا يبتل وجلست في مقابلته عاقدة ذراعيها ترمقه بغل بينما هو يبتسم إليها ويُشاهدها ثم اشار بإصبعه فنظرت بعفوية منها ليتبع نظرها صوته المُتحدث بتهلل:

- اتعرفين عندما سقط ثوبك بم ذكرتِني..


اجتذب الزجاجة من جانبه ثم تجرع منها واخفضها بعدها لتعيد نظرها له مُضيقة عينيها ثم اششاحت بأعينها بعيدًا عن مظهره الذي لا يزال يملك عليها سُلطانًا حتى لعنة هذا الوقت الحرج الذي تطالب بطلاقها منه بينما ترنم صوته الدافئ قائلًا:

انتزعت عباءتها ولأنها نحيلة كان الأذى طفيفًا

ومع ذلك جاهدت لتستر عريها

كانت تحاول بطريقة كمن يتمنى أن يخيب

وانهزمت ببساطة لأنها..


توقف لبرهة بينما نظرت هي إليه ببعض القلق الذي لم يخل من الغضب ليهمس في النهاية:

غدرت بنفسها!!


رفع الزجاجة إليه واحتسى البعض ثم غمغم:

- يُعجبني اوفيد، اشعاره ربما كانت منذ ألفي عام ولكن دائمًا اجده يصف ادق تفاصيل الحياة المُعاصرة! احيانًا اتسائل لماذا لم أكن مؤرخ او رحالة او لماذا لم اتواجد في زمن الرومان أو الاغريق!


ضيقت ما بين حاجبيها وامتعضت ملامحها بنفور منه، ما الذي يتحدث به حقًا وهما في موقف مثل هذا؟! ما الذي يريده بعد أن رفضته آلاف المرات؟ اسيجبرها مرة اخرى على أن تستمر معه بهذا الزواج أم ماذا؟!!


اراح رأسه للوراء ورمقها خافضًا نظراته إليها وتفقدها مستمتعًا بملامحها التي تعكس صورة من الأنوثة التي لم يمسها قط بإمرأة وتمعن بتفاصيلها التي يعشقها ليضحك بخفوت على جلستها ثم تحدث قائلًا:

- الرجل منا يختار الفتاة البريئة التي لم تخض بعلاقة واحدة قط وفجأة يريد أن تتحول اخلاقها من هذه مثال العفة إلي اخلاق عاهرة بعد الزواج! هناك ما يجذب معشر الرجال في العاهرات ولك لم احدد بعد ما هذا الشيء، هل هي الجرأة أم الخبرة مع الرجال، أم ربما الامران، ولكن يوم نقرر الزواج نقوم باختيار مثال القدوة الحسنة والاخلاق الفاضلة وأي فتاة عديمة الخبرة مع الرجال مثلك تمامًا!


استغربت من كلماته التي لا تفهم لماذا يخبرها بها وتريثت لتحاول استيعاب كلامه بينما وجدته يُتابع:

- فتاة بريئة ومتفوقه وسمعتها لا يختلف عليها اثنين، وكل علاقتها بالرجال تتلخص بالعمل ومحاولة خطوبة فاشلة، هل تشعرين بالندم؟!


رمشت بأهدابها متعجبة وهو ينطق كلمته الأخيرة ظل رامقًا اياها ليبتلع بقايا ذلك المذاق بفمه مما ادى لتحرك بروز عنقه فحاولت أن تزجر نفسها عن التحديق بتفاصيله واجابته مستفهمة:

- على ماذا؟


تنهد وهو يظنها غبية للغاية حيث انها لا تفهم مقصده واطنب بنفاذ صبر موضحًا:

- على حياتك المحدودة المُغلقة التي لم تؤهلك لفعل الكثير!


هزت كتفيها كدلالة على النفي واجابت:

- لم اندم على أي شيء في حياتي سوى ندمي على زواجي من رجل لم اعرف من هو جيدًا قبل زواجنا..


لم يحرك ساكنًا واكتفى بتركيز نظراته الموزعة بالتساوي بين شفتيها الفاتنتين وترقوتها المنحوتة ولم يتأثر بكلماتها ليتناول المزيد من خمره ثم واصل حديثه لها بنبرة نافذة للصبر:

- حياتك مملة للغاية ايتها الفتاة الجيدة، دراسة عمل، أبيكِ أمكِ اخيكِ، ألم تشعري بالملل قط؟ ألم تجدي بداخلك الرغبة لتجربة اشياء مختلفة!


قلبت عينيها وزفرت متأففة لتغمغم بصوت يكاد لا يسمع:

- هل قمت بأسري هُنا لتستجوبني عن امور وجودية بحياة المرأة والفتاة..


حان وقت علم النفس العكسي إذن، الخوف وعدم مقدرتها وتحديها أنها لا تستطيع فعل الكثير، جهلها بالعديد من الأشياء التي تعجب الرجال وطعن انوثتها إلي أن تُسبب جرح غايئر لا تستطيع نسيانه، لو لم تستجب له ولم تفعلها يقسم أنه سيظن انها ذكية:

- فتاة مثلك لابد أنها لم تستمع قط بحياتها


احتسى المزيد واغلق عينيه واعاد رأسه للخلف اكثر وكأنه لا يكترث بردة فعلها وتكلم متهكمًا:

- لم تثمل ولو مرة واحدة، لم تقم بقضاء ليلة جامحة، لم تجرب السفر والمرح مع اصدقائها.. مجرد فتاة عربية مثلك مثل غيرك غاية في التقليدية والملل!


انزعجت من اهانته لها واحتقن وجهها بالغضب منه لتجده يتابع بنبرة مُسترخية:

- اظن لولا حُسنك لما كان ليقترب منكِ رجل، ولكن يُمكن أن يفكر الرجال في الزواج منكِ لمنصبك فقط ولولا هذا لما كنتِ وجدتِ من ينظر إليكِ، ربما وقتها لو حدث كان سيقوم بخيانتكِ دون علمك!


تعالت انفاسها وهي تحدجه بحقد ليستمع لحركات طفيفة بالماء تدل على عدم استرخاءها وانزعاجها الشديد من كلماته فأكمل طرقًا على الحديد الساخن:

- ربما لو كنتِ تزوجت رجل معدوم الخبرة مع النساء كنتِ ستكونين غاية في الملل والتقليدية في علاقتكما الحميمة.. ولكنكِ محظوظة ليس إلا..


عدل من رأسه ونظر إليها ثم حدثها بنبرة استفزازية:

- لا اظن فتاة مثلك تستطيع أن تكون جامحة ومرحة، تثمل وترقص وتضحك وتكون جميلة بنفس الوقت..


قلب شفتيه وهو يرمقها مضيقًا عينيه ثم واصل كلماته:

- اشفق على نفسي احيانًا انني تزوجت فتاة مثلك، وحتى بعد أن عرفت كم انتِ تقليدية ومملة لا زلت ادللك للغاية.. احيانًا افكر انني لو كنت غفرت ليُمنى ما فعلته معي كانت ستكون افضل لي كثيرًا منكِ..


تنهد بملل ثم تابع:

- ولكن على كل حال هذا ليس بالوقت المناسب لمثل هذا التفكير، فالأمر بيني وبيني اصبح مجرد ماضي منذ اعوام كثيرة


نهضت غير عابئة بما سيراه فلقد رآه بالسابق كثيرًا وتركت المغطس وتوجهت لتجذب رداء الاستحمام وهي تزم رباطه فوق خصرها وعادت إليه لتحدثه بغضب:

- لا زلت تستطيع ان تتزوجها إن اردت، كما أنك رجل شرقي تقليدي ويتبقى فقط المناداة بأن زوجتك تجسد الكآبة في اوضح صورها، والحياة معي مستحيلة، ولكن تأكد من هذا..


رفعت سبابتها محذرة وهي تحاول تناسي الآلم بقدمها وتابعت:

-تأكد أنك لو تعرفني جيدًا ستعرف انني اكثر امرأة تعشق الضحك والمرح، وليس امر خاطئ أن تكون المرأة ناجحة وجميلة في نفس الوقت، ولا تملك الكثير من الاشخاص بحياتها، ولكن يبدو أنك لا تعرفني على الإطلاق، لا تعرف انني لا اسمح باقتراب احد لإنتهازية الناس ورغبتهم في مصلحتهم الشخصية خصوصًا لو تملك ارث ضخم كإرثي..


ابتسمت هاكمة كما كانت نبرتها وهي تردف:

- هل نسيت ما الذي حدث ونحن نقضي اجازة الزواج معًا؟ من الذي اراد أن يخرج ويمرح ويضحك ومن الذي كان يتشبث بالعزلة والكآبة؟ أنا أم انت؟ ولو ترى انني مجرد إمرأة تقليدية ومملة لأن حياتي محدودة ومُغلقة على اسرتي وعملي ، فعلى الأقل انت لا تملك ما املكه أنا حتى ولو كان ثلاث اشخاص واحد منهم قد مات وعمل ناجح يُشيد به الجميع..


التفتت لتغادره والغضب يشتعل بسائر عروقها ثم عادت له بخطوات سريعة لتجذب الزجاجة منه بحركة خاطفة واحتست منها وكأنها تحتسي المياة التي وجدتها للجو بعد يوم كامل بصر بيداء قاحلة ثم سعلت عندما شعرت بقسوة الكحول المُركز بها وحاولت أن تبتلع هذه اللذاعة الشديدة ثم تحدثت بصعوبة بسبب تلك الجحيم بحنجرتها:

- ولعلمك يمكنني احتساء الخمر وفعل اي شيء كما اريد وابتغي..


قلبت شفتيها متحاملة على هذا المذاق ثم تابعت:

- أنا حقًا اردت ان استمتع بحياتي مع الرجل الذي اعشقه ويعشقني واتزوجه ولكن من سوء حظي انني تزوجت رجل مثلك لم يُعطني الفُرصة، اختياري في الرجال غاية في التخلف والبلاهة.. كما قلت أن الرجال تنجذب لصنف العاهرات هناك أيضًا فيه صنف قذر يجذب النساء والفتيات..


القت الزجاجة نحوه غير مكترثة بما قد تُحدثه من ضرر وتوجهت لخارج الغرفة لتصنع اي مشروب دافئ كي يقضي على مذاق هذه اللعنة التي تناولتها فمذاقها اسوأ ما قد تذوقته بحياتها بينما هو ادرك أنها لا تزال هذه البريئة التي تزوجها يومًا ما ولا يزال كل ما بها بعيدًا كل البُعد عن الخبث والدهاء..


يقتنع بأمر المحامي وكيف وجدته فهي لطالما بحثت عن كل شيء بواسطة حاسوبها الذي لا يفارقها بينما بشأن اخيه وابن خالتها لا يزال هناك بعض الشكوك بداخله وعليه التأكد مما يريده..


نهض وتبعها محيطًا خصره بمنشفة وترك الزجاجة وجذب سجائره وقداحته من اشياءه التي حضرها بالسابق بهذا الجناح ثم خرج ليجدها تقوم بسكب المياة الساخنة على ما يبدو أنه بعض الاعشاب التي يوفرها الفندق بركن المشروبات بالجناح لتلمحه سريعًا وتحاشت النظر إليه وذهبت لتجلس على الأريكة في صمتٍ وهي تشعر بالاستفزاز الهائل، فلتوها تتناول مشروبًا كحوليًا لأول مرة بحياتها!!


اخذ هو الآخر الزجاجة البوليفية التي يتبقى اقل من نصفها بقليل وادرك أنه على وشك الثمالة الآن فعليه أن يُكمل خطته سريعًا فحمل الكأس الآخر الذي لم يُستخدم بعد وذهب ليجلس بمقابلتها وسكب امامها المشروب واحتسى منه ثم ضحك بصوت مسموع واخبرها قائلًا:

- هل تخبرينني أنكِ كفتاة أو امرأة لن تحتسي الخمر لو كان زوجك لا يتناولها!! ألهذه الدرجة انتِ مملة ويستطيع الرجل أن يجد منكِ ملايين النساء؟


نظرت له بطرف عينيها بينما ارتشف القليل كي لا يعجل بثمالته وقالت بإقتضاب:

- الخمر ليست اساسية في حياة الإنسان وليست مهمة وليست دليل قاطع على المرح أو أن المرأة جامحة أو عاهرة كما تصفها، هناك ملايين الناس  يعيشوا من غيرها نساء ورجال على حد سواء، ومن يُكثر منها قد يتحول الأمر معه لإدمان وتسبب الضرر لصحته، لماذا علي الانتحار بسن صغيرة للغاية؟!!


حدقت بمشروبها الذي تنتظر حرارته أن تصبح مقبولة بينما استمعت لهمهمته ليتابع بعد ان تظاهر بالاحتساء وابتلع حتى انها استمعت لجلبة حنجرته في هذا الهدوء وهو يقول قاصدًا أن يجرح انوثتها التي تغتر بها كثيرًا:

- حتى هذا الامر لا تفهميه، وتفكرين بعقل المرأة التقليدية التي لا يزال هناك منها ملايين، الخمر مثلًا أو التدخين يكون كيفما اردتِ انتِ، وطوال أن الانسان يتحكم ويسيطر على ما يفعله اذن ليس هناك أي ضرر من أيًا كان ما يفعله، انا مثلًا احب احتساء الخمر ببعض الأوقات، وانا زوجك بالفعل.. لم تشاركيني قط امرًا احبه، لا اقصد أنكِ تكرهيني ولكن..


تريث لبرهة وكأنه يبحث عن الكلمة المناسبة ليُردف بعد ثواني:

- ليست لديكِ الجرأة أن تفعليها، او أن تدخني مثلًا، ولولا أنك قمت بتجربة الكثير من الأشياء معي وراقتك للغاية لأنني استطعت أن اجعلك تعشقيها مستخدمًا خبرتي الطويلة مع النساء لكنتِ الفتاة الخجولة اول الزواج كلما اقترب منك زوجك وبعدها ستكونين المرأة المملة اثناء العلاقة الحميمة التي كلما اقترب زوجها منها تتحمل العشر دقائق التي يستطيع تقديمهم أي رجل غبي لا يعرف كيف يُشبع زوجته وبعدها تقتربي منه بابتسامة زائفة وتنتظرين إلي أن يذهب هو ويتركك حتى لا تحنثي بمثاليتك الخادعة!


رمقته ببغضاء وهي تزم شفتيها وعسليتيها تجلى بهما الغضب الصريح من كلماته ليضحك مغمغمًا وهو يشعل احدى سجائره:

- حقًا استغرب انني عشقتك وأنا اكره النساء المملة


ابتسمت بسماجة وعقبت بنفاذ صبر وهي تحافظ على ابتسامتها الكارهة لكل ما استمعت له:

- ولماذا لا تتركني وشأني وتطلقني وتذهب لتتزوج امرأة اخرى تستطيع أن تكون جامحة لك وحدك؟!


نفث دخانه بصحبة ضحكة ساخرة ثم نظر لها بتفحص وكل ملامحه تصرخ بأنها غبية ليعقب على كلماتها:

- ألم اخبرك منذ قليل أن الرجل منا يختار الفتاة البريئة التي لم تخض بعلاقة واحدة قط وفجأة يريد أن تتحول اخلاقها من هذه مثال العفة إلي اخلاق عاهرة بعد الزواج، هل ضعفت ذاكرتك حلوتي؟!


من جديد تسارعت انفاسها من كثرة غضبها لتشعر بالدوار من كل ما يفعله ثم حدثته بجدية وانزعاجها يلوح على وجهها بالكامل:

- ما الذي تريد أن تصل له من كل ما تفعله، حديثك مع والدتي وهديتك البشعة إلي بسام، والعشاء هنا ودعوة اقاربي، وانك تقول كلام غير لائق لزوجتك أمام الجميع، وكلامك الآن هذا، حقًا ما الذي تريده؟ اتيت بي إلي هُنا وتأسرني في هذا السجن، تغضب ثم تستجوبني كرجل من رجال المباحث والآن كل حديثك معي عبارة عن اسئلة وجودية عن شخصية المرأة المعاصرة في الدول العربية!! ما الذي تريده مني عمر؟


نفث المزيد من دخانه وهو يتفقدها بإشتهاءٍ يحاول جاهدًا أن يُخفيه ثم استفزها بالمزيد لفعل ما يُريده:

- لأكو واضح أنا لن اطلقكِ صغيرتي، ولن اسمح لكِ أن تكسبين قضيتك، ولو اتحدث معكِ الآن فهذا لأنني احب التحدث لكِ في المُطلق، ولكن لو ظللت هذه المرأة المملة زواجنا سيكون بشع بالتأكيد.. وانا لا اريد أن تتحول زوجتي لإمرأة مملة بعد أول عام من الزواج.. عليكِ أن تبدأي بتغير حياتك وتصبحين مثل ما اريد


رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر لها باستخفاف، لا تصدق أنه يُريد كل شيء أن يُصبح كيفما يُريد حتى هي نفسها وكل ما هي عليه، ولكنه يعلم جيدًا أن من يتحداها بشأن انوثتها وشخصيتها لن يُفلت من اندفاعها وغضبها!!


نهضت وهي تتجه نحوه ولقد شعرت بالنيران تستعر بداخلها وهو جالس بمنتهى الهدوء والثقة يتابعها بعينيه لتقول بتحفز واصرار:

- ستطلقني، وسأكسب القضية شئت أم أبيت مثلي مثل أي امرأة تكسبها، ولو فشلت مرة سأحاول الف مرة.. وانا لست امرأة مملة، أنا امرأة تختار كل شيء كما يحلو لها، ربما سأحتسي بعض الكؤوس واسافر وارقص واضحك وامرح وافعل كل شيء تظنه جامحًا من وجهة نظرك ولكن ليس معك.. مع الرجل الذي يحترمني ويكون صادق وصريح معي..


توسعت ابتسامتها لتتحداه بهمس ولهجة متغطرسة:

- ولو على العلاقة الحميمة مع الرجل الذي سأختاره فلقد تعلمت منك كما قلت.. وانت تعلم جيدًا كيف اصبح مع الرجل الذي اعشقه، لقد جربت بنفسك، ولكنني فقط اكون مملة مع رجل كاذب مثلك!


كادت ان تذهب ليجذبها سريعًا فسقطت فوق قدمه ليتبادلا النظرات المحمومة فهو يشتهيها وهي تصمم على طلاقها منه بشتى الطرق حتى يستطيع تصديق الأمر وحاولت ان تتخلص من جذبه لها بينما اخبرها بنظرة مطولة وكأنه اخيرًا حل لُغز عذبه لسنوات وقال وهو يمط الحروف:

- أها.. انتِ خائفة ليس إلا على ما يبدو


رمقته بسخرية لتحدثه:

- ومم سأخاف؟! أنا لا اخفي شيئًا ولا اكذب مثلك!


ابتسم ثم رفع حاجبيه وكأنه يسألها أحقًا لا تفعلي؟! ولكنه لن يتركها وشأنها دون هوادة:

- تتوترين كلما اقتربت منك، نظراتك لي وأنا عاري، هاتفك الذي كنتِ تبحثين عنه، ألهذا تخافين الخمر لأنك ستثملين وستوافقين على اقترابي منكِ ولا تضمني افعالك وقتها، وإما هناك امرًا تُخفيه وتخافين أن تتحدثين عنه وأنتِ ثملة!!


رمقته بتعجب وهزت رأسها بالنفي وقالت:

- أنا لا اخفي أنك تُشبه حبيبي القديم مثلًا، ولا ها اسلوب حياتي بأن اخفي شيئًا.. ابتعد عني واتركني كي أنام!


حاولت التحلي بالتلقائية بينما شعرت بالرعب لو أنه علم عن لقاءها هي و "يمنى" ليومأ لها بالتفهم ثم قال:

- سأتركك ولكن هناك شرط واحد..


دنا قليلًا للأمام وهو يحملها ليسكب بالكوب كمية كبيرة لابد انها ستُسكرها بصحبة ما تجرعته منذ قليل:

- اثبتِ لي أنكِ لست خائفة من فعلها، اجعليني ارى المرأة التي اتمناها كيف ستبدو عليكِ، تناولي هذا، ولو تحبين تجربة التدخين أنا موافق على هذا وليست هناك مُشكلة ما دام أنتِ معي وامامي، وإما هناك اختيار آخر..


اقترب منها اكثر حتى ادرك أن انفاسه تداعب بشرتها القريبة منه للغاية ونظر لها بافتراسٍ كليث جائع يتضور جوعًا مستعد أن يلتهمها بينما ابتلعت هي من نظراته تلك وتأهبت بارتفاع انفاسها المتواترة بجنون مما تظن أنه يُريده لتجده يهمس لها بخبث:

- منذ سفري وأنا لا افكر في امر سواكِ، واشعر اننا لم نقضِ ليلة مثالية سويًا منذ اعوام وليس فقط عدة ايام.. ما رأيك صغيرتي؟ ما اختياركِ؟


دفعها لتقترب منه رغمًا عنها ليهمس بأذنها بهمسٍ مخيف وبنفس الوقت باعث على الارتباك الذي يصعب عليها أن تسيطر عليه:

- اياكِ وقول لا هذا ولا ذاك، انتِ تعلمين ما الذي يحدث عندما ترفضيني، تُسمينه اغتصاب أليس كذلك؟!! من المؤكد أن انا وانتِ لم ننس ما الذي حدث بأول مرة اقتربت منك، عندما رفضتِ حدث اشياء لا تُعجبكِ حلوتي، ولكن انتِ الآن واثقة ما الذي يحدث كلما اقتربت منكِ، بل؛ أنتِ تعشقين الأمر للغاية، ولقد اصبحتِ الآن امرأة مفعمة الأنوثة وليست فتاة تفعلها لأول مرة.. وبالمناسبة، انسي الطلاق تمامًا واخرجيه من عقلك، وحتى لو حدث بعد شهور في احلامك فانتِ بهذه اللحظة لا زلتِ زوجتي، شرعًا وقانونًا، ولا يزال لي الحق بممارسة الجنس معكِ!


اغمض عينيه لبرهة واراح رأسه على كتفها وهو يستنشق رائحتها التي امتزجت بسائل الحمام الذي استخدماه سويًا منذ قليل فلقد اشتاق لها اكثر من أي شيءٍ بالحياة ولو كلمة واحدة تحدته بها أو اغضبته خلالها مرة ثانية يقسم أن هذه الأرضية الصلبة القاسية اسفل قدميه ستبكي حزنًا مما سيفعله بها وهي تتوسله بالتوقف!


رفع رأسه ثم قبل وجنتها وشعر بارتجافها اسفل شفتيه من اثر قبلته المتريثة وبحث بعينيها عن الإجابة ليجدها واقعة في الحيرة الشديدة ليسألها بإبتسامة وهو يعتصر خصرها بقبضتيه:

- ما قولك صغيرتي؟


ابتلعت وهي تتفقده بعد تصديق لما يفعله ومن جديد يحاول السيطرة عليها مُستغلًا الموقف ليحوله للحظمة جامحة مستخدمًا العلاقة الحميمة بينهما من جديد كذريعة لحل كل المُشكلات بينهما فهمست بآسى:

- انا لا اصدق أنك مصمم مرة ثانية على استغلال الأمر وتحوله لتأثير جنسي صريح، لن يتغير تصميمي على الطلاق حتى ولو عدنا لممارسة الجنس سويًا!


تنهد وهو يُعطها المزيد من النظرات الخطرة التي تشير إلي وقوع علاقة جسدية بينهما عما قريب ليتكلم بالقرب من اذنها بنبرة ربما كانت تملك عليها تأثيرًا فيما مضى وكبل جسدها اكثر كي لا تحاول الفرار من ذراعيه:

- أنا لا استغل الموقف، بل، أنا زوجك وهذا حقي وانتِ زوجتي، وليس هناك اي استغلال واحدثك بمنتهى الهدوء واترك لكِ حرية الاختيار، وحتى لو بيننا قضية فالقانون قد وضع من قبل شخص مثلي ومثل وليس بكيان إلهي.. بالتأكيد هناك أمر أو او اثنان غفل عنهم، ثغرة ثغرة أو لغط منه، وانتِ لن تربحي القضية وزواجنا سيستمر كما هو، ومع الوقت ستعرفين انني احببتك أنتِ وليس لأنك تُشبهين يُمنى، احببتك لكل شيء بكِ أنتِ.. لا تدعينا نخسر اخر امر جيد بيننا حلوتي.. هذا بالإضافة إلي أنني في مزاج رائق للغاية واريد بعض المرح!! لا اريد الشجار!


تريث لبرهة ليقرأ تأثير ذبذبات نبرته الرجولية الهادئة عليها ليجد تحركات جسدها مرتبكة وفي نفس الوقت هناك بعض الاسترخاء به فأضاف بخبث وهو يبعثر انفاسه الساخنة بتلك المناطق التي تؤثر عليها بمنتهى السهولة:

- نحن في فندق وهناك الكثير من الناس قد يعرفوا امور خصوصية للغاية لو استمعوا لشجارنا، نظراتهم نحوك ستتغير.. أنا لا اريد سوى المرح وأن نعود سويًا لقضاء الاوقات السعيدة معكِ.. سأتركك بعض الوقت كي تُفكرين وتقررين حتى لا أكون استغلالي واؤثر على قرارك.. ولكن صدقيني لو قمت بالتحدث في أي شيء سوى الاختيارات التي منحتها لكِ ردة فعلي لن تعجبكِ صغيرتي!


اوقفها على قدماها حتى تُفسح له المجال لينهض فانتبهت على ابتعاده بعدما تملك كل مشاعرها لعدة لحظات فحاولت استعادة وتيرة انفاسها الطبيعة بدلًا من تلك الزوبعة غير الطبيعية من انفاسها المتسارعة ولاحظت سكبه للمزيد من المشروب بينما امسك به واخذ يرتشف منه وتوجه إلي خلف الشرفة وهو يحدق بتلك الأضواء الليلة في سكون بينما ضمن بالفعل أن مهما كان اختيارها سيصل لكل ما يُريده عما قريب..


حاولت أن تُفكر بمنطقية، لو رفضت وتشاجرت وصرخت سيدفعه هذا للغضب ومحاولة سابقة منه باغتصابها كانت كفيلة أن تجعلها تشعر بالرعب، لقد جعل هذا واضحًا للغاية من قبل، أمّا عن افعاله المرضية بالعقاب وما إلي ذلك بالكاد استطاعت أن تنجو منها، بالرغم من تأثيره البشع فمجرد أي لحظة حميمية معه تقودها للمزيد والمزيد.. لن تنكر أبدًا ذلك الإنجذاب الشديد بينهما وتآلف جسديهما معًا وما يستطيع هذا الانجذاب اللعين أن يفعله بها، لقد عانت وكافحت أن تسيطر على نفسها بالرفض القاطع لأي اتصال حميمي معه، وقد تعود حتمًا لتلك اللحظات الخالية من العقل والمنطقية لأيامٍ وشهور معه.. هي لا تنسى انها فقدت جنينًا بالفعل بسبب هذا الجنون المحض!


ماذا لو ثملت؟! لليلة واحدة؟ ستكون غير واعية بكل ما يُحدثها به.. ستنسى كل ما يحدث بينهما في الصباح.. هي تعلم جيدًا من ذكرياتها عن والدها عندما يثمل كان ينسى تفاصيل الليلة التي يعاقر بها الشراب، ولكنه في نفس الوقت قد يصل لحقيقة كيف توصلت إلي شركة هذا المحامي لو سألها وهي ثملة وغير واعية بما تقوله، سيعرف أنها التقت بـ "يُمنى".. ولكن اليس هو المسئول عن هذا الخطأ الشنيع؟ لو كان اخبرها منذ البداية بتشابههما لكانت الآن متقبلة لكل ما يحدث، كما أنها لم ترتكب أي اخطاء، بل هي من ذهبت لإبنة خالتها، وهي من لفتت نظرها أن هناك من يستطيع مواجهة "عمر الجندي" قانونيًا دون خوف!!


الصدق والصراحة اهون آلاف المرات من الدخول في دائرة المشاعر والإنجذاب والشبق التي لا نهاية لها معه، لتثمل ولتنسى كل ما يحدث في الصباح إذن!


نهضت بخطوات شامخة، تتجه بالقرب منه، ترتبك اكثر واكثر كلما ادركت انها توشك على اتخاذ قرار خاطئ.. وتقسم أنها لن تنسى كل لحظة يستغلها بها، يُساعدها ببراعة على تدمير ذلك العشق الذي تكنه له، ربما لو استمر هكذا بتصرفاته تلك سيُعرض كل ما تحمله من مشاعر له بالتلاشي وكأنها لم تحملها قط بل وسيبدلها بالكراهية الخالصة!

- لقد قمت بالاختيار..


لوهلة تذكرت عرضه القديم ببداية زواجهما الذي نص على اختيارات بأكملها خسارة فادحة لها بكل الطرق ولكنها تفقدت هيئته بحزن وهو يُوليها ظهره العاري لتشعر باختناق دموعها بحنجرتها فهمست مُكملة:

- تريد أن تقضي بعض الوقت بصحبة امرأة جامحة ثملة، حسنًا اوافق.. ولكن صدقني حتى لو خسرت القضية ومائة بعدها لن اتوقف حتى اصل لما اريده..


حاولت منع نفسها عن البُكاء واجلت حلقها ثم واصلت:

- واعلم انك تفعل كل شيء يجعلني اكرهك.. يستحيل أن اعود لعشقك مرة اخرى.. وبعد الليلة اعدك أنني لن اختار سوى نفسي، الناس وصورتنا والمجتمع واسرتي لن يشكلوا فارق بعد الآن

يُتبع..