-->

كما يحلو لكِ - الفصل الثامن عشر - النسخة الفصحى



الفصل الثامن عشر

النسخة العامية 

نهض مضطرًا أن يُصافحه، لم يخطر بباله أنه سيكون مجبورًا أن يُلاقيه وجهًا إلي وجه يومًا ما وظن أن نهاية معرفته به هو بانتهاء حملته الانتخابية ليس إلا، حظه اللعين لا ينفك يُذكره بالماضي بكل الطرق المستحيلة والممكنة.

 

هو وزوجته، وابن عمه وزوجته التي هي ابنة عمه كذلك، لو كان رآها دون زوجها لما تعرف عليها ولا لاحظها، لمّ عليه التعرض لعائلته التي لا يكره أكثر منها وهو مع "روان"؟

 

-       أنس سامح الجندي ابن عمي، زوجته رضوى ابنة عمنا.. روان زوجتي.

 

عرف "روان" عليهما التي نهضت وابتسمت لكلاهما بلباقة وصافحتهما ثم اخبرتهم بابتسامة:

-       مرحبًا بكما، فلتنضما إلينا، تفضلا بالجلوس.

 

اشارت على المقعدين كي ينضمان لهما من باب التصرف اللائق ليس إلا لتلاحظ ابتسامة "عمر" التي تشبعت بالغيظ الشديد بالرغم من اتضاح اسنانه بها وكل من يراها قد يؤكد أنه سعيد بهذا اللقاء ولكن من معرفتها به تيقنت أنه على وشك الانفجار.

 

-       لقد هاتفتك عشرات المرات منذ عودتك من السفر، لماذا لم تجبني؟

 

قالها "أنس" ببعض اللوم فرد "عمر" بثبات وكأنه قد تدرب مليًا على هذه اللحظة تحديدًا:

-       إجازة ثم عمل وكان لدي الكثير، لابد من أنني فقدت مكالماتك بين الكثير من الأعمال ليس إلا، فلتتفضلا..

 

يتمنى أن يرفض، أن يكون لديهما التزامات أو خطط أخرى، لا يريد أن تواجه عائلته فهي تختلف كثيرًا عنهم، ولا يريدها أن تعرف الكثير، يكفي أنها تعاملت مع والديه وأخيه وأخته، لماذا حظه عاثر للغاية؟

 

تفقد "أنس" ساعة يده ثم نظر إلى زوجته "رضوى" فأومأت له بابتسامة ثم جلس كلاهما فتحدثت الأخيرة إلى "روان" بلباقة واستفهمت بود:

-       كيف حالك عزيزتي؟

 

بادلتها ملامحها البشوشة وهي تتسرع بالحكم على مظهرها فمن الواضح أن نساء عائلته ملابسهن تختلف اختلاف شاسع عن ملابسها المتحررة نوعًا ما وكلهن محجبات، فها هي ابنة عمه ووالدته وكذلك أخته، الآن تعلم لماذا كان يحاول اختيار ملابس مُعينة لها بالسابق، ولكن على كل حال لم يكن عليه أن يقوم باختيار امرأة ترتدي ما تشاء بطريقة معينة وبعدها يرغمها على ارتداء ما يراه مقبولًا من وجهة نظره، خاصةً وأنه لم يفاتحها في الأمر بفترة خطبتهما.

 

-       بأفضل حال، وماذا عنكِ؟

 

-       كل شيء على ما يُرام، سعيدة لأنني رأيتك وسأتعرف عليكِ أخيرًا.

 

 

اتسعت ابتسامة "روان" ليتدخل صوت "أنس" بفخرٍ شديد ونبرة مُعلنة أجبرت ثلاثتهم على الالتفات له:

-       هذه صُدفة سعيدة للغاية، الآن يستطيع المزيد من الناس أن يحتفلوا بزوجتي، لقد قبلت جامعتها تقديمها على رسالة الدكتوراة وعما قريب ستبدأ بالإجراءات الخاصة بها، فلتهنئاها..

 

التفتت لها "روان" لتجدها تنظر نحو زوجها بامتنان شديد فقالت سريعًا بملامح متهللة وسعادة اظهرتها لها:

-       مبارك لكِ عزيزتي، هذا مجهود شاق، لابد من أنكِ عانيتِ كثيرًا حتى وصلتِ لهذا، فبعد تجربة طويلة لم أستطع أن أكمل دراستي بعد أن انتهيت من الماجستير.

 

قال "عمر" بنبرة هادئة واقتضاب شديد:

-       مبارك لكِ

 

تحدثت لهما "رضوى" وهي توزع نظراتها بينهما:

-       شكرًا لكما كثيرًا.

 

سلطت نظرها على "روان" ثم وجهت حديثها لها متسائلة:

-       لماذا لم تكملي، روان؟

 

هزت كتفيها بتلقائية واجابتها وهي تحافظ على ابتسامتها إليها:

-       وجدت نفسي انشغل بالعمل أكثر وسلطت عليه كامل تركيزي، ثم بعد وفاة أبي لم يكن هناك من يتولى العمل سواي فالتهم وقتي بأكمله.

 

عضو بالبرلمان، وله عمله الخاص بعيدًا عن والده، طبيبة نساء ناجحة، وأخرى تدير شركات للبرمجيات ذات سمعة معروفة، لماذا يشعر بمزيد من سوء الحظ وهو محامي مثل والده ولم تسمح له الفرصة بدراسة ما يُريده ويحبه ويُجبر أن يدير شركة محاماة لا يبقيها سوى من أجل هؤلاء المحامين الذين ستتشرد عائلاتهم لو قرر فجأة أن يغلقها للأبد!

صُدفة رؤية ابن عمه وزوجته ليست سعيدة أبدًا.

 

-       دعك من ثرثرة النساء وأخبرني، كيف حالك منذ أن رأيتك آخر مرة؟

 

انتشله سؤال "أنس" من أفكاره السلبية وكذلك أصبح صوت ثرثرة كلتاهما يقبع بالخلفية فالتفت له واجابه:

-       بخير، وأنت؟

 

تأزمت ملامح "أنس" قليلًا واجابه بصوت مُرهق:

-       الأمور تزداد تعقيدًا، فمنذ فوزي بالحملة الانتخابية واعمامك لا يكفوا عن الثرثرة، ورضوى منشغلة للغاية، أنت لا تعلم كيف أنني تركت كل شيء حرفيًا كي أستطيع قضاء بعض الوقت معها بعيدًا عن أعمالنا ودراستها والمسئوليات الكثيرة التي تقتل وقتنا بأكمله، انتهزت فرصة هذه الاخبار السعيدة وجعلتها تُلغي بقية مواعيدها بالعيادة، وتركنا ابناءنا بصحبة أختها ثم ها نحن نحاول أن نستعيد بعض الهدوء والمرح فيما بيننا، أرى أنك تفعل المثل أيضًا!!

 

غمز له بمرح وهو ينظر بلمحة سريعة نحو "روان" ثم أعاد نظره له وتابع حديثه:

-       دعني أنصحك نصيحة هامة للغاية، فلتستفيد بهذا الوقت قبل أن تحصلان على أطفال وتسعدان به، لأن بمجرد أول طفل لك ستترك الدنيا بما فيها وستُعطيه كامل اهتمامك، الأطفال دائمًا يصبحون أولويتك سواء شئت أم أبيت.

 

 ابتسم له باقتضاب وأومأ بتفهم وتذكر مكالمات والده معه بشأن تأخر انجابهما إلى الآن فحمحم مُجليًا حلقه ثم حدثه بلباقة:

-       حسنًا، لو الانضمام لنا سيقاطعكما عن خططكما يُمكـ

-       ليس هناك أي مقاطعة من أي نوع، رضوى تعشق قضاء الوقت مع الجميع، هي اجتماعية للغاية، اراهنك أنها في غاية السعادة بسبب هذه الصدفة.

 

قاطعه كما قاطع حديثهم نهوض كلتاهما فأضاف "أنس" بمرح:

-       أرأيت، عدة دقائق وقد أصبحت كلتاهما صديقتان بالفعل ويبدو أنهما لديهما خطط وستتركاننا وحدنا، أخبرني الآن، مقاطعة ماذا التي كنت تتحدث عنها!.

 

ابتسمت كلتاهما وعقبت "رضوى" بمزاح:

-       سنذهب إلى الحمام، وبالطبع لقد أصبحنا صديقتان، هل يمانع أي منكما هذا؟

 

نظرت لكلاهما ولم تلقى تلك الكلمات اعجاب "عمر" على الاطلاق بينما رفع زوجها يديه باستسلام:

-       طبيبتي المفضلة تفعل كل ما تريده ولن تجد أي اعتراض مني، لا أستطيع حتى أن اتفوه بحرفٍ يُعارضها، لكِ كل ما شئتِ عزيزتي.

-       لا أتوقع سوى هذا على كل حال!

 

اخبرته بملامح منتصرة لتضحك "روان" بخفوت ونظرت نحو "عمر" لتلاحظ انزعاج راسخ بأعماق فحميتيه وقبل أن تحاول سؤاله استمعت لصوت ابنة عمه وهي تقول:

-       هيا بنا، روان.

 

اتجهت كلتاهما نحو تلك المحلات التجارية فامتنت لها "رضوى" بشدة:

-      لا أدري كيف اشكرك على موافقتك ومساعدتي في هذا، أنا حقًا ممتنة لكِ للغاية..

 

ابتسمت لها وقالت بلباقة:

-       لم أفعل شيئًا لأستحق كل هذا الشكر، ولكن على ما يبدو أنكِ تعشقيه للغاية لأنك تتذكريه بمثل هذه المناسبة، أنتِ من تستحقين الهدية وليس هو، المناسبة السعيدة تخصك على كل حال!

 

 نظرت لها وهي تتنهد وتحدث بجدية لم تغب عنها السعادة:

-       أنس هو السبب الوحيد والأساسي لكل نجاحي سواء بالدراسة أو بالعمل، ولولا مساعدته لي في الدراسة ومع ابناءنا ومعاونته لي وحتى دعمه لي بعملي لم أكن أستطيع تحقيق كل هذا دون وجوده، ليس لديكِ ادنى فكرة عما فعله من أجلي منذ بداية زواجنا، كذلك هو من أنشأ لي عيادتي، ليتني أستطيع أن أحضر له العالم بأكمله وليس مجرد هدية صغيرة.

 

 

لوهلة تمنت بداخلها لو أن تلك السعادة التي تملكها تُصبح من نصيبها هي الأخرى، ولكنها لم تعي ولم تر بل ولم تتخذ قرارات منطقية معه منذ البداية.

 

-       أتمنى لكما السعادة دائمًا.

 

قالتها بابتسامة ولا تدري لماذا لم تتذكر سوى تلك الليلة التي ذهبت بها إلى المقهى بعد مغادرة منزله وتوقعيها على قسيمة الزواج، تتذكر كيف عاملها وقتها، ربما لو كانت تعرف بعض التفاصيل عن العلاقات أو حتى لديها خبرة ولو صغيرة مثل تلك التي تملكها أخته "عنود" أو حتى لو التقت بابنة عمه وزوجها منذ البداية لكانت كونت فكرة مختلفة تمامًا عن هذا الزواج، ليتها اهتمت بامتلاك الأصدقاء وتوطيد علاقتها بابنة خالتها "يارا" أو حتى عرفت طريق تلك المجموعات النسائية المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وكل امرأة تُشارك خبراتها مع الأخرى، لو كانت فعلت هذا لما انتهى بها الأمر هنا بداخل أسر زواج لا تضمن استمراره ولا نجاحه ولا سعادتها به.

 

-       كيف حالكِ أنتِ وعمر؟

 

همهمت لها منتبهة وقبل أن يشحب وجهها رسمت ابتسامة على وجهها واكتفت أن تجيب باقتضاب:

-       نحن بخير.

 

ضيقت ما بين حاجبيها ونظرت له باستغراب ثم تعجبت من ردها المقتضب لتقول:

-       فقط بخير!!، أنتِ ما زلتِ عروس لتوها، أم أنتِ كتومة ولا تريدين اخباري التفاصيل لأنك لا تعرفيني بعد؟!.

 

أومأت بالإنكار وتفوهت بلهجة متعجلة لتنفي أي أفكار سلبية قد تراوض رأسها:

-       لا لا أبدًا، على النقيض تمامًا، أنا سعيدة للغاية برؤيتكِ وأنني تعرفت عليكِ، ولكن أنا وعمر بأفضل حال ومنذ زواجنا وكل شيء بيننا بخير.

 

تفقدتها ببعض الاستغراب ثم سألتها بابتسامة:

-       وماذا عن عمي يزيد؟ هل هو بأفضل حال معكِ منذ زواجكِ أيضًا مثل عمر، أليس هناك أمرًا أو اثنان حدثا منذ أن تعرفتِ عليه؟

 

تريثت لبُرهة قبل الإجابة على سؤالها فتفقدتها الأخرى بجدية وحدثتها بنبرة ناصحة واهتمام شديد:

-       انظرِ روان، جميعنا يعلم كيف هو عمي، رجل يصعب التعامل معه للغاية، وبصراحة، أنا أثق جدًا في رأي أنس وفي كل ما يقوله، هو دائمًا يقول أن عمر رجل جيد ولكنه يُعاني من إرادة عمي في أن يُصبح نُسخة منه، ولكننا لم نعد أطفال لنُجبر من قِبَل أباءنا أو أمهاتنا، وأهم شيء أن تكونان بخير، أنتِ وهو وعلاقتكما لابد من أن تكون بأفضل حال، وحاولي قدر استطاعتك أن تتجنبين والده كي تحظي بحياة هادئة بعيدة عن تحكمه اللانهائي، ولكن اطمئني، عُدي وعنود وحتى والدتهما لا يشبهوا عمي بأي شيء، على قدر معرفتي القليلة بهم بالطبع ووفقًا لحديث أنس عنهم.

 

ابتسمت لها وأومأت بالتفهم وحدثتها قائلة:

-       أنا حقًا لا أراهم لكثير من الوقت بسبب انشغالي الدائم بالعمل، ربما منذ زواجي ولم أر عمي يزيد سوى خمس أو ست مرات يتخللهم لقاءات مقتضبة وعابرة للغاية، ولكنني لم أر منهم سوى الخير.

 

اختلفت ملامحها للراحة الشديدة ثم قالت بهتاف متهللة وتنهيدة عميقة بالخلاص:

-       هذا جيد للغاية وليس مطلوب منكِ سوى هذا حتى تبتعدي عن تحكمه، يكفي تلك اللقاءات العابرة، فلتحظين بحياة هادئة وسعيدة بعيدًا عنه، ولو حدث أي نزاع أو شجار منه على أي أمر فتظاهرين أنكِ لم تستمعِ لشيء، تجنبيه تمامًا ولا تحتدمي معه في النقاش بخصوص أي أمر وحتى ولو وجهة نظر بسيطة وهذه هي الطريقة المثالية لتجنبك الكثير من صداع الرأس بعد تجربة طويلة معه!

 

 ابتسمت واعينها تتسع بالتعجب واخبرتها باقتضاب:

-       لا تقلقي، هذا ما افعله تمامًا!

 

ربتت على كتفها بلطف ثم كلمتها بود:

-       أتمنى لكما السعادة عزيزتي، والآن هيا بنا حتى لا نتأخر في العودة عليهما.

 

أومأت لها وردت عليها قبل أن تتجها سويًا لابتياع هدية لزوجها:

-       هيا.

--

رفعت رأسها نحوه وهو جالس بجانبها بمقعد السيارة الخلفي اثناء عودتهما إلى المنزل وتيقنت من أن ملامحه التي تزداد شرودًا ووجومًا منذ رؤيته لابن عمه وزوجته لا تدل سوى عن استياءه الشديد من هذه الصُدفة العابرة التي اسعدتها للغاية ولكنها لا تدري ما السبب خلف كل ما يتضح على وجهه فلقد كانا رجل وامرأة في غاية الود والتهذيب بل وأضافا الكثير من المرح لأمسيتهما.

 

احتضنت كف يده بلمسات رقيقة وهي تنبهه إليها بلطفٍ شديد ثم تعجبت باهتمام:

-       هل أنت بخير؟ منذ أن التقينا أنس ورضوى واشعر أنك لست على ما يُرام، هل هناك شيء لا تحبه بشأنهما؟

 

لم يبادلها مقدار الاهتمام واكتفى بترك يده بين اصابعها كما استغنى عن الثرثرة بالكثير من المبررات واجابها باقتضاب:

-       بخير، وليس هناك ما احبه أو أكرهه بشأن أي منهما.

 

قربت حاجبيها باستنكار لرده المقتضب وعاودت الكرة ولكن بصوت هادئ:

-       هل تخبرني أنك منذ بداية الليلة إلى نهايتها بمثل نفس الملامح؟ الاحظ تغير وجهك ومزاجك مائة وثمانين درجة منذ رؤيتهما وحتى الآن!

 

زفر بحنق اضطرم بسائر دماء عروقه، هو لا يريد أن يناقشها بالأمر ولا يود أكثر من وضع نهاية لتساؤلاتها وفي نفس الوقت لا يجرؤ أن يخسر هذا الهدوء والتوازن فيما بينه وبينها منذ أيام فتريث كي ينتقي كلماته بعناية ثم عقب بهدوء:

-       لا أحب الاختلاط بعائلتي سوى في الضرورة، ثرثرتهم لا تنتهي، الأفضل أن استمر بعلاقتي المقتضبة معهم، الاقتراب منهم لا يُريحني.

 

ابتسمت ببلاهة فهي لم تقتنع بمثقال ذرة من تبريره الواهي واطنبت متعجبة:

-       لا اتفق معك في هذا، لقد شعرت أنهما لطيفان للغاية، وطوال وقت جلوسهما مرحنا كثيرًا، وكذلك رضوى شعرت أنها أخت لي أو صديقة قريبة من صديقاتي التي لم امتلك أي منهن، وظلت تقص عليّ كيف التقت بأنس وكيف تزوجان، وهي امرأة ناجحة بدراستها وعملها وعلى ما يبدو أنها تعشق أنس، وهو أيضًا يفعل ويحترمها أمام الجميع، كيف أن رجل وامرأة بهذه الصفات والود لا تريد الاقتراب منهما؟ لا اصدق أن الاقتراب منهما لا يُريحك!

 

التفت لها بانزعاج سيطر على ملامحه وانطلقت الكلمات من فمه دون أن تمر على عقله أولًا دون اكتراث وتفوه بنبرة آمرة:

-       توقفي عن تصديق ما يُظهره الناس والحكم عليهم دون معرفتهم.

 

تغيرت ملامحها وكادت أن تفقد هدوئها وتخبره أنه معه حق فهي لو كانت عرفته منذ البداية جيدًا لكانت الآن بعيد عن كل هذه الدوامة القاتلة التي تعيش بها معه منذ زواجهما ولكنها سيطرت سريعًا على لسانها وقنعت عن لمستها له وعقدت ذراعيها أمام صدرها والتزمت الصمت طوال طريق العودة.

 

عادته هلوساته ولكنها هذه المرة كانت تبدو كهمس بعيد يقبع بأعماق رأسه، وكأن صوته بات يتحدث بمنتهى الخفوت ليشعر بالمواساة بينه وبين نفسه وهو يقول:

-       لم يهتم أحد بالسابق وأنت وحدك بهذه المشفى، من لم يهتم بالماضي لن يكترث بالحاضر ولا المستقبل، أنت معك كامل الحق بينما هم بأكملهم لا يستحقوا أن تجلس معهم ولو لثانية واحدة!

 

هذا الشعور لن ينتهي أبدًا بداخل عقله ورأسه، منذ الأبد وبعد ما عايشه يعرف أن الجميع لا يكترثون له، ربما والده هو الرجل الوحيد الذي ود أن يراه رجلًا ناجحًا متفوقًا وبالرغم من جفائه وبعض القسوة منه ولكنه في النهاية طالما أدرك أنه يريد أن يراه الأفضل بين الجميع، ليس أخيه ولا أمه وبالطبع ليس أبناء عمومته ولا اعمامه نفسهم.

 

من الأفضل أن يستمر هكذا دون معرفتهم، فالاقتراب منهم لن يُسبب له سوى صداع الرأس والكثير من الثرثرة وهو في غنى عن كل ذلك، كما أن كل منهم لا يريد سوى المنفعة الشخصية له فقط، وهو لا يريد بداخله سوى المثل، وليس هناك منفعة سيحتاج إليها منهم قط ولن يسمح لنفسه بأن يحتاج لهم مهما كان.

--

 

غادرت الحمام لتجده نائم على الفراش وشارد بسقف الغرفة، هادئ بشدة منذ عودتهما، لم يتبادل معها ولو كلمة واحدة ولا حتى حديث عابر، وبتلقائية شديدة تعجبت بداخلها هل هذا بسبب الصُدفة تلك أم بسبب تقلب مزاجي جديد، هي تحتاج حقًا لحديث طويل مع "مريم" بشأنه وبشأن ما وصلت له حالته بهذه الأيام!

 

تنهدت وهي تلمح الساعة لتجدها قاربت على الثانية صباحًا فتوجهت هي الأخرى للفراش ثم سألته باقتضاب:

-       هل سنسافر غدًا؟

 

لم يستمع حقًا لسؤالها فنادته بعد أن انتظرت سماع رده:

-       عمر، ماذا سنفعل غدًا؟

 

همهم بعد أن استمع لاسمه التي نطقت به شفتيها وأخبرها مستفهمًا بعفوية شديدة:

-       ماذا قلتِ؟

 

 تعجبت منه للغاية وكررت سؤالها للمرة الثالثة وهي تتفحصه بعسليتين واقعتين بإدراك أن أيًا كان ما يُعاني منه بسبب رؤيته ابن عمه وزوجته ليس بيسير:

-       هل سنغادر للسفر غدًا؟ ولو كنا سنفعل، متى سنذهب؟

 

هز رأسه بالموافقة ثم اجابها:

-       نعم سنفعل، غدًا بالمساء، لقد قمت بالرد على باسم عندما غادرتِ أنتِ ورضوى.

 

قبل أن تسأله عن حاله أطفأ الأنوار الجانبية لفراشهما ثم جذبها بعناقٍ قوي وابتلع بصعوبة كانت تتوافق مع ملامحه المتأزمة بشدة التي احتوتها الظلمة حولهما وبعد معاناة بين اختياره أن يتحدث مخبرًا إياها بما يشعر به وبين أن يصمت ويكتفي بعدم التوضيح وسكوتها همس مطنبًا بنبرة خافتة مبحوحة:

-       روان، لم أقصد أن اعكر صفو هذه السعادة بيننا، ولا اقصد أن استمر في صمتي هذا، ولكن رؤية أنس لا تُذكرني سوى بتلك الحادثة بالماضي، وأنا فكرت كثيرًا لآلاف المرات، كنت اضع التخمينات والافتراضات برأسي، لو كان بقي معي لما حدث لي ما حدث، أو لو لم اذهب مع والدي لبلدتنا لما كان حدث لي هذا، أندم وأخبر نفسي ليتني لم اذهب مع أنس ليلتها، أقوم بتخيل الكثير وأتمنى لو أن كل ما اتخيله حل واحتمالية لعدم عذابي ليلتها وعدم بقائي بالمشفى وحدي وأنا طفل صغير، عندما التقيت به منذ شهرين تقريبًا تذكرت كل شيء، منذ زيارتي لهم لبقائي بالمشفى وما كنت افعله بعدها بالمدرسة وأنا صغير، رؤيته تُذكرني بكل عقاب نلته، تذكرت حديث أبي لي وأنا بالمشفى وهو يعلمني كيف أصبح رجل وكيف يمكنني الدفاع عن نفسي أتوقف عن ضعفي، تذكرت كذلك نظراتهم لي وأنا اجري داخل البيت متجهًا نحو أبي، أنا لا أحب هذه العائلة لأنها تُذكرني بالأمر بأكمله، لكن أنا وانتِ بأفضل حال، وليس هناك أي أمر سيجعلنا مثل ما كنا بالماضي، ولا تفكري بطريقة خاطئة صغيرتي.. سأكون على ما يُرام بالصباح وسأتناسى كل هذا وكأنه لم يحدث قط.. تصبحين على خير.

 

حاولت أن تلتفت نحوه فمنعها وشعرت به يحول بينها وبين أن تلمح وجهه أو أن تنظر له، فقالت وهي تحاول استغلال الفُرصة:

-       أنا أقدر معاناتك هذه مع الأمر بسبب ما حدث، ولكن لماذا لا تحاول أن تحصل على بعض المساعدة حتى تتغلب على هذه الذكرى، يُمكن أن تنسى كل هذا الماضي الأليم، ويمكنك أن تتعامل مع الجميع بشكل طبيعي وسهل، يمكننا لو واظبنا على الذهاب إلى مختص أو نـ..

 

-       أنا لا أريد التحدث في الأمر، وإن لم أكن تناسيت ما حدث وتغلبت عليه لما كنت مثل ما أنا الآن، ولقد استطعت بالفعل أن أُكمل حياتي بشكل طبيعي، اذهبي للنوم الآن.. أحلام سعيدة!

 

 

اوقفها عن حديثها بنبرة نافذة للصبر واستطال صمتها بعد أن جدد بداخلها خيبة الأمل التي لا ينفك عن اصابتها بها، ولكن لو كان هو مصمم على أنه بخير وأنه لا يُعاني من صدمات افسدت حياته بأكملها فهي الأخرى مصممة على الهروب والحصول على انفصال أبدي بينهما، حتى ولو عشقها له سيُصيبها بالموت، لن تستطيع الاستمرار مع رجل لا تضمن ما قد تؤول إليه أفعاله بين ليلة وضحاها، لقد كان هذا الصواب منذ البداية ولكنها لم تنتبه، وسيكون غباء فادح أن يخطأ المرء بمنتهى الرعونة والسذاجة ويستمر بهذا الخطأ، على الأقل؛ تصحيح الخطأ سيكون أأمن اختيار دائمًا وأبدًا..

 

-       ولك أيضًا.

 

همست بها وتوقفت محاولتها عن التحرك، ولقد استمع لتعقيبها العفوي، وأحس بالحزن يغلف نبرتها، ولكنه لا يريد أن يبقى ضعيفًا ولا يريد أن يرى أحد وهنه، وخاصةً هي بعد رؤيتها للكثير من لحظات ألمه التي ليست بموطن تفاخر على الاطلاق..

--

في صباح اليوم التالي..

 

لماذا باتت رائحة القهوة مألوفة للغاية كلما شعرت بمغادرة النعاس وأخذ الاستيقاظ في التسلل إليها، هل هذه تقلبات بسبب دورتها الشهرية؟ هل هي تحمل جنين آخر منه؟! اللعنة على هرمونات النساء، لا يُمكن أن يحدث ويستحيل أن تُنجب منه طفل!

 

نهضت في فزع وقد انعدم أمانها تمامًا لمجرد الفكرة لتجد ملامحه المبتسمة وهو جالس بجانبها على طرف الفراش وسرعان ما التقطت أنفها رائحة شطائر طازجة وكذلك القهوة ليصبح خليط شهي للغاية ولكنها أدركت في نفس الوقت أنها خسرت لتوها فرصة دس الدواء في افطاره.

 

-       صباح الخير صغيرتي.

 

ابتسمت له بالرغم مما يدور بداخل رأسها من محاولتها إيجاد طريقة وفرصة أخرى اليوم كي تجعله يتناول دواءه دون أن يدري واخبرته بنبرة ناعسة:

-       صباح الخير، كم الساعة الآن؟

 

ابتسم وهو يتفقد مظهرها الذي تحاول طرد النعاس عنه وهي تفرك وجهها وتنمق تلك الخصلات الثائرة حوله لتبدو كالقطة تمامًا عند استيقاظها فأجابها وعينيه لا تزال تُشاهدها باستمتاع:

-       عبرت الثانية عشرة ظهرًا بقليل.

 

جحظت عينيها بدهشة ولكنها حاولت ألا تُثير قلقه ولا شكوكه بها فلحقت ملامحها بتساؤل مستنكر:

-       هل نمت لكل هذا الوقت؟

 

حاولت تعديل جلستها لتتوسع ابتسامته ثم عقب قائلًا:

-       حاوت ايقاظك بالصباح وجدتك مُرهقة للغاية، فقط نهضتِ وذهبتِ إلى الحمام وعدتِ للنوم من جديد، لذا تركتك حتى تحصلين على المزيد من النوم.

 

 

حسنًا، إمّا هذا هو معنى أن يسقيك القدر من نفس الكأس، وإمّا هو يهذي بكلمات غير مفهومة، أو ربما هذا كابوس وهي تحلم، لماذا لم تستيقظ بعد؟

 

استشعر استغرابها الشديد فاقترب نحوها وتلمس وجهها بأنامله وأخبرها بملامح غرقت في تفحص خاصتها:

-      هل نسيتِ كيف تعانين كل شهر؟!

 

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تحاول أن تتذكر ما يقوله، هل يتبع حيله الخبيثة معها مرة أخرى؟ ولكنه يمتلك مزاج رائق واعينه تدل على هيامه بها وليس محاولة ايقاعها بخدائعه ومكره حتى تنطق بسذاجة ما يريد أن يصل له، ما لعنة ما يحدث؟

 

التفتت وهي تُمسك بالقهوة وارتشفت منها واعتصرت ثنايا عقلها لعله يُساعدها في تذكر ما يقوله وحاولت أن تحرك جسدها لتجد ما يؤازر كلماته ويدل على صحتها بملابسها، هي تُعاني من دورتها الشهرية اللعينة التي لا تفلت منها سوى ببعض الراحة والنوم، وهذا الألم بأسفل بطنها دليل آخر، حسنًا، قد نست وكانت نعسة، وهذا تذكير لها بأن المرء يستطيع نسيان ما يحدث له وهو نائم، كيف لم تتذكر؟ ربما حدث، الأمر يبدو وكأنها كانت تحلم، التفاصيل تعود وكأنه أمر حدث وهي ثملة أو غائبة عن الوعي، هو محق اذن، ولكن؛ لُعن عدم الأمان الذي باتت تعيش به.

 

ابتسمت له عندما أمسك بشطيرة تفوح منها رائحة الجبن السائل وتناولت القليل منها حين قربها من فمها ومضغته بهدوء ثم حاولت أن تكون ماكرة بسؤالها دون التطرق لما يُثير ارتيابه:

-       فلتخبريني اذن، كيف كان صباحك دون وجودي؟ هل عملت أم اعددت الحقائب حتى نستعد للسفر؟

 

ضيق عينيه نحوها بحقدٍ مازح وتمتم بتنهيدة:

-       نعم، نعم، لقد اعددت الحقائب وصنعت الإفطار والأطفال بالمدرسة وقمت بترتيب المنزل والغداء أوشك على النضج!

 

ضحكت بخفوت على رده الذي التقطته اذنها بالرغم من خفوت نبرته ثم مازحته بنظراتٍ متشفية:

-       جيد للغاية، يا لك من زوجة رائعة.

 

رفع احدى حاجباه واختلفت ملامحه ثم زجرها بسؤال مستنكر:

-       ماذا قلتِ قطتي؟! هل تريدين أن اذكركِ من هي الزوجة الرائعة؟ أم أن دلالي لكِ قد عبر حد المسموح؟

 

تركت قهوتها جانبًا ثم لمست صدره بدلالٍ بطرف سبابتها وهمست بأنوثة اهلكته:

-       امازحك عزيزي، لا تأخذ كل شيء على محمل الجد هكذا.

 

نظر لها عاقدًا حاجباه وقال بامتعاض لم يتخل عن تحذيره:

-       امزحي كما يحلو لكِ، بمجرد أن تصبحين بخير سأذكرك مليًا من منا الزوجة الرائعة!

 

قربته إليها لتُقبله واستطالت بتحسسها شفتيه بين خاصتيها ونهلت من أنفاسه إلى أن انعدم الهواء برئتيهما فتوقفت وهي تنظر له بابتسامة وأعين متلاعبة وقالت بين التقاطها لأنفاسها:

-     ربما لو كان الوقت مناسبًا كنت جعلتك تنتقم مني أشد انتقام على ما قلته، ولكن ليس بيدي، هذا حظنا العاثر، كما أننا لابد لنا من الراحة بعد كل ما فعلناه بتلك الأيام، ألا تتفق معي؟!

 

داعبت عنقه بأناملها لتلتمع الرغبة بعينيه ولم تتوقف وسبابتها تنتقل لشعيرات ذقنه وشفتيه ليبتلع وهو يتفحص ملامحها بأنفاسٍ تسارعت ليهمس بنبرة جعلتها تبتلع:

-       توقفي عن دلالك هذا وإلا سأفعل ما لا يُلائم وضعك الحالي، قطتي، وأظن لقد اختبرتِ معي الكثير مما يُثبت لكِ أنني لا أمزح بهذا الشأن قط!

 

حاولت تكذيب هذا الوجل الذي احست به من كلماته واقتربت منه محاولة أن تتمسك بشجاعتها وهمست بمزيد من الدلال وهي تنتقي كلماتها بعناية وفكرت بكل حرف وهي تنطقه بتباطؤ كي لا تُفسد تلك الغُلبة التي باتت تمتلكها بالآونة الأخيرة عليه:

-       أعلم أنك لا تمزح، وأعلم أنك تستطيع فعل الكثير، ولكنني أعلم كذلك أن زوجي العزيز يهتم بأمري ولا يتركني أبدًا سوى وأنا سعيدة بعد كل علاقة لنا معًا.. هل أنا محقة في هذا؟

 

تفحص عينيها المتحليتين بالثقة الشديدة ليهز رأسه بعدم تصديق ثم تمتم بغيظ:

-       استحق هذا، على التوقف عن افسادك!

 

قبلت وجنته بمرح ثم نهضت بنشاط شديد وأدركت أنه يستحيل أن تصل لهذه الحيوية خاصةً بمثل هذا اليوم اللعين إلا لو نالت قسط كافي من الراحة وربما قد تناولت هذه الأعشاب الغريبة التي جعلها تتناولها في السابق، لا يهم، كل ما يهم الآن أنه بخير، وربما بعض الحلوى ستكفي لترغمه على تناول دواءه، لن تيأس مع هذا السلطان اللعين المغرور ولن تستسلم لجنونه إما تُعالجه وإما تتركه للأبد ولو سيقتلها العشق آلاف المرات!

 

--

 

بعد مرور ثلاثة أيام..

تحديدًا، مدينة أكابولكو دي خواريز، ولاية غيريرو بالمكسيك..

 

وقفت بالشرفة للجناح الفندقي القابع بمنتجع بالطرف الجنوبي للمدينة التي اعتاد أن يذهب لها الأثرياء ونجوم هوليوود في فترة ما من الزمن، تتفقد ذلك الغروب الساحر بصحبة لون مياه المحيط الهادئ وهي تتنعم بتلك النسمات المنعشة المعبئة برائحة المحيط والدفء الساحر بصحبة هذا الهدوء الذي لم تكن أن تتصور أن تتمتع به بعد نوبته الأخيرة.

 

لن تُنكر أنها مذعورة، تشعر بالرعب طوال اليوم، حتى أثناء نومها لا يغيب عنها هذا الشعور، ولكن الأيام تمر وتتأكد من أنه لا يتذكر، وتتيقن من عشقها لهذا المختل، تسأل نفسها بكل لحظة تمر عليها كيف ستترك رجل يعشقه قلبها لهذه الدرجة الشديدة، كثرة اللحظات السعيدة معه هذه الأيام باتت كفيلة بأن تُنسيها تلك النوبة القاتلة التي واجهتها معه، بل هذه الأيام وحدها كافية لتُنسيها الدنيا بكل من فيها، بداية بعملها نهاية بوالدتها وأخيها، تتمنى بطيات قلبها لو استمرت حياتهما بهذه الفرحة الدائمة ولكن هذا درب من دروب المستحيل، حتى هذا لا يمكنه أن يحدث بالأحلام، وخاصة مع رجل مثله.

 

التفتت خلفها لتستمع لإغلاقه للمياه بداخل الحمام المُلحق بجناحهما فالتمعت عينيها بالحماس ثم توجهت لهاتفها وهي تحاول أن تمنع يدها عن التوجه إلى أي تطبيق يصلها بعالمها الروتيني الواقعي ثم سرعان ما اختارت تطبيق للأغاني لتجد اغنيتها المنشودة وقامت بتوصيل هاتفها بنظام الصوت المُعد مسبقًا بالجناح، وتحدت نفسها، إمّا حيلها التافهة معه، وإمّا خبثه الماكر الذي تعلمته باحترافية منه!

 

بدأ جسدها يتمايل داخل سروالها القصير الأزرق الحالك وقميصها الذي انتهى بمنتصف التواء خصرها وتركت لحماسها العنان لتصاحب صوت المُغني بمجرد شدوه بمطلع الأغنية وهي تدرك مليًا أنه لتوه غادر الحمام ويُشاهدها جيدًا.

 

I can’t read ya, my sexy Mona Liza, can’t tell if you gon’ leave here, or if you wanna stay

لا أستطيع فهمك، موناليزتي المثيرة.. لا اعرف إن كنتِ ستغادرين، أم تريدين البقاء

 

Girl, just ease up, don’t yell in my two-seater, you say that youafreaker, but fall asleepat eight

 

يا فتاة فقط استرخي، لا تصرخي في سيارتي ذات المقعدين، تقولين أنكِ غريبة الأطوار ولكنك تنامين بالثامنة مساءًا

 

التفتت له متصنعة براءة الذئب من دم ابن يعقوب ورسمت الدهشة على وجهها وكأنه فاجأها بتواجده خلفها ومغادرته للحمام دون ملاحظتها وزيفت خجلها منه لتجد شفتاه تتكلف بانحنائه متحدية وكلمها آمرًا:

-      تابعي، تظاهري أنني لست هنا!

 

قبلت تحديه سريعًا خاصة بملامحه المثيرة التي لا تزال تحمل اثار استحمامه ولم يحجبها عنها سوى سرواله القصير لينضم صوتها لصوت المغني لتُكمل معه غناءها لتلك الأغنية وخاصة هذه الجملة التي تلاءمه للغاية لو فقط يعرف أنها موجهة له وليست لامرأة كما تقصد كلمات الأغنية:

Baby, oh-oh, you just a little loco, like boats in Acapulco, I’m just ridin’ the wave

 

حبيبي أنت فقط مجنون قليلًا، مثل القوارب في مدينة اكابولكو، أنا فقط أمارس ركوب الأمواج..

 

توضيح (اكابولكو) مدينة تقع على ساحل المحيط الهادئ بالمكسيك وشهدت هذه المدينة غزو واستعمار وحروب جنونية وعصابات وقتال دموي كما أنها معروفة بالكنوز والثروات. وهي المدينة المتواجدان بها.

 

اشارت نحوه واستكملت رقصها ليعقد حاجباه وهو لا يستطيع تقبل تلك الإشارات منها، من هنا المجنون فيهما الذي تقصده؟ هل هي المجنونة التي تعذبه منذ أيام ولا يستطيع الاقتراب منها والحصول عليها كما يحلو له، أم هو الذي فقد عقله بفعل أشياء لم يخطر على باله فعلها بصحبة امرأة قط؟! وليست أي امرأة، بل زوجته التي اهلكه عشقها ويجد نفسه معها كالطفل المطيع الذي لا يأبى أي من ارشادات والدته التي يرى حنانها نحوه بعسليتيها كلما تفقدته.

 

Baby, oh-oh, you just a little loco, emotions like a yo-yo, but I love you that way

 

حبيبي أنت فقط مجنون قليلًا، مشاعرك مثل اليويو، ولكنني احبك بهذه الطريقة.

 

توضيح:

يُقصد باليويو شخص غبي أو غير كفء أو غريب الأطوار، وتعبر عن أن الموصوف بها يتعرض لتقلبات وانعكاسات مفاجئة في الرأي أو العواطف.

 

تجرأت واقتربت منه وهي تشجعه على مراقصتها وبدأت تحركاتها تنعكس على جسده لتوقظ تلك الرغبة الممتزجة بإدراكه السريع بكم يريدها ولأي درجة أصبح يعشقها ليقع بدوامة من الخوف والمشاعر لا يستطيع السيطرة على أي منها.

 

أخذت تُغني بملامح مرحة وهي تمرر أناملها على جسده اثناء تمايلاتها والتصقت بجسده وهو عاقد لذراعيه مراقبًا كل ما تفعله وكل تلك الإشارات التي توجهها له بعسليتيها الحيويتين وتلك الرشاقة الأنثوية بتحركاتها:

 

Damn, that body, devil in Versace, Did I win the lottery or am I gonna pay?

Damn, you got me, like bitcoin and like Doge, I’m rich with you beside me, ’cause you’re not goin’, babe

 

اللعنة، ذلك الجسد، الشيطانة ترتدي (فيرزاتشي، ماركة شهيرة)، هل فُزت باليانصيب، أم أنني سوف أقوم بالدفع؟

اللعنة، لقد هزمتني، مثل البت كوين ودوجي (عملات رقمية)، أنا ثري وأنا بجانبك، لأنك لا تعتمدين على العملة (لا تهتمي بالأموال)

 

أخذت تتراقص على هذه الأغنية التي لم يعد يتبقى منها سوى القليل وهي تمازحه وتستعرض تلك الأنوثة أمامه بمنتهى الجرأة وعدم الخجل، لابد من أن تقوده لهذه البؤرة بعد أن تيقنت أنها هي الأخرى تمتلك تأثير قوي عليه للغاية، وبعد كل ما تعرفت عليه من نساء مختلفة ولو حتى عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، المرأة التي تمتلك سُلطة المشاعر والجسد الأنثوي الفاتن وهذا الاتصال الجسدي المجحوم فيما بينها وبين زوجها بالإضافة إلى بعض الطاعة الظاهرية، تمتلك رجلها بين اصابعها كدمية بين أصابع طفل.

 

خطتها الوحيدة أن تعود من هذه العطلة ذات الحرارة المشعة كالشمس فيما بينهما وهي تحرقه بنيران الثقة العمياء بها والأمان المطلق لكل ما تفعله، سواء ستستخدم الحنان، العلاقة الحميمة، المرح، الاهتمام، أيًا ما كان بين يديها لن تتراجع عن استغلاله حتى يُصبح طوع إشارة وحيدة من عينيها قبل اصبعها.

 

عانقته بقوة شديدة بعد أن انتهت تلك النغمات وهي تريح رأسها على صدره العريض وقصدت أن تداعب تلك الشعيرات السوداء بتمرير وجهها عليها وعادت لتصنعها البراءة وكأنها لم تتقصد ايقاظ رغبته بداخله بلمساتها واشارتها الماجنة التي ليس لها معنى سوى تأجيج رغبته رغمًا عن أنفه ولا عزاء لتلك السيطرة التي كان يملكها دائمًا وأبدًا مع أي امرأة لمسها، بداية بـ "يُمنى" ونهاية بتلك الفتاة التي كادت أن تلفظ أنفاسها الأخيرة بسببه!

 

-       ماذا تفعلين قطتي الشقية؟

 

 جعلها سؤاله تنتبه له وتغادر عناقهما ونظرت له مُدعية السذاجة وكأنها لا تعرف ما يُرمي إليه وتفقدته باستغراب ليتنهد وهو ينظر لها بمكرٍ ثم أشار بعينيه ممهلها ثواني لتمتثل نية تلك السوداويتين الآمرتين وهي يقصد أن تتجه للأسفل فقلبت شفتيها متصنعة البلاهة بالرغم من انعكاس ذلك التصلب الذي يحتدم بجسده على قوامها وهي تفهم مليًا ما الذي يُريده ليهمس لها بنفاذ صبر:

-       احذرك منذ بداية السفر، ولكن يبدو أنكِ من جنيتي على نفسك!

 

دفعها بهوادة للأسفل فأخذت ترمقه ببراءة امتزجت بتلاعب بعينيها ثم سألته:

-       ألا يُمكنك الانتظار يوم واحد بعد؟

 

ابتسم بخبثٍ ثم صحح قولها بثقة طاغية:

-       انتِ من لا تستطيعي الانتظار يوم واحد بعد.

 

تلمست اعلى سرواله بأنامل مداعبة وأخذت نظراتها تتحول من بريئة لأخرى خليعة وصاحبتها بابتسامة عابثة تحرض شياطينه على امتلاكها وتصرخ به أن يتجاهل كونها بالمحيض، وليحدث ما يحدث، لم يعد يكترث بعد كل هذا العذاب الذي باتت تسطو به على كيانه.

 

-       هيا صغيرتي!

 

ثبت يديه محتويًا أناملها كي تُخفض ما يحول بينهما وتبدأ بمداعبته وعينيه تحلك بالتوق للمساتها ولفمها حوله بأسرع وقت ممكن كي تخلصه من تلك النيران المحتدمة بدمائه.

 

-       هيا!! لا أفهم، ما الذي تريده؟!

 

ضيق عيناه نحوها وابتسامة مغتاظة علت شفتاه، فهذا ليس الوقت المناسب لادعائها الغباء وعدم فهم ما يُريده وهي لا تزال تُعطيه تلك النظرات المتلاعبة بدلال بات من الصعب الصمود أمامه ليدنو منها قليلًا وهو يخلل أصابعه بشعرها دون أن يقوم بجذبه وأخبرها آمرًا بخفوت:

-       افعلي ما قلت حتى نظل في هذه السعادة، لا تعارضيني حلوتي!

 

-       ولو لم افعل؟

 

 

رمقته بتحدي مرِح وشعر بأناملها تمسه بلمسات تثير المزيد من اشتهاءه بالحصول عليها ليطنب بمشاهدتها فرآها تبتسم له بتلاعب فاستوى بوقفته وهو يخلل شعره الفحمي وحاول التريث لبُرهة قبل أن يفعل ما قد يُفسد الكثير من الأمور بينهما وبمجرد انحناء ناظره للأسفل وجدها بدأت بلمساتها له ولكن هذه المرة يلمح بأفعالها انهاء معاناته التي بالكاد يحتويها بداخله دون الانفجار.

 

--

بعد مرور يومين..

 

-       اشعر بالسعادة، أريد أن نبقى هنا طوال عمرنا، لا أريد العودة

 

ابتسم بلينٍ وهو يستنشق دخانه في هذا الهدوء من ساعات الصباح الأولى وضمها لصدره أكثر ثم عقب باقتضاب لم يخل من مصداقيته:

-       أنا أيضًا

 

اغمضت عينيها وهي تتخيل لو أن هذه هي علاقتهما الدائمة دون تقلباته وهمست له مستفهمة:

-       وهل أنت سعيد من أجل أننا سافرنا ونستمتع سويًا أم من أجل شيء آخر؟

 

القى سيجارته بالمنفضة جانبًا ونهض جالسًا باعتدال لتنتبه بنومتها وجلست بجانبه ونظرت له مليًا ليداعب وجنتها وهو يجيبها بأعين تتفقد كل تفاصيل ملامحها بتوقٍ جارفٍ لكل ما فيها:

-       سعيد لأنك منحتِني حياة كنت أحلم بها منذ الكثير من الوقت، حتى أنني كنت أرى أنه من المستحيل الوصول إليها، لدرجة أنني نسيتها بالفعل، ولكن أتيتِ أنتِ لتوقظيني من حلمي المستحيل وحققتِ لي كل ما تمنيته.

 

ابتسمت له بينما وجدت ملامحه تتحول للجدية الهائلة بعيدًا عن ذلك المرح والضحكات والرقص والسهرات الطويلة التي لا تنتهي فتركت له الفُرصة ليُبرر لها ما سر اختلاف ملامحه وانتظرت حتى أخبرها بعد بُرهة:

-      عندما سافرت كنت اشعر بأن زواجنا لن يستمر وظننت أنكِ سوف تتركيني للأبد، وبعدها لا أعلم ما الذي حدث، كأنني سقطت بنومٍ عميق ثم استيقظت لأجد كل شيء أفضل مما تمنيت!

 

أطرقت برأسها لأحدى الجوانب بدلال ولمسته بسبابتها وهي تزجره بمرح:

-       هذا دليل قاطع أنك لابد من التوقف عن تناول الشراب بشراهة!!

 

عقد حاجباه وهو يتفقدها بمزيد من الجدية ولم يتخل عقله عن كامل ارتيابه بعد بخصوص تلك الفترة التي بالكاد يتذكر قشور من تفاصيلها وهتف بها بنبرة رزينة محتويًا جانب وجهها بكف يده:

-       روان، أنا اثق بكِ، واطمئن معكِ، وأنتِ من جعلت هذا ممكنًا، لا اريد خسارة هذا وكل ما وصلنا له معًا.

 

تفحصها بتلك الأعين التي تحاول تبين معرفة صدقها من كذبها والتفريق بينهما وبالرغم من ذلك الألم الذي سببه اعتصار قلبها بعد أن سمعت منه تلك الكلمات، امتهنت باحتراف رمقة صدق نحوه وعقبت بمنتهى الثقة:

-       لن يحدث، لن نخسر شيئًا.

 

زفر بارتباكٍ ولوهلة كان يُريد أن يُمسك بلسانه الثرثار كي لا ينطق بحرفٍ واحدٍ ولكنه لم يستطع منعه فتكلم دون أن يخفي عنها شيئًا، ربما هذا هو الحل الوحيد ليحصل عليها دائمًا وأبدًا بجانبه بيقين وتأكيد تام منها أنها لا تفضل أكثر من الصدق والشفافية، لذا كان عليه فعل ما ترضى به وتريده:

-       أتعلمين! بالبداية ربما تزوجتك لأنك تُشبهيها، وكل ما فكرت به هو أن أؤلمك بكل الطرق الممكنة لمجرد تشابه كلتاكما، ولكن كل مرة كنت احاول أنا افعل هذا كنتِ بدون أن تقصدين، أو حتى تعرفين ما تفعليه، توقظين مشاعر قديمة للغاية وأشياء كنت أتمنى أن أحققها يومًا ما بصحبة امرأة اعشقها، واثبتِ لي أنك لا تُشبهيها في أي شيء، جعلتِني أرى أفضل فتاة وامرأة كنت اتمناها منذ الأبد، ولكنني كنت تعيس الحظ ولم أجدها، حتى تقبلت الأمر وحكمت على أمنياتي بأنها مجرد أوهام وأحلام يقظة لفتى مراهق غبي، وكلما كنت أحاول أن أمنع نفسي ومشاعري لألتزم بما يراه الرجل البالغ بداخلي تجاه العشق والأمنية في امتلاك من تعشقني وأغرم أنا بها، أجد نفسي اقترب منكِ وانتِ مصممة على أن توقعيني في عشقك إلى أن حدث بالفعل وأصبح الأمر واقع أعيش به ليلًا ونهارًا.. لم أكن احلم أن هناك تلك الفتاة البسيطة والزوجة الرائعة على قيد الحياة وظننت أنه مجرد خيال أن أجد مثلك، ربما تبدين حازمة ولك صورة جامدة من الخارج ولكن من يقترب منكِ ويعرفكِ جيدًا سيعرف كم أنتِ مختلفة.

 

ابتلعت غصة لم تتركها لتظهر أسفل عينيه، لا يزال بداخلها جزء يخبرها بأنه تزوجها وعشقها لوجه الشبه بين كلتاهما ليس إلا، ولكن هذا ليس الوقت المناسب لهذا التفكير، ربما عليها استغلال هذه الثقة وهذا المزاج الرائق بالانفتاح لها والتحدث بالكثير فسألته بابتسامة رسمتها بصعوبة على شفتيها:

-       مختلفة!، أظن أنني فتاة تقليدية للغاية، ولكن بأي شيء تجد اختلافي؟

 

قلب شفتاه وأومأ بعدم التأكد وأغمض عينيه متأنيًا في انتقاء اجابته ليرمقها بعدها بتنهيدة طويلة:

-       فتاة ناجحة ولا تملك أي علاقات، صعب أن نجد الاثنين بواحدة، أي فتاة مكانك كانت إما متزوجة وإما تستمتع بتواجد الرجال حولها، لم أصدق في البداية انكِ بهذه الشفافية ولا تريدين سوى حقكِ وبحثت عن الطرق القانونية وأتيتِ من أجل أن اساعدك بالرغم من أن هناك مليون حل لقضيتك دون اللجوء إلى محام، وبعد زواجنا، انقلب كل شيء رأسًا على عقب، لا أدري ما الذي حدث حقًا.

 

زفر وعيناه تبحثان بملامحها عن الإجابة الصحيحة ولكنه هز كتفيه بعدم معرفة وتحدث بقليل من الحنق:

-       لا أعرف كيف عليّ قول هذا بكلمات منمقة وطريقة جيدة، وأنا لا أستطيع تفسير ما حدث كذلك، ربما في البداية كنت أريد طاعتكِ، وأن أكون مسيطر على علاقتنا، وأنا الرجل الذي يأمر وانتِ المرأة التي تُنفذ، وأنا الذي يسن قوانين كل حياتنا لتذعني أنتِ لها، ولكن، منذ أن لمستك أول مرة إلي الآن لا أدري ما الذي يحدث لي، في البداية لم اقدر أن ابتعد عنكِ ووصولًا لهذه اللحظة تحديدًا الثانية الواحدة في يومي لا تطاق لو أنتِ لستِ بجانبي!

 

ضيقت ما بين حاجبيها وقالت مستفهمة بابتسامة متعجبة وقليل من التهكم:

-       الرجل الذي عرف الكثير من النساء لا يستطيع تفسير ما حدث له، أليس هذا بغريب عليك؟

 

انحنت رأسه للخلف بتذمر شديد فتلمست شعيرات ذقنه فأعاد رأسه للأمام وتبادلا النظرات لثواني ليُنهي هذا الشجار بداخله فهناك ما يخبره أن يصارحها وهناك جزء آخر بعقله يُنبهه بأنه قد أخبرها بالكثير بالفعل، سيخبرها وليحدث ما يحدث:

-       روان، لم أكن هكذا مع أي امرأة قط، هذا الهدوء والمرح والضحك وأن اتحدث عن نفسي مع امرأة بكل ما مر عليّ وبكل ما أحبه وما أكرهه، لم أكن هذا الرجل قط سوى معكِ، وحتى لم يكن على مضاجعتهن حتى اشعر بالانتشاء والمتعة، لم أفعل ما أفعله معكِ مع أي واحدة منهن، لا أدري ما السبب، هل لأنني مغرمٌ بكِ أم هناك سبب آخر!!، لا أستطيع الفهم ولا أستطيع أن أجد السبب الحقيقي لهذا، انتِ تجعليني افقد السيطرة على نفسي، في أي شيء في المطلق، الأمر لا يتوقف فقط على ممارسة الجنس معكِ، والأمر كذلك ليس مجرد انجذاب جسدي بيني وبينكِ وإلا كان انتهى بعد كثرة ممارساتنا.. ولكن الأمر الذي أعرفه ومتأكد منه هو أن كل ما أعايشه معكِ جديد عليّ، وأحب كل ما يحدث بيننا أيًا كان ماهيته، ولا أدري هل السبب أنني قمت بالقسوة عليكِ في البداية وقسوت عليكِ، أم لأنني كلما نظرت إليك لا أريد أن أحزنك، لا أعرف، ولا أعلم هل تغيرت حقًا أم لا، يومًا ما، الزواج بالنسبة لي، كمجرد فكرة كان أمر مستحيل، ولن أنجح بها أبدًا، ولكن انتِ وكل ما عايشناه معًا، بحلوه ومُره، يجعلني لا أريد أكثر من كل لحظة في هذه الحياة معكِ.

 

تفقدته بجدية ولوهلة تراجعت عن سؤالها فإجابته لن تفيد سوى أنها ستُسبب المزيد من الوجع لها أو المزيد من عشقها له وفي كلتا الحالتين ستكون خاسرة، وقبل أن تسيطر على نفسها اخرست عقلها بعد أن وجدت سبيلًا لوصولها لما تريده وحدثته في البداية بما يجعله يطمئن ويُعطيها المزيد من ثقته قبل أن تتفوه بسؤالها في النهاية:

-       لقد تغيرت معي كثيرًا عمر، لا أستطيع انكار هذا، ربما قد تغيرت في كل شيء، ليس فقط منذ عودتك من السفر، اعتقد منذ حادثة الإجهاض وأنا ألاحظ أنك تتغير معي للأفضل، ولكن ما لا اعلمه، هل تتغير وحسب لأنك شعرت بتأنيب الضمير تجاهي ولأنك قمت بظلمي مرارًا؟ أم أنك تجد نفسك تتصرف تصرفات مختلفة معي؟ وبعد أن وصلت لما وصلت له الآن معي، هل توقفت عن افتقادك ما كنت تفعله مع النساء وطريقتك القديمة معهن، أو مثلًا هل تتمنى أنا أصبح مثل احدهن، حتى ولو لبعض الوقت؟

 

قست ملامحه واجابها سائلًا بعد مدة من التريث:

-       هل تريدين سماع ما يُرضيكِ أم الحقيقة؟

 

رطبت شفتيها واجابته بمرح:

-       اظن بعد كل ما مر علينا معًا، ما يُرضيني الآن، لاحقًا يُصبح كارثة حياتيه بالنسبة لي لو اكتشفت أنه كذب محض!

 

تنهد بعمق وداعب وجهها واضطر أن يجيبها بمصداقية:

-       أنا اتغير من أجلكِ، ومن أجل أنني لا أريد أي شيء في الحياة سواكِ، ولو أشتاق إلى السادية في العموم، من حين لآخر، وما عهدت عليه نفسي مع النساء، فالإجابة هي نعم، ولا اخفيكِ سرًا أحيانًا أتمنى لو كنا معًا بشكل مخالف لما نحن عليه، كما كنت أود وأحلم طوال عمري، ولكن لو قمت بالاختيار بينك وبين السادية أو احلامي مع النساء سأقوم باختياركِ أنتِ، لو اخترت بينك وبين أي شيء سأختاركِ للأبد روان..

 

توسعت ابتسامتها له وعانقته بقوة كي تخفي دموعها التي تحاول أن تسيطر عليها، لماذا الأمر دائمًا صعب معه؟ لماذا يُصيبها بهذا العشق اللعين ويُضاعفه اضعافًا بداخلها؟

 

حاولت أن تستعيد سيطرتها على تلك الدموع بعينيها وهي تتمنى لو هذه المشاعر بينهما تستمر للأبد وحاولت للمرة الآلف بخصوص العلاج من كل هذا فهمست له:

-       أنا اعشقك عمر، ولا أتمنى أكثر من أن اسعدك طوال الوقت، حاول من أجلي، إن كنت تعشقني حقًا فلنذهب إلى اخصائي نفسي معًا أو بمفردك، ربما يساعدك هذا في أن تُعدل أفكار كثيرة خاطئة وظنون ليست لها أي أساس من الصحة، أو حتى الأخصائي قد يساعدك على فهم أن السادية هي مرض وليست بميول أبدًا، ويساعدك تتغلب على الصدمات السابقة التي لا تنفك تتذكرها وتتأثر بها.

 

جذب جسدها ليحدق بوجهها وسألها بابتسامة:

-      ألم تخبريني بأنني تغيرت ولقد انتهت كل تلك الصعاب بيننا؟

 

أومأت له بالقبول والتأكيد على كلماته فأردف متسائلًا:

-       وهل تشعرين بل وترين أننا أصبحنا بأفضل حال ولم يعد بيننا أي مشكلات؟

 

هزت رأسها من جديد في صمتٍ وهي تتمنى لو يهزم كل افكارها بموافقته على الذهاب ولو لجلسة واحدة فواصل وهو يمرر سبابته على ملامحها بلطف:

-       لا أريد في حياتي سوى هذا، أن نبقى بخير دائمًا وأبدًا، بغض النظر عن اختلاف رأيي ورأيك.. أنا لا أحتاج معالج للمجانين روان، أنا أحتاج إليكِ، أنتِ بكل ما فيكِ علاجي من كل ما مر عليَ بالسابق ولا أحتاج سوى لوجودكِ بجانبي.

 

ها هي اصابته لها بخيبة الأمل أمام نفسها، لا يقبل أبدًا إلا ما يقتنع به ويُصدقه، وهي لن تقبل رجل لا يقتنع بمرضه، ولن تقبل سوى الهروب من تلك الأيام القليلة السعيدة بصحبته، والشهور المؤلمة التي عايشتها معه، لذا عليها الطرق على الحديد وهو ساخن، ابتسامة ودلال ونبرة هادئة واتفاق ظاهري قد يكونون خليط جيد يُمهد لها الطريق لتلك الغرفة بكل ما تحتويه من عذاب، ووسيلة للفرار منه:

-       حسنًا، بما أنك متأكد أنك قد تغيرت وأنك تعشقني، فأنا كذلك متأكدة أنني مغرمة بك حد الجنون وليس لدي أي مانع بأن أفعل المثل لأجلك.. ولن استطيع حرمانك أمر استطيع فعله وأملكه بالفعل بين يداي ولا أعطيه لك.

 

عقد حاجباه مستفهمًا فاقتربت منه وهي تعانق وجنته بكفها ثم أخبرته بنبرة مقترحة:

-       قد نبدأ بالأمر ونجربه رويدًا رويدًا، قد نعود لغرفة المتعة خاصتك مرة أخرى، واعتقد أننا الآن نستطيع التفاهم والاتفاق عكس الماضي، كما أنني على يقين أنك لن تؤذيني أبدًا..

 

اقتربت جفونه من بعضها البعض وهو يتفقدها بغير تصديق واكتفى بابتسامة بدت كخط مستقيم على شفتيه ورد مُعقبًا:

-       لا يمكن أن نجرب من جديد، أنا اعرفك جيدًا، لن تتقبلين أبدًا رجل سادي بكل ما يملكه من طرق على الاستمتاع والحيل والأدوات، هذه ليست أنتِ صغيرتي.

 

رفعت احدى حاجباها بتحدي وقالت:

-       فلنجرب سويًا، لن نخسر شيئًا!

 

استطالت نظراتهما فهي في انتظار سماع رده لعله يؤكد لها أنها ستقترب من هدفها بينما هو مشتت بين قبول هذا العرض منها وبين الابتعاد عن طريق وعر لا تعرف هي ماذا يوجد به وقُبيل موافقته أمام تلك العسليتين المناشدتين صدح هاتفها بالرنين فجذبه بتلقائية ولم يقصد سوى مناولتها إياه ليرى اسم ابن خالتها اللعين يتضح على الشاشة فسألته:

-       لقد تحدثت بالفعل إلي والدتي وبسام منذ قليل وكانا يتناولان الإفطار، من المتصل؟.

 

-       ابن خالتك!!

 

 

رد باقتضاب دون ملامح مقروءة على وجهه وأعطى لها الهاتف مغادرًا الفراش وأشعل احدى سجائره وأذنيه تنصت بعناية لكل حرفٍ سيغادر شفتيها بعد أن تُجيب هذا اللعين، فهو لا يُطيق تواجده ولا حقيقة قرابته لها، ويوم رؤيته له عندما قام بدعوة الجميع بهذا الفندق لم تطمئنه أبدًا.

 

يُتبع..