الفصل الثاني - أنين وابتهاج
الفصل الثاني
أصبح الوجع والإنكسار يأتي من الأقرب للقلب،
ولكن كيف يكـ.رهه القلب وهو ينبض عشقًا له؟!
❈-❈-❈
شعر عمر أن قلبه قد توقف في تلك الوهلة من فرط القلق والخوف اللذان شعرا بهما، نسبة الادرنالين في جسمه قد ازدادت، وكأن العالم بأكمله توقف، وانتهى عندما رآها وهي تسقط أرضًا.
بدأت همهمات الناس تتزايد البعض مصدوم والبعض الآخر يطالعها بحزن، لا يعلم كيف حملته قدميه حتى يصل نحوها، قام بحملها بقلق شديد ينهش قلبه بأكمله.
شعر أنه هو السبب في كل ما حدث لها، لكنه عاجز عن فعل ما يسعدها، هو مَن كان لديه القدرة على التضحية بذاته لأجل تحقيق سعادتها أصبح سبب حزنها وتعبها.
اصبح يرى ذاته كمجرد اخ لها ليس أكثر، كما تتمنى هي، ويتمنى قلبه، فهو ليس ساذج؛ كي لا يرى محاولاتها الدائمة في جذب انتباهه وعودة علاقتهما كما كانت، لكنه قرر التجاهل بدلا من الوجع الذي يعصف به دائمًا عندما يراها أمامه، لكن هيهات فهل هو الآن لم يعيش في وجع؟!
_ بالطبع لا، قلبه يؤلمه عليها في الثانيةِ ألف مرة ويزيد، فكره، عقله، وقلبه بأكمله ملكها، أسرع يركب سيارته، وأنطلق سريعًا نحو المستشفي.
لحق به الجميع، وهم يشعرون بالقلق الشديد عليها، بداية من سناء التي كانت تبكي بشدة تخشى أن يحدث لأبنة أخيها أي شئ، فريدة كانت تشعر بالحُزن لأجلها فهي ترى الحالة السيئة التي تعيش فيها آلاء، تشعر بها بشدة وكانها كانت تشعر بوجعها من قبل، ينما نهي كانت تجاهد بصعوبة بالغة؛ حتى تخفي ابتسامتها الفَرِحة، تجاهد أن تمحيها وتجعل الخوف والقلق يسيطران عليها مثل الجميع، لكن قلبها يتراقص بداخلها، وكأنها انتصرت على عدو كبير لها.
وقف عمر في الخارج معهم ينتظر خروج الطبيب الذي يقوم بفحصها وهو يشعر بالخوف الشديد، لأول مرة يخشى حدوث شئ ولكنها حياته، روحه، وقلبه، هي كل شئ بالنسبة له فإذا رحلت من الحياة، سيشعر أن الحياة بأكملها قد انتهت.
ظل يسير ذهابًا وإيابًا بقلق شديد يعصف في جميع خلاياه ينتظر خروج الطبيب من غرفتها بنفاذ صبر، عينيه معلقة فوق باب الغرفة بتوتر، يدعي ربه بألا يحدث لها اي شئ سئ.
وأخيرًا خرج الطبيب من الغرفة، يقسم عمر أنه في ذلك الوقت قد انفجرت جميع أعصابه، فهرول عمر يقترب منه، قبل أن يتحدث عمر ويسأله، كان صدح صوت الطبيب يتحدث بهدوء وعملية
:- الحمد لله، هي كويسة وحالتها مستقرة، اديناها مهدأ عشان شكلها اتعرضت لصدمة عصبية مش أكتر، حاولوا تبعدوا عنها اي حاجة ممكن تسببلها ضغط.
اومأ له عمر إلى الأمام، و هو يشعر انه كالتائه بدونها لا يعلم ماذا يفعل، و اين هو؟
عقله، وتفكيره قد شلَّ تمامًا، بالتأكيد جميع خلايا عقله أُرهقت من التفكير، والقلق عليها.
دلفوا جميعًا الغرفة؛ حتى يطمئنوا عليها، كانت لازالت نائمة فوق الفراش الخاص بالمستشفي شبه واعية، وجهها مرهق، شاحب، كان يوحد محلول معلق في يدها من الواضح على قسمات وجهها أنه يؤلمها.
اقترب عمر منها، وبدأ يمسد فوق خصلات شعرها المتناثرة على وجها بحنان وحب ثم بدأ يبعدها عن وجهها؛ حتى لا تنزعج، رفعت رأسها إلى أعلى تطالعه، ظلت تنظر إلى عينيه الواقعة في عشقهما، لا تعلم كيف ومتى شردت في عينيه؟!
تشعر أن عيناه كالمغانطيش تقوم بجذب عينيها نحوه، شعرت أن الدنيا بأكملها فد توقفت في تلك الوهلة، لم تشعر بشئ آخر سوي عينيه بلونها المميز الممزوج من اللونين، الأزرق الذي يشبه البحر في زُرقته، والأخضر الشبيه بالأشجار كالغابة، تشعر بدفء شديد يتملكها بمجرد النظر داخل عينيه فقط، حياة جديدة، وأمل يشرق بداخلها بسببه.
كان هو الآخر يبادلها نفس الشعور، يشعر بحب شديد ينبعث من عينيها، لا يصدق مدى حبه لها، إذا كان جاء شخص وأخبره أنه من الممكن أن يعشق فتاة بهذا الحد الذي يعشقها به، كان سيكذبه على الفور، لكنه احبها بشدة، يحبها بدرجة فاقت جميع الوصف، لكن بماذا يفيده الحب، وهو بنفسه مَن يقوم بتدميره؟!!
تحدثت نهي بغيظ وكره، تقطع شرودهم سويًا، وهي ترمق آلاء بنظرات حاقدة
:- عاملة إيه دلوقتي؟
كانت تضغط فوق كل حرف تتفوهه بضيق شديد.
كان صوتها كالفاصل لهما الذي أعادهما إلى الواقع، يفصل حبل افكارهما، ابتلعت آلاء تلك الغصة القوية التي تشكلت في حلقها بمرارة، تشعر أنها قد استعادت كل ما حدث معها، تذكرت ما حدث في الحفلة، لن تشعر بذاتها سوى وهي تقوم بالصراخ عليهم جميعًا بصوت عالٍ، وهي لا تشعر بذاتها تتمنى أن تنهض، و تجلبها من شعرها تضربها بغل، لكنها نفضت تلك الفكرة، وظلت تصرخ عليهم بصوتها باكمله، تريدهم أن يذهبوا ويتركونها بمفردها
:- اطلعوا برة، برة كلكم، عاوزة ابقي لوحدي.
تشنجت جميع ملامح عمر بضيق، وهو يرى هيئتها بهذا الشكل، اقترب منها يحاول أن يجعلها تهدأ، لكن ازداد صوت صرخاتها، فأسرعت الممرضة تدلف الغرفة وتقترب منها، قامت بحقنها ببعض المهدء؛ حتى تجعلها تتوقف عن الصراخ، والتفتت إليهم وجدتهم جميعهم يتطلعون نحو آلاء بقلق شديد، فتمتمت بهدوء، وارتباك بعدما لاحظت نظرات عمر الحادة
:- لو سمحت اتفضلوا برة عشان راحة المريضة.
خرج الجميع من الغرفة كما قالت الممرضة،اقترب عمر من نهى والشرر يتطاير من كلتا عينيه، قام بجذبها من زراعها بقوة شديدة يسحبها خلفه بعيد عن الجميع حتى لا يراهما أحد، وتحدث بعدها بصوت غاضب ونبرة صارمة حادة
:- مش هتقولي عملتي إيه مع آلاء وصلها للحالة دي، أنتِ اخر واحدة قابلتيها يا نهى، وكنتِ معاها دي آخر مرة هسألك فيها بعد كدة هتشوفي اللي عمرك ما تخيلتيه.
كان يتحدث وهو يضغط بفضب فوق زراعها، حتى شعرت هي انه سينكسر اسفل قبضة يده، حركت رأسها نافية، وتمتمت تجيبه بخوف وتلعثم، وهي تبتلع ريقها الجاف بقلق
:- م..معرفش يا عمر، معرفش أنا قولتلك معملتش حاجة، ولا اتكلمت معاها في أي حاجة ممكن تهدى شوية.
تلعن غباءها و تصرفها المتسرع دون تركيز، فهي قد أخبرتها عن علاقتها هي وعمر، وتركتها بعدها بمفردها تحت تأثير الصدمة، تخشى ان يتراجع عمر في قرار زواجهما.
صدح صوت عمر يرد عليها بغضب وجمود
:- اطلعي برة المستشفى، مش عاوز اشوف وشك هنا خالص يا نهى.
أسرعت تهرول نحو الخارج، تهرب منه ومن غضبه الشديد، تخشى منظره الغاضب، شعرت أنه سيقتلها بسبب الغضب الذي يوجد في عينيه؛ لذلك لم تتردد في الذهاب من المستشفى.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
كانت آلاء تجلس في غرفتها شاردة الذهن في مقابلتها لعمتها بعد خروجها من المستشفي من يومبن فقط، جاءت سناء تسألها عن أحوالها صحتها، وما الذي يزعجها؟
لكن آلاء كانت لا تعلم بماذا تجيبها، لكنها لم تستطع سوي أن ترتمي داخل حضنها، وتبكي بحزن وقهر تفرغ ما تكبته في قلبها.
بعدما انتهت من البكاء، اردفت سناء تسأل إياها باهتمان شديد، لكن آلاء كانت في حيرة كيف ستخبرها أن عمر على علاقة بنهي وسيتزوجان قريبًا كما اتفق معها؟! كيف ستخبرها أن قلبها هو سبب تعاستها؟! جميع الفتيات يتمنون أن يحبوا، لكن وضعها هي مختلف، ذلك الحب الذي تمنته هو سبب تعاستها رتمتمت تجيبها بكذب و صوت مبحوح؛ بسبب كثرة البكاء
:- عشان عمر تعبت يا عمتو أنتِ شايفة بقا يعاملني ازاي، ولا كأني غريبة لا دة بيعامل الناس الغريبة احسن مني، هو انا عملت ايه عشان يعمل فيا كل دة.
صمتت سناء ولا تعلم بماذا تجيبها، تشعر بالحزن لأجلها لم تجد أمامها سوى أن تقوم بأعطاءها بعض النصائح، وتدعو لها
:- يا حبيبتي خليكي قوية واجهي اعتبري نفسك في معركة، واستمرى عشان تكسبي حبك أنتِ عارفة أن عمر بيحبك.
اومأت لهأ بخفوت، وخرجت من بحر ذكرياتها، قطبت ما بين حاجبيها بدهشة عندما استمعت إلى دقات بابها.
قبل أن ترد بهدوء، كان عمر قد دلف الغرفة من دون أن ينتظر ردها، على الفور تبدلت جميع ملامح وجهها إلى الضيق، وتنهدت بصوت مسموع بعدما رأت عمر يقف أمامها يضع يده في جيب سترته ببرود كعادته.
أسرعت تتحدث بشراسة عندما انتظرت إياه يتحدث لمنه كان يقف على وضعه صامت لن يتحدث، يريد ان يشبع عينيه من رؤيتها
:- في إيه عاوز حاجة؟
اقترب عمر منها، جلس فوق حافة الفراش، ثم غمغم يسأل اياها بصرامة يتخللها اللين ايضًا
:- ممكن افهم بقا إيه اللي حصل، ووصلك للحالة دي في الحفلة؟
تنفست عدة مرات مُتتالية في محاولة منها أن ترتب الحديث في عقلها؛ حتى تتحدث معه بثقة ولباقة، سرعان ما اردفت تجيبه بثقة وهي تحاول أن تخفي الألم والحزن من عينيها
:- والله عاوز تعرف إيه، خلاص يا عمر أنا عرفت كل حاجة، عرفت علاقتك مع نهى يا عمر، ازاي تـ.خوني مع صاحبتي ازاي، أنتَ للدرجة دي مش بتحس بيا، ولا بتحس بأي حد غير نفسك، عمرى ما شوفت حد أناني زيك.
ظل عدة ثوان يحدقها بنظرات جامدة، زاومأ برأسه عدة مرات إلى الأمام، قبل أن يصدح صوته الحاد
:- أنا خونتك فين، هو أنتِ مراتي يا آلاء، ولا حتى خطيبتي وعرفت واحدة عليكي، أنتِ بنت خالي زيك زي نغم أختي، مش اكتر من كدة بطلي دراما واهتمي بصحتك بلاش تهمليها.
أردف جملته وخرج من الغرفة تاك إياها خلفه وهو يتوعد بضيق لنهى؛ بسبب افعالها، فهو نبه عليها ألا تخبر آلاء بشئ بينهما، هو لن يسمح أن تنهار امام احد، ولن يأتي أحد على كرامتها، لكن هذا قد حدث بالفعل، ظل يسب نهى بداخله، يقسم أنها لو كانت أمامه لكان قتلها على الفور.
بينما آلاء وقفت تطالع آثره بذهول تام، غير مصدقة حديثه لها، ورده الحاد عليها، ابتلعت تلك الغصة القوية التي تشكلت في حلقها بألم شديد يعصف في جميع خلاياها، جاهدت بصعوبة ان تمنع دموعها حتى نجحت بالفعل، وسيطرت على نوبة البكاء التي كانت تجتاحها..
❈-❈-❈
في الصباح
طلب عمر من نهى أن يقابلها في شركته، نهض عمر ما أن رآها تدلف إلى المكتب الخاص به، اقترب منها، وجذبها من زراعها خلفه بقوة، وغمغم بهدوء زائف قبل العاصفة التي سيبدأها
:- روحتي قولتي لـ آلاء أن بينا علاقة وأني بحبك، وصممتي تدخلي الحفلة في نفس الوقت اللي هدخل فيه، وأنا قولتلك الموضوع ميتقالش لمخلوق خلقه ربنا على وجه الأرض، بس طبعا نهى هانم مهتمتش بكلامي، وجيت سألتك في المستشفى وكـ.ذبتي عليا، قولتي إنك معملتيش حاجة صح؟
كان يسالها بنبرة مغزية حادة، وهو يضيق عينيه عليها، يطالعها بغضب شديد.
شعرت أن الدماء تنسحب من وجهها وجسدها بأكمله، شحب وجهها أصبح كشحوب الموتي، حاولت ان ترد عليه لكنها شعرت ان الكلمات قد هربت من عقلها، ظلت تجاهد حتى ترد عليه ونجحت بالفعل تمتمت بخفوت وتلعثم و هي لا تدرى ماذا تجيبه
:- م..ما..ا..أصل يعني..هي..أنا قولتلها تشوف يعني عشان ميبقاش في حاجة واقفة في طريقنا، وكمان عشان تفوق لنفسها يا عمر، أنتَ شوفت طريقتها عاملة ازاي معاك.
شدد من ضغطه فوق زراعها بقوة جعلتها تصرخ بألم، وهو يردف بحدة صارمة أخرستها تماما
:- نهى بلاش كذب، مش بتسمعي الكلام اللي بقوله روحتي برضو عملتي اللي في دماغك، استفدت إيه اديكي شوفتيها تعبت ازاي، لو كان جرالها حاجة أنا مكنتش هسيبك، مش أنا اللي حد يأذي أي كد من عيلتي واسكتله فاهمة.
أردف كلمته الأخيرة بصوت عالٍ أشبه بالصراخ.
صوته المرتفع. الغاضب جعلها تنتفص بخوف، وهي تأومأ له برأسها إلى الأمام وتغمغم بخفوت
:- ف..فاهمة..فاهمة يا عمر.
ترك زراعها بقوة جعلتها تعود للخلف، وتتشبت في احدي المقاعد؛ حتى لا تسقط أرضًا بسبب قوة دفعته لها.
❈-❈-❈
في المساءِ
كان جميع أفراد العائلة ماعدا عُمر يجلسون حول مائدة الطعام ينتظرون قدومه والبعض منهم يتطلع نحو الساعة الكبيرة المُعلقة على الحائطٍ في بهو الفيلا، فـهو قد تأخر اليوم على غير المألوف منه، فـدائمًا عندما يرَى نفسه سيتأخر في العمل يقوم بإخبار والدته (سناء) في الهاتف؛ كي لا يثير قلقها.
تحدثت فريدة تكسر ذلك الصمت السائد في جلستهم المملة، وتمتمت تتحدث مع آلاء بهدوء تود الإطمئنان عليها، و على صحتها خاصة بعد فقدانها لوعيها في الحفل الذي كان دون سبب مُفَسَّر بالنسبة للجميع
:- صحتك عاملة إيه دلوقتِي يا لولو؟
كانت تسألها وهي تبتسم في وجهها بلطف، وهدوء ابتسامتها الجذابة التي لم تليق سوى بها.
فـفريدة ليس مثل أي فتاة، هي القادرة على أن تبتسم، وتُخفف عن آلاء، على الرغم من الحزن الذي تشعر به في قلبها، تشعر آنين قوي يكاد يرهق قلبها، ويرهق روحها بأكملها.
ندبة قوية موجودة داخل قلبها، وتزداد مع مرور كل ثانية؛ بسبب معاملة تامر زوجها لها الذي لم تجد لها تفسير حتى الآن، لكنها لن تشتكي لأحد حزنها.
نعم هي اسم على مُسمَّى تمامًا، هي فريدة بالفعل وكل شي بها فريد حقًا، قلبها، روحها، حزنها، وضعفها الذي تخفيه بمهارة عن الجميع لأجل إسعادهم، هي فريدة الوجود، وليس الإسم فقط.
أجبرت آلاء شفتيها على رسم ابتسامة زائفة؛ حتى تُجامل إياها، وأردفت تجيبها بشرود، دون وعي لما ستتفوهه، فهي عقلها الآن لست معها نهائي عقلها شارد فيما علمته
:- الحـمد لله كويـــ...
بترت جملتها، لم تستطِع مواصلتها حديثها، لسانها يعحز عن التفوه ولـو بحرف واحد، حينما رأت عُمر وهو يدلف المنزل بخطَى ثابتة قوية لم تليق سوَى بشخصيةٍ مثله.
لكنها تجمدت في مكانها، و جميع أطراف جسدها قد توقفت، شعرت بأحد سكب عليها دلو من الماء المُثلج في البرد القارس، وجحظت عينيها بصدمة لم تستطع تحملها هي وقلبها، أدت تلك الصدمة إلى شحوب وجهها كشحوب الأموات.
شعرت أن كل شئٍ بداخلها قد توقف عن العمل، جميع أعضاء جسدها توقفت تمامًا، تشعر أن عقلها توقف عن التفكير، قلبها توقف عن النبض بداخل قفصها الصدرى، ورَوْحها قد توقفت تمامًا كالأموات، عندما رأت نهَى التي دلفت بصحبته، و مِن الواضح أنهما قد آتا معًا.
شعر الجميع بالتوجس لما يحدث، فـبالتأكيد سوف يحدث شئ ما، لم يعلمُوه ولم يستعدوا له نهائي،فالجميع بدت الصدمة على وجوههم بوضوح.
وقف عُمر أمامهم بشموخ، و وضع يديه داخل جيب سترته ببرودٍ يرتسم فوق ملامح وجهه بإتقان، بينما عينيه كانت تدور بحثًا عن معشوق قلبه، وروحه من بين الجميع حتى وجدها، و ظل يتابعها بطرف عينيه من دون أن يلاحظ أحد شئ عن حرب اشتياقه لها الدائرة بداخله، يشعر بالآلم يعتصر قلبه بسبب ما سيفعله بها، تمنى أن لم تكن موجودة في ذلك الوقت بالتحديد.
_لأول مرة يتمنى قلبه الهروب من مواجهتها، هو دائمًا يقف كالصقر يتحدث و لم يهمه شئ لكنه الآن يريد الهروب من أمامها.
توجه صوب الأمام بخطواته، ثم صدح صوته أخيرًا الذي خرج من فمه بصعوبة بالغة، و تحدث قائلًا لهم بجدية، وصرامة، وهو يقوم بفك زر بدلته الأمامي؛ ليستعد على الجلوس فوق المقعد المُخصص له حولهم على المائدة
:- ماما أنا قررت أعمل اللي نفسك فيه دايمًا، و بتحلمي بيه، أنا قررت أخطب زي ما أنتِ عاوزة، انا هخطب نهى.
ألقَى قنبلة قوية دوت تفجر عقول جميع الجالسين،
شعرت آلاء بـصدمةٍ أكبر مما كانت تتوقع، صدمة كبيرة ضخمة كانت من نصيبها، في أحلامها حتى لم تتوقع حدوثها.
إنه يتحدث الآن و يقول لهم شئ هام مثل هذا، وهو بذلك البرود و العنجهة، كأنه يخبرهم شيئًا طبيعيًا مألوفًا لدى الجميع، ابتلعت تلك الغصة القوية التي تشكلت في حلقها، ونهضت من فوق مجلسها بوهن وهي تشعر أنها قد فقدت السيطرة على ذاتها، و اجتاحها الضعف، ذلك الشعور الذي تكرهه بدا على ملامحها على غير عادتها، وقوتها الدائمة، تمتمت تحدثه بخفوتٍ، صوتها بالكاد يُستَمع ويصل إلى مسامعهم على مضض
:- م.. مبروك يا عُمر، مبروك يا صحبتي طلعتي بجد حرامية بجدارة تستاهلي اللقب يا بيبي.
لا تعلم كيف تحدثت، وكيف قد ساعدها صوتها و خرج من داخل حلقها؟!
تشعر بالإنكسار و الخذلان حقًا، أصبحت بالفعل تكره حياتها تلك التَّي تحولت و انقلبت رأسًا على عقب في وقت غير متوقع، تكره قلبها اللعين الذي يعشقه و ينبض عشقًا له.
تحدثت نهَى ترد عليها بحدة صارمة، و هي تشعر بالغيظ الشديد بسبب رد آلاء الفاتر بعض الشئ، لكنها كانت في الحقيقة تشعر بالفرح أكثر، و أكبر خاصة بعدما رأت نظرات الاء المنكسرة التي قابلتها هي بشماتة وسعادة واضحة، فرغم فتورها في الرد لكن الحزن كان يغطي كل انشٍ في وجهها
:- وآلله أنا مسرقتش حاجة من حد يا آلاء، أنتِ ليه واهمة نفسك أنه كان ليكي، وأنه بتاعك، دة حتى هو ملمحش ليكي بدة، متتخيليش كتير ومتحلميش كتير، اديني نصحتك اهه يا قللةصاحبتك، خليكي واقعية بقا، و فوقي من أوهامك الخيالية دي يا حبيبتي عشان متتعبيش زي ما حصل قبل كدة.
كانت تحدثها بشراسة بل بالأحر تهاجمها، و هي تتمنى أن يكن في يدها أن تكسرها أكثر وأكثر، لم تتردد وهلة واحدة.
بينما آلاء قامت بغرز أسنانها في شفتها بضيق، و ظلت تغرز أظافرها في باطن كفها؛ كي تقاوم رغبتها في الأنفحار باكية أمامها، لن تستسلم و تتركها تشعر بالانتصار، ستقاوم رغبتها في البكاء، لكنها كانت تشعر بشعور الإختناق يجتاح كل ذرة بداخلها..
_سيبقى للعشق لوعة خاصة تحرق قلوب العاشقين بالوجع والحزن_
يتبع