-->

الفصل الثامن - أنين وابتهاج





الفصل الثامن



إن كان للقلب الحق في التحدث،

 لكان قال لها واخبرها بالكثير عن عشقها المستحوذ على كل ذرة به

                         

❈-❈-❈


حاول عمر أن يتخطى مشاعره المضطربة التي تجتاحه ما أن يراها، ويهدأ عاصفة قلبه التي بدأت كعادته عندما يراها.


اقترب منها بخطواته، ووضع يده فوق كتفها يهز إياها برفق، حتى نجح بالفعل في إيقاظها، وقفت تطالعه باعين تملأها الدهشة والعديد من التساؤلات قد آتت إلى عقلها. 


تشعر أنها في حلم تحلم به كعادتها، فكيف قد آتي هنا في ذلك الوقت؟!


كانت تعلم أنه سيأتي إليها بالطبع؛ حتى يأخذها لكنها لم تتوقع أن ياتي بتلك السرعة، علمت أنها في واقع ليس في حلم كما كانت تظن، عندما وصل صوته الى مسامعها وهو يتحدث بنبرة حادة كعادته


:- إيه اللي عملتيه دة، بتتصرفي من دماغك ليه، ازاي تيجي تقعدي في بيت كامل لوحدك، أكيد بتهزري، أنتِ بتتصرفي من دماغك ليه، كعادتك دايما مش بتفكري في اللي بتعمليه، مش عارفة دة هيبقى صح ولا غلط. 


عقدت كلتا زراعيها أمان صدرها الذي كان يعلو ويهبط بعنف وغضب، كانت تنتظر إياه حتى ينتهِي من حديثه، ثم أردفت ترد عليه بمكر


:- هو إيه اللي ازاي اقعد في بيت كامل لوحدي، إيه العجيب والجديد في كدة أنا حياتي كلها بقت لوحدي جت على البيت مثلا، أنا قولت آجي أعيش في مكاني الطبيعي زي حياتي، متشغلش بالك أنتَ. 


رد عليها بحدة وهو يزمجر بغضب اجتاحه ما أن استمع إلى حديثها الذي اشعل النيران بداخله 


:- فين لوحدِك دي، ما احنا كلنا جنبك ومعاكي يا آلاء، ماما، تامر، فريدة، ونغم، فين اللي لوحدك بقا، ولا هي كم كلمة حفظاهم عاوزة تقوليهم وخلاص. 


_وتفتكر يا عمر هما دول بس اللي أنا عاوزاهم ومحتاجاهم جنبي في حياتي. 


غمغمت جملتها بنبرة تملأها العتاب والحزن الذي دمر أنياط قلبه، تريد أن تصل إلى غايتها. 


صمتت لوهلة ثم استردت حديثها مرة أخرى، عندما رأته أولاها ظهره حتى يتهرب منها ومن نظراتها التي ترمقه بها، يشعر بجمرات ملتهبة تزداد اشتعالا بعد جملتها؛ لذلك توجهت هي ووقفت قبالته؛ ختى تستطع مواصلة حديثها 


:- والله!! هي عمتو اللي كانت جنبي قبل كدة، آه صح اصل ماما وبابا كانوا بيطمنوا عليا لما اروح أي حتة مع تامر وفريدة مش كدة. 


اردفت جملتها الاخيرة بسخرية تامة، وقد اعتلى ثغرها ابتسامة زائفة.


تذكر على الفور حديث خاله الدائم له، كان يخبره دوما بأنه يطمئن عليها عندما تكون معه هو فقط.


قبض فوق يديه بغضب حتى ابيضت مفاصله من فرط الغضب الذي يعصف به، وصدر عنه تنهيدة حارة من داخله، قبل أن يرد عليها بصرامة و نبرة حادة، لكنها لينة بعض الشئ


:- أنا طول عمرى جنبك يا آلاء، ولحد الآن جنبك ومعاكي على طول، ولو عرفت أن حصلك حاجة بهد الكون كله مش الدنيا بس، إيه اللي جد، ولا لأتجوزك لا ابقي بتخلى عنك، أنتِ اوهمتي نفسك يا آلاء اني هتجوزك ودة مش ذنبي على فكرة، أنتِ أختي وبس زيك زي نغم، وهتفضلي اختي و عمرى ما هتخلي عنك، و هفضل برضو اهد الكون عشانك برضو. 


صرخت به بأنفعال،وغضب جم، لغت عقلها تماما، هو الآن يشكك في صحة علاقتهما، يخبرها أنه اخاها ليس أكثر، شعرت بخنجر ينغرز في قلبها، يؤلمها بشدة وكأن روحها تنسحب منها ببطء


:- والله أنتَ مش اخويا يا عمر، أنتَ كمان لو عاوز تضحك على نفسك أنتَ حر، لكن أنا لا يا عمر، أنا مش هضحك على نفسي أنتَ مش اخويا يا عمر، هو أخويا برضو يزعقلي لما كنت بقف مع اصحابي في الجامعة، ولا اخويا اللي كان يجببلي هديتي المفضلة في الفلانتين وعيد ميلادي، ولا اقولك لا فعلا اخويا هو اللي بيخرجني عشان مش مسموحلي اخرج مع اصحابي لانهم بيخرجوا مع ولاد، ولا اخويا اللي وعدني إني لما اكبر كم سنة كمان ونتجوز هيعلمني الرقص عشان نفسي حد يعلمهولي، لو شايف نفسك بعد كل دة اخويا بجد، يبقي أنتَ أعمى يا عمر، أنتَ عمرك ما اعتبرتني اختك من الأول، ولا أنا اعتبرتك اخويا، متضحكش عليا، أنتَ حر مع نفسك، بس أنا كنت بحترمك بجد ومش شايفة ان في حد زيك، طلع في أحسن منك أصلا. 


ثمتت تلتيقط أنفاسها، ثم استردت حديثها مرة أخرى بحدة وغضب أكثر، ودموعها قد انسابت فوق وجنتيها رغما عنها 


_ بعد كدة متسالنيش في أي حاجة هعملها، ولا اقررها في حياتي، لا إنك ولا اخويا، ولا أي حاجة في حياتي نهائي. 


اردفت جملتها، وصعدت مسرعة متحهة نحو غرفتها تفر من امامه قبل أن تستمع إلى رده، ثم بدأت شهقاتها تعلو، لم تنجح في كبت مشاعرها ودموعها أكثر من ذلك.


بينما هو وقف مصدوم لوهلة، وقد هاجمه كل تلك المواقف والمشاعر التي كان يكبتها دائمًا، ويجبر عقله، وقلبه على نسيانهم، لن يستطع أن يظل واقف مكانه بعدما استمع إليها و هي تغلق الباب خلفها بصوت قوي.


صعد سريعًا خلفها يحاول أن يلحق بها لكنه فشل، ظل يدق الباب خلفها، وهو يتمتم بنبرة قوية قلقة


:- آلاء افتحي يا آلاء متعصبنيش عليكي بجد، كفاية كدة


لم يستمع إلى ردها عليه، لم يصل إلى مسامعه سوى صوت شهقاتها العالية، تنهد بغضب يعصف بداخله، وهو يشعر بالعجز يجتاحه، فكرة أنه يستمع بكاءها ولم يستطع ان يجعلها تصمت، ويحقق لها ما تريه تجعله يشعر بالضعف، حزنها على حياتها التي اختلفت فجأة، تجعله عاجز لن يستطع أن يجعلها تعيش حياتها كما كانت في السابق.


تمتم بغضب يعميه عن أي شي حوله، لم يركز سوى على صوت بكاءها الذي لازال مستمر حتى الآن 


:- آلاء قسما بالله هي ثانية واحدة لو مسكتيش، وبطلتي عياط، وفتحتي الباب، مش هسيبك بجد وقسمت بالله. 


يعلم بالطبع أنها لن تستمع إلى ى حديثه، وستظل تبكي كما هي، كان سيكسر الباب، لكنه تذكر المفاتيح التي كان دائما توجد قي غرفة مكتب والدها التي تحتوي على جميع مفاتيح المنزل. 


فنزل سريعا وأحضرها، ثم بدأ يجرب إياهم حتى نجح بالفعل في فتح الباب وأخيرا.


كان سينفجر بها لكنه لم يستطع خاصة بعدما رأي هيئتها الهزيلة الباكية، عيناها الذابلة والحزن يبدو بوضوح بداخلهما.


كأن الوردة التي زرعها، وأصبح يهتم بها دائما حتى أصبحت أجمل وردة في العالم، لكنه للأسف أصبح يرسل أحد آخر غيره يهتم بتلك الوردة، وللأسف ذلك الشخص مهما فعل لم يهتم كما يهتم هو؛ فلذلك الوردة انطفأت، وبهتت. 


أغمض عيناه وضغط فوقهما بغضب شديد قبل أن يعيد فتحهما مرة أخري، وتوجه نحوها يجلس بجانبها، ثم أردف قائلا لها بنبرة حانية، عاشقة منبعثة من صميم قلبه 


:- آسف يا لولي آسف، عارف إني غلطت بس بجد مش قصدي ازعلك، اوعدك إني مش هسمح لأي حد يزعلك، ولا لنفسي اصلا، بس مش عاوزك تزعلي، ولا تعيطي طول ما أنا موجود، ماشي يا قلبي؟ 


تطلعت إليه بأمل قد دب أوصالها من جديد، وقد أشرق وجهها، فأسرعت تسأله بفرحة 


:- بجد يعني، خلاص هتسيب الزفتة نهي دي وخلاص كدة صح؟ 


طالعها بطرف عيناه، لا يعلم بماذا يرد عليها، وكيف يجيبها، لكنه تمتم يجيبها بتعقل، وهدوء


:- سيبك من كل حاجة دلوقتي، ممكن تهدي و متجبيش سيرة نهى، ولا أي حاجة ممكن. 


اومأت له برأسها إلى الأمام، وأردفت بنبرة تحمل العديد من السخرية 


:- لأ، وأنتَ بتخاف عليا اوي صح، على العموم شكرًا واتفضل امشي من هنا، عشان بحب اقعد لوحدي. 


_من امتي؟ 

سألها باستنكار تام، وهو يطالعها بنظراته الجادة التي اخترقتها. 


تنهدت بضيق، وسرعان ما هبت واقفة، ترد عليه بجمود وحدة 


:- من ساعة ما ماما وبابا ماتوا وسابوني لوحدي، وأنا حبيت القاعدة لوحدي، مش هتفرق فين، أنا حتى عندك في البيت بقعد لوحدي عادي يعني.


قبض فوق يده بقوة في محاولة منه على تهدئة ذاته؛ حتى لا ينفجر بها، ثم أردف يرد عليها بنبرة صارمة وحدة طفيفة


:- مش لما أقول كلمة المفروض تتسمع و لا إيه يا آلاء هانم؟! أنا قولت مفيش قعاد هنا لوحدك فاهمة ولا لأ؟ 


جاءت لتتحدث وترد عليه، لكنه قطعها مرة أخري يواصل حديثه بنفس النبرة الحادة


:- ومش كل كلمة يا آلاء تجيبي سيرة نهى، وجوازي منها، أنا عارف كويس أنا بعمل إيه، وياريت تخرجي من الدوامة اللي أنتِ حابسة نفسك فيها دي. 


أغمضت عينيها لثوانٍ معدودة، تحاول كبت مشاعرها الحقيقية، قبل أن تستطع أن ترد عليه بجمود 


:- ماشي يا عُمر، هخرج نفسي من الدوامة فعلا، ومش هجيب سيرة نهى ولا جوازك منها اللي معرفش سببه، لو اعرف إنك بتحبها كنت هحترم دة واسكت من الأول يا عمر، لكن أنتَ مش بتحبها يبقي هتتجوزها ليه، دة اللي كنت عاوزة اعرفه من الأول، اديني أهو بسمع كلامك، بس لو سمحت بقا أنتَ كمان ياريت تخرج نفسك من حياتي كلها، واللي فيها ومتجيش تسألني في يوم من الأيام أنا بعمل إيه، ولا ليه عملت كدة؛ لأني مش هقولك حاجة اصلًا، و اعمل اللي يعجبني، متجيش تحاكمني في أي حاجة زي ما بتعمل دايمًا و لا تقولي أي حاجة ليها علاقة بحيـ... 


قطعها بنبرة غاضبة وقد برزت عروقه بغضب ملحوظ، يشعر بنيران متأهبة تشتعل داخل عيونه، وقد بدا الغضب عليه، مما جعلها تتراجع خطوة إلى الخلف


:- يعني إيه عشان مش فاهم، هو إيه اللي مدخلش في حياتك، ولا باللي بتعمليه، يعني لما تعملي حاجة غلط اسيبك كدة عادي، مش طريقه دي قولتلك أنا زي اخوكي فاهمه ولا لأ. 


اومأت له برأسها إلى الأمام، قبل أن تردف قائلة له بجدية، وهي تعقد زراعيها أمام صدرها 


:- أيوة فاهمة، ما هو عشان أنتَ زي اخويا بقولك كدة، ماهو ياسين اخويا أهو عامل كدة، فاتفضل بقا لو سمحت عشان أنا مصدعة، وكنت نايمة، وأنتَ اللي صحيتني على فكرة. 


تنهد بضيق، وهو يجاهد أن يكبت غضبه حتى نجح بالفعل، وغمغم يرد عليها بهدوء مزيف


:- اتفصلي يا مصدعة، نروح وأنا مش هحاسبك على كلامك لأن في حاجات مينفعش تتقال، هو إيه اللي مليش دعوة بيكي، آلاء حاجة مهمة لازم تفهميها وتحطيها في عقلك، أنتِ يعني أنا، كل حاجة تخصك تخصني، ولازم تشاركيني فيها، لأن حياتك هي حياتي أنا، بعيدًا عن المشاكل والتوتر بس حياتك حياتي، ولازم أعرفها زي ما كمان، حياتي حياتك. 


لم تعلم لما لانت نبرتها، وهدأت من داخلها، لا تعلم لماذا؟!

لكنها تمتمت بصوت خافت تسال إياه 


:- بس أنتَ مش بتقولي حاجة عن حياتك، ولا بتخليني أعرف عنها حاجة يا عُمر، وكمان خلاص مبقتش حياتي اصلا. 


اقترب منها بخطواته، يقطع المسافة بينهما، وأجابها بحنو، وهو يبتسم أمام وجهها بلطفٍ


:- هعرفك طبعا يا لولي، بس مفيش حاجة مهمة تعرفيها، لو في حاجة حصلت هعرفهالك اكيد يا آلاء، انتي صحبتي وأختي وكل ما ليا، أنتِ عارفة إنك اقرب حد ليا ولقلبي في الدنيا دي، يا بنت قلبي مش بتحبيني اقولك كدة برضو. 


انهى حديثه وهو يغمز إياها باحدي عيناه، مما جعل شفتيها تنفجر بإبتسامة فرِحة كالبلهاء، جاهدت أن تمحيها لكنها فشلت في النهاية، ظلت تلعن في قلبها الذي لازال يتأثر بكلماته التي عكس افعاله تمامًا.


لا تعلم مَن تصدق قلبها الذي يحثها على تشجيع وتصديق كلماته، يذكرها بكل شي بينهما في سنواتهما الماضية، بينما عقلها ينبهها ويذكرها بكل شئ فعله في الفترة الأخيرة، وقد دارت حرب كبيرة بداخلها. 


_عندما تقوم الحرب بين العقل و القلب، بالطبع نعلم مَن سينتصر من دون تفكير، يداهمها ذكريات فترة تقارنها بذكريات سنوات متعددة، فمَن سينتصر في نهاية تلك الحرب؟_


استرد حديثه مُجددًا، بعدما لاحظ شرودها الدال على تفكيرها فيما يقوله، وفي كل شئ حدث، يعلم جيدا ما يدور داخل خاطرها الآن 


:- لما اجهز هاجي اعرفك كل حاجة وعد مني، ممكن نمشي بقا يا آلاء هانم و لا لأ؟ 


لا تعلم لماذا تجعله يسيطر عليها كليًا، يسيطر على عقلها وقلبها المتيم بعشقه، تقف أمامه كالبلهاء كالطغلة التي لا تعلم شئ، لا تعلم الصواب من الخطأ، تفعل ما يقوله لها.


تلعن ضعفها الذي يجبرها على تنفيذ ما يقوله بالرغم من عنادها ووقوفها أمامه تعارضه إلا أنه يستطع حتى الآن السيطرة عليها وعلى مشاعرها بسهولة. 


تتمنى أن تصبح أقوى من ذلك امامه، فهو ايضا يستخدم أسلاحه القوية معها؛ حتى تفعل ما يقوله، تأثيره على قلبها هو أكبر سلاح تضعف أمامه، وتنهي كل شئ تفعله، هي ليست جديدة عليه، فهو اعتاد عليها و على طريقتها معه منذُ أن كانت صغيرة؛ لذلك يحفظها بأدق تفاصيلها عن صدر رحب. 


هي جزء كبير من حياته لم يستطع التخلى عنه مهما حدث، بل هي حياته بأكملها، يشعر أنه يعيش لأجلها على الرغم من كل ما حدث، وسيحدث حتى الآن.


بينما هي كانت تجلس في سيارته صامتة، لا تعلم كيف وافقته وسارت معه هكذا، لا تعلم أين ذهبت قوتها ومخططها بمجرد أن استمعت إلى كلماته التي تطرب أذنيها، لكن لا لن تصمت، وتكن هي المنهزمة في تلك الحرب.. 

                        

❈-❈-❈



في الصباح


نزلت فريدة من غرفتها بوجه شاحب مكهفر، يبين مدي حزنها، وآلامها التي تكبتهما داخل قلبها بصمتٍ، قلبها الذي يتألم بشدة.


قررت أن تتجنب تامر تلك الفترة، لا تعلم لماذا يصر أن يحرمها من ابسط حقوقها في الحياة، كيف يطلب منها الا تنجب طفلًا يخفف عليها حياتها وعقباتها.


تشعر بالقهر يعصف بداخلها، لكنها لم تستطع أن تتحدث، هي مَن وافقت على طلبه منذُ البداية للأسف، شرد عقلها فيما حدث في أول يوم زفافهما... 

                       

❈-❈-❈


بعد انتهاء زفافهما 


دلفت الغرفة بتوتر شديد يكاد يرهق، وهي تشعر بمزيج من المشاعرٍ تختلط جميعها بداخلها، بداية من السعادة وقلبها الذي يرفرف عاليا، فهي قد احبته في تلك الفترة التي قد تم خطوبتهما بها.


لماذا لم تحبه فهو شخص كامل يتمناه اي شخص كما تمناه قلبها، ذلك الشئ الوحيد الذي لم نستطع ان نتحكم به، قلبنا ليس في يدينا ولم نستطع التحكم به، لم تنكر أيضا شعورها بالخجل والارتباك مثلها مثل أي فتاة في ذلك اليوم. 


لم تعلم لماذا لم تشعر به سعيد كما توقعت، فهو كان يقف طوال حفل الزفاف بوجه مقتضب بارد، ليس كأي انسان طبيعي من المفترض أن يكن سعيد مثلها في ذلك اليوم.


تفاجأت به يجلس أمامها، وتمتم بنبرة جافة باردة 


:- بصي يا فريدة، أنا مكنتش متوقع ولا مهيأ لحوار الجواز، بس الحمد لله تمام وبلاش شغل الأحلام بتاع البنات دة، رومانسية وحب دة كله أحلام مفيش منها في الواقع، أنتِ ليكي عندي احترامك قدام الناس دة أهم حاجة، وإني احافظ على كرامتك قدام أي حد، دة هيحصل وعد مني، الباقي بالعشرة بقا، ثانيا بقا خطوة الخلفة والحمل، أنا بجد مش مهيأ لها نهائي، فنأجلها شوية، لما نبقي احنا الاتنين كويسين وعاوزين دة. 


لم تعلن لماذا شعرت حينها أن سعادتها تنهار، توقعت عكس ذلك تمامًا، هو يوصف مشاعرها بالأحلام التي ليس لها معنى، لكنها لم تجد سوى أنها تومأ له برأسها إلى الأمام ببطء، و وهن.


ارتسم فوق شفتيها ابتسامة خافتة ضعيفة مزيفة، و من هنا قد بدأت حياتها معه التي بُنيت على تلك الطريقة القاسية نسبة لها، التي أُجبرت عليها، لكن أمامه يخبرها أنه قد تم بموافقتها، وهي من وافقته لم يجبرها، لم يعلم أن الظروف اجبرتها بالفعل ليس هو.. 


❈-❈-❈



فاقت من شرودها، ودوامة افكارها المستحوذة على عقلها، على صوت نغم التي أردفت قائلة لوالدتها بنبرة ساخرة 


:- اهي يا ماما السنيورة والفراشة الطايرة فوق في اوضتها، كان شو بتعمله علينا، مستنية عمر يجيبها مش أكتر، أنتِ اللي زعلتي امبارح على الفاضي. 


تنهدت سناء تنهيدة حارة بقلة حيلة، وأردفت قائلة لها بضيق 


:- بس يا نغم بقا، طلعي آلاء من دماغك كفاية اللي هي في، وشافته لغاية دلوقتي، اطلعي يا فريدة شوفيها مالها معلش يا حبيبتي بتعبك. 


اومأت لها فريدة برأسها إلى الأمام وبالفعل صعدت فوق الدرج متوجهة نحو غرفة آلاء، وجدتها تجلس أمام اللاب توب الخاص بها، تبحث فيه عن شئٍ ما.


وضعت يدها فوق كتفها تهز إياها برفق؛ حتى تلفت انتباهها حتى نجحت بالفعل في ذلك، تمتمت آلاء قائلة لها نبرة حانية، وقد اعتلى ثغرها ابتسامه هادئة تزين إياه 


:- إيه يا ديدا تعالي اقعدي يا حبيبتي، مال شكلك. 


اشارت لها بيدها نحو الفراش لتجلس عليه. 


جلست فريدة بالفعل، وأردفت تخبرها بهدوء 


:- طنط سناء بتقولك انزلي اقعدي معاها تحت، بدل ما أنتِ قاعدة لوحدك. 


اومأت لها آلاء إلى الأمام، بينما استعدت فريدة للنهوض حتى تخرج من الغرفة و تنزل لأسفل كما كانت.


قبل أن تنهض قبصت آلاء فوق كفها بهدوء، أردفت تسألها بإهتمام، خاصة بعدما رأت حالتها الحزينة ووجهها الشاحب بشدة


:- في إيه أنتِ يا ديدا، مالك يا حبيبتي إيه مزعلك ومضايقك كدة قوليلي. 


شعرت فريدة حينها ببعضٍ من التوتر يجتاحها، لا تعلم أتخبرها بما يدور بداخلها أم لا؟ تصمت وتظل تكبت الآمها، وأحزانها بداخلها كما طلب منها تامر، قد نبه عليها اكثر من مرة ألا تخبر أحد شئ عن حياتهما ابدًا.


لكنها تشعر بنفاذ طاقتها، قوتها الزائفة كأنثي التي تحاول إظهارها قد انتهت، ازداد ضعفها وتضاعف بداخلها، أصبحت حياتها أشبه بلوحة قد مُحِيَّ منها جميع الالوان ليحل محلها اللون الأسود القاتم، بالرغم من انها تعلم أن سردها لـ آلاء لن يفيدها بشي، ولن يمحي ذلك اللون الاسود الذي ملأ حياتها، لكنه من الممكن أن يريحها ويخفف عن الآمها، دخلت في حيرة ومأزق لا تعلم متى ستخرج منه، هل تخبر الاء بما يحدث معها أم لا؟! 


_كُتب الوجع على قلبها؛ لذلك نحتاج إلى نصفنا الآخر ليخفف عنا الوجع، لكن ماذا لو أن نصفنا الآخر هو سبب الوجع_

         

يُتبع