الفصل التاسع - أنين وابتهاج
الفصل التاسع
يوجد في الحب آلم ووجع يدفعنا لخوض حرب كبيرة؛
حتى نقف في النهاية منتصرين ويستحق الحب قلوبنا
❈-❈-❈
وأخيرًا بعد وقت من الصمت والحيرة التي تسيطر على فريدة، قررت أن تتحدث لعلها تهدأ قليلا، خرج صوتها مهزوزًا ضعيفًا خافتًا، يعبر عن مدى حالتها وما تشعر به فب داخلها
:- م.. ما هو أصل بصراحة يا آلاء، هو يعني أنا، أيوة أنا بفكر في الحوار الخلفة، ونفسي أوي ابقي أم واشيل بيبي، ومسؤولية ويقولي ماما، أنتِ فاهماني يا آلاء مشاعري زي أي واحدة.
اردفت جملتها الأخيرة والدموع اجتمعت داخل ملقتيها، كامت تتحدث بوهن وخفوت شديد لا يصل الى مسامع أحد لكنها نبرتها كانت تعكس كم القهر والحزن اللذان في قلبها المجروح..
ابتسمت آلاء في وجهها بهدوء، في محاولة منها على ان تجعلها تتطمئن، وربتت فوق كفها بحنو، ثم تحدثت بمرح؛ لعلها تخفف عنها
:- بس بقا يا ديدا، قلقتيمي بجد عليكي أنا قولت فيكي حاجة يا شيخة، محسساني إنك متحوزة بقالك قرن، لسة يا حبيبتي انتوا مكملتوش حاجة، لما ربنا يريد هيرزقكم بإذن الله أنا واثقة بس انتي متتعبيش من التربية، وتعيطي فالآخر.
أغمضت عيناها بألم، وقد سالت دموعها فوف وجنتيها بغزارة، وردت تجيبها بصوت متحشرج باكي
:- هيرزقنا ازاي يا آلاء، وأحنا اللي مانعين دة بإيدينا، تامر مخليني اخد حبوب منع الحمل، وأنا بجد تعبت كلمته، وفاتحته راح واخدني على قد عقلي، وأنا خايفة اوقفها وأخد قرار كبير زي دة لوحدي، هو بيعمل معايا كدة ليه يا آلاء فهميني عشان خاطري.
قالت جملتها الأخيرة برجاء وحزن شديد يتوغل في قلبها..
جحظت عيني آلاء بصدمة، وقفت تحاول أن تستوعب ما تسمعه للتو، لكنها لم تستطع، تعلم أن تامر كان مُجبر على تلك الزيجة، لكنها لم تتخيل أن يصل به الأمر إلى هذا الحد، لا تعلم لماذا أصرت عمتها على رفض زواجه من الفتاة الذي كان يتمنى الزواج بها، وعمر حينها فضَّل ألا يتدخل في ذلك الأمر بالتحديد؛ حتى لا تتوتر علاقته بشقيقه.
لكنها ترى فريدة ليست بشخصية وطباع سيئة؛ حتى يحدث لها كل ذلك، ويعاملها تامر بتلك الطريقة القاسية.
هو يصب كل غضبه من الجميع بها هي التي لم تفعل له شئ قط، قامت الاء بإحتضانها بأسف، ثم تحدثت ترد عليها بحزن، وأسى
:- معلش يا حبيبتي، بإذن الله ربنا هيعمل اللي عاوزه، أنتِ عارفة تامر عادي يعني، و هو تلاقيه خايف من المسؤولية وكدة مش عاوزاكي تزعلي ماشي يا حبيبتي.
أومأت لها برأسها بشرود وحزن، وهي لازالت تشعر بخنجر قوي يغرز داخل قلبها يجعله ينزف بغزارة.
تلك هي الأنثى ضعيفة كل الضعف كالهشة، بل أضعف الخلق على الإطلاق، وتخفي ذلك الضعف تحت شعار القوة والكبرياء، تحتاج دائمًا إلى مَن يسندها ويقويها، مَن يمتص ضعفها، كم تتمنى أن يكن زوجها هو ذلك الشخص تشعر بجرحٍ كبير، عميق داخل قلبها، حتى الآن لم تنجح في شفاءه، تعلم أنه سيظل تاركًا ندبة كبيرة في قلبها؛ لتؤلمها دائما؛ حتى تجعلها تظل متذكرة ذلك الجرح، و لن تنساه..
❈-❈-❈
في المساء
توجهت آلاء نحو المكتب حيث يقطن تامر، وجدته يجلس أمام الحاسوب الخاص به، منهمك في العمل، تمتمت بمرح، و هي تقطب جبينها بدهشة
:- إيه دة هو أنا دخلت عند حد غلط و لا إيه، من امتى وأنتَ بتقعد تشتغل وتحب الشغل، فين تامر اللي كان بيشتغل بالعافية، ومقضيها خروج.
ابتسم في وجهها ابتسامة خفيفة رجولية زينت محياه، قبل أن يتنهد بلوعة، وهو يجيبها بشرود، أسَى
:- خلاص بقا يا آلاء ما اللي كنت بشاركها كل دة خلاص، حاسس أن حياتي مبقاش ليها طعم.
ابتلعت ريقها بتوتر، و هي تشعر بجرح كبير يفتح في قلبها أثر حديثه، لكنها حاولت أن تتحدث بتعقل ومرح زائف
:- إيه يا تامر، يخربيت الحزن يا جدع، حياتك إيه اللي ملهاش طعم، امال أنا اللي ماما ماتت، و مكملش حاجة وبابا حصلها وسابوني هما الأتنين، أقول إيه بقا، بعدين ما فربدة أهي موجودة تقدر تشاركها كل حاجة، وبتحبك ومستعدة تستحمل أي حاجو عشان سعادتك، و بكرة تجيبوا بيبي وتلاقي حياتك وقتها.
عن أي حزن يتحدث هو، هي آلامها وأحزانها تتضاعف مع حزنه بالفعل، تشعر بنيران الفراق التي تشتعل بداخلها، يكذب مَن يقول أنه يستطع نسيان مَن يحب مع الوقت، فبالرغم من مرور السنوات سيظل الفراق تاركًا ندبة كبيرة لن تُمحي حتى النهاية..
_بس مبحبهاش يا آلاء، فريدة كويسة وجميلة، وحاجة عظيمة فعلًا، بس هي مش بسملة.
اجابها بلوعة وحزن مرير، وهو يشعر بنيران الإشتياق تحرق قلبه..
قبضت فوق يدها بقوة، وهي تتمنى أن تقوم و تضربه في ذلك الوقت، لا تعلم كيف نجحت في تهدئة ذاتها؟!.
أردفت تحدثه بهدوء نسبي تتظاهر به، على عكس ما بداخلها
:- أنتَ ليه بتتكلم كإن بسملة دي مفيش غيرها في العالم، بص كدة و افتكر بسملة قدمتلك إيه، أنتَ اللي كنت دايما بتقدملها كل حاجة، كانت بتعاملك على إنك بنك أو حاجة سحرية بتحققلها أمانيها، لكن صدقني مكانتش بتحبك، أنا بنت وبفهم كويس، لكن شوف فريدة على الرغم من إنك مقدمتلهاش حاجة ولا عملت حاجة ليها تبهرها وتحسسها بنفسها، إلا إنها بتحبك أوي، ومستعدة تضحي بكل حاجة عشان خاطرك، وبكرة تكونلك عيلة جميلة وأطفال.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة مغزية..
_استحالة اكوِّن عيلة أنا وفريدة، أنا مش ظالم للدرجة دي، كفاية فريدة اللي ظلمتها معايا، مش هظلم ولادنا كمان.
رد يجيبها برفض حازم وصوت مهزوز.
نهضت آلاء من فوق مقعدها، وتحدثت بإنفعال، وضيق
:- أنتَ ليه مش عاوز تفهم بجد إنك بتوقف حياتك وحياة فريدة على الفاضي، طول ما أنتَ بتقنع نفسك بإنك مش بتحبها ولسة بتحب البنت التانية دي، وفي الحقيقة أنتَ بتوهم نفسك بالحب، لو شلت فكرة بسملة دي من دماغك، هتلاقي نفسك اكتشفت حب فريدة، أنتَ عامل زي أخوك بجد هو بيعمل نفس اللي بتعمله رايح يجيبلي سلعوة، ويقول عليها قال ايه خطيبته، خطبه عقرب يعني.
ضحك بصوت مسموع على حديثها الأخير، وهو يحرِّك رأسه يمينا ويسارا قبل أن يتحدث بصوت هادئ
:- الصراحة يا آلاء أنتِ اللي ادتيله الفرصة، محدش كان بيحبها نهائي، أنتِ اللي كنتي لازقاها فيكي على طول، واحنا في وقت مفيهوش صحاب زيك كدة، بس ربنا يسعده معاها لو سعادته معاها، و انتِ ربنا يسعدك برضو.
رفعت شفتها إلى أعلى بعدم رضا، ورفض لحديثه الذي به جزء صحيحًا بالفعل، فالآن نحن في زمن من الصعب وجود صديق يحبك كأنك أخت أو أخ له، فمَن يجد شخص كذلك يعلم أنه لديه حظ جيد في الحياة.
وجود شخص يشاركك كل فترة تمر بها في حياتك، يخفف عنك الآمك وحزنك ذلك انتصار كبير في الحياة، بينما هي فقد خُذِلَت من جميع الانحاء من صديقتها التي كانت تعتبرها كشقيقتها، عُمر الذي كان يعتبر كل حياتها، دخل حبه إليها منذُ صغرها، وترعرع بين ثنايا قلبها، شقيقها الذي خذلها وتخلى عنها تاركا اياها ما أن توفي والديهما.
أغمضت عينيها بحزن وقد سالت دموعها فوق وجنتها دمعة حزينة تعبر عن مدى شعور قلبها وخذلانها، نهضت من فوق مقعدها متجهة نحو الخارج، لكن قبل أن تخرج تمتمت قائلة له بنبرة حزينة واهنة
:- فكر في كلامي يا تامر، محدش يستاهل توقف حياتك، وتخسر فريدة مراتك اللي حقيقي مفيش زيها، أنا حذرتك لأني بعتبرك زي أخويا.
اردفت جملتها، وخرجت تاركة إياه يفكر في حديثها.
في ذلك الوقت كان عمر يدلف المنزل، تفاجأ عندما رآها بتلك الحالة، فقد كان وجهها شاحب كشحوب الموتى، وآثار دموعها التي سالت بصمت واضحة لم تجف حتى الآن، كان يجاهد في محاربة قلبه واشتياقه لها الذي يدفعه على التوجه نحوها فهو في تلك اليومان لم يراها، لكنه فشل في تلك الحرب، عندما يكن حبها هو الطرف الذي سيحاربه يهزم دون مجهود، حبه لها أقوى، وأكثر من اي شئ بداخله يفعله.
توجه بالفعل بخطواته نحوها وهو يردف بأسمها؛ حتى يستوقفها، لم تستطع هي الأخرى أن تتاجهله وتدَّعي أنها لم تستمع إليه، فهي تشتاق إليه وبشدة، عقدت زراعيها أمام صدرها، و تطلعت نحوه مدعية الغضب، والضيق.
غمغم يسأل إياها و هو يتجاهل غضبها البادي على وجهها كأنه لم يراه من الأساس مما آثار حنقها
:- في إيه مالك، إيه اللي معيطك كدة.
تأفأفت عدة مرات قبل أن تجيبه بحدة، وإقتضاب
:- مفيش.
ثم رفعت سبابتها أمام وجهه، وأكملت حديثها بنفس ذات النبرة الغاضبة
:- و قولتلك قبل كدة لو تفتكر إنك ملكش دعوة بيا خالص، ولا بأي حاجة تخصني، لو بموت متدخلش سيبني اموت عادي اهو على الأقل ارتاح، بلاش شغل الحنية الزايدة بتاعتك دي، يكشي اموت و ارت..
قطعها مسرعًا بلهفة، وهو يتمنى أن يضمها داخل حضنه ويدخلها بين ثناياه
:- بعد الشر عنك متقوليش كدة تاني، وقولتلك قبل كدة واهو هعيدها تاني، أنتِ يعني أنا يا آلاء، يعني لو موتي هموت قبلك، روحك متعلقة بروحي مهما حصل وهيحصل، هتفضلي أنتِ أنا، وأنا أنتِ.
تحولت نبرته الحانية إلى أخرى متسائلة
:- ها بقا إيه اللي مزعلك؟
لوت شفتها بتهكم، وتمتمت تجيبه بسخرية لازعة
:- يهمك أوي مثلا.
ما أن انهت جملتها حتى صعدت فوق الدرج الموصل إلى غرفتها، تاركة إياه يقف خلفها يتطلع نحوها بضيق، و هو يشعر بنيران تشتعل بداخله، صعد هو الاخر نحو غرفته بوجه مكهفر يبدو عليه الغضب، لايعلم كيف منع ذاته من ألا يلحق بها؛ ويعلم سبب حزنها الآن..
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع
في منتصف الليل دلف عمر الغرفة الخاصة بـ آلاء خاصة بعدما استمع إلى صوتها يصدح من داخل الغرفة، كأنها تتحدث مع شخص ما، سرعان ما وقع عيناه فوق الفراش التي كانت تجلس عليه تضع السماعات في اذنيها، وتستمع من الواضح إلى احدي الأغاني، رأته و واصلت ما كانت تفعله كانها لم تراه، كان شي شفاف لا يري يقف امامها تنهد بغيظ و قامت بجذب السماعات من داخل اذنيها و هو يغمغم يسأل أياها بعصبية و ضيق
:- ممكن افهم صاحية لغايه دلوقتي، وحطة الزفت دة بليل ليه مش لما بتعملي كدة بتصحي الصبح مصدعة و دماغك وجعاكي.
رفعت كتفيها إلى أعلى بلا مبالاه، و هي تعلم أنها قد نجحت في اثارة غيظه و حنقه لكنها تمتمت ببرود
:- أنا حرة يكشي دماغي تفرقع لما تبقى دماغك ابقى اتكلم أنت، بعدين انا بحب اسمع اغاني وأخيرا تامر عاشور نزل البومه الجديد، مش مصدقة كنت مستنياه بفارغ الصبر، احساسه روعة، وصوته بجد بيوصفني من جوة.
تنفس بصوت مسموع و هو يجاهد كبت غضبه منها؛ كي لا ينفجر بها، وتمتم ببطء و هو يضغط فوق كل كلمة يتفوهها
:- ايوة قولتيلي بقا، البوم تامر عاشور، هو انا مش قولت منتنيلش نسمع اغاني ليه تاني، هو ايه اللي احساسه روعة، بيوصف ايه جواكي بلاش افورة و زفت.
اردف كلماته الأخيرة بغيرة لم ينجح في اخفاءها او التحكم بها.
ضمت كلتا شفتيها الى الأمام بتذمر، و هي تمتمت قائلة له بنبرة باردة، جافة، و هي تتطالعه بانتصار تعلم انها قد وصلت اليه
:- ايوة احساسه حلو و بيتكلم عن الناس الحزينة و اللي اتخانت برضو زيي، و الاول كنت بسمع كلامك عشان في مبرر انك غيران دلوقتي ايه، اقولك روح زعق لنهي عشان هي بتحب مغني برضو و غير عليها هي كمان.
صاح بها غاضبًا، ينهر إياها، و هو يشعر انه قد فقد سيطرته على ذاته امامها
:- أنا مالي ولا نهي و لا زفت يكشي تحب العفريت الازرق لكن انتي تحبي بتاع ايه، يلا نامي يا الاء نامي احسنلك عشان متعصبش اكتر من كدة.
هبت واقفة من فوق الفراش، و هي تغمغم بعصبية
:- هو ايه اللي احب بتاع ايه انت مالك بيا، مش انا قولتلك انا حرة فلو سمحت متتدخلش في حاج..
قطعها بغضب و ضيق و الشرر يتطاير من عينيه
:-الاء احترمي نفسك بلا حب بلا زفت، و اتفضلي نامي الوقت اتأخر.
شعرت بغضبه بالفعل لذلك اومأت له برأسها و عادت تجلس فوق الفراش لكن قبل ان يخرج من الغرفة اردفت تسأل اياه
:- انت كنت برة لغوية دلوقتي بتعمل ايه خرجت فين؟
ابتسم على طريقة سؤالها الغير مباشر، لكنه اجابها بهدوء
:- لا كان في شغل متراكم عليا لازم يخلص قعدت خلصته، و الوقت سرقني محستش بنفسي.
اومأت له برأسها و توجه هو الاخر نحو الباب لكنه قبل ان يخرج اردف قائلا لهة تحذير، و نيران الغيرة تشتعل بداخله
:- الاء نامي بلا اغاني بلا هباب ماشي.
همهمت مجيبه إياه باعين ناعسة بالفعل، فهي كانت ستنام لكنها ظلت جالسة تنتظر اياه مثل كل يوم، وهي تشعر بالغضب، تظن انه كان مع نهي كل ذلك الوقت، اصبحت تشعر انها تكره ذلك الحب الذي تحبه بها، تحبه بكل ما لديها من مشاعر، حب صادق نفي ترعرع و كبر منذ زمن لكنها الان لم تلقي من هذا الحب سوى الحزن و الصدمات التي تكسرها بالفعل.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
دلف تامر الغرفة الخاصة به هو و فريدة في وقت متأخر عن عمد و هو يتوقع أنها قد نامت في ذلك الوقت لكنه تفاجأ بها انها مازالت حتى الان لم تنام عقد حاجييه بدهشة و أردف يسأل إياها بهدوء
:- ايه دة يا فريدة انتي ايه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي و قاعدة لوحدك ليه، قدرى مكنتش رجعت من فرنسا انهاردة، ادخلي نامي.
اجابته بنبرة ضعيفة، مهزوزة واهنة و هي تجاهد ان تكبت دموعها فبعد ان فاتحته في الحوار و انها تتمنى ان تصبح أمًا، و هو قد سافر الى فرنسا بحجة العمل في صفقة مهمة، لكنها كانت تعلم أنه قد اخذها حجة للهروب بعيد عنها، غير عابئا بمشاعرها، و انكسارها، و ضعفها الذي تضاعف عن السابق
:- انا كدة كدة بخاف انام بليل لوحدي يا تامر بستنى الصبح يطلع و انام على طول بعمل كدة طول ما انت بتسافر.
بالفعل منذ ان كانت صغيرة و هي تخشي النوم في المساء خاصة بعدما فقدت شقيقتها في ذلك الوقت تحديدًا عندما كانت صغيرة، لم تنجح حتى الان كي تتخطي ذلك الشئ.
لا يعلم لماذا قد شعر بالذنب و الندم يتآكله خاصة بعدما راي حالتها تلك المرة التي تختلف عن كل مرة سابقة فقد كانت حزينة الوجه ملامحها يبدو عليها الحزن بإتقان، وصدق عينيها ذابلة كذبول الورود، لا يعلم لما قد حالَ بخاطره صورتها في يوم زفافهم عينيها اللتان كانا يلعمان بسعادة واضحة ابتسامتها التي كانت دائمًا تبتسمها، كل شئ بها و بملامحها كان يعبر عن سعادتها، بينما هي الان كل شي بها يعبر عن حزنها، و حياتها التي لم تتذكر انها قد رأت بها يومًا يسعدها، و اخيرًا قد نهي ذلك الصراح و الحرب مع ذاته و اردف قائلًا لها بهدوء نسبي و هو يشير لها بيده نحو الفراش
:- طب نامي و انا هغير و اخد دوش و اجي أنام جمبك متخافيش انا موجود يعني انتِ مش في الاوضة لوحدك.
كم كانت تتمنى ان تصرخ به و تخبره في ذلك الوقت انها اصبحت تخشي من وجوده كما تخشي من عدم وجوده، اصبحت تشعر بعدم الامان، الراحة، و الطمانينة كما كانت تشعر بهم معه من قبل، كم هو مؤلم ذلك الشعور فعندما يتحول من نحب من شخص نجد عنده اماننا الى شخص اخر نخاف من تصرفاته؛ كي نحمي منه امامنا.
بالفعل هذا ما تشعر به لذلك لم تستطع ان تنم على الرغم من معرفتها بوجوده معها.
بعد مرور بعض الوقت خرج من المرحاض الخاص بغرفته بعدما انتهى لكنه قطب ما بين جبينه باستغراب ملحوظ عندما وجدها مازالت تجلس مستيقظة لم تنم سألها بدهشة تملأ صوته
:- ايه دة انتي لسة صاحية منمتيش ليه زي ما قولتلك عشان ترتاحي.
ابتلعت ريقها الجاف بتوتر، و هي تشعر ان صوتها قد انحسر عن الحديث جاهدت ان تسعف ذاتها كي تتحدث حتى نجحت اخيرا، و قد خرج صوتها و هي تجيبه بهدوء
:- مفيش انا مرتاحة هستنى لما النور يطلع و هنام زي ما قولت.
رد عليها يسأل إياها بعدم فهم، و هو يجهل عن تفسير اصرارها على البقاء مستيقظة
:- دة ليه مانا موجود خلاص لما ابقي مش موجود ابقي اف..
قطعته بضيق، و قد تحشرج صوتها في دلالة على انها على وشك الانفجار في دوامة من البكاء في اية لحظة
:- و انا لسه هستنى اما تبقي موجود أو لا انا خلاص بتعود على عدم وجودك يا تامر زي ما ممكن في مرة هتلاقيني اتعودت على اني اخرجك من حياتي و وقتها هيكون في طريق واحد قدامنا و اعتقد انه هيريحك و هيريحني بس انا طبعي كدة بستحمل كل حاجة مهما انضغطت و بستنى اما الرصيد عندي ينفذ خالص بقا عشان لما اخد خطوة الابتعاد مرجعش تاني.
صاح بها غاضبًا بنبرة حادة قاسية، و هو يمتنع عن تصديق تلك الفكرة تحديدًا
:- فريدة خدي بالك من كلامك و اعرفي بتتكلمى مع مين لان شايف في كلامك نبرة تهديد.
اشاحت بصرها على الجهة الاخري و اجابته بنبرة هادئة لم تخلو من الحزن
:- انا مهددتكش و لا حاجة كل اللي بقوله اني قررت اعتمد على نفسي شوية أنت اللي فهمتني غلط.
أومأ لها براسه و قام بغلق الضوء و تمدد فوق الفراش استعدادًا للنوم و هو يردف قائلا لها بسخرية
:- انا هنام خليكي انتي قاعدة او اقولك اقفي في الشباك عدي النجوم لغاية ما الصبح يطلع، الاء في وقت فراغها كانت بتعمل كدة ابقي خليها تعلمك اهو تقضي وقتك.
تأفأفت عدة مرات بضيق اثر سخريته الواضحة عليها، قبل ان تردف قائلة له بتذمر
:- لو سمحت ملكش دعوة ب..
قطعت جملتها صارخة يخضة عندما وجدته يجذبها من زراعها بقوة منا جعلها تقع فوقه و اردف قائلا لها بنبرة حانية
:- نامي يا ديدا نامي
اومات له براسها الى الامام و قد هدأ جسدها الذي كان يرتجف بتوتر و خوف و بالفعل تمددت بجانبه احاطها بزراعه بحنو و هو يتمتم بهمس امام وجهها و نبرة حانية منخفضة
:- اسف يا ديدا متزعليش اوعدك هقلل سفري عشان خاطرك.
سرعان ما اعتلى ثغرها ابتسامة هادئة فرحة اثر حديثه الحانى معها الذي لم تعتاد عليه هكذا، شعرت و كانها كالطيور تطير و ترفرف باجنحتها عاليًا، بالفعل تشعر بسعادة تعجز بشدة عن وصفها، تتمتى ان تنشرها للجميع، لم تتذكر متي اخر مرة ينام معها بتلك الطريقة الهادئة.
يُتبع