-->

الفصل العاشر - آنين وابتهاج





الفصل العاشر


ليس قلوبنا بيدينا، حينها كنا سنخبرها مَن تحب؟ ومتى تحب،  و كيف تتخلى عن هذا الحب؟


❈-❈-❈

     

تحدثت سناء مع آلاء بحنو وإبتسماتها الهادئة تعلو ثغرها 


:- إيه يا حبيبتي مش هتيجي معايا الجمعية بتاعت التبرع زي كل شهر و لا إيه،  شكلك مش فاكرة اننا هنروح انهاردة. 


اغنضت كلتا عينيها ضاغطة فوقهما بقوة لثوان معدودة، قبل أن تعيد فتحهما مرة أخري،  وهي تضرب فوق جبهتها بخفة، وتمتمت بعفوية كعادتها


:- إيه دة بجد مش مصدقة، معلش يا عمتو، كويس انك فكرتيني كنت ناسية خالص،  هقوم البس واتصل قبل ما ننزل على عُـ... 


قطعت جملتها سريعًا، وهي تلعن ذاتها عما كانت ستتفوه  به، هي حتى الآن لم تستطع أن تعتاد على عدم وجوده في حياتها. 


هي عاشت طوال عمرها وحياتها السابقة معتمدة عليه في كل شئ، تخبره بكل ما يحدث في حياتها، وتفعل ما يقترحه عليها دون تردد؛ لانها تثق به، لكن الآن قد اختلف الوضع عن السابق كثيرًا، لا تعلم اتستسلم وتتتركه يتزوج من نهى، أم تحارب لتنقذ حب حياتها؟!


تشعر أنها قد سقطت في مأزق ولا تعلم كيف ستخرج منه، أو ماذا ستختار؟


خرجت من ضجيج أفكارها المسيطرة عليها دائمًا، أستمعت إلى صوت سناء، وهي تتمتم بهدوء 


:- هقوم أنا اتصل بـ عمر أقوله عشان ميقلقش علينا أنتِ عارفاه. 


:- لأ يا عمتو عشات خاطري. 


سرعان ما أردفت تمنعها من الأتصال به، وهي تحرك رأسها يمينًا ويسارًا برفض. 


اومأت لها سناء إلى الأمام ولم تعقب على حديثها بشئ،  فهي لم تستطع أن تجبرها على شئ، خاصة بعد فعلة عمر معها تشعر بالشفقة، والحزن لأجلها، لم تفهم لماذا فعل عمر ذلك بها؟! 

فكل ما يحدث لم تتوقعه بأحلامها في يوم من الأيام. 


بعد مرور بعض الوقت 


انتهت آلاء من إعداد ذاتها ثم نزلت إلى اسفل حيث تجلس سناء تنتظرها، وسارت معها كما اعتادوا سويا. 


عاد عمر من عمله، ودلف الفيلا وهو يشعر بالدهشة، عندما لم يجد والدته في إستقباله كما تجلس دائمًا


غمغم بجدية وخشونة يسأل نغم التي كانت جالسة تعبث بهاتفها 


:- هي فين ماما يا نغم مش شايفها يعني؟ 


إبتسامة خبيثة اعتلت فوق ثغرها ما أن طرح سؤاله، علمت على الفور ان والدته أنصاعت لطلب آلاء ولم تتصل تخبره بأمر ذهابها؛ لذلك أردفت تجيبه بنبرة ماكرة 


:- إيه دة أنتَ متعرفش، غريبة دي ماما مش بتمشي غير لما تقولك، ممكن تكون سمعت كلام آلاء بقا أنتَ عار.. 


قطع ثرثرتها بنبرة حادة ونفاذ صبر، وقد بدا الغضب يتسرب إليه 


:- وهي آلاء راحت فين هي كمان، اخلصي يا نغم وردي على قد السؤال. 


أومأت له إلى الأمام، ثم ردت تجيبه بخبث ومكر 


:- دي راحت هي وماما للتبرع بتاع كل شهر، بس هي  قالت لماما قبل ما يمشوا متتصلش بيك. 


قبض فوق يده بغضب حتى ابيضت مفاصلة، يجاهد أن يتحكم في غضبه، ويهدأ من روعته، أسرع يخرج هاتفه من جيب سترته وقام بالأتصال على والدته، وهو يشعر بنيران متأهبة مشتعلة بداخله، براثين من الغضب تجتاحه. 


كان في ذلك الوقت، تجلس آلاء بجانب عمتها في السيارة في طريقهم نحو المنزل، أردفت آلاء بهدوء ومكر أنثوي، بعدما رأت اسم عُمر ينير شاشة هاتفها 


:- سيبيه يا عمتو مترديش عليه. 


لم تؤيد سناء فكرتها، وتمتمت في قلق من ردة فعله 


:- بدل ما يقلق على الفاضي يا حبيبتي، هرد اقوله احنا فين وبس متخافيش مفيش حاجة. 


رفعت كتفيها إلى أعلى بلا مبالاه، وتمتمت ترد عليها ببرود 


:- أنا مش قلقانة، أنا بقولك بس سببيه يرن ومترديش، بليز يا عمتو عشان خاطري.

قالت جملتها الأخيرة برجاء. 


استمعت إلى حديثها، وتركته يتصل دون جدوى.


بينما عمر شعر بغضبه يزداد، سينفجر في أي وهلة، لا يعلم كيف والدته تستمع إلى حديث آلاء هكذا، وتتركه في قلق.


وجه بصره نحو نغم مرة أخري التي كانت تجاهد كبت بسمتها بعدما رأت غضبه الواضح فوق قسمات وجهه، وغمغم يسأل إياها بجدية وصرامة كعاته


:- خدوا معاهم حد من الحراسة اللي برة و لا لأ؟ 


اعتلى ثغرها نصف ابتسامة خبيثة، وهي تري غضبه الذي يزداد، وجسده المتشنج، لكنها سرعان ما اخفت كل ذلك ببراعة، وردت أجابته بمكر 


:- مش عارفة بس لأ تقريبا؛ لأن آلاء قالت ملوش داعي وبتتوتر منهم. 


تنهد عدة مرات متتالية بغضب شديد، لم يرَ سوى أنه يجلس ينتظرهما حتى، وهو يتوعد لـ آلاء بغضب شديد. 


❈-❈-❈

بعد مرور بعض الوقت


دلفت سناء بصحبة آلاء إلى المنزل، كانت تشعر بالتوتر والتوجس لما سيحدث، تخشي رد فعل ابنها فهو قد عاد اتصاله عليهما عدة مرات.


بينما آلاء كانت مدعية اللا مبالاه، والبرود فوق ملامح وجهها، نهض سريعا من فوق مجلسه ما ان وقع بصره عليهما، وتوجه نحوهما سريعًا، و اردف قائلا لوالدته بنبرة جادة، والغضب بادي عليه بإتقان


:- كنتوا فين يا ماما؟ 


أردفت تجيبه بهدوء وثبات، وهي تدعي سرًا ألا يتحدث مع آلاء 


:- كنا في الجمعية، زي كل شهر يا حبيبي. 


_و طالما زي كل شهر، مقولتوش ليه زي كل مرة؟


اردف سؤاله بنبرة جامدة حادة تعكس مدى الغضب الذي يشعر به، وثبت بصره ونظراته الغاضبو نحو آلاء تحديدًا، كانت تشعر عينيه كالسهام المتلهبة التي تحرقها؛ لذلك أردفت بتوتر، ونبرة خافتة، وهي تحاول أن تتهرب من نظراته، لا تعلم لماذا هو بالتحديد الذي تخشى رد فعله على الرغم من كل ما حدثة


:- عن إذنك يا عمتو، هطلع أنا ارتاح شوية. 


تحركت خطوة واحدة صوب الأمام، لكنها وقفت مرة أخرى عندما شعرة بقبضة قوية حادة فوق معصمها، تطلعت نحوه بعسليتيها المتيم بهما، وأردفت قائلة له بغضب وهي تتألم اثر ضغطه القوى فوق معصم يدها


:- اوعى إيدي لو سمحت، عيب اللي بتعمله و ميصحش ك.. 


قطعها عمر صائحًا بغضب يعصف في جميع خلاياه، كان يشعر بالقلق عليها، ويخفي كل ذلك، لكن قد حان الآن موعد انفجاره بسبب افعالها 


:- أنا سألت سؤال يا آلاء هانم، ومستنيكي تردي، مقولتيش ليه إنك خارجة، ومخدتيش زفت حراسة معاكي ليه؟ 


تشعر أن بداخلها جزء يحتاجه ويحتاج حضنه ووجوده بجانبها، تريد أن تخبره بجروحها التي تنزف بسببه، جروحها التي تحدث بسببه تكون أصعب جروح على الاطلاق، بالنسبة لها هي أقسى الجروح التي تؤلمها، لكن كبرياءها يؤلمها يمنعها من فعل كل ذلك. 


تنهدت تنهيدة حارة حارقة نابعة من داخلها، قبل أن تجيبه بأنفعال وصوت متحشرح، لم تستطع أن تتحكم في ذاتها وغضبها


:- عاوز إيه مني يا عمر، أنا حرة أقول مقولش أنتَ مين أنتَ عشان تكلمني كدة، أنتَ كل اللي فيه دة بسبب إنك إنسان متحكم، مش بتحبني على فكرة، أنتَ بس عاجباك فكرة أن في واحدة مستعدة تضحي بحياتها عشانك وبتحبك بجد، كانت دايمًا بتسمع كلامك، دة غلط يا آلاء يقي فعلا غلط دة صح يبقي صح، عشان هبلة وفاكرة انك عاوز مصلحتها بجد، قولت خلاص بقا ما هي زيها زي أي حاجة عندك مشتريها، ضمنت وجودها معاك، أنتَ ظالم وقاسي بجد متحكم، حتى لما شوفتني قررت اخرج بقا برة حدود تملكك بقا غلط، وبقا حاجة وحشة، أنتَ أكتر انسان ماكر وأناني في العالم كله، وأنا بجد تعبت منك ومن حياتي كلها بسببك، ربنا يريحني و ياخ... 


قطعها مسرعًا بلهفة، وجمود معًا، وقد بدا الألم والحزن، والإنكسار على وجهه


:- إياكي تنطقي كلمة كمان، ولا تدعي عن نفسك، حرف زيادة ومش هتحكم في غضبي، ولا في نفسي حقيقي وأنتِ عارفاني. 


أردف جملته بصرامة حادة، وجذبها خلفه متوجه بها نحو غرفته يتجاهل صراخ والدته عليه، ومحاولاتها في تهدئته، بينما هي كانت تبكي وقد خانتها دموعها، لم تستطع أن تتحكم في ذاتها، فلم تشعر بذاتها سوي و هي تبكي. 


أغلق الباب خلفه بأحكام، وقوة جعلتها تنتفض بقلق اخفته مسرعًا، وتوجه صوب الفراش يجلس فوقه، أمَّا هي كانت تقف أمامه تطالعه بنظرات حادة مصوبة نحوه. 


مرر يده بين خصلات شعره في محاولة منه لتهدئة ذاته، وإخماد تلك النيران المشتعلة بداخله التي ستجعله يحرقها، واخيرا قد خرج صوته بعدما نجح في إخماد  وكبت مشاعره 


:- أنا متملك، وعاوز امتلكك وإيه كمان يا آلاء هانم؟


أردف يسألها بإستنكار تام، وهو يشير بسبابته نحو ذاته، لم ينكر حزنه ووجعه من كلمتها وتأثيرها عليها. 


جاءت لترد علي،  لكن لم يسعفها صوتها للتحدث والتفوه بحرف واحد، قد عاندها هو الآخر، وامتنع عن الصعود؛ لذلك قامت بهز رأسها إلى الأمام ببطء، وهي تشعر بارتجاف قلبها خوفًا منه ومن حالته الغاضبة الذي وصل إليها. 


استرد حديثه مرة اخرى بصرامة شديدة أخافتها، وصوت حاد قوي،  وقد أعماه الغضب 


_طب والمتملك دة ازاي عشان أجرب ابقى متملك بجد، ازاي يسيبك تخرجي أصلا، أنا أعرف أنهم بيبقوا صارمين و قاسيين أوي، صح ولا إيه، أنتِ أكيد اكتر واحدة عارفة، أنتِ اللي جربتي العيشة مع واحد متملك؟ 


انهى جملته وطالعها بنظرات غاضبة حادة اخترقتها،  كان يسألها بنبرة ساخرة، لم تخلو من الحزن الذي تجمع في قلبه،  فهي آخر واحدة في العالم يستطع ان يستمع منها حديث كهذا.


هي مختلفة عن الحميع، حديث أي شخص آخر لم يعنيه بشئ، كما يعنيه كل حرف تتفوه هي، مستعد ا

أن يضحي بحياته بأكملها لاجل ابتسامة واحدة صادقة من بين شفتيها، وفي النهاية اتخبره أنه لم يحبها يريد أن يتملكها ويخمد قوتها، لم تنكر هي شعورها بالندم بعدما علمت بتأثير ما تفوهت به، لا تعلم كيف توجهت وجلست بجانبه فوق الفراش وأردفت بتوجس وهي تلعن غباءها 


:- أنا اسفة يا عمر حقيقي مكانش قصدي أي كلمة قولتها تحت،  أنتَ عارف كويس إني عمري ما شوفتك متملك ولا حاجة، أنتَ عارفني لما بتعصب وانفعل معرفش بهبل في الكلام كدة ليه، اسفه بجد.


انهت حديثها وهي تضم كفه بين يديها، وتطالعه بنظرات مليئة بالحب الذي لن تنجح في انكاره حتى الآن، وبالرغم من كل ما حدث قلبها يعشقه كيف تكـ.رهه، وقلبها قد تعلم الحب، وفهم معانيه على يده. 


تتمنى أن تتحكم في قلبها، ولكن بكل آسف قلوبنا هي من تتحكم بنا، وليس نحن مَن نتحكم بها، هيمن تختار مَن تحب ولما؟ وهي ايضا من تختار مَن تكـ.ره،  ولما؟


سحب كفه من بين يديها ونهض من فوق الفراش يوليها ظهره، ثم تمتم بجمود، ونبرة جافة متجردة من أي مشاعر على غير عادته معها 


؛- اتفضلي يلا يا آلاء بدل ما المتملك يحبسك في الأوضة عشان دي قوانينه.


ضغطت فوق عينيها بقوة، وهي تشعر بالندم لفعلتها وتسرعها، ظلت واقفة مكانها كالبلهاء وهي لا تعلم ماذا يجب عليها أن تفعل، تمتم هو يقطع ذلك الثنا بجمود، و هو لاازال يتحاشى النظر نحوها 


:- آلاء قولت اتفضلي برة، يلا بدل ما احبسك.

قال جملته الأخيرة بسخرية. 


أومأت برأسها إلى الأمام، لم تجد حل آخر سوى أن تخرج من الغرفة في ذلك الوقت وتتلاشى غضبه الشديد. 


فتحت الباب وتوجهت نحو الخارج، وجدت سناء تقف أمامها، اردفت تسأل إياها بحنو عندما رأت وجهها الشاحب، البادى عليه الحزن


:- إيه يا حبيبتي مالك؟  


لم تستطع أن ترد عليها؛ لذلك اكتفت بإيماءة بسيطة من رأسها إلى الأمام، وتحركت بخطواتها متجهة نحو غرفتها،  وهي تلعن في ذاتها وإندفاعها. 


أسرعت سناء تدلف الغرفة لعمر وأردفت تسأله بقلق،  خاصة بعدما رأت حالة آلاء


:- إيه يا عمر هي آلاء مالها، اوعي تكون عملتلها حاجة، كفاية اللي هي فيه. 


رد عليها بضيق وغضب، وهو يقبض فوق يده بقوة حتى ابيضت مفاصله في محاولة منه على كبت غضبه 


:- أنتِ اللي في إيه يا ماما، اكيد مش هعملها حاجة ولا هاكلها مثلا، بعدين إيه اللي هي فيه. 


اومأت له برأسها إلى الأمام، ثم اجابته بعدم رضا،  وسخرية 


:- لأ مفيهاش حاجة،  أنا ما صدقت أنها فاقت من موت اهلها، وأنتَ جيت بمنتهي البرود تقولها هخطب صاحبتك عادي،  حس بيها شوية،  أنتَ بتحبها وهي بتحبك يبقى ليه تعمل فيها كل دة، وفي نفسك كدة ليه يا حبيبي. 


_مفيش يا ماما، أنا عارف كويس بعمل إيه،  و دة الصح. 


رد يجيبها ببرود، ونبرة حادة، كأنه لم يحدث في شئ هام، بينما هي حركت رأسها بيأس من حديثه الذي لك تستطع أن تفسره وتفهمه حتى الآن. 

❈-❈-❈

بعد مرور يومين 


كانت آلاء تجلس مع فريدة في الغرفة، أردفت فريدة قائلة لها بهدوء


:- خلاص يا آلاء اكيد مش قاصد أنه يتجاهلك، أنتِ بتقولي انك زعلتيه برضو، بعدين إيه الجديد ما هو على طول بيتجاهل يعني، مفيش حاجة تخليكي قاعدة زعلانة كدة، إيه رأيك تجهزي وتيجي نخرج تفكي عن نفسك شوية. 


رفعت بصرها نحوها تطالعها بغيظ، ثم ردت تجيبها بتذمر وهي ترفع شفتها إلى أعلى بعدم رضا 


:- هو إيه اللي طول عمره بيتجاهل، فريدة حبيبتي أنت متأكدة إنك جاية تهديني مش تعلي ضغطي، هو الأول مكنش بيتجاهلني خالص على فكرة. 


جاهدت بصعوبة بالغة حتى تكبت ضحكتها؛ كي لا تجعلها تغضب مرة أخرى، وتمتمت تحدثها بهدوء


:- معلش يا لولو أنتِ عارفاني، قومي يلا نخرج أنا وأنتِ عشان أنا كمان زعلانة والله، كنت سمعاهم من كم يوم بيقولوا في صفقة برة، فكدة كدة هتلاقي تامر هيسافر ما بيصدق يهرب مني.


قالت جملتها الأخيرة بحزن بادي في نبرة صوتها، حزن تشعر به يزداد في قلبها كل يوم، ابتعاده عنها الملحوظ أصبح اكثر شي يشعرها بعدم اهميتها في حياتهؤ تشعر وكأنها شئ نكرة ليس له أي وجود وأهمية.. 


شعرت آلاء بالحزن لأجلها، كانت تتمنى أن الحياة بينها وبين تامر تتحسن، لكن للأسف من الواضح ان علاقتهمالم تتطور حتى الآن، تمتمت  بمرح في تحاول منها لتخرجها من حزنها 


:- طب هتقومي عشان البس، ونخرج يا ست ديدا، ولا هنقعد نفكر في أحزاننا مع بعض، قومي يا اختي بدل ما اهرب أنا من البيت ك.. 


قطعت كلمتها عندما رأته يقف يضع يديع داخل جيب سترته، ويثبت بصره عليها، لم تتخيل قط أن يدخل في ذلك الوقت، كان يتطلع نحوها بغضب وضيق،  غمغم يحدث فريدة بهدوء، وجدية 


:- فريدة تامر كان بينده عليكي، روحي شوفي عاوز إيه؟ 


اومات له برأسها إلى الأمام، ونهضت متوحهة نحو الباب لتخرج صوب غرفتها تاركة إياهما خلفها يتبادلان نظراتهما سويا..


كانت آلاء تطالعه بتوجس وهي تضم كلتا شفتيها إلى الأمام، أسرع يقترب منها ببطء وأردف يسأل إياها بسخرية، وتهكم


:- هتهربي من البيت كله تروحي فين يا هانم؟ 


ابتلعت ريقها بخوف وتوتر ملحوظ،  ثم أجابته بنبرة متوترة غير منتظمة 


:- لـ ... لأ يعني أنا بقول كدة، هـ...هو يـ... يعني عشان بهزر مع فريدة مش أكتر مفيش حاجة. 


حدق بها بصمت لدقيقة واحدة، قبل أن يتنهد بضيق، وغمغم يتحدث معها بهدوء، ونبرة حانية


:- آلاء مش عاوز اشوف نبرتك فيها خوف ابدا طول مانا عايش، عاوزك تعرفي حاجة واحدة بس، وتفهميها كويس أنا نقطة أمان ليكي مش نقطة خوف وضعف ابدًا، فاهمة؟!


اردف كلمته الأخيرة  بنبرة متسائلة حانية، فلم يسعفها لسانها على الرد عليه بل اكتفت بهز راسها إلى الأمام، وهي تشعر بذوبان قلبها اثر حديثه معها،  تشعر أنها ستطير عاليًا بأجنحتها ستغرد بسعادة، فهو منذُ فترة وهو لم يخبرها بأهميتها لديه وأهمية حياتها،افتقدت حنانه عليها وبشدة، حنانه الذي حُرِمت منه مثل كل شئ،  افتقدت كل شئ به. 


كاد أن يخرج لكنها استوقفته عند أعتاب الغرفة عندما همست باسمه، فنظر لها مرة اخرى،يطالعها بزرقتيه الواقعة هي في بحورهما، لتردف هي بشرود وخَجِل، وكأن بحور عينيه قد سحرتها وسلبتها كل ذرة في عقلها


:- عُمر أنا اسفة بجد، آسفة مش بيبقي قصدي خالص إني أضايقك بكلامي ولا قصدي ازعلك، كلمةةمتملك طلعت من غير قصدي، أنت‌ عارف الكلمة بتطلع لوحدها من غير ما افكر أصلا. 


اومأ لها براسه الى الامام بثقة،  و تحدث اخيرًا يرد عليها بهدوء بعدما انهت حديثها


:- عارف، عارف إنك مش قصدك وإنك بتتكلمي من  

غير قصدك،  وعمري ما هتضايق ولا ازعل منك يوم يا لولي، بلاش هبل. 


ابتسمت بفرحة وسعادة حقيقية، لكن سرعان ما تلاشت بسمتها المرسومة فوق ثغرها بمهارة، وأسرعت ترد عليه بسخرية وتهكم 


:- بس أنتَ كمات ياريت تفهم إن أنا لغاية دلوقتي عنري ما هزعل منك، لكن معرفش بعد كدة موقفي إيه يا عمر، اختارني أنا وسعادتي وحياتنا زي ما بتقول بلا نهي بلا بتاع، دي انسانة زبـ.الة ورخـ.يصة، أنتَ تقدر تتجوز واحدة باعت صاحبتها وخانتها وهي عارفة إن روحي فيك؟ 


سألته بتوتر وضربات قلبها تتسارع بعنف، تقرع بداخلها كالطبول، بينما هو وقف بصمت يعجز عن إجابة سؤالها،  لم يجد سوى الهروب من أمامها فخرج من الغرفة مسرعًا، تارك إياها تقف خلفه تطالع اثرع بدهشة، يشعر بندبة قوية في قلبه، لا يتمنى أن تتحدث معه في ذلك الوقت تحديدًا. 


ظلت تتطلع على اثره بضيق وغضب، تشعر أنها على وشك البكاء في أي لحظة،  تشعر أنها ستنفحر باكية، لا تعلم لماذا يتمسك بنهى على الرغم من عدم حبه لها؟! تعلم أن مهما حدث لم يعط قلبه لاحد غيرها؛ لذلك ستظل متمسكة به طوال حياتها،  ستحارب لاجل حبهما، لن تتركه سوى عندما تعلم أنه لم يعد يحبها.. 


❈-❈-❈

في الغرفة الخاصة بفريدة وتامر 


عقدت فريدة حاجبيها عندما دلفت الغرفة ووجدت تامر يجلس ينتظرها بالفعل، دائمًا تجده منشغل بشئ آخر، وكأنه يريد أن يشغل وقته؛ حتى لا يجلس معها.


تنهدت بصوت مسموع في محاولة منها لجذب انتباهه فهو كان شارد في اللا شئ، وأردفت تسأل إياه في هدوء


:- إيه يا تامر، عمر قالي إنك عاوزني، في حاجة؟ 


اومأ لها بهدوء، وغمغم بتوتر لن ينجح في اخفاءه، فهو لأول مرة يتحدث معها في أي شئ


:- اه عاوزك تعالي اقعدي، عشان هاخد رأيك في حاجة،  و اهو نتسلى مع بعض أنا وأنتِ شوية،  لو مش عاوزة براحتك. 


طالعته بعدم تصديق ودهشة في آن واحد، أيعقل أن ما تستمعت إليه للتو صحيح أم أن اذنيها تكذب عليها؟!..


هو يريد أن يأخذ رأيها هي في أمر يخصه،  منذُ متى؟! فهو دائما لم يهتم برأيها، يرى أن رأيها أمر تافه لا يعني شئ،  الآن هو مَن يطلب منها أن تبدى رأيها، دائمًا يفعل ما يراه هو صحيح. 


حاولت أن تتجاوز دهشتها سريعًا، واقتربت تجلس بجانبه كما أشار لها، أردف يسأل اياها بضيق 


:- إيه رايك في حوار خطوبة عمر ونهى، لسةةكنت بتكلم مع عمر في الموضوع دة وبحاول أفهم منه بس لأول مرة من بعد جوازنا أشد أنا وعمر عشان موضوع، مش عارف ليه هو بيعمل كدة ومش راضي يشاركني في حاجة. 


تنهد بعمق شديد، وتمتمت ترد عليه بعدم رضا 


:- هو محدش يقدر يغصبه على حاجة قي الموضوع دة بالذات، بس أنا شايفة أن آلاء معملتش حاجة عشان يحصلها كل دة، هي بتحبه أوي كمان، واللي كنت أعرفه أن هو بيحبها، فإيه لازمة أنه يبعدها عنه و كمان ملقاش غير صاحبتها. 


حديثها ضغط على جرحه، ذلك الجرح الموجود في قلبه، لماذا هو أُجبر على شئ مثل ذلك؟! هي بءاتها تتحدث وتقول بأن لا يستطع أحد على إجبار شقيقه في امر الزواج فماذا عنه هو؟! لماذا لم يفعل مثل عمر ويقف أمام والدته ويتمسك بـبسملة حبيبته؟! هل هو ضعيف إلى هذا الحد؟! 

اسئلة متعددة دارت داخل عقله في ذلك الوقت، وقد هاجم عقله العديد والعديد من الأفكار والتساؤلات لكنه لم يعلم إجابة اي سؤال منهم،  لكنه  يعلم أنه كان ضعيف عندما استسلم لحديث والدته، وأرضخ لطلبها؟ 


_هل ينتهي الجروح وآثارها مع مرور الوقت؟! 

بالطبع لا، الجروح تظل موجودة كما هي بداخلنا، ولكن مع مرور الوقت تتحول إلى ندوب لن تُحمى_


حرك راسه بيأس، وهو يحاول أن يخرج من دوامة افكاره التي سيطرت عليه اثر حديثها الذي غُرز في قلبه كالخنجر، وتحدث أخيرا يرد عليها بجدية وعدم فهم من تصرف اخيه الذي لم يرى له معنى حتى الآن، وعندما يسأله لم يعطيه عمر جواب 


:- معاكي حق فعلا محدش بقدر يغصب عليه، بس الغريب أنه مكنش بيطيق نهي دي نهائي، ودايما بيقول لـ آلاء أنها تبعد عنها، مرة واحدة يقولك هتجوزها هو في حاجة أكيد بس لية مش قادر افهمها. 


ابتسمت في وجهه ابتسماتها الرائعة التي لم تزيدها سوى جمالا لم يلاحظه هو ابدا، لاول مرة يرى ابتسامتها ويشرد بها وبجمالها الملحوظ، لكنه فاق سريعًا على صوتها وهي تتمتم بهدوء عندما رأت حيرته الواضحة 


:- خلاص يا تامر هو حر على فكرة، متشغلش بالك أوي، هو ليه حق التصرف في حياته، يعمل االي شايفه صح، أنتَ عليك تنصحه قِبل النصيحة يبقي كويس مقبلش يبقي حاجة مش في ايدنا عشان متزعلوش مع بعض، ابقى روح صالحه وخلاص. 


اومأ لها برأسه إلى الأمام بعدما شعر أنها مُحقة بالفعل فيما تقوله؛ لذلك غمغم بنبرة حانية هادئة على غير عادته معها 


:- شكرا يا فريدة. 


شعرت بالصدمة للمرة الثانية على التوالي، كذَّبت أذنيها واتهمتها أنها توهمها بأشياء كاذبة، تشعر بالإستنكار والدهشة، منذُ متى وهو يتعامل معها بتلك الطريقة؟!  منذُ متى وهو يشكرها على شئ؟! هو دائمًا يقابل أي شئ تفعله وتقوله بالسخرية والتقليل.. 


 ❈-❈-❈

بعد مرور أسبوع 


مرَّ ذلك الأسبوع بهدوء، استمرت آلاء في تجاهلها 

لـ عُمر وتعاملها معه ببرود، على الرغم من جميع محاولاته في بدء أي حديث بينهما، لكن جميع محاولاته قد باءت بالفشل، ولكن لازال كل منهما مشتت، هي تريد ان تلقي ذاتها داخل حضنه وملجأها المحصن، وهو يحتاجها ويحتاج وجودها معه وبحانبه، لكنه مُجبر على فعل ذلك، إذا كان ذلك في مصلحتها سيفعله على الرغم من وجعه ووجعها من نيران الاشتياق والفراق التي تحرق قلوبهما.. 


كان الجميع يجلسون أسفل يتحدثون بمرح ماعدا عمر الذي لم يأتي حتى الآن، ولكن جلستهم لم تخلو من المشاكسة والشجار الخفيف الذي يتم بين آلاء ونغم.


بينما فريدة كانت سعيدة بعض الشئ من التغيير الصغير الذي حدث في علاقتها هي وتامر، تتعلم أن بالطبع سيعود كما كتن لكنها تحاول أن تستغل كل لحظة تمر عليهما وهما يعيشون في ذلك الهدوء. 


قطع الجميع حديثهم عندما رآوا عمر يدلف بجسد متشنج غاضب،وعروقه بارزة، ويرتسم فوق وجهه عدة مشاعر يجهل الحميع عن تفسيرها، فمن الصغب أن يفهم أحد ما به وما بداخله.


عينيه كانت مثبتة فوق آلاء وبداخله حزن كبير، كات لا يتمنى ألا تكن جالسة وتستمع إلى حديثه، لا يعلم كيف ستستمع ذلك الخبر الذي سيقوله.


حاول أن يخفي قلقه ومشاعره المضطربة، ووقف أمامهم والبرود يرتسم فوق قسمات وجهه،  ولكن ذلك ما يظهره، في الحقيقة أن بداخله وجع كبير وآلم يخفيه عن الجميع، يحتفظ به له ولقلبه هو فقط.


وضع يده داخل جيب سترته،  وأرد بحدة وجدية، وهو يتحاشي النظر على آلاء بالتحديد، لم يريد ان يرى تأثير ما سيقوله عليها، يتمنى أن يكون لديه القدرة على التخفي والهروب من أمامها بعدما يقول حديثه 


:- كنت مع نهى انهاردة وحددت خطوبتي أنا وهي بعد أسبوعين.


القى جملته التي كانت كالصدمة وحلت فوق الجميع، بينما هي ظلت تطالعه بجمود، وعدم تصديق تنظر داخل عينيه بحزن، لكنه أسرع يخفض بصره ارضا يتهرب منها ومن نظراتها التي تجعله يتمنى ان ينهى كل ما يخطط إليه.. 

يُتبع..