الفصل السابع - أنين وابتهاج
الفصل السابع
ستظل نيران الحُب،
والفراق أقوى نيران على القلب_
❈-❈-❈
اعتدلت نغم في جلستها حتى تصبح قبالتها، ورمقتها بتسلية، وهي تنوى أن تقص لها كل ما حدث، ستخبرها بكل ما لا تعلمه، على الرغم من معرفتها بخطورة ذلك على زواج أخيها،لكن كل هذا لم يهمها.
أردفت تجيبها على سؤالها بلا مبالاه ومكر
:- لا عادي يا حبيبتي، هو سؤال بس بيدل قد إيه أنتِ ساذجة مش أكتر، أنا هفهمك كل حاجة مع إني مش عارفة اتوقع رد فعلك، بس كدة كدة مسيرك هتعرفي في يوم من الأيام.
وقع قلب تلك الجالسة، وازدادت دقاته بعنف، أصبح يقرع بداخلها كالطبول، وهي تستمع إلى حديثها الثرثار الذي لم يعمل سوي على إثارة خوفها وقلقها أكثر.
لكن قبل أن تتابع حديثها قد صدح صوت سناء ي
تقطعها، وهي ترمقها بنظرات تحذيرية نارية اخترقتها، ثم تمتمت بحدة، و لهجة غير معتادة منها
:- نغم قومي شوفي آلاء عاملة ايه دلوقتي، بقت كويسة ولا لسة تعبانة بدل ما أنتِ قاعدة كدة.
نهضت على مضض تاركة المكان مشتعل خلفها، لكنها نهضت عندما رأت قسمات وجه والدتها الحادة الدالة على غضبه الشديد.
اشتعلت النيران بداخل عقل تلك الجالسة، لم تتحمل أن يظل الوضع هكذا، لن تصمت وتظل حمقاء كل ما بداخلها ظنون ربما تكون خاطئة وربما لا، عقلها يؤلف ألف سيناريو بداخله..
غمغمت تسأل سناء بقلق، وقد ازداد الخوف داخل قلبها
:- معلش يا طنط، بس أنا كنت عاوزة اعرف برضو السبب اللي كانت هتقوله نغم، وحضرتك قاطعتيها، أنا لازم اعرف ليه تامر بيعاملني كدة وفي إيه بالظبط.
ابتسمت في وجهها ابتسامة مصطنعة لم تتعد شفتيها المجبورة على فعلها، وأردفت تجيب إياها بنبرة جاهدت أن تجعلها هادئة وتخفي التوتر منها
:- يا حبيبتي ماله تامر، هو بس تلاقيه مضغوط شوية لكن هيتجاهلك ليه يعني، هقوم أشوف آلاء، وأجي أقعد معاكي؛ لأن عاوزة اتكلم معاكي في حاجة مهمة.
نهضت سريعاً تهرب منها، ومن نظراتها التي كانت مصوبة تجاهها بحزن، لكنها لا تعلم بماذا تجيبها؟! كيف ستخبرها بحقيقة الأمر الذي سيهدم حياتها وحياة ابنها الزوجية؟
تشعر في بعض الأحيان أنها قد ظلمتها، لكنها تقنع ذاتها بأن فريدة كانت تحبه منذ البداية، هي فقط جمعتها به وفتحت لها الباب لبدء حياة جديدة تحارب فيها من أجل حبها.
بينما فريدة ظلت تتطلع أمامها بشرود، وتأكدت أن بالفعل يوجد شئ سري يخفيه الجميع عنها، ولن يخبرونها به.
لن أحد سيخبرها بحقيقة الأمر سوى صاحبه، ستحل تامر بذاته هو مَن يخبرها، لكن كيف؟ هي تخشي مواجهته، تلك الخطوة التي تحديدًا لم تعلم نتيجتها، و بماذا سيجيبها؟! على الرغم من معرفتها بأنه لم يهتم بمشاعرها.
فبالتاكيد سيجرحها بإجابته، تشعر أنها قد وقعت في مأزق تفشل في الخروج منه، لا تعلم تواجهه ووتتحمل نتيجة فعلتها مهما كانت، أم تظل صامتة تفكر فيما يفعله بصمت، والقلق ينهش عقلها الذي قد أرهقه التفكير الزائد، بدأت الدموع تجتمع داخل ملقتيها علي ذلك الوضع الذي تحسر فيه الآن، تريد من يوجهها إلى الصواب، ويجعلها تفعل الشئ الصحيح..
❈-❈-❈
في نفس الوقت
صعدت نغم نحو غرفتها وهي تتأفأف عدة مرات سرًا بضيق من والدتها وطريقتها معها التي لم تعجبها قط..
لا تعلم لماذا دفعها فضولها حتى تدخل غرفة آلاء، وترى ماذا تفعل في ذلك الوقت، لكنها وقفت متسمرة بذهول ودار بذهنها عدة أفكار وتساؤلات بعدما رآتها وهي تقوم بوضع أشياءها داخل حقيبة كبيرة من الحقائب الخاصة السفر.
ابتسمت بخبث وفرحة، ثم عادت الى غرفتها بهدوء كأن لم يحدث شئ، ولم ترى أي شئ من الأساس.
صعدت سناء هي الأخرى نحو غرفة آلاء حتى تطمأن عليها، تفجأت بفعلة آلاء التي باغتتها، أسرعت تقترب منها بدهشة، وسألتها بتوجس متمنية ألا يكون ما دار ببالها صحيحًا
:- إيه يا حبيبتي، بتلمي حاجتك في الشنطة دي ليه؟
توقفت آلاء عما كانت تفعل، ثم تطلعت نحوها وتمتمت تجيب إياها بضيق وصوت متحشرج شبه باكٍ
؛- مفيش يا عمتو، بس أنا قررت أني هرجع بيتنا؛ لأني هنا مش مرتاحة خااص، عاوزة اخد راحتي و اريح أعصابي.
اقتربت منها وربتت فوق ظهرها بحنو، قبل أن تردف قائلة لها بعدم رضا
:- مفيش مشي من هنا يا حبيبتي، لو أي حد مضايقك سيبيه مع نفسه، كأنك مش شايفاه أصلا، لكن هتروحي هناك هتقعدي مع مين يا آلاء.
_ لوحدي يا عمتو، أنا بقيت لوحدي أصلا، وحبيت دة جدًا، مش كله بعد عني في وقت واحدؤ يلا ريحوني بقيت مرتاحة من غيرهم بكتير.
اردفت جملتها تجيب إياها بنبرة حزينة مشتاقة لوالديها، و هي في أمس الحاجة لحنانهما وتشجيعهما الدائم لها،ولـعمر الذي كان دائما معها في كل خطوة تمضيها في حياتها، لكن الجميع قد تخلى عنها البعض بإرادته مثل عمر، والبعض بالإجبار وإراردة ربها مثل والديها.
انهت جملتها وأولتها ظهرها؛ حتى تطلق لدموعها العنان، خاصة بعدما فشلت في كبتهم، لم تستطع سناء أن تمنعها وتقول لها شيء بعدما رأت هيئتها وحالتها التي قد وصلت إليها.
تعلم أن ضغطها عليها لن يجلب أي نتيجة، بينما واصلت هي ما تفعله حتى انتهت بالفعل من وضع اشياءها، واخذت حقيبتها تجرها خلفها، ثم سارت متجهة إلي أسفل في صمت تام.
استوقفتها فريدة التي كانت لازالت تجلس في حيرتها، غمغمت بأسمها تسال إياها بإهتمام يخالطه بعض القلق
:- آلاء يا حبيبتي، أنتِ رايحة فين، مسافرة ولا إيه؟
سرعان ما اجابتها بنبرة جافة خالية من اي مشاعر و هي تقف قبالتها بملامح وجه شاحبة الحزن تمكن من كل أنش بها
:- مفيش يا ديدا همشي اروح اقعد في ييتنا.
لم تمهلها فريدة فرصة، واردفت بقلق في محاولة منها؛ حتى تمنع إياها عن قرارها المفاجئ
:- لا يا حبيبتي مينفعش كدة إنتِ لسة تعبانة برضو متنسيش دة، اصبري لما تخفي ابقي روحي.
حركت آلاء رأسها بالرفض، وسارت تتابع طريقها وهي تشعر بذلك الشعور التي أصبحت تتمناه في يوم من الأيام، تشعر بإنسحاب روحها من جسدها.
تتمنى أن تذهب إلى والديها اللذان يشعران بها بالطبع، فهي قد أصبحت ترى أن حياتها من دونهما أصبحت بلا هدف تعيشها في آنينٍ، وتعب روحي مستمر، وكأن كل ذلك قد كُتِب عليها للأبد..
توقفت سيارتها أمام منزل والدها الفخم الدال على مكانته المرموقة، وقفت تتطلع المكان حولها بأعين تملأها الحزن والحسرة، وقد راودها ذكرياتها مع والدها، ووالدتها.
تعلم أن ذلك السبب الرئيسي لوجودها في منزل عمتها، فهي لم تستطع أن تدلف المنزل دون وجود والديها، تتذكر حياتها معهما بالتفصيل.
لا تعلم كيف ستقبع بالمنزل من دون وجودهما بداخله، حياتها من دونهما أصبحت كاللوحة السوداء بدلا من أن كانت زاهية بألوانها البهية الجميلة، بدات تخطو خطواتها صوب الداخل بإرتعاش، وضعف وهي تشعر بصعوبة دخولها إلى المنزل.
وصلت بالفعل أمام الباب الداخلي للفيلا، وبدأت تفتحه بيدين مرتعشتين، ظلت تتطلع نحو صورة والديها التي تزين الجدار بأعين باكية تجمعت بداخلها الخيوط الحمراء، تشعر بالحسرة تملأها..
وكأن فراقهما هو القشة التي قسمت البعير، رحلوا ورحل معهم كل شي حلو، مبهج، زاهي في تلك الحياة، تعلم أن مهما مر على فراقهما اعوام فهي لن تنساهم قط.
_مَن يموت، يظل فب الحقيقة حيّ داخل قلوبنا، وذكرانا_
لم تكن مخطئة فيما قالته، فهي بمجرد أن رأت المنزل بذكرياتها معهما، وقد تجدد حزنها من جديد كأن ما حدث معها، حدث ليلة أمس، أغمضت عيناها بألم، وقد دار داخل ليلة خروجها من المنزل، وذهابها مع عمتها..
❈-❈-❈
قد مر فترة قليلة فقط على وفاة والديها، وتخطت صدمتها منذُ أيام، ولكن وجدت ياسين شقيقها الذي دلف غرفتها.
وجد عمته تجلس بحانبها في ذلك الوقت، لكنه لم يبالي، و تحدث ببرود ولا مبالاه كعادته، يخبرها أنه سيرحل، ويسافر للخارج؛ حتى يستطع أن يمسك شركات والده في الخارج، بل بالاحر ينجح في الاستيلاء عليها، ولا يعطيها هي شئ.
شعرت أن كل ما يوجد لها في الحياة قد رحل، تضاعف حزنها وحسرتها، وهي لازالت تحت تأثير الصدمة، لا تصدق أن أخاها سيتركها، ويسافر، وهي في تلك الحالة، من دون أن يعيرها اهتمام.
لكن قبل ان ينفذ فكرته الخبيثه قد تشاجر معه عمر، وحذره من استيلاءه على حق الاء، وقد نبهه بجدية و صرامة تامة اخافته، جعلته يتراجع عن فكرة عدم مشاركتها شيء في شركات والدها، بعدما هدده عمر بشموخ، وقد وقف بكبرياء، وقوة يحدثه بقسوة و ونبرة تهديد واضحة
:- إياك تفكر أن آلاء ملهاش حد يسأل عن حقها، لا ركز واعرف ان دماغك وأفكارك كلها عارفها، كل شهر حق آلاء يتحولها على حسابها، وهيكون كل دة فالنهاية تحت إشرافي، هراجع كل حاجة، شغل النصب دة مش عليا.
بالفعل نفذ ياسين حديثه، وقد استعاد لها عمر كل شئ حقها، لكنها لم تكن فرحة بذلك القرار هي بعمرها لم تريد الشركات، و لا أي شئ آخر، حتى عندما كانت تحلم بالعمل في شركة والدها، كانت تحلم بالعمل كـموظفة عادية مثلها مثل أي أحد.
سافر ياسين بعد ذلك، لم تتذكر أنه قد قام بالاتصال بها لمرة واحدة فقط.
أما عمتها وعمر هما مَن اصروا عليها؛ حتى تأتي معهما، فهما لا يستطيعان أن يتركونها في المنزل بمفردها...
❈-❈-❈
لا تعلم لماذا قد دار بداخل ذهنها تلك الذكرى الحزينة التي تشعرها بتخلي مَن هم سند لها عنها، مسحت تلك الدمعة التي سالت فوق وجنتها، وحاولت أن تشجع ذاتها، ثم صعدت نحو غرفتها، وهي مطمئنة ان كل شئ بها سيكون جاهز، فهي كل شهر ترسل أحد بنفسها؛ حتى ينظم المنزل، تشعر بالراحة تنتاب قلبها من تلك الفكرة وذلك العمل...
نزلت من غرفتها وجلست أسفل بمفردها وهي تشعر بحزن شديد يضرب كل شئ بداخلها، مشاعرها لا يوجد بها شئ سوى الحزن والآنين، في بعض الأحيان تضحك وجعًا وليس فرحًا، اكتشفت أن الضحك لم يعبر عن الفرح فقط كما كانت تظن دائمًا، اكتشفت أن ليس كل مَن يضحك يكن سعيد..
❈-❈-❈
في المساء
دلف عمر المنزل بخطوات مجهدة، ومزاج سئ خاصة بعد خروجته مع نهى التي كانت كالحمل الثقيل فوق قلبه، جلس فوق الاريكة بجهدٍ بادي، فهو اليوم قد فعل العديد من الأشياء في يومه.
وضع يده فوق صدعيه، وقرر أن يتوجه نحو غرفته لكنه قبل ان يصل إلى غرفته، توجه نحو غرفتها يود أن يُطمئِن قلبه الذي ينهشه القلق عليها.
قطب جيبنه بدهشة وتفاجأ عندما وجد الغرفة خالية في ذلك الوقت المتاخر، فذلك ليس من عادتها، أسرع يتوجه نحو غرفة والدته، وهو يتمنى أن تكن هناك.
وجد والدته تجلس فوق الفراش كانت تستعد للنوم، لكنها سرعان ما اعتدلت في جلستها عندما رأته، وتحدثت بهدوء، وهي تشير بيدها نحو الفراش
:- كويس يا عمر انك جيت تعالى عشان عاوزاك في حاجة مهمة.
اقترب منها بخطواته، وجلس بجانبها، وهو لازال يشعر بعدم الارتياح من عدم وجود آلاء في غرفتها حتى الآن في ذلك الوقت المتأخر، أردف يسال إياها بقلق
:- في إيه يا ماما؟
ىدت تجيبه بتوتر، وهي تخشى رد فعله عندما يعلم ما حدث لكنها ستخبره
:- أصل بصراحة آلاء..
انتبه إلى حديثها بجميع حواسه عندما ذكرت اسمها، و نظر لها بقلق، وقد اتسع بؤبؤ عينيه بتركيز، يطالعها باننباه شديد، فأسرعت تواصل حديثها بتوجس
:- آلاء يا عمر، مشيت، وسابت البيت راحت تقعد في بيت خالك الله يرحمه.
هب واقفًا منتفض ما أن استمع إلى حديثها، وغمغم بغضب اعماه، جعل الشر، يتطاير من عينيه
:- يعني إيه مشيت، وسابت البيت، وازاي تسمحيلها تروح تقعد في بيت طويل عريض لوحدها من غير ما يبقى معاها حد، كنتِ امنعيها يا ماما.
رفعت كتفيها إلى أعلى بقلة حيلة، وردت عليه بحزن يبدو بوضوح في نبرة صوتها
:- مقدرتش اضغط عليها يا عمر، أنتَ مشوفتش حالتها قبل ما تمشي كانت عاملة ازاي، كله بسببك اصلا.
عقد ما بين حاحبيه بدهشة، وردد كلمتها الأخيرة باستنكار مصحوب بالدهشة
:- بسببي أنا، ليه هو أنا اللي سيبتها تمشي، ولا أنا اللي قولتلها تمشي، عشان يبقي بسببي بسببي يا ماما.
هبت واقفة من فوق الفراش ووقفت قبالته، قبل أن تجيبه بغضبٍ ونبرة حادة لم يعتادها منها من قبل
:- أيوة بسببك يا عمر، روحت عاملتها ولا كأنها حاجة مش مهمة بالنسبالك، رغم أن روحك كانت حرفيا بين ايدها قبل كدة، كانت لما تزعل تهد الدنيا كلها، سبت كل دة وروحت خطبت لأ ومش أي واحدة خطبت صاحبتها اللي أنتَ مكنتش بتطيقها، مرة واحدة حبيتها فجأة، بتعمل كل دة ولا كأنك قاصد تقهرها، وفي الآخر تقول أنا اللي قولتلها تمشي، هي عندها انها تمشي أحسن ما تحسسها أنها ولا حاجة، عمر أنتَ اتخليت عنها في أكتر وقت كنت المفروض تقف جانبها فيه.
فتح فمه حتى يرد عليها، لكنها قاطعته بنفس النبرة الحادى
_ قولي كعادتك إنك وقفت معاها، ومخلتش ياسين يضحك عليها، وكل طلباتها مجابة قبل أي حد في البيت، ايوة عملت كل دة، بس هي مكانتش محتاجة دة يا عمر، أنتَ عارف كويس هي كانت محتاجة إيه، أنتَ عملت كل حاجة إلا اللي هي محتاجاه.
لم يستطع أن يتفوه بحرف واحد أمام حديث والدته الذي جلده بشدة، هل كان سئ معها إلى هذا الحد، لكنه لم يستطع ان يفعل ما تريد، هو يعلم أن حديث والدته صحيح، اغمض عينيه يتعب وحزن شديد، يحمل في قلبه العديد من الحزن.
خرج من الغرفة من دون أن يتفوه بحرف واحد، بل من المنزل بأكمله، ركب سيارته متوجهًا نحو المنزل الخاص بخاله_رحمه الله_ حيثُ تقطن هي فيه.
❈-❈-❈
في الغرفة الخاصة بتامر وفريدة
جلست فريدة فوق الفراش بهدوء، وتوتر خفي، يكاد يوقف قلبها الءي ينبض مسرعًا، جلست تنتظر إياه حتى ينتهي من إطلاعه على الاوراق التي أمامه.
انتهى مما كان يفعل، وتوجه نحو الفراش يتمدد فوقهوبلا كبالاه، وهو متعمد أن يتجاهل اياها كأنها شئ شفاف لا يستطيع رؤيته.
لم تستطع أن تظل جالسة في صمت بعد ذلك، وأردفت بإسمه لتجذب انتباهه لها، بالفعل طالعها بعينيه بمعني أن تواصل حديثها، تمتمت تتابع حديثها بخوف، وتوتر ينهش قلبها
:- يـ...يعني أنا بقول إننا خلاص خدنا وقتنا وكدة يعني، وبقالنا فترة كويسة متجوزين زي ما أنتَ عارف فبقـ...
قطع حديثها بضيق، وهو يشعر بعدم الارتياح من حديثها ذو مقدمات متعددة؛ لذلك غمغم بحدة ونبرة جادة، اعتادت عليها منه دائمًا
:- فريدة اخلصي، في إيه مخلياني أقعد عشان تقوليلي بقالنا فترة ما أنا عارف.
ابتلعت ريقها الجاف بتوتر، وتنفست بصوت مسموع، لعلها تحاول أن تهدأ من ذروة توترها، فقد تسارعت دقات قلبها بشدة
:- أنا بقول كفاية كدة يعني، ونوقف الإحتياطات بتاعت منع الحمل دي، أنا من حقي أبقى أم كفاية كدة.
وقف قبالتها، وأردف ببرود وغضب حيث كان الشرر يتطاير من عينيه بعصبية وغضب
:- هو مين فينا اللي يقرر حاجة زي كدة يا فريدة.
فتحت فمها لترد عليه، لكنه كان الأسرع وتابع حديثه بصرامة، لم يمهلها فرصة للتحدث والرد عليه
:- بصي يا فريدة، الموضوع دة يخصنا احنا الأتنين لأن مش حضرتك لوحدك اللي هتكوني أم.
قال جملته الأخيرة بغيظ وتهكم قبل أن يسترد حديثه مرة أخرى
:- آخر كلام في الحوار دة، أنتِ شايفة ان جه وقتها، أنا لسة مش شايف، لما نبقي نقرر احنا الأتنين نبقي نشوف الحوار دة.
انهى حديثه، وأولاها ظهره ببرود ولا مبالاه قبل أن يغلق النور الخاص بالغرفة، ويتمدد مرة اخرى كإن لم يحدث شئ.
بينما هي ظلت تبكي بمفردها، تجاهد بأقصى ما لديها؛ حتى لا تجعله يشعر ببكاءها، لكنه كان يعلم أنها تبكي الآن.
فهو قد اعتاد على هذا الشئ منها، عندما تحزن تبكي بمفردها دائمًا، لا يعلم لماذا أردف يحدثها بنبرة حانية لينة بعض الشي عن السابق
:- تعالي يا ديدا يلا نامي، واوعدك هفكر فالخطوة دي ونشوف مع بعض.
اومات برأسها إلى الأمام، ونهضت متوجهة فوق الفراش، نامت وهي تشعر بصراخ قلبها عليها من فرط حزنه، تشعر انه سيتفجر في أي حين دون أن تشعر تأتي على قلبها دائما، تعامله كانه آله شئ لا يشعر ابدًا...
❈-❈-❈
توقفت السيارة الخاصة بـعمر أمام منزل خاله، كان قلبه يعتصر قلقًا عليهاؤ فهي لم تعتاد ابدا على الجلوس بمفردها منذ أن كانت صغيرة حتى الآن.
لكنها هي الآن تجلس في بيت كبير مثل هذا، من دون وجود أحد، وصل أخيرًا نحو الباب الداخلي للمنزل، وفتحه بنسخة المفاتيح التي معه، تفاجأ بها لازالت تجلس اسفل فوق اريكة عريقة فخمة، تضم كلتا ساقيها معًا نحو صدرها، ودموعها تسيل فوق وجنتيها بضعف، بينما هي كانت نائمة لا تشعر بما حولها، من الواضح أن شرودها في الأحداث التي قد حدثت معها جعلها تنسي ذاتها، وكل شئ حولها.
غفت حتى تهرب من ذلك الواقع الأليم والذكريات الحزينة التي تهاجمها، منظرها وهييتها بتلم الحالة لم يفعل سوي على اثارة غضبه، دموعها التي تسيل جعلوه يغضب من الجميع وأولهم ذاته، قرر أن يسرع في إنهاء ما يفعل.
هي بريئة، وضعيفة جدًا يعلم ذلك، مهما تمردت و ادَّعت القوة والتجاهل، لكنه يعلم عن كم براءتها ونقاءها وضعفها، حتى الآن تحتفظ بهم في قلبها.
_تمردي، وعاندي على راحتك، لكنك ستخضعين في النهاية إلى اسوار قلبي المتيم بكِ؛ لأن حبنا لم يعي شيئًا بجانب تمردك_
هذا ما حال بخاطره، لكنه عن أي حب يتحدث الآن، هو في نظرها قد باعها وتركها، هل هذا هو الحب؟!
لم يشعر بحالها في ذلك الحين، ويتحدث الآن عن الحب، عجبًا له ولـحبه.
يشعر أنه في دوامة بل في حرب مجهدة الآن يحارب فكره، وقلبه اللذان لم يتفقا ابدًا على حل يرضيه ويريحه، قلبه يحثه على إنهاء كل شئ لأجلها و لأجل إنهاء حزنها.
بينما عقله يخبره بعواقب ذلك، يخبره بأن إنسحابه سيهدم كل ما فعله.
لوهلة أخيرة كان سينصر قلبه، لكن عقله قد عارضه وصرخ عليه، وقلبه الذي ينزف ألمًا أمام رؤيتها بتلك الحالة.
ليعود في النهاية إلي ذلك الحرب التي مازال بها في السابق، وهو لا يعلم ماذا يفعل يشعر بالحيرة، والتردد من شئ، لكن عندما يتعلق هذا الشي بها هي، فقد تتحول الحيرة إلى الحرب عاشقة مشتعلة بنيران تتآكل في قلبه.
يُتبع