-->

الفصل الأول - آنين وابتهاج



الفصل الأول


 _هل من الممكن أن تتبدل حياتنا في ليلة؟!

_نعم ليلة واحدة مكونة من بضع ساعات تكون قادرة على تغيير مجرى الحياة. 


❈-❈-❈



طالعت آلاء عمر بعدم رضا وضيق، ثم صاحت ترد  على حديثه بغضبٍ ساخرٍ، وهي تلعن طريقته تلك التي يتحدث بها معها 


:- والله تهزر ولا لأ، حاجة متخصنيش اصلا، بس هو مين قالك إن أنا موافقة ولا هوافق اصلا على جوازنا دة، عمر أنتَ لو آخر واحد في الدنيا مش هوافق بقا اصلا. 


أنهت حديثها بضيق، وعقدت زراعيها أمام صدرها الذي كان يعلو ويهبط بعنف بسبب الغضب الذي يصعف في عقلها. 


رد عليها ببرود، وحدة طفيفة، وهو يضع يديه في جيب سترته ببرود، ويعتلي ثغره ابتسامة خفيفة


:- لا هتوافقي تحبي تعرفي ليه يا آلاء هانم، لأن موافقتك دي هتكون قدام  إني موديش الفيديو بتاعك وأنتِ بتسرقيني دة للبوليس، آلاء هانم الحامدي بنت خالي حرامية وبتسرقني أنا، هسجنك يا آلاء،  ودة آخر كلام عندي. 


وقفت آلاء تستمع إلى حديثه بعدم تصديق، تشعر بالذهول يجتاح كل ذرة في عقلها، ظلت في صدمتها تلك، حتى شردت في مجرى حياتها قبل ذلك، و بدأت بعض الذكريات تهاجمها تتذكر ما حدث قبل ذلك. 


❈-❈-❈


كانت آلاء تجلس في غرفتها شادرة الذهن في عالم آخر، عقلها يُذكِّرها ببعض اللحظات التي كانت تعيشها مع عمر ابن عمتها، تقسم أن تلك اللحظات هي أسعد، وأجمل اللحظات التي عاشتها هي في حياتها.


نزلت الدموع من عينيها بحسرة شديدة على حياتها التي تبدَّلت مائة وثمانون درجة، خاصة بعض وفاة والدها حرمانها من والدها كانت الصدمة الأولى، والأكبر، الصدمة التي فُتِح بعدها عدة صدمات أخرى.


حقيقة شقيقها الذي تعامل معها بقسوة، وجفاء شديد كأنها لم تكن شقيقته، وكانت قسوته تزيد عليها بمرور الأيام وقد تحول سندها وأمانها في الحياة إلى مصدر تعاسة، لم يصمت عن معاملته لها إلا عندما سافر بحجة أنه سيتحمل مسؤولية شركات والدها في الخارج.


وقد حدثت الصدمة الأكبر والأقوى على قلبها الذي كان يصرخ يجلب الرحمة من الحياة التي تجلده بسوطها القاسي، فقد صُعِقت بعد تغيير طريقة عمر معها، أصبح يعاملها بجفاء، وبرود لم تعتاد  عليه منه هو تحديدًا. 


فـعمر هو أقرب شخص لها منذُ صغرها، و الأقرب آيضًا لـقلبها، تتمنى أن تعلم ما هو سبب تغيره معها في هذا الوقت بالتحديد، ولكن قد مرَّ عامًا كاملًا و هي لا زالت لا تعلم شئ عن سبب تغيره المفاجئ، تقسم أن ذلك العالم الذي مضى هو أسوأ عام في حياتها على الاطلاق.


  اسرعت تجفف دموعها بضعف شديد، عندما استمعت إلى صوت دقات خفيفة فوق الباب، تمتمت بخفوت تسمح لمن يدق أن يدلف. 


ولجت سناء الغرفة، ويرتسم فوق وجهها ابتسامة حانية، ثم  تمتمت قائلة لها بحب وهدوء 


:- إيه يا حبيبتي لسة مجهزتيش نفسك ليه، مش صاحبتك هتعدي عليكي عشان تنزلي تشترى فستان الحفلة بتاعت بكرة، قومي البسي وانزلي عشان نفطر وتلحقي تروحي. 


اومأت لها برأسها إلى الأمام بخفوت، واكتفت بتلك الإيماءة البسيطة، نزلت سناء تاركة إياها في الغرفة تجاهد وتحارب تلك الدوامة الفكرية المريرة التي تشغل عقلها، حتى نجحت بالفعل، وتغلبت على أفكارها.


نهضت من فوق الفراش متوجهة نحو المرحلض الخاص بغرفتها بخطوات بطيئة، وبدأت تعد ذاتها سريعًا، نزلت إلى اسفل ما أن انتهت، وجدتهم جميعًا يجلسون في غرفة الطعام، يتحلقون حول مائدة الطعام بملل شديد، من الواضح أنهم ينتظرون إياها.


تنهدت بصوت مسموع في محاولة منها لإكتساب بعض الطاقة، ثم توحهت نحو مقعدها مباشرةً دون أن تتفوه بحرفٍ واحدٍ.


تمتمت نغم شقيقة عمر تبرطم بتأفاف وضيق، وهي ترمق آلاء بغيظ شديد، وكأنها عدوتها


:- اوف بجد، كل دة ست هانم بتجهز، نازلة مؤتمر هتقابل الوزير مثلا. 


أنهت جملتها وهي تضحك بسخرية، وانتصار. 


طالعتها الاء بشراسة وغيظ، فهي تعلم ان نغم لم تحبها، لكنها مضطرة أن تتحملها، وتتحمل طريقتها الغير مقبولة؛ بسبب عمتها ومعاملتها الحنونة معها، فهي أصرت على أن تجلس معهم بعد وفاة والدها، وسفر ياسين إلى الخارج.


كادت ان ترد آلاء عليها، ولكن قبل أن تتحدث كان صدح صوت عمر الذي هتف بإسم شقيقته بنبرة جادة تحذيريه صارمة غير قابلة للنقاش


:- نغم ركزي في اللي بتعمليه. 


ابتلعت نغم ريقها الذي جفَّ فجاة بتوتر، وأسرعت تخفض بصرها  نحو الطعام، وهي تتمتم بخفوت، وارتباك حيثُ كان التوتر ينهش قلبها؛ بسبب نظرات عمر الحادة المصوبة نحوها كالنيران التي ستحرقها


:- ا... آسفة. 


اعتلى ثغر آلاء بتسامة واسعة تعبر عن انتصارها، و هي تتطلع نحو عمر بعشق جارف، وقد ارتفع صوت دقات قلبها حيث أصبحت تستمع إليهم بأذنيها، لكمها سرعان ما نهرت ذاتها، وخفضت بصرها سريعًا بخجل سريعًا بخجل عندما لاحظت أنه يطالعها و رآها وهي تنظر إليه، شرعت في تناول طعامها و هي تخطف له نظرة عاشقة في كل حين وآخر من دون أن يلاحظ. 


لكنها حمقاء فهو طوال جلسته لم يفعل شيء سوى أنه يراقبها بعينيه من دون أن يلاحظ أي أحد من الجالسين. 


لم تصدق أذنيها عندما استمعت إليه وهو يحدث نغم بجدية


:- بسرعة قومي اجهزي عشان تشترى الفستان دة لو عاوزاني اجي معاكي زي ما ماما عاوزة، غير كدة مفيش فساتين. 


اسرعت نغم تتوجه نحو غرفتها بخطوات شبه راكضة، بينما همست الاء إلى عمتها تسأل إياها بخفوت، و صوت منخفض أشبه بالهمس 


:- هو عمر يا عمتو هيروح معاها؟ 


اومأت لها سناء برأسها إلى الأمام، وهي ترد عليها بصوت خاغت محافظة على نفس الصوت الذي تحدثه به آلاء


:- أوة يا حبيبتي عشان تامر مسافر زي ما أنتِ عارفة. 


اومأت الاء لها بهدوء، وعادت تجلس في صمت مرة اخرى كما كانت.


بينما فريدة كانت طوال الجلسة تجلس في صمت تام، وكأنها في عالم آخر، تجلس حزينة منطفئة، عقلها شارد في سفر زوجها الذي أصبح شئ متكرر، تشعر أنه يتهرب منها بأي طريقة. 


❈-❈-❈

وصلت نهي الفيلا،وهي تبتسم بمكر شديد يعكس نواياها السيئة، صعدت مباشرة نحو غرفة آلاء التي كانت تجلس بتوتر من الواضح أنها تنتظر إياها، أردفت آلاء بضيق، وهي عينيها معلقة نحو ساعة الحائط المعلقة في غرفتها


:- سنة عشان تيجي يا نهى، تعالي بسرعة عشان نلحق.


قطبت نهى ما بين حاجبيها بدهشة، لم تفهم مغزى حديثها، ولكن قبل ان تسألها كانت آلاء سحبتها خلفها وسارت بخطوات شبه راكضة، حتى وصلت إلى أسفل، وهي تحمد ربها أنه لم يذهب حتى الآن. 


حدث كل ذلك تحت أنظار نهى المليئة بالدهشة، والتي لم تفهم شئ حتى الآن، تحدثت آلاء بصوت هادئ، وهي تضم كلتا شفتيها إلى الداخل تضغط عليهما بقوة


:- عمر هو ممكن اجي معاكوا أنا، ونهي صحبتي.


صمتت لوهلة بعدما اردفت جملتها، واستردت حديثها مجددًا قبل أن تستمع إلى رده، وهي تخشى أن يرفض طلبها 


_ أنا كدة كدة هشترى الفستان بتاعي من نفس المكان يعني. 


كان سيرفض بالتأكيد، فهو قرر أنه سيبتعد عنها، لكنه لم يستطع أن يحرجها أمام صديقتها؛ لذلك اومأ لها برأسه إلى الأمام ايماءة خفيفة، واكتفي بذلك الرد عليها. 


لم تستطع فريدة منع ابتسامتها التي زينت ثغرها، خاصة عندما رأت تصرفات آلاء الطفولية. 


لكنها لم تبالي لكل ذلك، تركت نهي تقف معهم، واتجهت هي بخطوات راكضة تصل نحو سيارة عمر، وجلست فوق المقعد الأمامي وهي تبتسم بانتصار وسعادة؛ لأنها ستجلس بجانبه. 


وقف كل من نهي ونغم يطالعونها بنظرات كره وضيق شديد، توجهوا جميعًا نحو السيارة يركبونها، وأنطلق عمر بهم. 


غمغم عمر يحدث آلاء، وهو حتى الان لم يستطع كبت ابتسماته؛ بسبب تصرفها الغير متوقع الذي باغته


:- إيه اللي عملتيه دة، كله ضحك عليكي.


رفعت كلتا كتفيها إلى أعلى بلا مبالاه، ثم ردت عليه بلوعة 


:- عادي يضحكوا مش مهم عندي، المهم إني أعمل اللي عاوزاه، وعلى فكرة أنتَ السبب.


قالت جملتها الاخيرة بنبرة مغزية تلمح له عما حدث في حياتهما بسببه، حياتهما التي تحولت في ليلة إلى حيتة أخرى تعيشها بالإجبار، وكان جميع السعادة التي كانت في حياتها قد نفذت، والآن تعيش نصيبها من الحزن والألم. 


التزم عمر الصمت، فكان الصمت هو الحل الأنسب له  عندما يشعر أن الحديث لم يعجبه، ثم وجه بصره في المرآه الأمامية من السيارة، يحدق بـنهى نظرات طويلة غير مفهومة، لكن تلك النظرات جعلت الغيرة تنهش في قلب آلاء بل تأكله بأكمله، تشعر ان النيران تحرق قلبها تمامًا. 


فأسرعت آلاء تتحدث بسخرية، وصوت مرتفع؛ حتى تجذب انتباهه 


:- والله يا استاذ كدة هنعمل حادثة، و نموت كلنا لا هينفعنا نظرات مراية ولا غيرها. 


عقد الحميع حاجبيهم بعدم فهم، وطالعوها بدهشة بينما عمر ردَّ عليها بصرامة، وجدية لم تعتاد عليها منه من قبل، فهو قد فَهم مغزى كلماتها 


:- متخافيش طول ما أنتِ راكبة معايا أنا بالذات، والله لو عاوزة تموتي أو حاسة بكدة مكنتيش ركبتي معايا من البداية دو أنا عمر السنماري، لو خايفة على روحك كدة محدش غصبك، أنتِ اللي جريتي تركبي ولا كأنك في سباق.


زفرت بحنق وضيق، وهي تشعر انه هزمها بحديثه الذي لم تجد رد مناسب حتى ترد به عليه، فهي حقًا لعنته داخل عقلها أكثر من مرة، تلعن طريقته الباردة بشدة، تريد ان تخرج عقله و تكسره، تشعر كأنه لوح من الثلج الذي لا يشعر، لكنها لم تتجرأ على أن تتفوه بأفكارها بصوت عالٍ، بالطبع تخشاه وتخشى رد فعله؛ لذلك غرزت اسنانها في شفتها السفلي، وظلت تضغط بقوة فوق شفتها و هي تشعر بالهزيمة أمامه، النتيجة المعتادة في كل مرة وكل جولة تدخلها معه. 


توجه الجميع صوب المكان المخصص لـشراء الفساتين ما يعرف بـ(الأتيليه).


سارت هي مع نهى التي بدأت تختار معها بعض الفساتين على مضض وهي تتأفأف عدة مرات بداخلها، وقفت نهى أمام احدي الفساتين، وأشارت  عليه بسبابتها ثم تمتمت بإعجاب 


:- واو الفستان دة تحفة أوي يا آلا،  إيه رأيك؟ 


تطلعت الاء نحو الفستان، لكنها وجدته قصير للغاية بالطبع قررت بأنها لن ترتديه قط في يوم بايام حياتها.


لكنها ابتسمت بمكر عندما  انتبهت إلى عمر الذي كان ينظر لها ويتابع كل حركة تفعلها من بعيد من دون أن يلاحظ أحد، ابتسمت ابتسامة هادئة مصحوبة بثقة، ثم  ردت عليها بصوت عالٍ نسبيًا؛ حتى يصل إلى مسامعه، وهي تبتسم بتسلية، قررت أن تختبر غيرته عليها 


:- تصدقي فعلا تحفة أوي يا نهى، ثانكس يا قلبي، خلاص هاخده. 


ما ان انهت أحرف جملتها الصغيرة، حتى وجدت مَن يقبض فوق معصم يدها بقوة شديدة، طالعته بدهشة لا تعلم كيف اقترب منهل بتلك السرعة، فلم يمر ثواني على انتهاء جملتها وها هو آتى إليها بسرعة البرق، غمغم يحدثها من بين أسنانه بصرامة وحدة، وهو يضغط فوق كل حرف يتفوهه 


:- أنتِ اتجنـنـتي صح، هو إيه اللي هاخده، دة تروحي تلبسيه في أوضة نومك احسن يا آلاء هانم. 


ترك يدها عندما لمح نظرة الوجع في عينيها، هو يحفظ جميع النظرات الخاصة بها، ليس نظراتها فقط بل أدق تفاصيلها، استرد حديثه يتابعه بجدية أكبر، وهو يرمقها بنظرات حادة تخترقها كالسهام 


_ قسما بالله يا آلاء لو ما اتنيلتي اختارتي حاجة عدلة ومحترمة لكون جَـرِّك ورايا مروحك على البيت، لا تحضرى حفلات، ولا زفت، قال هاخده قال هو دة فستان اصلا. 


اومأت له برأسها إلى الأمام ببطء، وهي تمتمتم بصوت خافت يكاد لا يستمع


:- ح.. حاضر..حاضر يا عمر. 


سارت من امام ذلك الفستان وهي تبرطم بعدة كلمات بصوت خافت لا يستمع، تلعن افكارها المندفعة، فهي تعلم جيدًا كيف يتحول عمر عندما تقوم هي بإستفزازه بحركة غير مألوفة من حركاتها الدائمة.


وأخيرًا وقع اختيارها على احدي الفساتين المحتشمة الهادئة التي تتناسب معها. 


❈-❈-❈

في المساء


كانت الاء تجلس في غرفتها بوجه شاحب كشحوب الأموات، الدماء هاربة منه تمامًا، لا تعلم كيف اعدت ذاتها لحضور الحفل؟! كانت بالتأكيد ستعتذر عن ذهابه لكنها تريد أن تتأكد من الظنون التي تمكنت من عقلها. 


تتمنى أن يتوقف عقلها عن التفكير، تطلب من الرحمة، نعـم الرحمة كلمة بسيطة مكونة من عدة أحرف لكنها تريد أن تشعر بها، وكأن كل حرف يحمل خلفه العديد من المعاني الأخرى، تطلب من عقلها ان يرحمها فهو كالسوط القوي الذي يجلدها بأفكاره المؤلمة بشدة نسبة لها. 


غير مصدقة ما رأته بالتأكيد كل ذلك كذب، عمر من المستحيل أن يعرف أي فتاة أخرى، هي واثقة أنه مازال يحبها ويعشقها كما كان لم يتغير به أي شئ، بالطبع كل ذلك كذب.


قطعت جبل أفكارها المشتتة التي ستجعل عقلها ينفجر، عندما وجدت فريدة تدلف  عليها الغرفة بعدما دقت عدة مرات لكن من الواضح أنها لم تنتبه.


شعرت فريدة بالدهشة ما أن رآتها؛ بسبب هيئتها التي تدل على حدوث شئ خاطئ، وجدتها في غرفتها فوق الفراش شاردة الذهن، غير واعية تمامًا لأي شئ حولها، كأنها في عالم آخر منفصل تمامًا عن الحياة.


عقدت فريدة حاجبيها بدهشة، واقتربت منها تهز إياها برفق؛ حتى انتصرت في النهاية في جذب انتباهها وخروجها من دوامة أفكارها القاسية عليها، كانت لا تعلم لمتى ستظل بها، انتبهت لها على الفور وغمغمت تسأل إياها بخفوت 


:- في إيه يا فريدة؟


ظهر معالم الدهشة فوق ملاكح فريدة، لكنها لم تنجح تلك المرة في إخفاءها، أردفت تجيبها بنبرة هادئة


:- يلا يا بنتي كله جهز تحت، و مستنيكي عشان نتحرك في حاجة ولا إيه، مال شكلك تعبان كدة؟ 


حركت رأسها نافية، تجاهد أن تجبر شفتيها على رسم ابتسامة زائفة حتى نجحت بالفعل، وسارت معها وهي ترسم تلك الإبتسامة الباهتة الخالية من أي مشاعر حقيقية.


تسير كالبلهاء التي لا تدرى شئ عـمَن حولها في الحياة، تشعر أنها أصبحت في عالم آخر، عالم منفصل عن هذا العالم الذي تعيش فيه، تتمنى أن تخرج قلبها من جسدها؛ حتى ترتاح من كل ذلك الوجع والتعب اللذان تشعر بهما، لا تعلم منذُ متى وأصبح الحُب متعب ومهلك؟


ترى الجميع يحب ويعشق، لكن لماذا...لماذا هي فقط مَن تعاني؛ بسبب الحب وكأنها اجرمت وفعلت شئ خطير لابد من المعاقبة عليه؟

أصبحت تتمنى لو أنها لم تحب عمر في يومٍ من الايامٍ، كان من الممكن أن حينها ترتاح من هذا الوجع و الواقع التعيس التي تعيش فيه.


لا تعلم لماذا حياتها تسير بتلك الطريقة في عام وبضعة أشعر قد تبدلت حياتها التي كانت تشبة اللوحة الفنية الجميلة، حياة ملونة بألوان زاهية، كانت ابتسامتها الزاهية لا تفارق وجهها، لكن فجأة ودون سابق إنذار تلطخت تلك اللوحةٍ باللون الاسود القاني، حيث ابتسامتها قد محت من فوق شفتيها.


اصبحت لم تبتسم سوى لمجاملة بعض الأشخاص؛ حتى لا يشعرون بما تمر به، أصبحت تكره كل شئ في حياتها، تتمنى أن ترحل من هذا العالم، وتذهب بجانب والديها اللذان عاشوا حياتهما في لاجل سعادتها فقط.


فاقت من شرودها على صوت عمر الذي أردف يتحدث مع فريدة بهدوء واحترام 


:- اركبي أنتِ يا فريدة مع ماما و أنا هاخد الاء ونغم معايا. 


حركت رأسها عدة مرات نافية قبل أن يصدح صوتها المعترض، وتحدثت بصوت مرتفع يملؤه اليأس وخيبة أمل


:- لا.


توجهت أنظار الحميع نحوها بدهشة، فاكملت حديثها بخفوت شديد


:- لأ، أنا عاوزة اركب مع عمتو مش معاك.


أنهت جملتها وتوجهت تقف بجانب سناء تمسك في زراعها بقوة، كالطفلة الخائفة التي تمسك في يد والدتها حتى لا تذهب إلى مكان مجهول.


تشعر أنها كالتائهة، تائهة في تلك الحياة و متاعبها، بقدر ما أُخِذَت من الفرح والسعادة،  تأخد الآن نصيبها من الوجع، الخذلان، والإنكسار..


ردت سناء بهدوء، وهي ترى حالتها الغير متزنة، التعب والضغف باديان بوضوح فوق قسمات وجهها


:- خلاص يا حبيبتي اركبي معايا، مفيش مشكلة، معلش يا فريدة اركبي أنتِ مع نغم، وأنا هركب مع آلاء. 


اومأت فريدة برأسها إلى الأمام بهدوء، بينما عمر ظل ينظر لها بقلق شديد يحاول يتفحص حالتها، لا يعلم ما بها، وما الذي جعل حالتها تتغير، في الصباح كانت في حالة أفضل من الآن.


دلفت  مع سناء السيارة ببطء، ظلت سناء تسأل اياها طوال الطريق عن حالها، لكنها بالطبع لم تجيبها،لا تعلم كيف تجيبها، و ماذا تحيبها من الأساس؟ 


لا أحد يشعر بما تشعر هي، صدمة كبيرة حتى الآن يعجز عقلها عن استيعابها. 


وصلوا جميعًا الحفل، كان الجميع يسير بإنطلاق في القاعة المخصصة للحفلة، بينما هي تجلس فوق مقعدها لا تريد ان تنهض من فوقه، تجلس بذهن شارد، نهضت عندما اخبرتها سناء أن تذهب مع الجميع بدلا من جلوسها بتلك الهيئة، كانت سترفض في البداية لكنها اخبرتها أن الجميع سيتحدثون عليها؛ لذلك وافقت على مضض.


بدأت تتجول بين الجميع، وهي ترسم فوق وجهها ابتسامة زائفة، تشعر بثقل كبير في قلبها، انين منبعث من قلبها المجروح، ألم شديد يعصف في جميع أنحاء جسدها، تتمنى أن تصرخ لتفرغ ما تكبته بداخلها، لكن هيهات فبالطبع ليس جميع ما نتمناه يحدث في حياتها، هي لم تستطع أن تفعل ذلك؛ بسبب الناس والأجواء التي حولها. 


تصنمت اقدامها فجأة في الحفل، وكأن الدنيا قد وقفت عند تلك اللحظة، رأته يدلف الحفلة هو وتلك الفتاة، شعرت أن العالم بأكمله توقف في تلك اللحظة، على الرغم ما علمته في الصباح عن علاقتها بـعمر والحزن والوجع التي تشعر به بسببها، لكنها لم تتخيل قط ان تاتي الحفل معه وهي بتلك الجراءة.


تتمنى أن عينيها تكون كاذبة في تلك الوهلة، ويكون ما حدث مجرد تخيل..تخيل تتخيله عقلها، لكنها شعرت بخيبة أمل كبيرة تجتاحها عندما علمت أن هذا واقع ليست تخيل كما تمنت في عقلها.


للأسف هي الآن موجودة في الحفلة معه، كانت تتطلع نحوها وتبتسم بشماتة عندما رأت دموع آلاء التي كانت تنزل فوق وجنتيها بغزارة، والضعف بدا عليها أمام الجميع.


كانت ستقترب منها، وتضع سمها؛ ليزداد حزنها وهمها أكثر، لكنها توقفت مكانها عندما وضعت آلاء يدها فوق رأسها بتعب واضح، وهي تشعر أن الدنيا باكملها تدور حولها، غيمة سوداء آتت أمام عينيها.


أغمضت عينيها، ولم اشعر بشئ آخر فكل ما رأته نظراتها الشامتة الموجهة صوبها كالسهام.


وقعت آلاء أرضًا فاقدة الوعي، تريد أن تهرب من هذا الواقع ومتاعبه، تتمنى وتدعي ربها مليون مرة أن تفقد حياتها تمامًا؛ حتى ترتاح مما تعيشه، لا تريد شيء آخر في هذا الوقت سوي تلك الامنية.


لا تعلم كيف ستعيش بعدما علمت بعلاقة عمر مع واحدة أخرى، ومن الممكن أن يتزوجها كما قالت لها، كيف ستستطع أن تراه معها، وهي في كل وهلة تراه فيها معها ستشعر بالانكسار والوجع،  تتمنى أن تستيقظ وتجد حياتها مازالت كما هي بألوانها الزاهية، تعود ابتسامتها المشرقة تزين وجهها كما كانت، تجد كل هذا الوجع والتعب الذي تعيشه الآن قد تبخر، وحل محله السعادة و الفرح كما كانت تعيش، تجد كل شي كما كان.


  تريد أن تبوح له عما بداخلها، تتمنى وتتمنى، 

تمنت امنيات كثيرة لكن من الصعب أن تحدث له،  نحن نتمنى أشياء عديدة غير واقعية؛ حتى نهرب بها من الواقع الأليم؛ لذلك يجب علينا أن نصمد ونواجه هذا الواقع المُر عليها هي خاصةً، وقعت  أرضًا وهي تظن أنها لن تنهض مرة أخرى.


تشعر أن الحزن، والهزيمة قد كُتِبا عليها في تلك الحرب العاشقة التي تخوضها


يُتبع..