-->

الفصل الثالث والعشرون - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى




 الفصل الثالث والعشرون


النسخة الفصحى  

شكر خاص لـ سمر إبراهيم للقيام بتعديل الحوار للفصحي



حاولت التغلب على ارتباكها وتفقدت باب غرفتها أكثر من مرة ولكنها لم تطمئن بالكامل، والساعة قد قاربت بالفعل على التاسعة مساءًا، وهي لا تريد أن تهاتفه في وقت متأخر، فهي حتى لا تحدث الرجال على الإطلاق، لا تريد ترك انطباع له أنه يمكنه أن يحدثها مثل ما يريد ووقتما يحلو له!


 


قررت أن تأخذ جولة بالمنزل لتعرف أين الجميع وحتى تتأكد أن الوضع آمن لتقوم بمهاتفته قبل أن يتأخر الوقت أكثر من هذا فأول ما فعلته تفقدت غرفة مكتب والدها لتجد الأضواء مغلقة والصمت يعم المكان فهدأت قليلًا، هي لا تستبعد أبدًا أن "عمر" قد يكون أخبره عن رؤيتها إياه حتى ولو بصحبة "روان" لن يقبل كلاهما الأمر!


 


اتجهت بعدها إلى المطبخ فلابد أن والدتها تصنع لـ "عدي" العشاء أو تطمئن على ما سيتناوله فهي لا تذهب للنوم مطمئنة دون هذا وكأنه فرض عليها..


 


حاولت أن تستطلع الأخبار قليلًا فحدثتها قائلة:


-      أمي هل انتِ على علم بموعد عودة أبي؟ فأنا أريد منه نقود من أجل الجامعة.

 

 


أجابتها "مها" بعد أن تفقدتها بنظرة جانبية ثم عادت لتنظر لما تفعله:


-       أنتِ تعلمين جيدًا أنه لا يخبر أحد بمواعيد حضوره، ولكنه اعتاد أن يتأخر هذه الأيام.


 


همهمت وهي تقترب منها وتفقدت ما تصنعه ثم قالت بحماس:


-       هلا تعطيني قطعة من تلك الحلوى التي تعدينها.


 


رمقتها ببعض الانزعاج ثم قالت:


-       يمكنكِ أن تأخذي القليل واتركي الباقي لعُدي فأنتِ تعلمين كم هو يعشق هذا النوع من الحلوى.


 


أطلقت زفرة بتهكم ثم غمغمت وهي تأخذ بعضًا في واحد من الأطباق التي احضرتها:


-      وهل أنا لست ابنتكِ ك عُدي؟ لما لا تدللينني أنا أيضًا مثلما تفعلين معه؟ أم هو فقط من تقومين بعمل الحلوى من أجله وأنا لا؟ ثم أنه أين عُدي الآن؟ هل يسهر في الخارج ك كل ليلة أم ماذا؟


 


تفقدتها والدتها بنظرة مطولة ثم قالت ببعض السخف:


-       لقد هاتفته منذ قليل، ونعم سوف يتأخر في الخارج، ثم إنني وأنا في مثل عمرك كنت أساعد والدتي رحمة الله عليها، وأقوم بكافة أعمال المنزل بجانب دراستي وكنت ماهرة جدا في الأعمال المنزلية،  عندما تحتاجين لشيء قومي بعمله بنفسك.


 


ابتسمت لها ابتسامة لم تكشف أسنانها حتى باتت شفتاها خط مستقيم وعقبت قائلة بنبرة ذات مغزى:


-       هل تقارنين دراستك بدراستي؟ هل ما كنتي تدرسينه في الجامعة مثل ما أقوم بدراستي الآن في كلية الطب جامعة الأزهر؟ شكرًا جزيلًا لكِ يا والدتي العزيزة.

 


تركت الطبق بعد أن قامت والدتها بإفساد شهيتها للحلوى ثم اكتفت بتناول زجاجة مياه وتوجهت لغرفتها فهي من النادر أن تترك أمها شاشة التلفاز التي يُعرض عليها المسلسلات التركية التي تعشقها وتتفقدها بغرفتها وقد أطمئنت بالفعل أن والدها وأخيها بالخارج ولن يعودا عن قريب، عليها فقط أن تتفقد المرأب من الشرفة وهي تُحدثه وعلى كل حال هي لن تطيل بمكالمتها!


 


طالت زفرتها وهي تحدق برقمه ثم نظرت لباب غرفتها من جديد ونهضت لتطفأ الأنوار حتى يظن الجميع أنها خلدت للنوم وشعرت بالارتباك يُسيطر عليها من جديد فقامت بتغير اسمه من "يونس" إلى "بسنت" حتى لو تفقد أحد هاتفها لن يرتاب بشأنها، هي على شفا حفرة من إفساد "عمر" لحياتها ولا تريد المزيد من الأسباب التي تدعم هذا الفساد..


 


وقفت أمام الشرفة تتابع وصول أي منهما ثم قامت بالاتصال به وهي تشعر بتوتر شديد وخفقات قلبها تتصاعد اضطرابًا من الموقف نفسه فهي لم تهاتف رجل من قبل، ربما السائق أو رجل تقوم بالحجز معه من أجل دراستها ليس إلا، وخاصة هذا الرجل هو معجب بها فأصابها المزيد من الخوف لتُفكر أن تنهي المكالمة ولكنها قد تأخرت بالفعل:


-       أخيرًا!


 


وصلها صوته لتحمحم وهي تشعر بأن لسانها انعقد وحاولت البدء بالكثير من الكلمات ولكنها وجدت نفسها بمنتهى العفوية توبخه بشدة:


-       كيف تسمح لنفسك أن تأخذ رقم بسمة وتحدثها وتخبرها أن تجعلني أتحدث معك، ألن تكتفي من أفعالك الصبيانية تلك يا سيد يونس؟

 


اعتصرت عينيها وهي تهز رأسها نادمة على ما تفوهت به وتزايد ارتباكها بينما لم تستمع منه سوى لهمهمة بتفهم شديد وفاق كل توقعاتها عندما عقب بغزل صريح ونبرة دافئة على كلماتها:


-       عندما يجد رجل عاقل فتاة ذات قدر عالي من الجمال، محترمة، لا غبار على أخلاقها، متفوقة دراسيًا، ولا توجد من لفتت نظري مثلها، فمن المفترض أن أحاول بكل الطرق أن اصل إليها، أم لكِ رأيًا آخر؟


 


لسانها لن يستطيع أن يقوم بالرد على هذه الكلمات، هذا لم يكن الهدف من البداية، لن تسمح له بالتمادي، ولكن عليها انتقاء كلماتها جيدًا دون تلعثم، عليها أن تسأله بثقة شديدة كما تتحلى بها دائمًا مع الجميع:


-       هل يمكنني أن أعلم ما الذي تريده مني سيد يونس.




 


غمغم بعدم رضاء:


-       سيد مرة أخرى! ولازلتِ تتسائلين ما الذي  أريده منك؟

 


تريث لجزء من الثانية واستمعت لتنهيدته ثم اجابها في النهاية:


-       السيد يونس يريد أن يتعرف عليكي أكثر، وصدقيني لا يوجد لدي أي مانع للإرتباط إذا وجدت أنتا متفاهمين ولدينا مشاعر متبادلة، هل تريدين مني أن أعطيكي إجابة عن سؤالك مرة ثالثة ورابعة وخامسة فلا يوجد لدي مانع أن أقوم بذلك.


 


سكتت ودام صمتها، مشاعر، مشاعر ماذا هي حتى لا تعرفه، وجدت نفسها يزداد ارتباكها وتحدق بالأرضية ثم انتبهت بعد مُدة للشرفة من جديد حتى تخبره ما لديها قبل وصول أخيها أو والدها فقالت وهي تحاول أن تتحلى بالثقة:


-       حسنًا إن كنت تريد التعرف علي أمامك هذه المكالمة يمكنك أن تسأل ما تريد وتتعرف عليّ كما تحب، سنتحدث مرة واحدة وأنا ايضًا لدي الكثير من الأسئلة وشروط معينة أريد توافرها في الإنسان الذي أريد أن أرتبط به في يوم من الأيام، وبعد ذلك ستعطيني بعض الوقت لأفكر فإن كان الأمر مناسب لي وقتها يمكننا أن نتقابل ولكن عُدي سيكون موجود معنا في تلك المقابلة.

 


صُدم من كل ما استمع له ثم تعجب بعفوية:


-       ماذا؟ عُدي!!


 


سرعان ما نهته بزجرٍ واضح:


-       نعم عُدي، أم أنك تتصور أنني من الممكن أن أرتكب ذلك الإثم وأقوم بالخروج مع أحدهم دون علم عائلتي؟ فأنا لا يمكنني فعل ذلك.


 


خلل شعره بعصبية ثم عقب بزفرة طويلة ولكن دون أن يُفسد ما توصل له معها:


-       موافق..


 


سرعان ما سألته فهي بالكاد استطاعت أن تتحدث بجمل مفهومة وتشعر بالخوف ما لو ظهرت أمامه كفتاة صغيرة:


-       تفضل كيف تريد أن تتعرف علي؟




 


كرجل اعمال، يفهم جيدًا أنه من الغباء أن تدلي بم في رأسك أولًا وتكشف أوراقك في بداية اللعبة، ليدعها تسأل هي ما تريده:


-       لا، يمكنكِ أنتي أن تبدأي، ما الذي تريدين معرفته عني؟


 


لن تتشاجر كالطفلة على من يبدأ أولًا، لديها معايير معينة عرفتها منذ صغرها، هي تريد كل شيء على النقيض من والدها وأخويها، فبدأت بأول ما صدمه:


-       هل أنت منتظم في الصلاة؟


 


تريث لبُرهة ثم أجابها:


-       في الحقيقة لا، من الممكن أن أقوم بالصلاة يوم الجمعة، وصلاة العيد، وأحيانًا أصلي التراويح وجميع الفروض في شهر رمضان، ولكني مسلم وملتزم بصيام شهر رمضان، ما الذي تريدين معرفته أيضًاً؟

 


لن تتقبل أبدًا رجل لا يحافظ على صلاته، هذه العلاقة محكوم عليها بالفشل، ولكن لتنتهي اولًا من ترتيب أسباب رفضه:


-       كم تبلغ من العمر؟


 


همهم ورد متسائلًا بابتسامة تستطيع رؤيتها فضلًا عن سماعها:


-       كم تعطيني من العمر؟


 


سرعان ما زجرته بنبرة رسمية:


-       من فضلك أنا لا أمزح معك هنا، هناك أشياء معينة أسأل عنها وأتوقع منك أن تجيب عليها بصراحة، كيف يمكنني أتوقع كم هو عمرك؟ هل أمتلك بطاقة هويتك حتى أعلم ذلك؟ إن كنت تريد المزاح يمكنك أن تتحدث مع فتاة أخرى غيري تسمح لك أن تمزح معها.


 


ضحك على ما يمر به ساخرًا من نفسه في المقام الأول ثم عقب مجيبًا سؤالها:


-       أنا لا أعلم لماذا تأخذين المواضيع بجدية هكذا؟ عمومًا سوف أُتِم التاسعة والعشرون من عمري في شهر ديسمبر القادم، هل لديكِ أَيّة أسئلة أخرى.




 


أجابته بجدية شديدة:


-       بالتأكيد لدي، هل لديك أي مانع أن أعمل بعد التخرج؟





 


آتاها رده بعفوية فورًا دون أن يأخذ وقتًا للتفكير:


-      ولماذا يكون لدي مانع في عملك، ما هذا السؤال الغريب، فمن البديهي ألا يوجد هذا السؤال من الأساس.

 


بدأت أن تطمئن قليلًا فأضافت ببعض التلعثم:


-       وإن، وإن أحببت أن أستمر في الدراسة بعد التخرج وأنت تعلم أن دراسة الطب لا تنتهي هل ستتضرر من ذلك في يوم من الأيام.


-       لا!


 


آتاها إجابته مقتضبة وواضحة فتابعت من جديد:


-       في حالة أن وافقت على الارتباط والزواج بك ألن تأتي في يوم وتخبرني أن أكتفي من الدراسة والعمل وأن البيت والأولاد أهم من ذلك وأنك يجب أن يكون لك الأولوية قبل أي شيء آخر سواء كان دراسة أو عمل.


 


تنهد ليُجيبها بهدوء ونبرة شعرت بابتسامته خلالها:


-       فلنتزوج أولا وسأفعل لكِ كل ما تريدين، ماذا تريدين؟ عيادة؟ سأحضرها لكِ قبل الزواج إن أردتي ذلك، وفي المكان الذي تختارينه، هل ترغبين أن تدرسي في جامعة أخرى سواء أردتي عمل الماجستير أو إكمال دراستك بها لا يوجد لدي مشكلة في ذلك، أنا فقط أريد أن أطرح عليكِ سؤال وحيد.


 


تريث لبُرهة ليستمع ولو لأي كلمة تدل على أنها مهتمة بما يقوله ولكنها كانت غائبة بتلك الكلمات التي استمعت لها فأكمل هو وقد أحبط بداخله:


-       لماذا لا تتحدثين عن شيء سوى عملك ودراستك فقط؟


 


قالت بنبرة تلقائية تعجبت بها:


-       وما الذي يمكنني أن أتحدث به غير ذلك؟


 


تناول نفسًا طويلًا ثم زفره وهو يحدثها بصوتٍ دافئ لتصدمها كلماته:


-       هل هناك من تعرفتي عليه قبل ذلك وأخبرك على سبيل المثال أنكِ بعد التخرج والزواج لن تكملي دراستك؟



-       لا، لا، شخص مثل من؟ أنا لم أتعرف على أحد من قبل.

 


كان ردها عفوي غير مُحضر له مسبقًا فسألها من جديد:


-    لماذا إذا ذلك الخوف الشديد الذي لديكِ؟ لماذا كل حديثك عن دراستك وكأنني مثلًا سأمنعك عنها في حالة ارتباطنا.

 


استمع لصوتها المهاجم الذي لا يعرف ما الدافع وراء كل هذا الهجوم به:


-       أنا أعرف الرجال جيدًا في البداية يقولون كلام معسول والوعود وبعد ذلك يذهب كل ذلك أدراج الرياح.


 


همهمة طويلة غادرت شفتيه ثم سألها:


-       ومن أين يمكنكِ أن تعرفيهم جيدًا وأنتِ ليس لديكي علاقات قبل ذلك.

 


عقدت حاجبيها ولم يُعجبها تلك السخرية الخفية بنبرته ثم دافعت بشدة عما تقصده:


-       عدم تجاربي السابقة ليس معناها أنني لا علم لي بما يحدث للنساء والفتيات  في حياتهم، على الأقل أستطيع أن أفهم الرجال جيدًا من تجارب النساء والفتيات اللائي ارتبطن وتزوجن. وليس معنى حديثي أنك مثل غيرك من الرجال أو أكون أنا مثل باقي النساء ولكن على الأقل عندما أرى ما يحدث حولي من مشكلات تتعرض إليها النساء يوميًا  يجعلني ذلك أتحرى جيدًا عند اختيار شريك حياتي.



 


فكر قليلًا بكلماتها ثم عقب بمنتهى الموضوعية من وجهة نظره:


-       ما قلتيه جيدًا نوعًا ما فبالرغم من معرفتك الجيدة للنساء من حولك وحتى لو صدقوكي القول ولكنك لم تستمعي الى الطرف الآخر، ليس معنى أن كل رجل رفض عمل زوجته سواء كان ذلك لتفكيره الرجعي المتخلف أو لأوهام كامنة في عقله أن جميع الرجال هكذا وأن من سترتبطين به سيرغمك على ذلك هو الآخر، كما أننا لا نعلم فمن الممكن أن يكون عمل هؤلاء النساء مرهق لصحتهن ويؤثر عليهن بشكل سلبي، فيجب أن تعلمي أننا لا يجب أن نصدق كل شيء نسمعه.

 


اقتنعت بكلماته نوعًا ما ولكنها وجدت أنها ستدخل بنقاش طويل لا نهاية له الوقت بدأ يمر وهي تشعر بالخوف لو وصل أخيها أو والدها فحمحمت ثم قالت برسمية:


-       حسنًا، في النهاية أريد أن أخبرك أنني سأكمل دراستي وعملي ولن أجبر أحد أن يحضر لي عيادة خاصة، ونظرًا لِكِبَر سنك فمن المؤكد أنك تريد أولاد وأنا لا يمكن أن أفكر في ذلك الأمر قبل أن أبلغ السابعة والعشرون من عمري وأنا الآن أبلغ من العمر عشرون عامًا، فهل من الممكن أن تنتظر سبع سنوات من أجل فقط أن أفكر بالأمر وأستطيع أخذ قرار فيه، كما أنك يجب أن تعلم شيئًا آخر فأنا من المستحيل أن أقبل بالارتباط بشخص غير منتظم في الصلاة ولذلك اعتقد من البداية أننا لا نصلح لبعضنا البعض وغير مناسبين لبعض.

 


خلل شعره وبدأ في الانزعاج بشدة فسألها بنبرة حادة قليلًا:


-       هل تعتقدين أنكٍ بذلك تكونين قد أغلقتي جميع الأبواب في وجهي، فمن الذي أخبركٍ أنني أريد أطفالًا في وقت قريب، ومن أيضًا الذي قال أنني لا أصلي؟ لن أقول لكِ أنني دائم التردد على المساجد وأنني من المسجد للمنزل ومن المنزل للمسجد ولكني سأحاول أن أصبح أفضل، لما أنتِ دائما صعبة المراس هكذا؟ هل لديكِ عقدة من الرجال؟ أم ماذا؟

 


ربما جُملته الأخيرة التي تسائل بها كانت في غاية العفوية، ولكنها كانت الحقيقة الموجعة، فالرجل المتحكم القاسي الذي طُبع اسمه بعد اسمها ببطاقتها الشخصية، والثاني الغائب الذي لا تتذكر ملامحه بالكامل، والآخر المُدلل بشدة من والدته، لم يتركوا لها سوى كراهية الرجال والتصديق باستحالة التعامل معهم!


 


راجع كلماته قليلًا ليشعر بأنه أفسد كل محاولاته للوصول إليها فسرعان ما قال من تلقاء نفسه قبل أن تشن حملة هجوم كلامي حاد عليه:


-       أعتذر لكِ فأنا لم أقصد أن أتحدث بتلك الطريقة ولكن طريقتك في الحديث قد أثارت غضبي، فهذه ليست طريقة لبداية تعارف بين اثنين، أقصد أنه كان يمكنكِ أن تسأليني ألف سؤال غير تلك البديهيات التي تحدثتي عنها، فعملك ودراستك هم حياتك أنتِ وقراراتك أنتِ لكِ كافة الحرية في ذلك الشأن، وليس لي حق التدخل في ذلك، أما قرار الإنجاب فمن المؤكد أنه سيأتي بالاتفاق بيننا، وبالنسبة للصلاة ف لكٍ كل الحق في ذلك كما أن يارا دائمة التحدث معي في هذا الموضوع، أعتقد أنني بذلك أكون قد أجبت على كل شيء تريدين معرفته، فهل لديكِ أسئلة أخرى تريدين مني الإجابة عليها؟


 


فكرت قليلًا وهي بعد كلماته الأخيرة لا تجد أي سبب للرفض ثم سألته لتقول:


-       لماذا أنا؟ ما الذي يجعلك تتكبد كل ذلك العناء حتى تتعرف علي؟


 


تنهد وسمعة ضحكة خافتة ثم اجابها:


-       هذه قصة طويلة جدًا قد مر علبها سنوات، هل لديكِ الوقت لسماعها؟



❈-❈-❈

بعد مرور خمس أيام..


-       ماذا تريد يا باسم؟



هذه بالطبع ليست بالطريقة المُثلى ليقوم بافتتاح مكالمة هاتفية ولكن كان عليه أن يتعامل بهذه الطريقة وإلا لن يتوقف هذا المزعج عن ارسال الرسائل له!


 


-       سيد عمر يوجد تصريحات دفع كثيرة جدًا لاستخدامات شخصية  وبمبالغ ضخمة جدا وشيكات مصرفية تحتاج توقيعك، أصحابها ينتظرون منذ أكثر من ثلاثة أشهر ونحن لم نعتاد أن تأخر عليهم من قبل.


 


حسنًا لم تُعجبه هذه الأخبار، ولكنه سيُنهي هذه اللعنة حالًا:


-      هؤلاء الأشخاص نحن نتعامل معهم منذ متى؟


 


ارتبك المتواجد على الطرف الآخر من الخط فهو يعلم منذ متى ولكن هذا السؤال البديهي يبدو وأنه سيكون بداية لغضبه الذي لا ينتهي:


-       منذ سنوات أقلهم نتعامل معه منذ عامين على الأقل. 


 


من هذا التوتر الذي يستمع له بنبرته، كان بمثابة إشارة البداية له ليُسلط كامل غضبه عليه:


-       حسنًا! هل أنت لا تعلم كيف تقوم بعملك؟ أم تريد أن أقوم بتدريبك من البداية؟ أم الأفضل من ذلك أن أقوم بفصلك عن العمل وأحضر من يستطيع التعامل مع هؤلاء الموردين وهؤلاء الأشخاص الذين يسهلون علينا عملنا؟ أتعجز على أن تخبرهم بأنك ستأتي لهم بموافقة مني يحصلون من خلالها على ١٠% زيادة على كل فاتورة تعويضًا عن ذلك التأخير، إن كنت تعجز عن القيام بعملك أخبرني وأنا على استعداد أن أحضر أحدًا غيرك وبمرتب أقل أيضًا.


 


أنهى المكالمة بانزعاج دون المزيد من الكلمات وأغلق هاتفه من جديد، ثم عاد من جديد ليُفكر بها، لقد قتلها صمته ولم تعد تدرِ ما الذي يُفكر به بصحبة كُتبه، وهذا ما كان يريد أن يُحرزه معها، أن يقتلها بالتجاهل، أن يجعلها تشعر بأنه لم يعد يرغب بها ولا يلاحظها وكأنها ليست موجودة بالحياة، ببساطة كأنه لا يراها، وهو على يقين بأن دمائها تغلي بداخلها!


 


ربما لو كانت امرأة واعية لما تفعله ولتصرفاتها معه لكان تصرف معها اليوم بشكل مختلف، على الأقل كان ليعانقها وقتما تألمت مثل ما يحدث لها كل شهر، ولكن هذه المرة كأنه لا يعرف اسم "روان" ولا صاحبته.. ولكن الحقيقة أنه مستعد للموت من أجل أن يعود كل شيء كما هو!


 


فكر مليًا وأحكم قراره، هي ليست بخائنة، ربما هناك بعض التجاوزات بينها وبين هذا المخـ. نث، والدليل أن غضبها يتصاعد كلما تجاهلها، وتريد أن تستخدم حيل الأنى معه بإغرائه بشتى الطرق بينما لم يترك لها الفرصة بأن تظن أنه يستجيب إليها، لو فقط استمعت لما يدور في رأسه من أفكار قد تتأكد من مدى اشتياقه لهذا الجسد اللعين، هذا الجسد الذي يثور بشدة لعدم مسه إياها لما يقارب العشرون يوم، ولكن لا يزال هناك المزيد في جعبته..


 


لو كانت تعشقه لكانت بكت، كانت ستحدثه بشأن الطلاق وأن تتخلص منه، كانت حجبت جسدها عنه، ولكن لا يزال يلمح بعينيها بريق التفاخر بنفسها عندما ينظر لها باشتهاء، هذه التفاصيل يستحيل أن تحملها امرأة خائنة، أنثى لم تخلق سوى له هو وحده، ولكن عليه أن يلقنها درسًا قاسيًا في كل ما يتعلق بأمر الرجال الآخرون!


 


المواقف هي من تسن كيفية التعامل في الحياة، ومعها هي لابد من أن يكون الدرس غاية في القسوة حتى لا تكررها مرة ثانية، لا بملابسها غير المحتشمة ولا بتعاملها مع ابن خالتها، ولا حتى بأن تثير ريبته مرة ثانية، هل هي خائنة؟! لم يتأكد بعد!


 


كل تفكيره يذهب ليُبرئها، الكثير من محاولاتها معه تقول إنها تعشقه وتريده هو، ولكن لقد حاولت غيرها لسنوات وفي النهاية قامت بخيانته مع أولى الفرص التي توفرت لها، وفي هذه اللحظة تحديدًا لا يستقر تفكيره سوى بالتساوي بين أنها بريئة وبين أنها متهمة بفعل شنيع.. ولا يستطيع الاستقرار بعد أي من الاحتمالان صائب..


 


كما أن هناك أمر غريب لا يستطيع التعامل مع حقيقته، عندما علم بخيانة "يُمنى" كان يستحيل أن يشعر باشتهائها، وتوقفت عن اثارته، حتى ولو كانت عارية أمامه، أمّا تلك اللعينة التي عشقها بالفعل، فهو لم يعد يتحمل مدى رغبته بها وتلك الحرب التي يخوضها فقط ليضبط نفسه أمام فتنتها، ما الذي تفعله به؟ وكيف لها أن تتحكم وتسيطر عليه بهذه الطريقة؟


 


حدق بتلك الحروف وهو لا يرى منها سوى خطة محكمة، درس قاسيًا، ثم بعض التعامل الطبيعي التلقائي.. وبعدها سيراقبها دون أن تعلم.. وليرى هذه المرة ما الذي سيحدث، ولو حدث وكانت الحقيقة أنها خائنة، وقتها سيقوم بقتلها، ليس لديه حل سوى هذا!


 


كان بداخله يشعر بالخوف ولا يُريد إيجاد دليل، ولكن سيرى ما الذي ستفعله بعد ما يعده لها، والبداية هي كل شيء.. بداية جديدة لهما بقواعد جديدة.. إن اتبعتها سيكون كل شيء على ما يرام، وبمجرد اكتشاف دليل أو بدر منها عصيان للقواعد، سيقوم بسجنها للأبد، أو قتلها!


 


لقد فكر يومًا ما بسجنها، السيطرة على عملها، عزلها عن الجميع، هذه كانت خطته بالسابق عندما طالبت بالطلاق عندما علمت أنها تُشبه "يُمنى".. وفجأة استيقظ بيوم ما ووجد كل شيء على ما يرام فيما بينهما، لا يدري كيف حدث ذلك، يعلم أنه يبالغ بثمالته لفترات وليس ليوم أو ليلة، ولكن الحقيقة الموجعة التي لا تتقبل النقاش، هو أنه يعشقها لدرجة تجعله يود أن يُبرئها أمام عينيه حتى لا تصبح أسوأ من عرفهن بالحياة!


 


حاول أن يُسلط تركيزه على كلمات جليسه الوحيد بهذه الأيام، دائمًا ما يعود لأوفيد مهما قرأ بالكثير من الكُتب، وكلما عاد، كلما رأى الإجابة بطيات سطور خطها منذ أكثر من ألفي عام:


 


لا تطلب منها أن تتحمل جوعًا شديدًا،


 ولا تعطها عصيرًا مُرًا لكي تتجرعه، وذلك ما يمكن أن يفعله غريمك.


إن الريح التي تدفعك بعيدًا عن الشاطئ


حتى تتقدم في عرض البحر، لن تجدها مواتية بعد ذلك.


والحب الجديد المتقلب، يجب أن يزدهر بالممارسة،


وسرعان ما ينمو أقوى، إذا كانت تربيتك له حكيمة.


ذلك الثور المخيف، هو العجل الذي اعتدت أن تمسد شعره


وهذه السنديانة الوارفة الظلال، كانت شجيرة ذات يوم.


الجدول الصغير يكتسب القوة بالجريان


ويجمع كثيرًا من المياه في مجراه.


لا شيء كالاستعمال، اجعلها معتادة عليك،


ولا تنفر من أي ضجر وأنت تضع هذه الغاية في الاعتبار.


ولا تكن أبدًا بعيدًا عن السمع، ولا تكن أبدًا بعيدًا عن النظر،


أرها ملامحك في الليل والنهار كليهما.


لكنها ستفتقدك بحسرة حين تشعر أنك أشد وثوقًا بحبها،


وهي ستثابر على اهتمامها بك، وإن كنت بعيدًا عنها.


امنحها استراحة: فالأرض إذ ترتاح تنتج


غلتها المثلى، والحقول الجافة تتشرب الأمطار..


 


كيف لهذا الرجل أن يكون معاصرًا لمصيبة حياته بالوقوع في عشقها؟ كيف له أن يصف بدقة ما يحدث بينهما في هذه الآونة؟ ليُعطيها استراحة إذن طبقًا لمعاييره الخاصة، ولكن..


 


شتت انتباهه عندما استمع لهذا الارتطام بحمام السباحة الذي يقع أمام عينيه مباشرة ليجدها تقوم بالسباحة بالفعل فاكتفى بمتابعتها بعينيه في هذا الليل الذي لم يتأخر بعد، عشر دقائق كاملة تبدو خلالها مستمتعة بهذه المياه وشعورها المنعش بعد يوم حار كان من الصعب أن يُفكر المرء بالتواجد بالخارج لأي سبب من الأسباب..


 


انتظر مترقبًا لتلك اللحظة التي ستغادر بها المياه، فاتنة بقوام يخطف بصره، لطالما فعلت وستظل تفعل لا يدري إلى متى، ولا يعرف هو نفسه كيف ومتى سيتوقف عن الافتنان بها؟


 


ملابس سباحة من قطعة واحدة من اللون الأحمر الدامي، تلتصق بكل منحنياتها التي يحفظها عن ظهر قلب، وشعرها المبتل ينساب على ظهرها وها هي تحاول التخلص من تلك المياه العالقة بتمرير يديها عليه وهي تقف بمنتهى الثقة وكأنها لا تدري أنها تهلكه بما تفعله!


 


تابعها وهي ترتدي هذا الثوب الشفاف فوق ملابس السباحة ثم بدأت في تجفيف شعرها بأحد المناشف ووجدها تجلس في مقابلته تمامًا على الجهة الأخرى من المسبح ثم ارتشفت بعضًا من كأس على ما يبدو تحتوي على بعض العصير المثلج وبعدها مددت قدميها لتقوم بتناول واحد من الكتب وشرعت في القراءة!


 


هناك حقيقة معروفة عنه، لا يسمح لأحد بلمس كُتبه ولا حتى استعارتها على سبيل الاطلاع، وما تحمله بين يديها يبدو أنه من كتبه، هي لم تقم بإحضار ولو كُتيب وحيد منذ أن تزوج بها إلى هذا المنزل، لابد وأن ما تعانقه بين أصابعها يعود له، ولن يتركها لتتمادى في هذا، هل تظن أنها في عُطلة لتتصرف بهذه التصرفات؟ أم تظن أنه يُدللها مثلًا ليعطيها أشياءه كي تستخدمها!


 


اتجه نحوها وانبعثت مُقلتيه إلى عنوان الكتاب ليزداد غضبًا عندما رأى أنه واحد من كتبه المُفضلة، فن الهوى لأوفيد النسخة المترجمة – الطبعة الأولى! سيقتلها لو لزم الأمر كي يحصل عليه منها بعد أن بحث عن هذه النسخة لعام كامل وهو يدخر من أمواله القليلة حينها فقط ليحصل عليه!


 


فكر بانتزاع الكتاب من بين يديها ولكنه أدرك أنه قد تتضرر بعض الصفحات في خضم العنف الذي قد يُصيبه بها، فقرر أن الطريقة المثلى هو الحصول على الكتاب أولًا والتأكد من أنه سليم بعيد عن أي تمزق أو فساد ثم سيُريها نهاية كل استفزازها له فورًا دون تقاعس.


 


قدم يده لها وعينيه كالفحمتين المتقدتين مسلطتين نحو الكتاب لترفع عسليتيها نحوه ثم سألته:


-       ماذا تريد؟


 


لم يقم بالرد عليها وانتظر أن تناوله الكتاب بينما تصنعت البلاهة وكأنها لا تفهم ما يُريده لتقول بنبر غير مُكترثة:


-       البشر الطبيعيون يتحدثون، أخبرني بما تريد وأنا أعطيه لك.

 


من جديد عادت لتقرأ في هذا الكتاب الذي صعب عليها قراءته، فطريقة كتابته تبدو قديمة والطباعة تبدو غاية في الصعوبة والخط المُستخدم بالكاد استطاعت تقبله ولكن لو كان هذا سيجعله يأتي حتى يقف أسفل قدميها بهذه الطريقة، الأمر يستحق العناء حقًا!


 


لم يتغير وضعه ولا يزال يُقدم يده نحوها، بينما سلطت تركيزها على ما كُتب في هذا الكتاب، لتجد أنه يتوافق تمامًا مع اختلال عقله:


هذه كلها جرائم بشعة، ارتكبتها نسوة أعماهن العشق.


فسعار الأنثى محموم!


يسلمها إلى جنون محتوم..


 


سُعار، ثانية واحدة، هل هذا الشاعر المجنون يُشبه المرأة بالكلاب لذلك باتت الأنثى بالنسبة له مُصابة بالسعار، وهي تتذكر أنه كان يُشبهها بالكلبة، حسنًا، أمر واحد بالتأكيد، ليس كل الكتب والأشعار توفي المرأة حقها وحتى لو عن طريق نظرة الرجل المريضة للعشق والهوى من وجهة نظره..


 


أكملت المزيد من السطور التي لم تكن كثيرة على كل حال بملامح متقززة بشدة:


هيا صاحبي لا تتردد، فالمرأة رهن اشارتك.


ما أندر أن تتأبّى إحداهن.


ولا تخشى هزيمة، فجميعهن بالغزل يسعدن،


من قبلت منهن، ومن تأبت.


استعرض كل جديد من الألاعيب تستهويهن.


فلا نملك أكثر إغراء مما نملك.


 


لم تصل بعد سوى لربع هذا الكتاب المتخلف وها هي ترى هذه الصور الرومانية القديمة بصحبة هذه الكلمات المستفزة، وهو يقف بصلابة الصخر ويتجاهلها منذ عشرون يوم وكل ما يكترث لأجله هو هذا الكتاب، جيد للغاية، ستحصل على استجابة منه فورًا لو كان هذا حقًا قد جعله ينهض ويأتي بقدميه حتى عندها!


 


رفعت نظراتها الغاضبة نحوه وهي تشعر بنيران تسري بداخلها، بالطبع هذا المجنون قرأ كلمات لمجنون آخر مثله، فدفعه هذا للتعامل مع النساء باستحقار، سُعار الأنثى!! يا لهما من وغدان!


 


-       أخبرتك ماذا تريد؟ ألن تنطق بشيء؟ أم أنك لم تتعلم الحديث أثناء طفولتك؟


 


لم يُجبها، فقط تحولت نظراته لتتشبع بنيران الغضب الذي فاق غضبها، هو لا يزال يشعر بشيء، جيد للغاية!


 


نهضت بمنتهى الثقة ثم تجرعت ما تبقى بكوب العصير، ولا تزال تُمسك بالكتاب، فرفعته لنظره وصاحت به:


-       لقد التزمت الصمت التام لمدة عشرون يوما والشيء الوحيد الذي جعلك تتحرك هو ذلك الكتاب؟



لم يقم بالرد عليها ويده ما زالت على وضعها، يمدها نحوها حتى تعطيه الكتاب، ونفاذ صبره المختلط بغضبه المتقد في وسط مقلتيه المتفحمتين كاد أن يصيبها بالرعب ولكنها قد واجهت هذه الملامح من قبل وتعرف جيدًا الآن كيف تخرجه عن سكوته!!


 


-      ألهذه الدرجة الموضوع هام بالنسبة لك؟ الشيء الوحيد الذي جعلك تتعامل معي هو ذلك الكتاب؟ هذا كثير جدا.



تعالت أنفاسه الغاضبة واقترب منها خطوة واحدة ويده كما هي في انتظارٍ لتعيد الكتاب له لترفع احدى حاجبيها بتحدي ثم حدثته بنبرة مستفزة لتقول:


-       حسنا! ماهو رأيك إذًا فأنا لن أعيد لك ذلك الكتاب حتى تقوم بالرد علي.


 


لوهلة شعرت أنها انتصرت، وبعد ملامحه التي تزداد غضبًا أدركت أنها قريبة للغاية لإخراجه عن صمته الدائم ولكنه لم يفعل فاحترست بشدة من المسافة فيما بينهما وكلاهما ما زالا يحافظان على صلابتهما الظاهرية فلقد بدأت هي الشعور بالخوف وهو قارب على فقد اعصابه بالكامل!


 


لم تصدق أن هذا حقًا ما استفزه، لقد كانت تحمل له كلمة ستقتله، وتعرف أنها ستُخرجه عن صمته، ولو قتلها الآن هي حقًا لن تكترث، على الأقل ستكون نجت بنفسها من هذا الجنون دون أن تصبح هي مجنونة وتقتل نفسها، ولكنها لن تترك له الراحة أبدًا ليشعر بانتصاره حتى يُلقيها بيديه في هذه الغرفة الملعونة وهي على أتم استعداد على أن تتحمل العذاب فقط لتنجو من هذا الزواج ولو كان الثمن صمت دام لعشرون يومًا وعذاب يتبعه لأيام قليلة، لقد أوشكت على الحصول على هذه الأوراق على كل حال!


 


-       حقيقة أنا لا أصدق أن ذلك هو الشيء الوحيد الذي تهتم به، بعض الكلمات المكتوبة على ورق قديم، ومكتوبة بشكل مؤلم للعين، كما أنها كلمات تتسم بالتخلف والرجعية، ولكن أنا زوجتك التي من المفترض أنه توجد بينكما مشكلة صغيرة من الممكن أن تحل في أقل من عشر دقائق من المناقشة القائمة على التفاهم والإحترام، أبعد كل ذلك الذي مررنا به وتلك الوعود والكلام المعسول وتلك الخطابات، تتركني هكذا ك الكم المهمل وتقوم بتجاهلي كل تلك المدة ولم تفكر في التعامل معي سوى من أجل ذلك الكتاب.

 


دمعت عينيها وبرقت بدموع كقضبان السجن الآسر لمقلتيها العسليتين ولكنها لم تسمح لها بالفرار بعد لتلقي بالكتاب بغتة في منتصف المسبح ثم همست باستفزاز:


-       تفضل! إذهب وأحضر كتابك بنفسك، إذهب وتحدث معه هو إذًا.


 


اتجهت لتغادره بعد أن شعر بغليان دمائه بداخل عروقه وأجيج لا ينتهي سيطر على كيانه فما منه سوى أنه تبع خطواتها الواثقة، أمسك بخصلاتها، جذبها إلى المسبح من جديد ثم القى جسدها به!


 


رفعت عسليتيها له بعد أن استطاعت الحصول على توازنها في المياه والتقطت أنفاسها التي اضطربت اثناء القاءه إياها لتمطر عليه وابل من الكلمات المستفزة لعله يأخذها إلى تلك الغرفة الملعونة:


-       من الواضح أنني بالفعل أتعامل مع طفل صغير وليس رجل لكي يستطيع مجرد كتاب أن يستفزه هكذا، أتعرف ما أتمناه الآن حقيقة؟ أن أراك مرة واحدة تتعامل كما الرجال الواثقون من أنفسهم، ولكن دائما ما تثبت لي أنك لست برجل بتلك الأفعال.


 


هذه هي الكلمة التي أخبرته بها تحديدًا في بداية زواجهما وجعلته يتحدث لها ويتكلم معها، تتوقع الآن تصرف مجنون منه، في خلال ثلاثة.. خلع قميصه بالفعل.. اثنان.. وسرواله المنزلي.. واحد، وها هو اجتمع معها بالمسبح، جيد للغاية.. لقد وصلت لما تريده، ولكنها لم تكن تتوقع أن يقترب منها بنظراته القاتلة ثم يعقد يده حول عنقها ليقوم بدفع جسدها بالكامل أسفل المياه!


❈-❈-❈


-       يا إلهي لا أستطيع أن أصدق أفعالك، هل تريدين أن تقولين لي أنكِ قد اغلقتي الهاتف في وجهه لأنه قد تحدث معكي بمنتهى الصراحة، بل وترفضين محادثته منذ خمسة أيام، وتجلسين في تلك القوقعة الخاصة بكِ تاركة إيانا جميعا  نحترق قلقًا عليكي.

 


تحدثت "بسمة" صديقتها بنبرة نافذة للصبر لتجيبها "عنود" بمنتهى الهدوء:


-       أنا لم أقصد أن أثير غضبكم أو قلقكم ولكن شخص مثله قد تعرف على هذا العدد من الفتيات لا أستطيع أن أتحدث معه.


 


استمعت لتلك الزفرة منها لتسمعها تغمغم بالاستغفار ثم أخبرتها قائلة كمحاولة للإقناع:


-       لقد صارحكِ أنه كان دائما ينوي الارتباط الجدي عند دخوله في أي علاقة، ولكن في كل مرة كان يحدث شيء يعرقل إكمال ذلك الارتباط، كما أنه تحدث معكِ عن دراسته العليا ومحاولته الارتباط أكثر من مرة ولكنه فشل في جميعهم فما الذي يزعجك في ذلك.

 


عقبت على كلماتها بنبرة اعتراضية قليلًا:


-       حسنا، ها أنتِ تعلمين كل شيء ولا حاجة لي لكي أعيد ذلك على مسامعك مرة أخرى، شخص فشل في الارتباط مع عدد لا بأس به من الفتيات هل سينجح معي أنا؟ وما الذي يجعل هذه المرة مختلفة عن غيرها من المحاولات؟ أليس من المحتمل أن يأتي بعد شهر أو اثنين ويخبرني بعدم رغبته في الإستمرار مثل ما حدث سابقًا مع باقي الفتيات.

 


حاولت التماسك كي لا تفقد اعصابها على هذه الغبية التي لا ترى الأمر سوى من منظور واحد ثم حدثتها قائلة:


-      عليكي أن تتحلى بمزيد من العقل يا فتاة، فالحصول على شخص مثله نادرًا جدا في هذه الأيام، ألا ترين ما حدث لشقيقتي وكيف تزوجت من شخص كاذب لم يصارحها بحياته قبل الزواج لتتفاجأ بعد ذلك أنه لا يمل من عمل تلك العلاقات المقززة مع النساء على كافة وسائل التواصل الإجتماعي، وها هي قاربت على تقبيل يديه لكي يقوم بالإتفاق عليها هي وأطفالها بعد أن ارغمها على ترك عملها، لما لا تقومين بخوض التجربة ووقتها سترين هل كان صادق في حديثه أم لا؟ لا أقول لكِ أن تقعي في عشقه من أول مكالمة أو لقاء بينكما ولكن على الأقل يمكنكِ إعطاءه فرصة.


 


تريثت وهي تحاول أن تهدأ من غضبها وأخذت تهز ساقها بشدة ثم همست:


-       حسنا، أنظري


 


ابتلعت وهي تُفكر في الكلمات التي ستخبرها بها فهي على علم أنه لن يتوقف وسيهاتف صديقتها من جديد:


-      وأريدك أن تعديني أن ذلك الحديث لن يصل إليه لأنني متأكدة من أنه سيهاتفك مرة أخرى.

 


تناولت نفسًا مطولًا وحاولت أن تمنع نفسها من البُكاء ثم قالت:


-       لنفترض أنني قد تحدثت معه بالفعل وحدث اتفاق وإعجاب متبادل بيننا ووافقت على الارتباط به وأنه بالفعل صادق في حديثه معي، هلا تقولين لي ما الذي يمكن أن أفعله مع والدي الذي يرفض أن أخرج من المنزل إلا للضرورة القصوى، هل فكرتي في موقف عٌدي من ذلك الأمر، وهل سيوافق أم لا؟ هذا لو افترضنا أنه متفرغ للخروج معي ولا يوجد لديه أصدقاء، أو عمل، أو والدتي أو حتى فتاة يخرج معها؟ هل فكرتي بموقف أبي وكيف يمكن أن يرفضه، لأنه لا يحب زوجة أخي فمن الطبيعي أن يكره ابن خالتها وجميع عائلتها، هل فكرتي في الوقت الذي سأستغرقه في إقناع عُدي وأجعله يذهب ليقنع أبي متغاضيًا عن تلك المشكلات التي بينهما منذ الأزل، فأكون أنا في ذلك الوقت قد تعلقت به وأحلم باليوم الذي سنجتمع فيه سويًا وفجأة يأتي والدي ويقضى على كل ذلك.

 


هنا لم تستطع المحاربة أكثر وبدأت في البُكاء ثم أكملت:


-       أنا لا أريد ذلك من الآن أنا لا أستطيع أن أحيا كغيري من الفتيات بسبب والدي، هل تعتقدين أن ذلك الأمر سيسير بسهولة، خاصة إن علم أنني أنا من قمت باختياره، إلا تتذكرين كيف رفض اختياري قديمًا بأن أدرس الهندسة وأرغمني على دراسة الطب، فحتى الجامعة التي اخترتها بعد كل سنوات الدراسة لم يكن لي الحق في اختيارها، وها أنا الآن اتحمل كل ذلك على أمل أن أستطيع أن أستقل بحياتي بعيدًا عنه في يوم من الأيام، كيف يمكنني أن آخذ قرار خطبة وارتباط في منزل خالي من والد جيد وإخوة مترابطين فكل واحد منا في وادٍ بعيد كل البعد عن الآخر، أما عن والدتي فهي لا تستطيع قول شيء حتى لا تتعرض للضرب، والتعنيف، والإهانة التي تحدث لها على أتفه الأسباب، أنا لا أريد أن أكون نسخة منها وأتعرض لما تتعرض هي له إن  حدث وخالفت رأيه.

 


حاولت تنظيم أنفاسها بين بُكائها ثم هتفت:


-       أنا لا أستطيع أن أعده بشيء، فلم يكن لي حظ في أن يكون لي والد متفهم ويحبني ويريد رؤيتي سعيدة، ذلك الأمر مستحيل أن يحدث بكل الطرق، لما لا تتركوني لحالي حتى أكمل دراستي وأعمل ووقتها فقط يمكنني أن آخذ قراراتي بنفسي بعيدًا عنه، إن أراد انتظاري كل تلك السنوات فليفعل، اما الآن لا أستطيع أن أقع في الحب وأتعلق بأحدهم، أحمد الله أنني أحاول أن أتقيه قدر استطاعتي  فلولا أن أكرمنا الله بحفظ القرآن الكريم والأمور الشرعية التي فهمناها أثناء دراستنا في الأزهر لكنت أقدمت على الانتحار كغيري من الفتيات اللائي يعيشن نفس ظروفي، أو كنت فعلت أشياء خاطئة كنوع من أنواع التمرد وكنت اتخذت حياتي مع تلك العائلة التي لا تحتمل كحجة لذلك. ولكنني أحيا على أمل أن يتغير كل ذلك في يوم من الأيام وأتخلص من كل تلك المشكلات واستطيع أن أحيا حياة طبيعية بعيدًا عنهم.

 


تأثرت صديقتها بكلماتها ثم جففت "عنود" وجهها الباكي وأخبرتها بنبرة حزينة:


-       عندما يحدثك أبلغيه برفضي وأنتي أراه شخص جيد ومحترم تتمناه الكثير من الفتيات، ولكن الوقت ليس مناسب لي الآن، كما أرجوكي يا بسمة أن تكفي عن الحديث في ذلك الأمر إن كنتي تحملين لي بعض الحب في قلبك، وأبلغي نوران أنني قد أقفلت الموضوع ولا أريد التحدث فيه مرة أخرى، وأرجو أن تبلغيه ألا يحدثني مرة أخرى أو يحاول الوصول لي بأي طريقة.

 


أنهت المكالمة لتجد نفسها تبكي من جديد وهي لم تعد تتحمل مجرد فكرة أن أمر كهذا وهي تتصرف بمنتهى العقلانية والمنطقية وتحاول حتى أن تبتعد عن كل ما حرم الله، وبعد كل هذا هي لا تستطيع أن تفعل ما يحق للفتيات بعمرها، لأنها وببساطة لو فعلت، ستُقابل بالرفض من والدها كما قابلها بالرفض تجاه كل ما تريده في حياتها حتى ولو ابسط الاختيارات من حقها لآلاف المرات!


❈-❈-❈

 شهقت بعنفٍ شديد وهو تخرج من المياه بينما وجدت مُقلتيه المتفحمتين متسلطتين بشراسة نحوها وأخيرًا استمعت لنبرته الغاضبة الساكنة كاللهيب المغلي أسفل فوهة البركان التي ستنفجر عما قريب بعد خمود ظنت أنه لن ينتهي حتى قيام الساعة:


-       كم عدد المرات التي أحتاج إليها لكي أعيد تقويم سلوكك؟


 


دفعها مرة أخرى أسفل المياه ولا تزال يده معقودة على عنقها وعندما شعر بتحركات جسدها المتوالية وهي تحاول الخروج بأي طريقة ولكنه يمنعها بقوة حتى تتعذب بفعل انعدام أنفاسها وشعور الغرق يُداهمها لترى الموت وشيكًا ولتعلم أنه لا يمزح هذه المرة فهو ليس بمخنـ ث حتى يتقبل لمس أنثاه أمام عينيه من وغد مثله ويمر الأمر مرور الكرام، وبعد مدة، حينما شعر أن هذا المقدار من العذاب كافي قبل أن تختنق بالمياه أخرجها من جديد ثم حدق بها بغضب ازدادت قسوته ونبرته أصبحت اهدئ من سابقتها لتصيبها بالخوف المقصود من طرفه:


-       هل أدركتي الآن أن الطريقة المثلى للتعامل معكي هي أسلوبي القديم وإن التفاهم ليس لأمثالك؟


 


حاولت التقاط أكبر قدر من الهواء وهي تسعل المياه التي تسربت لحلقها بفعل ما فعله ولكنه من جديد دفعها للأسفل مرة أخرى وهو يُثبت يده على عنقها وأصبحت يده أقسى ويده الأخرى تدفعها من ملتقى كتفها وعنقها للأسفل بشدة حتى يصيبها الرعب بتصميمه على فعلته وأعاد الكرة منتظرًا أن تتفهم هذه المرة أنه لا يمزح وليس هناك مُتعة بالأمر ولا أي اشتهاء جنسي، بل عقاب صريح لا يحتمل نقاشه وبمجرد أن جذبها للأعلى وجدها تعاني من اختناقها أسفل المياه بحالة أسوأ من سابقتها فحدق بعينيها مليًا ووجها يتضح عليه امارات الاختناق فقوى من يده حول عنقها وهمس بفحيح ذكرها بكيف كان ببداية زواجهما:


-       هل تتذكرين العقد الذي سخرتي منه قديمًا، كان من الممكن أن ينقذك الآن، لو كانت حياتنا تسير كما أريد أنا لما كنتي ستتعرضين لذلك الآن، ولكن لكل شيء حل.

 


مرة أخيرة قام بدفعها أسفل المياه ولكنه لم يبالغ بالانتظار هذه المرة فلابد أن رئتيها الآن أصبحت حساسة وقابلة لعدم العمل بشكل مُناسب هذه المرة وقد تتوقف عن احتمال انعدام الهواء وهو ليس بمزاجٍ مناسبٍ للذهاب للمشفى والاتصال بالإسعاف أو القيادة بنفسه، هو فقط يُريد أن يُلقنها درس لن تنساه طوال عمرها حتى لا تقوم بتكرار أخطائها معه فرفعها من جديد ثم دفعها لحافة المسبح وهي تُعاني بالتقاط أكبر قدر من الهواء للتنفس بشكل صحيح ونظر لها بصلابة دون شفقة لتتأكد أنه لم يعد يكترث بأسطورة العشق الذي تمنى هو نفسه أن يعيش بها معها ثم هتف بها صارخًا:


-       هذه هي المرة الأخيرة التي أحذرك بها المرة القادمة إن فعلتي شيء يغضبني أو اكتشفت انكِ تخفين شيء عني سأقتلك وقتها، هل تسمعيني أم أعيد ما قولته؟

 


انتفض جسدها أسفل يده بفعل صوته الصارخ فأومأت له بالموافقة وهي تنظر له نظرات اختلطت بين ثقتها بأنها لن ترى منه الأسوأ بعد رؤيتها ما رأته بالسابق وبين خوفها من طريقته التي لا تطمئنها هذه المرة ليُدرك أنها ما زالت تُفكر أنها مجرد زوبعة وستمر ليهمس بسؤاله الذي سبب لها خوف حقيقي هذه المرة بملامح لأول مرة تراها على وجهه لتجده يتحول لرجل لم تتعامل معه قط:


-       هل ستستمرين على ذلك الأسلوب معي أم ستنفذين أوامري وتتحدثين معي باحترام لكي تتجنبين غضبي.


 


هزت رأسها بالإيجاب ثم اجابت سؤاله السابق واخبرته:


-       هل سمعتي ما قولت لكِ؟


 


حدق بعينيها ليرى نظرتها، لا شيء يتغير بهذه المرأة حتى لو برهن له أنه يعشقها وسيفقد عقله دونها، اللعنة على عشقه وعلى تلك العضلة الحقيرة اللينة التي تنبض لتوقعه في غرام امرأة مثلها، سيقتلعها من بين ضلوعه في النهاية لو فشل معها هذه المرة ليجد نفسه يُزيد من حدة عقدة يده حول عنقها ليرى تأثير فعلته بملامحها ثم همس لها:


-       حسنًا، أريني أين هو مكانك وانتظريني هناك؟


 


دفعها للخلف ليتضرر ظهرها بشدة وهي ترمقه بحقدٍ اختلط بيأسها من عقله الذي لا يتغير به شيء ولكن وفي النهاية اوشكت على الوصول لما تريده، ستصل لتلك الغرفة الملعونة في النهاية وستحصل على كل ما تريده!


❈-❈-❈



أن تسير على أربع كما الحيوانات حتى صعودها لتتوقف أمام هذه الغرفة اللعينة، عا رية كما ولدتها أمها، تتجرع الذل والإهانة، التاريخ يعيد نفسه، والقصة تتكرر، ولكن هذه المرة قد سقطت جميع الأقنعة، وأصبح لديهم تاريخ حافل بالفعل، ولكن الأمر الوحيد الذي لن يتكرر هو سذاجتها وثقتها بما تشعر به نحوه، والتعاطف الشديد معه..


 


لقد بات لديها هدف وحيد، أن تصبح هذه الغرفة متاحة لها ويذهب هو لأي لعنة حتى تستطيع أن تأخذ ما بهذه الخزينة، عليها فقط أن تهاتف "علا" بعد أن تقوم بتحضير خطة محكمة كي تجد من يساعدها في الولوج للداخل، أو قد يكون هو مُحقًا بكل مشاعره نحوها وقد يكون هذا المفتاح الذي أعطاه إياها بيومٍ من الأيام بصحبة خطابه الأخير هو مفتاحها بالفعل!


 


حتى ولو أنه كان صادقًا معها في كل ما قاله، ولو كان يعشقها عشق سيُصيبه بالموت لو فقده، لم يعد لديها الاستعداد أن تكمل زواجها من رجل مريض يرفض كل اقتراح لعلاجه، ويرفض التفاهم، ويصمم على أن يعدو خلف أوهامه التي يبعثها عقله السقيم ليتبعها كالأعمى!


 


عليها التحمل القليل بعد، اظهار خوفها، واتباع ما يُنادي به من ترهات والتحكم في كل ما لا تقبله وتصنع أنها لا تمانع الإهانة والعنف فقط لتنتهي من زوجها الملعون الذي فقط لو كان يعاني فقط من السا دية وحده، أو اضطراب ثنائي القطب بمفرده، لكانت تحملت وحاولت أن تُقنعه دون كلل أو ملل، ولكن الاثنان سويًا أكثر مما قد يمكنها الصمود أمامه، بالإضافة لرجل كوالده لا يفشل في تلقينه كيف يصبح الأسوأ بين الجميع، هذا بأكمله أكثر مما يمكن امرأة واحدة تتحمله، حتى ولو كانت واحدة من الآلهة الإغريقية الأسطورية اللاتي يدسهن بسطور عشقه، لن تستطيع اصلاح عقله المسموم..


 


ساعة كاملة مرت في انتظاره إلي أن بدأت ركبتيها في التضرر بفعل ثقل جسدها، كعادته يخبرها بأنه من يملك زمام الأمور وكأنها لا تملك اختيار، فهي لا ترتقي لتُصبح إنسان بل حيوان ينتظر عودة مالكه ليمُن عليه ببعض الوقت، حسنًا، أن تمثل وتتصنع كونها مخلوق آخر يدب به الحياة لقليل من الأيام أفضل من أن تموت على يد هذا المخبول، ستتحمل القليل بعد ولقد أوشكت أن تحقق هدفها!


 


وأخيرًا آتى، بعد كثير من الوقت الذي تركها به، صامت، لا يتحدث، ولا تستطيع هي رؤية ملامحه بسبب جلستها تلك، ولكن ذكرت نفسها أنه يتبقى القليل بعد..


 


أطلق اصبعه ليسمح بفتح هذا الباب لهذه الغرفة اللعينة، وفي لمح البصر كانت يده تجذب شعرها لتدفعها للداخل بينما انساقت هي بتلقائية حتى لا تؤلمها رأسها أكثر من هذا..


يُتبع..