-->

الفصل السابع والعشرون - كما يحلو لكِ - النسخة الفصحى

 الفصل السابع والعشرون


النسخة الفصحى

شكر خاص لـ سمر إبراهيم للقيام بتعديل 

الحوار للفصحي

 

انكمشت على نفسها ودخلت في نوبة من البكاء الشديدة لمدة دقائق بعد كل ما مر عليها بصحبته، كانت لابد أن تعرف أنه مختل لدرجة لا يُمكنها تحملها، لم يعد لديها سوى الفرار في أقرب فرصة، أن تكون خادعة، خائنة، أو كاذبة، أهون لها آلاف المرات من أن تستمر مع رجل مثل هذا، لم يعد هناك حل سوى ذلك، أن تجرب كل شيء حتى تصل لما تريده، لقد تلقنت الدرس، البقاء للأقوى كما يحاول أن يُبين لها، وما سيُزيدها قوة هو أن تحصل على ما يجعله يهابها ويخاف منها..

 

الأمر كمسألة رياضية بالنسبة لها، كل المعطيات المتاحة تخبرها بأنه رجل غير قابل للتقويم أو التصليح، لذا عليها الفرار بعد آخر محاولة منها بمنتهى الاستمات باستخدام كل الحيل كما علمها هو، أن تكون خاضعة وتقبل قدمه، أم تلقبه بسيدي كما يريد، أن تنقطع فترة عن الجميع، ستفعل أي وكل شيء، وحتى لو فشلت هناك حلان لديها لتتخلص منه، إما يقتلها كما هي أو الانتحار لو كان سيحافظ على ما تبقى منها، وهذا بالطبع لو فشلت كل محاولاتها.. لن تحيا أبدًا كامرأة مهانة، مسلوبة الإرادة والكرامة..

 

لقد غفرت بالسابق له لأنها لم تكن تفهم الأمر، كانت ترتاب بشأن اضطراباته وأمراضه، ذهبت لمختص ولم يُفلح إقناعه، وعندما حاولت أن تفر بالإجراء الطبيعي المنطقي لأي امرأة متزوجة يرفض زوجها أن يُطلقها وديًا وجدته يُحاصرها أثناء نوبة هوسه الأخيرة، ماذا لو كان فعلها أثناء مزاج معتدل؟ هل كان ليقتلها وقتها؟ حقًا لا تستبعد هذا.. أو السؤال الأقسى على عقلها لتتحمله، ما الذي كان ليحدث لو أنه كان ساديًا أثناء هوسه، تعرف الإجابة على هذا، كان مكانها الآن أسفل التراب وهناك شخص لطيف يضع الورود على قبرها!

 

حاولت أن تتحكم في انتفاضات جسدها المتتالية من شدة البُكاء، توقفت عن الحيرة وسيطرت على صوت افكارها، لقد توقعت الأسوأ بالفعل منذ أن طرأت فكرة الحصول على الأوراق منذ البداية، عليها أن تتوقف عن هذه الترهات الثائرة بعقلها، كي لا تُضعفها وتصيبها بالجنون، هي متوقعة بالفعل كل هذا منه، وهذا ما عليها تصديقه الآن!

 

تفقدت الغرفة باتساع عينيها من شدة الذعر لترى إن كان هناك كاميرات للمراقبة فتفقدت جميع الأركان ولم تجد شيئًا بعد أن بحثت مليًا..

نهضت وتوجهت لتقترب من باب الغرفة التي من المفترض أن تحتوي على خزينة تحمل كل ماضيه الأسود الذي لو ظهر للعيان سينهي هذا مسيرته كرجل لم يقم بخسارة قضية قط لأنه مُدلس خبيث لا تحتوي دمائه على ذرة واحدة من النزاهة أو العدل! هذا لو كانت حبيبته السابقة محقة بالطبع..

 

ولكن لم ستخبرها بذلك سوى لو أنها طامعة به ستحاول أن تساومه، أو لو كانت تريد العودة له فربما تستهدف أن تخرجها نفسها من حياته، وخصوصًا بعد أن عرفت أنه تزوج نسخة طبق الأصل منها، ولو كانت تخدعها، فهناك الانتحار، هذا هو الحل الأخير!!

 

حضرت بعقلها التبرير المنطقي، تريد تناول شراشف لتغطي بها جسدها، لقد سأمت أن تكون دون ملابس، وبعض الثورة عليه فسيصفعها أو ليُكمل عقابه أو ليفعل أي لعنة وسيقوم بتوبيخها بالمزيد من الكلمات المؤلمة، وسيمر الموقف، وستنتهي أو ستموت، أيهما أقرب!

 

حاولت أن تجد حل لفتح الغرفة لتجد أن الباب الكتروني بالكامل، لا يعمل سوى ببصمة يده، أمامها حلان، الأصعب وهو أن تنتظر عودة ثقته بها كي يترك لها هذه الغرفة لتذهب إليها كيفما شاءت، أو أنها تقوم بكسر نظام الحماية بالكامل.. تتمنى فقط وجود الفرصة المناسبة لهذا وستجد حلًا لإحضار ما يُساعدها بسهولة!

 

عادت من جديد واختارت أن تجلس على كُرسيه، فكل هذا الخوف لم يمنعها من فعلها، يدور بداخلها رغبة انتقامية بحتة له لا تستطيع أن تتحكم بها، تقسم لو خرجت حية من هذا المنزل لن تتوقف عن اذلاله بكل الطرق المتاحة في يديها.. وخصوصًا ذلك الانتهاك النفسي الذي اذاقه إياها، ولا تكترث أن تكون بمثل دناءته معها!

 

حاولت أن تكون منطقية بعض الشيء لتتنهد ثم نهضت في النهاية من فوق كُرسيه وذهبت لأحد الأركان لتجلس أرضًا متكومة على نفسها، فرغبتها بالانتقام لن تتحقق سوى بعد أن يتحقق ما يُريده هو.. على الأقل لو تريد أن تنفذ ما تُفكر به منذ شهور عليها أن تقنعه أنها باتت كما يحلو له.. ستحاول التغلب على تقززها وآلمها مؤقتًا، وإلا لن تمانع أن يقوم بقتلها أو قتل نفسها.. لا تعرف لكم من الوقت ستتحمل هذا العذاب ولكن أن تموت ولديها العقل والانتصار في أنها لم تتقبل اختلاله العقلي والنفسي أفضل ملايين المرات من الاستمرار بهذه اللعنة!

--

ابتسم له نصف ابتسامة وهو يرمقه مليًا وتفحص تلك الملامح التي تبدو وكأنها تتحفز لجدال ولم يغفل عن أسلوبه الذي لم يُحدثه به من قبل بينما اجابه قائلًا:

-       لا هذه المرة لا يوجد محاضرات هذه المرة يوجد سؤال وتحذير.

 

تنهد ثم حدق بالأرضية وهو يحاول أن يمنع نفسه عن تدمير أي شيء حوله، سؤال ماذا وكيف له أن يحذره؟ ألا يرى أنه قد أصبح رجل بما فيه الكفاية.. لقد اكتفى حقًا من كلماته ومحاضراته وضرورة حثه على كيف يتعامل مع زوجته وكيف يستمر بنجاح في عمله، والتوقيت الذي آتى به غير مناسب على الاطلاق وهو كان لتوه يحارب بداخله لكي يُسيطر على نفسه أمامها، بالكاد يستطيع تحمل كلمة لأي أحد يُفرض عليه ما يفعله الآن، سواء أكان بعمله، أم بحياته، أم بأي لعنة تخصه..

 

 حاول أن يستلهم بعض الصبر ويتناسى تلك التي مزقه الاشتياق لمجرد لمسة واحدة منها كي ينتهي في أسرع وقت من محاضرة جديدة معه وأمسك بكوب العصير وتناوله بين يديه ثم حدثه بهدوء:

-       هيا أبي لنتحدث ونحن جالسين لن نظل واقفين هكذا.

 

جلسا سويًا بباحة الاستقبال للمنزل ليتحدث "عمر" متسائلًا:

-       ما هو السؤال الذي تريدني أن أجيب عليه؟

 

لمحه بنظرة جانبية يمتاز بها والده دائمًا ثم نطق بسؤاله:

-       إلى متى ستظل هكذا؟

 

ابتلع وهو يتفحصه بنظراتٍ ماثلت نظراته وتعجب مجيًبا:

-       ما هو قصدك ب هكذا؟ لكي أستطيع أن أجيب على سؤالك.

 

هل يُمثل أنه غبي لا يفهم، أم لهذا الحد قد استحوذت تلك اللعينة على حياته بأكملها إلى درجة جعلته بالكاد يُشبه الرجل الذي كبر ونما أمام عينيه لحظة بلحظة؟

 

ابتسم له ابتسامة مقتضبة ثم اجابه بطريقة غير مباشرة:

-       قديمًا كنت اعتقد انك لازلت صغيرًا، ولا تعلم ما هي مصلحتك، والفتاة التي كنت تعرفها وقتها كانت تستغلك، نصحتك أن تبتعد عنها إلى أن أدركت صحة حديثي، ومن وقتها بدأت أن تتغير وتعطي عملك كامل تركيزك مثل باقي الرجال المَهَرة، بالرغم من أنك كنت تأخذ قضايا لأناس مشكوك في أمرهم وعليهم الكثير من علامات الاستفهام، ولكنه نجاح بالنسبة إليك ان تبرئ أسمائهم في النهاية أو تستطيع أن تنهي القضايا بالتنازل أو الصلح واتفاقيات بين الطرفين بعيدًا عن الأقسام والمحاكم، كنت أفخر بك وقتها للغاية ولم أرفض لك طلب مثل رغبتك في الاستقلال والعيش بمفردك.

 

تريث لبرهة لعله يقوم بالرد عليه بإجابة شافية ويفهم ما يود قوله بمفرده وادعى الانشغال بإشعال سيجار ضخم من نوعه المُفضل ولكنه شعر بأعين ابنه لا تتركه وتتفحصه وجل ما قاله كان سؤال غاية في الاستفزاز:

-       جيد، وماذا بعد؟

 

لم يتركه ليلحق به الغضب وتنفس من سيجاره ونفث ادخنته بوجهه وفي عُرف ملتهمي الأدخنة المسممة هذه علامة على عدم التقدير والاستخفاف بمن أمامك ولكنه سيطر على نفسه وأكمل ما ود أن يقوله للنهاية فقد يفهم ما الذي أصبح عليه:

-       بعد ذلك زاد تركيزك وتطور عملك وكبر مكتب المحاماة الخاص بك وتحول إلى شركة وقمت بتعيين العديد من المحامين الأذكياء الذين لا استبعد أن يصبح أحدهم يزيد الجندي آخر في يوم ما، زادت شهرتك وبدأت اقتنع إنك قد وصلت لمرحلة لم أستطع أنا الوصول إليها، ألا تخسر قضية واحدة في حياتك شيء يتشرف به أي محامي، جعلتني أفخر بأنني والدك، زادت شهرتك لدرجة أن جاء وقت وكانوا يسألونني هل أنت والد عمر الجندي؟ كنت أجيب وأنا سعيد وأقول لهم نعم أنا والد هذا الرجل الذي لا يوجد له مثيل.

 

قلب شفتيه ورفع احدى حاجبيه ثم عقب ببرود:

-       عظيم، ما الذي تريده أكثر من ذلك؟

 

تصنعه للغباء وعدم الفهم لن يوصله سوى لأن يُخرجه عن شعوره، وسيكون عليه أن يتخذ ردة فعل تجاه كل ما يفعله، ولكن كما علم هذا الطفل الصغير أمامه هو لا يزال مسيطرًا على نفسه ولم يترك له الفرصة حتى ينجح باستفزازه:

-       كنت أريد فقط أن أراك رجل متزوج، وتمتلك حياة وأطفال يحملون اسمك واسمي ولكن.

 

تريث لبرهة ليستدعي كامل انتباهه وتنفس من سيجاره لينفث الأدخنة بوجهه وأشار له بنفس اليد التي تحمل سيجاره ليرى ما نهاية كل هذا التعلق والتشبث بفتاة لعينة غيرت مجرى حياة ابنه لتجذبه من السماء وتخسف به الأرض:

-       الفتاة التي تزوجت بها..؟

 

من جديد سكت لبرهة وقام بنفض الجزء المحترق من سيجاره أرضًا أمام قدميه لينجح باستفزازه ببراعة فلم يكن من الآخر الذي احتدمت دمائه لفعلة والده سوى أن يُصحح كلماته ورد قائلًا:

-       تدعى روان، لا تتجاهل أن لها اسم ووجود واعلم أنها مختلفة ولذلك قمت باختيارها لأتزوج بها.

 

قلب شفتيه اعجابًا بما يستمع له وهمهم بتفهم بينما ضيق عينيه نحوه ليُغمغم قاصدًا أن يستفزه لحد الغضب حتى يتحدث بالحقيقة في ثورة غضبه:

-       تخبرني أنك قمت باختيارها لذلك وليس لكونها تشبه الأخرى، وتريد مني تصديق ذلك؟

 

زفر بضيق وهو لا يدري ما شأنه بمن اختارها ليتزوج منها ثم عقب بنبرة نافذة للصبر:

-       يمكن أن تكون تشبهها في الملامح فقط ولكن لا تشبهها في الطبع، أو الخبث، والخيانة، والتربية، والحياة، حتى التخصص، والتعليم، والعائلة، والاختيارات أنا أعرف زوجتي جيدًا.

 

استمع لنبرته التي بدأت في عكس ذلك الغليان بدماء عروقه ليحافظ هو على هدوئه ونفث المزيد من الأدخنة بوجهه ليراه يزفر بانزعاج ليُتابع بهدوء شديد ازاد من استفزازه وجعله قارب على الانفجار:

-       نعم هذا واضح، فمنذ تزوجتها وأنت قد أثبت لي أنني قد أنجبت رجلًا بحق.

 

أطلق زفرة مصحوبة بهمهمة ساخرة يقصد بها عكس كل ما قاله ليجد الغضب يلوح على ملامحه فهذا هو ما أراده من البداية أن يوقع به في هوة عميقة من الغضب حتى يصرخ مُصرحًا بالحقيقة التي لا يستطيع إيجاد سبب منطقي لرفضه تقبلها بعد كل ما مر عليه من خبرات بالحياة وفهم لأناس مختلفة فأكمل كلماته:

-       زوجتك فتاة ماهرة، تحملت مسؤولية عمل عائلتها، ولقد وافقت على الزواج بك بين ليلة وضحاها بعد أن أنهيت قضيتها في لمح البصر والتي من المفترض أن تأخذ وقت كبير في المحاكم، ولكنك الآن وبمجرد زواجك بها قد تحولت لطفل صغير فاشل لا يغادر منزله مثل النساء، وحتى طفل صغير فشلت في إنجابه منها، هل فكرت على سبيل المثال أنها لا تريد أن تنجب منك لأن لديها أسباب أخرى؟ أو أن فكرة الزواج والإنجاب ليسا من اهتماماتها، وأنها تقوم باستغلالك، وستقوم بالابتعاد عنك بعد ذلك، تعطيها الأمان بتلك الطريقة المتخلفة ونسيت أن سبب تأخرك طوال حياتك هو امرأة تشبهها، ما الذي تنتظر أن يحدث أكثر من ذلك لترى ما تفعله بك، لقد تركت عملك منذ ما يقارب العام من أجلها، لماذا؟

 

توقف لبرهة وتفحصه قبل انفجاره ثم تابع:

-       حسنا، ما دمت تحبها لهذه الدرجة كما تخبرني، لماذا إذن تضع ملابسها على الفراش في غرفة وهناك غرفة أخرى؟ وما الذي يجعلك توظف أسطول الحراسة الواقف بالخارج؟ هل تعتقد أنهم يستطيعون أن يمنعوني عنك؟ أم سيقومون بحمايتك وحمايتها مني؟ ما الذي تخفيه عني؟ وجميعهم بالخارج قد أخبروني أنها معك هنا وحاولوا مهاتفتك ولكن هاتفك كان مغلق، هل تعتقد أنهم يستطيعون منعي؟ عندما علموا من أكون خالفوا أوامرك فورًا وسمحوا لي بالدخول وإلا كنت أنا من سيجعلهم يتركون عملهم على الفور، هل شخصيتي هذه وطريقة تفكيري لا يجعلونك تتعلم مني شيء؟

 

اكتفى بتلك الأنفاس التي تثاقلت غضبًا من كلمات والده وحدقه متفحصًا دون أن يسمح لأهدابه باللقاء فطرق والده على الصفيح الساخن الذي بدأ يشعر بتأثير لهيبه:

-       كل هذا وبعد ما تعلمته مني لا تستطيع أن تفهم ما الذي تفعله بك؟ أليس من الجائز أنها من تعمدت أن تَسْقط لكيلا تنجب منك، وإلا ما الذي يمنعها من أن تحمل منك مرة أخرى، إن كنت لا تستطيع أن تتحكم في منزلك، وزوجتك، وحياتك، أخبرني وأنا سأعلمك كيف تقوم بذلك، أم أنك لم تشاهد كيف كانت حياتي؟ لم تتعلم مني أي شيء وأنت ترى أن الجميع يفكرون ملايين المرات قبل أن يفكر أحدهم أن يقوم بعمل شيء وهناك احتمال، مجرد احتمال أنني سأرفضه.

 

نهض وقد دفعه غضبه المكتوم لحالة من الهياج الشديد ليصرخ به رادًا له كل ما قاله برسالة واضحة واجابة شافية لكل ثرثرته السابقة وهو يحدق به حيث يجلس وهو والآخر يرمقه بأعين التمعت بلهيب الغضب:

-       روان ليست مها الجندي، أو يمنى، زوجتي ليست مثل زوجتك، وأنا لست مثلك، وحياتنا لن تصبح مثل حياتكم، ويعجبني عملي هكذا، أعتقد أنني وبعد كل ما وصلت إليه وأنا في الأصل لم اختر التخصص الذي درسته بإرادتي، ومع ذلك لم أرفض ذلك، أقوم بإحضار أسطول من الحراس أم لا، شيء يخصني، وليس معنى أنهم قد علموا بأنك والدي وقاموا بإدخالك أن يكون هذا خطأهم، الخطأ أنهم وجدوا أمامهم شخص استطاع ان يجبرهم  بأسلوبه أن يطيعوه لأنهم خائفين، وفي النهاية أود أن أخبرك أن تكف عن حديثك هذا؛ لأنه حديث سقيم ويشعرني بالملل، ولن أعود إلى عملي سوى بإرادتي ووقتها أرجو ألا تذكرها مرة أخرى إن كنت ستتحدث عنها بتلك الطريقة.

 

اختلفت ملامحه ونظر له بتوعد وكتم غضبه بداخله وأومأ بالتفهم وأخذ آخر أنفاسه من سيجاره الضخم ثم قال:

-       حسنا، سنخرج زوجتك بعيدًا عن حديثنا فهي في الأصل فتاة صغيرة وأعلم كيف سأتعامل معها بمنتهى السهولة.

 

نهض ثم دعس بقايا سيجاره أسفل قدمي ابنه مباشرة بحذائه وهو ينظر للأسفل بإشارة ومغزى أنه يستطيع أن يفعل بها المثل ورف رأسه لتتلاقى اعينهما المتشابهة في استعداد للحرب التي أعلنها والده بكلماته:

-       متزوج حديثًا وتريد أن تحظى ببعض السعادة، عطلة وراحة من العمل، تريد أن تسافر وتأخذ بعض الوقت مع عروسك لا توجد مشكلة ولكن أن تقترب من العام دون عمل فلن أقبل بذلك.

 

حدقه "عمر" بنظرات غير مكترثة واستعاد سيطرته على نفسه وقال ببرود ثلجي:

-       افعل ما يحلو لك.

 

رفع حاجباه مندهشًا وانعكست ملامحه لينبعث منها البرودة المماثلة في المقدار والمضادة في الاتجاه فقط ما اختلف هو تلك الابتسامة المتوعدة وهو يهمس له:

-       حسنًا، يمكنك أن تعتبر ذلك تحذيري الأخير، أمامك إلى أن تكمل العام، وبعد ذلك سأتصرف أنا في حياتك هذه ما دمت لا تحسن التصرف.

 

تركه واتجه نحو بوابة المنزل ليتوقف لوهلة ثم التفت إليه وقال بنبرة غير مكترثة قبل أن يُغادر:

-       حسنًا، لقد قابلت علي أبو المكارم مدير بنك... منذ بضعة أيام وقام بالسؤال عنك، تذكر أن تحدثه.

 

اندفعت ملامح باستغراب له بينما لم يفهم ما أراد والده أن يوصله له، فاكتفى بأن يوصله فقط تلك الرسالة ثم غادر، فلقد عرف بعد لقاءه بهذا الرجل بمقدار ذلك المبلغ الذي قام بتحويله من حسابه الشخصي لحساب شركتها منذ حوالي ثلاثة شهور، بالطبع لن يترك ولن يسمح لامرأة أن تقوم باستغلال ابنه ماديًا دون وضع حدود لها!!

 

أمّا عن هذا الرجل الذي تضرر بشدة لدرجة نسي بها كل ما حدث أثناء نوبة هوسه الأخيرة لا يرى ولا يُصدق أن بعد كلماته لوالده الذي لطالما أراد رؤيته ناجحًا، أنه أصبح عاشقًا لها لدرجة قاربت على السماح بقطع علاقته بينه وبين أبيه للأبد! وبداخله؛ لا يكترث سوى لها هي وحدها.. لقد أصبح مهووسًا بها لدرجة تفوق الخيال، وعليه أن يضع نهاية لكل ما يحدث بينهما في الآونة الأخيرة الآن وفورًا قبل أن يدفعه العشق لفعل المزيد مما لا يؤمن به ولكن مع توضيح المزيد من القواعد بأصعب طريقة ممكنة حتى لا تنسى هذا الدرس للأبد!

 

هل حقًا يكترث لوالده وما يراه ويشعر بالقليل من الندم تجاه هذه الطريقة التي حدثه بها، ألا يرى إلى أي حد تضرر عقله؟ منذ أن كان طفل، من مدرسة عسكرية توجب عليه أن يبتعد عن حضن والدته وأخيه الصغير وحتى أبيه نفسه، إلى درس قاسٍ بتحمل الألم بعد أن تم تشريح جسده بقطعة زجاجية ورفض والده أن يعانقه، متبوعًا بدرسٍ أقسى بأن يمكث بمفرده ثلاثة أشهر، ليتحول بعد هذه الصدمة إلى كيان قاسي كل ما يُريده هو أن يدمر البشر، وبعدها لمجتمع مختلف تمامًا بمدرسة كل الفتيان بها يتعاملون مع بعضهما البعض بأريحية لم يستطع أن يتواكب معها، ثم لاقى صدمة الالتحاق بكلية الحقوق، وجدال عنيف طوال سنوات جامعته بالوحيدة التي رق قلبه لها لتُمثل له كل ما لم يجده في بشر طوال حياته، لقد كانت له الأم، الأب، الصاحب، والحبيبة، وحتى شعور الأخوة وجده بين يديها ليستيقظ على إعصار أنها خائنة وهو رجل مغفل..

 

يا ليته يعلم أن كل سنوات معاناة حياته لم يكن السبب بها سوى رجل واحد فقط، ولسوء حظه قد طُبع اسمه متبوعًا باسم والده الذي كان السبب في كل ما يُعانيه في بطاقة تعريفه الشخصية، يومًا ما سيدرك أنه يُعرف نفسه ويُعرف الجاني عليه فقط بنطقه لأربعة أسماء "عمر يزيد أكمل الجندي" أمام مسمع ومرأى من الجميع.. ولكن لن يتيقن من كل هذا سوى بعد فوات الأوان!

--

هسهست بتوجع وهي تمرر يدها على قدمها التي تأذت بفعل النيران، وحاولت اقناع نفسها أنه لا يتبقى سوى القليل بعد حتى تلوذ بالفرار للأبد من بطشه الذي لا ينتهي..

 

قامت بعقلها بعد باقي الأرقام لتصل لرقم ألفين وخمسمائة ثم سبته وبعدها الرقم ألفين خمسمائة وواحد، وكررت فعلتها وسبته، عقلها لا يغيب عنه الفرار أو الانتحار، لن تستسلم لهذا الحقير ولو عشقها عشقًا لا تكفيه السماوات السبع هي ستتركه لا محالة بأي طريقة من الطرق!

 

تعجبت بينها وبين نفسها لما أخذ كل هذا الوقت، أم عليها أن تقضي باقي هذا اليوم حبيسة بهذه الغرفة التي لا تذكرها سوى بالجحيم وكل الأسباب التي تدفعها لكراهيته، أو تُجبرها على كراهيته، كل ما يجعلها تشعر به الآن أنها ظنت أنه يعشقها وتعشقه إلى درجة التحليق في السماء وبدون سابق انذار منذ أن وجدت تلك الصورة وقعت في أعماق بركان لا يخمد! لقد خدعها خداع بامتياز، وليس هناك أسوأ من اعترافها بأنها غبية وساذجة!

 

بدأت تنظر للغرفة ومحتوياتها بعد أن اصابت بجفاف في أعينها من كثرة البكاء ثم أخذت تنظر لكل تلك الخزانات التي تحتوي على أدراج وهي تخمن ما الذي قد يوجد بها فنظرت نحو الباب وفكرت في الذهاب لتفقدها فترددت، وفضلت الجلوس، فهي حتى غير مسموح لها بالتحرك لو آتى ووجدها تعبث بشيء ما.. صبرًا، ستعبث به هو نفسه وبنفس الطريقة الموجعة وهو يكيل إليها الإهانة والخوف!

 

لم يمر كثيرًا، بالكاد وصلت إلى الرقم ألفين وسبعمائة ثمانية وتسعين وهي تسبه هذه المرة لتشبهه بالثور الهائج الذي يكبلوه لإجراء عملية اخصاء عما قريب.. يا له من منظر بديع لو حدث هذا بالفعل!

 

آتى الثور لتوه وهو يدخل من باب الجحيم المتقد الذي باتت تعيش فيه، لم تره سوى هكذا، تتخيله يُساق من عنقه ليتجه جالسًا على كُرسيه ولكن أكثر ما أرعبها هي زجاجة الخمر التي أمسك بها..

 

وجدت انظاره مُسلطة عليها بهذا الركن البعيد نوعًا ما ليحدثها بنبرة آمرة جشة فارغة من المشاعر انتفض لها جسدها خوفًا حقيقي غير مُدعى:

-       اقتربي على أربع.

 

ربما ابتعاده عنها بعض الوقت انساها كم بات يُخيفها، فما مرت معه بالأيام الماضية أدركت الآن أنه قد ترك اثرًا بنفسها.. فزع من مجرد لمحة منها نحوه، وذعر من تخيل ما الذي قد سيفعله بها، وبعد تجربة الحياة معه تعرف أن "عمر الجندي" الثمل شخص غير مرغوب به على الإطلاق.. تتمنى فقط أنه لم يتناول شيء عندما تركها لأنه لو فعل لا تدري كيف قد تنجو من ثمالته التي اختبرتها مرارًا..

 

امتثلت امره البغيض واتجهت كما أراد ووقفت لتنتظر أمامه فرمقها أسفل قدميه وبنفس الصوت من جديد أمرها:

-       انظري لي.

 

فعلت على الفور ليرى في عينيها مزيجًا من الخوف، الارتباك، ورغبة ضئيلة بالرضوخ له، نوعًا ما هذا المزيج سيكون جيد لبناء ما يُريد أن يشيده منذ البداية، ولكن لا يزال هناك الكبرياء والرفض متواجدًا بمقلتيها، حتى ولو بهتا قليلًا..

 

قام بفتح الزجاجة التي أجبرت مُقلتيها على التحرك لتتابعها في صمت بينما تناول منها البعض ليدعها ترتطم بسطح المنضدة الجانبية لتخلف صوتًا جعلها تبتلع ثم نهض فجأة فانتفض جسدها توترًا فوجدته يخلع قميصه القطني قصير الكم ثم جلس من جديد وحافظ على نبرته من جديد وهو لثالث مرة يملي بأوامره التي لا تنتهي:

-       اعتدلي في جلستك.

 

فعلت ورأى التوتر يزداد بعينيها وتلجلجت أنفاسها بينما ألقى بقميصه عليها وأشار لها أن ترتديه ففعلت سريعًا بينما في الحقيقة هي لا تستطيع أن تشتم لرائحته التي باتت تصيبها بالغثيان بمجرد الشعور بأنفاسه في نفس المكان معها!

 

خلل شعره ونظراته غير مفهومة اطلاقًا بالنسبة لها لا تدري هل هذه نظرات راغبة، منزعجة، أم تريد الانتقام منها؟ لا تجد أي إجابة لدرجة آلمت عقلها..

 

-       انظري، أمامك الآن حل من اثنين، عقاب، وعقاب ليلًا ونهارًا والكثير من الأذى لكِ ولعائلتك ولكل من له علاقة بكِ ويهمك أمره إلى أن تتمني وتحلمين أن تصبحين مثل الحذاء في قدمي وفي جميع الأحوال أنا متفرغ لكِ وليس لدي سواكِي، وإما أن تتغيري وتصبحين كما يحلو لي، ووقتها ممكن أن أعطيكِ فرصة أخرى، إن استطعتي أن تثبتي لي أنكِ تغيرتِ بحق، ما هو رأيك الأول أم الثاني؟

 

تفقدته وهي تفرك يديها ببعضها البعض، ربما ما يتفوه به الآن كان أفضل من كل التخمينات برأسها، أن ينتهي الأمر وعقابه المختل كما يُنادي به، توافقه على الدخول لهذه الغرفة في عدة ممارسات متتالية للجنـ س العنيف إلى أن تصبح هذه الغرفة متاحة لها طوال الوقت وتحصل على ما تريده وتفر منه!

 

لم يأخذ تفكيرها سوى جزء من الثانية واجابت بلهفة:

-       الثاني بالطبع!

 

ابتلعت في انتظار ما سيقوله، كلماته شجعتها بداخلها أن تتقبل المزيد على أمل أن تفلح فيما تخطط له منذ أن استفاق من نوبة هوسه منذ أكثر من شهرين لترطب شفتيها وتابعته وهو يتناول المزيد من الزجاجة مباشرة بينما لم تعلم ما يدور في عقله!

 

اقترب للأمام قليلًا بعد أن فرغ من تجرعه هذا السائل الحارق وجمع يديه ببعضهما وتفحصها جيدًا وكل ما تمناه أن يحدث ولو تلامس بينهما من جديد، نعم هو لا يغفل عن عذابها الذي ينتظرها، ولكن تأثيرها عليه وعلى حياته وعمله وحتى والده أصبح يفوق الحدود.. هو مهووس، لا يجد حل سوى ذلك!

 

-       قفي واقتربي!

 

نهضت سريعًا وأخذت خطوة للأمام بينما نظراته تفترسها لا تدري رغبة أم مجرد تفحص عميق كي يعرف ما إن كانت صادقة أم كاذبة وفي لحظة وجدته يجذبها لتسقط فوق قدميه ولم تستطع التحكم في أنفاسها المرتعدة التي انبعثت منها رغمًا عنها!

 

اكتفى بعدم رؤيتها إياه وهو يغمض عينيه ويعانقها بقوة لينهل من رائحتها كالظمآن الذي لم تلمس شفاهه قطرة ماء واحدة منذ يد هذا المخنـ ث التي كانت تستقر بظهرها ولم ير كيف تعالت نبضات قلبه تسارع بعضها البعض وهو في حالة من الاشتياق لم تصبه قط طوال حياته لأي أحد أو حتى لأي شيء!

 

مرت الدقائق وهي تصاب بالذعر وهي لا تدري هل الأمر انتهى بهذا العناق أم هناك ما سيُصيبها به من جديد وبعد مُدة وجدته يعدل من جلستها حتى بات يرى وجهها بوضوح ليتمعن متفحصًا، هذا وكأن كل ما تعلمه لسنوات سيُفيد أمام تأثيرها عليه الذي لم تمتلكه سواها، لعن العشق ولُعنت هذه الصغيرة التي لا يدري كيف دفعها القدر لتقف أمام مكتبه يومًا ما!

 

-       لماذا هذا التوتر؟

 

ابتلعت وهي تخفض عسليتيها المرتبكتين نحوه ثم همست له بتلعثم:

-       لا شيء!

 

ابتسم بسخرية شديدة وقال بنبرة متسائلة:

-       هل هذه المرة الأول التي أقترب منكِ بها؟

 

تفقدت ملامحه بينما هو يفعل المثل، ولكن اختلفت رمقتها له الفازعة عن خاصته التي لا تدري كيف عليها تحديدها، هل هو مشتاق لها أم راغب بها وحسب؟

 

رطبت شفتيها ليحترق بداخله من شدة تحكمها بها ثم اجابته:

-       لا، ليست المرة الأولى.

 

سلط انظاره على شفتيها ثم همس بفحيح لأول مرة تستمع له منه:

-       حسنًا، اهدأي، لو كان لدي شك أنكِ لن تتحملين ما حدث وما سوف يحدث لم أكن لأفعله.

 

حاوت ألا تسخر، ألا تبكي، وألا تعارض، ولكن بداخلها ترسخ أمر وحيد ليس له ثاني، لن تقبل أي من كلماته المخادعة بعد الآن!

 

حاول أن يُعدل من جلستها كي يحثها على الاسترخاء قليلًا فظلت ناظرة له بتوتر بينما هو أمسك بالزجاجة وتناول البعض منها ليتنهد وهو يعيدها مكانها ونظر إليها بمنتهى الجدية وتحدث بهدوء حقيقي لا يدعيه:

-       أنا أعلم أنني قد دللتك كثيرًا، وأعلم أنني قد تنازلت عن أشياء كثيرة كان من المستحيل أن أقبل بامرأة من دونها، لأنني أعشقك، هل تشعرين بذلك أم لا؟

 

تفقدته لوهلة ثم قررت أن تجاريه ليس إلا بالرغم من نبرتها المرتبكة التي اجابته بها:

-       أجل أشعر بذلك.

 

همهم إليها ثم ذهبت عينيه لتتفقد ساقيها ولا شيء يحول بينهما وبين انظاره المشتعلة لهما ثم عاد لينظر لها من جديد وقد تأثر حقًا حتى بدأ في التفريط في محاولة تبين صدقها من عدمه وأكمل كلامه:

-       أستطيع أن أنسى جدالك لي، رفضك، عصيانك، عدم تنفيذ أوامري، قضية الخلع، يمكنني نسيان كل شيء ما عدا شيء واحد فقط لا أستطيع التغاضي عنه.

 

رأى ارتباكها يزداد بالرغم من تحدثه بمنتهى الهدوء كما شعر بتهدج أنفاسها وسيطرة الوجوم على وجهها واستمرت في صمتها فسألها ما لم تكن تتوقعه:

-       هل تتذكرين طريقة حبي ليمنى؟

 

ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب وأومأت على كل حال لتجاريه واجابت بصوت خافت:

-       أجل

 

لم يستطع منع نفسه عن تلمس خصلاتها التي تخفي البعض من ملامحها فأبعده بطرف أنامله وصرفها لخلف اذنها وابتلع ثم سألها:

-       هل عندكِ شك في أنني أحبك أكثر منها بكثير؟

 

أومأت بالإنكار فورًا ولكنها لم تغفل ما الذي لا يستطيع أن يدعه يمر مرور الكرام ليتابع بثرثرة عكست أنفاسه المُلتهبة من شدة اشتهاءه لها:

-       يمنى قد بدأت معي بخطوات ولأنني كنا أحبها تغاضيت وسامحتها، وأنتِ اتبعتِ نفس نهجها، هي كانت انتهازية، وطامعة، وتريد الحصول على شيء معين لدي، أما أنتِ فتريدين أن أصبح كما يحلو لكِ، تريدين السيطرة عليّ لأسير على طباعك، وتصرفاتك، وشخصيتك، وكل شيء تفعليه وتعتقدين بأنه صحيح من وجهة نظرك، ومن المفترض أن أوافق عليه دون قيد أو شرط، فما حدث منذ فترة لا أستطيع نسيانه أو محو صورته من مخيلتي.

 

توجست بداخلها وتجهم وجهها أكثر لتجده يجذبها نحوه ثم همس بأذنها بإطناب نزل على أذنها كالصاعقة وجعلها تفهم لماذا قارن بينها وبين "يُمنى" منذ لحظاتٍ قليلة:

-       ليست قضية الخلع، أو مشاجراتنا، أو رفضك لكل شيء أريده، ولكن أن يراكِ رجل غريب وانتِ شبه عارية لا تسترين جسدك الذي هو من حقي أنا فقط سوى بالقليل،  وليس ذلك فقط بل ويضع يده عليكِ في منزلي أيضًا، فذلك يدل على شيء واحد فقط أنه في المرة المقبلة سيقوم باحتضانك لأنه مثل شقيقك، وبعد ذلك سيقبلك قبلة مجاملة فأنتِ مثل شقيقته أيضًا، وشيئا فشيئا سأخرجه من غرفة نومي وهو عاري ومعكي في سرير واحد، هذه هي طريقتي في التفكير، وهذا ما أراه، والذي لا أستطيع نسيانه، فكري جيدًا صغيرتي في سؤالي القادم، هل لديكِ اعتراض على حرف واحد مما تفوهت به الآن؟

 

لا تُنكر أنها باتت تُفكر في كلماتها ملايين المرات قبل النطق بحرف واحد وكل هذا يحدث لعقلها خلال جزء من الثانية فسرعان ما أجابته:

-       لا ليس لدي اعتراض.

 

تنهد براحة شديدة ووجدته يطبع قبلة على وجنتها بتريث بالغ به ثم عاود همسه لها:

-       ما دمنا متفقين فهذا هو الشيء الوحيد الذي لا أستطيع أن اتغاضى عنه حلوتي، لابد أن أوضح لكِ وجهة نظري بطريقتي الخاصة، وانتِ ستساعدينني في ذلك، أليس كذلك؟

 

تملكها الذعر لثانية واحدة ولكنها احبطته بداخلها، أما عن أنفاسها المُرتبكة لم تملك عليها سلطان، كما شعرت بتدخل رجولته بينهما لتحول بين ذلك الذعر وبين تخميناتها لتعلم أن كل هذه رغبة محضة خالية من أي اشتياق، وبدون أن تفكر لمزيد من الوقت حتى لا يرتاب بها أومأت في صمت بالموافقة بينما هو عدل من جلسته بكرسيه وحرر عناقهما وأشار برأسه لها ثم حدثها قائلًا بنبرة ماكرة:

 

-       حسنا، أظهري لي ما أنتِ مستعدة لفعله لمساعدتي، عودي إلى مكانك أرضًا، واثبتي لي أنكِ تفهمينني.

 

ترددت وهي تنهض ثم عادت من جديد لتجلس أمامه وعقلها لا يستطيع التوصل لما يقصده بعد بينما باغتها بقوله وعينيه تبرق بالرغبة المختلطة بلذة استمتاعه بعذابها وتهيئها النفسي أن تتقبل منه لاحقًا ما سيفعله منذ الآن فصاعدًا:

-       احذري، إن لم تفعلي ما أريده فكل خطأ سيقابله رد فعل مني لن يعجبك.

 

ترددت قليلًا، أو كثيرًا، لا يهم ما تشعر به، عقلها فقط مُثبت بتركيز شديد على ما سيجعلها تنتهي من هذه اللعنة للأبد!

 

حاولت التفكير مليًا بمقصده ثم اقتربت منه قليلًا وتابعها هو بعينين ثملتين بالرغبة الشديدة لها ليجده تقوم بتقبيل يده بشغف لم يعهده منها وارتفعت عسليتيها نحوه ليجدها تتساءل عما كان هذا هو مقصده أم لا وبالرغم من اعجابه بما فعلت لم يكن هذا ما يريده..

 

فكانت ردة الفعل الأولى صفعة بنفس كف يده الذي قبلته منذ لحظة واحدة، كان ينتظر بُكائها، أو ينتظر منها رمقة وكأنها تخبره بحوار عينيها أنها لا تستحق ذلك، أو حتى أنه يقوم بظلمها، على النقيض تمامًا، غازلته بعسليتين راغبتين به!

 

لا يعرف بعد أن مجرد هُدنة ولو قليلة باتت تتركها لتُفكر مليًا في هدفها، لو فقط نجحت في الاحتيال قبل أن تصل للأوراق هذا سيكون نجاحًا على المستوي الشخصي بالنسبة لها، كما خدعها مرارًا وتكرارًا.. ومما عرفته عنه هو رجل سا دي ويتأثر بشدة بجسدها.. لذا ستستخدم كل الوسائل المتاحة بين يديها!

 

-       ليس ذلك ما أريده.

 

ابتلعت وهي ترفع عينيها له بنظرة اربكته لدرجة جعلته يبتلع ثم همست له سائلة برضوخ لم يتوقعه منها:

-       هل يمكنني المحاولة مرة أخرى؟

 

أومأ لها موافقًا وهو يُفكر بالقادم الذي عليه فعله وكيف ستتقبل هذا منه، لو لم يتحرر هذا الكبت بداخله لا يدري كيف سيتحمل التالي معها، لم يعد يستطيع الاحتمال أمامها دون التفكير بأمر رغبته اللعينة التي لا تندثر أمامها، ووقت تلقينها الدرس الأخير تجاه ما فعلته قد ينهار في لمح البصر ويجد نفسه بدلًا من أن يُعذبها يقيم معها علاقة أخرى تمامًا.. هل هذا بسبب العشق؟ أم لأن هناك تلك الكيمياء اللعينة والانجذاب الجسدي فيما بينهما؟ لم يعد الأمر واضح له، فقط يريد أن يتخلص مما يحمله بداخله لأكثر من شهر كامل، ومعها لم يستطع الانتظار قط، منذ أول مرة له معها وحتى الآن هذه أطول فترة امتنع عنها، وبصراحة شديدة بينه وبين نفسه هذا أقسى ما عاناه معها!

 

كررت فعلتها ولكن وهي تتجه للأسفل، تقبل كلتا قدميه، تتجرع اهانتها ولكنها تقوم بصرفها لآخر المهام على قائمتها، ستنهار لاحقًا وستبكي ولكن ليس الآن، حلها الوحيد أن تكون مخادعة وخبيثة هذا هو الحل مع رجل محتال متلاعب كالدجال مثلما اعترف بنفسه في يوم من الأيام بخطاباته المراوغة التي عبثت بكل مشاعرها وعقلها لفترة من الزمن ليست بقصيرة أبدًا، أن يكون هو مريض ويتناسى نوبات هوسه وربما كلماته فهي ليست بمريضة مثله ولم تنس حرف واحد من كلماته، ولا تصرف من أفعاله!

 

رفعت عينيها بغزلٍ صريح وهي تحاول أن تحتال عليه بملقتين تنتظران نظرة رضاء واحدة منه واستمرت كما القطة المشاغبة بالقرب من حذاءه ولم يفهم أنها كانت تلعن نفسها مرارًا على ما تقوم به، ولكن كل ما جال بعقله أن هذا ليس بمقصده ولم تمتثل أمره، هي فقط جعلت حالته تنتقل من سوءًا لأسوأ بما تفعله، هل تريد أن تفقده عقله من شدة الإثارة وتشوقه لها أم ماذا؟

 

كان عليه أن يضع حدًا نهائيًا لتلاعبها به فدنا ليجذب شعرها ثم حاوط عنقها بيده بصلابة وهو يناضل أن يحافظ على ملامحه فنجح ببراعة، ولكن نظراته عبرت لها أنه أوشك على الانفجار من شدة رغبته بها..

 

ترك شعرها ثم لطمة منه وهو لا يزال يحتوي عنقها، كانت أبشع من سابقتها ولكنها قتلت الشعور بداخلها وكانت على شفا حُفرة من البكاء فاختارت ألا تفعل بينما وجدته يُحدثها من بين أسنانه المتلاحمة:

 

-       لقد كنتِ جيدة في رحلتنا الأخيرة وتفهمينني جيدًا، هل تدعين الغباء الآن؟

 

رطبت شفتيها وتحولت عينيها للنعاس بالرغبة وأومأت بالإنكار أسفل خصلاتها التي تبعثرت من لطمتيه لتجد يده تزداد صلابة لدرجة أوجعتها وهمست له بما لم يتوقعه:

-       لست غبية ولكني أريد أن أفعل كل الأشياء التي تحبها لكي أثبت لك أنني قد أصبحت كما يحلو لك في كل شيء، وما تقصده أنا أفهمه جيدًا.

 

اتجهت يديها بنقلات مدروسة علمها إياها يومًا ما، فعلتها كثيرًا أثناء ظنها بمنتهى الغباء أن زوجها يعشقها ولا تريد فقط سوى ارضاءه جسديًا وتحقيق امتاعه كما يفعل معها.. الأمر كان بالسابق بالتراضي البحت ولكن اليوم هي مجبرة على ادعاء الرضاء والتقبل والاذعان، ترغم على أن تصبح شبيهة من يُمنى، ونسخة طبق الأصل من خاضعة مخضرمة لن تقبل سوى هيمنته وسا ديته وعشقه وهوسه المرضي..

 

لو فقط تعرف كم يحترق بما تفعله به وهو فاقد لكل معاني السيطرة والتحكم بين يديها لتوقفت حتمًا، وقد أوشك على فقد زمام كل ما هو عليه إن لم تتوقف عن كل هذا الشتات الذي تسببه له، عليه أن يستعيد سيطرته عليها وبسرعة شديدة قبل أن تهلكه أسفل يديها!

 

ابتعدت يده عن عنقها لتُمسك بخصلاتها التي تبعثرت أكثر بفعل قبضته العنيـ فة الهمـ جية وبدأ يُتابع شفتيها وما تفعله ليجد نفسه في أقل من دقيقة لا يستطيع تحمل تأنيها وتريثها فيما تُكيله إليه من عذاب!

 

تفرقت شفتاه وهو يلهث بينما تفوه آمرًا:

-       أسرعي..

 

لمسته أناملها بتأني اذاب آخر ذرات قدرته على التحمل ثم نظرت إليه بتلاعب وحدثته بنبرة خافتة جعلته يُطبق أسنانه في غيظ:

-       أليس أنت من علمتني أن هناك أشياء لا يجب أن نفعلها بسرعة، لأن تأثيرها لن يكون جيدًا.

 

هل تستخدم كلماته ضده؟ لقد جنت على نفسها بما قالته!

 

نهض وارتدى ما ساعدته على التحرر منه منذ قليل ولم يكترث للذهاب كي يُحضر طوق ولا سلسلة ولا غيرها فاكتفى بجذبه لخصلاتها إلى أن اتجه بها إلى أقرب حائط كي يحاصرها، ما لم يره أن رغبته بها أقوى بكثير من كل تلك الترهات التي أقنع نفسه بها منذ الثامنة عشر وحتى يومه هذا..

 

أحيانًا تسود الإرادة والهدف كل شيء آخر.. وهذا ما جعله يتصرف بغضبٍ تام كالضرير، وهي إلى الآن كانت سعيدة للغاية بتملك ذلك التأثير عليه، وأدركت أنها لو استعادت تلك العلاقات المتوالية تباعًا فيما بينهما ستملكه كدمية بين اصابعها، فهي تحمل له قولًا سيُفاجئه حتى لو قام بتعذيبها بما لا تتوقعه.. مكر المرأة لا يزال لديه الغلبة في بعض الأمور!

 

اخفض من ملابسه مجددًا بينما تعلقت عينيها برغبة هائلة بخاصتيه لتجده يُحدثها بقسوة لاهثًا:

-       عندما أقول لكِ شيء افعليه دون نقاش.

 

كانت المرة الأبشع على الإطلاق، هذا ليس به وجه لأي مُتعة سوى لاضطراب شخصيته السا دية وهو يقوم بخنقها بحركاته المتوالية وهي يرفض أن يغادر فمها ولو لوهلة، أن يقوم بدفع رأسها نحوه وهو يجذب خصلاتها بين يديه لتشعر بألم شنيع لا تستطيع وصفه وتشبثت قدر ما استطاعت به ثم حاولت دفعه ولكن دون فائدة!

 

أسوأ دقيقتان بينهما، لم تتخيل سرعته الشديدة بمنتهى الهمـ جية وهو يفعل الأمر، لقد قاربت على فقد تنفسها حتمًا، لم تعد تتحمل دفعـاته التي تتوالى بوتيرة سريعة حتى بدأت عينيها في ذرف الدموع، يستطيع أن يحول الأمر من مجرد امتاع لزوجها بشفتيها إلى ذكرى سوداء لن تنساها لطالما سارت الدماء بعروقها!

 

خارت قواها على التحمل وبالفعل شعرت بالغثيان الذي دفعها لإفراغ كل ما تزال معدتها تحمله فأعطاها استراحة قصيرة وهو يرمقها بهيمنة وتقزز شديد ولم يكترث لمعاناتها في الحصول على بعض الهواء وبمجرد انتهائها أمسك برأسها من جديد وابتعد عن المكان قليلًا من شدة تقززه ورفعها حتى شعرت وكأن ثقل جسدها أصبح بأكمله مستندًا بين يديه ولم تعد تستقر على قدميها بالكامل وقبل أن تمنعه بتوسلات عاود كرته بغلظة شديدة وهو يدفع برأسها للجدار خلفها إلى أن صرخ بين أسنانه محررًا ما كان يتحمله لأكثر من شهر كامل!

 

تركها لتسقط أسفل قدماه والتقط أنفاسه وهو يخفي جسده من جديد ولبضع ثوان شعر وكأنه لا يستطيع الوقوف فاستند على الجدار لوهلة ثم سرعان ما استعاد القليل من السيطرة على جسده وابتعد وهو يتفقدها ليرى وجهها انعكس عليه اثار فعلته وبقايا ما يُثبت على افراغه لحمل كان يتحمله بشق الأنفس، وبالرغم من اعجابه بما توصل له معها إلا أنه حدثها باستهزاء وتقزز زيفه ببراعة لكي يطغى على ملامحه:

-       انهضي ونظفي تلك القذارة التي على وجهك، ونظفي أيضًا ما فعلتيه، إن أتيت ووجدتك كما أنتِ رد فعلي لن يعجبك.

 

توقف للحظة حتى يطمئن أنها لن تفقد وعيها بنظراتها الناعسة تلك لتفوق توقعاته من جديد وهي تهمس له:

-       حسنًا

--

 

بمجرد تركه للغرفة تغيرت ملامحه للضيق الشديد، رؤيتها كقيلة دائمًا أن تُغير خططه، فجأة من رجل مُضرب عن العلاقات والزواج لآخر متزوج بها، ومن رجل يريد أن يقوم سلوكها لكي تصبح كما يحلو له إلى آخر يريد أن يقترب منها ويعانقها ويقبلها.. ما النهاية لسحرها إياه؟ ما المفر من كل هذا؟!

 

حل عقدة شعره ووقف أسفل المياه الباردة وهو يتذكر ما كانت تفعله منذ قليل، ظاهريًا تبدو وكأنها تغيرت، أما بباطنها لم يعد ير شيء، هل هذا كان لرغبته بها؟ لابد من أن هذه هي الحقيقة، أعمته الرغبة واشتهائها ليس إلا.. ليس هناك حل سوى هذا، سيعود لها من جديد وسيعرف ما الذي تضمره له! والحيلة بسيطة للغاية، سيرى إلى أي حد ستتحمل هذه المرة، فما حدث منذ قليل ليس بمقياس أبدًا على أنها تغيرت ورضخت له في النهاية..

 

-       لماذا أنت صامت الآن هكذا؟ هل اكتفيت من الدفاع عنها؟

 

حدث نفسه بينما لم يجد إجابة، ما لا يفهمه بعد أن هذه هلوسات، سمعية ومرئية أحيانًا على حسب مقدار ما يُعانيه وقتها وشدة صدماته، وفي مزاجه المعتدل وبعد التأثير الدوائي الذي انتظم عليه لمدة، اعتداله – مزاجيًا – سيستمر لفترة أكبر هذه المرة!

 

انزعج بشدة من هذا الخواء بداخله ثم اتجه سريعًا ليُجفف شعره وارتدى ملابس نظيفة ثم نثر بعض من عطره واتجه ليتناول بعض القهوة، فما سيفعله سيحتاج منه أن يكون مستيقظًا في كامل وعيه، فلقد اختبر الأمر بنفسه في يوم من الأيام ويعلم كم هو مؤلم!

 

وبغض النظر عن الألم، يعرف مليًا كيف يترك الإنسان في حالة من الخوف، شعور بغيض بالذل والإهانة، وخصوصًا عندما لا يكون له ذنب في شيء..

 

وما يعرفه، ويختار أن يُصدق به، أنها ليست خائنة، فلقد رأى نظرات هذا المخـ نث لها، هو لا يشتهيها، وهي لا تتفقده بتلك النظرة ولا الأنفاس المسلوبة عشقًا به.. يكفيها هذا الدرس القاسي على كل حال فلقد ذاقت لأيام متوالية ما لا بأس به من التعلم أنه لا يمزح معها ولن يقبل سوى ما يحلو له..

 

--

ارتكزت على الحائط لما قارب دقيقتان كي لا تنهار واستندت بيديها لتدعم جسدها، ما حدث بالرغم من همجية الفعل نفسه ولكنها تعلم أن هذا ما يمتاز به، وستُنكر وسوف تكون كاذبة لو أنها اعترفت بغير الحقيقة، همجيته تلك كانت تعجبها في بعض الأحيان بصحبة تغزله بها!

 

ظنت أنه هوس الهوى، الهيام عشقًا، نادت بأن هذا هو جنون الغرام ربما، حتى في أفضل لحظاته كان يمتاز بهذه التصرفات ولسوء حظها بالوقوع في رجل خبيث مثله كانت تتقبل أفعاله وهي تظن أنها من قبيل الانجذاب الجسدي وتلك الكيمياء اللعينة فيما بينهما وبمجرد بعض نظرات كان يحدث تفاعل يؤدي لانفجار لا ينتهي فيما بينهما سوى بعد أيام!

 

ولكن هذه المرة أن تكون كارهة لرجل، يملؤها غريزتي الفرار والانتقام منه، اختلف شعورها كثيرًا، وبكل الأسف لا تستطيع حتى أن تسمح لنفسها بالنظر أو الصراخ أو البكاء وإلا سيكتشف أنها تحتال عليه!

 

خانتها واحدة من دموعها التي جرت دون تحكم منها أو إرادة لتشق سبيلها على وجنتها وحاولت أن تجد أي شيء بالحمام كي تجفف جسدها به بعد أن أزالت اثار همجيته وقامت بتنظيف الغرفة كما أخبرها فلم تجد سوى منشفة صغيرة ابتلت بالكامل عند انتهائها من استخدامها!

 

لن تنسى ما يفعله بها، أن تصبح امرأة منعزلة عن حياتها وتقوم بالتنظيف والجلوس أسفل قدمي رجل تفني كل محاولاتها في ارضائه وحتى ولو من أجل الفرار منه، لن تنسى هذا طوال حياتها!

 

حاولت التغلب على هذا القهر الذي تشعر به وهي تخبر نفسها أن تصبر القليل بعد، ما دام وصل لهذه المرحلة لن تخسر سوى عدة لقاءات حميمية معه، عليها بدهاء أن تقنعه بالدخول للغرفة وبعدها ستصل بسهولة لتلك الأوراق، لا تحتاج فقط سوى أن يفتح لها بوابة الخلاص الأخيرة!

 

جلست أرضًا بالقرب من كُرسيه وهي تتصنع الانصياع الزائف، جذبت ركبتيها إلى صد رها فهذه هي الوضعية الوحيدة التي قد تنتشل أفكارها من أنها مجردة من أقل الأشياء كالملابس، وكالحياة واكتفت بالنظر للنافذة لتعرف أن السماء التحفت بظلمة الليل لتدرك أن ها هو يوم آخر لم تنل به سوى العذاب، وبداخلها حثت نفسها على ألا تنسى هذا لاحقًا!

 

لم يمر كثيرًا حتى رأته يدخل الغرفة من جديد، فاشرأبت تتفقده لتلاحظ اختلافه، وتسرب لأنفاسها رائحة عطره ومن على مسافة استطاعت التعرف بسهولة أنه لتوه فرغ من الاغتسال وملامحه تبدو مستيقظة أكثر، وكأن ما حدث منذ قليل جعل النشاط يدب بسائر حواسه على نقيض ما حدث لها، لقد ازدادت روحها دمار، وانتشرت رائحة احتراق كيانها لدرجة اصابتها بالاختناق..

 

كمن ينتظر شيئًا ما، ولم تتركه ليفعل، ذهبت إليه على أربع، وجسدها بأكمله يشعر بالتوجع، سواء قدمها التي تضررت بالفعل، أو حرب الاختناق الضاري منذ قليل، أو حتى تلك الكلمات التي غادرت شفتيها دون أن تدرك كيف نجح بها وقتها.. حتى ذراعيها لم تعد تستطيع حملها بعد تقييده إياها..

 

لم يعد يعرف ما الذي تريد الوصول له، ولا يدري هل عليه أن يثق بأن كل ما يفعله منذ أن تجاهلها ووصولا لليوم غير أي شيء بها أم لا، وأن تأتي كما الهرة تقبل قدمه غاية في رضائه كان هذا حلم بعيد المنال، ولكنه يتحقق، فلماذا عليه ألا يستمتع؟

 

اخفض من نظره نحوها ثم تكلم ببرود وهو يحاول أن يُحدد ماهية مشاعره ويتمنى أنه استعاد بعضًا من سيطرته على نفسه:

-       انهضي

 

نهضت على الفور فتفقد ملامحها واقترب ليشتم رائحتها لجزء من الثانية ليجدها اغتسلت بالفعل وتفقدت عينيه تلك البقعة التي كانا يقفان بها منذ قليل فوجدها نظيفة فابتعد من جديد وحدقها باستغراب لم يتضح بسواد مُقلتيه ثم تكلم آمرًا:

-       كما أنتِ اذهبي وقفي هناك لكي أقيدك مرة أخرى.

 

القليل بعد، القليل، بعض الصبر ليس إلا، أن تمتعه بفمها بتصرفاته المرضية هذا مؤشر لقيامه عن قريب بممارسة علاقة جسدية معها، خطوة واحدة تبعدها عن كل ما تريده.. عليها أن تتحمل القليل بعد، وكل هذا كان ما اخبرت به نفسها وهي تتجه حيث أخبرها..

 

ثبت يديها بنظرات لم تفهمها يمينًا ويسارًا وشد الحبال بطريقة بشعة حتى أصبح التحرك بينهما مستحيل وكذلك فعل بقدميها ليصلهما بحبال عُقدت جيدًا بإتقان بدائرتين حديديتين مثبتتين بالأرضية، وما أدهشها حقًا هو ذهابه ليحضر ما يُشابه عصا معدنية استقرت ببعض فتحات هذان العمودان أمام خصرها تمامًا وهذا ما قيده هو الآخر وثبته بإحكام ثم ذهب وتركها وعاد إليها من جديد ليجلس على هذا الكُرسي أمامها بعد أن اذهب وأشعل احدى سجائره وجذب الزجاجة من جديد وتناول منها القليل..

 

-       هل تتذكرين الرواية التي كنت أقصها عليكِ، هيا لنكملها سويًا.

 

رسائله اللعينة المخفية في القصص والأساطير قد فاقت حد احتمالها ولكن سرعان ما أخبرت نفسها أنه تبقى القليل بعد، لقد أوشكت على الفوز واحراز هذا الهدف الوحيد الذي تبتغيه منذ مدة!

 

-       عندما تستيقظ بعد ما حدث لها وتجد نفسها وسط الحقل، تحاول أن تسير وهي تسأل نفسها أي ذنب اقترفت؟ ولم تفكر في لحظة أنها غبية، ولكن أتعرفين قطتي؟ ما حدث لها بعد ذلك كان أكبر دليل على غبائها.

 

وجدته ينظر لها بتشفي وملامح غريبة كمن يحمل بداخله أمرًا ما لا يريد أن يفصح عنه فابتلعت خوفًا مما قد يفعله بها وارتقبت اختلاله الذي تابع به:

-       وجدت رجلين يعملان عند شخص مهم يتحدثان، ويمكنكِ القول أنهما كانا على علاقة غير مقبولة في تلك الفترة، وهما أدركا أنها قد استمعت إليهم  حاولت إقناعهم بأنها لم تستمع لشيء ولكنهم لم يصدقوها، قاموا بتعذيبها، وتقييدها في أربعة أشجار على شكل مربع، من هول ما حدث لها كاد جسدها ألا يتحمل وقاربت بطنها على الانفجار، ولكن ذلك الرجل المهم تدخل وقتها.

 

استنشق من سيجارته واكتفى بإسناد الزجاجة أسفل قدمه وعينيه تأبى ترك خاصتيها ثم أكمل ترهاته:

-       قال لها سنرى مع الوقت هل أنتِ صادقة أم لا، فسلوكك وتصرفاتك ستثبت صدق حديثك، وأخذها لمنزله لتعمل عنده خادمة، كان يعيش مع عمته، حاول التقرب منها ومناقشتها لكي تفهم أن طريقتها خاطئة، وتفكيرها متخلف، ولكنها ظلت كما هي، وكأنها لم تتعلم شيء من كل ما حدث لها، بدأت تنجذب إليه، وأصبحت عاطفية جدًا معه، مع أنه لم يكن يميل نحو النساء من الأساس.

 

لحقها بتلك النظرة لتضيق ما بين حاجبيها لتفهم أنه يقصد أنه كان شاذ الميول فابتلعت بتقزز لهذا الشيء المشين والآن فهمت ما معنى العلاقة التي كان يتكلم عنها منذ ثواني ومن جديد أردف وهو يُحدق بسيجارته المشتعلة:

-       هو لم يرى عشقها له الذي يزداد يومًا بعد يوم، وبما أنه رجل يعشق الرجال، بالطبع عمته كانت ترى ذلك بعيد كل البُعد عن الأدب، والفضيلة، والأخلاق، كانت تحاول أن تجعله مثل غيره من الرجال، يميل إلى النساء ويتزوج، وكانت طريقتها صارمه معه، وهو كان مصر على نزواته، ويتعامل معها بنفس طريقتها، ويكون في غاية سعادته كلما رآها غير سعيدة، فهناك أناس تستمتع كثيرًا عندما تتسبب في الألم لمن حولها.

 

نفس عميق تناوله ونفثه، تحاول فهم رسالته الخفية، ولكنه سهل لها الأمر هذه المرة وهو يوضح أكثر:

-       هي تحاول التقرب منه ومناقشته لتستمر علاقتهم هذه بتلك الطريقة لمدة خمس سنوات التي من المفترض أن تكون من أسعد أوقات حياتها، هو بدأ أن يثق بها، أو كان قد اقترب من الوثوق بها، فقال لها اقسمي لي انكِ لن تخبرين أحد بسري، وأني أستطيع أن أثق بكِ، لأنك امرأة كباقي النساء، فأخبرته باستحالة إفشاءها لسره، لا ليس كذلك، أنا أتذكر حديثها جيدًا، قالت له، كيف تسول لك نفسك أن تعتقد أنني من الممكن أن أخون ثقتك، تخبره أن عقله هو ما يوسوس له بذلك وأنه هو المخطئ وليست هي، حسنًا.

 

تنهد ثم عاود الحديث مرة ثانية ليُكمل هذه القصة وهو يترك سيجارته الأولى بالمنفضة بعد أن أشعل منها أخرى:

 

-       طلب منها أن تساعده في قتل عمته؛ لأنه قد مل منها ويريد مساعدتها في ذلك، يريد أن يتمتع بذلك الإرث الذي ساعدته عمته في الحصول عليه، والحياة التي يريدها، والحرية التي تجعله يحيا بالطريقة التي اختارها، أنا ضد ميوله بالطبع، ولكنه يعرف بمنتهى الصراحة ما الذي يريده ولكنها أصرت على ما تراه صحيح.

 

ارتشف القليل من زجاجة الويسكي المركز، بعد أن اخلط مذاقها بصحبة ادخنته السامة، وحدق بها مليًا ثم قال بابتسامة ساخرة:

 

-       طلب منها أن تضع السم لعمته في الطعام، أما هي فتركت كل الخيارات التي كانت أمامها مثل الهروب، أو أن تنفذ ما طلبه منها، أو أن تصارحه بما تريد، وفي النهاية ذهبت لتخبر عمته بخطته، هل تتخيلين كيف قامت بخيانته؟ بعد أن دافع عنها وأنقذها ممن كانوا يريدون قتلها، كانت تستطيع أن تهرب بمنتهى البساطة، فبعد خمس سنوات استطاعت أن تجمع بهم بعض المال، ونضجت، ولم تعد صغيرة كما في السابق، كان من الممكن أن يكون لها معارف وعلاقات كثيرة تنفعها عندما تحتاجها، ولكن الغبي يظل طوال حياته غبي، مثلها.

 

عقدت حاجبيها وهي تحاول أن تتبين ما الذي يعنيه بترهاته وجسدها بات يصيبها بالآلام المتلاحقة في سائر أنحاءه مرة ثانية، لتجده في النهاية يُتابع:

-       قامت عمته بإرسال خطاب فوقع في يد أحد الخدم الذي كان يحبه جدًا، فذهب وأخبره بكل شيء ووقتها اكتشف خيانتها له فالخطاب كان يحمل كل الحقيقة.

 

نهض ثم اتجه ليقف خلفها وهو يُمسك بزجاجة الخمر بيده ثم فاجئها بالسائل الذي تلمس ظهرها هبوطًا لما بعده حتى ساقيها وأكمل قصته اللعينة:

-       بعد الذي فعلته به كانت لازالت تحبه في أعماقها، كيف تستطيع النساء أن تحب وتخون في نفس الوقت؟ عمومًا هذا للأغبياء مثلها فقط، والذي يؤكد غباؤها هو أنه أعطاها موعد ليلًا عند نفس الشجرة التي كانت مقيدة بها منذ خمس سنوات، قام بتعذيبها وتوثيقها في شجرة بعد أن أخبرها أنه قد عرف حقيقتها، أطلق عليها بعض الكلاب لينهشوها بأسنانهم ، وترك يديها ليشاهدها وهي لا تستطيع عمل شيء وسط الحراس، وفي النهاية اتهمها بقتل عمته أمام الجميع، وبالطبع في ذلك الوقت كان يستحيل أن تتساوى كلمة خادمة مع كلمة رجل مثله يمتلك المال والنفوذ، وتركها وذهب لكي تصبح هي السبب في قتل عمته أمام الناس، وترك لها بعض النقود لم يأخذها منها  لكي تكون دليل إدانتها وبراءته في نفس الوقت.

 

اتجه ليُلقي سيجارته الأخيرة في المنفضة وتجرع البعض من الزجاجة ليتساءل بالكثير مما لا يحتاج إجابات عليه:

 

-       قام بتحذيرها وأعطاها الفرصة ولكن هي قامت بعصيانه ولم تكن صريحة معه، أليس كذلك؟ كانت تستطيع أن تصارحه، ولا تخونه، لو كان عاملها بطريقة معينة من البداية كان من المستحيل أن تقوم بخيانته، لذلك فإن العقاب يذكر الذين هم على شاكلتها ألا يخطئوا مرة أخرى، فهناك أناس لو تركوا لأفكارهم سيفعلون الكثير من الكوارث، أليس كذلك قطتي؟

 

حسنًا، هو يخبرها بطريقة أو أخرى أنها مثلها، وأنه سيعاقبها، جلدات وصفعات أم مما رسة عنيـ فة؟ يا تُرى ما الذي سيفعله حتى تنتهي من هذه اللعنة للأبد؟!

 

أصابها بالذعر لينتفض جسدها وهو يقوم بكسر الزجاجة بما فيها على المنضدة وحدقها بجدية غير عابئًا بأنها لم تقم بالإجابة على سؤاله وحدثها بنبرة خافتة افزعتها:

-       ولكن أهم شيء أن يكون العقاب مؤلم بحق، لكيلا تتكرر الأخطاء، يترك أثرًا لكي نتذكر كلما رأيناه فيما أخطأنا، أو على الأقل تترك ذكرى بداخلنا كلما نتذكرها يستحيل أن نتصرف بنفس الطريقة مرة أخرى.

 

امسك بقطعة من الزجاج لتتسع عينيها في رهبة حقيقية متناسية كل ما حاولت أن تقنع نفسها به الأيام الماضية ومن جديد أردف بنفس صوته الذي صاعد خفقات قلبها لتصبح سرعتها جنونية:

-       لقد جربت شيء بشكل شخصي تسبب في تغيري طوال حياتي، من الممكن أن أكون قد جربته بالطريقة الصعبة، ولكني سأجعلكِ تجربينه بطريقة أسهل بعض الشيء.

 

اتجه خلفها وهو يحدق بجسدها ثم اقترب من اذنها ليهمس بفحيح جعلها تقارب على فقد عقلها من شدة الرعب الذي يُسببه لها:

-       لا أستطيع نسيان وضع رجل آخر يده عليكِ، على المرأة الوحيدة التي تخصني، ولي وحدي الحق بها، ولا أستطيع نسيان أنكِ سمحتي له بذلك، ولكني سأغير تلك الصورة والتفاصيل سأقدر على محوها بطريقة سهلة جدًا.

 

وما إن بدأ حتى صرخت وبشرتها تواجه هذه الزجاجة التي لا تتركها دون أن تسيل دمائها، بينما هو ثابت لا يهتز به شعره، يصيبه صراخها بالراحة، ويصيبه بالمزيد من خداع نفسه بأنه قادر على الكثير معها!

 

-       أتوسل إليك يكفي هذا لن أستطيع التحمل أكثر من ذلك، اقسم لك أنني لن أسمح لأحد أن يقوم بلمسي مرة أخرى، ولكن كفىَ.

 

أكمل بطريقة غير متقنة رسم ما يُشابه بكف اليد أسفل مؤخرة عنقها بمسافة مقبولة، بنفس المكان الذي كان يلمسها هذا المخـ نث به، لم يُجبها، فقط لاحظ محاولات فرار جسدها فمنعها عن التحرك وهو يدفعها للأمام حيث تلك العصا التي ثبتت خصرها، توسلاتها وتضرعها له لم يُغير شيء به..

 

لم تكن الجروح غائرة كما أصابته يومًا ما، ولم يكن صراخها يُشبه صراخ طفل صغير لا حول له ولا قوة، ستستقر في النهاية بعناق لم يحظ به هو من والده، ربما الآن هو الجاني ولاحقًا سيكون من يهون عليها.. ربما ستتعلم هذه المرة لا محالة أن وجود رجل آخر في صورة عقله غير مقبول..  ومجرد لمسة يد منه عليها هذا هو العقاب الذي سيُخلص عقله من تذكره صورتهما معًا!

 

اتجه ليقف أمامها وهي تبكي آلمًا وتحاشت النظر إليه تمامًا ثم حدق بها مليًا ليحدثها آمرًا بنبرة جدية:

-       انظري لي.

 

لم تستجب وهي لا تزال تشعر بالألم كالحريق الكاوي لظهرها وهي تشعر بالدماء تسيل منه ويأتي بدناءة فعلته ويأمرها بأن تنظر له، فليتعفن في الجحيم، لن تستجيب له ولو قتلها.. لقد قارب على فعلها عمومًا وهي لم تعد تكترث!

 

لم يتقبل بالطبع ردة فعلها فأمسك بطرف الزجاجة ووجهه ليلامس أسفل ذقنها وأجبر وجهها على الارتفاع لكي يرى عينيها واضحة أمامه بكل ما تحتويه من مشاعر لتحاول أن تتماسك فهي لا ينقصها جولة من محاضرة في علم التشريح ولكن تلك النظرة الشرسة بعينيها لم تذكره سوى بالمرأة التي كانت تمتلئ بالكبرياء أمام مكتبه!

 

وقف أمامها كالصنم للحظات، وأدرك شيء وحيد، الخوف والذعر وكل ما فعله أو قد يفعله ليس له سوى نهاية واحدة بالتأكيد.. وهو لا يريد أن تكون هذه نهايتهما!

 

اتجه ليحررها من قيودها وهو يشعر بالشتات بداخله، فمهما فعل هذه الأنثى ليست بخاضعة، ولن تتقبل الخضوع، ولن تكون سوى بأحلامه!

 

وضع يده على عنقها وسرعان ما اتجه للغرفة الملحقة وهو يدفعها ثم قام بفتحها بعد أن مرر سبابته على البصمة التي الحقت بجهاز الحماية لتتوقف عن صوت بُكائها ولكنها لم تستطع أن توقف دموعها المنهمرة من شدة الألم الذي لا يُحتمل..

 

أوقفها مولي ظهرها لمرآة مثبتة على الحائط واتجه للطرف الآخر من الغرفة ودفع مرآة متحركة حتى يتثنى لها رؤية ما فعله ثم قال:

-       هذا لكي تتذكري خطأكِ جيدًا لفترة ليست بالقليلة، ولكي أمحي من ذاكرتي لمسته لكِ، أسبوع أو اثنين على الأكثر وسيذهب أثرها، ولكن المرة المقبلة ستترك أثر يستمر طوال حياتك.

 

حدقها بإحباط اختلط بغضبه واقترب نحوها ثم أخبرها:

-       لا ترتدي أشياء تغطي ظهرك في الأيام المقبلة لكي أشاهد ما فعلته بكِ طوال الوقت، لعلي أنسى يده عليكِ بفعل تلك الجروح!

 

رمقته بغضب رغمًا عنها والألم بظهرها كان أسوأ ما اختبرته من شعور بحياتها لتدخل بنوبة من بكاء جارف ظنت أنها لن تنتهي إلى أن تذهب بأنفاسها إلى الأبد وحاولت أن تبتعد بأنظارها عنه لتجده يُمسك بأسفل ذقنها بصلابة فواجهته بصمت شفهي ولكن عينيها باحت بالكثير من الوعيد له ليفاجئها هو هذه المرة بقوله:

-       يمكنني أن أفعل لكِ أي شيء تريدينه ولكن رجل غيري لا، هذا ما لن أسامح فيه أبدًا.

 

دفعها للخارج ثم قصد أن يتضرر ظهرها وهو يُثبتها على أحد الجدران ونظر لها بجدية أكبر من سابقتها وصرخ بها سائلًا:

-       هل تتذكرين ما حدث هنا بالضبط؟ هل تتذكرين ما قولته لكِ يومها؟ دون تفكير أو وعي مني وقبل أن نكمل شهر واحد من زواجنا.

 

حدقته واكتفت بالصمت غير مكترثة بعشقه التافه الذي أثبت لها مرارًا أنه لا يعني له هو نفسه شيء ليجذب شعرها بقسوة وامتلأت عينيه بدموع مكتومة لم يسمح لها بالفرار وصاح بها:

-       نظرتك لي جعلتني متأكد أنكِ لست مثلهن ومن المستحيل أن تصبحين واحدة منهن، وأنا أيضًا لست الرجل الذي تحلمين به، كما أنكِ لست المرأة التي أحلم بها، من الممكن أن نكون قد فشلنا في تغيير بعضنا البعض، ولكن ما لن أسمح بفشله هو وجودك في حياتي روان أيًا كانت الطريقة.

 

حملها رغمًا عنها واتجه للخارج مبتعدًا عن كل ما هو عليه وهو قد أقر بنفسه أن بعد كل ما مر عليهما لم يعد هناك ما يحلو له، ولا ما يحلو لها.. ربما الأمر لم يعد يحلو سوى لحياة لا يعرف كيف ستنتهي بهما ولا ما تحمله في طياتها لهما!

يُتبع..