الفصل الثالث عشر - أنين وابتهاج
الفصل الثالث عشر
هل يوجد قلب يحب من دون غيرة؟!
بالطبع لا،
فعندما يحب القلب أحد يريد أن يخفيه عن أعين الجميع بداخله
❈-❈-❈
اقترب تامر من فريدة ما أن دلف القاعة، كان يشعر بغضـ.ب يعصف بداخله، خاصة بعدما رآها وهي تجلس مبتسمة كأن ليس بها شئ وعدم وجوده لم يفرق معها، هي تركته كل تلك المدة من دون أن تتواصل معه، لم ترد على أي اتصال من إتصالاته المتعددة.
انتبهت فريدة ما أن راته يدلف القاعة،لكنها كانت تتحاشى النظر عليه؛ حتى لا يشعر بإهتمامها به، وجدته يتوجه نحوها مباشرة، وجلس فوق المقعد الذي بجانبها، ثم قام بالضغط فوق يدها بغضب، تمتم من بين أسنانه بحدة، وهو يحاول الا يظهر غضبه؛ كي لا ينتبه أحد عليه
:- ممكن افهم إيه الهبل اللي بتعمليه دة، عشان مش لاقي تفسير ليه، غير أنه شغل أطفال، مش واحدة كبيرة متجوزة.
صدر منها تنهيدة حارة حارقة تعبر عن حزن قلبها وآلامه المتواجدة بداخلها، لن تتخيل أنه سيقول لها ذلك الحديث ما أن يراها، تشعر وكأن جميع حديثها الذي اخبرته به قبل سفره لم يهتم به، كانت تتمني أن يضنها داخل حضنه بحنو ويغمرها بمشاعر كما تحتاج ويحتاج قلبها، تريده يجعلها تشعر بأهميتها في حياته، ويعبر عن اشتياقه لها، لكنه لم يفعل كل ذلك، بكل سهولة كعادته يتحدث معها بغضب وحدة، يسألها عما فعلته كأنها قد فعلت ذلك وحدها ليس بسبب أفعالع التي وصلتها إلى هنا، أغمضت عينيها لثوانٍ وأعادت فتحهما مرة أخرى وهي ترفع كتفيها إلى اعلى ببرود، بعدما قررت أن تتعامل معه بنفس طريقته، ستجعله يرى قوتها التي خُلِقت من بين ضعفها ووجعها لذا أردفت تجيبه بلا مبالاه وبرود، كأنها لم ترى غضبه البادي عليه
:- إيه يا تامر هو أنا عملت إيه، وبعدين شغل أطفال إيه، أنا حرة على فكرةر أنتَ مكبر الموضوع اوي كدة ليه، من امتى أصلا وأنتَ بتهتم بيا ولا بتتصل عليا أصلا، ركز في الحفلة أحسن يا تامر.
قبض فوق يده بقوة حتى ابيضت مفاصله من فرط عصبيته وغضبه اللذان يشعر بهما الآن، لازال يحاول أن يهدئ ذاته، فهو لم يعتاد عليها أن تتعامل بتلك الطريقة، زفر عدة مرات بضيق وغضب حتى نجح بالفعل في كبت غضبه والسيطرة عليه، ثم غمغم يرد عليها بنبرة باردة
:- ماشي في بيت نتكلم فيه، ونشوف الشغل الجديد دة، عشان محدش يلاحظ ومنظرنا قدام الناس.
ضحكت بسخرية على حديثه لكنها تخفي وجعها والمها الكبير الذي سيوقف قلبها بتلك الضحكة الساخرة وتحدثت بلا مبالاه وفتور
:- بس سيبك من دة كله، غريبة يعني يا تامر إيه قاعد شايفاك قاعد جنبي عادي، ومفيش حاجة مش أنا برضو اللي كنت بتتكسف تخرج معاها وتاخدها معاك في أي مكان بتروحه.
قالت جملتها الاخيرة بصوت متحشرج، على الرغم من جمودها و ذلك البرود الذي تظهره لكنه شعر بحزنها الذي لم يبدو سوي داخل عينيها.
ظهر الإرتباك فوق حميع ملامحه، لكنه اخفاه بمهارة شديدة وحاول التحكم في أنفعالاته، هو لا يعلم بماذا يجيبها ليبرر أفعاله معها، لكنه و اخيرا قد استجمع شتات ذاته، وغمغم بجدية زائفة
:- لأ طبعا مش كدة، بطلي تفكيرك السلبي فيا دة شوية، وبس عشان محدش يلاحظ حاجة، نكمل كلامنا لما نروح يا فريدة.
شدد على احرف اسمها، فأومأت له برأسها الى الامام، و التزمت الصمت، ولكن هل قلبها يمكنه ان يصمت ويتوقف عن وجعه؟! عقلها هل يمكنه أن يصمت هو الآخر ويكفي من تذكيره لها بكل ما حدث؟!
بالطبع لا هي فقط توقفت عن الحديث الخارجي، ولكن كل شي بداخلها يتحدث ويذكرها بافعاله معها..
❈-❈-❈
ظهرت الصدمة والذهول على جميع العائلة خاصة بعدما رأوا آلاء التي ترقص مع عدي، ونظرات عمر المصوبة تجاهها بغضب كالسهام النارية، عينيه تتث وتحكي عن غضبه وغيرته التي ستجعله ينفجر بها أمام الجميع، مَن يراه زهو في تلك الحالة يقسم أنه سيقـ.تل احد ما.
كانت آلاء لم تشعر بأي شئ مما يدرى حولها، كانت فقط تتمايل بشرود وكأن عقلها ليس معها، فقد كان كل ما يشغل ذهنها هو رد فعل عمر بعدما يراها وهي ترقص بتلك الهيئة، لعنت ذاتها على فعلتها الحمقاء التي دفعتها للموافقة على الرقص مع ذلك المدعو عدي، تعلم انه لن يجعل الامر يمر بهدوء ولن تستطع أن تتهرب منه بحديثها، هي تعلمه جيدًا.
لكنها فجأة شعرت قد بإنقباض قلبها بداهل قفصها الصدري،وقد اعتلى نسبة الادرنالين بداخلها من فرط الخوف الذي اصابها في تلك الوهلة، فهي رأته قد هب واقفًا من فوق المقعد الذي كان يجلس عليه، والغضب بادي عليه بشدة، ظنت أنه سيجذبها من بين يديها ويجرها خلفه أمام الجميع، فتمنت لو أن لديها الشجاعة للهروب من ذلك الموقف المحرج المتوقع حدوثه معها؛ بسبب فعلتها الحمقاء التي استفزته وجعلته بغضب بهذا الشكل، تعلم أنه يُغار عليها، ويُغار بشدة وهي قد لعبت على جميع أوتار قلبه وغيرته؛ لذا عليها أن تتحمل نتيجة فعلتها.
لكنه قد خالف جميع توقعاتها وأفكارها التي آتت في عقلها، ورأته يسير من جانبها يتخطاها ويستكمل طريقه بخطوات غاضبة وجسد متشنج.
في نفس الوقت قد تحدث عدي معها بعدما لاحظ غضب عمر وعدم تركيزها في رقصتها معه، أردف يتحدث معها بمرح مزيف عن عمد حتى يجعل غضب عمر يزداد أكثر، وقد لاح فوق ثغره ابتسامة خبيثة تعبر عن نواياه التي لم تفهم هي عنها شئ
:- إيه يا بيبي مش معقول كدة، ركزي معايا شوية يا قمر، ركزي معايا أنا وبس.
لم تنتبه لما قاله فتركيزلها الآن ليس معه نهائيًا، ظلت على وضعها وكأنها لم تستمع إليه وإلى حديثه، فقط كل ما صدر منها إيماءة من رأسها الى الأمام بشرود، تتمنى لوهلة أن تلغي ما تفعله، لكنها تعلم حتى لو جلست سيظل عمر غاضب ولم يهدأ، تريد أن تركض وتجلس بجانب عمتها بهدوء تحتمي بها، و كأنها لم تفعل شئ.
وصل عمر نحو سامر رئيس الحراسة الخاص به، واقنرب منه بحذر شديد من دون أن يلاحظ أي احد من الحاضرين، غمغم يخبره ببعض الكلمات القليلة حتى بنفذها بهدوء وحذر، لا يعلم كيف استطاع أن يسيطر على غضبه وغيرته في تلك اللحظة تحديدًا، توجه يعود مرة أخرى إلى مكانه، لكنه لم يجلس بل وقف على قرب منها يطالعها بحدة والشرر يتطاير من عينيه الغاضبتين التي لم ترى بداخلهما تلك الوهلة سوى الغضب، يبادله عدي تلك النظرات الغاضبة ببرود واستفزاز وهو يقرب آلاء منه اكثر.
لم يمر سوي كم دقيقة معدودة، وقد انطفأت جميع الاضواء الخاصة بالقاعة بأكملها وفي الخارج ايضا، وساد الظلام في جميع الأنحاء، اعتلت أصوات وهمهمات الحاضرين بدهشة من التصرف المباغت
بينما هو أسرع بقترب منها، وجذبها من زراعها بقوة حتى ارتطمت في صدره اثر جذبه القوى الغاضب لها، فأنفلت منها صرخة تدوي في المكان بخوف وهي لا تعلم مَن ذلك الذي يقبض فوق معصم يدها.
أردف يحدثها داخل اذنيها بحدة وغضب، وهو يضغط فوق أسنانه
:- اخرسي خالص، مش عاوز اسمع صوت ليكي نهائي، بدل ما اتهور هنا قدام الكل.
أحضر له سامر المكريفون لا سلكي، وهو يقف مع بعض رجال الحراسة حوله هو آلاء بعناية شديدة، أسرع عمر يتحدث بهدوء على عكس عاصفة الغضب التي تعصف بداخله
:- معلش يا جماعة، اللي حصل دة خطأ غير مقصود ومضطرين ننهي الحفلة بعتذر لكم.
أنهى جملته، وأعطي المكريفون لسامر، وتحدث معه بجدية ونبرة تحذيرية
:- سامر زي ما قولتلك اتعامل مع الموقف وخلي بالك مع ماما وتامر، وابقى شوف نهى عشان محدش يشك في حاجة، لو حد سأل عليا قولهم إني مشيت عشان منظرى قدام الناس، وأهم حاجة أي صورة اتاخدت
لـ آلاء في الحفلة دي من الصحافة تتمحي نهائي مفهوم.
اومأ سامر براسه إلى الأمام وهو يتمتم يرد عليه بثقة وهدوء بعدما انهى عمر حديثه.
جذبها خلفه ما أن انهى حديثه، وسار بها نحو الباب الخلفي للقاعة الذي نوه عليهم أن يفتحوه له حتى يخرج بها من دون أن يراهما أحد ويفسد كل ما يخطط له، بينما هي كانت في حالة من الذهول والدهشة، تطالع كل ما يحدث حولها بعدم تصديق، لم تصدق أنه قد فعل كل ذلك لأجلها وفي تلك الدقيقة التي مرت بعدما نهض.
كان يجرها خلفه بسرعة، وتسير معه كالبلهاء بصمت لا تفهم شئ، ولا تعلم ماذا سيفعل معها، تخشي أن تتحدث معه وتسأله اي سؤال خاصة أنها تعلم مدى الغضب الذي يشعر به، وكيف سينفجر بها؟!
فتح لها الباب فركبت السيارة من دون اعنراض والتفوه بأي حرف، اسرع هو الآخر يركب السيارة، وانطلق بها مسرعًا بغضب شديد.
ظلت تفرك في يدها بألم أثر قبضته عليها و ضغطه فوقها بقوة، شعرت أن خوفها وقلقها قد تخبروا، لا تعلم كيف؟! لكنها عندما تكون معه هو بالتحديد لم تهاب أي شئ، هو مصدر الأمان في حياتها وسيظل هكذا، تعلم أنه لن يؤذيها مهما كان غاضب لم يستطع أن يفعل لها شئ، تتعامل في وجوده هو تحديدا بدون خوف، تنهدت بصوت مسموع، وتحدثت بضيق وهي تضم كلتا شفتيها إلى الأمام بتذمر
:- إيه دة يا عمر، بص عملت إيه في ايدي، مش كفاية أنك عمال تجر فيا وراك وأنا مش فاهمة حاجة، بتعاملني زي الهب..
قطع حديثها صائحًا بحدة وغضب، و هو مازال يتخيل منظرها وهي ترقص مع عدى وتتمايل بين يديه، يتذكر حديثه معها وكل شئ دار في الداخل
:- تعرفي تخرسي خالص دلوقتي، مش عاوز اسمع صوتك نهائي، ومن غير مجادلة كتير دة احسنلك على فكرة لأني بصراحة مش ضامن نفسي ولا رد فعلي، أنا لغاية دلوقتي ماسك نفسي وساكت.
اومأت له برأسها إلى الأمام و بالفعل جلست طوال الطريق صامتة بعدما استشعرت مدى غضبه الذي وصل إلى أعلى مرحلة، دلت الصمت هو الشئ السائد بينهما حتى استمعت إلى رنين هاتفها، نظرت فوق شاشة الهاتف المنيرة لترى هوية المتصل وجدتها فريدة، طالعته بتردد قبل أن ترد وسالته بهدوء وهي تخشي أن ينفحر بها
:- دي فريدة هي اللي بتتصل بيا أرد عليها و لا لا؟
حال ببصره نحو هاتفها، وزفر بضيق عدة مرات قبل أن يرد عليها بحدة
:- ردي وقوليلها أنك مشيتي معايا عشان بتخافي من الضلمة، ومتقولش لحد حاجة تطمنهم وبس، لغاية ما نشوف أخرة الأستاذة المحترمة اللي عاوزة يتعملها أعادة تربية من أول وجديد.
ردت على فريدة أولا وأخبرتها كما قال لها واغلقت معها مسرعا، التفتت نحوه مرة أخرى بعدما أغلقت الهاتف مع فريدة ورفعت سبابتها أمام وجهه، ثم تحدثت ترد عليه بتذمر، وضيق وهي تأفأف عدة مرات بصوت مرتفع
:- عيب اللي بتقوله دة على فكرة، هو إيه اللي اعادة تربية، لا على فكرة أنا متربية ومتربية كويس جدًا كمان، بطل تقول كلام مستفز، أنا ماما وبابا الله يرحمهم عرفوا يربوني كويس.
_بس؟
قال كلمته بنبرة متسائلة، فعقدت هي حاجبيها بعدم فهم، هي حقًا لم تفهم مغزى سؤاله، فتابع حديثه يوضحه لها
:- ماما وبابا بس اللي ربوكي؟
اومأت له برأسها إلى الأمام وخي تتعمد استفزازه، وتحدثت تجيبه بانتصار وغيظ
:- ايوا طبعا هما بس اللي ربوني، وهما بس اللي عمرهم ما عملوا حاجة تزعلني ولا تضايقني خالص.
لم يرد عليها بل صمت واستكمل طريقه حتى وصل بها نحو منزل والديها، فعقدت حاجبيها بدهشة وسالته باستغراب وعدم فهم
:- أنتَ جايبني هنا ليه؟
وزع نظراته عليها بطرف عينيه، وقرر ألا يرد عليها ويرضي فضولها، بل سيظل ملتزم الصمت، ترجل من سيارته وأغلق الباب خلفه بعصبية شديدة، وهو
لا زال يتخيل منظرها وهي ترقص مع عدي، المنظر الذي يريد أن يمحيه من ذاكرته للأبد، لحقته هي الأخرى، وهي مازالت لم تفهم شئ، بينما ظلت تسير خلفه بجهل حتى دلفا سوبا الى داخل الفيلا.
فحينها قد زال قناع البرود الذي كان يرتديه طواة الطريق، وتطلع نحوها بغضب علمته جيدا، فالاحمق الذي لا يعرفه يستطع أن يرى ذلك الغضب المسيطر عليه، والذي من المتوقع أنه سيصبه بها بالطبع، سينفجر بها بسبب ما فعلته، اقترب منها يقطع المسافة التي توج بينهما، وأردف يسألها بهدوء مميت، ذلك الوء الذي يُسمى بهدوء ما قبل العاصفة
:- حلو اوي اللي أنتِ لبساه دة، ممكن أعرف جايباه منين يا آلاء هانم؟
كان يتحدث و هو يضغط فوق كل كلمة يتفوهها بة وغضب.
ارتبكت جميع ملامحها لوهلة، وبدا عليها التوتر من سؤاله التي تعلم مغزاه جيدا، تمنت لو أنها تفر من امامه هاربة، لانها تعلم ما سيفعله، لكنها لم تستطع؛ لذلك ردت تجيبه بصوت خافت، وهي تضغط فوق يديها في محاولة منها لتهدئة ذاتها وإخفاء توترها؛ حتى لا تجعله يلاحظه هو، لكنها غبية حمقاء وبشدة فهو يلاحظ ويدقق بأقل تفاصيلها
:- م.. ماله الفستان يعني، جبته عشان أحضر ييه الحفلة، أمال هحضر بإيه.
ردَّ عليها بتهكم ساخرًا، على عكس النيران المتأهبة المشتعلة بداخله الذي لو تركها عليها ستحرقها هي وذلك الشئ الذي ترتديه
:- لأ حفلة إيه فوقي، دة مكانه اوضة نوم مخدتيش بالك وأنتِ بتشتريه ولا إيه، لأ طبعا أنتِ اكيد خدتي بالك وقاصدة تجبيه، بس لعلمك دة قميص مش فستان، تعبتي نفسك ولبستي ليه عشان الحفلة هو دة مغطي حاجة يا آلاء هانم.
كسا وجهها اللون الاحمر ااقاني دلالة على خجلها الذي تشعر به بسبب حديثه، تشعر بحرارة مرتفعة تنبعث من وجنتيها، لكنها حاولت أن تتجاهل شعورها، تمتنت تررد عليه بتلعثم
:- عُ... عُمر عيب كدة على فكرة ميصحش اللي بتق..
قطعها صائحًا بغضب وصرامة حادة، غضبه ليس كالذي يتحاشاه الجميع دائمًا بل كان غضبه مضاغف
:- عيب إيه وزفت إيه، هو أنتِ خليتيلي فيها عيب، هو العيب على كلمتى اللي قولتها، وبالنسبة لرقصك مع عدى وهو عمال يحـ.ضن فيكي بحجة الرقص دة مش عيب، و لا القرف اللي أنتِ لبساه وواقفة تتصوري بيه، وتضحكي مع كل حد شوية في الحفلة إيه كل دة مش عيب.
كان يتحدث وهو يقبض فوق زراعها بقوة مما جعلها تتاوه بين يديه بألم بسبب ضغطه على زراعها الذي كان يزداد مع كل كلمة يتفوهها، حاولت سحب زراعها من يين يده في محاولة منها لخفض الألم الذي تشعر به إلا انها كانت محاولة فاشلة، فتمتمت بتلعثم وشفتيها ترتعش بضعف و هي تشعر أنها على وشك الإنهيار باكية، تعلم أنه محق في كل ما يتفوهه وهي بالفعل أخطأت اليوم
:- ع..عمر إوعي ايدي...ايدي بجد وجعتني، انا ع... عارفة ماشي أن أنا غ.. غلطت بس ليه، ل.. ليه غلطت؟
ترك زراعها عندما علم أنه يؤلمها بالفعل، و كاد ان يتحدث ليرد عليها ويجيبها علئ سؤالها بغضب، لكنها كانت الأسرع وتحدثت ترد عليه، وهي تحاول أن تخفي ضعفها الحقيقي
:- عشانك، أنا غلطت عشان أنت السبب، غلطت عشان مينفعش كل اللي كان بيحصل دة مينفعش خالص، هو إيه اللي تخطب نهي، أنتَ عاوزني اشوفك بتخطبها وعاملها حفلة خطوبة وقاعد جنبها زي ما كنا بنتمنى أنا وأنتَ واقعد ساكتة، أنت ليه مصمم توجعني؟
طرحت سؤالها بنبرة يملأها عتاب، نظراتها معلقة عليه شعر أن عينيها التي تعاتبه وتحدقه بتلك النظرات اط كالنصل الحاد الذي يغرز في قلبه، نظراتها تؤلمه بشدة و قد فاق الالم الذي يشعر به اي ألم شعر به من قبل، لكنه عجز عن اجابة سؤالها، فردَّ عليها بسؤال اخر و كأنه يتهرب منها و من نظراتها التي حُفِرت داخل ذهنه و علمها جيدًا
:- وأنتِ تفتكرى أني ممكن اكون عاوز اوجعك، او اعيشك أي لحظة وجع،أنا قولتلك خليكي واثقة فيا حوار نهى هيخلص وقريب اوي، أنتِ مش بتسمعي كلامي وبتعملي حركات تزعلنا احنا الاتنين يا آلاء، والحركات بتاعت انهاردة متنفعش تتعمل خالص.
وعلى عكس ما توقعه، ردت عليه بجمود وتهكم ساخرًا، وهي تبتلع تلك الغصة التي تشكلت في حلقها
:- أنا بقول اللي شايفاه يا عمر، مش عاوزة افكر في حاجة تاني عارفة أني غلطت انهاردة، بس زي ما انتَ بتقولي اثق فيك لازم أعرف هو في إيه أصلا، ليه خطبت نهى من الأساس ليه؟
كانت تسأله بلوعه ووجع وقد اجتمعت الدموع داخل عينيها، وهي تشعر بسكاكين حادة تقطع في قلبها وتدمره.
رد عليها وهو يصيح بألم وحزن، هو الآخر يشعر بوجع كبير في قلبه
:- غصب عني انا بعمل كل دة غصب عني، أنا أصلا مش عاوز اخطبها، بطلي تسأليني عاوزة تعرفي إيه، اللي عاوزة تعرفيه مش هينفع أقوله.
شعرت بالدهشة مما استمعت إليه للتو، أيعقل ما قاله أم أنه كان يمزح معها، كيف أُجبر على شئ، فهذا أخر ما تتوقعه ويصدقه عقلها، وما هو الشي الذي اجبرته نهى به؟! هو ليس لديه نقطة ضعف كما ترى دائما، لكنها في الحقيقة هي غير محقة في حديثها فهي أكبر نقطة ضعف له تُستخدم ضده
تحدثت بنبرة متسائلة في ذهول ودهشة، وهي لازالت تطالعه بعدم تصديق
:- غصب عنك ازاي يا عمر؟... من امتى وأنتَ بتعمل حاجة غصب عنك اصلا ولا حد بيقدر يغصبك على حاجة، أنا مش فاهمة حاجة.
شعرت انها كالتائهة، عقلها تشتت بشدة، إجابته لم تريحها بل جعلت قلقها وتشتتها يزداد، بينما هو سار من أمامها متوجه نحو الخارج يتهرب منها ومن اسئلتها المتعددة، لكنه التفت لها مرة اخرى وتحدث وهو يسير بجدية، يحاول ألا يظهر لها أي شئ من مشاعره الحقيقة المؤلمة الذي يشعر بها في الحقيقة
:- اطلعي البسي اي حاجة غير القرف دة، وتعالي هتلاقيني قاعد في العربية مستنيكي.
انهر جملتها و سار من أمامها بخطوات سريعة، يريد الهروب منها ومن نظراتها المصوبة عليه، يعلم أن بداخلها العديد من التساؤلات لكنه لا يمكنه الإجابة على اي سؤال منهم، يشعر بالألم والعجز يسيطران عليه، لم يتحمل قلبه رؤيتها وهي بتلك الهيئة التي بها، لكنه مُجبر على فعل كل ذلك معها، قبض فوق يده بغضب وضيق، كور قبضة يده بغضب وضرب فوق الدريكسيون الخاص بالسيارة لعله ينجح في تهدئة ذاته.
_الحب قد تراه كلمة مكونة من حرفين بل في الحقيقة، هو يحمل في طياته دائما العديد من الألم، ولكن ذلك الالم لن يدوم سينتهي يوما ما، وينتصر الحب على أي شئ في النهاية_
سارت هي بخطواتها المرتشعتين نحو أعلى وبالفعل احضرت جاكيت طويل وارتدته، وهي تشعر أن عقلها ليس معها، يداهمها العديد من الاسئلة والذكريات، لكنها تهلم أنه لن يجيبها على اي سؤال مما بداخلها.
ركبت السيارة بجانبه وانطلق هو مسرعا بغضب وعصبية، كان الصمت هو الشي سائد بينهما طوال الطريق، لكنه كان كلما يتذكر اقترابها من عدي، ورقصها بين يديه يستشاط غضبًا، ويزداد من سرعة سيارته.
لم تتحمل تلك السرعة الذي اصبح يسير بها، فأسرعت قائلة له بخوف وصوت متلعثم، وهي تتشبت بزراعه الذي يستخدمه في القيادة، تحتمى به كعادتها، هو حصنها المنيع ومصدر أمانها
:- إ.... إيه يـ... يا عمر دة، كدة هنموت بسبب السرعة دي، قلل السرعة، أنتَ عارف إن أنا بخاف بجد.
زفر عدة مرات متتالية بصوت مسموع، لعله ينجح فتهدئة ذاته اولا، فهو مَن عليه أن يهدأ ليس سرعة السيارة، هدأ من سرعته دون أن يرد عليها، بينما هي قامت بترك زراعه الذي كانت تمسكه وهي تبتسم براحة وهدوء، وقد عاد الصمت بينهما حتى وصل بها إلى الفيلا.
❈-❈-❈
في ذلك الوقت
دلفت فريدة غرفتها بعدما قد جلست مع سناء تحاول تخفف عنها، فهي كانت غير راضية من كل ما حدث ومن افعال عُمر الغير مألوفة وتجهل تفسيرها، ظلت فريدة بجانبها تخفف عنها.
كانت هي الأخرى تشعر بالقلق على آلاء، فعندما تحدثت معها عبر الهاتف كان صوتها يملؤه القلق، لكنها نفضت جميع أفكارها وجلست فوق الفراش بتعب بعدما بدلت ثيابها، تفاجأت بتامر الذي دلف الغرفة وكان يجلس فوق الفراش هو الآخر ينتظرها، لا تعلم متى دلف إلى الغرفة؟!
فهو كان يجلس مع نغم في الخارج، علمت أن اليوم لن يمر بسلام كما كانت تريد، بالفعل ما علمته كان صحيحًا، أردف يسألها بضيق وحدة مباشرة دون أن يمهلها فرصة للحديث أو لفعل أي شئ
:- بما إننا خلاص بقينا لوحدنا نقدر نتكلم بقى، ممكن أعرف مكنتيش بتردي ولا بتكلميني ليه؟
تنهدت بصوت مسموع تنهيدة حارة، قبل أن تجيبه بتهكم وسخرية، تخفي خلفههما غيظها منه، وهي ترفع كتفيها إلى اعلى مدعية البرود حتى لا تظهر قلقها من مواجهته لها
:- عشان مكنش ليا مزاج ارد عليك، ولا عاوزة أتكلم مثلا، ابقي خلي السفر يرد عليك هو ويكلمك.
كانت ترد عليه وهي تتذكر تلك النصائح التي قد آلاء بهم، وبخت ذاتها بشدة فهي ما أن تراه تشعر أنها تفقد عقلها وذاكرتها تماما، تنسى كل شئ، تمنت بعقلها لوهلة لو أن تفر هاربة من أمامه كالطفلة التي فعلت شئ خطأ، وتخشي رد فعل ابوها معها بعدما يعلم فعلتها.
قطع شرودها مع ذاتها حديثه وهو يصيح باسمها غاضبا بحدة
:- فريدة.
طالعته بقلق فشلت في اخفاءه، وظلت ترمش بأهدابها عدة مرات متالة نتيجة اقترابه منها المباغت، فتابع حديثه مرة أخرى بغضب
: اتعدلي عشان مزعلكيش، أنا ماسك نفسي عنك بالعافية، فاتظبطي عشان أنا مبجيش بالطريقة دي نهائي، انا بحاول اهو اقلل من عصبيتي معاكي، ومكنتش بتصل عشان عاشق عيونك مثلا.
صدمة قوية ضربت قلبها من حديثه الذي جعل قلبها يبكي ويتكسر، لو كان الانين له صوت كان استمع منها إلى صوته القوي الذي لم يتحمله أي انسان، قلبها تفتفت لم يتكسر فقط، لأول مرة تشعر بدموعها تجمدت داخل عينيها، لم تنزل مثل كل مرة، وقفت أمامه كالصنم لم تقوى على فعل أي حركة، عينيها ترسل له العديد من النظرات المليئة بالحزن والألم.
حاولت أن تتجاوز صدمتها المسيطرة عليها، وتمتمت أخيرًا بجمود من بين شفتيها المرتعشين
:- لأ كفاية كدة متحاولش، ومتمسكش نفسك، إيه هتعمل إيه يعني عادي أنا خلاص اتعودت، وقولتلك برضو أن أنا ليا طاقة متنساش دي.
قالت جملتها الأخيرة بصوت متحشرج على وشك البكاء، لكنها أسرعت تهرب من أمامه وانطلقت متوجهة نحو المرحاض الملحق بالغرفة، أغلقت الباب خلفها بإحكام، وهي تشعر بضعف كبير يجتاحها..
قد حان الآن موعد انهيارها، دوت جميع انذار عقلها تعلن ضعفها، وتؤكد ذلك، ضعفها الذي كانت تجاهد أن تخفيه، لكنها تنسى دائما انها أنثى، يتمرد عقلها بكبرياء كما يريد، بينما القلب لم ولن يستطع، فقلب الانثي على رغم قوة ذلك القلب لكنه يظل ارق الأشياء الموجودة على الإطلاق.
جلست أرضا بضعف وضياع، وكأنها تقف على مفترقات طرق كالتائهة التي لم تنجح حتى الآن أن تجد طريقها المناسب الذي يريحها ويريح قلبها.
وقف يتابع اثرها بغضب من ذاته، يلعن تسرعه وإندفاعه الذي حدث، فكور قبضة يده بغضب شديد وقام بضرب الحائظ التي كانت خلفه كأنه يفرغ بها طاقته الغاضبة وعصبيته، تمنى لو أنه يلحق بها ويدق الباب عليها ليطَمئن قلبه عليها، لكن كبرياءه قد منعه، تلك الاوهام المبنية في عقله تقف له كالحاجز، أوهامه لم تسمح له أن يذهب إليها ويراضيها؛ ليمحي اثر حزنها الذي كان بسببه..
❈-❈-❈
ترجلت آلاء من السيارة بضيق وهي تتأفاف عدة مرات في سرها، تمنت لوهلة لو أنها لديها الجراءة في ذلك الوقت، وتستطع مجادلته والوقوف أمامه كعادتها، لكنها لم تستطع.
دلفت نحو المنزل وجدت سناء تجلس في انتظارها والقلق بادي عليها، بينما هو لحق بها ودلف بوجه مكهفر غاضب كأنه سينفجر، توجه نحو غرفته مباشرة من دون أن يتفوه بحرف واحد، حتى يكبت غضبه مع ذاته.
تحدثت هي بغيظ وعدم رضا، وهي تضرب الارض برجلها بضيق
:- شايفة يا عمتو شايفة، أنا تعبت من ابنك وعمايله دي، وتعبت كمان من قلبي الجز.مة دة، كرهني في الحب كله يا عمتو.
ضحكت سناء في وجهها بخفوت، ثم اعتدلت في جلستها ثم غمغمت بجدية
:- معلش يا حبيبتي، سيبك من ابني وعمايله وتعاليلي بقا بعاميلك أنتِ، إيه اللي عملتيه في الحفلة دة يا آلاء، ازاي تسمحي لنفسك تلبسي فستان زي دة، وترقصي مع واحد غريب ولا عمرك شوفتيه اصلا، ليه كل دة يا آلاء.
كادت ان ترد عليها وتخبرها عن سبب فعلتها، لكنها قطعتها وواصلت حديثها بنفس ذات النبرة الصارمة الجادة
:- بلا عمر بلا نهي بلا بتاع، أنا معرفش عمر بيعمل كل دة ليه، بس اللي واثقة منه أنه مبيحبش نهى دي، أنتِ مشوفتيهوش اول ما شافك و انتي بترقصي عمل ايه، ساب الحفلة والدنيا كلها وخدك ومشي، انا مشكلتي دلوقتي في تصرفاتك المندفعة دي، وخاصة لما بتبقي متضايقة مبتعرفيش أنتِ بتعملي ايه، اللي حصل انهاردة مكنش ينفع خالص.
تابعت حديثها بحنو ونبرة هادئة عن السابق، وهي تربت فوف يدها بحب
:- أنتِ يا حبيبتي زي بنتي، والله بحبك وبعتبرك زي نغم بالظبط و كل اللي يهمني مصلحتك، مش عاوزاكي تزعلي مني بس لازم اعرفك انك غلطتي وأفهمك كل حاجة.
همهمت آلاء ترد عليها وهي تأومأ براسها إلى الأمام، تعلم أنها محقة في كل ما تفوهت به، أسرعت تلقي ذاتها بداخل حضنها، وهي تشعر بالاشتياق لوالديها خاصة في ذلك الوقت.
تمنت لو أن والدتها تكون موجودة معها بجانبها في ذلك الوقت، تخفف عنها احزانها، ووالدها الذي كان دائما يقف بجانبها وبدعمها في جميع قرارتها، دائما كانت تخبره بما ستفعله وينصحها إن كان خاطئًا.
عقلها لم يستطع أن يصدق فكرة ابتعادهما عنها في وهلة، كيف ان يرحلا ويتركونها تواجه كل شئ في الحياى بمفردها من دون وجودهما، شعور الحرمان يسيطر على كل ذرة بداخلها، أغمضت عينيها ضاغطة فوقهما بقوة، كانها تكتسب طاقة لكي تستطع ان تتحدث وتبوح عما بداخلها
:- شكرا يا عمتو شكرا.
بالفعل تحدثت ولكن صوتها كان مبحوح خافت، الحزن بادي به فيه بوضوح، ولكن ذلك الحزن البادي عليها لم يعي شي مقارنة بالحزن الذي يوجد في قلبها، قلبها الذي قد تحول إلى اشلاء صغيرة مُفتفتة.
أنهت حديثها مع عمتها وصعدت نحو غرفتها، وهي تشعر بالإختناق، تمنت لو أنها تمو.ت و تترك تلك الحياة المؤذية، فبقدر ما كانت حياتها جميلة زاهية لكنها تحولت مرة واحدة جعلتها تكره كل ما بها.
جميع الاشياء السيئة اصبحت ترف حياتها واحدة تلو الأخرى، اغمضت عينيها بوهن، وضعف، لكنها خرجت من دوامتها عندما تستمعت فجأة إلى صوت عمر وهو يتحدث مع نهى، فقد كان يحدثها بصوت هادئ ونبرة هادئة جعلت فضولها وغيرتها تسحبها للاقتراب من باب الغرفة أكثر؛ حتى تستطع ان تستمع إلى حديثه، لعلها تهدي من نيران غيرتها المشتعلة بداخلها، لكنها استمعت الى حديثه الذي جعل قلبها يتوقف عن النبض
:- نهى قولتلك أن اللي حصل مكنش مقصود، وقولتلك قبل كدة إني مبحبش آلاء خلاص بطلت احبها، أنا بحبك أنتِ افهمي دة كويس.
يُتبع