-->

الفصل الأول - غرف فندقية




الفصل الأول


 أخذت المفتاح من موظف الاستقبال ونظرت للردهة نظرة عابرة، كان الفندق خاويًا، خاويًا مثل قلبي الذي أرهقه الفراغ الذي بداخله، استدار موظف الاستقبال حول المكتب وأخذ حقائبي متوجهًا نحو الدرج فتبعته في صمت، تأملت الفندق العتيق الذي يعود ربما لعشرينات القرن الماضي، فقد رأيت تاريخ ما مطبوع على لوحة معلقة على السياج الحديدي الذي يحيط بالحديقة التي تحيط بالفندق، كان الفندق يسيطر عليه اللون الذهبي الذي كنت أراه بالأبنية القديمة على التلفاز، الأسقف عالية والثريات العملاقة المعلقة تعزز الشعور بأثرية المكان، وكريستالها المزيف يعكس الضوء في جميع الأماكن، شعرت وكأن السجاد التركي الكثيف يحتوي قدمي بشعور لطيف، جميع تلك الأشياء كانت لتشعر أي شخص بالسعادة، ولكنها لم تجعلني أشعر سوى بالتعاسة واليأس، وكأنها جميعها تلقي باللوم علي وتحبطني، تلقي بمسؤولية فشل العلاقة على عاتقي، كان كل شيء مثالي أكثر من اللازم، مما أزاد مشاعري السلبية وأزاد قوتها في هجومها علي، أصبحت عيناي تحرقني الآن، تحذرني أني على وشك البكاء، أغلقت عيني محاولة كبت رغبتي في البكاء وابتلعت الغصة العالقة بحلقي، وفي خضم صراعي ومقاومتي لرغبتي في البكاء والنواح كزوججثة زوجها المقاتل الذي استشهد ضمن وقائع حرب العالمية قال موظف الاستقبال بود:

- هذا غريب حقًا أن نستقبل فتاة جميلة مثلكِ في هذا الوقت من العام. 

نظرت له بصمت، عاجزة عن التحدث بسبب الغصة في حلقي، أظن أن الموظف ظن أنني شعرت بالضيق من حديثه عكس ما شعرت به في الواقع، فقد كانت تعابيري الجامدة وصمتي كافيان لجعله يصمت، وضع الحقائب بالغرفة وأعطاني المفتاح وقال برسمية:

- إجازة سعيدة يا آنسة. 

ثم تركني ورحل، نظرت بتيه للمفتاح ثم إلى الرقم المنقوش على الباب. 

- الغرفة رقم أربعة عشر. 

تمتمت ودلفت الغرفة وأغلقت الباب خلفي، إذًا ماذا الآن؟ ليس لدي شغف لفعل أي شيء جديد، كنت أفضل أن أبقى في غرفتي في الظلام الدامس الذي يشاركني أحزاني، ولكن أمي أصرت على أن أسافر بعيدًا عن محيطي حتى أتناسى ما حدث وبالفعل قامت بحجز غرفة في فندق في قرية بعيدة عن المدينة التي نشأت فيها. 

استلقيت فوق الفراش الصغير وحدقت بالسقف بجمود، شعرت أن وجهي في تلك اللحظة يشبه بورتريه رأيته في إحدى المعارض الفنية، كانت الفتاة المرسومة تبدو فارغة من الداخل، وأنا بالفعل أشعر بالفراغ، الفراغ التام الذي جعلني دمية عديمة المشاعر، ما زلت أتخيله، ما زال يطارد عقلي وأفكاري، في تلك اللحظة تخيلت لقائنا الأخير، أحببت أن أتخيله بطريقة أكثر إبداعًا، تخيلته يرتدي الأزرق - الذي يدل على البرود في نظري - وأنا أرتدي الأحمر الذي يعكس الشغف، أو النيران التي تأكلني حية وأنا أتمسك به، أحاول أن أصلح ما تبقى، رغم أنه خذلني عدة مرات، ولكني كنت مهووسة به بطريقة مرضية، لم ألحظ الحدود التي وضعها بيننا، كنت اصطدم بتلك الحدود وأُصاب بكدمات وأنا لا سبب إصاباتي تلك، لم أفهم إلا عندما أفلت يدي ورحل، عازمًا على خذلاني للمرة التي لا أعرف عددها، عندها فقط رأيت تلك الحدود للمرة الأولى، عندها فقط أدركت سبب كدماتي. 

❈-❈-❈

عند موعد الغداء، نهضت وبدلت ملابسي لشيء خفيف أكثر، فنظام التدفئة بالفندق يغنيني عن الملابس الثقيلة، نحن حاليا في ذروة الشتاء، بعد عيد الميلاد بأسبوعين، في هذه الأوقات لا يوجد الكثير من السياح بالفنادق، كان الموظف محقًا في تعجبه من قدومي في هذا الوقت من العام، فأنا أبدو يافعة وشابة وفي العادة لا تجذب تلك المناطق الشباب في هذا الوقت من العام. 

عندما انتهيت من تبديل ملابسي هبطت الدرج واتجهت نحو غرفة الطعام، كانت الغرفة فارغة ووجدت نفسي أجلس وحيدة في القاعة، اخترت طاولة بالقرب من الشرفة المطلة على الحديقة، نظرت للشرفة المزينة بشجيرة صغيرة مزهرة على إحدى جوانب الشرفة. 

تقدمت موظف الاستقبال وهو يحمل غدائي ووضعه أمامي على الطاولة، موظف استقبال وحمال ونادل؟ لماذا جميع تلك الأعمال تقع على عاتقه وحده؟، نظرت له بتعجب وقُلت:

- ما هو عملك الحقيقي؟ 

نظر لي وابتسم ابتسامة لعوب وقال:

- وجبة هنيئة، آنسة. 

كانت لهجته التي يتحدث بها يشوبها اللكنة اللاتينية، الكثير من بنات بلدي يقعون في حب اللاتينيين، فهن ينجذبون لهم باعتبارهم من أصحاب الدماء الحارة، والذي لم أره سببًا كافيًا لشيء كهذا، فهو يبدو أمرًا قذرًا وسطحيًا وأنا لم أحب أن انخرط فيه، على أية حال أنا لم آتِ إلى هنا لأفكر، لقد أتيت لأنقذ نفسي من عقلي، أتيت لأوقف عقلي عن التفكير وأنقذ روحي من المشاعر السلبية التي غرقت بها لفترة لا بأس بها، أنا لم أُجبر على القدوم إلى هنا لأفكر بهذا الموظف، والآن أظن أن طعامي أولى بجميع أفكاري وتركيزي حاليًا. 

❈-❈-❈

- كلا لا يمكنكِ أن تكوني فتاة طبيعية. 

قال موظف الاستقبال وهو ينظر إليّ بتعجب، بعد مضي أسبوعين منذ أن جئت لهذا الفندق وأنا لا أفعل شيء سوى المكوث في غرفتي، لا أخرج منها سوى لتناول الطعام والذي يبدو غير طبيعي أتفق معه، ولكن إذا عُرف السبب بُطِلَ العجب، فهو لا يعلم أنني أمكث هنا حتى أتعافى من بواقي علاقة سامة كانت تستنزف طاقتي ومشاعري، وربما هذا يتفق مع قول أحد الكُتاب أن الشخص لن يستطيع أن يشفى في البيئة التي جعلته مريضًا، ربما أمي على حق. 

تجاهلت ملاحظة موظف الاستقبال وأمسكت إحدى الكتب المملة التي كنت أستخدمها كسلاح لإبعاد أي متطفل عني، ورغم هذا لم تستطع حيلتي الصغيرة أن تبعد موظف الاستقبال عني. 

- هل يمكنكِ أن تتوقفي عن قراءة الكتاب الذي لا تقرأينه؟ 

كُشف أمري، ولكن لا بأس لأستمر في اللعبة التي تتبع لعبة الإدعاء، الانكار. 

- أنا أقرأ بالفعل، أيها السيد. 

بدا غير مقتنعًا مما قُلته، فقال:

- لا تقرأي يا آنسة، لقد قدمت لكِ الطعام وأنتِ تقرأي صفحة رقم ثمانية وثلاثين، تناولتِ طعامكِ وأمسكتِ بالكتاب لفترة ليست بالقليلة، المفترض أن تكوني قد تخطيتِ تلك الصفحة منذ وقت طويل، الآن ما رقم الصفحة التي تقرأيها؟ 

ضيقت عيني بتعجب ونظرت للصفحة التي كنت أمسكها لأجدها صفحة رقم ثمانية وثلاثين بالفعل، اللعنة هو بارع!

- حسنًا أنت تتمتع بنظر حاد. 

اعترفت مرغمة، هو شخص غريب حقًا، لم أرى غيره بتلك الفترة التي أقمتها هنا، ليس من المألوف أن يقوم شخص واحد بجميع المهام في فندق، ولكنه يبدو متفرغًا معظم الوقت،فلو لم يكن متفرغًا لما أشغل نفسه بالتحدث مع ضيفته الوحيدة. 

- لا يمكنني أن أفهم كيف تقوم بكل شيء في هذا الفندق. 

صرحت عما يدور في بالي بعدما فشلت في محاولة دفعه بعيدًا، فإن لم تستطع أن تبعدهم تحدث معهم، هذا شعاري في الحياة وإن كان شعارًا سخيفًا بعض الشيء. 

- هذا فقط في الأوقات التي يكون بها الفندق خاويًا مثل هذا الوقت من العام، حيث أن مالك الفندق يفضل أن يقلل عدد العاملين لعدم وجود سياح كُثر يترددون على الفندق ويسند إلي مهمة الإدارة. 

- ياله من استغلالي! 

لم أمنع نفسي من الصياح بتلك العبارة مما جعلت الموظف يبتسم باتساع ويقول مدافعًا عن مديره:

- لقد كانت تلك فكرتي في المقام الأول. 

بعد أن انفعلت يخبرني أن انفعالي عديم النفع؟، حسنًا ليحترق في الجحيم هو ومديره، أنا لن أبذر مشاعري مثل السابق فقد فرغت حصتي من المشاعر على لعين آخر، عُدت لتصفح كتابي دون اهتمام حقيقي ولكن فقط ليرحل هذا المتطفل، ولكنه بدلًا من هذا قال:

- ليس مألوفًا بالنسبة إلي أن تأتي سائحة إلى المرتفعات الوسطى دون أن تأخذ جولة في الينابيع الساخنة. 

وضعت الكتاب مرة أخرى على الطاولة وأجبت بجمود:

- لا يهمني معرفة أشياء كهذه.

نظر لي بتعجب وقال:

- حتى وإن كنتِ لا تعلمين بوجود الينابيع، ولكنكِ على الأقل رأيتِ صورًا لها على الموقع الإلكتروني وأنتِ تقومين بحجز الغرفة. 

هززت رأسي بالنفي وقُلت:

- لست أنا من قمت بحجز الغرفة. 

- هذا يفسر الكثير. 

لم أهتم لهمسه المبهم في تلك اللحظة، بل كل ما شغل بالي حقًا كانت لكنته اللاتينية، لم تجذبني تلك اللكنة الغريبة يومًا ولكني أشعر بالفضول نحو البلاد التي ينتمي إليها. 

- لست ألمانيًا أليس كذلك؟ 

- ولا أنتِ.

قال بنبرة تقريرية متجاهلًا سؤالي الأول، لذا عُدت أقول:

- لكنتك لاتينية. 

-لكنتكِ انجليزية.

عبست منذرة إياه بأني بدأت أغضب وقُلت:

- أنت لا تقول شيئًا لا أعرفه. 

- أنتِ أيضًا لا تقولين شيئًا لا أعرفه. 

هل هذه إجابة على جميع أسئلتي؟ ربما، ولكن طاقتي للمناقشة قد انتهت، فنهضت والتقطت الكتاب وقُلت:

- حسنًا، لنضع حدًا لحديثنا الآن. 

تركته في قاعة الطعام وصعدت إلى غرفتي، جلست فوق فراشي بعد أن ألقيت بالكتاب في مكان ما لا أعرفه، فقد كان عقلي منشغلًا بالتفكير، ذلك المشهد الذي حدث منذ لحظات كان ليضحكني في وقت ما، ولكن تلك المشاعر السلبية السخيفة التي تسيطر علي تجعلني شخصًا آخر، شخص غريب عن أنا المألوفة، كما أنه كان بمثابة وسيلة ضغط علي، ذكرني بإحدى لحظاتي السعيدة التي قضيتها معه، ذاك الذي أشعل في قلبي نيران العشق حتى أصبح قلبي رمادًا بفراقه، لم أدرك كم أنا بائسة سوى الآن، لم أدرك أن قلبي ما زال يريده ولا ينساه سوى الآن، هذا بائس حقًا، بدأت الدموع الدافئة تترقرق في عيني، تدغدغهما وتحرقانهما لتجبرهما على التخلي عنها وتحريرها، فتركتها تتحرر بكل سرور، على الأقل لأخرج كل تلك المشاعر التي سجنتها طويلًا، بدأت الدمعة الأولى تهبط تدريجيًا لتلحقها أخواتها، بكيت كثيرًا، بكيت حتى انعدمت الرؤية، حتى أصبحت عيني عاجزتان عن ذرف المزيد، لم أشهق، لم أصدر صوتًا، كان بكاءًا ضعيفًا بائسًا مثلي، ربما هو كافي لي حاليًا، ربما سينتابني الصداع الآن، ربما يجب عليّ أن أنام قليلًا حتى أستعيد طاقتي. 

❈-❈-❈

بعد أسبوع من التعامل بصدق مع نفسي وتركها لتعبر عن ضعفها كيفما شاءت، سئمت من البكاء، بكيت كثيرًا وأنا لست كئيبة في العادة، لا أحب الأحزان ولا أريدها، ربما عليّ أن أخرج قليلًا ثم أعود لبكائي وأحزاني، وقفت في الشرفة أتأمل التل الأخضر الذي يبدو لطيفًا وذا مظهر رقيق، وقد أخذت هذا الانطباع من قطرات الندى التي تزين الأشجار والأعشاب، كان مظهرًا بديعًا وبالفعل استمتعت به، وهذا مطمئن قليلًا، فقد ظننت أنني فقدت القدرة على الاستمتاع بالأشياء، ولكن يبدو أنني لم أفقدها مثلما خيل إليّ.

أتى موظف الاستقبال ووقف بجانبي بصمت، كأنه يترك لي الحرية لأن أبدأ الحديث أو لا، لماذا بالأصل يريد أن يتحدث معي؟ لماذا الرجال لا يعجبون بالنساء إلا في أسوأ حالاتهن؟ هذا إذا افترضنا أنه معجب بي، استدرت لأنظر له وقُلت بجمود يسيطر على نبرتي منذ وقت طويل:

- هل تريد معرفة شيئًا عني؟ 

نظر لي بدهشة وكأنه لا يفهم بسؤالي وقال:

- لماذا تسألي؟ 

- لأنك لا تنفك تقطع عزلتي وتتحدث معي. 

أجبت، ليسأل:

- هل هذا يضايقكِ؟

- لا، أنا فقط أتعجب من هذا. 

- تعتادين على الاهتمام قريبًا، مهمتي هي أن أهتم بكِ بما أنكِ ضيفتي الوحيدة حتى الآن. 

لا أفهم لماذا استخدم المضارع لوصف المستقبل، أجل أنا دقيقة لتلك الدرجة وكلمة كتلك قد تجعلني أرتاب في أمره، هذا الشخص يتحدث بالألغاز وهذا يغضبني، هل اللاتينيين معتادين على التحدث بتلك الطريقة؟ لقد أكد سابقًا في آخر حديث بيننا منذ حوالي أسبوع أنه لاتيني، مما يجعلني أعود بذاكرتي للأفكار التقليدية المخزنة برأسي عن اللاتينيين، أناس يسكنون قارة أمريكا الجنوبية، خبراء بالغابات والظروف المناخية القاسية وكل سبل البقاء على قيد الحياة في البرية، لديهم الكثير من الأساطير والقصص الخرافية، معظمهم من الهنود الحمر أو رعاع بقر أقوياء شديدي الوسامة، أفكار تقليدية سخيفة حقًا. 

ربما عليّ الخروج من دوامتي الحالية، أعتقد أن استكشاف اليانبيع لن تكون فكرة سيئة، بل في الواقع منذ أن ذكر موظف الاستقبال الأمر وجسدي يطالبني أن أذهب إلى هناك لأعالجه من التصرفات الحمقاء التي أفعلها بعظامي؛ لهذا نظرت للموظف وقُلت:

- هل تستطيع إرشادي لتلك الينابيع التي تحدثت عنها سابقًا؟ 

- هناك خرائط موضوعة على مكتب الاستقبال لإرشادك.

أومأت وصمت للحظة أتأكد هل أنا داخليًا أريد هذا أم لا؟ وهل سأندم إن ذهبت إلى هناك؟، بالنهاية حسمت الجدل بداخلي وقُلت:

- حسنًا أعطني إحدى تلك الخرائط.

❈-❈-❈


ارتديت ثوب السباحة وارتديت فوقه قميص طويل أبيض، وضعت قبعتي الكبيرة فوق رأسي - وكأن هناك شمس بالأصل لأحمي رأسي منها - وأخذت حقيبتي الشبكية وتركت غرفتي. 

سرت بين الطرق الوعرة حول التل بصعوبة، كانت الخريطة الشيء الوحيد الذي يشعرني بالطمأنينة، فتلك الطرق غير الممهدة وذلك الطقس البارد جعلاني أشعر أنني أخطأت في الخروج من الفندق، خاصة ذلك الثوب الغبي الذي ارتدتيه، كان عاريًا بشكل كافي ليجعل البرودة تتسرب إلى جسدي بسهولة، لقد فكرت أنني سأتحمل حتى أصل إلى الينابيع ولكن البرد كان شديدًا في الخارج فأصبحت خطواتي مهتزة نتيجة لارتجاف ساقي. 

وصلت أخيرة لإحدى الينابيع، حمدت الله أني وصلت قبل أن أتجمد، حقًا أنا موهوبة في ابتكار طرق جديدة لقتلي، وضعت حقيبتي وقبعتي على إحدى الصخور وخلعت القميص الذي كنت ارتديه لينضم إليهما، بدأت بوضع قدم في الماء لتصلني سخونة المياه بسهولة، مما جعلني أتشجع واجلس بكامل جسدي في الماء، فضلت أن أجلس في منطقة معتدلة، ليست ضحلة وليست عميقة، حتى تصل المياه إلى رقبتي فيستفاد أكبر قدر ممكن من جسدي بالمياه، أغمضت عيني لأستمتع بالمياه ولأصفي ذهني من الأفكار المزعجة، فكرت به مجددًا، ولكن بطريقة مختلفة، للحظة تمكنت من التفكير به دون أو أشعر بالألم، ربما هذا بسبب المياه الساخنة التي ساعدت أعصابي على الهدوء، فأنا لم أشعر بهذه الراحة والسكينة من وقت طويل، جسدي لم يسترخي مثل تلك اللحظة، كانت فكرة جيدة بالفعل أن آتي إلى هنا، فرغم أن هناك جزء بداخلي يرفض الخروج من القوقعة التي صنعتها في  الثلاث أسابيع الماضية إلا أني هزمتها وقدمت، وهذا يعتبر إنجازًا بالنسبة إليّ، بالنهاية ما الذي سأجنيه من جلوسي في غرفتي طوال اليوم غير البكاء والنوم؟، مرت بضع لحظات من الصمت بعد أن تمكنت من إيقاف صوت أفكاريأفكاري، بعد بعضًا من الوقت شعرت أنه يعادل الدهر نهضت لأستعد للعودة إلى الفندق ولأستعد لحرب جديدة مع الهواء البارد خاصةً بعد أن أصبحت مبتلة، جمعت حاجياتي ورحلت. 

عندما وصلت إلى الردهة نظر موظف الإستقبال لي وهو يكتم ضحكاته، مؤكد من ملابسي وجسدي المرتجف. 

- لقد اعتدت أن أرى الفتيات يرتدين تلك الملابس في الصيف، ولكنها المرة الأولى التي أرى فتاة ترتدي تلك الملابس في الشتاء. 

- احتسي حديثك يا هذا. 

قُلت وأنا أعبر الردهة بخطوات سريعة غاضبة نحو السلم بينما سمعته يضحك بملئ فاهه على ما قُلت، هو محق بالفعل ما الذي قُلته بحق الجحيم؟!


يُتبع..