-->

الفصل الثامن - ندوب الهوى

 




الفصل الثامن


"فرحة عارمة تحلق بين السحاب وحزن طاغي يظهر للعلن وكأن التضاد خُلق ليكون من نصيبهم في أول لقاء كُتب أمام الجميع"

 

 

 

ملئت والدتها المكان بصوت الزغاريد واستمع الشارع بأكمله لصوتها وكان الجميع يعلم كما قال والده أمامهم أن اليوم سيأتي "جاد" بذهب "هدير" لذا بدا الأمر عاديًا بالنسبة لهم جميعًا..

 

ما هذا؟.. هي كيف وافقت؟.. كيف خرجت هذه الكلمة من بين شفتيها بكل هذه العفوية والسهولة، ألم تقرر أنها لن توافق!.. نعم قالت هذا داخل عقلها بأنها سترفض بكل قوتها لأنه لا يريدها!.. إذًا كيف وافقت؟.

 

هل أعطاها أحد شيء لتوافق! أم أن قلبها هو الذي هتف الآن بالموافقة على تكملة الدرب معه ولم يتحدث عقلها بإشارة منه أو خوفًا من خسارته؟..

 

يا الله ستُجن، إنه لا يريدها كيف ستكون معه، إنه لم يكلف نفسه بالحديث معها بجدية والإجابة عن سؤالها من دون مراوغة..

 

نظرت "هدير" إلى الدتها وهي تخرج من الغرفة ومازالت تطلق الزغاريد ثم استمعت إلى شخص أخر من الخارج يعاونها!.. من!..

 

دق الباب وفتحت والدتها الباب والإبتسامة تشق وجهها لتطل منه والدة "جاد" التي هبطت على صوت الزغاريد وقد كان معنى ذلك الموافقة، لذا هبطت لتكن معهم في وسط هذه الفرحة..

 

-بلي الشربات يا مريم

 

استمعت إلى والدتها تهتف بهذه الكلمات إلى شقيقتها، مستغربة مما حدث بسرعة هكذا، أنها وافقت!.. كيف حدث ذلك أنه لا يريدها لو كان حقًا يريد ذلك لتحدث بهدوء وأعطاها فرصة لتقول ما أرادت.. لكان قال أنه يريد الزواج منها لا يراوغ في الحديث..

 

"جاد" لا يريدها بل غُصب عليها لأجل حديث والده أمام الجميع بالحارة، لا يريدها هذا ما رأته منه.. كانت تنتظر فقط كلمة واحدة منه وتتأكد من ذلك وتكن معه سعيدة لأجل إستجابة طلبها ولكن هكذا!..

 

سألته لماذا يريد الزواج بادر بسؤال مثلها، وعندما تحدث هتف بكلمات السطح التي ربط قلبها بها وحاول أن يقول أنها هي من تحبه!.. وفي النهاية يقول أنه بمنزلها ولا يخصها أكثر من ذلك!.. أي عقل يصدق هذا الحديث!..

 

هي لن تكون سعيدة وهو مُجبر عليها، مُجبر على تكملة حياته معها!.. إذًا كل ما كانت تراه من تلميحات كانت تخيلات منها وهو لم يراها قط..

 

دلفت والدته إليها وبيدها كوب به الشربات، وضعته على الكومود وتقدمت منها لتقف "هدير" على قدميها وتستقبلها ولكن بادلتها الأخرى بعناق شديد وهي تبتسم بفرحة عارمة بعد أن حصلت على ما تريد هي وابنها:

 

-ألف مليون مبروك يا حبيبة قلبي

 

ما هذه الفرحة التي تشع منها؟ لماذا لا تظهر عليه الفرحة مثل والدته؟:

 

-الله يبارك فيكي يا طنط 

 

أبتعدت إلى الخلف ونظرت إليها مُبتسمة بحبٍ وسعادة كبيرة ثم أردفت بجدية وحزم:

 

-لأ طنط مين أنا ماما فهيمة زي نعمة بالظبط

 

ابتسمت "هدير" براحة لأجل راحة هذه المرأة وسعادتها، تعلم أنها طيبة القلب منذ زمن ولكن التعامل معها كان بحدود معروفة للجميع، ما عدا والدتها كانت تتحدث معها كثيرًا هي ووالدة "سمير" بحكم أنهم جيران:

 

-دا شرف ليا والله

 

وضعت وجهها بين كفيها وتحدثت بحماس وعينيها تظهر بها دموع الفرحة لأجل تحقيق ما أراد ابنها ولأجل اختياره الممتاز:

 

-ياختي اسمله عليكي.. تصدقي بالله قبل جاد ما ينزل هنا قولتله هدير دي إيمان وجمال وأخلاق وعمرك ما تلاقي زيها أبدًا... دي عروسة لُقطه

 

تأكدت من كل شيء الأن وذهبت الابتسامة الباهتة من على وجهها تدريجيًا لقد كانت والدته تُقنعه بها!.. تُقنعه أنها عروس لن يجد مثلها فعليه بالموافقة!..

هل من المفترض أن تسعد لأجل كلماتها المادحة بها أم تحزن لأجل فهمها لكل ما يحدث وما هو إلا رفض!.

 

بينما كان هو المسكين في الخارج يرى الطائرات في الجو ويشعر أنه جوارهم، لقد كان مع الطيور في السماء والسحاب يغطيه، يحلق بعيدًا وينظر إلى الأرض وهو يبتسم لأجل اغتنامه حلمه البعيد..

 

قلبه يدق بعنف من كثرة الفرحة وفرط الحب الذي تكون داخله الآن تجاهها أكثر وأكثر، قفصه الصدري لا يتحمل كل هذا الخفقان من قلبه، هل سينكسر أم ماذا؟..

 

وروحه ترفرف سعيدة بكونها ستصبح زوجته!..

 

حمد الله كثيرًا بعد موافقتها وفهم أنها علمت ما كان يريد قوله لها، داخله يعلم أنها تريده وأوصل لها أنه هو الآخر يريدها بكل جوارحه..

 

كان يريد البوح بكل شيء ولكن هي ترى أنه مُجبر عليها ويشفق أيضًا لذا قلل الحديث وألقى عليها كلمات بنظرة تثبت أنه يريدها من قبل كل شيء حدث!..

 

الجميع حوله سعيد وهذا المنزل الصغير قدم السعادة الأكبر بحياته له.. أنه يمتن إليه عن حق..

 

جلست والدته مع "هدير" و "مريم" بالداخل بينما هو ووالده ومعهم شقيقها ووالدتها بالخارج كما كانوا بعد أن طلب "جمال" أن يتم الاتفاق وقراءة الفاتحة..

 

أردف "رشوان" بجدية:

 

-إحنا مش عايزين أي حاجه.. شقة جاد موجودة ومش محتاجه غير العفش والفرش وده علينا إحنا هناخد هدير بشنطة هدومها

 

أجابته والدتها بجدية وحزم وهي تعتدل في جلستها لتتحدث براحة:

 

-لأ يا حج رشوان جهاز هدير بنتي كله موجود من الإبره للصاروخ وكل واحد يجيب اللي عليه حسب الأصول ما بتقول

 

ابتسم إليها بود وداخله ارتاح قليلًا لأنها لم تطمع بشيء ولم تستمع إلى حديثه الذي هتف به ولكنه كان يعلم أن شقيقها سيدلف عليه بالطمع قبل أي شيء:

 

-الدهب اللي انتوا عايزينه هنجيبه والنهاردة بإذن الله

 

لم يعطي جمال الفرصة لوالدته أن تتحدث بل قال هو بسرعة وجدية وهو يثبت ما فهمه والد "جاد":

 

-الدهب يبقى بـ مية ألف جنية

 

شهقت والدته بدهشة من طلبه الكبير، ليس كبير للغاية ولكن كبير بالنسبة إليها هي وابنتها، ربما لو خمسون ألف سيكون أفضل، هتفت قائلة بضيق:

 

-شوف يا حج رشوان هدير دي بنتك أنتَ ما أنتَ اللي مراعينا بعد المرحوم واللي أنتَ هتعمله إحنا راضين بيه

 

إنها مثلما هي امرأة طيبة القلب، تعرف حدودها من طينة أصيلة ولا يعلم من أين أتت بهذا الولد الضال...

 

ابتسم إلى "جمال" قائلًا:

 

-وأنا مش هتني كلمة جمال الدهب بـ مية ألف جنية

 

نظر إليه "جمال" وداخله الفرحة ستجعله يغمى عليه، ليس بمبلغ كبير ولكن ربما يستفيد، نظر إليه بثبات قائلًا:

 

-معلش يا حج رشوان دا جواز وأنا عايز أحافظ على حق أختي

 

هتف "جاد" بضيق وانزعاج قائلًا وهو يراه يتحدث بحق وما حق! أهو سيلقي بها في الشارع أم ماذا:

 

-أنتَ بتقول ايه هو أنا هتجوزها النهاردة وأطلقها بكرة... ما تحافظ على كلامك  

 

-معلش يسطا جاد مش بعرف ازوق الكلام زي الحجة

 

أجابه مرة أخرى بحدة:

 

-بس الحجة مش بتزوق كلام هي بتقول الحقيقة

 

نظر إليه والده حتى يصمت وأردف هو ناظرًا إلى والدتها:

 

-كتب الكتاب يبقى الخميس الجاي بعد ما أخويا ومراته يرجعوا والفرح آخر الشهر أنا مش عايز نقعد كتير ونماطل والكلام يكتر العروسة جاهزة وإحنا هنجهز الشقة ونقفلها وخير البر عاجله

 

-عين العقل والله يا حج رشوان

 

أردفت "نعمة" والدتها بهذه الكلمات وهي تبتسم بسعادة مثل "جاد" الذي فرح أكثر من السابق بحديث والده هذا ولكن "جمال" تحدث قائلًا بجدية شديدة:

 

-حيث كده بقى خليني أقولك أن القايمة هتتكتب بنص مليون جنية.. ومتزعلش مني بس أنا معرفش ايه اللي هيحصل بكره ويحل على أختي

 

هذه المرة تحدث "جاد" بعد أن تقدم إلى الأمام ليقابل "جمال" وأردف بجدية شديدة:

 

-موافق يا جمال ولو عايز مليون كمان مش نص بس، موافق علشان عارف أنا عايز ايه كويس أوي... وأنا عايز أختك وهحافظ عليها ومش هفرط فيها أبدًا علشان كده مش خايف من النص مليون بتوعك اللي هتحطهم في القايمة

 

بعد هذه الكلمات وجد والدتها تقف على قدميها تطلق الزغاريد مرة أخرى وأخرى وأخرى وفرحتها لم يكن يوجد مثلها بعد هذه الكلمات الجادة منه وفرحته التي ظهرت على وجهه..

 

-ألف مبروك يا جوز بنتي

 

أردف والده قائلًا وهو يرفع يده أمام وجهه مبتسمًا بحب:

 

-نقرا الفاتحة

 

ثم بدأو في قراءة الفاتحة جميعًا والسعادة تتحدث على وجوههم..

 

هتف والده قائلًا أمامهم بعد أن انتهوا:

 

-جاد هياخدك أنتِ وهدير ومريم علشان تختار الدهب اللي هي عايزاه

 

نادت بإسم "مريم" لتخرج لها وجعلتها تستدعي شقيقتها فخرجت هي الأخرى ومعها "فهمية" والدة "جاد":

 

-هنروح مع جاد علشان تختاري الدهب

 

نظرت إليه بهدوء ولم تتحدث بل ابتسمت ابتسامة صغيرة وتقدمت من والده لتسلم عليه وألقى عليها المباركة مُبتسمًا لها بود..

 

هتف مرة أخرى وهو ينظر إلى جاد بهدوء بعد أن وقف مُشيرًا إليهم:

 

-خدهم محل من المحلات القريبة من هنا يا جاد وخليها تختار اللي هي عايزاه وطلع فاتورة بـ المية ألف جنيه علشان جمال يشوفها

 

توسعت عينيها بدهشة وذهول عندما استمعت إلى الرقم الذي قاله، هل استمعت صحيح؟:

 

-بس مية ألف كتير أوي

 

أجابها والده بهدوء وابتسامة رزينة:

 

-مفيش حاجه تغلى على عروسة الغالي

 

ابتسمت بهدوء بعد كلماته الجميلة لتنظر إليه بطرف عينيها وجدته يقف ينظر إليها هو الآخر وعلى وجهه ابتسامة لا تدري أهي كاذبة أم لا ولكن يبدو سعيد للغاية وابتسامته تلك من الأذن إلى الأذن!..

 

-يلا يا أم جاد تعالي معانا

 

تقدمت والدته من زوجها قائلة بخجل لتتركهم على راحتهم:

 

-لأ ياختي أنا هطلع مع أبو جاد وانتوا خدوا راحتكم يا حبيبتي

 

-بالله لانتي جايه معانا الله.. ما تقولي كلمة يا هدير

 

ابتسمت "هدير" إليها وأردفت بهدوء خجل وهي تتقدم منها قائلة بود:

 

-تعالي معانا يا ماما فهيمة علشان تختاري معايا أنتِ ذوقك حلو

 

-خلاص طلما قولتي كده يبقى أجي بعد أذنك طبعًا يا حج

 

أومأ إليها بهدوء للذهاب معهم وكل منهم داخله شيء يفكر به، من يزعجه تفكيره كـ "هدير" وما حل عليها من كلمات "جاد" وما حدث، ومن يجد الفرحة اليوم كثيرة عليه ولا يصدق وجودها مثله..

 

--

جلست على أريكة بُنية اللون وبجوارها شقيقتها ووالدته "فهيمة" في محل الذهب الخاص بوالده بينما والدتها جلست على المقعد المقابل للأريكة وفي المنتصف طاولة صغيرة كان يضع عليها العامل كل دقيقة تُمر تشكيلات متنوعة من التصميمات الفريدة والجميلة..

 

رفعت نظرها إليه وهو جالس على المقعد أمام مكتب والده ينظر إليهم وينتظر أن ينتهوا من الشراء، تقابلت أعينهم فابتسم بهدوء لها ولكنها لم تبادلة الابتسامة!. بل أخفضت وجهها مرة أخرى إلى الذهب الموضوع أمامها وأخذت إحدى الخواتم لتضعه في إصبعها!..

 

زفر بهدوء وداخله مُشتت لما يحدث معها، لقد أوضح لها أنه يريدها ويريد الزواج منها ما الأمر إذًا، لما تفعل ذلك؟ هل هي مُشتتة أيضًا أم لم تكن تريده من الأساس أم ماذا يحدث؟..

 

استمع إلى والدته تهتف بابتسامة عريضة وهي تقف من مكانها متجهة نحوه:

 

-بقول ايه ما تقوم كده يا جاد تنقي مع عروستك علشان محتارة تاخد ايه، تعالي يا مريم تعالي هنا معايا

 

وقفت "مريم" أيضًا مُبتسمة وتوجهت إليها، بينما جذبته والدته من يده بخفه ليذهب إلى جوار هدير وجلست هي و "مريم" على المقاعد متقابلين أمام المكتب

 

ذهب ليجلس جوارها على بعد مسافة مناسبة لتبتسم والدتها بسعادة غامرة ونظرت إلى والدته التي بادلتها نظرات الفرحة والسعادة لرؤيتهم مع بعضهم البعض..

 

مد يده إلى دبلة زواج رائعة وقعت عينيه عليها بعد أن مررها على التشكيلة التي أمامه، كانت عريضة قليلًا بها فصوص صغيرة على مسافة متساوية تشكل مظهرًا رائعًا..

 

وبالقرب منها خاتم به فص واحد كبير في المنتصف مظهره براق ولامع ويليق بها كثيرًا..

 

أخذ الدبلة وأعطاها إياها لترى إن كانت تناسبها أم لأ، نظرت إليها بيدها ووجدتها جميلة حقًا تليق بها وبيدها وتحتضن إصبعها بشكل رائع يجعلها لا تود أن تزيلها من يدها أبدًا..

 

رفعت حدقتيها إليه بنظرة هادئة مريحة وهناك ابتسامة صغيرة على محياها بعد أن فرحت بمظهرها وتحدثت قائلة بهدوء وخجل:

 

-جميلة أوي وعلى مقاسي

 

ابتسم هو الآخر ولا يدري هل هي تعاني من خطب ما!.. هل لديها انفصام الشخصية أم ماذا! حرك رأسه بخفه ثم مد يده إلى الخاتم الآخر وأخذه مناولًا إياها لتراه..

 

لقد كان جميلًا أفضل بكثير من الدبلة، أنه مثل خواتم الألماس التي تُقدم في التلفاز عندما يخطب أحد الأثرياء من يحبها، كيف لم تراه وهي تجلس هنا منذ ربع ساعة تختار بينهم!.. أنه لديه ذوق رفيع للغاية..

 

ارتدته بعد أن خلعت الدبلة لتجربته وقد كان رائعًا عن حق ابتسمت بسعادة كبيرة أظهرت أسنانها البيضاء ورفعت يدها إليهم تُديرها إلى الجميع قائلة بسعادة:

 

-ده حلو أوي

 

أجابتها والدته بفرحة وهي تنظر إليهم سويًا:

 

-مبروك عليكي يا عروسة... شوفتي يا أم جمال جاد أول ما قعد جابلها اللي على هواها

 

ابتسمت "نعمة" بفرحة قائلة وهي تُجيبها بمرح:

 

-ياختي يارب يبقوا على هوا بعض على طول

 

وقفت والدته بخفه وتحدثت قائلة بجدية وهي تبتسم لتعطي لهم فرصة في التقرب من بعضهم:

 

-ما تيجي يا أم جمال نخرج نشرب عصير من المحل اللي بره ده على ما يخلصوا

 

علمت والدتها ما الذي تريده من هذا الحديث، وهو أن تجعلهم يجلسون وحدهم لدقائق حتى ولو قليلة فسيفرق الأمر معهم، وقفت على قدميها مرحبة بالفكرة وهي تنادي "مريم" معهم بسعادة:

 

-آه وحياتك ريقي نشف.. تعالي يلا يا مريم

 

وقف "جاد" على قدميه عندما وجدهم سريعًا وقفوا يريدون الذهاب، أردف بهدوء:

 

-خليكم وأنا هبعت حد يجيب

 

ثم هتف بصوتٍ عالي إلى صبي يعمل في المحل:

 

-يا ابراهيم

 

أردفت والدته قائلة وهي تذهب معهم:

 

-لأ لأ إحنا عايزين نخرج.. يلا على ما تخلصوا

 

نظرت إليهم "هدير" باستغراب ودهشة شديدة وبادلها "جاد" ذلك بالفعل، لقد ذهبوا سريعًا ولم يعطوه الفرصة للتحدث أو فعل شيء فقد ذهبوا في لحظات..

 

جلس مرة أخرى محافظًا على المسافة التي كانت بينهم وأردف عاليًا:

 

-خد يا أحمد الدبل دي وهات الحلقان والسلاسل لما نشوفها

 

تقدم الشاب بعملية شديدة وهي يبتسم قائلًا:

 

-عيوني يسطا جاد

 

وضعت نظرها على الخاتم والدبلة وتحدثت بخجل:

 

-مكنش المفروض تقولوا أنكم هتجيبوا دهب بـ مية ألف دول كتير أوي

 

ابتسم داخله بسخرية شديدة، أنها لا تعلم أن شقيقها هو من طلب ذلك ليحافظ على حقها كما قال ولكنه يعلم نواياه جيدًا تجاهه وتجاه شقيقته أيضًا:

 

-مش كتير عليكي زي ما الحج قال

 

تقابلت عينيها معه بعد كلماته الغبية، يتحدث على لسان والده!.. وأين هو! لماذا لا يقولها منه هو وليس من والده!.. لماذا يشعرها أنه أجبر على ذلك وبشدة أيضًا

 

-وأنتَ رأيك ايه

 

ضيق ما بين حاجبيه سائلًا إياها باستغراب وعقله لم يفهم صدقًا ماذا تقول:

 

-رأي في ايه

 

-مش كتير عليا زي ما قال الحج ولا....

 

همهم بهدوء وهو ينظر إليها بين الحين والآخر وداخله أخبره أنها لا تريد الراحة:

 

-الدهب اللي في الدنيا كلها مش كتير عليكي

 

أشاحت وجهها للناحية الأخرى سريعًا ولم تكن تتوقع أن يهتف بهذه الكلمات أبدًا، لقد تخبط عقلها وتشابكت أفكارها داخله الآن، هل مجنون؟ أما أبيض أما أسود!..

 

-وبعدين ياستي ما كله هيبقى ملك ليكي مش هتبقي مراتي آخر الأسبوع!

 

استدارت إليه بحدة وكأنه قال شيء مخل لا تريد سماعه، كيف ستكون زوجته في نهاية الأسبوع!. ألن يكون هناك فترة خطبة صغيرة على الأقل!..

 

هتفت بحدة متناسية المكان المتواجدة به:

 

-ايه!.. مين قال الكلام ده

 

-اتفقنا إن كتب الكتاب يوم الخميس لما عمي يرجع والفرح بعد شهر أكون جهزت الشقة

 

صرخت بوجهه وهي تقف على قدميها قائلة بعصبية بعد الاستماع إلى هذا الحديث الغير منطقي بالمرة:

 

-لأ طبعًا أنا مش موافقة على الكلام ده

 

جذبها من يدها بحدة هو الآخر وهو جالس مكانه بعد أن رفعت صوتها عليه وجعلها تجلس مرة أخرى:

 

-وطي صوتك... وبعدين ايه اللي يخليكي مش موافقة مش عارفاني مثلًا!

 

لاحظت تهكمه عليها، جذبت يدها منه بحدة وأردفت:

 

-آه مش عرفاك يا بشمهندس ومحتاجة فترة كويسة أعرفك فيها علشان أقدر احدد إذا كنت هكمل معاك ولا لأ وبعدين أنا عندي كلية

 

ضغط على أسنانه بشدة وهو ينظر إليها وأكمل حديثه معها بعقلانية ورزانه:

 

-اعتبارًا إنك متعرفنيش مع أن كل شيء واضح زي الشمس قدامك عندك شهر تعرفيني فيه ويكون براحتك بعد كتب الكتاب وإذا كان على الكلية فهي أصلًا فاضل كام شهر على الامتحانات وأنتِ مش أول واحدة تتجوز وهي في الكلية

 

توترت كثيرًا وهي لا تدري لما الأمور تسير بسرعة هكذا، دارت عينيها في أرجاء المكان وعادت إليه مرة أخرى بحدة وعصبية قائلة:

 

-لأ بردو مش موافقة على الكلام ده دا جواز مش سلق بيض

 

-أنتِ ليه بتحبي تتعبي نفسك وتصعبي الأمور

 

-يمكن بدور على الحقيقة!

 

زفر بهدوء وأردف مُجيبًا إياها:

 

-الحقيقة قدامك وأنتِ اللي مش عايزه تشوفيها

 

أطالت النظر داخل عينيه الرمادية الخلابة وداخلها كلمات وأفكار كثيرة تود أن تطرحها عليه وتأخذ منه إجابات عليها ولكن كيف ستفعلها!.. لا تستطيع، تشعر أن لسانها معقود عن الحديث معه في كامل الأمور الجدية..

 

زفرت بهدوء وأغمضت عينيها ضاغطة عليهم بشدة ثم نظرت إليه قائلة بجدية وداخلها يدعوا أن يُجيب دون مراوغة:

 

-أنتَ هتتجوزني علشان متصغرش أبوك قدام الناس ولا كنت عايزني بجد قبل ما يقول أنك خطبتني ولا لقتني حد مناسب وخلاص!

 

وزع نظرة عليها وداخله يدعوه لأن يأتي بمطرقة ويهشم رأسها بها إلى تقول لن أسأل هذه الأسئلة الغبية مرة أخرى، إلى الآن تتساءل وقد قال لها ما يجعلها تعلم كم يريدها؟.. لقد علم الآن من هن النساء..

 

كاد أن يتحدث ويُجيبها بهدوء ولكن دخول والدته ووالدتها أفسد الأمر وجعله يصمت..

 

هتفت والدته قائلة:

 

-ها خلصتوا

 

ابتسم بسخرية ناظرًا إليها وأردف بكذب:

 

-لأ هدير قالت مش هتنقي غير لما ترجعوا

 

-ادينا هنا أهو يلا يا ولاد خلصونا خلونا نفرح

 

ابتسم إليها وعاد ينظر إلى الأشكال الذي أمامه بهدوء بينما هي نظرت إليه بضيق وانزعاج فقد كان على وشك التحدث ولكن دخولهم لم يجعله يكمل ما بدأه..

 

--

 

"اليوم التالي"

 

جلست "مريم" على المقعد فوق السطح وبيدها الهاتف في منتصف النهار، لقد كانت تمرر عينيها على صور وضعتها في الهاتف واخفتها داخله لحبيب قلبها ومالك ما به..

 

"سمير أبو الدهب" لقد عشقته ولم تدري كيف حدث ومتى ولما من الأساس ولكن ليس على قلبها سلطان، لقد أحبته دون مجهود يذكر، دون أن يفعل أي شيء وجدت نفسها وقعت بعشقه ولا ترى بحياتها أحد سواه هو..

 

لا ترى غيره ولا تنظر إلى غيره، أصبح حبه بقلبها كوجود الأمواج بالبحار، كوجود السحاب في السماء، حبه داخلها لا يتجزأ منها أبدًا، وكأن الله لم يخلق سواه

 

في صلاتها وقيامها تدعي بأن يكون من نصيبها الطيب المكتوب لها، تعلم أنه يكبرها بثمان سنوات وربما يذهب إلى التسع سنوات ولكن تحبه، وتريده هو دون غيره وإذا حدث ما يتمناه قلبها لن يكون هذا عائق بينهم من المؤكد..

 

ابتسمت براحة وهي تتذكره عندما أعطى درسًا مثاليًا لشباب ضالة كانت تثير حنقها في الذهاب والعودة عندما تستمع منهم إلى كلمات غير محببة إليها..

 

أغلقت الهاتف والابتسامة على وجهها تشرقه وتجعله منير، رفعت وجهها لتنظر إلى الأمام ووجدت أن من كانت تنظر إليه عبر الهاتف بصورة يقف أمامها الآن بالواقع!..

 

يقف وهو يرتدي قميص بنصف كم لونه أبيض وبنطال جينز لونه سماوي يصل إلى ركبته وبقدميه حذاء منزلي بلاستيك وبيده كوب الشاي والسيجارة في اليد الأخرى..

 

ابتسم وهو يتقدم منها قائلًا بعبث ومرح لأول مرة:

 

-دا الحمد لله إن الواحد شافك بتضحكي يا آنسة مريم

 

وقفت على قدميها سريعًا والخجل جعل وجهها الأبيض يتحول إلى اللون الأحمر، لهذه الدرجة هي لا تبتسم!.. أهو لا يرى ابتسامتها المشرقة؟

 

تقدمت منه وعينيها مسلطة على باب السطح لتخرج منه فقد ارتبكت بشدة من وجوده وحديثه عن أنها لا تبتسم..

 

تحدث بضيق وانزعاج وهو يراها تذهب:

 

-هو إن حضرت الشياطين تذهب الملائكة ولا ايه

 

توترت كثيرًا وأردفت بتخبط قائلة وهي تشير بيدها:

 

-لأ لأ شياطين ايه بس.. دا أنا لازم أنزل علشان قاعدة هنا بقالي كتير

 

تقدم إلى سور السطح ووضع كوب الشاي عليه مردفًا بمزاح:

 

-لأ كده بقى أنا اللي غلطان علشان مطلعتش من بدري

 

وزعت نظرها على الأسطح المجاورة لهم ولم تجعل عينيها تتقابل معه بسبب احمرار وجهها الذي لاحظه وتوترها دون داعي..

 

هذه الكلمات بالنسبة إليها ككلمات الغزل التي تتعرض إليها الفتيات ممن يحبون، ألا تعتبر هكذا؟..

 

أردف بجدية قائلًا وهو ينظر إلى وجهها الجميل المخفي عنه دائمًا ولذلك الحجاب أبيض الذي يخفي خصلاتها:

 

-مش شايفك بتذاكري المرة دي يعني

 

ابصرته بعينيها بعمق، أهو يراها وهي تدرس ليقول هذه المرة؟. يا الله ما هذا التخبط، ابتلعت ما وقف بجوفها وقالت برقة وصوت ناعم:

 

-لأ أنا يعني كنت بشم هوا ومريحة شوية

 

ابتسم إليها ورفع كوب الشاي إلى فمه يرتشف منه بتلذذ وهدوء أخذت توزع نظرها على الأسطح مرة أخرى لتهرب من عينيه، رأته يضع السيجارة في فمه ويستنشقها بشراهة فقالت له بلهفة غريبة عليه:

 

-السجاير مُضره جدًا على فكرة وأثرها بيبان بعدين... عن اذنك

 

لم تعطيه الفرصة للرد عليها ففي لحظات كانت قد اختفت من أمامه، لوى شفتيه ونظر إلى السيجارة بيده ثم ابتسم بغرابة وألقاها على الأرضية ودعسها بقدمة...

 

عاد نظره إلى مكان اختفائها ودقات قلبه تتسارع وعينيه تشتاق لرؤيتها ثانيةً!.. ما به؟..

 

--

-ده كل اللي حصل مش عارفه بقى هما فعلًا عندهم حق ولا الجوازة بتم بسرعة ولا هو أصلًا مش موافق ولا فيه ايه

 

جلست "رحمة" مع "هدير" على الأريكة أسفل النافذة بغرفتها وبعد أن أنهت حديثها أردفت هي بجدية:

 

-أنا اللي أعرفه إن مفيش راجل بيتجوز واحدة غصب عنه، دي اللي هيكمل معاها بقيت عمره.. إذا كان البنات محدش يعرف يغصب عليهم دلوقتي الراجل اللي هيتغصب عليه!..

 

رأت على وجهها علامات الحيرة والتخبط في الأمور فأكملت حديثها بجدية:

 

-أنتِ كنتي بتحاولي تعفي نفسك مع إنك بتحبيه ودعيتي ربنا كتير وربنا استجاب دعائك أهو يا هدير واللي حصل من مسعد ده كان سبب بس علشان الجوازة تتم.. ارتاحي يا حبيبتي وأفرحي

 

نظرت إليه عبر النافذة ورأته وهو بالورشة يعمل مع الذين معه بالداخل، تذكرته بالأمس عندما اختار لها كل شيء بنفسه وذوقه الرفيع من تعامل مع الأمور وحقًا أعجبها اختياره بشدة ومن بعد أن أتى بالذهب أخذهم لأحد محلات الملابس الراقية بالنسبة للمكان المتواجدين به واختار لها أكثر من فستان كهدية منه وكانوا غاية في الروعة والجمال..

 

عادت نظرها إلى صديقتها وأردفت بهدوء:

 

-أنا صليت استخاره وحسيت فعلًا إني مرتاحة بس حاسه أن هو اللي مش مرتاح.. مش عايزني

 

إنها حقًا تبحث عن التُشتت والتعب، هتفت مُجيبة إياها بجدية وحزم:

 

-لأ عايزك يا هدير بس أنتِ تفهمي ده كويس.. الراجل لحد دلوقتي مصدرش منه حاجه بتقول عكس كده

 

أومأت إليها بهدوء وهي تنظر إليه مرة أخرى لتراه ينظر إليها وكأنه كان ينتظر نظرتها له، رفع يديه إلى جانب أذنه ليفعل حركة بيده تدل على أنه يريد مهاتفتها..

 

وقفت على قدميها وأتت بالهاتف من على الفراش لتراه أرسل إليها رسالة بالفعل قبل عشر دقائق عبر الواتساب كُتب بها..

 

"قعدتك دي متنفعش ادخلي من وش الصنايعيه واللي رايح وجاي في الشارع"

 

أردفت إلى "رحمة" بسخرية وتهكم مضحك:

 

-آه لبسني الدبلة وبدأنا بقى تحكمات

 

ابتسمت "رحمة" متسائلة بهدوء عن ما الذي يريده لتُجيبها قائلة:

 

-قال القعدة دي ماتنفعش علشان الصنايعية واللي رايح واللي جاي

 

وقفت "رحمة" واتكئت بقدمها اليمنى على الأريكة ثم جذبت النافذة وأغلقتها قائلة:

 

-طب ما الراجل عنده حق

 

خلعت "هدير" الحجاب عن رأسها بعد أن أغلقت "رحمة" النافذة ثم جعلت خصلاتها الحريرية ذات اللون البني الداكن التي تنتهي بالبني الفاتح تنساب على ظهرها لتغطيه إلى آخره..

 

استمعت إلى سؤال "رحمة" الخجل:

 

-هو جمال فين!

 

نظرت إليها بشفقة وحزن كبير عليها وعلى حال شقيقها الذي سيؤدي بحياته إلى الجحيم، وهذه المسكينة لا تقول أنها تحبه ولكن على الأقل مُعجبة به:

 

-رحمة سيبك من جمال أخويا ومتبصيش ليه إلا لو اتعدل وبقى بني آدم بجد

 

نظرت "رحمة" إلى الأرضية بهدوء بعد أن أومأت إليها بجدية وداخلها الحزن يشتد يومًا بعد يوم بسبب ما يفعله "جمال" الذي تنتظره منذ زمن وتعتقد أن الأوان قد فات عليه!..

 

--

 

"بعد مرور ثلاثة أيام"

 

كان يسير في الشارع ورأسه مرفوع وهو مقرر داخله أنه اليوم سيذهب بالمال المُطالب به إلى "رشوان أبو الدهب" ليجعل الجميع يصمت وسينتظر قليلًا حتى يدبر أمرًا بسيطًا في رأسه تعود به برنسس الحارة إليه لأنه الأولى بها ومن تحدث عنها من البداية بعيدًا عن الخرافات التي تحدث بها ذلك الرجل العجوز...

 

استمع إلى صوت زغاريد عالية تعم أرجاء المكان وأطفال تسير وبيد كل منهم علبة من علب المشروبات الغازية فـ أمسك بطفل كان يسير متجه إليه وبيده واحدة فسأله قائلًا:

 

-ايه الزغاريد دي يلا ومين بيوزع كنز

 

أجابه الطفل سريعًا ورحل:

 

-دي علشان كتب كتاب الاسطى جاد بتاع الورشة

 

جز على أسنانه وكاد أن يهشمها بينما ضغط على يده إلى أن ابيضت مفاصلها وظهرت بوضوح، سار صدره يعلو وينخفض بسرعة من فرط الغضب الذي حل عليه الآن بعد أن استمع هذه الكلمات.. وظهرت عينيه الخضراء ببريق شيطاني مخيف أخفى جمالها ليحل محله نظرة مُجرمة..

 

كيف سيتزوجها سريعًا هكذا!.. كيف فعلها!. ماذا قدم لها لتوافق بهذه السرعة على الزواج!.. ما الشيء الذي فعله "جاد الله" ولم يستطيع هو فعله!..

 

نظر أمامه وأخذ نفسًا عميقًا ثم ابتسم بهدوء وقد علم ما الذي سيفعله اليوم قبل أن يتم عقد قرآنه عليها..

 

لقد كان تفكيره شيطاني للغاية ومدمر، يرى نفسه أنه الأحق بها منه لأنه من أحبها أولًا ومن تقدم إليها ولا يحق لها الرفض لأنه لا يوجد مثله أبدًا وقبل أن يتزوجها "جاد" سيفعل هو ما أتى بخلده وسيخبر الجميع أنه "مسعد الشباط" الذي لا يقدره أحد..

 

يُتبع..