الفصل الثاني - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة)
الفصل الثاني
شعرت بالتوتر
يقرع أبواب قلبها من تلك الكلمات الغريبة التي أزادت الموقف غرابة ولم تكن تعلم بعد
أن قلبها لن يطمئن ولن يهدأ لبعض الوقت من التوتر والارتباك المتكررين لتتعجب
بعفوية:
- ما الذي تقصده
بأنك ستفعل ما يحلو لك؟
سبحت عيناه
بتلك النظرة التي يبدو أنها ستؤرقها لكثير من الوقت بأعماقها وكأنه ينظر بداخلها وليس
مجرد نظرة يتبادلانها فيما بينهما لتجده يتحدث بتحكم لاذع:
- ستدركين لاحقًا...
والآن ستعودين لمنزلكِ...
أغضبها كيف
بدا متحكما للغاية بل وافتقر لأي ابتسامة حقيقية تدل على فرحه بقرارها وقبولها الزواج
منه... في النهاية هو من طلب ذلك وعليه أن يكون سعيدًا ولكن يبدو أن هذا الرجل
يتصرف بجنون محض وغرابة شديدة تجعل كل ما يتفوه به بعيدًا للغاية عن المنطق فسألته
حانقة:
- وماذا إذا لم
أرد العودة الآن؟ ما الذي سيحدث عندها؟؟
نظر بعينيها
اللتين جهلتا ما ترياه في عينيه بينما تشدق بمزيد من التحكم المصاحب لجموده
الدائم:
- فلتنتبهي أنكِ
ستسببين لنفسك الكثير من الآلام كلما ناقشتني في شيء أو بدر منك تصرف غير لائق من وجهة
نظري! تحلي بالعقل واستمعي إلى ما أقول ولن أكرر ما قلت الآن مرة أخرى...
ظل عقلها رغمًا
عنها يكرر ما سمعت لتوها فراحت في حالة شرود تام وهي تشعر أن هذا الوغد إما غبيا وإما
مجنونا وليس هناك كلمة ثالثة لوصفه وإما هناك أمرًا خَفِيًّا يريد أن يتزوجها
لأجله وهي لا تعلم عن هذا الأمر شيء آلام ماذا؟ هل هو وغد مختل؟ أخذت تتساءل ثم فاقت
فجأة من صدمتها على صوته القائل:
- ألن تعطيني
يدك... حسناً...
لم تدرِ متى
تحدث وماذا قال ومنذ متى ينتظرها فوق حصانه وها هو قد توجه نحوها ثم رفعها وإياه للركوب
ولم تدرك حقاً كيف فعلها، أين كانت عندما غادرت من الداخل لتصبح بالخارج، لا يهم، هي
فقط غائبة في تلك الكلمات السخيفة التي نطق بها لتستجمع شجاعتها ثم قالت بهدوء نتيجة
لتفكير استغرق دقيقتين:
- لا أريد العودة إلى المنزل الآن...
ما قالته ليس
لأنها تريد أن تقضي وقتًا خارج المنزل ولا لأن هناك ما يشغلها ويستلزم عدم عودتها لمنزلها
ولكن لم يكن سوى عناد منها وفضول جم فقط لترى ماذا هناك ولماذا يبدو متسلطاً
هكذا... فهي تكره مثل ذلك النوع من الرجال ولن يكون في وسعها التعامل معه لاحقًا!
عقب بهدوء
هو الآخر دون أن يغضب خافيًا ذلك البركان بداخله الذي ثارت حممه التي تغلي منذ أن دخلت
لمكتبه بتلك الطريقة ثم إلقائها للأوراق في وجهه والآن تخالف أوامره:
- فلتجربي
وتفعليها وأعدك ستندمين...
لم يكتفِ بذلك
فحسب بل تحدث بداخله دون إرادة منه في البوح بالمزيد على مسامعها الآن:
- فلتكثري من
أخطائك حتى يكون عقابك وبالاً عليكِ!!
همهمت في تفهم
وهي تستمع لما يقوله، وانتظرت وهي تنزل من على حصانه بمفردها دون مساعدته ثم قالت قبل
أن تتركه وتدخل السيارة التي تنتظرها مباشرة:
- لا اهتم ولا
أكترث!!
أوصدت الباب
قائلة للسائق أن يتوجه لأحد المقاهي ليرفض مبرراً أنه ليست لديه الأوامر بذلك لتجد عنادها يتصاعد بداخلها وقررت أن تعود لمنزلها
ومن ثم تذهب لإحدى المقاهي لتتناول قهوة فهي احتاجت لواحدة أخرى بعد ما سمعته منه وغرقت
في تفكير عميق...
أخذت تفكر
بينها وبين نفسها، كيف سأتعامل مع شخصية مثل تلك، هدوءه مزعج وتحكماته لاذعة بشكل غريب،
وماذا قصد بأنه سيفعل معي ما يحلو له وأنني سأندم؟ ما كل هذا الهراء؟
تعجبت ثنايا
عقلها لما واجهته منذ قليل، لوهلة سخرت من حقيقة الأمر، ما الذي ستخبره لأبنائهما يومًا
ما؟ أنها ذهبت من أجل أن يترافع لها في قضية فأجبرها على الزواج؟
أخذت تنظر
للأمام قليلاً كونه شخصا عمليا ولا تحيط به فضائح أو أخبار تافهة كما أنه إنسان ناجح
بعمله ويبدو أنه طموح ومنظم للغاية فكل هذه صفات تمنت أن تجدها في الرجل الذي
أرادت أن تكمل حياتها معه... قد تحبك كل هذه المعطيات لتُكَون قصة منها عندما يتم سؤالها
من أبنائهما يومًا ما كيف التقيا!
ذهب عقلها ليُفكر بأسرتها، فوالدتها
أمام الزواج من شخص مثله ستكون سعيدة... حسن... هي تريد رؤيتها متزوجة بأي طريقة كانت،
وعلى الرغم من كل ما يمتلكونه ولتغير الحياة تمامًا عما كانت عليه منذ خمسين عامًا
لا تزال والدتها تحمل تلك النظرة، الفتاة لا بد من أن تنتهي متزوجة وتملك أطفالًا
لها...
هي تتأكد أن والدتها ممتنة كثيرًا لكل
ما تفعله منذ موت والدها ولكن ستظل تُفكر بتلك الطريقة مهما تقدمت الحياة وتبلور
فكر الفتيات وتقلدن مناصب كثيرة سترى في النهاية أن الزواج هو النهاية السعيدة
المحتومة المفترضة لأي فتاة جيدة...
أمّا عن أخيها فهو لا يزال صغيرًا من
وجهة نظرها، أمامه الكثير حتى تستطيع الاعتماد عليه كي يُصبح رجل أعمال على دراية تامة
بمجال البرمجة كذلك، سيأخذ منه سنوات عديدة كي يستطيع فعلها...
بالطبع لن تتناسى مرض والدتها منذ رحيل
والدها... لن تستطيع أن تترك أَيًّا منهما وتبتعد عنهما، تساءلت لماذا لا يتزوجان
بمنزلها ويقيم هو معهم حتى لا تبتعد عنهما ويكفي ما تواجهه من أعمال كل يوم، تسلطه
هذا ستقف أمامه وقررت أنها يجب عليها أن تتحدث معه بهذا الشأن...
شردت في كل التفاصيل التي طالعتها
فحياته تتسم بالغموض والغرابة وتذكرت للحظة كمْ كان جذابًا عندما بدأت لحيته تنمو لتبتسم
قليلًا لإدراكها أنها تجده يملك جاذبية شديدة على الرغم من شخصه المتعجرف الذي هو عليه،
لن تُنكر أنهه اعتراها بعض الخجل الطفيف الذي ولأول مرة تشعر به تجاه أي رجل آخر...
حسن... سيكون زوجها على كل حال... عليها على الأقل تقييم ملامحه ومظهره بينها وبين
نفسها!
أمسكت بهاتفها ثم بعثت له برسالة على
نفس الرقم الذي راسلها منه سابقًا فحواها أنهما يجب عليهما الحديث في أقرب فرصة عن
بعض التفاصيل وطلبت منه أن يخبرها متى سيكون متاحًا للمناقشة!
أغلقت شاشة الهاتف ووضعته في حقيبة
يدها ثم تابعت ارتشاف قهوتها في هدوء وأكملت التفكير كيف ستكون حياتها القادمة مع ذلك
الغريب!
لم تكمل خمس دقائق لتراه واقفًا أمامها
ولأول مرة تبدو عليه مشاعر. رأت الغضب بعينيه جليا بمنتهى الوضوح لتتعجب بدهشة ولكنه
أملى عليها بمنتهى التسلط:
- هيا سنغادر الآن...
تعالى اندهاشها فهي للتو ودعته منذ
قليل ونظرت له بابتسامة متعجبة وتساءلت بعفوية:
- أردت أن أجلس بمفردي قليلاً... ماذا في ذلك؟؟
أكملت تناول قهوتها في هدوء وكأنه
ليس بموجود أمامها لتضيف بسأم حانقة:
- كما
أنك أزعجتني بقطعك خلوتي هكذا.. فلتخبرني بالمرات القادمة عندما تأتي لملاقاتي!
تفقدها لجزء من الثانية ليعقب
قائلًا:
- حسنًا..
اقترب منها وسرعان ما وجدته يجذب
يدها ويجبرها على مسك حقيبتها وتوجه خارجًا وقبضته قد اشتدت على يدها وكأنه لن يتركها
أبدًا لتصيح به متسائلة:
- ما
الذي تفعله؟ لم أدفع شيئا وكيف لك أن تتصرف معي هكذا؟
انتظرت أن يُجيبها وهي تهرول رغمًا
عنها خلفه كي تتبعه وتستطيع مواكبة خطواته لتجده يجلسها رغمًا عنها بإحدى السيارات ودلف بجانبها وأنطلق
مسرعًا دون النظر إليها ودون أن يجيب أسئلتها..
زفرت محاولة أن تستلهم بعض الهدوء
المطلوب لكلماتها التي ستتحدث بها وبداخلها غضاضة من تسلطه اللاذع وتصرفاته التي كلما بدرت
منه جعلتها ترتاب بمستقبلهما معًا:
- أنظر،
يبدو أنك متحكماً وأنا لا أتجاوب مع مثل هذه التحكمات والتصرفات ولم يخلق بعد من
يملي علي ما أفعل ومتى أفعله، فلتتقبل هذا ولتتقبل طريقتي التي لا أتنازل عن
التعامل بغيرها!
ظنت أنها توضح بعض النقاط الهامة
التي ستبنى عليها حياتهما القادمة معًا ولكنها لم تعلم ما البركان الذي قد أججته
بداخله لتوها وفجأة سمعت زئير مكابح السيارة التي توقفت وقد ألتفت إليها بعصبية
بالغة وصاح بها بطريقة غريبة لم يحدثها بها شخص من قبل:
- أنا لن تخالف تعليماتي أبداً، وستنفذين ما أقول، فلتعي ذلك جيداً وإلا
ستندمين
امتلأت بالاستهجان التام بعد سماعها
لتلك الكلمات منه لتندفع بمعارضة قاطعة، عليها أن توضح له بمنتهى القوة أنها لن تتقبل
هذا أبدًا فقالت باستنكار ونبرة مستفهمة:
- ولما لا نتفق، لماذا كل ما تقوله تعليمات
وستندمين وستنفذين؟ أنا لست أحد أملاكك بل سأكون شريكة حياتك، تلك الطريقة الفظة وتسلطك
هذا لن ينفع في التعامل معي أبدًا...
تفقدها شاعرًا بغضب أخفاه خلف جموده
بينما هسهس متشدقًا بتحذير:
- لا تحاولي استنفاد صبري وإلا ستكون العواقب
وخيمة!
استمع لضحكتها الساخرة المليئة
بالاستهزاء والكبرياء وكان أكثر من ردٍّ كافٍ عليه ولكنها لم تكتفِ بذلك بعد لتهمس
وسط ضحكاتها التي قاربت أن تُدمع عينيها:
- لقد أضحكتني حَقًّا...
استطاعت أن تغضبه أكثر دون إدراكها
لهذا ولكنها تحاملت على ضحكاتها لتقول بجدية:
- استمع
سيد عمر، أنا لا أتلقى أوامرا
من أحد ولا أخضع لحديث أحد، كما أنني لن أتزوج من يتحكم بي... وبالمناسبة رسالتي
لك كانت بخصوص أن نتزوج بمنزلي وتقيم معي لأنني لن أترك أمي وأخي... فلتفكر ملياً
وإذا كنت لا تريد هذا الزواج فلتخبرني في أقرب وقت ممكن أرجوك!
تحامل على غضبه ألا يتفلت منه وتحدث
بمنتهى الجفاء بصيغته الآمرة التي لا يتخلى عنها مقررًا بداخله ألا يخسر هذا النزاع
الكلامي، كونه محاميا بارعا وكونه رجلا ساديا لن يقبل بأن يستمع لامرأته التي
تزوجها على الورق قبيل قليل بأن تسود هي هذا الجدال:
أولاً لقد وقعتي عقد زواجنا وانتهى هذا الموضوع فأنت الآن زوجتي شئت أم
أبيت، ثانياً أنا لا أتزوج بمنزل امرأة، ثالثاً أعدك أنك ستخضعين بإرادتك وستعشقين
هذا التحكم، رابعاً لقد غفرت لك عصيانك أوامري اليوم على أساس أنك لا تعلمينني جيداً
ولكن من الآن فصاعداً سأعد كل ما تخطئين به وكل خطأ سيكون له عقابه الخاص... أرى أنكِ
ذكية فليتك تستمعين لما أقول وإلا لن يعجبك ما سيحدث...
تحدثه بتلك الطريقة دفعتها لهز رأسها في إنكار واستهزاء ولم ترغب أن تجيب
عن كل كلمة من كلماته وتعقب عليها فلقد منعها كبرياءها أن تستمر في مثل هذا
الحديث لتسمعه يتمتم بقليل من الرضاء:
- جيد أنكِ لم تتحدثي بمزيد من التراهات ووافقتِ!
ظلت محافظة على هدوئها وهو يستمر في القيادة لمنزلها وحتى وصلا لم
تغادر الابتسامة شفتيه بينما هي تحاول السيطرة على كم ذلك الاستفزاز والانزعاج الذي نجح وتمكن
في إحداثه بداخلها وبمجرد توقف السيارة لم ترضخ لذلك الحديث بينما قالت باندفاع:
- لم أوافق، وتمنعي عن الحديث لأن ما
تفوهت به ضرب من ضروب الجنون، ولم أظن بحياتي أكملها أنني سأتحدث لأحد بهذه الطريقة
ولكن تباً لك ولأوامرك ولجميع ما قلت... ولتذهب للجحيم!
زفرت بعد أن أنهت صياحها به بكل ما لديها من عزة نفس وكبرياء ثم صفعت باب
السيارة بقوة وتركته مسرعة دون أن يتحدث بتراهات كما رأت من وجهة نظرها ولم تكترث بأن
تنظر خلفها ولو لثانية واحدة لتفقد ردة فعله على كلماتها.
❈-❈-❈
مر شهر كلمح البصر، على الرغم من أنه سيكون زوجها أو بالفعل زوجها ولكن
هي أقل من رآه في تلك الأيام، بدأ في تحضيرات الزفاف من على بُعدٍ تام في طيات التزام
الصمت... لن تُنكر أنه كان كريماً للغاية مما جعلها تتعجب من تلك الشخصية التي
ستتعامل معها... هل هو رجل كريم أم رجل متسلط متحكم بآرائه وبما يُريده؟!
ابتاع لها منزلاً بالقرب من أكبر شركاتها وجعلها تختار كل أنملة به ولكن
دون أن يراها، نفذ لها رغبتها بتواجد أخيها وأمها بنفس المنزل، والذي أجج حيرتها هو
مصادقته لأخيها "فارس" الذي لم تتوقع أن يتحدث عنه بمثل تلك الطريقة وكأنه
يعرفه منذ أمد بعيد، كان لائقاً بالاحترام والتهذيب المبالغ بهما وحتى والدتها ظنت
أنه الوحيد الذي خُلق من أجل ابنتها وقد كسب ثقتها واحترامها حتى ظنت "روان"
نفسها أنه ابنها وليست هي.
اقترب موعد العُرس الذي كان في أحد أكبر الفنادق بالدولة ولكن في نفس الحين
كلما أقترب الموعد المحتوم كان خوفها يزداد وينتابها حالات من التوتر والأرق الشديد
من كثرة التفكير، لم تعرف معنى للفشل يومًا... وكل ما لا تريده هو فشل زواجها
الغريب الذي لا تعلم كيف وافقت عليه!
لم يمر شهر في حياتها بمثل هذه السرعة التي مر بها هذا الشهر بكل ما به من تفاصيل! كل شيء حرفيًا مر كلمح البصر، كطرفة عين
كما يقولون هم لم يكذبوا التعبير، ليس فقط الترتيبات للزواج وتعلق عائلتها به بل كذلك
حب وتقبل أسرته لها كان سريعًا للغاية وكأنهم وجدوا بها ملاذهم الأخير... وما أدهشها
حَقًّا هو أن جميع أفراد أُسرته كانوا مختلفين عنه تمامًا... لا تجد سببًا مَنْطِقِيًّا
لجموده وغموضه بينما أفراد أُسرته كانوا أفضل ما يكون...
والدته سيدة رائعة وحنونة ولاقت قرار "عمر" بالاستقرار أخيرًا
بزواجه من امرأة بسعادة غامرة ليست لها مثيل... أخذت تعد معهما للزفاف بكل تفاصيله
بطاقة وحيوية طائلة، وأمّا والده السيد "يزيد" الذي كان يطنب بحديثه اللطيف
وملامحه البشوشة جعلها تقع في عشقه، لم يكن بنفس الجدية والصرامة التي كان ابنه عليها
إطلاقًا...
حتى أخته "عنود" مدللة بطريقة ظريفة بما أنها أصغر أفراد العائلة
فهي تبلغ من العمر تسع عشرة سنة وعفوية طوال الوقت، بينما كان "عُدي" وهو
الأخ الأوسط مرحاً بطريقة لم تجدها بشابٍّ من قبل، بل ولديه عمل خاص في مجال
البرمجيات مما جعله أكثر من يتحدث معها وفتح سبيل لأن يكونا متقاربين واستمتعت
بالاستماع لأفكاره وتواعدا بأن يكون بينهما تعاون يومًا ما.
عندما فكرت في كل ذلك وبصحبة ما تعرفه عن نصائح للزواج والارتباطات بوجه
عام، رجل لا يشوب سُمعته شائبة، ناجح، جذاب، طموح، يُعامل الجميع بحسن أخلاق، أُسرته
تكاد تكون مثالية، كريم، يمتلئ بصفات كثيرة جيدة... ربما شخصيته غريبة قليلًا ولكن
بالنظر لكل صفاته الأخرى ومع الأخذ في الاعتبار الصورة النهائية لذلك الزواج قد ينتج
عنه في النهاية زواجًا غاية في النجاح...
لطالما كانت ذكية، تتحدى من يقف في طريقها، ألن تستطيع مثلًا أن تفهم رجلا
بكل ما هو عليه؟ ستنجح معه بالتأكيد، ربما كان لديها تلك الرغبة بالوقوع في العشق قبل
الزواج ولكن قد تختلف البدايات وتبقى النهاية السعيدة واحدة... سيكونان بأفضل حال
بالتأكيد!
على صعيد آخر، لم يرق "عمر" اقتراب أخيه من "روان"،
هو يعلم جيدًا كم هو زير نساء مخضرم وعلاقاته متعددة بالفتيات وخاصة ردة فعله كانت
مريبة عندما عرف بزواج أخيه من "روان صادق" التي كانت مطمعا للكثير بحُسنها
ونجاحها كسيدة أعمال في عمرٍ صغير، فليس هناك من لم يبد رأيه بكم هي جذابة وفاتنة وقد
أغرقه أخوه حديثًا عن هذا وكم هو محظوظ بمثل تلك المرأة وكان كل كلمة يتفوه بها تُعد
بمثابة إشعال النيران بيمٍ من الوقود.
مرت الأيام أكثر سرعة، حتى وصلا كلاهما إلى الموعد المحتوم، كان زفافهما
راقياً للغاية، به عدد قليل من المقربين وحفنة من زملائها مما كانت على
علاقة سطحية بهم أثناء دراستها بالجامعة،
فتواجدها واهتمامها بالعمل لم يترك لها الوقت للتقرب من المزيد..
حاولت الصحافة ووسائل الإعلام أن تحصل على بعض اللقطات أو
الأخبار ولكن كان هناك حرس هائلًا من رجال الأمن وتكتم شديد على حفل الزواج بناء
على رغبة "عمر" التي لم تفهمها، وتساءلت بينها وبين نفسها لماذا بالغ في
كل تلك الإعدادات؟
آلمها ودون الإفصاح عما تشعر به أنهما عندما رقصا سَوِيًّا
لم يبادلها الكلمات، كانت نظرته الثاقبة كلما قابلت عينيها وترتها وأخافتها فلم تستطع
إلا النظر بعيدًا أو لأسفل لتهرب من تلك النظرة المتفحصة الثاقبة التي تشعر وكأنها
تُربكها وتخبطها دَاخِلِيًّا، واكتفت بالتظاهر أنها سعيدة وحاولت الحفاظ على ابتسامتها
قدر الإمكان طوال الليلة...
تفقدته بين الحين والآخر بملامحه التي حَقًّا تُفزعها، أحيانًا
يبدو بمظهر جاف عندما ينمو شعره ولحيته وكأنه رجل غير مكترث بالحياة بأكملها ومظهره
وقتها يبدو وكأنه أحد الرجال الذين لا ينتمون إلى تلك الطبقة المُخملية ليفاجئها بعدها
بمظهر آخر تمامًا لرجل أنيق يتحلى بأخلاق وحُسن تعامل ولباقة شديدة غاية في
المُبالغة تلائم ملامحه الهادئة وذقنه الحليقة وشعره المُهذب بعناية فائقة وكأنه أحد
المتحدثين الرسمين أو ربما عارض أزياء... لقد مزقها بين تغير مظهره مائة وثمانون
درجة حتى باتت تُفكر أنها لا تعلم من هو حَقًّا...
حاولت أن تقنع نفسها كم هو جيد بكل صفاته المُهذبة التي
استمعت بسببها للكثير من المديح من والدتها وأخيها، فكرت بالجزء الجيد من الأمر بأنه
أعاد لها شركاتها وألقى بمراد الزهيري نفسه في السجن لتلاعبه بل وجعله يعتذر لها
شَخْصِيًّا مما أرضى كبرياءها وغرورها وتركته دون اكتراث ليُلاقي حتفه كمزور
وكاذب!
أهدى لها طقمًا رائعًا من الألماس الخالص العريق الذي انتفضت
مشاعرها كفتاة بمجرد رؤيته، نفذ جميع وعوده لها بأن الأمر سيتم كما تريد هي، ولن تنكر
أن اقترابه من أمها وأخيها أكسبه جزءًا بين ثنايا قلبها ولكن ما آثار حنقها هو جفاؤه
معها حتى الآن ولكنها أقنعت نفسها بأن هذا سيزول بعد الزواج.
توجها ليقضيا شهرًا معًا كبقية المتزوجين حديثًا كشهر عسل
كما يطلقون عليه، ولكن دهشتها بدأت تزداد يوماً بعد يوم. فكل ما فعله بدايةً من
الانتهاء من حفل الزواج إلى أن أقاما بهذا المنزل الخاص الذي يطل على البحر مباشرة
كان أكثر مما فكرت به يومًا... يبدو وأنها تتعامل مع شخص غريب للغاية، هذا إن كان
هناك تعامل بينهما بالأساس!!
تفقدته وهو جالس في صمته الذي لا يبارحه، غموضه الغريب وقلة
كلماته التي بالكاد تستطيع إحصاءها منذ أن غادرا على متن طياريه الخاصة وصولًا إلى
اليوم مما جعلها تُعيد التفكير مَلِيًّا للمرة المائة في كل ما حدث منذ أن أصبحا
بمفرديهما...
لقد مرت عشرة أيام كاملة منذ أن أصبحا مقيمين بهذا المنزل،
بعد حفل الزواج، بعد كل التحضيرات، كرمه معها ولباقته مع أُسرتها الصغيرة ثم لا شيء...
لا شيء... جمود وصمت ثم لا شيء!
في البداية وبمجرد دخولهما لهذا المنزل اعتراها الخجل القليل
كمثل أي فتاة لم يسبق لها أن مكثت مع رجل لم يسبق لها البقاء معه في منزلٍ واحدٍ معزول،
تذكرت كيف تصرف أول ليلة معها، ما إن دلفا إلى إحدى المنازل الخاصة التي تطل على الشاطئ
الساحر بهاواي تركها ثم توجه للغرفة فتبعته بتريث ظَنًّا منها أن هذه الغرفة ستكون
لهما...
انتظرته بعد أن مكث بالحمام لبضع دقائق فأخذت تبدل ثيابها
بثياب أنثوية مثل التي ترتديها الفتيات بأول أيام الزواج ولكن خجلها وعدم اعتيادها
على الأمر أجبرها أن ترتدي الرداء الملائم للملابس فوقها بينما رأته بعدها يخرج من
الحمام مرتدياً ملابس نوم مريحة ويجفف شعره المبتل دون حتى أن ينظر لها ولو نظرة
واحدة.
تعجب يومها من طريقته الغريبة وكأن هناك أمر ما يحدث معه
ولكن ما أقلقها حَقًّا هو المبالغة في صمته، سكونه وهدوؤه الغريبين، وكأنها بالفعل
هنا وحدها تمامًا... كل ما يفعله هو القراءة، بالكاد حتى تراه يتناول الطعام... وكأنه
غير موجود بهذه الحياة معها!
ظنت أنه ربما هذه الأيام الأولى لذلك لم يألف وجودها بعد،
انتظرت ثلاثة أيام وبعدها حاولت التحدث إليه بعد أن تزينت وارتدت أمامه بعض الملابس
التي تظهر مفاتنها دون مبالغة مع المحافظة على أناقتها المعهودة ولكن لم تحصل منه
على أي ردة فعل تُذكر، فكان الحديث ممتلئا بالاقتضاب ودفعها ذلك للتراجع.
لم تجد حَلًّا سوى أن تقابل جفاءه الذي
استمر بعدم اكتراث، لا تراه إلا يمارس الرياضة أو يقرأ مزيدًا من الكتب ويُرتب كل
شيء ويُنظمه بطريقة غريبة مبالغ بها... ولقد أثارت أفعاله حنقها لتقرر هي أن
تستمتع بالأيام الباقية فهي لن تضيع مثل هذه الأيام في أن تلهث خلفه، هي ليست
بمعتادة على مثل هذا الأمر، أن تسترضي رجُلًا هو من بادر بشأن هذا الزواج بأكمله
لم يكن حَلًّا بالنسبة لها.
ارتدت فستاناً قصيراً يبرز مفاتنها
ولا تزال مُحافظة على أناقتها فهي لطالما استطاعت أن توازن بين أن تكون فاتنة وبنفس
الوقت غير مبتذلة ثم قررت أن تتوجه كي تقضي وقتاً بأحد الملاهي الليلة هنا التي بالطبع
ستختلف عن ثقافة بلدها كثيرًا ليكون الأمر على سبيل التجربة لتستمتع قليلاً بتجربة
شيء جديد يكسر مللها بدلًا من المكوث بجانب هذا الجبل الذي لا يُحرك ساكنًا ولن تترك
إجازتها التي لا تعلم متى ستستطيع الحصول على مثلها لتذهب هباءً.
مشت بخطواتها الرشيقة متوجهة حيث
يتواجد هو وفكرت أن تخبره أنها ذاهبة للخارج من باب الإعلام وليس أخذ الإذن عله يشعر
بأنه يشابه الصخر الصلد الذي لا يفعل سوى الثبات فأخبرته بصوت مسموع:
- سأذهب للخارج كي اقضي بعض الوقت وسأعود
الليلة
تركته بعد انتهائها من التحدث وأكملت
طريقها نحو الخارج ولكنها وجدت من يجذبها من يدها موقفًا إياها بقوة ومرغمًا إياها
على الالتفات وهو يسألها:
- أين
تظنين أنك ذاهبة؟
تفقدته مَلِيًّا بملامحه الجامدة التي
تغيرت كثيرًا عن السابق... فلقد أصبحت لحيته كثيفة وحتى شعر رأسه اجتذب
طولا وكلاهما حالكان للغاية بينما لم تتبدل تلك النظرة الثاقبة بعينيه ولكنها لن تكترث
الآن لاهتمامه المُفاجئ المستهزئ فصيغة استفساره لم ترقها أبدًا فما كان منها إلا أن
أجابته سائلة باستهجان:
- إلى أين
تظن يا تُرى؟
ازداد جمود وجهه ولكنها لمحت طيفًا
يكاد يكون منعدمًا من الغضب بعينيه الداكنتين ليقول ببرود:
- قلتُ لكِ سابقًا لا تجيبي سؤالي بسؤال
آخر... وأنا لا أكرر ما أقول...
قلبت عينيها ولم تكترث لتلك التعليمات
التي لطالما يتلفظ بها بتسلط شديد ولم يُكفها الغضب الطفيف هي تريد المزيد، تريد أن
يتعامل معها كبقية البشر الطبيعيين، فسكوته لعشرة أيام قد أفقدها عقلها مما جعلها تعقب
على كلماته بكامل كبريائها وإشارات كثيرة بأنها لا تقبل طريقته في التعامل وفي إصدار
الأوامر التي لا تنتهي فتأففت منه مُطلقة زفرة بامتعاض:
- حسناً... سأذهب لأستمتع بوقتي فقد سئمت المكوث مع صخرة مثلك
انتظرت عله يُحرك ساكنًا وادعت ملامح
السأم المبالغ به لعله يغادر فقاعة صمته المنيعة ويتحدث بأي شيء لتجده يُخبرها
بجفاء:
- سنذهب سوياً
أطلقت زفرة مُسْتَنْكِرَة في تعجب من
تلك الطريقة التي يتلفظ بها كلماته مما جعلها تزم شفتاها وتعقد ذراعيها اعتراضا
لتجده يُضيف:
- لا
تغادري حتى
أغير ثيابي
تريثت لدقيقتين تُفكر في تلك المواجهة
التي لم تتعد ثوانٍ، كلماته المقتضبة تثير جنونها، ما الذي حدث من رجل فجأة يجد
امرأة مناسبة مثل ما أخبرها وطلب منها الزواج ليُصبح منذ الوهلة الأولى لبقائهما
مُفردًا بمثل هذا البرود الغامض الفج الذي، ذلك الوغد اللعين لا تعلم حتى ما
الكلمات المناسبة لوصفه!
اتجهت نحو الغرفة
كي تتبعه وبداخلها شعورًا غريبًا لا تستطيع النطق به ولا صوغه، ولكنها تشعر بالانزعاج
وعدم القبول، نعم هذا تمامًا ما تشعر به، هي غير موافقة على كل ما يفعله وينطق به
ذلك الوغد الذي تزوجته لتتوقف متفقدة إياه باستغراب...
لأول مرة عن
قرب عار الصدر دون ملابس تستر جسده، رغماً عنها تأملته دون إدراك منها، كيف بدت عضلاته
تلك مثيرة للغاية، وجسده الرياضي الرشيق فاتن كثيرًا... ما الذي يمنع رجل مثله من الاقتراب
منها؟
ولماذا ليس
لها أن تتلمسه وتستمتع بكل جسده وهو زوجها، وهي امرأة فاتنة لا ينقصها من الأنوثة شيئًا،
رفضت الكثير من الرجال ووافقت على هذا الزواج لتعامل هكذا وكأنها بها عيبا ما؟ أسيُكتب
لهذا الزواج الفشل لأنه بكلماته الكريهة وتصرفاته الغريبة لا يريد الاقتراب منها أو
لمسها كما يفعل أي رجل وزوجته؟!
التهمت شفتها
السفلى وعضت عليها ببطء شاردة بتفكيرها بينما لاحظ هو تلك النظرة العطشة بعينيها وشرودها
الذي وضح له أنها تُفكر بشيء ما فلم يكترث لها وأكمل ما يفعله وعندما ارتدى أحد القمصان
القطنية فاقت من شرودها عند ملاحظة اختلاف مظهره لتنظف حلقها بعد سكوتها ثم قالت باستياء
ولهجة مُصدرة للأوامر كلهجته في ندية شديدة:
- أنظر، أنت لا
تبدو كالرجل الذي سأستمتع معه بوقتي، فلتمكث أنت وسأذهب أنا، لا أريدك أن تأتي
معي!
توجهت للخارج
لتشعر بجذبه قوية لخصرها وتلك أول مرة يتلمس جسدها شيئاً سوى يدها فلم يكن منها إلا
أن أراحت يديها على صدره المشدود بعناية فائقة أثر جذبته إليها في تفاد عفوي للسقوط
كي تستطيع الاعتدال بوقفتها لتجده يحدقها بتفحص لملامحها بدقة وكأنه أول مرة يراها
بينما هدر صوته:
- أنا من أقرر
ولست أنتِ
ازداد انزعاجها
الذي اختلط بتعالي أنفاسها المتوترة لقربهما هكذا فهي لأول مرة تختبر الاقتراب من رجل
للغاية، بينما هو علم أنه بدأ فيما يخطط له وسيصل له عما قريب ليتكلم من جديد بنبرة
آمرة:
- هيا
تبعته حانقة
وبداخلها تُفكر ما هذه الدونية المبالغ بها والتعجرف الشديد، ما الذي يقصده بأنه من
يُقرر، وأنا لا أكرر كلماتي وكل ذلك الهراء الذي لا طائل منه!!
زفرت متحاملة
على انزعاجها وقررت أنها ستغضبه حد اللعنة الليلة انتقاماً منها على تلك الأيام الماضية
وعلى إغضابه لها هي الأخرى.
اتجها بالطريق
في صمت دون تبادل كلمات أو حتى عدة نظرات وكل منهما يريد الوصول لهدفه، فهي لن تفشل
مع هذا الرجل، "روان صادق" بعد انتظارها كل تلك السنوات وبعد ذلك الزواج
الضخم لن تكون نهاية أول زواج طلاقا وانفصالا بسبب غموضه... ستغضبه إذن ولترى ما
بجعبته، فعلى كلٍّ الشخص يبوح بالكثير عند غضبه!!
أما عنه فهو
يعلم ما يفعله تمامًا بخطواته المدروسة، كما أن بداخله يقين تام ولهفة بلغت عنان السماء
بأن يرى هذه المرأة تحديدًا تتألم منه وهو يرد لها كبريائها الزائف أضعافًا مضاعفة
من العقاب بطريقته الخاصة...
وصلا إحدى
البارات التي اختارتها وجلسا سَوِيًّا وبعد دقائق من ارتشاف مشروباتهما سمعت أغنية
قد صدحت لتغلف مسامع الجميع وبدت أغنية ممتعة راقصة فبدأ جسدها بالتمايل معها وهي
تصغي لها غير عابئة بما قد يظنه هو ولكنها سألته بعدم اكتراث:
- هل تريد أن
ترقص؟
أكملت ارتشاف
ما أمامها لتحصل منه على هزة نفي لتنهض في لمح البصر وهي تخبره بنبرة لا تدل سوى عن
رفضها وعدم إرادتها سماع المزيد ولا حتى قضاء الوقت معه:
- حسناً... سأذهب
أنا
ذهبت مسرعة
فقد سبقته قبل أن يعطيها أوامر وأحكام واستفزاز قد يقتلها الآن وهي تريد أن تستمتع
بوقتها، فلقد اكتفت من هذا الوغد غريب الأطوار بكل تصرفاته معها وغموضه المبالغ به
لن يشفع له الآن في هذه اللحظة التي قررت أن تستمتع بها!
بدأت في الرقص
ولم تكترث لما يظن بها أو رفضه من عدمه وأخذت ترقص وتتمايل على أنغام الموسيقى بجسدها
الرشيق وبدأ أحد الرجال في الاقتراب والرقص معها فهي لم تمانع حَقًّا، لو كان يشاهدها
فليفعل، على كلٍّ لم يقم بشيء واحد يجعلها تكترث بغضبه أو عدم تقبله، هو ببساطة لا
يملك رصيدًا تستند عليه كي تعطي له في المُقابل اهتمام!
ظلت مستمرة
فيما تفعله ولم يفيقها إلا من جذبها بشدة لينهاها عما تقوم به فحاول الرجل الغريب أن
يبعده عنها ويدعها وشأنها فما كان إلا أن أصابه بلكمه شديدة مُندفعة أوقعته أرضًا وجذبها
وذهب لتتبعه مهرولة خلفه وأدركت خلال قيادته للسيارة أنهما عائدين للمنزل...
تفقدته بعينيها
المُعترضتين ثم تساءلت بضيقٍ شديد:
- ما الذي فعلته أيها المجنون؟ لماذا قمت
بلكم الرجل؟
لم ينظر لها
ولو بطرف عينيه ليجيبها بجفاء ونبرة لا تعكس أي من المشاعر حتى الغضب الذي كانت تأمله
لم تحصل عليه:
- أوقفك عن العهر الذي كنت ترتكبينه!
لم تعلم شدة
صعوبة سيطرته على غضبه وغيرته عندما رأى ذلك الرجل يتقرب منها وأراد أن يتلمس جسدها،
لقد أخذته فعلتها بل وتساؤلها كل ذرة تحكم في دمائه أن يكبح ذلك الغضب الذي أفجعته
هي به وسببت اندلاعه بداخله، لو كان فقط الأمور مختلفة لكانت تعلمت جيدًا ألا
تفعلها ولو مرة واحدة أو تكرر فعلتها طوال حياتها معه...
انفرجت شفتاها
دهشةً من قوله والتفتت تتفقده بعسليتيها الرائقتين وعروقها كادت أن تنفجر من تلك الكلمات
التي لم تتقبلها بالإضافة لغموضه وتصرفاته الغريبة لتصيح متسائلة:
- عهر!! هل تُسمي
استمتاعي بوقتي عِهْرًا؟
هي حَقًّا
لم تنتظر إجابة ولا رَدًّا منه على ذلك السؤال المستهجن الهازئ ولم تعطه فرصة للتحدث
بالمزيد من تُراهاته وأزيلت حديثها مُردفة:
- لقد عرضت عليك أن ترقص معي وأنت من رفضت، أتريد
أن أحيا في كآبتك ومللك هذا وسكوتك وغموضك وتصرفاتك التي لم أرها في بشر طبيعي قط!
حسنًا... فلتعلم عمر أنك لن تستطيع أن تمنعني مما أريده!
رمقها بطرف
عينيه وقد استطاعت استفزازه بالتقليل من قدرته وما يستطيع فعله ولكن وجهه من الخارج
لم يكن سوى مُحاكاة بارعة وتجسيد مثالي لجبل جليد وعقب بمنتهى الصرامة والجفاء:
- سأمنع زوجتي عن عهـ ـرها فقط لأن هذا يخصني
وحقي، أي تصرف يبدر منك هو بمثابة وجهتي وسُمعتي أمام الجميع... أما عن رأيك ونظرتك
لما تفعلينه فأنا لا أكترث إلى كيفية تقييمك استمتاعك بوقتك بعـ ـهرٍ من عدمه وظنك
أنك تفعلين شيئًا عَفْوِيًّا، سأتصدى للأمر أول بأولٍ وما تعتقدينه لا أهتم به... لطالما
أنا لا زلت زوجك سيكون لي الحق فيما أفعله وسأمنعك عن التصرفات غير المقبولة من وجهة
نظري!
اتسعت عيناها
بشدة بعد أن أثار جنونها بحقٍّ بعد تلك الكلمات التي لم ترقها وهو يتلفظ بها وكأنه
يملكها له كإحدى قطع الأثاث في حياته يتصرف بها كما يحلو له، ولم تجد إلا غضبها الذي
صرخ به وجهها ثم واجهته بكبرياء رافعة أحد حاجبيها عندما خرجا من السيارة:
- حسنًا... لنقل
أني عاهرة وأستمتع بوقتي بعهر... أنت ليس لك في الأمر شيئًا كي تعترض على ما افعله...
على كُلٍّ أنت منذ عرضك الزواج علي ونهاية بسفرنا إلى هُنا لا تعاملني مثل زوجة لك...
لذلك أنا أيضًا لن آخذ في الاعتبار أنك زوجي كي اكترث بما تظنه وبما تقرره وبوجهات
نظرك المتخلفة، بل ولن أحاول أن أجد حَلًّا وسطا بيني وبينك لأنك من البداية لا تحاول
معي!!
ولأكون محقة
وعادلة معك، أنا منذ عرفتك لا أرى أنك تؤدي دور الرجل والزوج كي اكترث في النهاية لما
يريده ويظنه، كما أنني أرى أنك لست رجلاً وكل ما فعلته معي لا يدل سوى أنه ليس بك أي
ملامح من الرجولة ولا تحمل المسؤولية بل لم تجعل لي أي أولوية في حياتك كي تجعلني اهتم
أنا بما تريده أنت...
فلتدعني وشأني
كي أفعل ما يحلو لي بعيدًا عن ترهاتك... احتفظ بها لنفسك علها تعزز من غموضك واكتئابك
وصمتك أيها المُختل!
تحدثت له بنبرة
استفزازية ساخطة حتى تثير حنقه علها تجد سبيلًا للتعامل مع غريب الأطوار هذا الذي تزوجت
منه... كلماتها المنطوقة ربما هناك بها الكثير من الحقائق ولكنها تريد أن ترى النهاية
مع هذا الغريب بأي شكل من الأشكال، وستفعلها، فهي لم تفشل أبدًا بشيء مهما كان!
وفضولها ورغبتها في النجاح في هذا الزواج مثل نجاحها بأي أمر في حياتها حتم عليها أن تدفعه لأعلى درجات
الغضب علها تعرف ما وراء شخصيته العجيبة!
وجدته ينظر
لها نظرة أجفلت خفقات قلبها وظنت أنها ستموت خوفًا منه ولكنها لجزء من الثانية حافظت
على جدية ملامحها بينما حاولت أن تتقهقر للخلف بخطوات بطيئة وعندما وجدته يقترب منها
بتلك الملامح التي لا تدري لماذا تصيبها بذعرٍ فريد من نوعه لم تختبره قط قررت أن تلتفت
ذاهبة للداخل كي تتخلص منه!
استمعت لخطواته
خلفها وهو يتبعها مما أزاد رعبها ولا يسعها سوى التفكير في ملامحه التي تغيرت بشكل
مفزع، فأدركت أن لا مفر منه ولا من مواجهته، هي لم تكن تظن أن دفعها إياه للغضب والاستفزاز
ستزيد ملامحه رعبًا يجعلها تتوتر وترتبك بهذه الطريقة الغريبة التي لم تشعر بها قِبل
أي الرجال!
شعرت بيده
تجذبها لتوقفها مرغمًا إياها على الالتفات له لتجد بملامحه تلك الغريبة جمودًا هائلًا
لا يُبشر بالخير وهي لم تتأقلم بعد على لحيته الطويلة وشعره الغريب وكأنه أحد رجال
الكهف، هذا ليس المحامي الذي يبدو عليه الأناقة والرسمية، بل بدا رجُلًا مختلفًا تمامًا!
يُتبع..