-->

الفصل الحادي عشر - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)

  

 رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل الحادي عشر


تريث لوهلة وهو لم يمر في حياته بموقف مماثل ولكنه لا يريد أن يتنازل عن انتقامه منها... يريد أن يؤلمها، وغضبه الذي مزقه لن ينتهي منه سوى بالعنف الشديد الذي لن تتقبله هي وزجر نفسه لتلك اللحظة التي شعر لوهلة أنه سيلين بها وأجابها بجفاء وأعين التمعت بنيران غضبه الذي لا يعرف ما سببه:

- سأفعل! أو لتعتبري أن هذا ما سأفعله...

 

قبل أن تغادر صرخاتها المتمنعة لما قاله أنقض ملتــ ــهمًا شــ ــفتيها مرة أخرى بطريقة همجية قاسية ليدمج أسنانه بها ممزقًا إياها حتى تذوق طعم الدماء ولم يكترث لأي مما تشعر به...

 

ظل يقبلها بمنتهى العـ ـنف ويديه تعتـ ـصر أنحاء جــ ــسدها ولم يبال بتأثير ما يفعله عليها لاحقًا، لا يكترث لتلك الصرخات التي تحولت لأنين مكتوم يتمنى أن يفر من قبــ ــلته، فهو يدرك أنه يؤلمها بشدة بعد أن ذاق طعم الدماء المختلط بأفضل قـ ــبلة حظي بها من امرأة قط... ولكن لم يكن هذا ليردعه...

 

ابتعد عنها ليلتقط أنفاسه ثم لم يستطع أن يقاوم فبدأ بتلــ ــثيم عنقها تاركًا علامات شبــ ــقه ومنها إلي مفاتنها ليتفنن في رسم لوحة تعبر عن امتلاكه لها، لم يعد يدرك هل ما زالت تبكي أم لا؟ هل تستجيب لما يفعله أم لا؟ لقد فقد عقله وكفت بصيرته فلا يقوده إلا غرائزه الفطرية بالحصول عليها الآن وفورًا...

 

لم يكن في حسبانه أنه يتمناها هكذا، أن تكن بين يديه، أن يُقـ ـبلها ويلثـ ـمها ويشعر بها دون حائل بينهما، يريدها أن تظل أسفله دائماً وأبدًا كي يذيقها ويتبادل معها ذلك الاقتراب الذي يهيمن عليه في هذه اللحظة بمشاعر لم يعرفها سوى معها فقط...

لو كانت رأسها لينة قليلًا، لو تتخلى فقط عن كبريائها، يريد أن يريها كيف يذوب شوقًا ويحترق بداخله لأن يتلــمـ ــسها منذ أن وقعت عينيه عليها أول مرة، رغمًا عنها بدأت يداها في التراخي ولم تستطع المقاومة، وظلت تذرف الدموع في صمت حتى خارت قواها أمام ما يفعله، ليس انسجامًا ولكن غصبًا وعنوةً وقهرًا وخزيًا.

 

كلما ذاق من رحيق أنو ثتها تأججت شهــ ــوته وعزفت إثا رتها له على أوتار قدرة تحمله ليصم عن كل ما حوله ويبحث عن لحنًا واحدًا فقط، لا يريد إلا أن يملأ أذنيه بصر اخها من المتــ ــعة التي يكيلها لها ولكن اختلط عليه الأمر... فصر خاتها كانت تعبر عن استيائها وليس متعــ ــتها... عن رفضها والتقزز والاشمئزاز الذي لم يترك ذرة واحدة بدمائها إلا وقد سيطر عليها...

 

ظل ينخــ ــفض أكثر وأكثر ملثــ ــمًا كل أنملة مرت شــ ــفاهه عليها تاركًا خلفه علامات عنفه وهمجيته وفقد إدراكه بها، انخفض أكثر وأكثر حتى وصل أعلى سا قيها مجبرًا كلاهما على التبا عد رغمًا عنها فلم تتغلب على قوة دفعه لها فظلت تبكي في صمت دون أن تشعر هي بما يفعله... بهذه اللحظة لا تتمنى سوى الموت ولا تريد الشعور سوى بالخلاص، والموت هو الحل الوحيد لها، لذا تمنته بكل جزءًا من الثانية تمر عليها معه!!

 

لم تلحظ كيف اتخذت طريقته مظهر آخر، لم تفق لجـ ـسدها الذي استجاب له وسلم له مفاتيح أبوابه لتنهار قلاعها له ليفعل بها كل ما يحلو له، التأثير النفسي لطالما كان وسيكون أقوى من التأ ثير الجــ سدي وبدأت في أن تتعالى شهقاتها من ملامحه التي باتت محفورة بمُخيلتها وهو يعاملها بهمجية وقسوة، وأرتجف جسدها دون أن تلاحظ من شدة البكاء، لم تعد ترى بوضوح بسبب تلك الدموع التي غمرت عيناها...

 

تفحصها رافعًا رأسه من بين سا قيها وهو مطبق بعنف على كل سا ق محاوطًا كل واحدة بقبضة كالصخر، لن يستطيع الانتظار أكثر، وسبح في بحر من الاشتياق لإ ثارة أنــ ــثاه، أراد أن يرى تأثير ما يفعله بها، يريدها تستــ ــمـ ـتع مثله... وتنحى الآن عن عنفه وقسوته ولكن كل ما قدمه لا يشفع له عندها سوى بكراهية لمــ ــستُهُ عليها...

 

شعر بمقاومة منها بعد أن حاولت ضم سا قيها ليزفر بإحباط بينما كانت هي في عالمًا آخر من القهر واليأس، صعب عليها الأمر، هي من تمنت أن تعيش معه في سلام كأي رجل وامرأة في مقتبل حياتهما الزوجية ولكن ليس بهذا العنف، لم تدرك أنه حاول أن يلين من حدته منذ فترة، لم تعد ترى أمامها هذا الرجل إلا كوحش يريد أن يفتك بها ويعذبها ليس إلا!!

أخذت شهقاتها وبُكائها في التعالي وارتجاف جــ ــسدها يزيد حتى لاحظه هو وقد غضب بشدة فحاول أن ينظر لها من بين سا قيها وقد تمردت خصلات شعره لتقف كعائق أمامه فاعتــ ــلاها مخللًا شعره للأعلى بحنق حتى يتفحصها جيدًا فلم يرى إلا آثار بكاء ممزوجًا بألم فاق ليلة أمس... لم ير امرأة بمثل هذه الحالة أسفله في يوم، لو فقط تعرف كم كان غاضبًا ليرى منها كل هذا الرفض! بل وغاضبًا من نفسه لإفساد الأمر بهذه الطريقة...

 

لم يستطع السيطرة على أنفاسه ليصرخ بها:

- لماذا كل هذا الرفض؟

 

ارتعبت أكثر من نبرة صوته وقد فقدت القدرة على التحدث، مظهره وحده أفزعها، شعره المبعثر فوق جبينه، أنفاسه المتسارعة التي يحاول السيطرة عليها، جبينه المتناثر عليه قطرات العرق، مقلتيه الثاقبتين تجرد روحها من كل ذرة اطمئنان ظنت أنها ستحظى بها معه، مظهره هذا الذي تمنت أن تراه منذ أن تزوجته حَوَلَهُ بعنفه لخوف وفزع فكان أبشع مظهر قد تراه به حتى خُيلَ لها أنه عدوها وليس زوجها.

 

ظلت تنتحب في صمت وهي تتحاشى أن تنظر له فهي لن تستطيع أن تتحدث معه في مثل تلك الحالة، كيف لها أن تخبره بأنها تريده أن يتروى، ألا يهينها بشدة كما يفعل، أنها تخيلت في يوم من الأيام أن زوجها سيكون حنونًا وليس عُدْوَانِيًّا مثله، كيف لها أن تصرح له بالعديد والعديد ونظرته الآن تنهمر منها أنهار من الشر الممزوج بالشــ ـــهوة... ألا يملك بعض الرحمة، هي فتاة وليست امرأة سبق لها الأمر، حتى المرأة لا تستحق أن تُعامل هكذا... كيف تحول الأمر من زواج لاغتــ ـــصاب شرس؟ هي حَقًّا لا تدري!

 

همس لها أثناء إحاطته عنقها بيده:

- أنتِ مصممة إذن أن يكون الأمر هكذا...

 

ما إن سمعت سحاب بنطاله تحول نحيبها إلى هيستيرية وصاحت بذعرٍ متوسلة:

- أرجوك لا... لا تفعل بي هذا... أرجوك... أنت لن تفعل هذا، أليس كذلك؟ كنت... كنت تخيفني فقط لعصياني أمرك منذ قليل، أتوسل إليك عمر... أرجوك توقف... أنا لن... وأنت، لن يُمكنك فعل هذا بي

ظلت تصيح وتتوسل وتعالى صوتها المتوسل حتى عجزت عن الحديث بصورة مفهومة في نهاية كلامها وقد بللت دموعها يده الممسكة بعنقها وكاد أن يفعلها وألا يكترث لكلامها ولكن لا يدري ما الذي أوقفه، ربما هذا الصوت الصارخ بعقله:

- هذه زوجتك أيها المختل، ليست إحدى العا هرات أو الجاريات اللاتي امتلكتهن... هذه هي المرأة الوحيدة التي اخترتها دون جميع النساء حتى تتزوجها، من جلست بجانبها طوال الليلة الماضية حتى تتطلع ملامحها في صمت كما لم تفعل مع أي امرأة من قبل، أتريد أن تنهي كل ما وددت أن يبدأ بينكما، إن كنت تريد أن تكــ ــسـر كبرياءها، فحسنًا لك هذا، ولكن لا تريد أن تكسر قلبها وصورتك أمامها أيها الغبي!

 

ارتخت قبضته شيئًا فشيء حول عنقها وحاول تهدئة نفسه قدر المستطاع رغم تصميمه على أن يأخذها أسفله كما يحلو له فهي زوجته بالنهاية!

 

سيطر على نفسه حتى هدأت أنفاسه تمامًا ثم تفحصها مرة أخرى ليرتمي بجــ ــسده كمن يريد أن يسحقها أسفله وأهدأ أنفاسه المتثاقلة في عنقها، فهو لم يستطع أن يخرجها بمــ ــتعة كما ظن أنه سيفعل منذ قليل... لم يستطع التحدث معها، وماذا سيفعل وكل ما قد يتفوه به لن يغير ما حدث؟!

أخطأ! وتمادى! وفقد ما كان يحاول أن يبنيه وما تصوره عندما قرر الزواج منها... ظل يخبئ غضبه وعنفه عن أعين الجميع، ستر ما هو عليه وتحمل لسنوات ولكنه لم يتصور أنه سيخرج منه هكذا ومع زوجته...

 

ابتلع متألمًا ثم نظر لها نظرة ليتها رأتها جيدًا، ليتها لم تعمي بصرها بتلك الدموع لترى ما بداخله... وإن رأت ما بداخله حقاً هل ستعفو وتغفر له؟

 

ما كان يجد حَلًّا سوى أن ينهض مبتعدًا تاركًا إياها وحدها، يعلم أنه إذا اقترب الآن سيزيد آلامها...


❈-❈-❈


لا يزال متكئًا على سريره، نادمًا على ما فعل، مندهشًا من ردة فعله هو نفسه تجاهها، لم يفعلها قط مع امرأة، كلهن أردن أن يتلقين أوامره وينلن رضاءه ولم يُفكر للحظة أن يغتصب امرأة ولكنها وكل ما بها وكل ما هي عليه يتضح أنه نقيض الأخريات ليتساءل لنفسه:

- أحقاً كنت على وشك اغتــ ــصا بها؟

 

كلما فكر أكثر وأكثر ومض ذلك السؤال بتفكيره حتى يشعر بهول ما أرتكبه، لا يثق كيف سيتعامل معها بعد الآن، لا يعرف كيف يعتذر وكيف يعوض عما فعله؟ ولم يلحظ اندثار وكمون غضبه تمامًا وكأن شيئًا لم يكن...

تذكر كل ما حدث منذ قليل، لا بل ما حدث أمس، أو ما حدث من البداية ليشعر بهول ما أرتكبه، لا يثق كيف سيتعامل معها بعد الآن، لا يعرف كيف يعتذر وكيف يعوض عما فعله.

 

بأكملها كذلك ليغمغم:

- اللعنة!! لقد أفسدت كل شيء

 

ما عساه أن يقول بعد أن أستعرض أمامه تلك الفكرة التي أتت له عندما رآها أمامه، أنثى، شديدة الجاذبية، جمالها ليس كأي أنثى تقع عليها الأعين، شديدة الفتنة لتدفع الكثير من الرجال لفعل المعجزات ليحظوا بليلة معها، عمرها مناسب، سمعتها يعرفها الجميع وهي ليست بمن يطمع في عمر يزيد وأمواله وشهرته، ستليق به، ستحمل عنه عبء الأسئلة السخيفة التي كرهها من أسرته ومن يعرفه، ستكون زوجه مثالية، وستخضع مثلها مثل أي امرأة أخرى. تلك كانت فكرته وما رتب له، ولكن هيهات!

-       لم كل هذا العناد!

 

صاح بحنق ونهض يجول بالغرفة ذهابًا وإيابا مخللاً شعره الفحمي الطويل بعصبية بالغة، فشل في أن يهتدي عقله لطريقة يتعامل بها معها بعد الآن، وأين هي كل هذا الوقت، لقد أوشك الفجر على الانبثاق ولم يلمحها حتى هذه اللحظة، تأكد بترك الأبواب غير موصدة حتى تستطيع المغادرة لغرفتها ولكن أين هي حتى الآن؟!


❈-❈-❈


مَا كُلُّ مَا يَتَمَنَّى الْمَرْءُ يُدْركُهُ * تَجْري اَلرِّيَاح بمَا لَا تَشْتَهي اَلسُّفُن

ظل يدوي هذا البيت في عقلها كلما تذكرت حياتها أمامها، نعم، لقد درسته بالمرحلة الثانوية على ما تتذكر... الدراسة التي برعت بها... وكانت ذكية بها للغاية ومن ثم العمل ومن ثم لا شيء!!

 

لم كل هذا؟! لماذا هي بالأخص؟! موت والدها وتحملها المسؤولية، مرض والدتها، مسؤولية أخيها الصغير، أعرضت عن ملذات الحياة مثل أي فتاة في عمرها واهتمت بكل تلك المسؤوليات، تفترسها أعين الرجال كلما تعاملت مع أحدهم، واجهت وتحملت كل شيء، ويوم أن قررت أن تخوض التجربة كأي فتاة توشك أن تتعرض للاغتــ ــصاب!! ومِن مَن؟ من الرجل الذي تزوجته!

 

فكرت بصوتٍ عالٍ مغمغة بقهر:

-       كل ما حدث خطئي! أعترف بهذا، لن أنكر أنني تركته ليفعل ما يحلو له، تركته يتحكم بي منذ البداية وكل ما أردت أن أسعده ظَنًّا مني بأنه سيسعدني هو الآخر، تمنيت أن نقع في الحب وفكرت ربما بعد الزواج سيحدث هذا، تقبلت كل شيء به كما هو، ولكن لمجرد رفضي أن أُعامل بطريقة مُعينة تلقيت منه كل هذا العذاب!! لم يخطر ببالي يوماً ما أنه يوجد إنسان على وجه الأرض مثله!!

لن أتنازل أمام ميوله وعذابه، فليفعل ما يشاء ولن أكترث، ولو حتى قام بعذابي في اليوم مائة مرة، هو لا يعرفني بعد، لقد واجهت العديد من الرجال، لن أتركه ليتحكم بي بعد اليوم، إما يطلقني وإما الحرب!! لن أتنازل بعد الآن!...

هكذا قررت بعد أن جففت دموعها ثم نهضت واستجمعت كل ما تملك من كبرياء وجأش، وأبعدت تلك الخصلات التي تدلت على وجهها في لحظة ضعف، خرجت تاركة تلك الغرفة حاملة معها أبغض اللحظات التي ستلازمها طوال حياتها للأبد، حفرت بداخل عقلها العديد من الدوافع كي تنتقم منه على كل ما فعل، وحفرت بداخل قلبها كل البغض والكره تجاهه.

 

حملت الألم وتظاهرت بالقوة ثم مشت متجهة تجاه الباب، بخطوات كعارضات الأزياء، لم تلتفت لمدى وهنها والدوار الذي شعرت به، هي حتى لم تبحث على ما تستر جــ ـــسدها به، وما إن دلفت غرفته كي تمر منها للخارج تقابلت أعينهما لجزء من الثانية ليتصلب في مكانه وأوشك أن يخبرها شيئاً ما ولكنها نظرت له باحتقار ووقفت لتقول بكل ما تملك من كبرياء بمنتهى الهدوء:

- أنا، سيدة الأعمال روان صادق، الذكية، التي ليست غبية مثل ما نعتها، الناجحة بعملها، فكرت بالأمر... لو أكملت هذا الزواج ستؤذي جــ ــسدي وكرامتي، ستُهينني كثيرًا... سأحصل على طلاقي منك... طلقني أيها الوغد!

 

أكملت طريقها دون أن تهتم بما أراد قوله وتوجهت لتلك الغرفة التي كانت تحتوي على ملا بسها صباح اليوم لترمق ذلك الباب المكــ ـــسور وأول ما فعلته كان تناولها لثوب حتى تستر به نفسها وبعدها توجهت إلي الحمام حتى تستحم...

 

لم تستطع تفقد ملامحها ولا بدنها ولا ما لم به، ستنهار حتمًا لو فعلت وستتذكر كل لمــ ــسة لمــ ــسها بها، كان كافيًا لها أن تغلق هذا الباب عله يحميها منه، هي لا تضمنه، هو حتى قد يفعل به مثل ما فعل بباب الغرفة... مجرد فكرة أنها متزوجة من رجل مثله ويتواجد معها بنفس المنزل أصبحت أمرًا مُفزعًا...

 

ذهبت ثم أدارت الصنبور ووقفت أسفله وهي مُرتدية لذلك الثوب الذي لم تُفكر حتى بخــ ــلعه، شعرت بالغثيان الشديد وهي تتذكر كل ما حدث بينهما وانهمرت الدموع منها في صمت وألم كلما أتى على عقلها كلمة صرخ بها أو صفعة أو تلك التراهات التي يتكلم بها، كانت مجرد عبرات موجعة دون نحيب، دون أنين يعبر عما بداخلها، ظلت تدلك نفسها بعنف حتى قاربت على الخدش من حدة التدليك علها تتخلص من لمــ ــساته التي كلما تذكرتها شعرت وكأنها في الجحيم...

 

تهاوت جالسة أسفل المياه تضم ساقيها لصــ ــدرها وأخذت تتجرع المزيد من كل ما حدث معها من كلمات وأفعال وأحداث لتشعر بالخزي المجحف بسبب كل ما مر منذ البداية ونهاية بتلك اللحظة تحديدًا لم تكن هذه فكرتها عن الزواج ولا الرجال، لقد ظنت أنها ستسعد، كل ما رأته في البداية ظنت أنه اختلاف وجهات نظر ليس إلا، ولكن أن يصل به الأمر لإرغامها على علاقة جــ ــسدية... دون أي مودة، وكأنها بمنتهى الرخص، حتى بعد ما تحملت كل ما نادى به من ميول غريبة، هذا لم تكن تتوقعه أبدًا...

 

انتهت بعد دقائق ليست بالقليلة بعد أن استطاعت تملك نفسها وهي تشعر بشتات في التفكير وتفقدت ما تضعه على جــ ــسدها فلم تجد سوى ما يخصه لتمتعض من مجرد الفكرة بأنه قد قام بارتداء واحد من هذه يوم ما فخرجت بنفس الثوب الذي لا تزال ترتديه بابتلاله ثم توجهت لتختار بعض الملابس المريحة التي تستر جــ ـــسدها بالكامل وعقصت شعرها لأعلى بعد أن جففته بإحدى المناشف المطوية بجانب الملابس ثم توجهت لتتناول بعض الطعام الذي أرادها أن تتوسل من أجله منذ قليل على الرغم من شعورها الشديد بالغثيان!

 

انتظرت ليصبح الطعام ساخنًا ثم أخذت طبقها وجلست حتى تشرع في تناول الطعام وكأن شيئًا لم يكن، ألم يمنعها الطعام؟ حسن هي تتناوله الآن، تتلذذ به للغاية، فعلت ما أرادت في النهاية حتى ولو كان شيئًا صغيرًا ولكنه يُعد انتصارا من وجهة نظرها وعدم تنفيذ لأوامره التافهة وكذلك نجاح فيما تريده، حتى ولو كان مجرد طعام ستتقيأه حتمًا بعد شعور الغثيان الذي يزداد والتوعك الغريب الذي يُلم بسائر جــ ـــسدها...

 

قاطع سكون المكان حولها خطواته لكنها لم ترفع نظرها له عن طعامها وكأنه غير موجود ولم تُعره اهتماما لتجده يهمس اسمها مناديًا:

-       روان أنا...

 

توقف من تلقاء نفسه، هو لن يستطيع أن يتنازل ويخبرها بإستيائه الذي يشعر به ويتزايد بداخله بشدة بعد ما فعله، هذا غير مقبول له ولكنه استطرد على كل حال:

- لقد قمت بإغضابي وعدم تنفيذ ما آمرت به، وغادرتِ دون استئذان

 

اقترب منها ثم جلس بجانبها وهي لا زالت تنظر لطعامها وتتناوله في هدوء بينما ملامح السخرية تعتلي وجهها بالكامل وهي لا تزال بطور صدمتها منه بينما تعجب هو لهدوئها غير المعتاد وشعر أنها أصبحت فتاة أخرى غير تلك التي كان يتعامل معها منذ أول مرة رآها بها فحاول أن يتلمس أسفل وجهها حتى تنظر له ولكنها تحاشت لمسته بسرعة ثم انتقلت لمقعد آخر وأكملت تناول طعامها...

 

زفر حانقًا وهو لا يعرف كيف يواجه الأمر، ربما قد يكون رجل امتلك الكثير من النساء ولكن برضاهن، دون اجبار، ودون أن يتزوج أي امرأة منهن، وبأكملهن يعرفن ما هن مُقدمات عليه وليس مثلها فحاول التفكير وعلل لها:

- أفقدتِني السيطرة، وأتذكر جيدًا أنني حذرتك

بدأ في الشعور الانزعاج على الرغم من أنه من أخطأ منذ قليل وشعور التأنيب بداخله لا يرأف به وهو ليس هذا الرجل الذي يعرف الندم مما جعله كذلك ينزعج من نفسه ليسألها بعصبية:

- ألن تتحدثي؟

 

لاحظت تعالي أنفاسه لتبتسم في استهزاء وهي تستمتع لهذه الكلمات منه واجابته بسخرية:

- بالطبع سأتحدث!

 

نهضت حاملة طبقها لتُلقه بالمغسلة دون أن تقوم بتنظيفه وهي تعلم كم أن منزله مُرتبًا ومنظمًا ولكنها كان لديها من يفعل لها كل شيء ولن تقف هي لتنظيف صحنها والتفت له ونظرت له بكبرياء ثم تحدثت آمرة بهدوء وملامح اثارت استفزازه:

- طلقني!

 

اتجهت لتغادر حيث الغرفة الماكثة بها لتجده يجذبها من يدها بقوة ثم أدارها لتواجهه ثم عقب على كلماتها بتصميم وقسوة بالرغم من أنه بالفعل يشعر بفداحة ما ارتكبه:

- لن يحدث

 

رمقت لمــ ــسته عليها بتقزز ثم تفحصت عيناه جيدًا وقد فزعت من تلك النظرة الغاضبة بعينيه ولكنها تظاهرت بالقوة وعدم الاكتراث وصاحت به:

- كف عن لمــ ــسي لأنني أبغض لمــ ــساتك... وكف عن الحديث معي لأن صوتك يقع على مسامعي كصوت الحمار، ولا تتخيل أنني سأكون مثل الأيام الماضية، فلتنسى سا ديتك اللعينة وميولك وسيدك وكلبتي وكلمة الأمان والعقاب وكل تلك الترهات لأنني لا أقبلها! أسمعتني جيدًا. عمر!!

 

صاحت بكل ما لديها من قوة حتى تستفزه ونادته باسمه الذي لا يقبل أن يُنادى به حتى تغضبه أكثر ولقد فعلت وهي تُشدد على نطقها حروف اسمه ليلهث غاضبًا ثم حدثها بصوت مهتز تابعًا اياها بعد أن تخلصت من قبضته التي نفضتها بقوة عنها:

- استمتعي أنتِ إلي... سأتركك بعض الوقت لأن ما فعلته معك كان... ربما كثيرًا عليكِ نوعاً ما... إياكِ أن تتخطي حدودك وإلا ستندمين أشد الندم!

 

صوته وحده كان كفيلًا بأن يسرى القشعريرة بها ولكن من كثرة الاشمئزاز ليس إلا، هل هناك حَقًّا قشعريرة من كثرة الاشمئزاز؟ لأول مرة تختبرها، هذا الحقير يعلمها الكثير بالفعل... لن تنكر أنها خافت مما قد يفعله لو نفذ تهديداته ولكن تظاهرت بالنقيض خافية لخوفها بداخلها والتفتت ناظرة له ثم لاحظت أن ملامحه تُعاكس تهديده الصريح السابق لتتغير نبرته وهو يقول:

- لم أقصد ما فعلت... أعدك أنها لن تحدث مجددًا

 

تفقدته مليًا بملامحه التي تزداد اختلافًا كل لحظة بينما ترقب هو منها أن تقول أي شيء يدل على إنهاء هذا الأمر فوجدها تخبره بهدوء مستفز:

- أكرهك عمر! طلقني!

 

 

تركته وذهبت غرفتها ولم تجد باباً كي تحتمي به، فأطفأت الأنوار وتظاهرت بالنوم على الرغم من شعورها الشديد بالغثيان وكذلك الإرهاق من اختبار كل ما حدث بالليلة الماضية ولكن ربما لن يلتقي النوم بعينيها لطالما هي مع هذا الحقير بمنزل واحد!! شعرت بالخوف وعدم الأمان، لا تدري كيف عليها التصرف الآن، هي تشعر بالألم وتوعك لا يرأف بها ولا تستطيع التحرك حقًا ولا تملك مثقال ذرة من مقدرة على مواجهته، هي فقط تريد الحصول على بعض الوقت ولو ساعتين بعيدًا عنه بحديثه وكلماته وتشتيته اياها...

 

أخذت دموعها في الانهمار وهي لأول مرة تشعر بمثل هذا الضعف، تشعر بالخوف والفزع بأن يأتي بعد قليل ويتقرب منها مرة أخرى، حتى الأرجاء حولها تجعلها تحس ببرودة شديدة فجذبت الغطاء عليها تحتمي به...

 

كيف لها أن تتحاشاه؟ أحست وكأنها سجينته، ولماذا لا يريد أن يطلقها؟! ماذا يريد منها بعد أن رفضته وأغضبته وأخبرته صراحةً أنها لا تريده؟! كيف لها أن تتصرف معه وهو ليس بالشخص الهادئ الذي تستطيع أن تتحدث معه؟! ظلت تفكر وتفكر وشعورها بالغثيان والاشمئزاز يزداد بداخلها ولم تجد الحل الصائب بعد في خضم صدمتها، شتاتها، وألمها الذي لا يريد الاندثار!.


يُتبع..