الفصل الثاني عشر - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
الفصل الثاني عشر
أخذ يلكم في هذا الكيس الرملي المحاط بالجلد المعلق بصالته الرياضية بعد
أن تركته في حيرة شديدة من أمره امتزجت من غضبه اللاذع تجاه كل ما يحدث معها بل وبينهما
منذ البداية ليصرخ وهو يلهث أنفاسه المتثاقلة بفعل المجهود:
-
اللعنة!! أيها الغبي! لقد أفسدت كل شيء، لو فقط تملكت معها القليل من
الصبر
استمرت لكماته وهو يُفكر بداخل عقله ومشاعره مختلطة بعنف، لماذا هي
عنيدة للغاية!! لقد أخبرها منذ البداية، ولقد أخبرته أنها مستعدة لتحمل كل شيء حتى
بعد اعترافه لها بأنه رجل سا دي، تأتي الآن لتخبره أنها تريد الطلاق! فقط من بعض الغضب ومحاولته في
الاقتراب منها!!
ظل يلكم أكثر فأكثر وينفس عن غضبه ولكنه لن يتراجع، لن يلين ولن يقبل
التفاهات التي تفوهت بها، منذ رؤيتها ولقد امتلكته بكل ما هي عليه، ولن يتراجع عن فكرته
بأن يحولها لخاضعة ليتمتم بغيظٍ دفين:
لن تكوني لغيري، لن أتركك، و
ليكون تحديا بيننا، ستكونين كما
يحلو لي روان ولن أتوقف عن المحاولة بهذا!!
توقف عن اللكم وهو يلتقط أنفاسه التي بدأت في الهدوء رُوَيْدًا
رُوَيْدًا بعد مجهوده البدني الشديد ثم صعد لغرفته كي يستحم متخلصًا من آثار تعرقه
وقرر أن يحاول النوم قليلا عله يهدأ أو يذهب غضبه الشديد الذي سيطر على كل ذرات
دمائه.
❈-❈-❈
بينما هي وحدها ظلت دموعها في الانهمار بصمت، لا تشعر بالأمان بعد الآن
وهو معها بنفس المكان، تشعر بالخوف والفزع بأن يأتي ليلا ويتقرب منها مرة أخرى بنفس
هذه الطريقة الهمجية التي كانت ستؤدي بها لتكون امرأة مُغتصبة من قبل زوجها...
لقد تبقى ثمانية أيام حتى تعود وستكون بصحبة والدتها وأخيها الصغير، كيف
لها أن تتحاشاه طوال هذه الأيام المتبقية؟ لا تدر لماذا تشعر وكأنها سجينته وليست مجرد
عروسه التي تزوجها للتو، ولماذا لا يريد أن يطلقها حتى بعد اتفاقهما أنه لن يُجبرها
على شيء؟!
ماذا يريد منها بعد أن رفضته وأغضبته ووضحت له أنها لا تريد أن تستمر معه
بهذا الزواج؟! كيف لها أن تتصرف معه وهو ليس بالشخص الهادئ الذي تستطيع أن تتحدث معه
بمنطقية مثلًا كما تفعل بعملها مع الجميع؟! ظلت تفكر وتفكر حتى غالبها النوم دون دراية
منها وذهبت في سبات تام بصحبة خوفها وآلاف الأسئلة التي لا تجد لها إجابات بداخلها
ومشاعر متضاربة كثيرة ترتطم ببعضها البعض مسببة لها إنهاكا ذهنيا لا يُقارن بأي وقت
مر عليها في حياتها بأكملها!!
❈-❈-❈
فرغ من اغتساله ثم ارتدى بنطالا قطنيا منزليا
ثم تمدد على سريره والغضب يتآكله، لا يعلم هل هو غاضب منها أم من نفسه؟ لماذا يرفض
أن يطلقها وهو لم يفرض نفسه على أي امرأة قبلها؟ هو لا يُحب إجـ ـبار المرأة، يريد
إذعان النـ ـساء أمامه، خضوعهن وحده هو غايته وهو يتمتع بإلحاق الألم بهن، لماذا يشعر
وكأنه يريدها هي خصيصًا دون سائر النساء؟ لماذا هي، ما المميز بشأنها؟ ما لعنته معها؟!
تواترت الأسئلة غير المُجابة من قِبَل نفسه حتى شعر بالوجع لكثرة التفكير ولم يستطع
أن ينام أو يحصل على الراحة على الرغم من أن الصباح قد غلف السماء بالفعل منذ مدة
وعلى الرغم من أن النعاس لم يجد إلى عينيه سبيلًا ولم يهدأ له بال طوال الليلة الماضية
وهو جالس يُطنب بالتفكير في كل ما حدث. أخرجه من شروده العميق الذي لم يتغير منذ
ساعات بالكثير من الأسئلة صوتها الصارخ الذي جعله يهرع نحو غرفتها:
-
لا... أرجوك أبتعد عني... يكفي... يكفي...
دخل الغرفة وتوجه ليُضيء مصباح جانبي لفراشها
ليُدرك أنها نائمة وفزعت من أحد الكوابيس أثناء نومها فناداها بنبرة تحوي القلق:
- -
روان... روان... استيقظي...
كرر نداؤه مرارًا حتى استفاقت ثم تفحصته جيدًا
لتندلع نظرات الوجل والفزع على وجهها، أدركت أنه هو، مثلما كان منذ قليل، عــ ار الصدر،
يريد أن يغــ ــتصبـــ ــها مرة أخرى، لماذا لا يوجد غير هذا الضوء الخافت... لقد كانت
تُفكر منذ قليل وأضواء الصباح كانت تتسلل إلى الغرفة، ما الذي تغير فجأة؟!
نهضت مبتعدة عنه لأحد أركان الغرفة وهي تشعر بالهلع
مما رأته منذ قليل وصرخت به وهي تلتقط أنفاسها في محاولة منها لاكتشاف ما يحدث:
- أبتعد عني
اقترب منها على حذر وهو يحاول أن يُهدئها:
- كان مجرد حلم مُزعج... لا تقلقِ...
قاطعته صارخة بحرقة وبدأت عيناها في ذرف الدموع:
- هل أنت غبي أم لا تتحدث العربية!! لا أريدك
معي بنفس الغرفة، غادر الآن وابتعد عني واذهب إلى أي لعنة بعيدًا عني!
حاول أن يطمئنها قدر الإمكان وكلما آخذ خطوة
تجاهها ابتعدت هي ليشعر بالانزعاج فهو يريد أن يساعدها ولكن لا يدري كيف فقال بهدوء
مرة أخرى:
- روان... توقفي... استقيظي وانظري حولك... لقد
كان كابوسا... لن يحدث شيء...
رمقته بغلٍ شديد وتمنت لو أنها تملك حيلة تستطيع خلالها أن تتخلص منه ثم
صرخت مشتقة من كلماته:
- لن يحدث شيء!! أحقًا لن يحدث شيء؟ ما الذي تبقى لتفعله؟ ما الشيء
المُتبقي كي يحدث؟! اغتــ ـــصا ب أم إجبار أم المزيد من تصرفاتك الغريبة!
ذلك التفكير بتلك الغرفة المشؤومة وتفكيرها قبل نومها ساعدها كثيرًا على
إدراك الكثير من الأشياء، ولقد اكتفت من أفعاله التي يبرع كل مرة أن تجد خلالها ما
يُرعبها منه ولكنها هذه المرة لن تتراجع فاستطردت بصراخ منتحبة:
- لقد اكتفيت، اكتفيت من كل لحظة معك، ومن تصرفاتك الغريبة... أَحَقَّا
أوشكت على اغــ ــتصــ ــاب عروسك لأنها فقط أبت أن تتناول الطعام وهي جالسة
كالحيوانات بالأرض! ماذا هناك كي يحدث أكثر
من هذا؟
تفقدته بعبرات لا تتوقف من عسليتيها ليشعر هو بالمزيد من غضبه تجاه فقد يده
لزمام الأمور، فهو لا يريد امرأة يكسو ملامحها الهلع وهي تتشاجر معه بل يريد الإذعان
التام بمنتهى رضائها ليهمس وهو يحاول الاقتراب منها:
- روان أن...
توقف من تلقاء نفسه عندما ارتجفت ملامحها بمزيد من البُكاء وهي تتفقد وجهه الذي
لم تعد تتعرف عليه بسبب لحيته وشعره الذي اكتسب طولًا وكثافة غريبة وتجعل ملامحه تبدو
أشرس وأقسى ثم تابعت ولكن اختلف صوتها للحزن المحض وتحولت نظراتها المندفعة من عسليتيها
لتصيبه بسهامٍ تخترق صدره بمضاعفات عدة من غضبه الخالص تجاه كل ما يحدث:
- ما الذي حدث لكل هذا! مجرد زواج من رجل ناجح جذاب المظهر يملك عائلة جيدة
ويعامل والدتي وأخي بأفضل طريقة تمنيتها، تناسيت أنه زواج تم بالإجبار، تحدثت إلى نفسي
كالغبية تمامًا وأنا أقنع نفسي بأنك مثلك مثل أي رجل افتتن بملامحي ومظهري ونجاحي لذا
أردت الزواج مني، استقر إدراكي في النهاية أنك قد تكون رجلا عمليا للغاية أو رجلا كتوما
لا يُصرح بمشاعره... أو حتى لأننا لم نملك الوقت ولم نتحدث كثيرًا وقلت ربما بعد الزواج
الأمر سيُصبح أفضل...
تفلتت شهقات نحيبها لتمنعها عن متابعة كلماتها وحاولت التماسك وعسليتيها لا
تتوقفان عن ذرف اللوم المصحوب بالتعاسة الشديدة واستطردت:
- ما الذي بك يجعلك تصفعني وتؤلمني... كيف يتحول الزواج من مجرد حياة
مشتركة وسعادة إلى اغتــ ــصـاب وإجبار وإصابة دائمة بالخوف والرعب مما قد تفعله أو
من تلك الألفاظ التي تسبني بها؟ كيف فعلت بي هذا بعدة أيامٍ قليلة لتحطم أمام عيناي
كل ما تخيلته يومًا عن الزواج وكل ما حلمت أن أمتلكه يومًا مع الرجل الذي
سيتزوجني؟
تفلتت شهقاتها وشعرت بتوعك غريب وواتاها مرة أخرى شعورا هائلا بالغثيان
ولكنها تابعت بحرقة باكية:
- أتعرف ما رؤيتي للزواج؟
أتعرف حتى ما الذي أظنه عنه؟ الزواج هو ببساطة والدي وهو يُمازح والدتي ويُدللها
ويُلاطفها... وهو يحظى معها بعدة أيام ليصطحبها بسفرٍ بعيد ليُصفي ذهنه بعيدا عن العمل
ثم بعدها يصطحبني أنا وأخي الصغير ونمرح جميعنا سَوِيًّا... الزواج هو والدتي وهي تخفف
عن والدي تلك الأوقات الصعبة، أو نجتمع بعد العشاء لمشاهدة التلفاز سَوِيًّا... هذه
هي الحياة التي أردت أن أعيشها... أردت استقرارًا وسعادة وهدوء، أردت أن أدعمك وفي
المقابل ظننت أنك ستدعمني... وبعد كل ما فعلته معي ظننت أنك رجلا كتوما عكر المزاج
ليس إلا! ولكن تستيقظ بعد كل تلك الأحلام وأمنياتي بالزواج على رجل يغــ ــتـ ــصـ
ـبني ويسبني ويريد رؤيتي عا ر ية وأنا أتناول الطعام من فوق سطح الأرضية
كالحيوانات بجانب حذائك؟ ألم يشفع لي حتى أنني قبلت ما تسميه السا دية وميولك وكل هذا؟!
قضمت شفتيها
كي تمنع نفسها من أن تجهش بالبكاء وشعرت أنها تريد التحدث بلا انقطاع لتهمس بوهن شاردة
بالأرضية:
- صدقني أنا
كنت أريد السعادة، اقترب منك، كنت أريد أن اشعر بأول خفقات قلبي لك وأنت قريب مني وتحدق
بعيني... كنت أريد هذا بحبٍّ وودٍّ وحنان... ولكن حدث كل ذلك بمنتهى الخوف! كنت أتمنى
أن أعيش لحظات التوتر التي تمر بها أي فتاة وهي سعيدة لأنها قامت باختيار الإنسان والرجل
المنشود الذي ستتزوجه! ولكن كل لحظات التوتر كانت عبارة عن رعب وذعر منك!
تفقدته بحسرة
شديدة بعد أن رفعت رأسها إليه:
- هل تتذكر
أول مرة راقصتني يوم زفافنا؟ شعرت بالاختناق والخوف والاستغراب ولكن ليس بالود والألفة،
ولا حتى أول ليلة يُفترض أنني عروس ولدي كامل الحق أن اشعر بالسعادة مثل أي فتاة وانتظرت
من الشخص الذي سأقضي معه كامل حياتي أن يُخبرني بكلمة تُسعدني أو حتى يُطري على
حُسني أو ملامحي، وحتى ولو كانت بمجاملة منك، انتظرت ذكرى وحيدة بهذا اليوم... ولكنك
بمنتهى القسوة مزقت تلك السعادة التي كنت انشدها بليلة أي فتاة مثلي ستتذكرها وتسعد!
وذهبت مبتعدًا عني لا تتحدث معي لعشرة أيام كاملة... وكأن بي عيب ما... وكأنني لست
متواجدة بالحياة معك بنفس المنزل وبنفس المكان وأنا لتوي عروس... جعلت ثقتي بنفسي تهتز،
وكأنني مُخطئة أو أغضبتك وكنت أتساءل طوال تلك الأيام ما الذي فعلته كي تعاملني هكذا؟
وكل ما اختبرته معك يجعلني خائفة ومرتعبة، ولكنني قررت أن أحاول معك...
رطبت شفتيها
بعد أن ابتلعت ملوحة دموعها التي لا تتوقف واستطردت:
- من تكون حَقًّا،
ألا تملك بقلبك ذرة من رحمة أو شعور؟ ألا تفهم ولا تعرف معنى حياة سعيدة بين زوجين؟
ألم تُفكر أو تكترث للحظة بمشاعري بعد إجبار نفسك على؟ أنت لص سارق، سرقت مني كل لحظة
تمنيتها منذ سنوات، سرقت أغلى وقت ولحظات كنت أود أن أعيشها وأحلم بها منذ أن كنت فتاة
صغيرة...
شعرت بأنها
لا تستحق كل ما حدث لتزفر بصعوبة وكأن الهواء حولها انعدم بسبب بُكائها ثم همست
بوهن:
- غادر هذه
الغرفة وابتعد أرجوك... أنت جعلتني اختار الابتعاد عنك بعد كل ما رأيته منك
ابتلعت بصعوبة
تلك الأوجاع المختلطة ببكائها وشعرت أنها قامت بإفراغ كل ما يدور بعقلها ودفعتها مشاعرها
لقوله ووقف هو يرمقها مُتفقدًا اياها وملامحها جعلت طيف من الشفقة تمس قلبه
وانصهرت اعينهما بنزاع من اللوم والحسرة منها، والغضب الذي لا يسكن بداخله تجاه كل
ما يحدث بينهما ليتنهد سائلًا بعد عدة لحظات:
- هل انتهيتِ؟
تفقدته بخزي
وملامحه باتت تُمثل لها الخيبة الهائلة ثم قالت:
- نعم ولن استمع
لك وابتعد... عني أرجـ...
لم تستطع أن
تكمل جملتها حتى وضعت يدها على فمها وهرعت للحمام الملحق بغرفتها وصفعت الباب خلفها
ليسمع توعكها وهو بالخارج فتعجب وظلت بالحمام لدقيقتان فبدأ بالقلق وصاح سائلاً بنبرة
جادة:
- روان... هل
أنتِ بخير؟
حاولت التقاط
أنفاسها بعد توعكها الشديد وحاوت أن ترفع من نبرة صوتها كي تصل لمسامعه:
- أذهب
طرق الباب ثم
صاح بها:
- افتحي الباب... دعيني أراكِ
لم تجبه وقد
أنزعج بشدة بعد أن تركته دون حديث للحظات أخرى وازداد شعوره بالقلق فطرق الباب ثم صاح
بنبرة لا تحتمل النقاش:
- سأدخل.
أدار مقبض الباب
ليراها جالسة على الأرض في وهن وآثار التعب تبدو عليها فركع على إحدى ركبتيه ثم حاول أن يتلمس كتفها برفق ولكنها أفلتت لمسته
فسألها بنبرة حنونة:
- هل أنتِ بخير؟
لم تستطع النظر نحوه وشعرت وكأنها ستتقيأ من جديد
كما شعرت بالإحراج من وجوده جانبها لرؤيتها هكذا فالأمر مُقزز للغاية فهمست له:
- نعم... غادر واتركني أرجوك
من جديد شعرت باندفاع معدتها ولم تستطع السيطرة
على نفسها ليُمسك بشعرها يرفعه إلى أن انتهت فحدثها بقلق:
- هيا للسرير... أنتِ لست بخير... سأستدعي
الطبيب
جذبها برفق من مرفقها فلم يجد أي نوع من المقاومة
منها ليتعجب أهذه هي الفتاة التي كانت تصرخ بوجهه منذ قليل؟ ولاحظ أنها لا تستطيع حتى
أن تقف وحدها كمن تكون مُصابة بالدوار ولم يدرك هو ما تمر هي به وتحدثت بوهن وإرهاق
وهي تتفادى النظر له:
- أنا سأكون بخير... لا تستدعي أحد
حملها لتتأفف ممتعضة مما يفعله ولولا آلمها اللعين
لما كانت سمحت له ولكن هي تعلم تمامًا أن هذه اللحظة اللعينة من كل شهر، انخفاض بضغط
دمائها، قيء، وشعور جارف بالبرودة بصحبة بعض الآلام أسفل بطنها... هذا هو أول يوم
لعين لعادتها الشهرية وهو أسوأ الأيام لا محالة!! لطالما لغت كل مواعيدها وأعمالها
عندما تتعرض لكل هذا الأم وتذهب للمنزل للراحة التامة والنوم...
أراح جسدها ودثرها جيدًا ثم قال ناهياً
إياها وأوشك على أن يغادر:
- ليس هناك شجار بهذا أيضًا روان...
نادته بإرهاق لتوقفه:
- عمر أنا...
توقفت لانتقاء الكلمات حتى تعفي نفسها من إحراج
فتاة لم يسبق لها أن تُحدث رجل عن هذا الأمر ثم أكملت:
- أنا معتادة على هذا الأمر، يحدث لي دائمًا،
فقط غادر وسأكون بخير
بالكاد استمع لما أخبرته به بصوتها الذي أصبح
خافت للغاية وقد تحول وجهها للصفرة وأصبح شاحبًا ليقترب نحوها وسألها بجدية:
- منذ متى؟! ما الذي يحدث لكِ؟ هل ذهبت للطبيب
أو هذا مرض تعانين منه؟
رطبت شفتيها وقد بدأ الألم يظهر على
وجهها:
- لقد أخبرتك أنني معتادة... أذهب الآن وكف عن
الحديث...
صاح بقلق حقيقي وغضبه لا يندثر بداخله ليستفسر
مرة أخرى:
- معتادة كيف؟! أهو مرض مزمن؟
لم تجبه وقد بدأ في الانزعاج ليشعر وكأنه مكتوف
الأيدي ليصرخ بها دون أن يشعر بما يقوله:
- اللعنة أجيبي!
حمحمت بإحراج وهي تنطق بخجل:
-
هذه...
لم تستطع التحدث وتوقفت من تلقاء نفسها أمام أعينه
المستفسرة لتحول نظرتها بعيدًا عنه وهمست بمزيد من الإحراج وصوتها يكاد يُسمع:
-
هذ عادتي الشهرية وهذا يحدث لي كل شهر... الألم
يأتي عنيفاً أول يوم
تجنب خجلها منه وهدأت نبرته وهو يسألها:
- ألا تتناولين مُسكنا للآلام أو معتادة على أمر
ما كل شهر؟
جلس بجانبها يتفحصها في قلق وعناية فهزت رأسها في إنكار وتعب ولم تستطع
أن تجادله بالصراخ وأغمضت عينيها لتقول:
-
المُسكنات والعقاقير لا تفيدني... لقد جربت كل شيء... فقط اتركني أنام وسيصبح كل شيء
أفضل...
فتحت عينيها ثم نظرت له لتراه قلقا عاقدا حاجباه بعناية ثم حاول أن يقترب
منها فابتعدت قدر المستطاع فأخبرها باستسلام:
-
حسنًا... سأفعل ما تريدين
نهض بسرعة ثم غادر وقد تعجبت لصنيعه وظلت تُفكر بتلك النظرات التي
تدفقت من عينيه، لوهلة ظنت أنه يكترث لأجلها ولكنها تبسمت في وهن ثم تمتمت:
-
لن أنخدع بتمثيليتك الزائفة...
أغلقت عينيها وسرعان ما ذهبت في سبات تام وهي تضم ساقيها في وضع
الجنين علها تجد بعض الراحة، هذا هو ما تركن إليه في كل شهر، الشيء الوحيد الذي يريحها
قليلًا وتحاول مواجهة الآلام به فهي معتادة على ذلك منذ أن كانت بالصف الثالث الإعدادي،
وحاولت أن تلجأ إلى العلاجات والمسكنات مرارًا ولكن جسدها لا يستجيب لشيء.
❈-❈-❈
أتى في هدوء مقتربًا من فراشها ثم تفحصها وهي نائمة، بدت كالطفلة
الصغيرة، آلمه قلبه لمظهرها المتعب هكذا، كلما تذكر ما مر عليهما بالأمس وكلماتها ود
أن يعود بآلة الزمن حتى يغير ما حدث، شعر بالضعف وقلة الحيلة لفقده سيطرته، على الرغم
من ميوله وقسوته وجفائه فإنها لا تستحق ما حدث، لماذا تهور وفقد سيطرته أمامها؟
أول مرة يفعلها أمام امرأة، ليتها كانت مجرد علاقة عابرة ولكن هي زوجته!
اقترب بروية
وتلمس وجهها في حنان وناداها بهدوء:
-
روان...
وجدها تفزع ثم ابتعدت عنه بجسدها وتساءلت بوجل وأعين اتسعت في رهبة:
-
ماذا تريد؟
مد يده بإحدى الأكواب وقال بنبرة معتدلة:
-
تناولي هذا
تعجبت بانزعاج واضح على ملامحها ثم نهضت جالسة وسألته:
-
ما هذا؟
أجابها بلين:
-
خليط من الأعشاب فلتجربيه ربما يُفيد...
زفرت بضيق ثم قالت بنفاد صبر:
-
لا أريد ولقد أخبرتك أن لا شيء يفيدني و...
صاح غاضبًا وهو يقاطعها:
-
تقبلي ما أفعله ولو لمرة واحدة دون جدال!
شعرت بالتوتر من ملامحه فأخذت الكوب من يده حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه
فهي مُرهقة بالفعل وهو أيضًا بمجرد تناولها الكوب منه حاول ألا يغضب ثم أشاح الغطاء
جانبًا لتنكمش بجسدها بحركة تلقائية وسألته بارتباك:
-
ماذا تفعل؟
حاول أن يطمئنها ثم جذب من جانبه كيسًا مطاطي يحتوي على مياه ساخنة وتفقدت
هي ما يُمسك به في تأهب:
-
لا تخافي... سأضعها أسفل بطنك... ستخفف من الألم
وضعها برفق ثم نظر لها نظرة عابرة وتوجه بعدها للنافذة وظل واقفًا في
شرود تام حتى سمع صوت ارتطام الكوب بالطاولة الصغيرة جانبها فتريث دقيقتين ثم توجه
إليها سألها بنبرة حنونة:
-
هل تشعرين بتحسن؟
تعجبت للغاية من حنانه المفاجئ، يا ليته بدأ بهذا معها منذ بداية زواجهما،
فمن يراه الآن لن يخطر له ببال أنه أوشك على اغتـ ــصا بها بالأمس وقبلها وهو
يُطالبها بأن تأكل مثل الحيوانات من فوق الأرض ولكنها أجابته كي تتخلص منه بتنهيدة
دون أن تنظر له مباشرةً:
-
قليلًا
أومأ
بالتفهم ثم قال مُعقبًا:
- جيد
توجه نحو
السرير وجلس بجانبها على مسافة مقبولة لتزفر حانقة وسألته بنبرة ارتفعت قليلًا:
- ما الذي تفعله مجددًا؟ ما الذي لا تفهمه في أن تبتعد
عني وتتركني وشأني؟
بالرغم الأوجاع التي لا ترأف بها ولكن هناك نظرات مرتابة غلفت وجهها
بأكمله وهي تتفقده، نفس اللحية، نفس الشعر الفحمي الطويل، ولكن هناك أعينا مُرهقة ذابلة،
ونظرات غريبة للغاية يرمقها بها، أو لتصيغها بأنها نظرات غريبة عنه، وفي وقت آخر مع
رجل آخر كانت لتكون طبيعية وتلقائية، لقد اتضحت مشاعر الأسف بعينيه وجعلها تظن أنه
رجل آخر تمامًا... وتردد صدى صوت نفسها المنكسرة
بداخلها بتمن لو كان بهذا الهدوء وهذه النظرات من البداية!
رطب شفتيه بعدما تفقدها هو الآخر لوهلة بأعين ساهرة منذ أمس وهمس دون أن
يتحرك:
- سأنام بجانب زوجتي...
أكمل تدثره بالغطاء بجانبها بينما زفرت ساخرة ثم تساءلت وهي تقتبس من كلماته
لها أمس:
- زوجتك! ألست مجرد فتاة أوشكت على اغتــ ـــصا بها بالأمس؟
تنهد مُتعبًا ثم أجابها وهو يتدثر جسدها بالغطاء:
- أخبرتك ألا تغضبينني أكثر من مرة ولكنك لا تستمعين لي... روان أنا مُتعب
وأريد النوم! هل يُمكنك تأجيل الحديث حتى نستيقظ!
جذبها رغمًا عنها وحاوط خـ ــصر ها ثم ألصق ظــ ــهرها به لتطلق زفرة ممتعضة
وكلمته بتأفف من فعلته ولكنها حتى لا تستطيع المقاومة لشدة آلام جسدها:
-
عمر!! أنا لا أريدك بعد الآن، حاول أن تعي ما أقول، اتركني وشأني، كما
أني متعبة جداً حتى أتجادل معك، غادر أرجوك!
أخبرها بعد أن تأكد أنه يحاوط جسدها بأكمله بصوتٍ اتضح عليه الإرهاق
الشديد والافتقار للنوم:
-
ولأنك متعبة ستنامين الآن وسنكمل جدالنا غدا بكل ما تريدين الجدال
بشأنه!
زفرت بضيق وسط وجعها فهي بالكاد تستطيع الحركة وجسده فاقها قوة فهي لن
تستطيع أن تزيحه ولو بقدر أنملة لتتفوه بغيظٍ مُطبقة أسنانها بغلٍ شديد:
-
أكرهك أيها الوغد اللعين!
همهم بهدوء ثم عقب على كلماتها قبل أن يدفن وجهه في عنقها لتنتظم أنفاسه
ويذهب في سبات:
-
أحلام سعيدة لكِ أيضًا!
لم تشعر بالراحة لتواجده بهذا الالتصاق الشديد بجسدها بعد كل الخوف الذي
اختبرته معه وقسوته الشديدة وهي لم تعد تدري كيف تُفكر بشأن الأمر لتتحدث بداخل
نفسها:
-
لماذا تحتضنني بعد جفاءك وقسوتك؟ أهذا ما ينص عليه قانونك؟ بعد كل عنف
أجدك حنوناً، أجد الأمل بين ثنايا المستحيل، هل ستكون حياتنا هكذا معاً؟ رعب وخوف وفزع
ثم أمان؟ مما خلقت؟ كيف تجد سعادتك في مثل هذا الشقاء؟ أنا لست مستعدة أن أعيش
حياتي بأكملها بين طيات عنفك ورضاءك، عصيانك وحنانك، تروقني مرة وأكرهك آلاف المرات،
يستحيل أن أستمر معك، هكذا أقرر كلما رأيت قسوتك، وروعة الحنان والأمان الذي أراه في
أحيان أخرى تجعلني أشعر كم أنا محظوظة لأنني معك... يا إلهي ما هذه المعادلة
الصعبة
زفرت كل ما برئتيها بعد أن فكرت بكل شيء ولم تستطع التحرك من ازدياد
الألم كما أن ذراعيه لم تدع لها المجال فتثاقلت جفونها رغماً عنها وذهبت في النوم.
❈-❈-❈
فتحت عينيها بصعوبة وهي تتثاءب عندما استمعت لهينمات غريبة فشعرت به لا
يزال على نفس الفراش فالتفتت نحوه بجانبها لتلاحظ أنه يتفوه بشيء لا تفهمه فظنت أنه
استيقظ ولكنه فجأة نطق ببعض الكلمات المفهومة:
- يُمنى... كفى أكره هذا... زوجتي... أنتِ السبب
هذه هي الكلمات التي استطاعت أن تُفسرها من بقية همهماته وكلماته غير المفهومة
ثم تعالت نفس همهماته وكأنه يُعذب بسبب شيء ما فأضاءت إحدى الأنوار الجانبية للفراش
وهي تزيل عن وجهها آثار اَلنُّعَاس لتجد جسده يرتجف وقطرات العرق تغطي جبينه بينما
غمغم من جديد:
- لا أكرهك يُمنى... روان...
تابع وظل يهمهم بكلمات غير مفهومة وزاد ارتجاف جسده حتى اعتراها القلق
فنادته عله يستيقظ، فكل ما يمر به أمام عينيها الآن أمر تكره حدوثه لأي إنسان حتى ولو
كان هو:
- عمر، أستيقظ
لم يستجب لها بعد أن كررت نداءها أكثر من مرة فبدأت في لكزه بخفة في صـ
ــدره وصاحت به:
- عمر، أستيقظ هيا... عمر هل تسمعني؟
غمغم بكلمات وكأنها تتوقف على شـ ــفتيه ولا تغادر من فمه بينما تحرك بتلقائية
ووجه ظهره نحوها فصاحت بنبرة أعلى حتى يستيقظ وهي تلكزه بقوة متلمسة ظهره:
- عمر... استيقظ...
استجاب ملتفتًا لها بأعين فزعة وأمسك بيدها بقسوة لتتعجب من ردة فعله
ولكنها سألته:
- هل أنت بخير؟
تفقدها بأعين نظراتها تبدو مُرعبة ثم صاح بها لاهثًا:
- إياك وأن تلمسي ظهري مجدداً!! أسمعت؟
تفقدته بملامح تستغرب ما يفعله بينما نظرته الثاقبة أرعبتها ولم تتغير
لتشعر بأنها أخطأت بتفكيرها منذ قليل لتنفض يده عنها وهي تجذب خاصتها ثم حدثته
مُشمئزة وهي تتفقده بخيبة أمل:
- أترك يدي أيها المختل، ولتذهب للجحيم! أنا كنت مخطئة بظني أنك قد
تتعامل بقليل من التحضر أو الحنان أو مثل أي زوج طبيعي... صباحًا سأحصل على طلاقي منك
أيها المعتوه ولن أقبل سوى الانفصال عنك!
مشت مغادرة بحنقٍ شديد وتوجهت حيث غرفته فهي الوحيدة التي لا زالت
تملك بابًا وأغلقته عليها ولم تره هو وأنفاسه المتثاقلة التي يحاول أن يُهدئها
بأعجوبة وأدرك أنه لن يستطيع النوم من جديد فنهض متجهًا للخارج...
تذكرت ملامحه، لأول مرة تراه بهذه الهيئة المذعورة ولكن غضبه الذي كسا
ملامحه القاسية كان هناك هو الآخر، ما هذا الخليط الغريب الذي تتعامل معه، أحقًا لا
يُطيق لمستها وهو الذي يقترب منها كلما شاء! يا له من ظالم مغرور لعين!
لم تهدأ ثنايا عقلها الذي شارف على الجنون من أفعاله المبهمة تجاهها
وبزغ برأسها المزيد من علامات الاستفهام المصحوبة بعلامات التعجب علها تستطيع معرفة
شيء!
ما الذي فعلته كي يتحول هكذا، ما الذي حدث؟ ومن هي يُمنى؟ ولماذا تمتم
باسمها؟ ولماذا غضب عندما تلمست ظهره؟ كانت فقط تحاول أن تجعله يستيقظ! ولكن يبدو أنها
أخطأت عندما اكترثت لمثل هذا الإنسان المجنون...
هزت رأسها بوهن ثم نظرت نحو الساعة لتجدها قاربت الواحدة ظهرًا فتفقدت
الباب الذي أغلقته جيدًا وتوجهت لحمام غرفته وتركت المياه تنساب عليها وعقلها يُفكر
ويُفكر، لن تستطيع الحياة معه، فهو إما مجنون أو مريض نفسي، ستتركه، اليوم، والآن!!
صممت على رأيها ثم توجهت بين الغرف بهدوء تتفقد الطريق لترتدي ملابسها
من الغرفة الأخرى التي لم يكن متواجدًا بها وأزعجها للغاية طريقة ترتيبه للفراش
التي تبدو احترافية فهي لا تعرف كيف يفعل كل شيء بهذه السهولة ولكنها لم تطنب بالأمر
وتوجهت للبحث عنه حتى وجدته يُنهي اللمسات الأخيرة على بعض أطباق الطعام وتفقدته لتجد
ملامحه اختلفت للغاية...
نهت نفسها عن التحديق به وأكملت طريقها نحوه بملامح متجهمه غاضبة
وسألته بحنق ونبرة جادة للغاية مخبرة بها أنها لن تتحمل المزيد من نقاشه:
- أين هاتفي؟
لم يرفع نظره إليها وكأنه لم يستمع لما قالته للتو ليُعقب بهدوء:
- صباح الخير لكِ أيضًا...
توسعت عيناها في اندهاش، لم تعرف كيف له أن يتحول مائة وثمانين درجة
كلما تعاملت معه، فآخر مرة كان غاضبًا مُتَعَلِّقًا مفزوعًا بسبب حلم مزعج والآن
يترك عقلها يصرخ بداخلها من اختلافه الشديد فعقدت ذراعيها وارتفع إحدى حاجبيها بكبرياء
جم ثم حدثته بلهجة آمرة:
- اسمع... لقد سئمت تقلباتك تلك، سأعود لمنزلي اليوم وأنت ستطلقني
وانتهى الأمر... أنت رجل أوشك على اغتصابي ولا يُعاملني بطريقة جيدة منذ بداية زواجنا...
أعطيني هاتفي كي أتحدث لسائقي الخاص كي يأتي ويُقلني من هذا الحصن الملعون!
زفرت بضيق وسأم وهي تنتظره أن ينظر إليها لتجده بعد لحظات يرفع عيناه لها
ويتفحصها، كم بدت رائعة ولو أن آثار الإرهاق والتعب تبدو عليها، لا يزال وجهها شاحب
ولا تزال غير سعيدة لكل ما تواجهه معه...
توجه ليقترب منها وأخذت تتابعه بعسليتيها ثم وجدته يجذب الكرسي في نبل
وتهذيب وأخبرها بهدوء:
- أجلسي...
لم تستجب له وصاحت به منزعجة من بروده الشديد وكأن كل ما قالته لم
يستمع إليه من الأساس:
- لن أجلس معك ولو لثانية واحدة، اتركني وشأني وأعطني هاتفي
أجلسها بوكزة رغماً عنها دون أن يبالغ بعنف وابتسم لها بهدوء وسألها باهتمام:
- تبدين رائعة، هل تشعرين بتحسن؟
وجدها تغمض عيناها في نفاد صبر فلم يكترث لرفضها ثم جذب كرسي آخر
ليجلس بجانبها وأخبرها بلطف:
- هيا روان... فلتتناولي شيئاً... تبدين متعبة
زفرت متأففة لتصيح من كثرة غيظها:
- ولماذا تهتم؟! دعني وشأني وأجلب لي هاتفي اللعين!
تفقدها بملامح تبدو عليها الإرهاق وظل يفعل لعدة لحظات إلى أن أجبرها أن
تنظر له ثم همس وهو يُجيبها:
-
أهتم لأن قلبي يهتم هو الآخر
يُتبع..