الفصل الثالث عشر - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
الفصل الثالث عشر
-
أهتم لأن قلبي يهتم هو الآخر
أجابها لتندهش مما تستمع له، هذه هي المرة الأولى التي يُحدثها بها بمثل
هذه الطريقة موضحًا أنه يكترث، لوهلة استغرقت فيما فعله عندما علم بمرضها وتوعكها واهتمامه
بها، وعندما
غادرا الغرفة للمرة الأولى، ولكنها لن تقبل ما قاله كعذر ولا اعتذار، عليها أن
تكون صارمة بهذا الشأن، هي لا تزال تتذكر تلك الليلة المشؤومة وكل ما حدث بصحبته منذ
أن تزوجا ولن تتحمل المزيد..
أدركت أنه ينظر لها بينما هي غارقة في التفكير لتحمحم وتظاهرت بالعبوس
ثم قالت:
-
وأنا لا أكترث لما يهتم به قلبك، دعني أغادر دون جدال أرجوك..
حدق بها بثاقبتين باهتتين لترى أمامها
مزيجًا غريبا وهو يُحدثها بلطف:
-
ليلة أمس، كان الأمر مزعجًا، وأنا لا أحب التلامس خصوصًا أمر ظهري
هذا، لذا..
رمقته باستهجان لكلماته ووقفت وهي تستند على المائدة أمامها بيدها كي تغادر
فتلمسها وابتسم لها مخبرًا إياها بمزيد من اللطف الذي لم تعهده منه:
- تناولي الطعام أولًا، أنتِ لم تتذوقي
شيئًا منذ الأمس ، نفذي ما أقول ولو لمرة واحدة دون جدال معي
جذبها لتعاود الجلوس وهو ينظر لها نظرة جافة مُحذرة لم تلمس لُطفه الذي
كان يُحدثها
به منذ ثوانٍ فزفرت متأففة بوهن ودفنت جبينها بين يديها مستندة على مائدة المطبخ وتدلى
شعرها من بين أصابعها ليسألها مرة أخرى:
-
ألن تتناولي الطعام؟
أغمضت عينيها وهي لا تتحمل أنه حَقًّا يريد التحكم في كل ما تفعله ويريدها
تُنفذ كل ما يقوله وكأنه لطالما وجد طريقة ما لجعل كل ما يُنادي به كالأوامر التي يجب
تنفيذها لتجده يقول
-
حسنًا، سأعاملك كطفلتي الصغيرة، هيا
سرعان ما جذب كرسيها لتصبح في مقابلته وأخذ بعض الطعام ثم وضعه أمام شفاها
منتظرًا منها أن تتناوله فأشاحت بوجهها لتبتعد فما منه إلا أن ابتسم باقتضاب على
الرغم من مزاجه العكر الذي يحاول التغلب عليه منذ الصباح وأخبرها بنبرة مرحة تعجبت
منها لا تنتمي له أبدًا:
-
تذكري أنني حاولت بالطريقة السهلة
نظرت له بتوتر عندما نهض ثم تريث ناظرًا لها نظرة لعوبا تحمل الكثير من
المكر ثم حاوطها جيدًا كي لا تجد مفر ولا يزال ممسكًا ببعض الطعام لترمقه هي بملامح
رافضة وحاجبًا يتأبى الانخفاض لتجده اقترب منها للغاية ودون مُقدمات بدأ في دغدغة
خصرها.
تظاهرت بالتماسك في البداية وهي لا تعرف ما الذي يحدث له من صراخ
عندما استيقظ ثم للمرح الغريب ورغمًا عنها لم تستطع أن تكبح قهقهاتها التي خدعتها وجعلتها
تنهزم أمامه..
ما إن بدأت بالضحك حتى أدخل بعض الطعام داخل فمها لتبتلعه دون إرادة
منها فأتى
بآخر فحاولت أن تبتعد وابتسم بهدوء على ملامحها التي لأول مرة يراها والضحكة ترتسم
عليها بهذا الشكل وتساءل:
-
أتريدين تكرار ما حدث منذ قليل أم أنك ستأكلين؟
هدأت من ضحكاتها وأومأت له بالموافقة ثم أجابته
باقتضاب:
-
حسناً سآكل وبعدها سأغادر
عاد جالسًا على مقعده بجانبها ومد يده بالطعام إليها لتنهاه وهي تنظر له
بقليل من الاستغراب:
-
أستطيع أن أتناول الطعام بمفردي، أتعلم هذا؟
أومأ لها
بالنفي وعقب قائلًا:
- لا أعلم هذا وسأطعمك بيدي
أمسك يدها بلطف فحاولت أن تجذبها بعيدًا
ولكنه بادرها بقوة قبضته عليها فتنفست بضيق وبدأت في تناول الطعام من يده رغمًا
عنها فهي لم تنس بعد كامل ما مر عليهما سويًا..
ظل يطعمها
ويطعم نفسه في صمت، هي تارة وهو تارة أخرى ولم يتوقف لوهلة عن طبع ملامحها برأسه
حتى وجدها تنزعج بشدة حيث أنها شعرت بالشبع فقالت:
- يكفي.. لقد شبعت
اللهجة
الآمرة لم تتنازل بعد عن هجره وهو يقول:
- ستنهي هذا بأكمله
زفرت
مجددًا وأخبرته بقلة حيلة وتوسل عله يستجيب لما تقول:
- لا أتناول الكثير من الطعام في مثل هذه الأيام لشعوري
الدائم بالغثيان، أرجوك يكفي
أومأ
بالموافقة وتفقدها لوهلة بقلق محاولًا قراءة ملامحها وتبين صدقها من عدمه وتنازل
لرغبتها ثم كلمها بنبرته الهادئة التي لا يزال يحافظ عليها منذ الصباح:
- حسنًا.. ولكن ستحتسي هذا العصير
ترك الطعام
ثم يدها لتومئ له بالموافقة سألها بأعين تحمل القلق الحقيقي:
- هل أنتِ بخير؟
أومأت له
واجابته باقتضاب:
- نعم..
نهض ثم مد
يده لها لتتفقده بأعين مستفسرة ليسألها:
- هل تستطيعين السير قليلا؟
- حسنًا
أجابته ثم تفقدته لوهلة ونهضت دون مساعدة
منه ولم تستجب لنداء يده المُنتظرة فجذب يدها رغمًا عنها ليُقبض عليها بقوة فلم
تجد مفرا من الحاحه الدائم بكل شيء بينما أمسك بكوب
العصير الخاص بها وأخذا يسيران بعد أن اتجها إلى الخارج وبدون وعي منها بمرور اللحظات وجدت نفسها تحتسي
العصير بمنتهى الهدوء..
❈-❈-❈
لم يتوقف
عن تفقده إياها بطرف عينيه ثم سلط نظره أمامه وتحدث بمشقة:
- لقد كان كابوسا، أغضبني كثيرًا وازعجني.. لم أقصد حقًا أن أتصرف
هكذا.. الأمر أتى تلقائيًا للغاية..
هل هذه
الكلمات تُعتبر اعتذار، حسنًا.. كلماته أتت بجفاء مختفية بين وجوم ملامحه كالعادة
ولكنه تريث حتى يرى أو يستمع إلة ردة فعلها فلم يستطع قراءة أي شيء سوى
تفكيرها بالأمر وكانت مفاجئته عندما سألته:
- هل هذا يُعد اعتذارا؟
التفتت له بكبرياء لينظر لها حائرًا ليُعقب سريعًا:
- أنا لا...
صمت لينتقي الكلمات دون أن يعقد الموقف أكثر، هو لا يعرف
كيف يعتذر، لم يفعلها من قبل، هل سيتنازل من أجلها هذه المرة؟ بأحلامها، هو لا يعتذر
للنساء، فلتفهم ما تشاء إذن ولكنه لن يُقدم على النطق بها!
أكمل متابعًا بصوتٍ متردد وهو يجد صعوبة في التركيز:
- لقد بالغت في ردة فعلي أنا أعترف
انتظر لثانيتين ليرى اندهاشها واتجهت لتضع كوبها بعيدًا
على أحد المقاعد ثم اتجهت له ورفعت حاجبيها وتوسعت عينيها في تعجب وكررت سؤالها
بتصميم:
- إجابتك جيدة ولكن لم تجيبني بالشكل الكافي هل هذا اعتذار؟
وجدته يتوقف عن السير ثم زفر في ضيق
ليجيبها باقتضاب دون أن ينظر لها ناطقًا الأحرف على مضض وأنهى صراع نفسه بأن يُفكر
بالأمر:
- حسنًا... اعتذار
وقفت أمامه مباشرة وعقدت ذراعيها متحفزة وأخبرته بدلال فطري
لائم ابتسامتها المشرقة كثيرًا:
- انطق بها إذن... اعتذر لي عُمر، افعلها من أجلي رجاءً
وجدت ملامحه تتجهم في غضب وهو يثقبها بنظرة متفحصة كانت
من شأنها أن تخيفها فيما مضى بينما الآن لن يستطيع فعلها ونظرت له بمزيد من دلالها
العفوي ولكنه حاول التماسك ثم حذرها بلهجة جافة:
- روان!! لا تبالغي، هل نسيت...
قاطعته بابتسامة ازدادت إشراقًا لتتحول ملامحه من الغضب
إلى الافتتان بها وعسليتيها الرائعتين تلمسهما ابتسامتها وسألته:
- من يُخطأ يعتذر، لقد علمتني أنت هذا، أليس كذلك؟
رأت ملامح الغضب اعتلت وجهه أكثر وهي تُحدثه بهذه الطريقة
بعد أن لاحظت نظراته المعجبة منذ ثوانٍ لتتوسع ابتسامتها ثم قالت:
- على الأقل أنا لا أجـ ـبرك أن تتـ ــعـ ـرى وتنخفض على
يديك وقدميك وأُعاقبك... أنا فقط أريد الاستماع لكلمتين... أنا آسف... ستة أحرف...
كلمتين... هيا الأمر سهل!
أطبق أسنانه بعنف ليشرد بملامحها دون إدراك بينما تابعت
هي وأضافت بمزيد من التوسل بغنج ودلال مبالغ فيه:
- أرجوك... فلتنطق بها...
تغيرت ملامحه لسماعه تلك النبرة منها حيث استطاعت أن تنتشله
من شروده، وتوقف عن فقد نفسه داخل عينيها وتلك الابتسامة الخلابة التي لم يعهدها منها
ليتنهد ففاجأته قائلة بتوسل وهي تحافظ على ابتسامتها:
- أرجوك... أرجوك سيدي
استمرت في دلالها وعلمت ما تفعل جيداً، فهو يعشق تلك الكلمة
ولطالما أتاها وابلاً من الصفعات عندما نادته بغيرها فبدأ يتكلم على مضض:
- أنا...
توقف لوهلة وهو لا يُصدق أنه سيعتذر إليها ليقول مغتاظًا
بصوت خافت:
- أنا آسف!
تفوه بها على الرغم من أنها ليست عادته، شعر بالضعف أمام
تلك الأسلحة التي اندلعت كالبركان لتتركه مولعًا بها أكثر ولم يأت على عقله سوى احتواء
تلك الشـ ــفتين بين خاصــ ــتيه وإلا عليها التوقف عن الابتسام بهذه الطريقة لتتوسع
أكثر وكأنها تنوي أن تُشعل دماءه بالغيظ ثم نبهته وهي تقول:
- وأخيرًا
تنهدت براحة وصوت مهمهم بانتصار ولكن هذا ليس الأمر، فهناك
مفاجأة له:
- حتمًا هذا
تقدم معك هائل وأنا أُقدره للغاية، ولكن لا زلت أُريد الطل...
علم ما أوشكت
على قوله فهي ستطلب الطلاق مجددًا فقاطعها بضيق:
- روان!
هذه أول مرة أعتذر في حياتي لامرأة... أمهليني بعض الوقت أنا أيضًا...
لم يكن
منها إلا أن زفرت في قلق وحيرة ثم جذب يدها وظلا يسيران معًا ليُكملا هذه
اَلنُّزْهَة الصباحية ثم سألها ليحصل على انتباهها:
- أتعلمين؟
التفتت له بأعين
متسعة مستفسرة فتابع هو:
- الرجل السا
دي لا يقابل بالرفض ولقد تهورت كثيرًا عندما اخترتك للزواج بك ولكن لا أعلم، لطالما
أردتك منذ أن وقعت عيناي عليكِ، لم تحدث من قبل مع سواكِ، أعلم أن تلك الليلة صورت
لكِ الكثير من المفاهيم الخاطئة، وأعلم أنني بالغت وأوشكت على إيذائك، ولكن رغمًا عني،
كل ما تفعلينه، بل وتقولينه، كلمة لا، والرفض، والعصيان والنفور وكلماتك المستفزة تلك
تدفعني لغضب جم لا تستطيعين تصور عواقبه... لكن أُريدك أن تعي جيدًا أنني أريدك، ليس
للتسلية أو لغرض افتتاني بك ولكن أريد أكثر من أن أملكك في فر اشي، أريد أن أشاركك
كل شيء، منزلا وحياة وفرحا وحزنا وغضبا وراحة، كل شيء أريد أن أعيشه معك، أنا بالغت
واندفعت لإرادتي بأن أتملكك سريعاً وتركت الكثير جانباً فقط لأحصل على خضوعك لي...
أعتذر لكِ ولنمزق تلك الصفحة السخيفة بحياتنا معًا ولنسطر أخرى من جديد...
أفرغ كل ما
برئتيه من أنفاس أُجـ ـبر على أن يحبسها طوال مُدة نُطقه لتلك الكلمات، لم يكن يسيرًا
عليه أن يصرح عن مكنونات صدره هكذا، آلمه وآلم سا ديته أن يتفوه بهذا ولكنه ظن أن هذا
هو السبيل الوحيد كي يقنعها، وكي يجعلها تتنازل عن رغبتها في الابتعاد عنه كما أنه
تمنى أن هذه الكلمات ستكون عونًا له في أن تتقبل كل ما يُريده
ولفتاة مثلها
لا تريد سوى أن تحيا في سعادة وتعشق زوجها كانت كلماته قد امتلكت عليها سُلطانًا بالفعل!
ظلت تنظر إليه في تعجب، لم تتوقع أن يتفوه بكل ما قال ولو حتى بأحلامها!!
هل عليها
أن تصدق كل ما قال؟ أم إنه سيعود ليقسو عليها؟ ولقد اكتفت من تمزق عقلها من كلماته
التي تنجح دائمًا في إقناعها وإيجاد سبيل للتعاطف معها والثقة بها ولكنها لم ترد أن
تتسرع قرارها لتُعقب بعد أن همهمت مُفكرة:
- أمهلني
بعض الوقت أنا أيضًا، ولنرى، ولكن لا أريد تلك القسوة التي تتعامل بها، وأظنك تعرف
جيدًا كيف تكون غير قاسٍ
لم تدر كيف
أخبرته بهذا وأين ذهب قرارها بالحصول على الطلاق شيء ما به وخصوصًا اليوم جعلها
تغير تفكيرها، وخرج الكلام متدفقاً على لسانها كأنه استجابة تلقائية لما قاله
وكأنه حتى يتحكم بردة فعلها، وكأنما يملك تعويذة يسحرها بها كلما تحدث معها. عقد حاجبيه
ثم توقف ونظر إليها بتفكير مُضيقًا عينيه وهناك ابتسامة مقتضبة تتلاعب على شــ ــفتيه:
- حَقًّا، متى
كنت غير قاسٍ معكِ؟
ارتفعت عسليتيها
في شرود لجزء من الثانية مُفكرة من جديد ثم أجابته بعد همهمة ليُدرك أنها تسوق كل ما
به إليها دون هوادة وتجذبه بكل ما فيها وكل ما هي عليه بطريقة لم تفعلها أبدًا امرأة
سواها:
- عندما علمت
أنني مريضة، وأيضًا، بعد أن غادرنا الغرفة، واليوم منذ قليل...
أخبرته
وعسليتيها تتجولان بملامحه باحثة عن أي استجابة ثم تريثت لبرهة وأضافت بقليل من الحنق
البريء الذي لم يُصدق بحقيقته:
- أنت تعرف
جيدًا ولكنك تدع غضبك يعميك...
همهم بتفهم
واشتق من كلماتها متسائلًا ونظراته تخترق ملامحها بعمق واقترب نحوها قليلًا ولا
تزال الابتسامة تتلاعب على شـ ــفتيه:
- عندما كنتِ
مريضة وبعد أن غادرنا غرفة المتعة واليوم منذ قليل... ومتى أيضا؟
أخبرها ثم جذب
خــ ــصرها بخفة ولم تدرك أنه يدفعها للخلف حتى استندت على شجرة بحديقة المنزل
بينما حدق بوجهها جيدًا وكان ينتظر منها ولو حرف واحد لتذكر الأمر عندما عاقبها ولكنها
حدثته بأمر آخر تمامًا وهمست في توتر من اقترابه:
- وأظن...
عندما كنت مع حصانك بالإصطبل، وعندما تتعامل مع والدتي وأخي... تكون غير قاسٍ...
أقترب منها
وشعرت بأنفاسه تلفح وجهها لتتعالى أنفاسها بارتباك وأعينها ارتفعت ناظرة له
مسلوبة القوى تمامًا أن تدفعه أو تصده عن اقترابه على الرغم من يديها التي ثم همس بصوت
خافت يــ ــثير أي أنثى:
- ومتى
أيضًا؟
زاد توترها
وعلت أنفاسها وهي تتفقد ملامحه الجذابة ولحيته التي باتت أفضل باكتسابها المزيد من
الطول وشعره المُرتب وعسليتيها لا تتوقف عن التنقل بوجهه وحاولت أن تُكون إجابة خلال
هذه الحرب الأنفاس التي لا تتوقف بينهما وهمست بتردد متلعثمة:
- وأظن... أظن...
عندما تحدثنا على الشاطئ بهدوء وأنت تُحدثني عن السا دية، وكذلك، عندما... أقصد
عندما، كنت مع حصانك بالإسطبل
ضيقت ما بين
حاجبيها بانزعاج عندما أدركت أنها تُكرر نفس كلماتها منذ قليل مما دفعها للتوقف عن
الحديث وازداد اندفاع الدماء لوجهها ليُصبح متوهجًا بشدة ليزداد تلاعب ابتسامته الراغبة
بها ولم يقطع التواصل عن مبادلة عسليتيها نظرات جعلت دماءها تتسابق بعروقها لتحاول
الصمود أمام فحميتيه وهمس بنبرته تلك التي تُزيدها ارتباك:
- ومتى
أيضًا روان؟!
اندمجت أعينهما بسيل من التحديقات غير المُدركة لما يحيط بهما وكأنهما
انعزلا عن الدنيا بما فيها وكذلك اختلطت أنفاسهما ليصابا باندفاع لا نهائي بمشاعر لأول
مرة تطرق قلب كل منهما وبعد لحظات انغمسا بها وهو يقترب إليها أكثر دون أن تلاحظه وما
إن فعلت حتى تلعثمت بأنفاسٍ لاهثة تناشده بتوسل:
-
ابتعـ ...
لم تستطع أن تكمل بسبب التهــ ـامه شــ ــفتيها في رقة ولطف، قبلة لم تحظ بها
قط معه، شعرت حتى بابتسامته خلالها، لحظة واحدة تمنت منذ أن كانت فتاة تُشاركها مع
زوجها الذي تمنت لو كان زواجهما هذا بُني على عشق بدل من أن يُبنى على قضية وإجبار
وتصرفات وميول غريبة!
رغماً عنها أغلقت عينيها بكثيرٍ من الشغف، الأمنيات التي لمــ ــست قلبها
في أحلام يقظتها كفتاة، وكذلك خجل جم!
ظل يقــ ــبلها بشغف ولم تفعل إلا أن بادلته عندما وجدته بهذا الرفق واللين
معها وعهدهما منذ قليل أن يبدأ كلاهما سَوِيًّا من جديد...
ظل يقبلها ليرتوي من تلك الشــ ــفتين التي تمنى كثيرًا أن يفعل بها الكثير
ولم يستطع الاستمرار عندما احتاج كل منهما للتنفس فابتعد قليلا مُفرقًا قبــ ــلتهما
ثم نظر لها ليجدها غامضة العينين وعلامات النشــ ــوة الممتزجة بالخجل تكسوها بالكامل
كما أن حمرة وجنتيها أصابته بالجنون لتحثه على معاودة تقبــ ــيلها مرة أخرى!
فتحت عينيها لتنظر له وهمت أن تتحدث ولكنه أخذ شفــ ــتيها بين أسنانه
برفق مرة ثانية وبعد محاولاتٍ منه بُنيت على خبرته مع النساء أدت ألســ ـــنتهما
لتتراقص معا وترك يده تسبح في شعرها ذي الخصلات الطويلة الذي عشقه منذ أول وهلة رآها
بها وخلله بين يديه وفجأة شعرت بعنفه بينما كان هو يتصور هذه الخصلات تجذب بشدة
وهي أســ ــفله!
اتخذت قبــ ــلته سبيلا آخر مُغايرًا لبدايتها، عنيفة ولكنها تحمل بين
طياتها العديد من المشاعر التي تجربها وتختبرها لأول مرة بصحبة رجل، على الرغم من
طريقته الغريبة التي لا تعرف هل هي صحيحة أم لا ولكن الأمر راقها كثيرًا، فهي لأول
مرة تلمــ ــس معه هذه الأحـ اسيس التي لم تكن تتوقع أن يصل كلاهما إليها بعد كل ما
مر بالسابق!
شعرت بوهن قدميها وهو يستمر بهيمنة خفية لم تُدركها هي ولم تستطع التحمل
فرفع يداها حول ظــ ــهره حتى تحصل على بعض الدعم ولم تلبث ثانية واحدة إلا وقد أمســ
ــك كلتا يديها بيده ورفعهما فوق رأسها وظل يقــ ــبلها بعــ ــنف وشرا هة..
ابتعد ثانية ليلتقطا بعض الأنفاس بعد أن استغاثت رئتيهما لتنظر له بأعين
يغلفها مشاعر لأول مرة تتحكم بها ليُطري على نفسه بصنيع قبلة واحدة منه فقط وتابع شـ ــفتيها
بنظرة ملتاعة للحصول على المزيد واستمع لهمسها المستغيث:
-
عمر عليك أن تتوقـ...
يستحيل أن تمنعه عنها أبدًا، لن يـ ــقبل بهذا، ليس بعد ما اختبره، وتمتم
كالمسحور:
-
اللعنة على شــ ــفتيكِ روان!
عقد قبضة يده حول يديها الاثنتين وعاد ليقبلها مرة أخرى وبدأت يده
الثانية تتلمـ ـس جــ ــسدها بتوال ولمــ ــسات جعلتها غير قادرة على النطق ولا النزاع ولا حتى أن تدفعه للتوقف، مفا تنها وخــ ــصرها، أسفل ظــ ــهرها
الذي عشق كل ما رُسم به حد الجحيم، ثم رفع يده مرة ثانية وأعتصر خصرها بتملك طاغٍ ثم
رفع يده من جديد لمفاتنها وهو لا يزال يُقــ ــبلها بافتراس.
انخفض قليلاً لتلــ ــثم شفــ ــتاه عنقها المرمري وبدأ في عضها برفق ومنها إلى
ثد ييها الذي لم تدرك متى خلع عنه صد ـريتها وكيف فعلها وهي لم تلحظ أفعاله لتصاب بقشعريرة
مصحوبة بالخجل لسكونها أمامه بهذه الطريقة التي لم تختبرها قط.
تأججت بداخلها الحاجة الفطرية استجابةً لأفعاله وبدأت في إطلاق أنين
المتعة من كل ما يمر عليها ثم وجدته يطبق على جــ ــسدها بجــ ــسده وأصبح ملتــ
ــصقًا بها بشدة وما زال يتذ وقها وفجأة دفع أحد أصابعه داخل فمها لتتعجب من فعلته
ليمرره بطريقة غريبة حتى دفعها للعقه وهي لا تفهم أي من هذا، هي لم يسبق لها أن فعلت
شيئًا كهذا ولم تدرك كيف استجابت له وكأنها منومة مِغْنَطِيسِيًّا.
نادته وسط نشــ ــوتها وعينيها الموصدتين غير واعية كيف توقفه عن فعل هذا
فهي ليست مستعدة بسبب عادتها الشهرية لكل هذه المُقدمات وتقطعت الحروف بخفوتٍ وهي تنطق
بها بين أناتها ولهاثها الكثيف:
-
عمر، يكفي!!
لم تحتمل فنونه الخبيرة التي تجعل أي أنثى تستجيب له وظلت تتنفس بسرعة
لاهثة بالمزيد من الحروف التي امتزجت بصعوبة مقدرتها على تكوين جُملة واحدة:
-
أنا لست مستعدة كي... كي...
سكتت عن الكلام لتجد حدته بدأت في الهدوء ومن
ثم أعاد ملا بسها على جــ ــسدها الذي لا يفشل في إصابته بالفتنة وعلى الرغم من
أنه أوشك على أن يأخذها أسفله ولكنه قرر التوقف كي لا يغضبها مرة أخرى أو يسبب لها
آلم نفسي فإلى الآن هو يحاول أن يكون لطيفًا بقدر الإمكان كي لا يترك تسرعه ولهفته
عليها تفسدان الأمور بينهما.
انتظر هنيهة إلي أن استعاد كلاهما وتيرة أنفاسهما
الطبيعية ثم سألها بابتسامة:
-
كيف حالك؟!
تحول وجهها للحمرة ونظرت بعينيها نحو الأرضية
فرفع ذقنها بأنامله برفق وحدق بعينيها ثم قبلها قبلة على جبينها وهو يخبرها بخفوت:
-
أنتِ رائعة
ابتسمت بمزيد من الخجل وهي تشعر بوجهها يحترق
بفعل نظراته لتتوسع ابتسامته على خجلها ثم شبك أصابعهما معًا دون المزيد من الكلام
وتركها لتحصل على هذه اللحظة في صمتٍ تام...
كل منهما يُفكر بما أصابه، كانت بالنسبة لها أروع
لحظات حياتها التي تمنت أن تعيشها يوم بينما هو أصبح متيمًا بها وبكل ما هي عليه ور
غبته تفتك به بإرادته لها قلبًا وقالبًا، يريد هذا الجــ ــسد، ويريد طاعتها وخضوعها
له دائمًا، تحت أي مسمى، سيكون لها سا ديًا أو حنونًا أو أي لعنة ولكنه يريدها، كما
يحلو له أو كما يحلو لها ولكنه يُريد أن يُكرر كل ما شعر به هذا من جديد!!
ربما تكون مجرد لحظة عادية في حياة أي رجل وامرأة
للتو تزوجا ولكن بعد كل ما عايشه من ماض وكل ما عايشته هي معه، شعر كلاهما بأن بعد
حديثهما وبعد ما حدث بأن الأمر بأكمله جديدًا عليهما ويتجه بهما نحو حياة أخرى غير
التي فكر بها كل منهما!
يُتبع..