-->

الفصل السادس عشر - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)


 رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل السادس عشر

  

من جديد وجدا هذا التناغم الغريب بينهما وكلما مر الوقت في الاقتراب من بعضهما البعض شق عليهما التمنع تجاه الأمر ثم فرق قبـ ـلتهما ليُحدثها بنبرة آمرة بالرغم من لهاثه:

-       اذهبي الآن

 

ابتعد عنها وسرعان ما توجهت لتُمسك بصينية الطعام لتعيدها وفي طريقها لخارج غرفته باغتها بتلمـــ ـــس أسـ ـفل ظهـ ـرها لتشهق من مباغتته إياها وتعجبت من نفسها كيف لم يسقط منها شيء لتجده يتحدث خلفها بإعجاب:

-       جــ ســ دك رائع صغيرتي...

 

تفقدها وهي تغادر بجسدها الذي ارتجف من فعلته ثم توجه إلى الحمام فورًا وآخذ بإلقاء ملابسه دون عناية على الأرض ودلف أسفل المياه ليلعن نفسه آلاف المرات على عدم سيطرته على نفسه أمامها وأمام جـ ــســ دها الذي كلما تلمــ ــسه يستجيب له... رائحتها الشهية العطرة دائمًا، لو فقط يستطيع أن يتناولها صباحًا ومساءً دون كلل أو ملل منها ولا خوف ولا جدال... أين ذهبت سيطرته؟ ما الذي تفعله به؟ وما اللعنة التي حدثها بها ليلة أمس جعلتها تتحول مائة وثمانين درجة كي تُصبح هكذا؟

 

 صرخ عقله لتدوي صرخات متسائلة لا نهائية بأرجائه لتهز رجولته ويهتز معها كيانه، مشتتا بين آلاف الرغبات وكامل خططه تتلاشى كلما اقتربت منه وعرفها أكثر! لم يشعر بمثل ذلك الشعور من قبل، لم يظن أنه سيريد أن يتواجد مع أنثى مثلما يريد أن يتواجد معها دائمًا... هل هذا لامتناعه عن النساء لمدة ليست بهينة؟!

 

أوصد عينيه وترك الماء تعمم جسده حتى تذكر تلك الابتسامة التي حصل عليها هذا الصباح ليتمتم بداخله أنه محظوظ للغاية ومن جديد جاء بأفكاره ما الذي جعلها تتغير هكذا فجأة؟

 

ظل يدلك رأسه كمن يريد التذكر، حاول استرجاع كل ما حدث بالأمس منذ أن سألته عن "يمنى" حتى استيقاظه ليحاول ترتيب الأحداث وهو يتمتم مراجعًا أحداث ما حدث:

- ذهبت، جلست أحتسي من تلك الزجاجة، دخنت الكثير من التبغ، ثم هاتفت محمود ليُقلني... وبعدها ما الذي حدث؟!

 

تريث لبرهة حتى يحاول التذكر كل شيء مراجعًا كل ما استطاعت ذاكرته أن تُساعده به من كلمات أو مشاهد لرؤية وجهها تحت تأثير الخمر وهو يعتصر عينيه بتركيز ليتذكر نفسه وهو يبكي أمامها دون استطاعته أن يتذكر أي كلمة من الحديث الذي دار بينهما ليفتح عينيه بمنتهى الغضب والانزعاج على ما فعله معها وانهالت من فحميتيه تلك النظرات الجافة الحادة وتمتم بداخل نفسه بقسوة:

-       لست ضعيفاً حتى تشفقين علي!! سنرى الآن من منا يحتاج للشفقة

 

أوصد الصنبور وكادت قبضته أن تخلعه من مكانه من شدة غيظه مما أدركه إنها تنظر له الآن وكأنه رجل ضعيف يحتاج الشفقة، وأخذ يُفكر فيما سيفعله معها وتوجه بعد أن لف حول خــ ــصره منشفة ورفع مـ ـلابسه ليضعها بصندوق الملابس المتسخة وما إن ذهب لغرفة ملابسه خلــ ـــع المنشفة وأعطى ظهره للباب وعلم جيدًا أنها آتية بعد أن سمع خطواتها وما إن دخلت حتى سمع شهقتها ليبتسم بخبث دون أن تراه... عليه أن يرفع من سقف هذه اللعبة قليلًا كي تعتاد الأمر... خجلها وارتباكها وتلك الذكريات التي لا تتحملها هو كان عليه أن يمحيها تمامًا استعدادًا لما هو قادم بينهما! فلقد انتظر الكثير وبدأ صبره بالنفاذ ولا يدري إلى متى سيتحمل ذلك العذاب كلما اقترب منها وهو لا يستطيع أن يصد نفسه عن رغــ ـــبته بها.

 

التفت لها بمنتهى الهدوء وكأنه لا يعلم أنها شعرت بالخجل وسألها بتلقائية وبداخله يُفكر بمنتهى المكر في كل ما يجول داخل عقلها:

- ماذا؟ أتريدين شيئًا؟

 

ارتجفت يدها التي تحمل قهوته وضربت الحمرة بوجهها مما تراه لتتلعثم وهي تحاول ألا تلمح من جـ ــسده سوى عينيه:

- لقد... أتيت... لك بالـ... القهوة! لقد طلبتها...

 

التفت مُدعيًا استكمال ارتدائه لملابسه لتنتقل عيناها إلى جسده وامتنت أنه لا ينظر لها لتتفقد نهاية خــ ـــصره ثم خلفيته التي بدت لها مثيرة كالجحيم، لم تفكر من قبل أن الرجال قد يتميزون بظهورهم ولكن يأتي "عمر" ليغير كل تلك الأفكار برأسها...

 

ظلت تحدق وأبت قدماها أن تتحرك كما جف حلقها ولم تستطع التحدث وهي تستكشف تلك العضلات بجــ ــسده الرشيق التي تنتهي بخــ ــصر رفيع وأسفـ ــله سا قان مشدو دتان، اللعنة، متى يُمــ ــارس الرياضة ليمتلك جــ ــسدا كهذا؟!

 

ارتفعت أنفاسها لا إِرَادِيًّا وقضمت شفــ ــتيها بقسوة ليدوي في عقلها تخيلات لا حصر لها ليتريث هو بمكرٍ وعلم تأثيره عليها فتناول إحدى الملا بس الداخــ ـــلية ذات اللون الأسود الضـ ـيقة ثم ارتداها والتف لينظر لها ليتحول وجهها بالكامل وكأن أمامه كتلة من الجحيم الحمراء المُندلعة...

 

أشاحت بنظرها للأرضية وكلما أقترب شعرت بالتوتر حتى لمــ ــس يدها ليحمل منها القهوة فارتجفت تِلْقَائِيًّا للمــ ــسته وابتسم لها بخبث متمتمًا وهو يرفع ذقنها له:

-  وقتك مناسب للغاية

 

أحـ ـست بالخجل الشديد وتوترت أكثر فأخذت خطوة للوراء دون أن تدري ما الذي تفعله وأخذت تعض على شفـ ـتها السفلى ليبدأ هو في الانزعاج لمن تؤجج رغبـ ــته وتُجبره على إرادتها أكثر وانزعج عندما حاولت من جديد عدما النظر له...

 

اقترب منها بعد أن وضع قهوته جانبًا ورفع وجهها له بفعل سبابته وإبهامه آمرًا بهمس وهو يبتسم بخبث:

- انظرِ إلي ...

 

نظرت له مسرعة دون تردد وأخذت جفونها في التحرك لترمش بسرعة دون التوقف لتختفي نبرته بطيات تردد دفع بها المزيد من الارتباك:

-       هل أعجبك ما رأيتِ؟

تمنت لو تأخرت، أو عساها لم تمتلك قدمين تستطيع المشي بهما كي تأتي له وتواجهه الآن، تمنت لو أنه ليس عليها الاعتراف أمام عينيه بنظراته القوية التي تبعث بها الإجبار والإذعان على إجابته بكل ما يريده هو، لا تستطيع أن تفر من تلك النظرات ولا تستطيع أن ترفض وتأبى وتستفز أسوأ شياطينه وهي بالكاد تمتن لمشاركته يومًا هادئًا وحيدًا منذ أن تم زواجهما لترطب شفـ ــتيها هامسة في النهاية بحروف تقطعت من شدة توترها:

- هذه أول مرة... أن ... أرى... رجل دون ملابسه

 

لاحظ هو كيف خرجت الحروف متقطعة على مُكثٍ ليستغل المزيد من تأثيره عليها وتكلم بهدوء مُحذرًا:

- هذه ليست إجابة سؤالي... لست رجلا صبورا ولن أعيد ما سألت

 

ابتلعت بتصاعد ارتباكها ورمقته مناشدة إياه أن يُخلصها من هذا الإحراج وتمنت لو أن إجابتها ستشفع لها وستجعله يتركها وشأنها فتحدثت بسرعة بعد أن استجمعت كل ما لديها من شجاعة:

-       أظن نعم أعجبني

 

زفرت في راحة ولم تهدأ أنفاسها بعد، وابتلعت بمزيد من الارتباك على ما قالته فاعتصرت عينيها من كثرة خجلها بينما التمعت عينيه باستمتاع شديد على تشتيته لها بمثل هذه الطريقة واتضاح تلك البراءة على وجهها وهي لا تعرف كيف تصده ولا حتى تعرف كيف تتصرف لتجعل خفقات قلبه تتصاعد لها ولكنه سيطر على ملامحه ببراعة وتبسم ابتسامة جانبية ثم نظر لها في زهو وغرور وابتعد قليلاً لترى جـ ـسده من الأمام ويعطيها فُرصة لتعلم ما ينتظرها لتلعن ذلك الجـ ــسد وتلعن عيناها لعدم مفارقتهما التحديق به ليُلاحظ رغبتها الخجولة به ثم أخبرها بمنتهى الهدوء:

-       اعرف أن الأمر أعجبك ولكنك خجولة ليس إلا... تعلمي أن تهدئي وتحكمي في نفسك قليلًا صغيرتي، أم لا تستطيعين الانتظار!

 

ازداد خجلها بشدة لتُخفض من بصرها سريعًا كي تبتعد عن عينيه التي تشاهدها بهذه الطريقة وما إن انخفض نظرها أســ ــفل خــ ــصره حتى صُعقت بحـ ـجم ما يبـ ـرز منه وانفجرت المزيد من الحُمرة بوجهها حتى شهقت رغمًا عنها ووضعت يدها على فمها واتسعت عينيها ولكنها حمحمت لتقول:

-       سأذهب حتى... أقوم بال... طعام ال...

 

تاهت الكلمات ثم أغمضت عينيها بعنف وهزت رأسها في غضب ثم أخبرته مسرعة:

- أراك لاحقًا

 

هرولت سريعًا خارج الغرفة بينما انفجر هو ضاحكًا دون أن يخطط لهذا ولم يستطع أن يوقف قهقهاته وقد اتجه رأسه للخلف من شدة تأثره وقد حُفرت ملامحها ونبرة صوتها برأسه وأقسم أنه لم يواجه ردة فعل مماثلة من أي امرأة قبلها وظل يضحك ويضحك حتى أسقطت عيناه دموعًا ...

ما إن تذكر خجلها هدأ عن الضحك، وانتشلته نبرتها التي تحدثت بها منذ قليل ليشرد بها لوهلة وهو يتذكر تلك الملامح التي تفقدها وهي عابسة ومُرتبكة ووجهها كاد أن يحترق بلهيب الخجل، كمْ بدت شهية، كمْ أراد أن يمــ ــزق تلك الشفتــ ــين قُبلًا إلى أن تتوسله أن يكف عن تقبــ ــيله لها وفكر أنه إن لم يحصل عليها، سينفجر بالتأكيد فلقد نفد صبره وتوجه ليستكمل ارتداء ملا بسه ولم يتضح القليل مما يُفكر به على ملامحه...

 

جلس بعدها ليقرأ أحد الكتب وأخذ يُفكر كيف سيستخرج كل ما حدث ليلة أمس منها كي تخبره بكل ما تفوه به، فهو لا يريدها أن تكتشف شيئًا لا يُريد هو الإفصاح عنه...

بدأ الوقت في المرور وهو لا يعي أي حرفٍ مما كُتب أمامه ولا يستطيع التركيز به وبدت الحروف وكأنها لغة غريبة لا يستطيع فهمها ليُغلق الكتاب وانتظر أكثر وأكثر وبداخله يستحيل أن يتنازل هو عن سيطرته وتحكمه ويذهب لها حتى لو كان بداخله لهيبًا جحيميًا يحثه على أن يترك كبرياءه جانبًا ويذهب لها...


❈-❈-❈


طالع الساعة بنفاذ صبرٍ ثم فتح كتابه من جديد لتمر ساعة تلو الأخرى ويليها ساعة أخرى ثم ساعة رابعة حتى سئم الانتظار وقد عبرت الساعة الثانية وهو بالكاد يتحمل نفسه ورغبته بها التي سيطرت على كل ذرة عقل يمتلكها حتى رآها أمامه.

 

لوهلة ابتلع وهو ينظر لها نظرة خاطفة ليسجل عقله مظهرها هذا في جزء من الثانية، قد أعتاد هذا بعد سنواتٍ عدة من العمل، نهى نفسه أن يُطنب بالنظر بالرغم من موته بداخله الذي يتوالى وكل ما يُريده هو المزيد من النظرات لمظهرها الأخاذ، ولكنه في النهاية حاول جاهدًا ألا ينظر لهذا الجــ ــسـد الذي يصرخ بالفتنة الساحرة التي قد يتبدد أمامها قوة أي رجل على التحمل ولكنه فعلها واستطاع أن يُسيطر على هذا الاندفاع والشره نحوها إلى الآن!.

 

صورتها لم تغادر رأسه، يُفكر كمْ بدت فاتنة في هذا الفستان القصير الذي خلب عقله وهو يظهر مفا ـتنها، منحنيات جـ ــسد ها الذي لم يحصل منه بعد على كل ما يُريده يحرضه على أن يحرق تلك اللعنة بعد أن يخلــ ـــعـها عن جــ سد ها!! خـ ـصر ها المنحوت يدفعه لأن يغرز أصابعه به حتى يخــ ــلع ضلوعها، وهذه الخصـ ــلات الطويلة يُريد أن يُعقد قبضته عليها وهي تستغيث أسفـ له أن يكف عما يفعل!

 

-       لقد انتهيت من صنع الطعام... هيا لنتناوله...

أخبرته بابتسامة ودلال فطري لا تتصنعه يأتي منها بمنتهى العفوية منتشلة إياه من تذكره إياها مما أجبره على رفع رأسه والتمعن بملامحها لتباغته بالمزيد مما يحاول الهروب منه منذ ساعات ليلعن نفسه بداخله آلاف المرات على التزوج من امرأة بهذا الحُسن الأخاذ الذي فتك بعقله المسكين وبر غبته التي لا يستطيع إخمادها بداخله أكثر من هذا وتقاطعت أفكاره المشتتة بكل ما تملكه من أنو ثة طا غية وهذه الملامح لتُصيبه بحالة من التمــ ــزق بينها وبين استطاعته أن يُسيطر على نفسه أمامها.

 

تنهد مُدعيًا الثبات أمام جمالها الرائع الذي لا تشوبه شائبة وقرر أن يأمرها بإحضار الطعام لغرفته حتى يرى ما نهاية كل هذا الهدوء والخضوع المفاجئ وهو على يقين أن تغيرها معه منذ الصباح لا بد وأن يكون بسبب ما أفصح عنه عند ثمالته...

 

يُقسم أنه صمم منذ قليل أن يجعلها تأكل أسفل قدميه ليرى هل الخضوع هذا مجرد تمثيلية زائفة تُمثلها عليه ولكنه نهض لينساق خلفها كالتائه المراهق الذي للتو رأى امرأة جميلة لأول مرة في حياته ليغضب بداخله وآخذ يتساءل ماذا حدث بحق الجحيم لتستطيع التأثير عليه بهذه الطريقة!.

تقدمته بخطوتين لتجعله يبتلع كلما مرت عدة ثوانٍ وهو يراقب دلالها وأنو ثتها الفطرية الظاهرة وهي تتحرك وتهـ ـتز بدلالٍ غير مبالغ به لتبدو بنظره أجمل من رآها ليقبض يديه حتى لا يُجــ ــر دها من ملا بسها الآن ويُمــ ــارس معها علا قة بمنتهى العنفٍ على هذا الدرج الذي اتخذه كليهما في طريقهما للأسفل وليذهب كبرياؤه وسيطرته على نفسه لقاع الجحيم!.

 

لم يستطع أن يكبح عينيه عن هذا الثوب الذي وكأنه قطعة من جــ ــسد ها، كيف للونه أن يكون كلون بشرتها تمامًا ويشــ ــف أغلب التفاصيل التي تعا نق قوا مها أسفله، وتمعن جيدًا بفحميتيه حتى رأى ملا بسها التحــ ــتـية تغيب بمنحنيا تها الأنثوية ليطبق أسنانه بقسوة شديدة عندما أطنب بالتفاصيل!

 

تابع مشاهدتها ليتصاعد اهتــ ـزا زها المبالغ فيه بسبب ذلك الحذاء ذي الكعب العالٍ بعنفٍ على قدرة تحمله التي أوشكت على التفتت مُطيحة بسيطرته وفكر بكم يتمنى لو انحنت أمامه حتى يرى المزيد من المنظر الخلاب الذي لم يره سوى بالغرفة منذ أيام وفجأة شعر باستجابة أســ ــفل خـ صـ ـره فأختار أن يغلق عينيه يعتصرهما حتى لا تكون أول مرة لها بذلك العنف الذي يتخيله الآن وحتى لا يظهر أمامها بمظهر المراهق اللاهث أمام فتنتها الظالمة!

 

التفتت فجأة لتجده موصدا عيناه ويتمسك بسور الدرج لتلمــ ــس يده برفقٍ أزاد لهيبه اشتعالًا بداخله ومزقته وهي تتحدث بدلالها الفطري:

-       عمر، ما الأمر، أهناك شيئًا يؤلمك بعينيك؟

 

فتح عينيه لينظر لها بقسوةٍ جحيمية من انزعاجه وحربه التي أججتها بداخله وابتلع بسرعة بينما لمــ ــستــ ـها له كادت أن تحطم سيطرته بنفسه تمامًا ثم أجابها باقتضاب ونبرة جافة:

-       لا!

 

تقدمها وهو يعقد حاجبيه حتى يتخلص من هذه المشاعر الثا ئرة المتأججة بداخله التي كادت أن تُهلكه وابتعد مسرعًا بخطوات نافذة للصبر كي لا يرى المزيد منها مرة أخرى وذهب للمطبخ حتى ينتهي من أمر تناول الطعام هذا ولكنه لم يجد أي شيء ووجد المائدة فارغة تمامًا!

 

أُرغم على الالتفات إليها بوجوم على ملامحه لم تتفهم هي ما سببه ولكنها لا تريد أن يظلا بمثل هذه الطريقة من انعدام التواصل بينهما كرجل وامرأة للتو تزوجا حديثًا وبعد معاناته التي اتضحت عليه ليلة أمس قررت أن تحاول من أجله ومن أجل أن تُنسيه كل ما مر عليه من صعوبات بخصوص علاقته السابقة التي انتهت بالخيانة فأخبرته بتهلل بملامحها وابتسامة رقيقة:

-       لقد وضعته بالخارج

 

أهلكته ملامحها أكثر وأقسم بداخله أنها لو استمرت في تأجيج جحيمه التي لا تهدأ بالفعل ستكون هي طعام غدائه ولن يتركها إلا بعد أن يُشبع رجــ ــو لته التي تمزقت ألمًا مما تفعله به فمسح على وجهه بحنق ثم أمرها بلهجة جافة:

-       انتظريني بالخارج! سألحق بكِ بعد قليل!

 

تقطب جبينها في تعجب مما أخبرها به، وسألت نفسها للحظة لماذا يُريد منها أن تذهب وتتركه، بل ما الذي يُريد فعله دونها فمن المفترض أنهما بخير منذ الصباح وهي تحاول أن تذيب ذلك الجفاء بينهما!

 

سرعان ما حاولت أن تترك أفكارها التي تُشتتها بعيدًا وابتسمت له وأومأت بالموافقة وأخبرته برقة:

-       حسنًا ، لا تتأخر رجاءً...

 

التفتت وتوجهت للخارج وبكل ما تملك من غنج ودلال وخبث مشت كما عارضات الأزياء وهي تعرف أنها تُظهر فتـ ـنتها وأنو ثتها التي لطالما أطرى عليها الجميع أمامه ليبتلع مُجددًا وتمسك هو بالحائط بينما يتابع كتلة الفتنة وهي تُحدث هــ ــزات عفوية وهي تؤدي إلى زلزلة كيانه بأكمله.

 

ما إن غادرت وغابت عن فحميتيه المتشبثتين بها كالمراهق التائه خلل شعره جاذبًا إياه بين أصابعه بعنفٍ وتوجه سريعًا وتناول كوب من الماء المثلج عله يهدئ هذا البُركان الثائر بداخله...

 

تفقد أسفــ ــله حتى بدأ في الهدوء وهو يتنفس بعمق أنفاس متوالية يحاول خلالها الهدوء وتوجه للخارج حتى رآها جالسة منتظرته تضع ساقًا فوق الأخرى لتعاكسها ويظهر بينهما نهرًا من الجنة ستره ستارًا رقيقًا يحثه على تمز يقه بأصا ـبعه وتيقن أن هذه الفتاة تُصمم على أن تفقده عقله بكل ما تفعله.

 

أشاح بنظره غاضبًا وهو يزفر بإحباط كي لا يُتابع المزيد بل وتدفعه متابعتها أن تُهلك سيطرته ويُهلكها هو بكل ما يتخيل فعله بها ثم جلس وبدأ في تناول الطعام دون أن ينظر لها وحاول بشتى الطرق أن يتحاشى النظر لها!

 

تعجبت للغاية من صمته ووجوم ملامحه التي غابت عنها المشاعر ولكنها حاولت الصمود كي لا تعكر هذه الهدنة بينهما فلقد تزينت له، تحاول أن تكون زوجة جيدة، تحاول بشتى الطرق أن تكون الزوجة الصبورة من أجل زواجها الذي لم يمر الكثير عليه بعد، لقد قررت أن تغفر بالفعل ولكنها لن تتركه أن يذهب بمحاولاتها بأكملها ويتركها خاوية الوفاض...

 

قررت كسر هذا الصمت بواحدة من ابتسامتها التي تُشابه شروق شمس الشتاء الدافئة وسألته:

-       هل أعجبك؟!

 

أُجبر من جديد على النظر إليها لينزعج أكثر من تلك الصغيرة التي تأجج شهـ ـو ته وتطرق على سيطرته بمنتهى القسوة ولكنه أجابها باعتدال:

-       نعم... أنتِ طاهية جيدة

 

سرعان ما نظر بعيدًا مُستكملًا محاولاته أن لا يُطنب النظر بها ثم أتت له فكرة ليرى ما نهاية تحولها المفاجئ هذا بابتسامتها وَتَزِينهَا له وطاعتها وخضوعها فقال بنبرة ذات مغزى مُضيفًا:

-       وجارية جيدة أيضًا تعرفين كيف تكسبين رضاء سيدك!

 

تفحصها بثاقبتين ليرى انعكاس ردة فعلها من كلماته على ملامحها ولكنها أدهشته بكلماتها التي عقبت بها على جُملته وهي تحافظ على ابتسامتها الدافئة:

-       وهذا كل ما أتمناه

 

حاول السيطرة على دهشته كي لا تظهر عليه عندما رأى الصدق بعينيها جلي في منتهى الوضوح وابتسامتها الخالصة التي لا يشوبها أي انزعاج ليتعجب بداخله لأفعالها التي تتلاحق مصيبة إياه بشتاتٍ هائل وظن أنها تحاول أن تُجاريه فقط ليس إلا فقرر التيقن إلى أي حد قد يذهب هذا الخضوع المُفاجئ فسألها بملامح يغلفها البرود والجفاء:

-       أين تأكل جاريتي المُطيعة؟

 

شعرت أنه يحاول أن يختبر ما وراء كل تغيرها الذي تفاجئ به فأجابته بسرعة وتلقائية:

-       أسـ ــفل قد م ســ ــيدها

 

ما إن أجابته حتى توجهت أسفل قدميه ووضعت يديها على فخــ *ــذ ـيها مثل ما علمها بهذه الغرفة وانتظرت حتى شعرت بأنامله تلامـ *ـس أسفل ذقنها لتنظر له نظرة غريبة، نظرة مفعمة بالكثير من المشاعر، مشاعر خالصة له هو وحده وكأنما تريد أن تصرخ به مُذعنة أنها ستفعل أي شيء من أجله!

 

شعر بتزعزع بداخله وكأنما يقتلع شيئًا منه لا يدري ماهيته ولكنه حاول أن يُسيطر على ما يجري بمكنونات صده ثم أثني عليها برضاء:

-       فتاة جيدة

 

بدأ في أن يطعمها بيده وهو يُمرر الطعام من بين شـ ـفـ ـتيها الفاتنتين فتناولت منه ما سمح لها به إلى أن رأى أن الكمية التي تناولتها تكفي لشبعها وهو يبعد خصلاتها بين الحين والآخر خلف أذنيها ثم أعلن بااقتضاب:

-       يكفي!



❈-❈-❈


ترك كل ما بيده بينما تابعها وهي ترطب شفتيها وبادلته النظرات في صمت وهو لا يدري إلى أي مدى حَقًّا يُمكنها أن تتحمل وتفعل من أجله، سيدة الأعمال المرموقة التي رآها يومًا ما، هل شفقتها وصلت لهذا الحد حتى تُرضيه وتُذعن له؟!

قرر أن يرى ردة فعلها عندما يعود لســ ــاديته التي يتعامل بها مع النساء بأكملهن ولم يرق قلبه لسواها وفجأة جذبها من شعرها لتتلاقى أعينهما ورأى القليل من الخوف بداخل عينيها ولكنه لم ير رفضها للأمر...

 

بعد لحظات من التحديقات المتفحصة لها نهض ثم جذبها من شعرها لتتبعه على أربع وبداخلها غضاضة على هذه الفعلة التي لم تكن تتوقعها منه بعد كل هذا الهدوء الدائم ولم تدر لماذا تحول هكذا فجأة وتحاملت على ما تشعر به حتى صعدا غرفته وهي لا تتحرك سوى على ركبتيها وكفيها...

 

جلس على كرسي ذي مسندين بغرفته واضطجع ليضع قدمه اليمنى فوق ركبته اليسرى ثم رفع أسفل ذقنها بأنملة سبابته وتفحصها بنظرة جعلتها تتجمد من برودة الخوف وفي نفس الوقت شعرت بركبتيها تكاد أن تنهار بأي لحظة، لم تقو على التحمل وثقل جسدها بأكمله لا يدعمه سوى ركبتيها، لا تعرف لماذا يفعل ذلك وما الذي أخطأت هي به وهي منذ الصباح تحاول ألا تُثير أية مشكلات معه...

 

أحـ ـس بمشقتها التي شتتها بين الخوف ومعاناة جـ ــسد ها وندائه في الحصول على الراحة ولكنه لم ير بعد تلك الغضاضة التي كان دائمًا ما يقرؤها بعينيها فسألها بنبرة مثيرة للرعب جليدية:

-       ما الذي حدث ليلة أمس؟

 

حدقت به لوهلة بينما هي على أربع تنظر له بلومٍ تعاتبه فقط بالنظرات من عسليتيها لفعلته ولكنه أقسم بداخله أنها لو كذبت بحرفٍ واحدٍ سيدعها تعرف ما معنى العذاب المُقيم الذي لن يُنجيها منه أحد وانتظر حتى يستمع لردها الذي سيستطيع معرفة مصداقيته من ملامحها وعينيها فهو لطالما تعرف على الكاذب من الصادق بنظرة واحدة لا تخيب أبدًا...


يُتبع..