الفصل السابع عشر - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
الفصل السابع عشر
تسلل بنظراتٍ مخيفة بداخل نفسها وهو في انتظار ردها وقرأ ملامحها بمنتهى
الحصافة وكل ما به يُحرضه على أن يصـ ــفعها ولكنه تماسك ليرى ما نهاية هذا التغير
المفاجئ الذي يحدث لها وإلي أي درجة ستظل بهذا الخضوع بعينيها.
خافت أن يكون اختبار يختبرها به وشعرت بالرعب من النظرة القاسية
بعينيه التي وكأنها تتوجه مباشرة لداخل روحها...
لم يكن يكذب أبدًا عندما أعترف بأنه رجل سا دي، السيد عمر الجندي يتحكم به وبها الآن بتلك الجلسة التي يحاوطها هالة
سيطرته المخيفة فهمست بنبرة مترددة:
-
لقد أتيت غاضبا، جذ بت شعري، سألتني من أخبرني، أجبتك بأنني سمعتك تتمتم باسمها وأنت نائم
وأخبرتني ما الذي حدث بينك وبين يُمنى، أنها قد..
تريثت قليلاً لتجد الغضب يزداد بعينيه وهو لا يزال ينظر لها بهذه الطريقة
المُرعبة فأكملت مسرعة كي تتحاشى غضبه:
-
إنها قد خانتك وأنك رأيتها تجلس أسفل قدم رجل آخر، ثم احتضنتني وأخبرتني
بأن أساعـ..
لم تستطع أن تُكمل حينما وجدته يجذبها من يدها بعنف وشعرت بالفزع مما
قد يفعله بها ولكنها أدركت أنه يجذبها إليه
فقط لترتمي على صـ دره وبعد أن استطاع قراءة ملامحها أدرك أنها كانت صادقة بكل شيء تحدثت
به..
رفعت رأسها قليلًا لتتفقده وهو يُعانقها بينما لاحظت اختلاف ملامحه فهي
لم تعد مخيفة ولا مرعبة بل هناك شيئًا يُريد إخفاءه عنها لذلك يحاول أن يتهرب منها
بهذا العناق فأضافت بمزيد من التردد:
-
آسفة سيدي، لم أقصد أن أؤلمك بـ...
قاطعها دون قول كلمة واحدة واكتفى بالهمس:
-
هش
أخذ يُمــ سد
خصلات شعرها بحركات متوالية من راحة يده لتستكين هي لثوان معدودة ثم فجأة
وجدها تجهش بالبكاء الذي استمر لمدة حتى ابتل صـ دره
وقالت بقلة حيلة والحروف تتقطع من شفــ تيها الناطقتين لا يفصل بينهما غير شهقات على إثر
بُكائها:
-
لماذا فعلت بي هذا، لقد شعرت بالخوف منـ..
لم تستطع إكمال بقية ما تريد قوله ومشاعرها تدفعها للبكاء أكثر ولكنه انتظر
بمنتهى الهدوء حتى هدأت وتوقفت عن البكاء ولكن تلك الشهقات تبدو وكأنها لن تتوقف
أبدًا..
رفع أسفل ذقنها بأنامله حتى نظر بعينيها يتفحصهما بآثار البكاء التي عشقها
خاصة وأن خوفها منه ليس لعنف بل كان لتحكمه العقلي بها وهذا ما أرضى تلك السا
دية المريضة الكامنة بداخله، أن تتألم المرأة وتبكي فقط من بعض نظرات وملامح
لا يبذل أي مجهود يُذكر لتظهر عليه.
تنهد وهو يحاول أن يجد طرفًا وحيدًا لكذبها بكل ما تفعله ولكن لسوء حظه
هناك شيئًا بها لا يفهم ماهيته، لا يستطيع تفسيره، لا يدري لماذا تحولت هكذا بين ليلة
وضحاها لتُصبح بهذا الخضوع غير المنطقي لفتاة مثلها!
ترك حيرته جانبًا وقرر أن يحاول معها مرة أخرى وحاول أن تأتي نبرته
بجفاء على الرغم
من عقله الصارخ به أنها محقة وصادقة بكل ما تفعله ثم تحدث بلهجة آمرة ليُسبب لها المزيد
من الخوف فهو على يقين أن المرء وهو خائف قد يعترف بالكثير:
-
لماذا تغير كل شيء منذ صباح اليوم؟ شيء ما تغير بكِ، فلتخبريني الصدق
روان، ما هو؟ ما الذي يدفعك لفعل هذا؟
ابتلعت وهي تشاهد فحميتيه التي وكأنها تذوب في عقلها وكأنما يعرف كل ما
يجري بقرارة نفسها فأجابته بمصداقية منها وصوتها يشوبه آثار البُكاء المتبقية:
-
أريد زوجي لي، لا أريد أن يشاركني به شبح الماضي... وسأبذل ما بوسعي حتى
تكون لي بعيدًا عن كل ماضيك... أهذا خطأ، أن أحاول أن أحافظ على حياة سعيدة معك وأن
نكون مثل أي زوجين؟
لاحظ مصداقيتها البريئة بفطرية عسليتيها البعيدتين كل البُعد عن المكر
والتحايل وكذلك شعر بالغيرة الخالصة في نبرتها وكل كلمة نطقت بها وهي تُمري
باستتار مشيرة إلى "يُمنى" فظل يُحدق بعينيها لبُرهة وهو لا يدري إلى أين
تريد أن تصل هذه الفتاة التي تسرع في زواجه منها ليتنهد بحيرة شديدة في كل ما تولده
بداخله من رغبات ومشاعر لم يشعر بمثلها مع أي امرأة قط قبلها..
بعد بُرهة استقام ناهضًا ثم حملها ليحاوط خصــ رها
بذراعه وذراعه الآخر أســ فل ركبتيها
واتجه بها نحو الفراش ثم تكلم مُستفسرًا:
-
متى استيقظت؟
استغربت من تحويله المُفاجئ لمسار الحديث ولكنها أجابته كي تتجنب المزيد
من الجدال الكلامي معه:
-
لم أنم منذ ليلة أمس عندما آتيت أنت وأيقظتني
أراح جسدها برفق مخفضًا إياها على سريره ثم أردف بلهجة آمرة:
-
منذ الآن وصاعدًا سيكون هناك مواعيد للنوم والاستيقاظ بل وكثير من القواعد
الأخرى وإن خالفت أَيًّا من القواعد سيكون هناك عقابا..
تريث هنيهة وهو يُدثرها بالأغطية ثم أضاف بغلظة نبرته متسائلًا بزجر:
- هل هذا مفهوم؟
ابتلعت وهي لم تعد تعرف ما الذي يحدث معه ولا ما الذي يدفعه لمثل هذه
التصرفات فلقد كانا بخير طوال اليوم وعلى ما تتذكر هي لم ترفض شيئًا ولم تُثر أي جدالات
أو مُشكلات فأجابته بقلة حيلة:
-
مفهوم سيدي
رأته يسحب على جـ ــسدها المزيد من الغطاء ومن ثم توجه هو للفراش
ليُصبح بجانبها ولكنه لم يُبدل ملا بسه حتى ثم جذب خــ ـصر ها إليه بقبضته القوية ليلتصق
ظـ ـهرها بـ ـصـ ـدره وأطفأ الأنوار بجهاز تحكم عن بعد ثم حدثها بخفوتٍ من صوته ولكن
نبرته كان يُغلفها الرفق والقلق:
-
لا أحب أن أرى هذا الإرهاق بعينيكِ الساحرتين روان
شعرت به يطبع قـ ــبلة مُطولة على رأسها من الخلف فوق خصلاتها ثم من جديد
عاد ليتكلم بتلك النبرة اللعينة التي لا تتوقف عن إملاء التعليمات:
-
نامي الآن لأن كل ما أمامك هو ثلاث ساعات، لدي شيء لكِ بعدها عندما
تستيقظي وأريدك أن تكوني بكامل نشاطك
انتظر لعدة ثوانٍ وأخذ يُمـ ـسد خصلاتها من جديد ولم يشعر برفضها ثم وجدها
تهمس بنبرة قاربت على اَلنُّعَاس:
-
حسنًا سيدي
لم تقو على التفكير بالمزيد من أفعاله ولا أقواله ولا حتى ماضيه فلقد شعرت
بالإرهاق بعد هذه الليلة الطويلة التي تبعها صباحٌ غريب كاد أن يُنبئها بأنهما قد يكونا
على ما يُرام كمثل أي زوجين في الحياة وبدأ جفنيها في التثاقل بعد مرور دقيقتين ويده
تُربت على رأسها برفق ودفء جـ ـسده يحيطها ولوهلة من هذه الهدنة بينهما شعرت بالأمان
فلم يكن من عقليتها المحدودة التي لم تتعامل مع رجل قط بعلاقة إلا أن تذهب في
النوم.
❈-❈-❈
تركها لتنام بينما لم يفعل هو، ظل بجانبها، محتــ ــضنًا إياها دافنًا
وجهه بشعرها لينعم من ذلك العبير الخاص بها وحدها وكأنها تفوح بأطيب رائحة
استنشقها يومًا ما، ليس بعطرٍ وليس برائحة غريبة بل كأنها رائحة سكينة وأمان لم يختبرهما
سوى معها ليندفع عقله بداخله مُجبرًا إياه على الإذعان بأن هذه الفتاة استثنائية!
لم يُفكر ولو بمرة واحدة بأن ينم بجانب امرأة أبدًا، لم يُخيل له أنه سيفعلها،
ولكنه فجأة تذكر "يمنى" ولكن ما كان بينهم أشبه للحب العذري حتى ولو
تداخل به بعد الغزل العنيف والعنف البسيط بعد أن أكتشف كلا منهما ميولهما سَوِيًّا،
فلقد كانت هي تتلقى الألم وتعشقه بمازو خيتها وكان هو رجل سا دي يُحب أن يؤلم فتاته
والمرأة أمامه فلم يتعارضا أبدًا في هذا الأمر ثم من جديد ذكر نفسه بأنه قد أصبح متزوجًا
الآن بفتاة أخرى غيرها وها هو يضمها إليه متنعمًا بتواجدها بجانبه وبتلك المشاعر التي
تُفيض بداخله بسبب فقط نظرة إليها فحاول أن يبعد تفكيره عن "يُمنى" وكل
ماضيهما.
ظل منتظرًا حتى تنال قسطا كافيا من الراحة وتوجه ليغتسل وبدل ملابسه
وصنع بعض القهوة لهما ثم توجه إليها من جديد مرة أخرى...
ما إن تطلع بوجهها البريء ذو الحسن الأخاذ حتى شعر بالندم لأنه ظل طوال
الساعات الماضية دافنًا وجهه بشعرها، كم بدت بريئة للغاية بعيدة عن أي فتاة عرفها،
بعيدة عن المكر والتلاعب والاستغلال، أراد أن يُقــ ــبلها حتى تنعدم أنفاسهما ويُكرر
الأمر آلاف المرات عندما تمعن بشــ ــفتـ ـيها المرسو متين وكأنهما لوحة احترافية لواحد
من رسامي العصور الوسطى ولم ينتشله من التمعن بملامحها سوى فكرة رقيقة قد تستحسنها
فنهض وذهب إلي حديقة منزله وبداخله قد قرر أن اللطف معها وإظهار بعض المشاعر لن يضره
ولن يضرها بل العكس تمامًا هذه الفتاة لا تريد ولا تبحث سوى عن المشاعر!
❈-❈-❈
عاد من جديد ليتفقدها لمزيد من الدقائق ثم لمس قهوتها ليجد أن حرارتها
أصبحت مناسبة للتناول فجلس بجانبها وأخذ يُمرر على وجهها تلك الوردة التي التقطها من
حديقة بيته ثم حدثها بابتسامة ونبرة هادئة معتدلة:
-
هيا... استيقظي
استمعت لصوته بعد أن ناداها للمرة الثانية وشعرت بشيء ناعم للغاية يمر
على وجهها ثم اختفى ففتحت عيناها بانزعاج اَلنُّعَاس لترى أنه ممسك بوردة حمراء ثم
أعطاها لها لتبتسم له بخجل وتفاجأت بأنه قد يبدر منه تصرفًا مُشابه وحاولت تحاشي النظر
له مباشرةً ولكن فضولها قتلها أن ترى ملامحه المبتسمة الجذابة فرفعت مُقلتيها نحوه
بمُكث وتمهلت وهي تتمعن بملامحه التي تبدو هذه المرة مختلفة عن أي مرة رأته بها
قبل...
توسعت ابتسامتها بمزيد من خجلها الفطري ثم همست إليه:
-
صباح الخير
ضيق عينيه وهو يرمقها ببعض المرح الذي لم يكن مبالغا به ثم عقب بنبرة
ذات مغزى:
-
هل تقصدين مساء الخير؟
بادلها ابتسامتها بابتسامة غزلية وهو يُحدق بملامحها الرائعة وبعد عدة
لحظات لم تستطع خلالها النظر له مباشرة ولا تدري لماذا تشعر بخجلها يزداد خصوصًا عندما
يكون رقيقًا معها وهادئًا مبتسمًا هكذا فأشاحت بنظرها وسلطته على الوردة بين يديها
وهي تعبث ببتلاتها ليتنهد هو بمعاناة خالصة تنمو بداخله وهو لم يعد قادرًا على تحمل
المزيد من الوقت دون أن يحصل عليها فكل ما رآه منها منذ صباح اليوم وأنوثتها
الفطرية التي تُهلكه لم يعد من السهل أن يتحمل تأثيرها عليه أكثر من هذا...
مد يده ثم أمسك قهوتها يقدمها لها لتعتدل بجلستها ثم أخذتها منه لتتناولها
وبدأت في الرشف منها بهدوء وما إن شاهد المزيد من جــ ــسد ها الذي برز به نهـ ــد
اهــا بسبب اعتدالها أخذت الأفكار والتخيلات تجولا بداخل عقله دون شفقة ولا رحمة فنظر
لها مُفكرًا بنظرة شاردة بما تملكه من فتنة وسأل نفسه كيف لهذا الوجه البريء أن يمتلك
جسدًا يُهلك أي رجل بمثل هذا المزيج بين الأنو ثة والبراءة؟!.
شعرت بالصمت يسيطر على الموقف فهمست له بامتنان وهي تلمح بلمحة سريعة:
-
القهوة جيدة للغاية ومذاقها رائع... شكرًا لك...
أومأ لها متقبلًا ثناءها البريء لترتشف مرة ثانية من قهوتها
ثم رطبت شفـ ــتاها وهي تتحاشى من جديد النظر له ثم لمحت الوردة الحمراء الرقيقة التي
أحضرها لها فحدثته مرة أخرى وهي تشير نحوها وهي موضوعة فوق الغطاء الذي يحجب
ساقيها عن أنظاره:
-
وشكرًا على تلك...
تنهد وهو يُطنب بمشاهدته لها ولملامحها التي لا تشوبها شائبة من وجهة نظره
ثم عقب قائلًا:
-
تُشبهك على كل حال، خاصةً عندما تخجلين يتورد وجهك ليُصبح مشابهًا لها
للغاية...
تشرب وجهها ببعض الحُمرة وسرعان ما ارتشفت مجددًا من كوبها وهي تحاول أن
تتحاشى النظر له وتشبثت بالكوب بقوة عله يُمثل لها دفاعًا أمام كلماته ونظراته
التي لا تهون عليها الأمر وبعد بُرهة حمحمت وسألته بمحاولة بريئة منها أن تغير مجرى
الحديث:
-
كم الساعة الآن؟ هل بالغت بالنوم؟
أومأ بالنفي وأجابها بنبرة دافئة:
-
لا، لم تبالغي بالنوم روان، لقد قاربت الساعة على الثامنة
حدق بعينيها الذي يحاول أن يسترق بعض النظرات إليها وهي كل عدة لحظات تحاول
أن تتحاشاه وشعرت بما يحاول فعله ثم همهمت له ببعض الخجل:
-
القهوة لذيذة، شكرًا لك
همهمة مُطولة غادرت شـفــ ــتيه بتعجب وهو يعقد حاجبيه من قولها ونظراته
المثبتة عليها من فحميتيه تشعر وكأنما تحرقها بلهيب الارتباك ثم عقب قائلًا:
-
لقد أخبرتني هذا منذ قليل!
قطبت جبينها بتوترٍ واعتراها المزيد من الخجل لتشعر وكأنه بات يتحكم
بكل ملامحها وبسائر دمائها السارية في عروقها وارتفعت خفقات قلبها باضطراب
الارتباك وظل ينظر نحوها وهو يُلاحظ شــ ــفتــ يها الفاتـ ـنتين وهي ترتشف من هذا
الكوب الذي تيقن أنه قد فرغ من كثرة محاولاتها أن تتشبث به لِتَفِرّ منه ومن نظراته
التي يعلم تأثيرها جيدًا ثم اندفع بداخله رغـ ــبته بها وقرر أنه لن يُمكنه أن ينتظر
أكثر من هذه الدقائق التي مرت بالفعل.
مد يده ليجذب كوب القهوة منها وهو يُعلن بصوتٍ مُعتدل لم يتخل عن رفقه
ودفئه:
-
لقد فرغت القهوة روان... يكفي هذا... لا تلتهمي الكوب صغيرتي...
وضع الكوب بجانبها على المنضدة الصغيرة المقاربة للفراش ثم أقترب منها
ليُعانق وجهها بيده اليمنى لتغمض عيناها وتدفع وجهها نحو يده أكثر متنعمة بهذا الدفء
وتلك السكينة التي تمنت لو دامت أكثر بصحبة الرجل الذي تزوجته وتمنت بداخلها لو أنه
يتوقف عن تصرفاته المُخيفة التي تُسبب لها الرهبة دائمًا بنظراتٍ من فحميتيه المُربكتين
ثم تفلتت الحروف من شـ ــفتيها ببراءة وهي تهمس له متسائلة:
-
هل لي أن أطلب منك شيء عمر؟
تفقدها وهي لا زالت موصدة عيناها وتمعن بتفاصيلها أكثر التي يتحرق أن
يحصل عليها بأي طريقةٍ كانت ثم همهم وأجابها وهو يُحيط وجهها بيده الأخرى وأمعن بالمزيد
من النظرات إليها وكأنما يحاول حفظ ملامحها حتى تُحفر بعقله وقلبه الذي تعالت نبضاته
باقترابهما سَوِيًّا في هدوء شديد دون تلاعب عقلي ولا عقاب ولا غضب ولا شجار:
-
بالطبع، اطلبِ ما شِئْت صغيرتي
تمنت لو أنها استمرت في إغلاق عينيها وهي تتمتع بهذا الدفء الذي يحاوط
وجنتيها به ولكنها فتحت عسليتيها ورمقته بتوسلٍ جارفٍ يُصاحبه لوم خفي وهمست برقة
تناشده:
-
لا تبتعد عني أبدًا
توقفت من تلقاء نفسها بعد ما قالته ثم نظرت له
للحظات وأضافت:
-
لا بهذا ولا ذاك...
أشارت لرأسه قاصدة تفكيره وعقله وبعدها إلى قلبه
قاصدة مشاعره ليتوقف لبُرهة أمام هذه الملامح البريئة بدلالها الفطري وأنوثتها المُهلكة
وكل هذا الكيان الذي لم يجده بأكمله في أي فتاة أخرى سواها ثم رد مُعقبًا على طلبها:
-
لن أفعل، لن أبتعد
وجدها من جديد تُغلق عينيها بسكينة وراحة اتضحت
على ملامح وجهها وهي تتضرع بداخلها أن يستمر معها هكذا دائمًا بعد
كل محاولاتها التي تحاول خلالها ليُحدق بها أكثر وتفرقت شـ ــفتاه قليلًا بأنفاس تعالت
صخبًا وبداخله يُريد أن يحصل عليها بأكملها لتكون امرأته بحق وليس مُجرد مسمى على عدة
أوراق تشير أنهما متزوجين ليجد نفسه يندفع نحوها وهو يقترب منها ليقبل تلك الشــ
ــفتين وَيَرْتَوِي منهما ومن مذا قها الرقيق العذب الذي لم يذوقه
قبلًا من أي امرأة أخرى سواها وبداخله لا يريد الاكتفاء وصمم أنه سيرتوي مقدار ما شاء
إلى أن تنتهي أنفاسه.
شعر بارتباكها الشديد بقبـ ــلتهما في
البداية ولكنها استجابت بعد لحظات وهو يحاول أن يُحافظ على رفقه وتأنيه معها ثم أمسك
بمؤ ـخـرة رأسها وآخذ يتــ ــذوق شــ ــفتيها، كم كانت شهية ولذيذة وبريئة لم يمــ
ــسها سواه وهذا أكثر ما سلب عقله منه وهو على يقينٍ تام بأنها لم تختبر كل هذا مع
رجل سواه...
أنفاسها الرقيقة التي بدأت أن تتعالى بين قبــ
ــلـتهما وهي تُعاني ببراءة أن تمرر أكبر قدر من الهواء لرئتيها جعلته يبتسم بين
قبلتهما، ولاحظ لمــ ــستها التي حاوطت بها كفه الذي لا يزال متلمسًا وجهها البريء
وكأنها تستمد منه القوة اللازمة للصمود أمام هذه المشاعر التي اضطرمت بينهما في خضم
لحظة وحيدة تمنتها هي دائمًا أن تكون بمثل هذه الرقة مع زوجها ولم يتصور أبدًا أنه
سيواجه مثل هذه اللحظة قط في حياته فهو لم يكن الرجل الذي يركن للمشاعر والأحاســ
ــيس وكل ما كانه هو رجل سا دي حتى اَلثُّمَالَة لا يستمتع سوى بإلحاق الألم بالمرأة
أمامه!
لم يعلم لمتى ظل يُقــ ــبلها ولكنه شعر
باحتياجها لبعض الأكسجين اللازم لأنفاسها فابتعد قليلًا مسافة تكاد تكون منعدمة ونظر
لها لتكسو الحمرة وجهها وتبادله ابتسامة خجولة وهي تشعر بالإحراج لجرأتها معه وهي تتركه
يُقبلها كيفما يحلو له فاقترب منها أكثر ليُصبح معتــ ــلـيها فوق الفراش ومن جديد
أخذ يُقــ ــبلها وهو يشعر بتلك الـلـ ــذة الهائلة تُسيطر على كيانه بأكمله.
بدأت يداه الاثنتين ينضما في العزف على
أوتارها ليُكملا هذه المقطوعة اللامتناهية من الشـ ـغف والمشاعر التي تتصاعد بقلب كل
منهما ويختبراها سَوِيًّا لأول مرة لتشعر هي وكأنما غابت عن الواقع أسفل عازفٍ مخضرمٍ
محترف يعرف ما يفعله وكأنه منذ نعومة أظافره لا يدري سوى كيفية العزف بهذه
البراعة...
فجأة فرق قبـ ـلتهما ثم أخبرها بصوتٍ أذاب مقدرتها على التحمل وهو يهمس
لها بالقرب من أذنها:
-
أنتِ رائعة روان...
تفقدته بأعين سيطر عليها الر غبة الفطرية لا تدري ما الذي تفعله أمام
ثقته الشديدة بكل لمــ ــسة يلمــ ــ ـسها بها وهمسه لاسمها بهذه الطريقة والكثير
من الوعود الخفية التي يُنبئ بها لينه وهدوءه معها وتلك المشاعر المتبادلة بينهما لا
يترك لها سوى ازدياد الارتباك بل والتمني بداخلها أن يظل هكذا بنفس طريقته هذه دائمًا
ولكن ما الذي تستطيع فعله مع رجل مثله لن تنكر أنه تغير كثيرًا منذ رؤيتها متوعكة
وقبل أن ترتطم برأسها الكثير من الأفكار أرغمها بِقُـ ــ بْلَة أخرى شغــ ــوفة وجــ
ــسـده الذي شعرت بثقله الذي ازداد فو ـقها أن تسلط تركيزها على لينه الشديد معها
وسلبه لأنفاسها رُوَيْدًا رُوَيْدًا...
فرق قبلتهما ثم سألها هامسًا وهو يلتقط أنفاسه المتثاقلة:
- هل ترغبين بي؟
لاحظت عقدة حاجبيه وملامحه يتعالى عليها الر غبة لتهمس مُجيبة بأنفاس
متهدجة:
- نعم ولكن أن...
أوقفها عن قول المزيد بنـ ــهمه الذي احتوى شفــ ــتيها، فهذا كل ما كان
يريد الحصول عليه، ألا تكون مُرغمة أو مُجبرة على الأمر أبدًا كي يكون تمهيدًا
لحياتهما معًا... فهو لا يبغي سوى الخضوع التام منها إليه!
شعرت بــ ــ ـيـد يه تعبث وهي تحاول أن تبعد هذا الغطاء عن جــ
ــسـد ها وهي لا تستطيع بين أنفاسها المبتورة أن تعيق أَيًّا مما يفعله وهي تائهة بين
الشـ ـغف الشديد الذي لأول مرة تختبره معه، وبين خجلها وقلة خبرتها وهي تشعر بأنها
لا تستطيع التحكم في أي من حركاتها أســ ــفـ ـله وكأن كل عضلاتها أصبحت كالهلام
لا تقوى على الصلابة ولا حتى الثبات...
استمر مُقــ ــبلًا إياها ولكن هذه المرة ازداد الأمر نهـ ــمًا خالصًا
ليشعر بالاستمتاع مُغلقًا عينيه وكل ما يدور بعقله هو الحصول علـ ـيـها والوصول لتلك
اللحظة التي سيُخلصها فيها من ارتباكها وخجلها الفطري البريء ويحولها بين يديه من فتاة
خائفة لأخرى مستمتعة لا تستطيع سوى المطالبة بالمزيد!
نجح في إبعاد تلك الأغطية السخيفة التي تفصل بينهما وبدأت يد ـ يه في تلمــ
ـ ــس جسدها أسفله ليهمهم أثناء قبــ ــ ـلتهما الشغوفة التي ازداد بها ولعًا عندما
شعر باستسلامها خلالها ليُـ ــ ــعمق من قُبـ ــلـ ـته أكثر مُكتشفًا المزيد من مذ
ــ اق ثغـ ـرها الفاتن العذب الذي يرويه وهو لم يحصل على ما يماثل هذه القُـ ــ ـبلة
بالسابق في حياته بأكملها مثل حصوله على شغــ ـ ــفها بالأمر الآن!
اعتصرت عينيها بعد إذعان مشا عرها الذي سا قها دون هوادة بعد أن سيطر
عليها تمامًا بتلك الأنفاس المحمومة ولمــ ـ ــساته التي تد ا ـعب مفا ـتنها برفق جرف
المزيد من شغـ ـفها المُستمتع وليس فقط المُـ ـ ــثار مثل ما كان يفعل بالسابق بطريقته
الغريبة، الأمر اليوم بهذه المشاعر المتأججة وخفقات قلبيهما المتبادلة جعل الأمر استثنائيا
للغاية لتبدأ في الاطمئنان قليلًا بأنه كان صادقًا معها بكل ما قاله وبعفوية منها
كادت أن تضـ ـ ــمه لها بتلقائية شديدة دون ملاحظتها بتـ ـلـ ـمـ ـس ظهره، فهي لا تريد
سوى السكينة ومبا دلة زوجها هذه المشاعر لتجد فجأة يـ ـداه منعت خاصتها سريعًا وفرق
قبـ ـ ــلتهما رامقًا إياها بلهاث وسواد عينيه يُفيض بالانزعاج:
-
لا روان، لا تفعلي!
استيقظت من لحظات نشـ ـو ـتها وهي تنظر له بتردد وأسف من عسليتيها ثم
همست له باعتذار:
-
آسفة... لم الحظ ما افعله! لا تغضب رجاءً...
رفع كلتا يـ ـد يها للأعلى مُثبتًا كلتـ ـاهما فو ق رأسـ ـها وقبل أن يمرر
أي منهما المزيد من الهواء إلى رئته وجدته يهــ ـ ـشم شـ ـ ـفتاها بقوة مُنْقَـ ـ
ـضًّا عليهما من جديد متخللًا بقـ ـبلـ ـته العنف الذي لاحظته بمنتهى الوضوح ولكن لم
يتخل عن المُـ ـ ـتعة التي أحبطت كل محاولاتها في التفكير سوى بإرادة في تجربة الأمر
معه بأكمله!
هبطت يـ ــد يه بعد عدة لحظات وانهزمت هي أسـ ـفـل يــ ـ ــد يه التي لا
ترأف بمد ا عبة منحـ ــنيا تها ومفا تنها وكأنه يحفظها بلمــ ــسات دافئة متريثة لا
تدعو سوى لزيادة رغـ ـ ـبتها الفطرية المفتقرة للخبرة وودعت ارتباكها بالكامل لتستقر
أسـ ـ ــفله لا تطالب سوى بحصولها على بعض الهواء كي تستطيع استكمال هذه الـلــ ـذة
التي لا تعلم أين كانت منذ بداية زواجهما...
فرق قبلتهما وهو يُحدق بعينيها لاهثًا ثم دفـ ــ ـن وجهه بعـ ــ ــنقها
وهمس بالقرب من أذنها:
-
أنت رائعة...
اقشعر جــ ـ ــسدها لأنفاسه والمزيد من لمـ ــ ــساته التي لا تتوقف وتمنت
لو أنها تتلمـ ــ ـسه مثل ما يفعل هو ولكن يديها المحتجزتين بين قبضته لم تترك لها
مجالًا وهمهمت قاضمة شفـ ـ ــتيها بمـ ــ ـتعة خالصة وهي تشعر بتلثـ ــيمـ ـاته التي
لم تخل من القـ ــبل على طول عُنقها بتريث هائل بالغ هو به حتى اشتـ ــ ــعلت شغــ
ــ ــفًا أسفله لا يأخذ سوى بالازدياد...
اقترب مرة أخرى هامسًا بأذنها:
- لا أستطيع الاكتفاء منكِ
فتحت عينيها
وهي تشعر بكثرة تشتتها وتعالت أنفاسها المتهدجة بتصادم بين إحساسها الذي لأول مرة تختبره
وبين الواقع وما يحدث حولها ليرغمها بغلق عينيها وهي تتشبث بأثر هذه المُتــ ــعة التي
لا تريد سوى الشعور بها بسبب التهــ ــ ـامه شـ ـ ــفتيها في رقة ولطف...
ظل يقــ ــ
ــبلها بشـ ــغف وتملكتها فطرتها في مبا دلـ ـته، كان يرتوي من تلك الشـ ـفـ ـتين
حلوتا المذاق الشهيتين بين شــ ــ ـفتيه وتجبرانه على المزيد فهو لا يستطيع الترفق
بها أكثر من هذا وهو بالكاد كان يكبح عنفه عنها وابتعد لوهلة ناظرًا لها بلهاث متسارع
لتبادله النظرات ومن جديد انقض علـ ــيـ ـها بافتراس نـ ـهم!...
شرع في أن يزيد
عنف قبـ ــ ـلته وشعر باستجابتها له، وأحـ ــ ـست أنها تريد أن تبادله ولكن بخبرتها
التي تفتقر لها لا تدري ما تفعله وهو لا يُريد منها أن تُعانقه فأمسكت بشعره لتـ ـ
ــجذبه نحوها أكثر من رأسه، وأكمل هو مدا ــعـ ـبة مفا تنها بيـ ـ ـد يه وهو يتذ وق
شفــ ـ ـتيها الرقيقتين بين عنفه حتى شعر باختناقها وانعدام الهواء اللازم لرئتيها
كمن تستغيث أسفله فابتعد لينظر لها بشـ ــراهته الرا غبة بها ورأى الشـ ــ ــهوة الجلية
الفطرية بعينيها الساحرتين التي تدفعه لفعل المزيد.
ترك لها المساحة
للتنفس قليلًا ثم لثم عنقها لتبدأ هي في عزف تلك المقطوعة التي تؤجج شــ ـ ــبقه ولم
ترأف به وظلت آهات المتـ ــ ــعة تتصاعد منها لتجبره بقـ ـسوة على تذ و قــ ـهما مرة
أخرى ليبتلع تلك الأنات منها ولكن زاد عنفه بشكل ملحوظ لتطلق أنات الألم الذي إلى الآن
لا يزال لذ يذا ومقبولا وابتلعها هو بين شــ ـ ـــفتيه برضاء تام على ما أوصلها
له.
ابتعد لينظر
لها بعد أن نحى الغطـ ـ ــاء جانبًا لتتعجب لفعلته التي أطنب بها وهو يتفحصها بنظراتٍ
را غبة تجعل ملامحه تبدو غريبة للغاية، لم تر تلك الإرادة تتدفق من عينيه من قبل بمثل
هذه النظرات، لأول مرة ترى بهما وبكل تقاسيم وجهه كمْ يريدها وكمْ يرغب في الحصول
عليها.
جلس على ركبتيه
لتكون هي أســ ـــ ــفله ورآها تنظر له بتوسل ألا يبتعد بعد الآن وبعد كل ما تبادلاه
من أفعال حمـ ــ ـيمة لا تخلو من المشاعر، دون عقاب ودون قسوة بل ودون سا دية ليتغير
الأمر بأكمله بعد محاولاتٍ كثيرة منه أن يترفق بها لأنها مرتها الأولى... بعد كثير
من سيطرته على نفسه أمامها، وبعد آلاف الثواني التي مرت وهو يحاول الانتظار... لم يستطع
أن يكبح ذلك العنف بداخله الذي احترق بر غبته السارية في عروقه ثم فجأة اختلف الأمر
تمامًا واشتدت عيناه ظُلمة أكثر ثم أقترب منها ومز ق ثو بها الذي أزعجه كثيرًا هذا
الصباح وكأنه ينتقم بفعلته كرد اَلصَّاع لما فعله به هذا الثوب هذا الصباح!!
انهارت محاولاته
في الترفق والهدوء، انهار معها بعض أمانها، سا ديته الضارية بداخله كان لا بد لها من
أن تظهر رغمًا عنه وعنها لتتحول المدا عــ ـبات اللطيفة المفعمة بالمشاعر إلى عنفٍ
شديد وهو لا يدري هل ستتحمله أم لا... على كُلٍّ ليس أمامها حلا آخر!
يُتبع..