-->

الفصل الرابع - كما يحلو لي - نسخة حصرية (النسخة القديمة)

 

 رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه 

حصريًا لمدونة رواية وحكاية


الفصل الرابع

 

زادت دهشتها وصدمتها بنفسها عندما خرجت تلك الكلمات من فمها بلحظة واحدة من غياب عقلها وهي تتأثر بتلك الر غبة التي لم تختبرها من قبل وشعرت بغبائها وسذاجتها بعد لمـ .ـساته المُشتتة لها ثم ابتعد ليُخبرها بأعين التمعت ظفرًا بما ود أن يحصل عليه منذ البداية:

-       أيتها العا هرة سيبدأ عقابك الآن!

 

سرعان ما تركها وحدها بالغرفة وتوجه للخارج بعد إلقائه لكلماته عليها وكأنما يبصق دون اهتمام وشعرت هي بالتوتر بل والمزيد الصدمة، عا هرة؟! لماذا يُلقبها بهذا وهي لم تفعل شيئًا؟ وما الذي ستقدم عليه معه بعد ما قالته وما تفوه هو به؟. إلي أين يذهب بها هذا الزواج؟!

 

تذكرت كلماته مراجعة إياها بعقلها مرة ثانية... هل سيعاقبها الآن أم متى؟ هل ستشعر بالآلام؟ ماذا لو أذاها أو سبب لها شيئاً مبالغا فيه؟!

تذكرت ما فعله معها منذ قليل وكم أخجلها ذلك، هل لم تكذب عندما أخبرته بأنها تريده ولكن لماذا وافقت على أن يعاقبها بكل هذه السهولة؟

 

تشتت أفكارها بين كل ما حدث وأرادت أن تعرف الكثير والكثير عن عقابها وعنه وعن السادية عمومًا، هل هي شيء جيد أم مُخيف مثل ما رأت؟ وهل هذا مستمر دائماً أم مجرد أثناء اللحظات الحمـ ـيمية بين الرجل والمرأة؟ وحيرتها الأكبر كانت ما إذا ستتحمل أن تعيش معه بهذا الشكل أم لا!

 

فتشت عن الكثير عن طريق حاسوبها ولكنها لم تجد إجابة وافية وبداخلها آلاف التساؤلات الممزوجة بتعجبها، لماذا تركها الآن وذهب بعد أن وافقت حتى على أن تعاقب وبعد اقتـ ـرابه الحميم منها بهذا الشكل؟.

 

وقفت أمام المرآة لتطالع مظهرها ثم ذهبت تبحث عنه لتجده نائم بسريره فآخذت تحدق به عن بعد... لا تدري هل شكله مخيف أم شكله هذا يروقها بسبب ملامحه الجذابة؟

 

اقتربت من السرير ودنت لتتكئ بجانبه ثم حاولت أن تريح رأسها على صـ ـدره، فهو لتوه اقترب منها، ولتوها وافقته على ما يريده، متى سيتحول هذا الزواج لزواج طبيعي، تَبًّا لجرأتها ولكنها تريد أن ينتهي هذا التشتت برأسها...

 

ما إن شعر هو بما تفعله اجتذب شعرها بين يده متحدثاً لها بسؤال زاجر:

-       ما الذي أتى بك هنا؟

 

نظرت له دون أن تجيبه لأنها تشعر بالريبة بل والخجل أن تُحدثه مباشرة بتفاصيل السا دية الجنـ .ـسية كما قرأت ورأت عنها أثناء بحثها ليزداد جذبه لشعرها البني الطويل لتصيح صارخة بتوسل:

-       آه... أرجوك... لم أقصد شيء... فقط أردت أن...

 

تلعثمت متألمة لتلعن فعلتها وفكرتها الساذجة بالاقتراب منه وشعرت بالحرج بينما تكلم بهدوء نافى جذبه لشعرها:

-       أنا أسمعك

 

تهدجت أنفاسها بارتباك وأجابته على مكث وهي تحاول أن تتحاشى النظر له:

-       حسناً... أردت أن... أن أسألك بعض الأسئلة لأن ذهني أصبح مشتتاً ولا أستطيع النوم ولا التفكير فوجدتك هنا وفكرت أن أنا...

 

قاطعها بمنتهى الجفاء ونبرة جامدة:

-       لم أسمح لكِ بالنوم بجانبي حتى الآن! ما الذي ظننتِه بفعلتك؟

 

دموعها انهمرت ليس لألمها الذي تُحدثه قبضته بخصلات شعرها ولكن شعرت بالإهانة والانكسار لما قاله وهي التي كان يتهافت عليها الر جال بأعينهم يومًا ما يأتي الآن من يُحدثها بمثل هذه الطريقة، بينما بداخله شعر هو بمنتهى السيطرة والتلذذ عندما أغضب تلك النمرة التي ظنت بيوم ما أنها لن تعاقب.

 

كفكفت دموعها وهي تهمس بانكسار:

-       لم أكن أعلم... سأغادر... طابت ليلتك

 

توجهت للخارج بعدما ترك خصلاتها وهو يشعر بابتعادها وما إن ابتعدت خارج المنزل بالقرب من الشاطئ حتى انفجرت بالبكاء وشعرت أنه لم يتزوجها إلا ليكسر ذلك الكبرياء بداخلها وشعرت ربما أنه سيتخلص منها في النهاية بعد أن يفعل ما يريده ويسأمها. يا لها من فكرة ساذجة برأسها! لا تظن أنه يُريدها فقط سوى لر غبة جـ ـسدية بحتة!

 

لم تتوقف عن البكاء ولا تدري هل ما تُفكر به صحيحاً أم لا أم هو في الأساس هكذا أم ماذا عليها أن تفكر وشعرت بدوامة أفكار ليتعالى انتحابها ولم يجعلها تتوقف إلا صوته المُتسائل بمنتهى البرود:

-       لماذا تبكين؟

 

تشنجت وسط شهقاتها المتعالية ودموعها تتساقط على وجنتيها:

-       لا أعلم

 

أتاها تفسيره مُعللًا ما تمر به بمنتهى الثبات والثقة وكأنه لم يكن سببا من أسباب حُزنها:

-       لم تتوقعي ولو للحظة واحدة أن أحداً سيرفضك أو لن يريد أن يتودد إليك فجرح كبرياؤك وكرامتك

 

استمعت لقوله لتجد أن كلامه يصف ما تشعر به فنظرت له في تعجب امتزج بالكثير من المشاعر التي لا تدري كيف لها أن تعبر عنها وعسليتيها لا تزال تلتمع ببقايا عبراتها وبدأ نحيبها في السكون ومد يده إليها بكوب فأمسكته لترى أنه قد صنع مشروبا من الشوكولاتة الدافئة...

 

تكلم بلهجة يبزغ بها السيطرة والثقة ممليًا المزيد من أوامره خلالها:

-       سأتحدث معك لمدة ساعة واحدة عما يجول في خاطرك وبعدها ستنصرفين للنوم بمفردك وإن لم تنفذِي ما أقل لن أجيبك على أي شيء وسيتضاعف عقابك... هل لدينا اتفاق؟

 

وكأنما لديها سواه تتحدث معه عن كل ما يجول بخاطرها!! اضطرت أن تومئ له بالإيجاب ولكن لم يعجبه هذا فقال بتحذير زاجر:

-       عندما أسأل أحب أن أُجاب بصوت مسموع

 

لماذا عليه أن يكون بهذه الشخصية الغريبة؟ تنهدت وتماسكت داخلها ثم همست بصوت يُسمع:

-       اتفقنا

 

فكرت مَلِيًّا بكل ما دار بداخل عقلها لهنيهة ثم بدأت تطرحها وهي تحاول تنظيمها داخل رأسها بكل ما شغلها منذ قليل لتستفسر بتردد وارتباك استطاع قراءته على ملامحها:

-       هل تزوجتني فقط لتعاقبني وستتركني؟

 

نظر أمامه يتطلع سواد البحر في هذا الوقت من الليل وأجابها بثقة:

-       لن أتركك إلا أن أردت أنتِ هذا

 

ارتشف من كوبه لتبادره بسؤال آخر بتوجس:

-       هل أنت سا دي؟

 

حصلت منه على همهمة بالإيجاب لتبتلع بذعر وهي لا تعرف سوى ما رأته على شاشة حاسوبها لتتساءل بخوف امتزج بخجلها:

-       هل ستعذ بني كل مرة تقترب مني... أقصد في السرير

 

نظرت بعيدًا عنه في غير مرمى بصره ليباغتها متيقنًا مما يُريد التوصل له:

-       تقصدين عندما أضا ـجعك؟

 

وما إن قال تلك الكلمة حتى كــ ـست الحمرة وجهها بأكمله ولكنه واصل كلماته ببساطة شديدة:

-       ليس ضَرُورِيًّا، وسيتوقف عليك أنتِ الأخرى... وعندما أحدثك تنظرين إلي وإلا لن أتحدث معك ثانية!

 

شعرت بالخوف يتملك سائر دمائها وارتفع رديف قلبها فالتفتت له بسرعة فهي لا تريد أن تفقد المزيد من التبريرات منه الموضحة لما ستكون عليه حياتهما معًا واعتذرت بعفوية ولباقة اعتادت عليهما:

-       حسناً... آسفة

 

شعر برضاءٍ طغى بداخله ثم سألها بمكر أخفاه ببراعة:

-       على ماذا؟

 

ضيقت ما بين حاجبيها متريثة هنيهة وهي تبحث عن سببٍ لاعتذارها حيث آتى منها الاعتذار بمنتهى العفوية فأجابته بتردد:

-       لأنني قمت بشيء لا تحبذه!

 

لم تدرِ ما هذا الهراء الذي تفوهت به بينما أعجب هو بذلك كثير وكاد أن يبتسم ولكنه لم يرد أن يبالغ واكتفى بإطراء بسيط:

- فتاة جيدة

 

تزايد الصمت للحظات بينما فضولها لم يسمح لها بالانتظار أكثر فسألته باعتدال:

-       هل من الممكن أن تتحدث معي عن الأمر قليلاً؟ فأنا بالكاد أعرف عنه شيء!

 

حدق أمامه دون النظر لها ثم تكلم وكأنما يحفظ ما سيقوله عن ظهر قلب:

-       أعلم أنك حاولت البحث بخصوص هذا الموضوع ولكن كل ما وجدتيه هو كيف أن الطرف السا دي هو الذي يُعذب ويتحكم ويسيطر حتى بدا لكِ أن هذا العالم مليء بالعنف وربما يظهر للبعض إنه كمرض نفسي ولكن، العلاقة بين السا دي وخاضعته مليئة بالثقة، كيف أن تثقي بأن الذي أمامك وهو يملكك ويملك زمام كل شيء بين يديه لن يضرك على الرغم من أن في استطاعته ولكن لا يرضى لك هذا، كيف وأن ذلك الشخص ينظم حياتين معاً، يعمل على حماية الطرف الآخر، ومهما بلغ أمر تقبل الخاضعة له لن يضرها ولن يؤذيها وسيعاملها بكل ما تستحق وتتحمل...

 

نظر لها ليرى تأثير كلامه عليها ليجد أنها وقعت في الحيرة وانتظر سؤالها التالي فحدقت به وتساءلت عما تكترث له من كل هذه الكلمات الغريبة:

-       هل لو وافقتك على كل شيء سنكون مثل الأزواج الطبيعيين وسنجد السعادة سَوِيًّا؟

 

عقد حاجباه وأجابها بهز رأسه بالموافقة وأجاب:

-       لو فعلتِ كل ما يحلو لي سأكون سعيدًا وبالتالي سينعكس هذا على علاقتنا وسنكون سعداء!

 

زمت شفتيها بتردد وحمحمت وهي تبحث عن المزيد من الأسئلة بداخلها لتتعجب من جديد:

-       هل أنت هكذا منذ أن كنت صغيراً؟

 

رد بسرعة وقد بدأ بالانزعاج لغوصها بماضيه:

-       اكتشفت ميولي وأنا بالثامنة عشرة

 

رطبت شفتاها وقد لاحظت بعض الانزعاج على ملامحه فتساءلت مجددًا:

-       هل كان لديك رفقة... يعني أقصد... مممم...

 

تلعثمت لعدم علمها ماذا تقول بطريقة لا تكون مُخجلة فصمتت رغمًا عنها لتجده يُكمل بدلًا منها:

-       أتقصدين جَوَارٍ وخاضعات ونساء في المُطلق؟

 

نطق بكلماته بمنتهى البساطة وهي التي قد توترت من تلك الكلمات التي شعرت أنها غريبة عليها للغاية فأومأت ليجيبها باقتضاب:

-       بالطبع

 

لماذا إجاباته بأكملها لا تُشفي عقلها المُلتاع لإيجاد المزيد من التفسيرات؟ لا بد من معرفة المزيد وعليها التحلي بالجرأة فسألته:

-       هل وقعت في الحب من قبل؟ مع أي منهن؟!

 

نظر لها وصمت ولم يجبها ثم أتت إجابته لتكون بعيدة كل البُعد عن الإجابة المُنتظرة وهو يرى أنه لو استمرت هذه المُناقشة بينهما ستقود لكل ما لا يُريد التحدث بشأنه:

-       ستعلمين ذلك ولكن ليس الآن

 

جاء صوته غريبًا، ربما متألمًا أو منزعجًا أو غاضبًا، لا تستطيع التمييز حقًا ولكن أدركت أن هناك لغزًا وراء ما سألته فقررت أن تغير مجرى الحديث لتجد بداخلها المزيد فاستفهمت منه بصوتٍ اهتز خوفًا:

-       هل ستؤذيني؟

 

نظر لها متفحصًا إياها وهو يُحاول أن يُطمئنها بعينيه وأجاب بلهجة مؤكدة:

-       لن يحدث

 

ضيقت ما بين حاجبيها باستغراب وهي لا تزال تتذكر تلك الصور التي وجدتها خلال بحثها فسألته:

-       إذن، كيف ستعاقبني على ما فعلت؟

 

أجابها بصرامة:

-       ستختبرين هذا بنفسك...

 

تفقد ساعة يده ثم تشدق آمرًا:

-       هيا لقد انتهت الساعة فلتذهبي للنوم

 

ودت لو تساءلت بالمزيد ولكنها لم تجد سوى أن تومئ بالإيجاب ثم توجهت للداخل وتريثت قليلًا فعادت إليه وأخبرته كمحاولة منها أن تغير هذا الاضطراب بينهما:

-       طابت ليلتك...

 

وجدته يحدق بها متفحصًا وأومأ لها ليُعقب بنبرة لينة:

-       وليلتُكِ...

 

أخبرها ولكن ليس بجفاء ككل مرة فابتسمت باقتضاب ثم توجهت للداخل لغرفتها وبعد دقائق استغرقت خلالها بالكثير من الأفكار استطاعت أخيرًا أن تنام ببعض الريبة مما تخيلته معه...

--

لم ينم طوال الليل، كيف أعجبه وأرضاه غروره باستجابتها واعتذارها بهذه السرعة، كمْ بدت بريئة للغاية وهي تسأله تلك الأسئلة التي لم ترتب لها وتنقلت على لسانها برقة عفوية لم تقصدها صراحةً...

 

تعجب لسؤالها المستفسر عما إذا أحب امرأة أخرى، يا تُرى هل تشعر نحوه بشيء وهل ستُحبه بعد معرفة كل شيء عنه؟ أرقه هذا السؤال مُتخيلًا العديد من الافتراضات خاصة وأنه قد بدأ بذلك قبلها، منذ أن رآها بمكتبه قد قرر أنها لن تكون إلا له، وبعد ما توصل له بإقرارها ليلة أمس شعر بتلك الإرادة بداخله ورغبته في ألا يبتعد عنها...

 

اقترابها منه هكذا جعله يريدها أكثر ولكن يجب أن يسير كل شيء وفق إرادته وكيفما يحلو له فهو لم يكن أبدًا الرجل الذي يُنفذ ما تريده النساء، أو على الأقل هذا ما تعلمه منذ سنوات!

--

استيقظت مبكراً لتشعر بوجوده حولها عندما تسرب عطره لأنفها ونور الصباح يملأ غرفتها لتعلم أنه هنا في مكان ما.

جلست على سريرها تحاول فتح عينيها بصعوبة لتراه جالساً أمامها على الأريكة فتعجبت لأنه لم يفعلها ولو لمرة واحدة من قبل منذ أن تزوجا لتستيقظ وهو بجانبها ف أخبرته بابتسامة ناعسة:

-       صباح الخير

 

تكلم آمرًا دون أن يُبادلها تحية الصباح التلقائية:

-       هيا احزمي أمتعتك وتجهزي... سنعود اليوم ولا تخبري أحدا بذلك

 

تعجبت لما أخبرها به ولجفائه الذي عاد فجأة دون إنذار فتساءلت بعفوية:

-       هناك عشرة أيام باقية من اجازتنا، لماذا لا نقضيها هنا؟

 

سألها بلهجة لا تقبل النقاش بصرامة واضحة:

-       هل هذا اعتراضا أم عصيانا؟!

 

أحقًا، سؤالها هذا يعتبره اعتراضا وعصيانا، كيف ستتعامل معه لتنجح بهذا الزواج؟ لم يتبق لها سوى أن تتدارك ما قالته فتلعثمت مجيبة:

-       لا، لا أقصد، إنما فقط... أعتذر لك...

 

حاولت ألا تغضبه وهي تشتق من هذا الحديث الذي دار بينهما ليلة أمس، فعندما تعتذر له يسكن وكأن شيئًا لم يكن وهي في حاجة لبعض الهدوء حتى تستكشف ما وراء هذا الزوج الذي لتوها وقعت معه في علاقة لا تعرف ما نهايتها فوجدته يومئ لها بالموافقة ثم باغتها بالمزيد من كلماته الجافة الآمرة:

-       أمامك ساعة كحد أقصى

 

ترك غرفتها لتنهض مسرعة لتحاول ألا تتأخر خاصة وأنه ليس لديها الوقت وهي لا تدري هل تشعر بأنها مُرغمة أم هي حَقًّا تريد أن تعرف الكثير عنه وعن طريقته الغريبة وأخذت تحزم أمتعتها بعد أن فرغت من آخذ حمامها الصباحي وقبل أن ينتهي الوقت بربع ساعة بحثت عنه لتجده قد ارتدى ملابسه بكاملها ومستعد للمغادرة في انتظارها فاقتربت وهي تحدثه بصوتٍ مسموع:

-       لقد انتهيت... أنا مستعدة

 

تفقد الوقت بساعته وأُعجب بامتثالها أوامره وقلب شفتيه بإعجاب مُطريًا عليها:

-       فتاة جيدة... ستجدين طعامًا بالمطبخ فلتتناولي بعضاً منه...

 

تفحصها جيدًا وهو قد لاحظ بالأيام الماضية أنها تتهرب أحيانا من تناول الطعام وتريث ليستمع لردها ليرى هل ستوافق وتطيعه أم ستُجادل ليجدها تتكلم برفض عفوي:

-       شكراً لك ولكن لا أشعر بشهية الآن

 

تكلم بلهجة ساخرة والوعيد يُغلفها:

-       فلتعيدي ما قلتِ أظن أنني لم أستمع جيدًا...

 

سقطت كلماته عليها لتدهشها، لم تتصور أن تحكمه قد يصل حتى لما تأكل ومتى تستيقظ ورأت شبحًا من الغضب قد بدأ في أن يأخذ طيفه على وجهه لتلعن أسفل أنفاسها وقالت لتنتهي من هذه الملامح التي ارتسم عليها الغضب:

-       أنا آسفة سأذهب لتناول الطعام

 

غادرت مسرعة ولم تر تلك الابتسامة التي عجت بالزهو على شفتيه عندما أرضاه استجابتها له بل واعتذرت مجددًا... كان لحن اعتذارها على أذنيه جديدًا وممتعًا للغاية وسيعمل بمنتهى الجدية على أن يستمر دائمًا وأبدًا في ترنيم أذنيه...

--

ما إن انتهت الساعة توجه إليها ليراها قد تناولت قدرًا لا بأس به من الطعام الذي أعده لها ليتكلم بنبرة مُصدرة للتعليمات:

-       هيا الآن قد انتهى الوقت

 

تبعته لترى أنه قد رتب كل شيء بالسيارة فركبت بجانبه وانطلقا للمطار ومر كل شيء بسرعة حتى جلسا في طيارته الخاصة التي أتيا بها إلى هنا.

عم الصمت حولهما ولكن كانت هناك ضوضاء برأسها بينما هو كان يُفكر فيما سيفعل معها، وكيف ستتلقاه، يموت شوقًا لاستماع توسلاتها وصرخاتها بغرفته الخاصة بمنزله... يريد أن يفعل الكثير... لو فقط يستطيع أن يُطوي هذه المسافة اللعينة، لو كان يملك المقدرة على السفر عبر الوقت لكانا الآن بمنزله، ربما لم يكن عليه السفر منذ الأساس!

 

وهي الأخرى لم تختلف حالًا عنه، كان يدور في خلدها الكثير، سرقت بعض النظرات إليه بينما كان يطالع شيئًا بهاتفه، شعره بدأ في اكتساب طولاً مما جعلها تتمنى أن تتلمسه، لم تلحظ كيف شفـ ـتاه تلك تبدو مـ ـثـ ـيرة من قبل، وتذكرت ما فعله بها ليلة أمس لتبتسم ابتسامة صغيرة بخجل.

 

زجرت نفسها لتفكيرها المُراهق كالفتيات الصغيرات، هناك الكثير الذي يجب أن تنتبه له، عليها أن تخبره بطريقة لبقة أن تحكماته تلك مُبالغ بها للغاية، عليهما بالتأكيد أن يصلا لحل وسطي كي تستمر وتنجح هذه العلاقة!

 

لم يقطع تلك اللحظات إلا المضيفة التي دخلت عليهما ولم تتوقف عن تفحص "عُمر" بنظرات لم تجد هي بها سوى أنها تملؤها العـ ـهر لتمتعض ملامحها لتلك المرأة التي تحدثت بالإنجليزية:

- أتمنى أن تكون مستمتعاً بالرحلة... هل تريد أن تتناول شيئاً سيدي؟

 

يا لها من نبرة لعوب مليئة بالغنج المقزز!! ازداد غضبها الشديد تجاه ما سمعته وخاصة أنها وجهت حديثها إليه دونها وكأنها غير متواجدة فأجابتها مسرعة بكبرياء وتعجرف:

- سأتناول قهوة باللبن مضاف إليها نكهة الفانيليا

 

جاءت نبرتها آمرة كمن تقول أنا هنا أيتها الكفيفة ليتعجب منها "عمر" وثقبها بلمحة سريعة بطرف عينيه ونظر إلى المرأة ثم أجاب بنبرة رسمية:

 - قهوة سوداء دون سكر

 

ابتسمت حتى ظهرا صفي أسنانها ومجددًا وجهت حديثها إليه متسائلة:

- هل هناك شيئا آخر سيدي؟

 

كاد أن يجيبها ولكن اندفعت هي بلهجة آمرة انعكس صداها مؤثرًا للغاية بل حتى ظنها أنها تفعل هذا أفضل منه:

- فلتذهبي 

 

تعجب منها وانتظر إلى أن غادرت المرأة ليتحدث بنبرة هادئة لم تكن تعلم أن بطياتها استتر الغضب اللاذع:

- أرى أنكِ جيدة في إلقاء الأوامر... هذا لن يحدث في وجودي مجدداً

 

التفتت له وقالت باندفاع عفوي مصاحب لغضبها ونبرة كانت غاية في الإصرار:

- وأنا لن يتفحص زوجي أي امرأة بتلك النظرات الرخيصة

 

ضيق عينيه باتجاهها ليسألها بطيف ابتسامة على شفتاه:

- هل شعرتِ بالغيرة؟

 

أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وقد غلف الغضب ملامحها وكذلك الامتعاض لهذا السؤال الغبي ليأمرها بجفاء:

- عندما أحدثك تنظري إليّ... ألم ألفت نظرك لهذا الأمر بالأمس؟

 

التفتت له بعصبية ثم هتفت به مُجيبة في حنق:

- ليس هناك حق لأي امرأة أن تنظر لك مثل تلك النظرات... ألم تر أيضًا كيف تجاهلتني تمامًا وكأنني لست هنا، أنا روان صادق لا يتم تجاهلي بمثل هذه السخافة!!... يكفي أنني لم أفقد أعصابي بسببها

 

غمرته السعادة من ردة فعلها وكأن تلك الفتاة ذات الكبرياء القديمة عادت وبقوة شديدة الآن ليجد أخيرًا ما سيدفعه أن يعاقبها هنا حتى قبل العودة إلى المنزل، هو حَقًّا نفد صبره، حاول التحمل والسيطرة على نفسه بكل تلك الأيام ولكن هذه كانت بمثابة النهاية لكل تصرفاتها، ليرى إذن ما لديها:

- أولاً لا ترفعي صوتك... ثانيا ما فعلته المضيفة هذا من باب التعود فلم يُسافر غيري هنا... ثالثاً لم تقومي بإجابة سؤالي ولا تريدين أن تضيفي هذا لقائمة ما ستعاقبين عليه! القائمة طويلة بالفعل ولقد اكتظت بسلوكك غير المقبول، يكفي أنني نبهتك كثيرًا!

 

التفتت له بملامح مستهجنة للغاية وفطرتها لم تقبل مثل تلك الترهات لِتَصِيحَ به:

-       حسناً... أشعر بالغيرة لأنك زوجي... وبما أن هذا من باب التعود هل ما رست عليها هي الأخرى عقابك؟ هل...

 

توقفت قبل أن تُكمل سؤالها ليرى الغضب بعينيها ينهمر بصحبة شرر الغيرة اللاذعة وهناك رفض قاطع منها كإشارة له على بعض التأديب اللازم لتصرفاتها فتوجه للباب وأوصده من الخلف ثم أتجه نحوها آمرًا:

-       على ركبتيك.. هيا!

 

يُتبع..