الفصل السادس - كما يحلو لي نسخة حصرية (النسخة القديمة)
رواية كما يحلو لي النسخة القديمة بقلم بتول طه
حصريًا لمدونة رواية وحكاية
الفصل
السادس
شعرت بالصدمة الشديدة مما فعله
وأنفاسها تتسابق كي تحاول الوصول لوتيرة طبيعية وهي تمنع نفسها من البكاء وبالكاد هدأت
ولكنها شعرت بكلتا ذراعيه يطوقانها أسفل هذا الغطاء وجسدها عاريًا وبمجرد هدوئها مرَّ
عليها كل ما حدث منذ قليل لتجد نفسها لا تشعر سوى بالخوف!
تصنع الأنفاس المنتظمة وكأنه قد نام
بالفعل بينما رأسه تستشيط من كثرة ما توصل إليه... اندفع وتسرع ويبدو كاللاهث ليحصل
عليها وعلى رضوخها بأي طريقة، هذه المرة الأولى له في حياته يكون فيها بمثل هذه الحماقة
وكأنه مراهق بالخامسة عشرة من عُمره!
هي لا تقبل كل هذا، وهو عليه التوقف
عن جنونه، تارةً يبدو منزعجًا من اللا شيء، ثم غاضبًا، وبعدها ابتسامات وعشاء راقص...
تحكمات وتسلط طوال الوقت كالسلطان الملعون! ما تلك اللعنة التي يفعلها بها؟!
اعتدلت على جانبها الآخر لتنظر له وهي
تحاول أن تتخلص من ذراعيه حول خصرها ولكنها لم تنجح في فعلتها لتمتعض ملامحها أكثر
بمزيد من الغضب بداخلها ثم حدثته بلهجة آمرة:
- عمر! هل نمت؟ استيقظ نحن علينا التحدث بكل
شيء!
فتح عينيه في ثوانٍ ناظرًا لها بثبات
ليتحدث ببرود وسألها هاكمًا:
- لماذا عليكِ الجدال بكل شيء؟ ألم أقل أنه عليكِ النوم الآن؟ لماذا تصعبين
الأمر على نفسك؟
رفعت حاجبيها في اندهاش وقبل أن
تتكلم سبقها:
- لن تستمعي لأي كلمة مني إلا عندما
نستيقظ... لا أكرر كلماتي!
حاولت دفعه كي يبتعد عنها أو حتى
تتخلص من يديه التي ازدادت قوتها كلما حاولت الفرار ولكن دون جدوى وعلى الرغم من
أن الرضاء بداخله يزداد لاستشعاره معاناتها ولكنه لن يحصل بما يفعله سوى على المزيد
من عصيانها فأجبرها على الالتفات من جديد ثم همس بأذنها ببطء ونبرة دافئة:
- منذ اليوم الذي رأيتك به وأنا أردتك كزوجة لي...
كي تبقي معي دائمًا... لن أرفض أن نتحدث عن كل ما يجول برأسك ولكن الآن اذهبي للنوم...
أعدك عندما نصل سنتحدث مثل ما تريدين... أنا مُرهق للغاية... لم أنم منذ ليلة أمس
بتأثير قبلتكِ صغيرتي... ولا أريد أن تكون أول مرة لكِ في هذا الفراش... تحلي ببعض
العقل وانتظري عودتنا فكل ما تفعليه بمحاولاتك للفرار مني لن تُفلح... أنا أود البقاء
بالقربِ منك... لا أريد الابتعاد!
من جديد تمزق عقلها بكلماته وكأنها
تستمع لكل كلمة ونقيضها! ما هذا الذي يقوله؟ يريد أن يعاقبها؟ يريد أن يبقى
بجانبها، يريد أن يكون زوجها ومعها دائمًا... ما كل تلك الترهات وكل ذلك التشتت الذي
لأول مرة تشعر به في حياتها؟
انهمرت إحدى دموعها في صمت ولا
تدري لماذا هو هكذا، لقد كان منذ قليل يد اعبها ويتودد إليها وفي لحظة كل شيء تغير
من تودد إلى تسلط شديد من قِبَله، كم كان صعبًا عليها هذا الرفض الذي يرفضها خلاله
وبمجرد تذكرها لما فعله منذ قليل شعرت بغضاضة داخلها وغصة ابتلعتها رغمًا عنها وهي
بين يديه...
أي رجل يريد أن يُعامل زوجته بكل هذه
القسوة؟ ولماذا؟ فكرت لماذا عاقبها لذلك السبب التافه وهما حتى ليسا بمنزلهما،
منزل ماذا الذي تُفكر به، هي لم تفعل شيئًا من الأساس!! أقصى ما يُمكن لشخص أن يفعله
هو الغضب من طريقة حديثها ولكن ليس عليه أن يجلدها بحزامه!!
ولماذا أخبرها بألا تُخبر أحدًا عن
عودتهما؟ هي تتذكر تلك الكلمات جيدًا!! شعرت بالاشتياق لوالدتها، تتمنى أن تحتضنها
وتجلس معها وتمازح أخيها الصغير، لماذا يفرض عليها ألا تخبرهما بعودتها؟
ابتلعت بقهرٍ ولم تتخلص بعد من
تواجده ملتصقًا بها لتشعر وكأنها تريد الفرار من هذا الزواج الذي قبلت منه منذ البداية،
وكأنه كان لديها الاختيار!!
تتذكر أنها كانت تلميذة جيدة، تتذكر
ذهابها بعد انتهائها من جامعتها لتداوم على العمل مع والدها، كما أنها تتذكر كل تلك
الأوجه والمواقف التي تعرضت لها مع الكثير من الناس، ولكن أن تكون تعرضت لرجلٍ مثل
هذا السلطان الملعون الذي يجبر جسدها على عدم التحرك بكل كلماته التي تتناقض
وتشتتها هي نفسها... لم يحدث أبدًا!
حاولت أن تنام ولكنها لم تستطع، ولم
يفعل هو الآخر... كل منهما يُفكر فيما حدث له، تسرعه معها ليس بمنطقي أبدًا، لم يحدث
سوى معها، هو منذ رؤيتها وهو يعلم ما الذي دفعه لتملكها، ربما زواجه منها كانت الطريقة
الوحيدة ولكن إلى الآن لم يحدث ما يرغبه منذ البداية...
ظن أن جفاءه وحديثه معها وطريقته في
فهم من أمامه ستُمكنه أن يُقنعها بما هو عليه، أمّا تلك القبلات والرقصات وكل مرة اقترب
منها، هذا هو متأكد أنه لم يفعله سوى في لحظة من إرادتها كأي رجل يرغب بامرأة!
هل ملامحها تجدد بداخله مشاعر ما لا
يستطيع التعامل معها بعد؟ هل أيقظت بداخله شيئًا ما حتى تتغلب عليه وتجعله يندفع دون
تفكير مُسبق وينصاع لتلك الرغبات الطفولية بمجرد الاقتراب منها؟ الأمر يخرج عن سيطرته
يومًا بعد يوم وعليه أن يضع نهاية لذلك!
هناك شيئًا هو لا يفهمه بعد، وبالطبع
هي لا تمتلك الخبرة الكافية لتفهم ما يمر به... حسنًا... هو دائمًا لديه حالة من
العُزلة، الأمر يُقارب موجة اكتئاب دائمة يتخللها موجة خفيفة من بعض الابتهاج، لو كانت
سلطت تركيزها قليلًا على كيفية معاملته لها لكانت رأت الكثير وفسرت تصرفاته الغريبة،
فمنذ معرفتها به لم يكن بمزاج معتدلًا سوى بآخر ثلاث أيام...
ربما تظن بعد بحثها أنه سا دي وبعد
كلماته معها، تعددت تلك الأسماء الغريبة ولكن يبقى بداخلها غُصة أن تتقبلها، هي تشعر
بالخوف والشتات بطريقة لم تختبرها قط... وربما يظن هو أن وحدته وعزلته تضيف له وتُكسبه
المزيد من الشأن والغموض... ولكن الأمر لا يزال مُبهمًا لكليهما!
وما لا يعرفانه كذلك أنه على وشك
الوقوع بموجة غضب شديدة تجاه نفسه أولًا، وتجاه كبريائها ورفضها لكل ما يقوله، فهي
تستطيع إشعال نيران الغيظ بدمائه بمنتهى السهولة، ولكن يبقى تساؤله، هل هذا لتواجد
الشبه بين كلتاهما أم أن هذا الأمر وحده تختص به هي دونًا عن سائر النساء!
❈-❈-❈
شعرت بلمسات على جسـ ـدها لتستغرب
مما يحدث لها وهي تحاول أن تستيقظ، فربما وقعت في النوم بعد الكثير من التفكير لتلتفت
بغتةً ووجدته يُعيد ثوبها عليها لتتعجب كيف ومتى سيطر عليها النعاس لتجده يمددها على
الفراش ثم اعتلاها وهو يتفقد ملامحها بطريقة غريبة للغاية عليها وهمس أمام شفـ ـتيها:
- هيا قد قاربنا على الهبوط، عليكِ
الاستيقاظ.
كانت لا تزال تُعاني من محاولة
الاستفاقة ولكنه فاجئها بتقبـ ـيلها بهدوء شديد ونعومة تقسم أنها سلبت أنفاسها
وبالطبع لم تكن من هذا الرجل الذي تصرف بهمجية قبل نومها وعندما فصل قبلتيهما تفقدته
بأعين متسائلة ولكنه أزاد من إصابتها بالمزيد من التشتت وهو يهمس بأنفاس دافئة:
- أريدك بشدة! لو أن الوقت والمكان مختلفان لكنت
فعلت أَشْيَاء أخرى تمامًا!
سرعان ما تركها ونهض مغادرًا تلك
الكابينة التي أُسست كغرفة نوم لتنهض جالسة وهي تستند على يديها وتتفحصه بتعجب لتصل
داخلها أن هذا السلطان الملعون مجنون أيضًا... كيف يُريدها؟ كيف وهو منذ ساعات كان
يقسو عليها وتركها بهذه الطريقة المُهينة؟ من هذا اللعين؟!
شعرت بأن رأسها على وشك الانفجار
من كثرة التفكير ولكنها نهضت وتبعته وما إن جلست بمقعد الطائرة حتى شعرت بالألم
الطفيف فهو لم يكن شديدًا مثل أول مرة، فاستطاعت تحمله وهي تحبس أنفاسها وسرقت بعض
النظرات إليه لتجده ساقطًا في حالة من الصمت والشرود!
هذا أفضل على كل حال من أن يتحدثان
بالترهات، هي فقط عليها بمجرد الوصول الذي أصبح وشيكًا أن تُغادره... انتظرت بصحبة
تلك الأنفاس المحبوسة إلى أن يصلا وبمجرد ما حدث كانت هناك خدمة خاصة منتظرة أمام
الطائرة التي تُقل المُسافرين ذوي الشأن لتدخل بالسيارة على مضض وبالفعل أوصلتهما إلى
قاعات الاستقبال!
وجدت رجلا متقدمًا في العمر يتجه
نحوه ثم تحدث الرجل بطيبة بالغة ورسمية:
-
مرحباً بك
سيد عمر... مبارك لك...
أجابه بابتسامة تعجبت لها هي كثيرًا فهي لا تراه يفعلها:
-
شكرًا لك...
قام هذا السائق بفتح الباب لهما لتدخل هي أولًا وهي تشعر وكأنها تُساق
مُجبرة لمكان ما وسرعان ما دخل هو الآخر بجانبها وانطلقت السيارة التي كان مُبالغا
بها بعض الشيء لتجده فجأة يُخفض الحاجز الفاصل بينهما وبين السائق ليُعطي تعليماته
ببروده المعهود:
-
سنتوجه لمنزلي، ولا أريد أن يعلم أحد بعودتي، هل هذا مفهوم؟
أجابه الرجل بود:
-
لا تقلق بُني...
ابتلعت وهي لا تدري لماذا يذكر هذا الأمر مجددًا، بل ولماذا عليه إخبار
السائق إلى أين سيذهب؟ فكرت هي بتلك التساؤلات التي طرحها عقلها بينما رد هو
بهدوء:
-
شكرًا لك محمود!
رفع الحاجز مرة أخرى ليجذبها من خصرها نحوه بعنف فنظرت له بتعجب ليبدأ
هو في الحديث بلهجة مملية لأوامره:
-
هناك عدة قواعد يجب أن تعلميها جيداً حتى لا تتعرضي لوابل من العقاب
بحثت بعسليتيها بوجهه وهي تحاول أن تجد الصيغة المناسبة للرد عليه حيث
إن ملامحه تبدو منتظرة أن تقول شيئًا ثم تذكرت كيف كان معها عندما أغضبته، فهي لا تريد
مواجهة هذا الخوف مرة أخرى، ملامحه كانت مُفزعة، وتلك الجلدات لم تكن هينة، وكل ما
يبدر منه يُصيبها بالذعر وهي التي لم تتعرض قبلًا لمثل هذه المعاملة وعلى الرغم من
عدم ارتياحها أمام الأمر كله تفوهت على مضض محاولة أن تُخفيه:
-
نعم سيدي
سكنت ملامحه برضاء لاحظته عليه لتختلف نبرته وهو يُطري عليها:
-
فتاة جيدة
ربت على رأسها وأكمل وهو يُداعب خصلاتها البنية ثم حدثها بتحذير وهو
يستدعي انتباهها:
-
الطاعة المطلقة، انتباهك لما تنطقين به ولو كلمة صغيرة من حرفين، السُباب
والتحدث كالعا هرات، أَيًّا كان ما تريدين فعله، التحدث، تناول الطعام، النوم، حتى
قضاء حاجتك، لن تفعليه دون سؤالي أولًا... بدايةً بأبسط الأشياء في يومك وصولًا إلى
قراراتك بالعمل ومرورًا بعلاقاتك مع عائلتك، مع أصدقائك إن كنت تمتلكين أحدهم، أي أمر
من أمور الحياة لن تفعليه إلا بإذني... وبعد سؤالي... وبعد سماحي لكِ... هل هذا
مفهوم؟
تسمرت ناظرة له وهي لا تُصدق ترهاته التي يتحدث بها، الذهاب للمرحاض، تناول
الطعام!! ولكن ما الذي عليها فعله؟ هل لو استمعت ووافقت على هذه الكلمات سيُجنبها هذا
ذلك الرجل القاسي الذي تعاملت معه بالطائرة؟
ابتلعت وهي تشعر بالحيرة بينما أكمل مواصلة مداعبته لخصلاتها ثم حدثها
وهو ينظر لها بطريقة مُغايرة تمامًا ليقول وهو يتلمس إحدى وجنتيها:
-
هذا من أجلك صغيرتي، حتى لا تجعليني أشعر بالقلق، أريد حمايتك من كل
شيء روان، لقد أصبحت زوجتي بالفعل
حمحمت بارتباك وهي تتفقده متوجسة وسألته بتردد واهتزت نبرتها أثرا من كل
الغرابة التي تواجهها معه:
-
هل لو فعلت هذا، لن تعاقبني؟
أومأ لها بالموافقة وهو لا يزال يدا عب خصلاتها تارة ووجنتها تارة ليدوم
الصمت هنيهة فحدثها بنبرة مُحذرة أطال بها نطق حروفه على مُكثٍ:
-
الإجابة المنتظرة هي حاضر سيدي، وانتبهي لهذه القاعدة، انتبهي كثيرًا ألا تناديني سوى
بسيدي! عقاب مخالفة هذه القاعدة سيعرضك لأشد عقاب... كما أن تلقيبي بهذا من بين شفـ
ـتيكِ الفاتنتين يُصيبني بالرضاء والسعادة...
ابتلعت وهي تشاهده بحيرة لتومئ في النهاية بتوتر:
-
حاضر سيدي... مفهوم!
تفقد عينيها بثاقبتين تُزيد من ارتباكها وواصلت أنامله المرور على شعرها
ليقول مُكيًلا لها المزيد:
-
أُحب الفتاة المطيعة، التي تجلس أسفل قدماي، طالما نحن وحدنا لن تجلسي إلا على الأرض
فهذا هو مكانك... بالقرب من حِذائي!
تريث قليلاً وتفحصها ليجدها تشعر بغصة مما أخبرها به وغضاضة الصدمة
تلوح على ملامحها وكأنما أُلقيتْ لتوها ببحر من الثلج الذي تساقط عليها وهو يقصد التقليل
من شأنها تمامًا ولكنه تظاهر بعدم الاكتراث وأكمل:
-
عندما آمرك بأن تتجهزي وتستعدي أريدك عا رية، على ركبتيك، عينيك
تنظران نحو الأرض ومنتظرة قدومي... هل الأمر واضح صغيرتي؟
هل كانت والدتها تفعل ذلك مع والدها وهي لا تعرف؟ هل لأنها كانت تتعـ
ـرى أمام والدها كانت تُخفي الأمر عن أعينها هي وأخيها؟ هل هذا السائد بين الأزواج
ولقلة خبرتها هي لا تعرف عن هذا الأمر شيئًا؟
رطبت شفـ ـتيها شاردة وعقلها يُقارن بين صورة الزواج بين والدها ووالدتها
وبين ما تمر به الآن، ولكن والدها لم يصفع والدتها قط ولم يكن مثله، كيف لها أن
تعرف وهي طوال اليوم مأخوذة بدوامة عمل لا تنتهي وخصوصًا منذ أن توفى والدها؟
لمحته بطرف عينيها ثم أعادت نظرها أمامها لتهمس على مضض:
-
حسنًا سيدي... واضح!
امتلأ زهوًا باستماعها ورضوخها بكلماتها ثم واصل
برفق:
-
ويجب أن تحددي كلمة أمان...
عقدت حاجبيها وتساءلت بحيرة عفوية:
-
ماذا تعني كلمة أمان ولماذا علي أن أحددها؟
حاول أن يُطمئنها قدر المُستطاع عن طريق نبرته
التي تقصد أن تكون عفوية:
-
تلك الكلمة تقولينها إذا شعرتي أنك لا
تتحملين العقاب أو ما أفعله بكِ
حقيقة ما يدور بداخلها هو الخوف الشديد منذ رؤيتها
لنتائج البحث الذي قامت به الليلة الماضية، أمّا بنطقه لهذه الكلمات صراحة فهو يجعلها
تشعر بالذعر، هل يُمكن أن يؤذيها خلال العقاب أو ما يفعله بها؟
-
وهل سيصل عقابي لهذا الحد؟
انطلق السؤال بسذاجة عقلها المُفكر إلي
لسانها مباشرة فأجابها على مُكثٍ:
-
ليس بالضرورة ولكن لا تناقشينني بهذا الآن، سنخوض
بكل التفاصيل الخاصة بالعقاب لاحقًا...
يبدو وأنها ستُرهقه بكثرة الأسئلة وصبره قد نفذ
بالفعل فأعاد من جديد كلماته ولكن بلهجة سؤال مُباشر:
- هيا ما هي الكلمة؟
رفعت خصلاتها بعفوية وعقلها لا يواكب هذا الحديث الذي يتجاذبان أطرافه
بلهجته المملية للأوامر وتلعثمت متكلمة:
-
مممم... لا أعلم... هل لي أن أختار أي شيء؟! لون أو جماد أو أي شيء؟
سألته ليومئ لها بالإيجاب ثم قال موضحًا:
-
كل ما تشائين سوى توقف وكفى ولا أتحمل والأمر مؤلم... كل ما يقارب معنى
هذا فهو لن يُصلح ليُستخدم ككلمة أمان
قضمت شـ ـفتها من شدة الخوف والقلق وهي تحاول الاختيار علّ عدم رفضها
لكل ما يقوله يُذهب بخوفها ويستطيعان أن يُصبحا أفضل فقالت بنبرة مترددة:
-
حسنًا.. ممم.. أزرق
تابع ملامحها المُشتتة لثوانٍ ثم واصل حديثه بجمود هذه المرة:
-
لا أُحب الجدال، والنقاش الكثير، مخالفة ما أُخبرك به وعصيانك أوامري
قد تفتك بكِ فإن كنتِ ذكية لن تخالفيني، وإياك وأن تُغضبيني بيوم ما وإلا ستكون العواقب
وخيمة
سكت وسكتت هي فلا تدري ما تقول فأكمل حديثه بمزيد من التعليمات التي
لن يقبل منها سوى امتثالها بأكملها:
-
العشرة أيام القادمة لن تتحدثي لأحد غيري، لن تهاتفي أحدا ولن تفعلي إلا
ما يُرضيني، هل هذا واضح؟
نظر لها نظرة ثاقبة أزعجتها لتقابل عينيه بحُزن شديد ثم سألته بعفوية:
-
حتى والدتي وأخي!
تنهد وهو لم يعد بداخله ذرة واحدة من ذرات الصبر ليحاول أن يُطمئنها ولكن
بطريقته التي قد تصلح معها:
-
أريد أن نحظى بالوقت بأكمله لنا، بعيدًا عن الجميع، وعن الأعمال، وعن كل
شيء... أنا أريدك لي روان بالكامل... عشرة أيام لن تكون كافية لي ولا لكِ... يكفي ما
تفلت من بين أيدينا بالفعل
تفقدها برمقات را غبة بها وهو يتلمس جانب وجهها لتومئ بالموافقة وهمست
له:
-
نعم سيدي واضح...
التوت شفتاه بابتسامة منتصرة على وشك الظفر بكل ما أراده وقال
مُطريًا:
-
فتاة مطيعة وجيدة، وهكذا أريدك دائمًا... والآن هيا بنا للداخل!
ترجلا من السيارة لتتبعه في صمت حتى أدركت أنهما وصلا هذا المنزل الكبير
التي قابلته به أول مرة وما به إلا أن أطلق صافرة حتى آتاه برق يجري بسرعة حتى
شعرت بالخوف من الحصان واختبأت خلفه متمسكة بذراعه فهي تشعر بالخوف من الحيوانات ولم
يسبق لها التعامل معها أبدًا.
أخبرها عندما لاحظ ارتباك أنفاسها المحتبسة بنبرة مُطمئنة:
-
لا تخافي
أطلق ضحكة زافرة على خوفها وبهدوء أمسك يدها المرتجفة ليضعها على جبهة
برق فزمجر الحصان بعدم رضاء ثم كلمها بتحذير:
-
أنتِ الآن تخيفينه، كفِي عن الارتجاف فلن يؤذيكِ
فعلت ما أمرها به وبدأت تملس على جبهته لدقيقتين وبدأ خوفها منه في
التلاشي، أو ربما هي تستطيع التنفس، ولكنها باتت أفضل!
عندما لاحظ هدوءها اللحظي أعلن آمرًا:
-
هيا الآن
امتطى حصانه ومن ثم جذبها وأحكم قبضته على خصرها بقبضتين قويتين
وانطلق بسرعة مخيفة لتشعر هي بالرعب لتتوسله هي والفزع عاد ليتحكم بدمائها مرة أخرى
من هذا الكائن المخيف الذي تمتطيه ومن الآخر الذي تزوجت منه:
-
أرجوك أبطئ من سرعته...
سألها بابتسامة متعالية وهي لا تراه ولا تلمحه حيث كان يجلس خلفها:
-
أتشعرين بالخوف؟
ما هذا السؤال؟ ألا يفهم أم يريد أن يستمع لإقرارها بالخوف؟ حسن هي لا
تريد المزيد من التصادمات معه فقالت بخوف:
-
نعم
سألها بنبرة وعيد كأنما يُذكرها بما تناسته:
-
نعم ماذا؟! هل نسيتِ كيف تُناديني؟
تداركت خطأها الذي يظن أنها أخطأت به، هي حَقًّا لا تدري ما وراء مناداته
بلقب سيدي فقالت على مضض حاولت إخفاءه:
-
نعم سيدي
تريث لبرهة ثم جذبها بغتةً شهقت على إثرها بتلقائية
بينما حدثها بالقرب من أذنها بثقة:
-
عودي نفسك ألا تشعري بالخوف وأنتِ معي، أنا سيدك
ولن يضرك شيئاً طالما أنا بالقرب منك
أخذ يرمح بحصانه بعد أن أخبرها بأرجاء المنزل
بأكمله غير ناو أن يتوجه صوب البوابة أولًا ليستمتع قليلًا باقترابها منه وبعد قليل
هدأت خطوات الحصان وشعرت بتلا صق صـ ـدره بظـ ـهرها وأسفـ ـله بنها ية ظـ ـهرها لتبتلع
بارتباك من كل ما يحدث بل ومن كل ما هي مُقدمة عليه معه.
دفن رأسه بخصلات شعرها وقد شعرت بأنفاسه السا
خنة عندما أزاح شعرها البني الطويل لأحد الجوانب ولاحظت ما يحتك بجسدها بشدة مرة أخرى
فأدركت ماهية ما ينعكس على بد نها وشعرت بالخجل، الخوف، والارتباك!
همس بجانب أذنها بنبرة جعلتها تقشعر بالإضافة
لمزيج مشاعرها الذي يتصاعد في سباق كل شعورٍ على حدة أيهم يُسيطر على دمائها السارية
بعروقها:
-
كمْ أتوق لعقابك روان
لم تدر ماذا تقول فالتزمت الصمت بينما جذب خصرها
له أكثر لتشعر بسخونة جسده وهو يسألها بإلحاح بهمسه الذي يُصعب عليها الأمر أكثر:
-
هل تتوقين له؟
انعقد لسانها غير مُدركة ما الذي عليها قوله،
هي لا تتوق للعقاب بل هي تشعر بالذعر من الأمر، ولكن هل لو رفضت هل هذا سيكون بمثابة
عقاب آخر وهو يؤلمها بجلدات أو صفعات؟ ابتلعت بارتباك وأنفاسها متهدجة وسيطر عليها
المزيد من الارتباك ثم أجابته وهي لا تدري ماذا عليها أن تقول غير ذلك خوفًا من ردة
فعله:
-
نعم سيدي
التوت شـ ـفتاه لأحد الجوانب بابتسامة ثم جذب
حصانه ليتجه عائدًا وهو يُسرع بحركاته أكثر من المرة السابقة حتى وقف أمام بوابة منزله
ثم هدر صوته آمرًا:
-
لديك خمس دقائق حتى تستعدي بجانب سريري
وتنتظرينني
رطبت شفتاها وهي تلمحه متوجسة وسألته بعفوية:
-
حاضر سيدي... ولكن أين غرفتك؟
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيه وهو لتوه سيجعلها
تبحث عن عذابها بنفسها:
-
اكتشفي بنفسك... وأسرعي روان!
يُتبع..