-->

الفصل العشرين - آنين وابتهاج

 



الفصل العشرين


_ماذا لو حدث صراع بين النفس والقلب ولم يتفق أي منهما على أختيار؟!

ماذا يجب علينا أن نفعل حينها؛ لإنهاء ذلك الصراع_

 

--

 

شعر تامر بالصدمة تجتاح كل ما بداخله ما أن استمع الى إسمها يدوى داخل أذنيه عبر الهاتف، يشعر أن العالم بأكمله قد توقف عند تلك اللحظة التي استمع بها إلى اسمها.

 

عودتها في ذلك الوقت تحديدًا ايقظت بداخله العديد من المشاعر التي لا يعلمها، وقد ازداد بداخله شعور التوهان، لا يعلم لماذا قد أتى في ذهنه صورة فريدة في ذلك الوقت؟!...أيعقل صورة فريدة تأتي إلى ذهنه في تلك اللحظة...اللحظة  الذي انتظرها بعدما ابتعدت عنه فجأة وقد أقنعه عمر شقيقه بأنها لم تستحقه ولم تحبه بل هي تضحك عليه وتستغله ليس أكثر وقد شرد عقله في تلك المرة التي تحدث بها معه، أردف عمر بجدية وتعقل لعله يحاول أن يوصل إليه الأمر

 

:- يا تامر افهم شغل عقلك شوية هي لو بتحبك هتختفي ليه مرة واحدة كدة، لكن هي مش بتحبك بدليل انها بعدت عنك بسهولة عادي لأنها واخدة منك فلوس وحاجات تهيشها عادي فتقدر تستغنى عنك، شوف البنت اللي ماما اختارتها هي مش بتجبرك عليها، بتقولك شوفها لو لقيت الامور تمام مش مرتاح عادي ارفض واختار واحدة كويسة.

 

وقتها رد عليه تامر بضيق ويأس، يشعر بالحزن امتلأ كل ذرة بداخل قلبه؛ لاجل ابتعادها عنه

 

:- خلاص يا عمر اعتقد اللي ماما اختارتها واحدة غيرها مش هتفرق معايا، اي واحدة غير بسملة مش هتفرق فعادي مش لازم حتى اشوفها.

 

حاول عمر أن يفهمه ويشرح له الوضع ولكن باءت جميع محاولاته معه بالفشل، بعد تمسك تامر بوجهة نظره وعدم اقتناعه بأي حديث.

 

بحث عنها كثيرا بمحاولات مختلفة قبل أن يقوم بزواجه من فريدة، وعندما لم يجدها وافق على الزواج من فريدة التي كانت من وجهة نظر الجميع هي الافضل له، وهي مَن تستحقه.

 

صمت ولم يعلم ماذا يفعل، شعر أنه كالطفل الذي سيتعلم الآن كيف يتحدث، فاق من شروده مع ذاته وأحداثه الماضية على صوتها، وهي تهتف بإسمه في محاولة منها لجذب انتباهه عندما رأت أن صمته قد طال عن المُتوقع

 

:- تامر....في إيه مالك أنتَ لسة معايا؟!

 

ردَّ عليها سريعًـا بنبرة باردة بعض الشئ، تغيرت نبرته معها، هو ليس معها كما كان سابقا، فهو يشعر بثقل في قلبه رغما عنه، ولا يعلم مصدره وما سببه، لكن هناك شئ بداخله غير سعيد برجوعها ويتهرب هو من تفسير ذلك الشئ

 

:- ايوة يا بسملة أنا معاكي مفيش حاجة أنا بس مش مصدق أني سمعت صوتك تاني، أنتِ فين يا حبيبتي دة أنا حاولت اوصلك كتير وللأسف معرفتش اوصل لأي حاجة عنك.

 

اجابته بهدوء ونبرة مغزية، تخفي خلفها حقيقة مشاعرها تجاهه، تتمسك بأقنعتها جيدا، فهي ممثلة بارعة وماهرة في خداعه

 

؛- أنا خلاص يا بيبي هنزل مصر الأسبوع الجاي، يعتبر مجهزة كل حاجة، هتصل اعرفك امتى بالظبط عشان تستناني في المطار وتجيبني، حابة اشوفك أول ما أرجع.

 

حرك رأسه إلى الأمام عدة مرات، وهو يشعر بهدم التصديق لكل ما يحدث، لكنه أسرع يهمهم مجيب إياها بتأكيد قبل أن تغلق المكالمة

 

:- أكـيد طبعا هجيبك من المطار من غير ما تقولي أصلا، هستنى إتصالك بيا قبلها.

 

همهمت ترد عليه بمكر، وأغلقت المكالمة بهدوء ماكر خدعه للأسف، لكن كل ذلك لم يشغل ذهنه، هو فقط  يريد أن يعلم هل ما يفعله سيكون صحيحًا أم لا؟!..

 

يالله لا يعلم شئ كيف ذلك؟ هو لم يريد أن ينهي علاقته بفريدة ولا يعلم لماذا...لماذا قلبه لا يريد الإبتعاد عنها؟

لكنه أيضا لم يستطع أن يبتعد عن بسملة فها هي وأخيرا قد عادت إليه من جديد، يشعر أنه قد سقط في مأزق لا يعلم كيف يخرج منه، ماذا يفعل هل يستمع إلى ذاته التي تريد بسملة أم إلى قلبه الذي يريد فريدة؟!..

 

--

 

كانت فريدة تجلس داخل غرفتها تشعر بالقلق يعصف في جميع خلاياها، تخشى من القادم الذي سيأتي عليها، تخشي مصير حياة طفلها الذي تحمله بين احشاءها، لا تعلم اتخبر تامر أم لا؟

ماذا سيكون رد فعله عندما يعلم؟... وكيف سيتقبل الأمر خاصة انه نبه عليها بشدة على ألا يحدث ذلك؟!

 

يرواد عقلها العديد من الأفكار التي تنهكه بشدة، تود أن تصرخ بأقصى جهدها؛ حتى تفرغ طاقتها المكبوتة بداخل قلبها، تتمنى أن يكن لديها الشجاعة وتخبره بخبر حملها من دون خوف وقلق، ولكن بداخلها ألف شئ يمنعها، لا تعلم هل سترتاح اذا اخبرته أم لا ستظل قلقة متعبة؟!

 

وضعت يدها فوق بطنها بحنو وسعادة تشعر بها، نعم هي سعيدة بالرغم من كل ما يحدث معها، لم تتخيل أنها ستصبح أم عن قريب وتحمل طفلها بين يديها، ستفعل كل ما في وسعها حتى تجعله يعيش سعيد ليس كما عاشت هي، فهي لم يكن لها نصيب من السعادة مع زوجة أبيها ومع زوجها أيضا، تحدثت بحنو شديد وفرحة

 

:- حبيب مامي اللي خلاص جاي ينور حياتها بعد كل اللي شافته، وهنلعب ونعمل كل حاجة مع بعض بعد كدة، أنا هبقي قوية عشانك أنتَ بس.

 

ظل تمرر يدها فوق بطنها بدفء وحنان وهي تبتسم بسعادة حقيقية تشعر بها..

 

فاقت من شرودها على صوت باب الغرفة الذي فُتح معلنا دخول تامر  بعدما عاد من عمله، ولكنه على غير العادة دخل بصمت وهدوء من دون أن يرفع صوته عليها أو يحدثها حتى، تنهدت بهدوء لعلها تخفض من توترها وسرعة دقات قلبها الذي سيتوقف فيىأي وهلة.

 

عقد حاجبيه بدهشة واستغراب ملحوظ بدا بوضوحٍ فوق ملامحه المجهدة، بعدما رأي ملامح وجهها الشاحبة، الباهتة، والمتعبة، كأن يوجد بها شي ما لا يعلمه، فـتمتم يسألها بهدوء

 

:- في إيه مالك ومال شكلك بهتان كدة ليه؟ أنتِ لسة تعبانة يا فريدة ولا إيه؟

 

حركت رأسها سريعا نافية، وهي تتحدث مجيبه إياه بخفوت ونبرة متوترة ضعيفة بالكاد تصل إلى مسامعه

 

:- لـ....لأ لأ مش تعبانة، أنا بقيت كويسة خلاص مفيش حاجة.

 

اومأ برأسه إلى الأمام، وغمغم بهدوء بعدما وزع نظراته عليها وتفحص حالتها المجهدة

 

:- طب اقعدي ارتاحي شوية عشان شكلك تعبانة.

 

أومأت له برأسها الى الأمام،وردت عليه بنبرة خافتة

 

:- حاضر يا تامر.

 

تركها ودلف صوب المرحاض يأخذ حمام بارد لعله يهدِئ من النيران المشتعلة بداخله، ويطفي من لوعة حيرته التي ارهقته كثيرًا، وأرهقت كل شئ بداخله، لا يعلم لماذا يريد أن يبتعد بل بالاحر يهرب ولكن ليس منها بل يريد أن يهرب من العالم بأكمله، تلك هي عادته عندما يشعر أن شئ ما يزعجه، يبدأ يتهرب منه و يتركه، لكنه في ذلك الشئ تحديدا لم يستطع، لم يستطع أن يهرب ويسافر كما يريد.

 

وجاء كل شئ على عكس ما توقعه، فهو توقع أنه سيفرح بخبر عودة بسملة الذي ينتظره، كان يتمنى أن يراها مرة أخري، لكنه يشعر الان أن عودتها اكثر شي ساهم في ضغطه وتعبه، ربما اذا كانت لم تظهر في ذلك الوقت أفضل، كان سيظل كما كان في السابق يتعامل مع فريدة كما يريد احيانا يعاملها بهدوء ومشاعر عتيقة خفية لن يعترف بها حتى الان، وأحيانا يعاملها بجفاف وحدة لكنه يكن لديه السبب الذي يقنع به ذاته ويبرر افعاله.

 

شعر فجاة أن ذلك السبب وهمي، نعم سبب وهمي يضحك به على عقله وعلى ذاته، فهي الآن ستعود وعليه ان يختار بين حبه الذي يظنه حب حقيقي، وبين زوجته وحياته القادمه معها!..

 

كور قبضة يده بغضب شديد وضرب بها الحائط قبل

أت يخرج من المرحاض، حاول أن يهدئ من ذاته وغضبه لا يريد أن يفرغه بها مثل كل مرة.

 

ولحسن حظها بعدما خرج وجد فريدة نائمة فوق الفراش بعدما تعبت بشدة من فرط التفكير، ظل يتأمل ملامحها الهادئة المحفورة بداخل ذهنه بوضوح، ابستم ابتسامة هادئة لا يعلم ما سببها.

 

لكنه ما أن رأى ملامحها الهادئة البسيطة شعر بابتسامة تزين ثغره، من دون ان يعلم سبب يفسر به لذاته تلك الابتسامة التي ارتسمت فجأة، شعر ببعض من الراحة التي يحتاجها  بعدما رأها بتلك الهدوء المرسوم على ملامحها النائمة..

 

--

عادت آلاء من عملها في وقت متاخر، فقد كانت تدعي سرا طوال الطريق الا تراه في ذلك الوقت، فهي ليس على استعداد لمجادلته، وخاصة أنه يتجاهلها منذُ اخر مشاجرة تمت بينهما.

 

ولكن للاسف ليس جميع ما تتمناه يحدث، زفرت بضيق بعدما رأته يجلس مع سناء والدته في بهو المنزل، وعيناه معلقة على باب من الواضح انه ينتظرها، كانت ستنجاهله وتصعد صوب غرفتها متجاهلة جلوسه وكل شئ آخر.

 

لكنه لم يسمح لها صاح بأسمها بنبرة حادة وقد يبدو أنه وصل لاعلى ذروة في غضبه، فهي تعلمه جيدا عندما يكون غاضب

 

:- آلاااء استنى عندك يا هانم.

 

تأفأفت عدة مرات بضيق قبل أن تقف في موضعها وردت عليه بحدة وجدية

 

:- نعم يا عمر، نعم عاوز إيه دلوقتي.

 

  نهض من مكانه يقترب منها ولكن استوقفته والدته "سناء" التي تمتمت  بنبرة هادىة منخفضة تصل إلى مسامعه

 

:- اهدي يا عمر عشان خاطري خليك هادي، وبلاش تتعصب عليها وتتخانقوا زي كل مرة.

 

انهت حديثها وهي تطالعه برجاء حتى يهدأ ولم يحدث مثلما يحدث بينهما كل مرة.

 

اوما لها برأسه إلى الأمام، واقترب منها بضع خطوات حتى وصل نحوها مباشرة، عقد زراعيه امام صدره وعيناه كانت ترسل لها رسائل مشفرة غاضبة تعلن مدى غضبه، ثم تحدث بنبرة حادة يتخللها البرود بعض الشئ

 

:- الهانم كانت فين لغاية دلوقتي، إيه كنتِ ناوية تباتي برة ومتجيش ما أنا مش فاهم

 

زفرت بضيق، وردت تجيبه بتذمر، وهي تعقد زراعيها هي الاخري أمام صدرها وتطالعه بعدم رضا

 

؛- كنت في الشغل عادي، وبعدها روحت مع عدى عزمني على العشا انهاردة كمان، وأظن أن أنا كبيرة كفاية وبعرف اخد قراراتي لوحدي، وعارفة ايه اللي يهمني وينفعني وإيه لأ، ثم إنك قولت آخر مرة لو تفتكر إنك مش هتتدخل في أي حاجة تخصني تاني، ولا هي كانت كلمة وخلاص.

 

رفع حاجبه إلى أعلى وظل يطالعها ببرود من اعلاها إلى أدناها،  يخفي خلف نظراته الباردة نيران غاضبة متاهبة تزداد اشتعالا مع كل كلمة تتفوه بها، لكنه اخفي غضبه بداخله بمهارة، ورد عليها ببرود حاد

 

:- الشغل ماشي مليش فيه ومتدخلتش فيه، لكن إيه حوار العشا اللي بقي كل شوية دة مش فاهم، وبعدين مش معنى إني قولت إني مش هتدخل في اي حاجة تخصك، إني اسيبك كدة براحتك تعملي اللي تعمليه ولا كأن مفيش حد بيخاف عليكي، ولو ناسية افكرك إن أنا ابقي ابن عمتك  ومن حقي اتدخل عادي.

 

شدد على احرف جملته بنبرة حادة غاضبة غير قابلة للنقاش معه تلك المرة.

 

فأومأت هي براسها إلى الامام وصعدت متوجهة صوب غرفتها تاركة إياه وهي تشعر بالغيظ من طريقته معها، تمتمت بغضب وضيق لذاتها

 

:- ايه دة بجد هو فاكر نفسه مين، قال ابن عمتك اتا مش عاوزاه ولا يخاف عليا ولا حاجة.

 

اغلقت باب الغرفة خلفها بغضب شديد مما تسبب صوت مرتفع قوي، وهي  تشعر بالغضب من حديثه معها وتحكمه الزائد بها كما ترى، هي لم ترى خوفه عليها بل كل ما تراه هو أنه يريد أن يتحكم بها..

 

بينما عمر تأفأف بضيق يجتاح بداخله من غيرته عليها، وهو يشعر أنها على وشك الضياع من بين حبه، ذلك الحب الذي كان ينمو كل يوم بداخله،  اصبحت  هي له أهم من الهواء الذي يتنفسه، ولكن الأمر الآن يزداد سوء بينهما، شعر أن الفجوة التي خُلقت بينهما تزداد في كل يوم يمر وتزداد اتساعا وتكبر يخشي أن تكبر عن ذلك، ويزداد ابتعادهما عن بعض، يريد أن ينهي كل ما يحدث سريعا فهو لم يتحمل شئ اخر...

 

--

بعد مرور يومين

بعد تفكير عمبق من فريدة، قررت أن تخبر تامر بخبر حملها، فذلك الأمر هو الأمر الصواب الذي يجب عليها فعله، جلست بقلق عارم ينهش في قلبها، تنتظر إياه حتى يأتي وتخبره بالفعل، ولج الغرفة وهو في حال أفضل قليلا عما كان من قبل يومين فهو قد حسم فراره النهائي، وقرر ان يختار حبه الزائف ولن يتخلى عنه مثلما فعل سابقا.

 

 نهضت فريدة من فوق الفراش واقتربت منه، قائلة له بنبرة خافتة منخفضة

 

:- تامر كنت عاوزة اقولك على حاجة مهمة.

 

قطب ما بين حاجبيها بدهشة، ورد عليها بهدوء على عكس المشاعر المتعددة الممتزجة الذي يشعر بها بداخله في أنٍ واحد

 

:- إيه يا فريدة قولي.

 

فركت فريدة يديها معًا بتوتر، قبل أن تتحدث بتوتر وقلق يطغان على جميع اوتارها،  تشعر أن قلبها سيتو.قف عن النـ.بض نهائيًا

 

:- الأول عشان خاطري تخليك هادي، وبالله عليك كفاية عصـ.بية عليا.

 

طالعها بطرف عينيه بنظرات تملأها الدهشة، و همهم يرد عليها وقد أخذت طريقتها المتوترة تلك جميع حواسه، ولفتت انتباهه، وشعر  بالتوتر بسبب حديثها.

 

واصلت هي حديثها مرة أخرى بنفس ذات الطريقة القلقة المتوترة

 

:- بـ...بص يعني يا تامر.. هو أنا عارفة إني غلطت بس أنتَ هتقدر إني عملت كدة غصـ..

 

قطعها بنفاذ صبر من حديثها، أصبح لا يطـ.يق الانتظار لتتفوه بمقدمات ليس لها معنى

 

:- فريدة قولي على طول عملتي إيه، اللي بتقوليه دة مش هيفرق معايا أصلا، فقولي على طول قولت مش هتعـ.صب.

 

اومأت برأسها إلى الأمام بوهن وهي تشعر بتسارع ضربات قلبها بداخل قفصها الصدري حيثُ أنها أصبحت تستمع إلى صوت نبضات قلبها الذي يقرع بداخلها كالطبول من فرط الخوف الذي يوجد بداخلها، وقد ارتفعت نسبة الادرنالين في جسدها.

 

تحدثت بنبرة منخفضة، وهي تشعر أن الحديث لم يريد أن يخرج من فمها، ولكن بعد محاولات عديدة منها؛ بسبب نظراته المصوبة نحوها والتي اختر.قتها، تحدثت أخيرا بخفوت وتوتر، وهي تتمنى أن تفر ها.ربة من أمامه

 

:- هو أنتَ عارف يعني إني قولتلك قبل كدة إني عاوزة اوقف الدوا للي باخده بتاع منع الحمل دة، وأنتَ مرضتش، فأنا بقى وقفته من نفسي زي ما قولتلك، وأكتشفت من أول امبارح أني حامل بصراحة وكنت مش عارفة اقولك ازاي، بس لازم اقولك كدة كدة.

 

أغمضت عينيها بخوف ما أن انهت حديثها الذي كان كالثـ.قل فوق قلبها، تخشى رد فعله، وقد ظنت أنه سيصـ.يح بها كعادته مثل كل مرة، ولكن على عكس ما توقعت وجدته يجلس مرة أخرى يطالعها ببرود وكأنه لم يستمع إلى ما تفوهت به لوهلة للتو، ظنت أنه بالفعل لم يستمع إليها، وقفت لدقائق تنتظر رد فعله وهو تشعر أنها ستمـ.وت من القلق والخوف.

 

صُعِقت من هول الصدمة عندما استمعت إليه،  وهو يتمتم ببرود ممـ.يت جعل قلبها يتو.قف بالفعل عن النبض كما تظن

 

:- أنتِ بتقوليلي كدة ليه، هو انا اللي قررت، لا مش عاوز اعرف، أنا مليش فيه الطفل دة لازم ينز.ل مش مشكـلتي هينزل.

 

بالفعل ما أن استمعت إلى حديثه حتى شعرت بالصدمة تسري في جميع أنحاء جسدها، لا تعلم ماذا تفعل، وكأن الزمن والدنيا بأكملها قد توقفت بها عند تلك الجملة الذي تفوه هو بها للتو...

 

بينما هو لم يهتم بها وبما تشعر، فقد انهى جملته وخرج من الغرفة، والمنزل بأكمله تاركا إياها خلفه تشعر أن روحها تنسحب منها..

 

--

 

جلست آلاء داخل المكتب الخاص بها، وقد بدأت تلملم أشياءها تستعد على الذهاب، لكنها وجدت عدي يدلف عليها المكتب وجللس أمامها والتوتر يبدو على ملامحه، فعقدت حاجبيها باستغراب، وأردفت تسأل إياه باهتمام

 

:- في إيه يا عدي مالك، هو حصل حاجة؟

 

رد عليها بنبرة متوترة يخفي خلف ذلك التوتر العديد من الخبث والمكر الخاص به

 

:- بصي يا آلاء يا حبيبتي، طبعا زي ما أنتِ عارفة إني عاوز أخد الخطوة دي في حياتنا، وأتقدملك عشان يبقي بينا ارتباط رسمي ونتخطب ونتجوز بعدها، لأني بحبك بجد ومش قادر ابعد عنك صح ولا لأ؟

 

اومأت له برأسها الى الأمام دلالة على موافقتها لحديثه، التي لا تعلم لماذا يردف به الآن، وتمتمت تسألته بقلق وتوتر

 

:- أيوة يا عدي عارفة، في إيه بتقول كدة ليه دلوقتي؟

 

استرد حديثه مرة أخري بمكر يرد عليها وبجيبها

 

:- بصي بقي يا حبيبتي في صفقة مهمة جدا يعني داخل بيها، وعمر  كمات داخل قصادي، ولازم أكسبه  فيها عشان يعرف إني شخص كويس ويعتمد عليه وكدة ويوافق بعدها عشان نتجوز، فلازم اكسب الصفقة دي بأي طريقة.

 

طالعته بعدم فهم، وهي لازالت حتى الآن لم تستطع فهم معنى حديثه وماذا يريد منها؛ حتى يقول لها ذلك الحديث، وردت عليه بهدوء لازالت تحتفظ به في نبرتها

 

:- طيب يا عدي دي حاجة  كويسة أوي، ويارب تكسبها، لو عليا انا هدعيلك وأنا واثقة فيك طبعا.

 

احتل الحزن والتوجس ملامحه ببراعة، وتمتم بنبرة حزينة آسفة

 

:- لأ ما هو أنا محتاج مساعدتك الصراحة يا لولي، لازم تساعديني الاول عشان اكسب

 

حالت ببصرها تساله عن أي مساعدة يتحدث، وكيف ستساعده في شي مهم مثل ذلك،  وخاصة انها لم تعلم ما هي الصفقة التي يتحدث عنها حتى، فكيف ستساعده في شئٍ لا تعلمه؟

تلك الاسئلة جميعها قد حالت تراودها داخل عقلها في انٍ واحد، تجاوزت دهشتها وسألته بعدم فهم

 

:- أكيد طبعا موافقة أساعدك، بس عاوزني أساعدك في إيه؟

 

رد عليها بصوت منخفض بالكاد يصل الى مسامعها وتستمعه، و هو يحرص على ألا يستمع اليه أي احد

 

:- بصي يا حبيبة قلبي، ورق الصفقة اللي عمر مجهزه هيكون عنده في البيت، مش عارف فين بقي أنتِ ادرى بيشيل حاجبته دي فين، المهم أنا مش طالب منك حاجة غير انك تصوريلي الورق تجيبهولي أي حاجة وأنا هتصرف بعدها.

 

شعرت بالصدمة تجتاح جميع اطرافها، كأن عقلها قد شلَّ وتوقف ممتنع عن التفكير، عقلها بالفعل يعجز عن ترجمة ما يقوله وما يطلبه منها،  لم تصدق انه يطلب منها هي تحديدا طلب مثل ذلك،  وكيف ستنفذه؟!..

 

ردت هايه نافية بحزم وهي تحرك راسها عدة مرات متتالية يمينا ويسارا بعدم استيعاب وكأنها تحاول تشغيل عقلها ليترجم المطلوب

 

:- لأ طبعا يا عدي، ايه اللي بتقوله دة، أنت بتهزر صح، عاوزني اسرق الورق بتاع عمر اللي هو ابن عمتي،  اسرق الورق واجي اديهولك طب ازاي، لا بجد مش هقدر، واتمنى إنك تشيل الفكرة السودا دي من دماغك، محدش يقدر يعملها أصلا، عمر مش سهل عشان يعرف حد فين مكان الأوراق المهمة، أنا من رأيي تظبط أنتَ ورق المناقصة بتاعتك.

 

تنهد بضيق من رفضها المتوقع في البداية، قبل أن يسترد حديثه مرة أخري بمكر في محاولة منه لإقناعها

 

:- يا حبيبتي اهدي شوية هو إيه اللي تسرقي دة بيزنس يا قلبي، وبعدين طب ما هو ليه عين هنا في الشركة عندي، وكسب صفقات كتيرة بالطريقة دي وأنا دايما بسكت عشان أنا استحالة اعمل حاجة زي كدة، وانزل للمستوى دة، أنتِ مش بتشوفيه بيكسب ازاي على طول،  هو دايما بيعمل كدة وعلى فكرة تقريبا معظم اللي في السوق بيعمل كدة  بيفبرك ورق المنافس اللي قدامه، بس أنا اللي دايما برفض، لكن دي بالنسبالي صفقة مهمة مش عشان حاجة لا عشان وقتها هثبتله إني كسبته، وإني هاجي اتقدملك،  فاهماني يا حبيبتي، وبعدين مش دة عمر اللي مسح بكرامتك الارض وزعلك وهانك وجه عليكي كتير.

 

ابسامة ماكرة خبيثة زينت محياه ما أن انتهى من حديثه الذي  كان يعد كل حرف به بتأني؛ حتى  يستطع إقناعها على الرغم من كذب حديثه الا انه يعلنم انه سيتطع التأثير بها وعليها ومن الممكن أن ينجح ويصل إلى هدفه ويتفوق أخيرًا على عمر، ولو في صفقة هامة كالآن.

 

 بينما هي شعرت انها كالتائهة ما أن استمعت إلى حديثه، وقد راود عقلها العديد من الاسئلة أهمها لديها في ذلك الوقت هل ما ستفعله سيكن صحيحًا ام خاطئًا؟!

وهل تُوافق على ما يريده  عدي منها أم أن ما يريده سيكون فعل خاطئ فترفضه افضل لها ولكرامتها؟.

وهل فعلتها سترد جزء بسيط من كرامتها أم ستهدرها أكثر وأكثر؟..

 

لأول مرة تشعر شعور أنها طفلة صغيرة حمقاء تائهة لا تفهم شئ بل تريد مَن يمسك بيدها وياخذها نحو الجهة الصواب لبتبعد عن الجهة الخاطئة ولا تسير بداخلها، ولكن من المؤسف والمحزن في نفس الوقت هو انها لست لديها ذلك الشخص الذب سياخذها نحو الصواب؛ لذلك ستظل تائهة و تختار هي الطريق وهي لا تعلم اذا كان طريق خاطئ ام لا سيكون طريق صحيح؟!..

 

تشعر أنها دلفت داخل دوامة كبيرة ولا تعلم ماذا تقرر وماذا تفعل؟!..لكنها قررت أن تفكر قبل ان تتخذ القرار ستفكر جيدا وتختار الطريق الذي يريحها..

 

صراع كبير يحدث بين النفس والروح والعقل والقلب، ولكل منهم دوافعه الخاصة لا تعلم هي ماذا تختار في النهاية؟!


يُتبع..