-->

الفصل الحادي عشر - صمت الفتيات

 


الفصل الحادي عشر

❈-❈-❈


صمت رشوان لحظات ثم قال بجدية


=طب اهدا و اسمعني و ما تاخذش الموضوع على الحامي كده، انا عارف ريحانه معرفه سطحيه واعرف اهلها كويس وبصراحه مستغرب لحد دلوقتي رد فعل زي ده يعني يحصل منها، بس في النهايه ما حدش بيتولد مجرم وجايز فعلا تكون غلطت وعملت العمله دي ..بس لحد دلوقت ما نعرفش ايه اسبابها.. وانت معاك حق طبعا تختار الطريقه اللي تريحك في الشغل عشان كده انا هقول لك حل يرضي الطرفين 


زفر بحنق فاركاً وجهه بغضب وقال بصوت حاد لاذع ثم تحول الى غاضب صارم


=اتفضل حضرتك ، بس زي ما قلتلك و لازم تعرف ان انا مش واثق فيها ولا مطمئن لموضوع الصحافه اللي عاوزه تدخله في الموضوع.. أنا اضمن منين انها مش هتقول حاجه ضدنا ومش عاجبني موضوع ان الصحافه تعرف وتحقق معاها قبلنا كمان.. واكيد طبعا حضرتك عارف أن اي صحفي او صحفيه هنجيبه مش هيفيدنا بمعلومه وهيجري عشان ينشر الاول في الجريده اللي بيشتغل فيها.. عشان كده انا لازم اكون اول واحد عارف تفاصيل القضيه قبل الصحافه 


هز رأسه رشوان بهدوء ثم تنحنح متردداً قبل ان يستجمع شجاعته حتي يطرح عليه ذلك الاقتراح و بداخله امل ان يكون هناك سبباً لفعلتها تلك و الا تكون تلك المخادعة التى نصبت للجميع فخاً حتي عائلتها قبل الجميع.


=عشان كده عاوزك تسمعني.. رؤوف ابن عمي لي ولد خريج صحافه بس هو ما اشتغلش بيها وشغال مع والده في معرض العربيات، بس لي صديق بقى ولد كويس ومحترم جدآ شغال في الصحافه اتعرفت عليه من مده كان جاي هنا عشان يعمل شغل عادي في قضيه انا كنت ماسكها.. ولما اتعاملت معاه حسيت انه ولد مجتهد.. واللي عجبني في أنه بيتعامل مع الأخبار مش وهو مجرد صحفي وينشره ويزود كلمتين من عنده عشان يبقى له اسم وخلاص.. لا عاوز يظهر الحقيقه من غير ما يخوض في اعراض الناس وبيستنى لحد ما يعرف المعلومه كلها والحقيقه تظهر .. مش بيجري على طول اول ما بيعرف معلومه وينشرها ،حسيت انه من الناس المحترمه القليله إللي بتشتغل بضمير... وبعد كده لما اتعرفت عليه بالصدفه في بيت ابن عمي عرفت أنه صديق ابنه قعدنا ساعتها ندردش مع بعض شويه وعجبتني دماغه واخلاقه واخذت نمره تليفون وهي لسه معايا. 


عقد الضابط حاجبيه بحده بتفكير ليكمل رشوان قائلا بجدية


=انا بحكيلك كل ده عشان اقول لك ان ايه رايك لو اكلملك الولد ده ويجي هنا ونشرحله الموقف وناخذ منه عهد انه مش هينشر حاجه قبل ما نشوفها بنفسنا ونعرف تفاصيل القضيه منه اول باول.. عشان نتاكد ان ما فيش حاجه ممكن تضرنا ومن ناحيه ثانيه نكون عرفنا تفاصيل القضيه والحقيقه قبل من الصحافه.. 


صمت ونظر إليه باقتضاب هاتفاً بلهجة حائرة 


=مش عارف بس حضرتك واثق منين ان الولد ده مش هينشر حاجه قبل ما نعرفها، حضرتك يعني عاوزني أثق فيه لمجرد وعد.. ما زي ما احنا يهمنا شغلنا هو كمان اكيد يهمة شغله وهيجري ينشر اول ما تبتدي تحكي ده اذا فرضنا اصلا اللي هتحكيه الهانم صح ولا هتلعب بينا ثاني 


هز رأسه متحدث بعقلانية


=مساله اللي هتحكي صح ولا غلط دي تخصها هي اما الولد اللي قلتلك عليه فما تقلقش من ناحيته وانا قلتلك اني زي بيهمه شغله! بيهمه برضه الحقيقه توصل للناس، ولو كمان مش عاوز حاجه ينشرها بعد ما ريحانه تحكي ..انا واثق فيه انه هيتعاون معنا برده..بس هتكون ضربت عصفورين بحجر واحد، من ناحيه عملنالها اللي هي عاوزاه و من ناحيه ثانيه عرفت الحقيقه


لم يجيبه حيث اخذ يتطلع امامه بصمت وهو يزفر بحنق ثم نهض يتقدم الي مكتبه ليجلس علي المقعد صامتاً لحظات طويلة ثم اشار براسة نحوه قائلاً


=هو انا مش هكون واثق فيه زي حضرتك بس تمام اتصل بيه وخلية يجي.. وانا كمان هعمل احتياطاتي من اي غدر منه 


❈-❈-❈

/p>

داخل عنبر السجن ، لم أغمض عيناي حتى الصباح. لقد أصابني الأرق ، بالإضافة إلى خوفي وقلقي بعد طلبي ،الذي طلبته منهم دون وعي ، وهو أن أقول الحقيقه واحكي كل ما حدث ولكن بشرط أن يجلبوا لي الصحافة! لا أعلم لماذا طلبت هذا الطلب؟ هل يمكن حتى يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم ، أم أني قد نفذ صبري من صمتي؟ لكن ماذا سيحدث إذا قبلوا هذا الطلب؟ هل لديه الشجاعة للتحدث بعد كل هذه السنوات؟


فوراً عند هذا السؤال شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بعروقي فأنا لا يمكنني اخبارهم فبالطبع لم يصدقني احد ،ظليت صامتة انظر الي الفراغ باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث كان يمر أمام عيناي صور لمستقبلي البائس ..

فبعد موتى بالتاكيد لم يتذكرني احد بالخير مطلقاً ،لكن هو سيظل يدعون اليه بالرحمه والمغفره رغم كل ما فعله! 


اغلقت عيناي سريعاً و بقوة في محاولة مني للهروب من تخيل الماضي والمستقبل وباقي حاضري السام الذي كنت احفظه عن ظهر قلبي و الذي يردد دائماً علي مسمع احلامي بكل يوماً...ارتجفت شفتي في قهر دفين وبدأت ابكي بشهقات ممزقة بصوت مكتوم بينما كامل جسدي يرتجف بقوة.


فاليأس طريق سهل لا يستطيع إلا الضعيف أن يسلكه .. أشعر دائمًا أني ضعفي وعدم الحيل كرد فعل من الجميع نحوي ، حيث تصلبت قلوبهم ضدي ، فهم مثل الحجارة أو حتى أكثر قسوة ..اخذ جسدي يرتعش وزادت برودته فالألم يكبر ومساحة صدري تضيق جداً .! 


أعيش دائمًا ولا أعرف أين سأهرب من أشياء لا أعرف لماذا يطاردوننا ، أتحدث كثيرا إلا ما أريد أن أقوله احبسه بداخلي ..! كنت تائهة في حكايات مضت .. وحكايات أخرى أعيشها .. أتمنى لو لم أكبر ولم أتذوق مرارة الحياة.


بعد فترة وجيزة مسحت بأناملي أخر دمعه قد ذرفتها ،فلم اتخيل يوماً ان يبتلني الله هذا البلاء لكن عليه الصبر والتصدى له والتضرع الى الله فالله خير حافظ.


***

كان رشوان جالساً علي المكتب بينما الصحفي حمزه يجلس في المقعد الذي امامه... غمغم حمزه بابتسامه عريضه مرددا


=استاذ رشوان انا مبسوط قوي اني هتعامل مع حضرتك ثاني، متتصورش فرحتي قد ايه لما حضرتك كلمتني انا أصلا كان نفسي اشوفك من مده بس المشغوليات بقي الاسف واخذاني شويه


قاطع حديثه طرق الباب و دلوف الضابط إليهم واقتربت يتطلع باعين مقضبه الي ذلك الجالس أمام مكتب رشوان بقصره القائم ليقترب منه بخطوات متمهلة وجلس أمامه بينما ابتسم رشوان وهو يقول بود


=متشكر يا حمزه انت كمان كنت واحشني وكان نفسي اشوفك، انت عارف انا حبيت طريقتك في التعامل في الشغل واعجبت في تفكيرك في المواضيع انك بتفكر قبل اي حاجه بشكل انساني.. عشان كده لما لقيت نفسي محتاجك اتصلت بيك على طول وجيت في دماغي انت اول واحد


هز حمزه رأسه بابتسامه قائلاً بكياسه 


=ده شرف كبير قوي لي.. بس هو انا ما فهمتش لحد دلوقتي وحضرتك ما ادتنيش تفاصيل او اي معلومه في التليفون عن الموضوع ..وان ممكن اساعد حضرتك ازاي؟ 


زفر الضابط بضيق وهو يرفع ويبتعد الاوراق التي امامه المنتشرة علي المكتب قائلاً بجمود


= تسمح لي انا يا سياده الضابط اشرحله الموضوع بالتفاصيل عشان كمان اقول له هو مطلوب منه ايه واللي مفروض ينفذه بالحرف الواحد زي ما هنقوله، واي مخاطره في الموضوع احتمال يكون في مساله قانونيه عليه 


شعر حمزه بتوتر عدة لحظات فور رؤيته له يتحدث هكذا ولكنه ابعد افكاره تلك مجيبه اياه بقلق


=هو انا كده ابتديت أقلق هو في ايه بالضبط 


اختطف الضابط كوب القهوه الخاصة به من فوق الطاولة قبل ان يستدير الي حمزه مغمغة بحدة واقتضاب


=هو فعلا لازم تقلق عشان الموضوع ما فيهوش هزار ولازم تنفذ كل إللي هطلبه منك بالحرف و مش عاوزين الصحافه تاخد خبر بالموضوع خالص لحد ما نعرف تفاصيل القضيه احنا الاول ولا حتى انت تنشر اي حاجه غير لما اديك الاذن.. اسمع بقى الموضوع وركز معايا


عقد حمزه حاجبيه بدهشة وقلق ثم نظر إليه باهتمام بالغ وهو يستمع إلى حديثه وبعد ساعة انتهاء من شرح القضيه وطلب ريحانه الغير مرغوب له، ليعرف حمزه لماذا احضروا إلي هنا... ظل حمزه صامتاً قليلا ثم قال وهو علي وجهه ترتسم ابتسامة خفيفة


=يعني حسب اللي فهمته منكم انتم عاوزيني كمحقق مع البنت اللي قتلت عمها دي، مش مساله صحفي بقى عشان اعرف ليكم الاخبار منها مش كده؟ طب هو انا هيكون عليا اي مسؤوليه لو رفضت الموضوع من البداية؟ 


تحولت ملامح الضابط بحده بينما يرمقة بغضب، وغمغم رشوان هو يمرر عينيه بيأس إليه


=وانت ليه بس يا حمزه مش موافق و اللي يخليك ترفض ومش عاجبك في الكلام انت 

هتساعدنا وبعد كده ليك مطلق الحريه تنشر 


ليكمل الضابط مؤكدا على حديثه بحده وهو يزمجر بتحذير قوي


=بس زي ما قلتلك مش هتنشر حاجة زياده إلا إللي انا اقول لك عليه وبس 


التقط حمزه نفساً طويلاً محاولاً السيطرة علي غضبه وحتي لا يجيبه بطريقة تناسب طريقته المتعجرفة معه.. لينجح بالنهاية بالسيطرة علي غضبه مجيباً اياه بهدوء


=الموضوع مش حكايه هنشر الموضوع عشان اعمل صفقه صحفيه واتشهر وخلاص، اكيد استاذ رشوان قال لك ان ده مش تفكيري بس الموضوع كله مش عاجبني انا شغلتي صحافه وبس وانقل الاخبار بس وانا حر مش مقيد.. صحيح من التفاصيل اللي انت حكتهالي دلوقتي واضح القضيه شكلها كبيره وتستحق بس انا للاسف مش بحب اشتغل بالطريقه دي واكيد هتلاقوا 100 واحد غيري يقبل بالموضوع 


تنهد رشوان بإحباط فور سماعه ذلك غمغم سريعاً بقله حيله


=بس احنا دلوقتي مش لاقين حد غيرك وانا مش واثق غير فيك يا حمزه اي صحفي ثاني هيسرب الاخبار على طول للصحافه ساعتها مش هنعرف نسيطر علي الموضوع عشان لحد دلوقتي مش عارفين هي هتحكي ايه وهيكون ينفع يتنشر ولا لا؟ والموضوع ممكن يضرنا احنا كمان ولا لاء؟ وبعدين زي ما قلنا لك هو ده شرط البنت انها تحكي 


هز رأسه حمزه بتفهم ليقول بجدية 


=تمام انا مع حضرتك في كل ده وانا ممكن كمان اجيبلك حد واضمنهلك انه مش هيطلع الاخبار بره.. بس مش عاجبني ان احنا نضحك علي الانسه او المدام اللي قتلت عمها دي وادخل عليها كـ صحفي هيساعدها ويخليها تحكي ومن ناحيه ثانيه اسرب لكم الموضوع اول باول.. و أنتم اول ما تعرفوا التفاصيل الاولى هتجروا على طول تحكموها من غير ما تعرفوا القصه كلها.. ساعتها هتعند اكثر وتخش في حكايه انها ما تحكيش ولا تتكلم ومش هتثق فيكوا ثاني.. وبعدين طالما هي رغبتها في الاول تحكي كل حاجه الاول للصحافه اكيد هي عندها خبر ومش بالغباء ده اني مش هقول لكم التفاصيل وشكل دي مش شاغلها ولا مهتمه انكم تعرفوا.. 


أجاب الضابط وهو يرمقة بسخرية لكنه تأفف بحنق مطلقة كلماته بنفاذ صبر قائلا


=ممكن تختصر كلامك وتقول عاوز ايه بالضبط و اللي مخليك رافض تساعدنا.. لاني مش فاهمك بصراحه دي متهمه وقتلت بتدافع عنها وشايل هم ان احنا هنضحك عليها ولا لاء ليه؟ 


تنهد بينما يراقب ذلك الضابط الذي جالس أمامه بوجه متجهم و الغضب يرتسم عليه هز حمزه رأسه نافياً قائلاً بهدوء 


= انا مش بادافع عنها ولا حاجه.. و بهدوء كده وجهه نظري وانا مش بتشرط عليكم زيها ولا حاجه.. بس بحاول افكر معاكم في الموضوع، ايه اللي هيخلي واحده زيها وهي خلاص عارفه ان ممكن في اي لحظه هيتحكم عليها حكم بالاعدام وما فيش مفر، تطلب طلب زي ده؟.. وإنها مش بضيع وقت زي ما حضرتك بتقول ما في النهايه بعد تضييع الوقت برده الحكم هيتنفذ عليها ..وهي اكيد مش عامله كل الصداع ده على الفاضي وفي فعلا حاجه مهمه والموضوع كبير عشان كده هي عاوزه تحكي للكل.. فانا اللي عاوز اخذ رايك فيه ان احنا نستناها لما تخلص الحكايه بالكامل حتى لو هتحكي تفاصيل زي ما انت قلت بنفسك مش مهمه في القضيه بس ممكن تهم غيرك.. يعني معلش اللي انا حسيته من كلام حضرتك انك اول ما تاخذ منها اعترافات ودليل انها قتلت ليه؟ هتقفل القضيه على كده ومش هتفرق معاك التفاصيل الثانيه اللي هي مصممه تحكيها للصحافه وللعالم.


ضغط الضابط علي فكيه بقوه وهو يحاول التماسك حتي لا ينفجر ما في صدره به فهو لا يعجبه الأمر من البدايه، ليشعر حمزه بغضبة ليهتف محاولاً استمالته و امتصاص غضبه هاتفاً بلين


=اعتبري يا سيدي حتى دي امنيتها الاخيره هو انتم برضه مش قبل ما تعدموا حد بتسالوه نفسك في ايه قبل ما يموت وبتحققوه.


يـتـبـع...