الفصل الأول - صمت الفتيات
الفصل الأول
نحن جميعًا كأمهات أو آباء مسؤولين عن طريقة غرس الأفكار داخل أطفالنا فنحن جميعًا قادرون على تحويل الطفل من بريء إلى خبيث ولسوء الحظ ،نحن المربون أول من قام ببناء هذا الطفل. هذه حياة فيها العديد من الأشخاص والأفكار والتطورات الغريبة. ويجب علي الأم تغرس في ذهن ابنتها كل الأشياء التي تجعلها قوية ،وتهيئ ابنتها لعالم مليء بالإحباطات ، وتجهز ابنتها لعالم تنتشر فيه العنصرية بكثرة ، أتمنى أن نركز على فكر أطفالنا ،وما هو الأهم ماذا يحتاج الطفل في الوقت الحالي.
***
في إحدى الليالي كان الجو باردًا وتناثرت قطرات المطر ببطء من خلف الزجاج ، بينما كانت الأوراق تهتز فوق الطاولة وأخذت أقلام الطلاب صريرًا وهم ينقلون الدرس من اعلى السبورة وينبهون حواسهم باهتمام إلى ذلك المعلم ،الذي كأن يكتب دروسًا لمواد اللغة الإنجليزية.
ما عدا هي كأنت شارده تدعي اسمها ديمة ، كانت تبلغ من العمر أربعة عشر عامًا، كانت تجلس بجانب النافذة تشاهد المطر دون أن تنتبه للدرس ولا حتى لذلك المعلم، وعندما رفعت ديمه وجهها نحو المعلم أيمن أصابها الرعب من قساوة عينيه وحدته وهو ينظر اليها.وملامح وهالة من الخشونة، فحاولت ديمه الاعتدال في جلستها بسرعه وامسكت القلم بيد مرتعشة حتى تكتب وهي تبعد عيناها عنه بخوف.
وبعد دقائق ،قرع جرس المدرسة معلنا انتهاء الدوام في مدرسة الاعداديه بنات، و بدأت تخرج الفتيات من الفصل بعضهن على عجل والبعض الآخر يتأرجح ببطء أما عن ديمة فنهضت سريعاً تضع الكتب وجميع الاشياء الخاصه بها داخل الحقيبه حتى ترحل بسرعه لكن توقفت فجاه بتوتر عندما خرج صوت المعلم ايمن خشنا يهتف بزمجرة عنيفة
=ديمة استني ما تخرجيش، انا عاوز اتكلم معاكي
تطلعوا بعض الفتيات زميلتها اليها باستغراب وقلق يتساءلون انفسهم ماذا فعلت حتى يريد ان ينفرد بيها المعلم، ليهتف بصوت حازم
=اطلعوا انتم يا بنات استنوا زميلتكم بره، وهي شويه وهتطلع لكم انا عاوزها لوحدها في موضوع خاص!
التزمت ديمه الهدوء والصمت ورحلت الفتيات وبعد ثواني اقترب المعلم من باب الفصل حتي يغلقه! ليتحول هدوء ديمة الى شعور بالرعب وعدم الامان ..مشاعر متضاربة غريبة تجتاحها في موقف كذلك كلما وجدت نفسها بمفردها معه أو مع أي مع شخص غريب، فهو دائما أفعاله غريبه ويزداد اكثر عندما يكون بمفرده معها....هتفت باضطراب ونبرة مرتجفة تزدرد ريقها بصعوبة فيما ملامحها الشاحبة توحي رعبها
=نعم يا مستر ايمن حضرتك عاوز تتكلم معايا في ايه؟
صمت المعلم واستمر يقترب منها بملامحه الخشنة ونظراته الحادة الى ان وصل امامها ...فارتدت ديمة الى الخلف خوفا وكادت تتعثر لولا انه امسكها من كتفيها وثبتها فتعالت ضربات قلبها داخلها بهلع بقي ايمن صامتا الا من انفاسه الهادرة...ثم ابعد قبضتيه عنها ليقول بصوت عميق
=مالك يا ديمه اهدي خايفه مني ايه، انا بس عاوز اسالك ينفع اللي عملتيه النهارده في الدرس ده قاعده مش مركزه ولا منتبه معايا خالص، تحبي اكسفك دلوقت قدامي واسالك انا كنت بشرح ايه؟ عشان اعرفك انك مش مركزه
تنهدت بصوت رقيق ونبرة ناعمة تهتف غير بعيد عن شعور بالقلق والتوجس اعتراها بان خطب ما هناك لتقول بإحراج وآسف
=معلش اسفه يا مستر أيمن سرحت غصب عني في الحصه بس اوعد حضرتك مش هعمل كده ثاني
تحرك ذلك غريب الاطوار ليقترب منها مره ثانيه كسهم ناري وخلال لحظات كان يقف امام ديمه التي تحاول ان تبدو هادئه والسيطره على ملامح وجهها الوميض بصعوبة بسبب الرعب، بينما قال أيمن بقسوة وهو يركز النظر اليها بتفحص
=طب وبالنسبه لي درس النهارده اللي ما فهمتيش منه حاجه لانك مش مركزه هتعوضي ازاي، في علمك النهارده كان اهم درس اللي هيجي مني الامتحان بتاع اخر السنه.. وانتي للاسف رافضه تاخدي دروس معايا تحسن من مستواكٍ
اطرقت ديمه راسها بتلعثم بعد ان لاحظت نظراته الواضحه التي لم تفهمها وهي تهمس بخفوت
=مش محتاجه درس واوعدك خلاص مش هسرح في الحصه ثاني وبالنسبه لدرس النهارده اول ما اروح البيت هحاول اقرا ثاني واركز في كل كلمه عشان افهم... في حاجه ثاني يا مستر ايمن قبل ما امشي
تطلع ايمن الي وجهها المرتعب وهو يدقق في ملامح وجهها ..فتاه بعيون عسلية واسعة وجميلة رموش طويلة مرتعشة تتهادى منها... شعر متدرج و بوجهها المكتنز بخدود حمراء من الخوف ...شفاه صغيرة منفرجة مرتجفة تزفر انفاسها باضطراب.. إبتلع ريقه المعلم بصعوبة شديدة يحاول بصعوبه اخماد رغبته بها والسيطره على نفسه أمامها، شعرت هي بالقلق منه ونظرت إليه بملامح مستغربة... فتقدم نحوها وامسك كفها الصغير البارد يسير اصابعه فوقه ببطء هاتفا بلين
=ديمه افهميني يا حبيبتي انا بكلمك الكلام ده عشان خايف عليكي وعلى مصلحتك وخايف السنه تضيع عليكي او تجيبي درجات مش قد كده، عشان كده انا من رايي انك تاخذي درس معايا زي زمايلك وابقي تعالي معاهم هم عارفين عنوان بيتي اللي باديهم في الدروس، واذا كان يا ستي على المصاريف انا ممكن اعمل لك خصم مخصوص عشانك
حاولت سحب يدها من بين كفه لكن المعلم لم يتركها تفعل ذلك بل شدد من احتضان يدها بين يده أكثر...فيما ازدرت ديمه ريقها بارتجاف وهمست بتوتر:
=حضرتك فهمت غلط انا مش عاوزه اخذ درس مع حضرتك عشان المصاريف انا فعلا حاسه نفسي مش محتاجه درس وشكرا لاهتمام حضرتك، ممكن بقى امشي زمان زمايلي زهقوا ومشوا .. آآ عاوزه الحقهم
لم يرد عليها وفجأة التزمت ديمه الصمت وحدقت أمامها مصدومة عندما شعرت أنه ترك يدها أخيرًا ، لكنه وضع يده فوق جسدها ليبدأ في التحرك بحرية، ويحركها على جسدها أثناء الضغط علي منحنيات جسدها وتقوست هي تتأوه بألم ..وهو كان يتنفس الصعداء بصعوبة بالغة ويصدر اصوات يتلذذ واستمتاع بما يفعله معها؟ وملامح السرور واضحه علي وجهه.
أخذت تشعر بلمساته فتثير في نفسها موجة من الغثيان والتقزز وهي تشعر بـيده اصبحت تتلامس جسدها بتعمق أكثر وأكثر.. لحظات مرت عليها شعرت فيها بالرعب والخوف،ولم تتحرك او تصدر اي رد فعل، هي لا تعرف حقا كيف التصرف في موقف كذلك؟
بالتاكيد جاء في ذهنها أن تبتعد عنه وتصرخ في وجهه ان يتوقف عن ذلك، لكن هل سيصدقها احد؟ هل حينها ستستطيع مواجهه اهلها عندما يعلمون انها تتعرض لانتهاك جسدي اكثر من مره وبطريقه مباشره وغير مباشرة! من المعلم الخاص بها؟
وجاء في ذهنها بالاخير اغبى سؤال كيف ستستطيع مواجهه العالم بعد أن تفضح نفسها عندما يعرف الجميع انها تعرضت للتحرش
الجـ ـنسي؟ وفجاه قلبت الموازين كانها هي المذنبه وليست الضحيه!!. فاقت علي صوته وهو يعود ويهتف بخشونة ونبرة ثابتة
=متاكده انك مش محتاجه دروس عندي في البيت؟
فهتفت بسخط و ملامح مجعدة من الوجع داخلها
=متاكده ..عن إذن ذلك حضرتك
أبتعدت للخلف وهنا لم تستطع السيطرة على دموعها الحزينه بقهر.. نظر اليها أيمن بانزعاج ثم حمحم بتوتر وعاد يهتف بعنف ونبرة خشنة بينما عيناه تقدح شراسة
=تمام اتفضلي و إياكي تاني مره الاقيكي مش مركزه في الدرس، المره الجايه هتصرف تصرف مش هيعجبكي وهحرجك قدام زمايلك.. طالما الذوق مش نافع معاكي
❈-❈-❈
خرجت ديمه بخطوات سريعة ،وكادت تنهار وهرعت نحو المرحاض وأغلقت الباب خلفها وبدأت تبكي بحرارة ، محاولًا استيعاب كل تلك اللحظات القاسية التي مرت بها مع أفظع التجارب وما يؤلمها اكثر انها غير قادره علي التحدث والبوح عن كل شئ الي عائلتها حتى يقفون ضد هذا المعلم، صحيح أنها لا تعيش مع عائلة قاسية أو صارمة ، لكن أيضًا لم يكونوا قريبًا منها لدرجة أنها عندما تتعرض لمشكلة تذهب إليهم وتخبرهم لكنها تخشى رد الفعل وآراء المجتمع؟
لكن الكارثة الأكبر أن المعلم أيمن تحرش بها ،ولم تكن هذه هي المرة الأولى!! في البداية ظنت أنها متوهمة ، لكن عندما ازداد الأمر وما حدث اليوم! لقد تأكدت من نوايا السيئة وعرفتة جيدًا ،خاصة عندما يتحدث بإصرار عن الذهاب إلى منزله ليكون بمفرده معها ويفعل ما يحلو له... واليوم بالذات قد تعمق في الأمر أكثر! لكن أكثر ما يؤلمها هو صمتها اللعين؟ وقد أدركت أن الأمر سيتكرر مرارًا وتكرارًا ما دامت لم تتخذ موقفًا بشأنه وستظل ملتزمه بالصمت.
بعد يومين. لم تذهب ديمة إلى المدرسة بسبب ذلك المعلم وقد حاولت التغيب هذه الأيام وكانت تخترع الحجج لأسرتها حتي يوافقون علي غيابها ، ومن ناحية أخرى كانت تحاول تجاوز ما حدث لها.
وفي المساء كان الجميع يجتمع حول سفره الطعام يتناولون وجبتهم، الاب والام والابناء ما عدا ديمة التي كانت تجلس صامته ولم تاكل حتي بضع لقمات وكانت طول اليومين شارده ومرهقة من كثره التفكير في الامر...
بعد فتره نهض والدها الي غرفه النوم حتى يستيقظ مبكرا للعمل، بينما اخفضت ديمه عينيها ببطئ التي تظهر بهم نظرة اقل مايقال عنها قاتلة تحمل من الانكسار والالم اطنان وهي تقلب بالطعام بلا شهيه ثم انتبهت الى صوت والدتها التي كانت تقول شيء لكن لم تسمعه جيد، رفعت ديمه مقلتيها ونظرت إلي والدتها وهتفت بنبره حاولت جعلها قدر المستطاع هادئه
=كنتي بتقولي حاجه يا ماما
اقتربت والدتها بوجهها منها تنظر الى عينيها قائلة بحنان:
=ايوه يا حبيبتي كنت بقول لك ابقى نامي بدري النهارده عشان كفايه كده غياب ابوكي قبل ما ينام منبه عليا لازم تروحي المدرسه بكره وتهتمي بدروسك ،كفايه غياب كده كتير مش عاوزين حد يستقصدك ولا درجاتك تنقص لقدر الله.
اخذت ديمة تهز راسها بالرفض مع كل كلمة تخرج من فم والدتها تقتلها بكلماتها تلك فهي لا تعلم السبب الرئيسي لعدم ذهابها الى المدرسه، لكن والدتها رفضت ان تغيب مره ثانيه ولم تجد امامها غير الموافقه هي قائلة بحسرة وصوت هامس اجش
=حاضر يا ماما ..انا شبعت تصبحي على خير
❈-❈-❈
كانت ديمه تتوسط فراشها بوهن وهي تضم ساقيها لصدرها وتخفض رأسها حتي لامست ساقيها رأسها ،عقلها ليس معها بل شارد بكل ما مرت به منذ ذلك اليوم المشؤومه عندما تحرش بها المعلم.
بالفعل لقد مر يومين على ذلك الحادث لكن بالتاكيد لم تنسى طول حياتها هذه التفاصيل التي تخزن داخل ذهنها جيدا، انقطعت عن الذهاب لـ المدرسة حتى لا تعيش ذلك التجربه مره ثانيه فبالتاكيد ان ذهبت غدا المدرسه لم يتركها المعلم دون ان يقترب منها ثانيه بهذه الطريقه المهينه، تشعر دائما بالخوف والحيره ومن المفترض انها حتي لا تملك الحق في الرفض او القبول بل هي مُجبره؟؟.
اغمضت عينيها بشده اثر تلك الرجفه التي تسري بجسدها عندما تذكرت لمساته المقرفه لها، سقطت منها دموعها بحسرة رغماً عنها باشفاق علي حالها فهي لا تريد ان تتعرض مره ثانيه الى ذلك الشعور الذي يشعرها بالاستمزاز من نفسها قبل منة... فأحيانًا يكون العالم أكبر لعبة شيطانية يتسابق فيها البشر للحصول على ملاذهم ورغباتهم ، حتى لو كان ذلك على حساب البشرية..! فكيف لمعلم في سنه الاربعين يتحرش بطفله في سن أولاد دون مراعاة إلي حالتها وما سوف تشعر به حينها وكم المعاناه التي سوف تقابلها في حياتها القادمه! هل يعتقد أن الامر سهل التخطي عليها فهي طول السنين القادمه من حياتها لن تنسى هذه اللحظات مطلقاً.
لتنظر لأرجاء الغرفة، فتشعر وكأن جُدرانها تنطبق على قلبها، لتتنفس بضيق واضعة يديها على صدرها... ظلت تتقلب بالفراش دون فائده اصبح نومها شبه معدوم فهي تظل مستيقظه طوال الليل من فرط خوفها لانها لم تجد اي حل لذلك الورطه، حتى اسرتها التي من المفترض ان يكونوا مصدر حمايتها خائفه منهم، اين تجد الحل اذا؟
يـتـبع