-->

الفصل العاشر - صمت الفتيات

 






الفصل العاشر


في أحد الأحياء الشعبية وتحديداً في أحد المنازل كانت نشوي واقفه في المطبخ تحضر القهوة سريعة لتأخذها إلى رشوان للخارج قبل أن يغادر من منزلهم ، ومن ناحية أخرى تريد للاستماع إلى بقية القصة. حول موضوع ابنتها ريحانة التي تحدثت أخيرًا ...


في الخارج داخل الصالون تومض عيون اسماعيل بعدم تصديق والحماس وهو يصيح بصوت ملهوف 


=بتتكلم جد يا رشوان ريحانه اتكلمت! طب قالت ايه اللي حصل أو هي عملت كده ليه؟ واللي حصل ساعه الفرح عشان يخليها تعمل كده


ضغطت نشوي بيدها علي قلبها للتخفيف من الالم الذي يعصف به و هى تنتظر بفارغ الصبر أن تتحدث ابنتها لعلها تريح قليها وتقول بأنها ليست لها علاقه بتلك الجريمه، لتهتف متسائلة بسرعه ولهفه


=طب هي لما اتكلمت كانت حالتها عامله ازاي كويسه ولا تعبانه.. طب قالت حاجه عن موضوع حمدي وأنها بريئه وما عملتش كده 


كان واقفاً رشوان صامت يستمع اليهم حتي جلس امامهم ليعدل من ملابسه مغمغماً بنبرة صارمة


=يا جماعه اهدوا الموضوع مش زي ما انتم فاكرين هي ما حكتليش حاجه عن الحادثه لسه! هي اتكلمت عن موضوع ثاني و اللي انا برده بسببه جيت ليكم هنا؟ وهو موضوع المحامي اللي انتم بعته ليها، ازاي يا اسماعيل تبعت محامي زي ده يقول لها نقول انك مجنونه وما كنتش بكامل قواكٍ العقليه ساعه ارتكاب الجريمه.. و لازم نثبت ده عشان تطلعي براءه


اهتز جـ سد اسماعيل بعنف كما لو ضربته صاعقه و قد ارتسم معالم الضيق الشديد على وجهه الذي احتقن بشده مدركاً انها زوجته هي من اتفقت مع ذلك المحامي، ليقول بغضب و وجه متصلب بقسوة ناظر إليها بحده


=انا ما اعرفش حاجه عن الكلام ده و نشوي هي اللي راحت واتفقت مع المحامي من ورايا هو صحيح المحامي قال لك كده يا نشوى وانتي وافقتيه


شعرت نشوي بارتباك وهي تري زوجها يلتف إليها لتجد اسماعيل يتطلع نحوها بوجه مشتد بالقسوة و الغضب...لتقول سريعاً بارتباك محاولاً تبرير ما فعلته


=هاه هو مش بالضبط كده هو قاللي عاوز يقعد معاها عشان يحاول يستفهم منها اللي حصل، وفي وسط الكلام جابلي سيره عن الموضوع ده بس انا موافقتوش.. بس قال هو ده الحل الوحيد و...


تسلطت عينين اسماعيل بقسوة نحوها قبل ان تستقر علي وجهها مرمقاً اياها بنظرة جعلت الدماء تجف بعروقها فهو في النهايه كان ضابط شرطة ولا يحب التلاعب بطريقه غير قانونية، وقاطعها هو بقسوة مغمغم بحدة


=حل ايه وزفت ايه وانتي مفكره حاجه زي كده هتعدي على النيابه عادي ومش هياخذوا بالهم منها ولا اول واحد يرتكب جريمه ويحاول يفلت منها ويقول ان هو مجنون ..ما لقيتش غير الحلول دي، وايه المحامي اللي انتي راحه له ده بس مالقيتش غيره 


اخفضت نشوي عينيها بإحراج وتوتر قائله بتبرير


=انا سمعت ناس بتقول انه كويس و شاطر في القضايا دي 


زمجر اسماعيل من بين اسنانه وقد اوشك علي ان يفقد السيطرة علي غضبه، لكنه صمت باقتضاب عندما هتف رشوان بجدية


=خلاص يا جماعه مش هو ده موضوعنا وانا من رايي تشوفه محامي ثاني او تفكروا في حل ثاني غير ده؟ لان زي ما قال إسماعيل يا استاذه نشوى الحل ده النيابه مش هتاخذ بيه وبلاش الافضل نمشيها بالطريقه دي.. غير أن ريحانه الموضوع ده دايقها اوي وهو ده اللي استفزها عشان تتكلم وهي قالت انها كانت وقت وقوع الجريمه كويسه ومش بتشتكي من حاجه واكيد هتقول كده في النيابه كمان والتهمه هتثبت عليها اكثر 


التفتت نشوي اليه لتسرع هامسة بصوت القهر ينبثق منه لهفه شديدة


=طب ريحانه ما تكلمتش ولا قالت اي حاجه ثاني؟ كل اللي اتكلمت عنه هو موضوع المحامي ده بس! ما جبتش اي سيره عن اللي حصل يوم فرحها 


هز رأسه بالإيجاب ببطء وهتف رشوان متنحنحاً قائلاً 


=لا هي قالت انها هتتكلم وهتحكي كل اللي حصل كمان؟ بس بشرط واحد ..عاوزه زي ما هتحكي ليكم تحكي للعالم كله ويعرف قصتها هما كمان


نظروا اسماعيل ونشوي إلي بعض بصدمه وذهول بينما شعرت نشوي بالصدمة و الارتباك عند سماعها كلماته بينما بدأ شعور من القلق يتخللها فور ادراكها طلب ابنتها الغريب! لتقول بعدم استيعاب


=مش فاهمه حاجه قصه ايه اللي هتحكيها وليه عاوزه الناس كلها تعرفها؟ مش لما تحكي لينا احنا الاول هي عملت كده ليه؟ 


تنهدًا إسماعيل بعصبية محبطًا ،و هو يتأفف بحنق حيث بدأ صبره ينفد من هذا الأمر وطلب ابنته الغير مفهوم إليه ليقول مصيحًا بغضب.


=وضح كلامك يا رشوان هي تقصد ايه؟ 


وقف فجأة ينظر اليه بصمت عدة لحظات ولايزال التعبير الحائرة المقتضب مرتسم علي وجهه ثم مغمغم بهدوء


=انا سالتها زيكم برضه ليه عاوزه الناس كلها تعرف قصتك؟ ولي عاوزه تحكي للعالم كله اصلا؟ وده هيحصل ازاي.. لقيتها سكتت شويه وردت عليا وقالتلي من الصحافه شوفلي اي صحفيه تيجيلي وتكتب قصتي وتنشرها للجرائد والتلفزيون! وهي مستعده تحكي كل حاجه حصلت من البدايه في الوقت ده؟ و غير كده مش هتتكلم وهترجع ثاني تسكت 


❈-❈-❈

في منزل زبيدة ، وضعت ابنتها مني الطعام التي تحبه والدتها على المائدة ، ثم انتقلت مني بخطوات بسيطة إلى غرفة النوم حتى تدعي والدتها للطعام، لتجدها جالسة على حافة الفراش ذاته وجهها شاحب وكانت عيناها ضبابيتين تحاولان محاربة الدموع..


لكن ما ان رأتها والدتها دفنت وجهها بين يديها بينما حلقها ينقبض وهى تحاول كتم شهقات بكائها لكنها فلتت منها بقلب منكسر...احشاءها التوت بشدة داخلها فور سماعها صوت بكاء والدتها المنكسر هذا.. اقتربت مني منها جالسة علي عقبيه امامها و هي تشعر بعطف الشديد عليها... فهذة أصبحت حالتها منذ وفاة حمدي أبنها..


أبعدت يديها عن وجهها لترى خطوط الدموع المتساقطة علي خديها..مالت مني الي الامام ممسكاً بيديها بين كفها وظلت تنظر اليها حتى بادلتها النظرات بعينين مغروقتين بالدموع وغمغمت بصوت هادئه قدر المستطاع


= كفايه حزن عشان خاطري بقي.. ويلا يا ماما عشان تاكلي، و عشان خاطري بطلي تقولي زي كل مره ما ليش نفس يلا يا حبيبتي وانا هاكل معاكي عشان نفتح نفس بعض 


همست زبيده بألم من بين شهقات بكائها الممزقة


=مش قادره والله يا منى يا بنتي مين لي نفس لي الاكل بعد اللي حصل.. ربنا يرحمك ويغفر ليك يا حمدي يا ابني ويجازي اللي كان السبب 


شعرت مني وهي تتابع حالتها تلك شاعرة بالحزن الشديد عليها وهي بحالتها المنكسرة تلك..تجمد جسدها عندما رأت كتفيها يهتزان بضغف بينما رأسها لايزال منخفض اقتربت منها مغمغمة بارتباك 


=خلاص يا حبيبتي بقى بطلي تفكري في الموضوع عشان ما تتعبيش اكتر


خرج منها صوت صغير متألم كان كسكين غرز بقلب مني وهي تنزع يدها عنها وبصوت ممزق و كامل جـ سدها يرتجف قائلة


=هو انتي فاكره انا عمري في حياتي هانسى اللي حصل ولا في يوم هقدر انسى ان اخوكي اتقتل على أيد حفيدتي.. مستحيل! 


لتكمل وهي تضغط بقوة وحدة علي يدها وقد احتقن وجهها من شدة الغضب


=حتي اخوكي التاني اسماعيل من ساعه اللي حصل ولا شفنا وشه ولا حتى جي يزورني ولا يعزيني في موت اخوه للدرجه دي هانت عليه العشره ولا الهانم مراته منعاه عني


شعرت مني بقبضة تعتصر قلبها وهى تهمس بصوت مختنق


=بلاش تظلمي اسماعيل يا ماما الله يكون في عونه دلوقت بعد اللي عملته ريحانه، و هو اكيد نفسه يجي بس اللي منعه اللي حصل وخايف من رده فعلك ومش عاوزكي تزعلي.. ربنا يصبره على اللي حصل هو كمان الصدمه كانت كبيره على الكل


❈-❈-❈

في قسم الشرطة بداخل مكتب المامور... خرج الضابط من افكاره تلك عندما رأي رشوان أمامه منتظر أجابته علي طلب ريحانه.. تطلع إليه بعينين ملتمعة بالقسوة و وجهه محتقن بشدة وضغط بعنف علي ملف الاوراق الذي بيده حتي ابيضت مفاصله، وهو يقول بحده


=هي البنت دي بتلعب بينا ولا ايه يا أستاذ رشوان؟ انا لحد دلوقتي مش عاوز اتصرف معاها تصرف مش هيعجبها وعامل حساب لوالدها اللي كان زميل لينا هنا بس بصراحه هي زودتها قوي.. وحاسس انها وراء كل اللي بتعمله ده بس عشان تغطي على عملتها مش اكتر وبتضيع علينا وقت 


تنهد رشوان بعمق شديد ثم تطلع فيه قائلا بهدوء


=ايه يا حضره الضابط مالك بس خلي بالك طويل معاها وبعدين ما هي معترفه انها اللي قتلت رغم ان ما فيش شاهد واحد شافها وهي بتقتل ..يعني مش مساله انها بتهرب من العداله ولا حاجه 


غمغم هو بقسوة يتخللها التهكم بينما يتجه نحوه جالس أمامه 


=عارف ده كويس يا سياده العقيد انها معترفه بس كل الادله تضدها رغم أن ما فيش دليل ان حد شافها، بس مش فاهم موضوع سكوتها ده وهي عاوزه ايه من وراء كمان موضوع الصحافه اللي طلعتلنا فيه ده كمان.. وبصراحه دي اكثر حاجه بكرهها في شغلي ان الصحافه تدخل وتقعد كل شويه تنشر حاجه واحنا لسه بنحقق في القضيه 


ليكمل بحدة لاذعة و الغضب مزال متملك منه تجاه تلك الفتاه ريحانه


=حضرتك استاذي وانا عاوز رايك في القضيه اكيد بس في نفس الوقت مش عاوز اشتغل بطريقه انا مش حبيبها، ومش فاهم تصرفاتها بصراحه من وراء الموضوع ده وليه عاوزه الصحافه تنشر قصتها، وبعدين ايه مساله لو ما عملناش اللي هي عاوزاه مش هتتكلم هو احنا شغالين تحت امرها هي مجرمه راحت ولا جاءت في النهايه.. مش شغالين تحت امر الهانم احنا


صمت رشوان لحظات ثم قال بجدية


=طب اهدا و اسمعني و ما تاخذش الموضوع على الحامي كده، انا عارف ريحانه معرفه سطحيه واعرف اهلها كويس وبصراحه مستغرب لحد دلوقتي رد فعل زي ده يعني يحصل منها، بس في النهايه ما حدش بيتولد مجرم وجايز فعلا تكون غلطت وعملت العمله دي ..بس لحد دلوقت ما نعرفش ايه اسبابها.. وانت معاك حق طبعا تختار الطريقه اللي تريحك في الشغل عشان كده انا هقول لك حل يرضي الطرفين 


يتبع..