الفصل الثاني - صمت الفتيات
الفصل الثاني
حتى اسرتها التي من المفترض ان يكونوا مصدر حمايتها خائفه منهم، اين تجد الحل اذا؟
كانت اضاءه الغرفه خافضه ومرت نصف ساعه وهي على هذه الحاله الخوف يمتلكها ويسيطر عليها، التفتت بوجهها دون انتباه لكن وقع نظرها على كتاب يوجد أعلي الطاوله بالغرفه قد اشتريته هي من المكتبه عندما جذب اسمة انتباهها لكن لم تقراه حتى الآن، ثواني فكرت ان تقرا منه بعض صفحات حتي ياتيها النوم ثم تتركه
فهي تريد ان تشغل عقلها باي شيء حتى يتوقف عن التفكير قليلا الذي يقتلها بالبطيء...
لحظات كانت نهضت واحضرت الكتاب لتقرا إسم الغلاف بصوت منخفض "صمت الفتيات" لكن الذي اثاره هواجسي أفكارها أكثر عندما لاحظت انه مكتوب اسفل الكتاب الأحداث "مستوحاه من قصه حقيقيه على لسان الضحية" صمتت لحظه وعقدت حاجبيها بفضول ثم بدات تفتح اول صفحه لتغوص في القراءه بتركيز وكان كالاتي...!
❈-❈-❈
أسمي هو ريحانة اسماعيل اعمل مدرسة رسم
وامي تدعي نشوي علاء معلمة لغه عربية سابقة، وأبي اسماعيل عبد الرحيم يعمل ضابط شرطة برتبه عقيد، عائلتي صغيره وجميله صحيح كم تبدو اليكم.. لكن لا تحكم على الكتاب المغلقة من عنوانه! احيانا يكون ما بداخل الكتاب سيصدمك حقا؟
قد لا املك انتصارات مدهشه لكنني أستطيع أدهاشك بهزائم خرجت منها حية.! رأيت مالم أرغب برؤيته ،عِشت بسكون بينما كان من المفترض أن أصرخ في وجه المواقف التي زعزعت ثباتّ قلبي.
لكن مع الأسف الشديد عائلتي لم تخبرني أبدًا عن الاكتئاب! هي فقط تومن أنّ ألم راسي من التلفاز أو الهاتف دايما تقول انني لا فائدة ، لا تعْلم صراخ الارواح بـ داخلي! و كمية الألم الذي يسكُنني ، هي لا تعرِف شيئًا عن الفراغِ الذي اعيش فيّ و لا تعرِف اللّاشيء الذي أرتكزُ عليه حينما يشتدَّ بي الألم!
ان الاكتئاب هو ابغض تجربه مررت بها على الاطلاق انه انعدام تصور الشعور بالسعاده مره اخرى، وايضا غياب الامل كليا، انه مختلف تماما على الشعور بالحزن.. وما زال الجميع يلومني من قُدرتي على الجلوس بمفردي لـ اوقات متاخره ، لا يعلم أحد أنني وحيِده أحارِب ما بـ داخِلي لـ وحدي و لا تعلم كمَّية النضج الذي وصلت إليه بعدما التقيت بـ كلّ تلك الخيْبات.. لا تعرِف شيئًا عن شر أفكاري و خيبَاتي الكثيرة! لا احد يعلم حقا؟
كنت في مقتبل العمر الرابعة والعشرين حين بدأت في التفكير في كتابه قصه حياتي و البوح بما داخلي إلي الجميع بعد تلك السنوات اخيره، لكن ليس السبب شهره او تعاطف من العالم بل هو تحذير هام لك فتاه من الممكن أن تعيش تجربتي وما زالتٍ تلتزم بالصمت.
سوف احكي إليكم من اين بدات هذه القصه وكيف انتهت أيضا؟..
فى القاهرة في احد العماير ذات الطراز القديم،
بداخل المنازل ذات التصميم حديث نجد عائلة إسماعيل عبد الرحيم هو وزوجته يستعدون لتناول الإفطار حتى بعدها يبداوا في تجهيز عرس ابنتهم الوحيده ريحانه على ابن خالتها المهاجر خارج البلاد لسنوات عديده، كان يجلس إسماعيل على رأس الطاولة وعلى يمينه زوجته نشوي يتناولون الطعام ويتحدثون فيما بينهم.. ليقول اسماعيل والملامح الجادة التي تدل على رجل صارم
=هي بنتك فين؟ ما جيتش تفطر معنا ليه قومي صحيها لو نايمه، اليوم طويل ومش هيبقى عندنا وقت لي أي حاجه ومش هتلحق تاكل وهتنسى اصلا
فهتفت نشوي بنبرة عابسة وملامح بشوشة
=بنتك يا سيدي قامت من بدري وقاعده تحت في الجنينه مع البنت الصغيره بنت الجيران اللي ساكنه فوقينا من سنتين... كالعاده تلاقيها قاعده بتعلمها الرسم
اجاب اسماعيل بثبات مبتسما بظفر
=قصدك البنت اللي عندها سبع سنين دي اسمها دهب بيتهيالي.. سيبيها تلاقيها بتودعها عشان بعد كده هتسافر مع جوزها أمريكا ومش هيشوفوا بعض ثاني
زمت نشوي شفتيها بحنق وردت بعدم رضي ونبرة حادة
=قاعد بتتكلم كاني بنتك في سنها ،من قله البنات راحه تصاحب عيلة عندها سبع سنين ده كل يوم والثانيه الاقيها تحت في الجنينه قاعده بتتكلم معاها كانها كبيره.. حتى كمان في التليفون ساعات بسمعها بتكلمها
تنهد زوجها بابتسامة مرحة وهو يحدق إليها مرددا
=خلاص يا نشوى مش هنعمل مشكله من موضوع مش مستاهل.. مش وقته وبعدين اهي كلها كام ساعه وهتمشي، وبعد كده ولا هتلاقيها تحت ولا فوق
أردفت زوجته بامتعاظ وقد عبست ملامحها بتجهم حزين
=أنت فاكر بكلامك ده بتريحني يا اسماعيل والله هتقطع بيه دي بنتي الوحيده برده، يا ريتهم كان هيسكنوا هنا في مصر معنا على الاقل لما اعاوزه ازورها اخري كام مواصله مش طياره
اجاب اسماعيل بجدية ودهاء مبطن...محدقا الى زوجته وهو يسخر من حديثها قائلا
=شوف مين اللي بيتكلم دلوقت الله يرحم زمان كنتي زعلانه انها بترفض العرسان وفسخت مرتين قبل كده ،وكنتي طايره من السعاده لما خلاص حددوا ميعاد الفرح واخيرا هتتجوز وبنتك وافقت المره دي من غير مشاكل زي كل مره
صمتت لحظه وعبست بحدة وهي تتذكر السنوات السابقه من عناد ابنتها الغير مبرر علي فكره الارتباط حتى انها خطبت مرتين وتم فسخ الخطوبه من ناحيتها، لكنها حاولت محي هذه الذكريات بابتسامه سعيدة وأجابتة نشوي نبرة هادئة ثابتة
=الحمد لله ما تفكرنيش دي كانت مطلعه رحنا معاها اهو الحمد لله ان ربنا هداها ووافقت اخيرا.. ربنا يهديكي يا ريحانه وتكمل الليله على خير ويجعل جوزتك دي وش الخير عليكي يارب.
في الاسفـل.
كانت ريحانه تتنقل مثل الفراشة بحديقة البيت وبتسقي الزريعات وبجانبها دهب الطفله الصغيره تدور حواليها وهي تدندن وتغني وشعرها الحريري الطويل يتطاير مع الريح وهي تعكس اشعة الشمس الذهبية لتزيد من بريق شعرها المايل للبني ،متجاهلة العيون اللي كانت تراقبها عن قرب وهي كانت ريحانه التي كانت تبتسم بحب وهي تري سعادتها وتشرد فيها.. ما زالتٍ صغيره حقا وبريئه لم يلوثها العالم بقواعده المشوهه، ثم اغمضت ريحانه عينيها وهي تتمنى اليها طفوله سليمه وليست معقده وتدعي داخلها ان لا تمر بما هي مرت به..!!
قبل سنتين تعرفت ريحان على الطفله الصغيره دهب التي احبتها من اول يوم هي وعائلتها رغم ان ريحانه لم يكن لها اصدقاء طول حياتها إليها مقربين بشده لكن دهب كسرت هذه القاعده فيها لتقترب منها ريحانه يوميا وتبدا تساعدها وتعلمها كفه الاشياء بحب وهي ايضا دهب احبتها بشده وتعلقت بها ،ودائما تاتي اليها المنزل حتى تجلس معها وتحكي اليها القصص وتعلمها الرسم.
بعد فتره جاءت أم دهب حتى تاخذها وقبل ان ترحل دهب اعطيتها زهره وهي تبتسم ببراءه وطلبت منها بحزن بان تتواصل معها عبر التليفون يوميا عندما تتزوج وتسافر الليله الى خارج البلاد ولا تنساها أقتربت منها ريحانه وقبلتها من جبينها هاتفه بحنان
=ما تقلقيش يا حبيبتي هتصل بيكي دائما عن طريق ماما عشان اكلمك واطمئن عليكي خلي بالك من نفسك.. ويلا روحي مع ماما عشان تجهزي واشوفك في الفرح بالليل ...سلام
ابتسمت والده دهب واخذت الطفله وشكرتها، وقبل ان تدلف ريحانه تفاجات بوالدها يقف خلفها وتنهد اسماعيل واقترب منها قائلاً
=انتي كمان اخذتي نمرتها وهتكلميها هناك يا بنتي على راي امك من قله الصحاب راحه تصاحبي عيله صغيره مش من سنك.. ودي ناويه تتكلمي معاها في ايه بقي لما تسافري مع جوزك.. يا بنتي دي طفله عندها سبع سنين تفهم ايه دي
هزت ريحانه رأسها بيأس ثم هتفت برزانة و ملامح ثابتة لاتشي بمكنوناتها.
=مالهم بس يا بابا الاطفال بالعكس بيفهموا كل حاجه واكثر من الكبار كمان ساعات.. انتم بس اللي بتقعدوا طول الوقت فاكرنا مش فاهمين حاجه..
وفي نفس اللحظه كانت تدلف سياره وتقترب منهم و تصف السياره امام المنزل ...ويترجل منها شقيق اسماعيل ووالدته زبيده، هبط حمدي وهو يجول بنظراته قبل ان تقع عيناه على ابنه اخي وشقيقه يقفون امام المنزل في الخارج فاغلق الباب بروية وتوجه نحوه والدته بخطوات ثابتة ثم اخذ يديها حتي يدخلون
بقيت ريحانه متسمرة مكانها تحدق نحو ذلك عمها وجدتها ثم ...لتحتد ملامحها بجدية وهي تردف بصوت مخنوق ونبرة خفوت محدقا في والدها
=انا هدخل لماما عند إذن حضرتك
رحلت ريحانه بخطوات سريعه الى الداخل بينما اقترب اسماعيل ليقابل ويرحب بعائلته قبل ان تتهلهل اساريره بالابتهاج لدي زبيده وهي تقول بسعاده
=مبروك يا حبيبي الف الف مبروك اخيرا اول حفيده في العيله هتتجوز وكلها شهور وتجيبلي حفيد كمان
نظر اليها حمدي بطرف عينه قائلا بمشاكسه
=هو انتي فرحانه ومش زعلانه عشان هيكبروكي يا زيزي كمان وكمان.
زفرت زبيده بسخط فيما تتجهم ملامحها بغيظ وهتفت بحنق
=اسكت انت لما تبقى تتجوز وتخلف هتفهم وقتها الاحساس ده.. وبعدين هو انا صغيره يعني
تنهد حمدي ولم يرد ثم أقترب اسماعيل من والدته يقبل يدها و رأسها بحنان طاغي مرددا
=ربنا يديكي طوله العمر يا ماما وتفرحي بينا كلنا
ابتسمت زبيده ثم اردفت بحنق مكتوم ونظرات حادة
=هي بنتك مشيت ودخلت ليه مش كانت واقفه معاك وشايفانا واحنا داخلين مش تقف تسلم علينا وتاخذ هديه جوازها مني
عندما لاحظ اسماعيل بوادر غضب من والدته من ملامحها المتجهة ...اضاف سريعه وبملامح متوتره فهو لا يعلم لماذا انسحبت ابنته فجاه إلي الداخل ليردف بأسف
=هاه معلش يا ماما اصل نشوى اليوم مليان على اخره ومش طايقه حد عشان كده تلاقيها دخلت ليها على طول قبل ما تنده عليها
حدقت زبيده الى اسماعيل بضيق ثم هزت راسها بتهكم بينما كان حمدي يقف بينهما وبقى على ملامحه الهدوء و الرزانة وهو ينصت باهتمام لبقية حديثهم ثم هتف بكياسة نحو اسماعيل مرددا
=ممكن مكسوفه يا ماما بنات بقى.. تعالي نقعد يا اسماعيل احنا هنا ونسيبهم هم ستات مع بعض براحتهم جوه
وافق إسماعيل على طلب حمدي ، لكنه طلب منه انتظاره هنا وأخذ والدته إلى الداخل .. هز حمدي رأسه بالموافقة وكان ينتظر إسماعيل. ثم رفع رأسه إلي الاعلي ليرى ريحانة واقفة في الشرفة ..رفع يديه وحياها بابتسامة عريضة وهو يحرك شفتيه بالتهنئة لها.. لكن ريحانة لم ترد عليه ، وسكتت ، ناظرا إليه بتعبير صارم.
بقوا ينظرون إلى بعضهم البعض في اتصال بصري متباين بين الحدة والحنان ...متشابه بين الصراع والغضب... بينما ظلت ريحانة تحدق به بصمت ، مركزة عينيها الحادتين نحو عينيه ، لكن الأمر لم يستغرق وقتًا طويلاً ، وشعر هو بالنظرة المرتجفة في عينيها ، وسارعت ضربات قلبها ، ولم تستطع النظر إليه لفترة طويلة.. لتخفيض عينيها سريعه عنه و اغلقت باب الشرفه بقوة ودخلت الى الداخل.
كان حمدي متوتراً بشكل ملحوظ وهو يقف في الأسفل ، ثم أنزل يديه وذهب للجلوس بعيداً منتظراً أن يأتي أخوه إليه.
أم في الأعلي. عند ريحانه اقتربت من الكرسي و عادت الى طاولتها، و وضعت امامها كل الادوات الخاصه بالرسم وبدات ترسم ومع كل لمسه بين القلم والورقه يخرج شيء من بين شعورها، كانت عينيها تتحرك مع القلم وتركز في حركه يديها فقط و تركت الحياه خلفها.. وكانها ترسم لترى الحياه انها وجدت الطريق المناسب لتخرج بها مشاعرها الصمتاء، دون الحاجه بأن تشتكي لأي مخلوق من البشر.
يـتـبع..