الفصل الرابع عشر - صمت الفتيات
الفصل الرابع عشر
= ايه الكلام اللي انتي بتقوليه ده بس اوعي تقولي كده ثاني مره قدام حد .. و آآ بعدين بابا مش قصده ما تلعبيش معاهم عشان هيعملوا حاجه وحشه فيكي، لا هو بيقول لك كده عشان ده الصح وما تقربيش ولا تلعبي مع حد غريب أو ما نعرفهوش.. فاهمه!
أكملت أمي تصحيح الأوراق الذي أمامها بينما أنا لم يعجبني هذا! هزيت رأسي بملل وأنا أتحدث إليها بتوسل شديد
=حاضر بس انا زهقت ومش لاقيه حد العب معاه هنا يلا قومي وديني عند تيته وانا مش هالعب مع ولاد الجيران ثاني
رفعت أمي مقلتيها عن الاوراق التي اعلى المكتب ونظرت نحوي بضيق شديد قائله بنفاذ صبر
=يا بنتي اسكتي بقى وخليني اركز في اللي بعمله لو غلط غلطه واحده بس انا اللي هتحسب عليها وفيها مشياني من هنا ، وبعدين مش هينفع تروحي عند تيته الايام دي خالص عمتك منى هتعمل عمليه الزايده وتعبانه وكفايه عليها عيالها وتيته مش في البيت أصلا وقاعده مع عمتك بتخدمها عشان هي مش قادره تخدم نفسها ولا تخلي بالها من عيالها
احتقن وجهي بعدم رضي وضميت شفتي بشكل طفولي غاضبة عندما تابعت أمي حديثها قائله بانشغال وعدم اهتمام لي
=روحي هناك العبي بقى باي حاجه وريحيني
نظرت والدتي إلى الأوراق مرة أخرى باهتمام وبدأت في العمل مرة ثانية دون مبالاة، ضيقت عيناي بزعل منها وأنا أنظر إليها مكتفاً ذراعي فوق صدري لكن لم تنتبه لي من الاساس واكملت مراجعه الامتحانات بتركيز ، تنهدت باستسلام وهبطت من أعلي المكتب والقيت بنفسي فوق المقعد بقوة حتى تنظر اليه امي وتلاحظ زعلي لكن عندما سقطت فوقه الاريكه اصطدمت قدمي رغما عني نحو الطاوله بجانب الأريكة لتسقط المزهريه شظايا صغيرة علي الارضيه
انتفضت أمي بفزع لتجد المزهريه مكــ ـــ ـــسوره بالارض لتنظر إليه بغضب عارم وهي تصيح بحده
=يا نهار ابيض ، مالك يا ريحانه بقيتي شقيه قوي كده ليه بس وما بتسمعيش الكلام.. ابعدي ما تقربيش انا اللي هشيل الازاز عشان ما اتعوريش نفسك ..اقعدي على جنب بقى وريحيني شويه
انكمشت خوفًا منها لانهض بعيدا في اخر زوايا الغرفه وهي نهضت بخطوات سريعة للعثور على قطع الزجاج واستمرت في تأنيبي بشدة وعندما انتهيت من إزالة الزجاج ، تنهدت بتعب ويأس مني.. وقبل أن تتحدث استمعت الى صوت هاتفها يرن نهضت لتجيب عليه وكان عمي حمدي يتحدث معها ومن الواضح أنه كان يستفسر عن شيء في الطعام لأنه يجلس وحده في المنزل بدون والدته أو أخته منى
وفي نهايه المكالمه ابتسمت أمي بهدوء وهي ترد عليه لا داعي للشكر ، لكن قبل ان يغلق الخط تسائل أمي اين وضعتي ريحانه ومع من هي تجلس الان؟ أجابت أمي وهي تنظر نحوي بعتاب شديد
=لا يا سيدي ريحانه قاعده معايا النهارده في المدرسه قاعده مجننه اللـي جــا بوني لعب وتنطيط.. ما لقيتش حته اوديها فيها ما انت عارف اخوك طبيعه شغله ما ينفعش ياخذ حد معاه وحتى لو اخذها هو على طول مشغول ومش هيعرف ياخذ باله منها، ومش راضي نجيب مربيه تاخد بالها منها بيقول مش ضامن تعمل في البنت حاجه ولا تسرق البيت واحنا مش موجودين
لاخفض راسي وأنا اتحرك ببطء نحوي الكرسي لاجلس فوقه بينما اجاب حمدي علي أمي قائلا
= هو بصراحه معاه حق يا نشوى هو حد دلوقتي ضامن حد ، انتم الاثنين مشغولين طول الوقت والبنت بس اللي هتكون معاها وهي ممكن تسرق البيت وتمشي عادي ، طب صحيح ما تجيبيها تقعد معايا ما انا قاعد لوحدي ومش لاقي حد يونسني
لمعت عيون امي بتفكير وكانها اخيرا وجدت طوق نجاه حتي تتخلص من ازعاجي المستمر لها وقالت بتردد
= بتتكلم جد يا حمدي مش هتضايقك ولا حاجه اصل هي بقت شقيه اوي الايام دي و مش عاوزه اسببلك ازعاج ولا حاجه
ابتسم حمدي وهو يقول بنبرة هادئه
=ولا ازعاج ولا حاجه ، انتي عارفه انا بحب ريحانه اد ايه وبعتبرها زي بنتي.. اقفلي وانا نصف ساعه وهعدي عليكي اخذها وما تشيليش همها طول ما هي معايا
❈-❈-❈
بـعـد مـرور سـاعـة
في أحد الأحياء الشعبية وفي أحد المنازل البسيطة ، كان حمدي يقف في المطبخ يعد لنفسه ولريحانة التي كانت معه في المنزل شطائر سريعة حتي ليتناولوها ، لكنه استدار لي عندما وجد بعض الصعوبات في تحضير الطعام و التفت نحوي وأنا جالسة على الرخام وأراقب ما يفعله بابتسامة هادئة حتى ابتسم عمي حمدي بوجه وقال بمرح
=عندك خلفيه عن موضوع البيض بالشكشوكه ده بيتعمل ازاي.. ما كنت وفرت على نفسي وخليته بيض مطقش ولا مسلوق
حركت كتفي بعدم معرفه وانا أقول بعبس طفولي
=لا معرفش.. ماما ماكانتش بتدخلني المطبخ خالص بتخاف عليا ومش بتحب حد يقف معاها وهي بتطبخ
تنهد حمدي ولم يتحدث مره ثانيه وبعد قليل كان يمدد حمدي بقدميه امام الطاولة الصغيرة المتواجدة امام التلفاز وتمعن بجثته علي الاريكة وكان يأكل بعض الساندوتشات التي صنعها هو وريحانه قبل قليل داخل المطبخ، ثم قمت من مكاني بقامتي القصيرة وقلت له
= هي تيته مش هتيجي النهارده
نظر إليه وأجاب وهو يهز رأسه بضيق
= لا وهتقعد اسبوعين عند مني، بتساعدها في شغل البيت عشان جوزها مسافر وهي قاعده لوحدها مع عيالها .. بس بتسالي ليه؟
زفرت بحنقة من اللعاب الطفولية.. وقلت بصوت خافض بزهق يخرج من ثغري بالغضب
=انا زهقت ومش لاقيه حاجه هنا اعملها برده.. وما فيش لعب في البيت
اخذ رشفة من ذلك العصير الذي أعده بيديه وتنهد بهدوء شديد و هو يقول باقتراح
= تاخذي تلعبي في التليفون بتاعي
تحمست و انصت بكل خلايا في جــ ــ ـــسدي إلي عمي حمدي و قلت بصوت هامس ببهجة امتلأت ملامحي
=هو ينفع
اماء رأسه باسمًا و علامات الرحب تتسمه ثم اعتدل في جلسته و وقف لوهلة ليأخذ الهاتف من أعلي الطاوله مشيراً إليه بالموافقه ثم اعتدل من هيئته ناظراً لي بتفحص قائلا
=اكيد يا حبيبتي ينفع.. تعالي خذيه واقعدي جـ ــ ــنبي! عشان ما تمسحيش حاجه بالغلط مهمه فيه
وفر لي عمي حمدي مكانًا للجلوس بجانبه على الأريكة ، ثم أعطاني الهاتف بعد أن أحضر لي لعبة حتى أتمكن من اللعب والاستمتاع بها، استمريت العب بحماس كبير واهتمام ولم أهتم لما حولي ،ثم رفع عمي يـ ــ ـــده بلطف ومر بـ ــ ــيده علي شعــ ــ ــري الاسود الكثيف.. ثم امسك بكلتا كتــ ــ ــفي العا ر يـ ــتين وحملني بين ذرا عـــيه ليضـ ــ ــعني فوق قـ ــ ــد ميه.. و واصل في المسح علي كتـ ــ ــفي العا ري برفق وبلطف.
وعندما رفعت عيوني نظرت اليه بحيره فقد باغتني سؤاله وهو يربت علي ظـ ــ ــهري بهدوء وقال
= عجبتك اللعبه؟ مبسوطه ولا لسه زهقانه؟
ابتسمت ببراءة وانا اهز رأسي بالايجابي وبتجاهل اخذت تركيزي الى اللعب بالهاتف دون مبالاة، بينما هو اخذ يده تربت علي ظـ ــ ــهري بنعو مة و مال عليه بهدوء خائفاً من ان يثـ ــ ــير فزعي أو يثـ ــ ــير شكوكي داخلي، وطبع بشـ ــ ـــفتيه قبـ ــ ــلة علي جبهتي عميقة ويده بدأت تضغط بقوة قليلا على جـ ــ ــسدي ..حركاته تلك شلت جـ ــ ــسدي وتصـ ــ ــلبت بمكاني ثم ازا ح خصـ ــ ــلات شعري عن وجهي.. توقفت عن اللعب بالهاتف ونظرت إليه مضطربه وحائرة بينما لاجد عيونه متصـ ــ ــلبه بقوه بعيوني وشرحت الكثير.. كانت نظر اته تخيف كل ذرة في عقلي وجـ ـــ ـــسدي الذي لم ينطق وتخـ ــ ــدر بالكامل!
وقبل أن يحدث شيئا أخري.. تعالت أصوات الهاتف بين يدي لانتفض بفزع لتكون المتصلة أمي.! ابعدني عم حمدي من فوق قدميه و خطف الهاتف من بين يدي ليجيب على امي.. وبعد فتره اغلق الهاتف وقال بوقار
= يلا يا حبيبتي ماما مستنياكي بره عشان تروحي معاها.
كانت هذه أول مرة في حياتي أجلس معه وحدي. لم تكن هناك علاقة بيني وبين عمي حمدي في الماضي ، ولم يكن قريبًا جدًا مني ويدللني هكذا؟ ولم تكن هذه المرة الأولى والأخيرة معه! بل صرت الايام القادمة اجلس معه وبمفردنا في وقت العمل لأمي وأبي ..
فكان الجلوس مع عمي حمدي بالنسبة إلي عائلتي فرصة ثمينة ليكونون مطمئنون أكثر آمان لي، مع شخص يثقون به وبدون قلق عليه!
كانت كل زيارة له كان يصدمني مذهله بالحيرة عندما يقترب مني باستمرار.. واصبح يلامـ ـــ ـــس جـ ـــ ــسدي كثيرا بطرق بريئه وغير بريئه.. ودائما يصر أن أجلس بالقرب منه حتى افسح له المجال ليلمــ ــ ــسني براحه دون عواقب.. حتى اذا دلف للمطبخ أو للخارج ياخذني معه وكل فتره يلمـ ـــ ـــسني بلطف شديد وبرفق.. وغير القبـ *لات البريئه التي يوز عها احيانا على خـ ــ ــدي و رأسي بحنان
وعندما ياتي ليأخذني من عن والدتي من المدرسة أو المنزل ، كان يجلب لي الحلوى والألعاب .. لقد استمتعت حقًا بالأوقات التي قضيتها معه كثيرًا ، وكان لطيفًا جدًا معي ولم يؤذيني أبدًا .. عقلي الصغير في تلك اللحظات لم ينبهني لخطورة الموقف ..إلا في ذلك اليوم الذي انقلب كل شيء راسا على عقبا وحدث شئ لم يكن في الحسبان.
يـتـبـع..