الفصل السادس - صمت الفتيات
الفصل السادس
=اسماعيل اهدى وما تخلينيش اندم ان انا سمعت كلامك وجبتها هنا من غير ما اعرفها انك موجود، أنا وافقتك عشان لازم تتكلم معاها و تخليها تتكلم وتحكي اللي حصل
لم يرد عليه بينما أقترب منها يقف أمامها حدق فى وجهها يراقب ملامحها الشاحب باهتمام و وجدها شاردة بعيداً تحدث بنبرة تبدو هادئة وقال
=عملتي كده ليه يا ريحانه.. قتـ لتي عمك ليه؟ ردي عليا وما تسكتيش انا وامك حالتنا بقت صعبه ما بنامش من التفكير والمصيبه اللي حصلت وطول الوقت عقلنا عمال يجيبوا ويودي بس ما بنوصلش لحل
تجاهلت ريحانه والدها الواقفة أمامها بخوف بادى على ملامحها تحاول ان تبتلع ريقها ولا تصدر اى صوت حتى لا تثير غضبه ،وظل اسماعيل يراقب تقاسيم وجهها الخالية من اى تعابير وهو يصيح بحده
=يا بنتي اتكلمي سكوتك ده مش هيحل حاجه خلاص اللي حصل حصل وانتي قتلتي قولي بقى دوافعك!! خليني اعرف احط وشي حتى في وش امي أنا لحد دلوقتي ما رحتلهاش ولا عزيتها وهروح ليها باي وش اصلا وانا بنتي هي اللي قتـ لت ابنها..
ابتلعت ريقها بصعوبة حتى تخفف من وتيرة خوفها ولم تجيبه وظلت شاردة وكانه هواء امامها؟ ما اثر الغضب فى نفسه أكثر، جز على أسنانه بقسوة وسحبها إليه قائلا
=اتكلمي وقولي انتي اكيد ما عملتيش كده صح انتي بنتي اللي ربيتها سنين واعرفها كويس مستحيل تقتل روح.. لا وكمان عمها اكيد في حاجه غلط مش كده! انا مصدوم فيكي ومش عارف ازاي جاءتلك الجراه انك تعملي عامله زي دي
عضت على شفتيها السفلى بقهر تكتم دموعها التي تساقطت رغم عنها ولكن لم ترد أيضا.... شعر اسماعيل بغضة فى قلبه وبحزن عليها وهو يرى ابنته الوحيده في ذلك الموقف ولم يستطيع فعل شيء لها، و زاد صراخه من اثر اقترابه المميت لها وكان كالمغيب وهو يصرخ بغضب شديد عليها ويضغط بقوة علي ذراعيها
=يا بنتي ردي عليا وريحيني ..أنا خلاص اعصابي تعبت قتلتي عمك حمدي ليه.. انطقي عملتي كده ليه
هرع رشوان إليه بسرعه وهو يحاول ابعاده عنها بصعوبة حتي نجح في النهايه وبسرعه طلب العسكري يرجعها الى الزنزانه وهي ما زالت على صمتها.
ارجعها العسكري الزنزانه ودلفت وسط المجرمين بهدوء كعادتها ولم تتحدث مع احد، تنفست الصعداء وجلست أرضا جانب و وضعت يدها محل قلبها كان كاقراع الطبول وتذكرت الخيبه والكسره التي رأتها في عيون والدها تجاها.. هي كانت لا تريد اني يصل الأمر إلي هنأ في النهايه لكنه حدث؟؟ هطلت دموعها كالسيول بضعف شديد تحاول التماسك بالصمت.
❈-❈-❈
تنتهي الأشياء في حياتنا وتنتهي حياتنا بها .. كأماكن يجب أن نغادرها منازل نحمل بها قصصنا .. أفراحنا وأحزاننا ، كأشخاص سلبهم القدر منا ..تنتهي مع نهاية كل ما أحببناه دون أن ندرك ، نحن نتقدم في العمر بأرقام تحسب فقط في عداد العمر ، لكننا حقيقة الأجساد بقلوب تنبض بلا مشاعر .. نستمر في الحياة بينما نفقد طعم كل شيء فيها
أصعب شيء يمكن أن يحدث ..الاندفاع بكل شغفنا ، والسعي من أجل شيء ما وعدم الكتابة إلينا، ومحاولة تجاوز ما حدث ، متناسين ما ليس لنا .. ولكن كيف يتغلب المرء على من يعيش فيه أعمق مكان ..من احتل قلبه وجعله مليء بالذكريات التعيسة
بعد مرور أيام قليله تفاجئ الجميع بان ريحانه طلبت زياره احمد خطيبها، اندهش احمد لماذا اختارته هو دون عن الجميع.. وطلبت منه والدته ان يذهب ويرى ماذا تريد منه وببرود واستسلام وافق على زيارتها في السجن....
وكان بعد أسبوع في مكتب المامور ليجد عسكري يسحبها معه نحو المكتب بقوة وهي كانت مستسلمه له دون اعتراض.. بقوا كليهما في المكتب الا ان العسكري رحل ولم يغلق الباب بل تركه مواربا قليلا لا يظهران للبقية للخارج ولكن يبقه مفتوحا ببضع انشات فقط
نظر احمد إليها بذهول وجمود من جانبه غاضب منها ومن تلك المصيبه التي اوقعت نفسها بها دون مبرر، فاذا كانت لم تفعل هذه الجريمه فا كأنوا قبل شهر من الآن في الخارج يقضي معها اسعد أيامهم بفرح وسرور.. الا انها قضت على كل تلك الأحلام بغمضه عين.. لا يعلم اكان ما حدث دون ادراك منها أو بقصد؟
حاولت ريحانه تخفيف ألم يدها من الكلبشات التي كانت تضع حول يدها وقد تركت اثار حمراء فوق يديها وهي تدلكها، لتشرد امامها بملامح شاحبة ثم رفعت مقلتيها بتردد قليلا ونظرت إليه لتجد احمد يجلس على المقعد و يحدق إليها باحتقان
فتوجهت ببطء أمامه وجلست هناك صامتة
بقي أحمد يجلس أمامها يرمقها بضيق....ولم يفته عبوسه الواضح وبينما هي شارده في التحديق اليه ثم بعد فترة همست ريحانه بخفوت
=ازيك يا احمد عامل ايه؟
حدق إليها بنظرات غامضة وهمس احمد بحدة
=طب ما انتي بتتكلمي اهو امال ليه بيقولوا رافضه الزياره ورافضه الكلام كمان؟ ومش عاوزه تشوفي حد ولا حد يشوفك.. اشمعنى انا اللي اخترتيني دونهم عشان تتكلمي قدامي يا ريحانه
حمحمت ريحانه بتوتر وهي تشعر بالاختناق من حرارتها العالية الهائجة بجـ سدها واضافت بغصة وحرقة
=انا عارفه انك دلوقتي اكيد مش طايقني وزعلان مني وبتسال نفسك اسئله كثيره واهمهم انا ليه عملت كده فيكم قبل نفسي.. بس انا ما طلبتكش عشان اتكلم في الحاجات دي كلها
اجلى احمد حنجرته واعتدل في جلسته وهتف بسخط وهو يحدج ريحانه بصرامة
=امال عاوزه تتكلمي في ايه؟
ارتجفت ريحانه بانفعال وبدأت الدموع تتحجر بعينيها فصدم احمد وهو يراها بتلك الحاله و وجهها الشاحب الدامع بوجهه الصارم ...وقد رفعت عينيها المحمرة الدامعة نحوه تحدق اليه باعتذار واستجداء متزاوجين لتندفع الدموع من عينيها من الألم قائلة
=انا اسفه.. انا مديونه ليكي باعتذار كبير اسفه على كل حاجه اسفه عشان بوظتلك حياتك و اسفه عشان بوظت فرحتك وفرحه اهلك في اكثر يوم كان الكل مستنيه عشان يفرح وفجاه كله اتقلب لي تعاسه.. انا عارفه ان حتى اسفي مش كفايه بس ما عنديش حاجه ثانيه اقولهالك غير؟ اسفه بجد علي كل حاجه
احتدت ملامح احمد بشراسة فهو كان يريد بدل الاعتذار ان تشرح له لماذا فعلت ذلك ودمرت حياتها وحياته معآ ليقول ساخراً
=وبعد ما تتاسفي.. عاوزه ايه ثاني طالما خلاص بقيتي أنتي إللي تاخدي القرارات وتنفيذي
اخفضت ريحانه عينيها وسرت قشعريرة لاسعة في سائر جـ سدها ...تزفر انفاسها باضطراب وهمست بتلعثم لتخرج نفسها من هذا المأزق الخطر مرددة بقله حيله
=مش عاوزه حاجه غير انك تسامحني وتمشي وتشوف حياتك انا عمري ما كنت انفعك أصلا، هتقول لي طب اختارتيني ووافقتي على الجوازه ليه؟ طالما انتي شايفه كده هقول لك اسفه ثاني عشان في اللحظه دي كنت بستغلك بس كان غصب عني كنت محتاجة اهرب وما كانش قدامي غيرك وقتها
أردف احمد بحدة وقد تغيرت ملامحه الغاضبه الى حيره وقلق
=تهربي من ايه؟ أنا مش فاهم حاجه؟
ردت بنبره مهتزه وصوت متحشرج تحاول التمسك رغم كل ما تشعر به من خوف وضعف
=مش من حاجه معينه! من كل حاجه حبيت ابعد كنت فاكره لما ابعد هرتاح وانسي بس اكتشفت أن برده الماضي هيفضل ملازمني طول حياتي.. طول ما انا بهرب ومش بواجه طول ما انا ساكته وكتمه في قلبي.. وطول ما انا ساكته عن حقي
اومأ احمد برأسه باضطراب فعاد هو يتحدث ببطء بعدم فهم
=أنا مش فاهم حاجه خالص ياريت تفهميني؟ ايه علاقه حقك اصلا بانك تقتلي عمك.. ريحانة انا لحد دلوقتي مش مصدق ان حاجه زي كده تطلع منك وعمال اكذب نفسي واقول اكيد في حاجه غلط.. انتي مستحيل تقـ تلي.. اتكلمي يا ريحانه وقولي انك مستحيل تعملي كده
صمتت لحظات طويلة ولم تتحدث ثم نهضت وهي ترتعش بشهقات على بوادر البكاء لتضغط علي يديها الباردتين المرتجفتين بقوة حتي لا تنفجر في البكاء بحرقه أمامه
=اشوف وشك بخير متهيالي خلاص ما فيش حاجه ممكن تفضل عشانها هنا ،سافر وكمل شغلك افضل و ربنا يوعدك باللي احسن مني.. وانا انساني واعتبرني ما دخلتش حياتك اصلا بس ياريت لما تفتكرني تدعيلي
اخفضت ريحانه عينيها تنظر الي الارض لتهتف بتوسل ونبره راجيه ضعيفه خائفه
= مين عارف كلها أيام أو شهور و هموت.. وآآ هيعدموني ابقى ساعتها ادعيلي بالرحمه يا احمد
وقف أحمد يستمع إلى كلمات ريحانة القاسية ولم يجد طريقة للرد عليها. هزت ريحانة رأسها ، وشعرت بنيران مشتعلة في صدرها لتوديعه يغادر وينساها ويبدأ حياة جديدة بعيدًا عنها، تعرف أنها ظلمته من البداية عندما وافقت على الارتباط عليه دون أن يعرف كل شيء عنها، والان تحل العقده ليصبح غير مقيدة وحر طليق.. تعطى الحريه حتى لا يبقى بجانبها ، بجانب الشفقة أو العطف ، وهي متأكدة أن حياتهما لم تكن مبنية على الحب في البدايه وكانت مجرد زيجة اقارب او زواج صالونات كما يدعى..
أم هي لا تعرف مستقبلها المجهول؟ هل ستبقى للباقي وصمة عار بقية حياتها ، بخلاف ما سوف يعانيه أهلها من إذلال وذل قد يقضي عليهم ، فهي لم تقتل إنسانًا عاديًا بل كان ذلك الشخص عمها ..والاحاديث ستزداد بالتأكيد بين الناس، هي لا تعلم كم من الوقت ستستمر بهذه الحياة في العيش على هذا النحو وهي تقف على الهامش.
يـتـبع..