الفصل السابع - صمت الفتيات
الفصل السابع
بعد اسبوع..
بداخل السجن تخطيت نحوه الشرفه بخطوات هادئه تناقض كل اختلاجات نفسي لاقترب بجانب الفراش فألقي بجـ سدي المرتعش عليه وضوء القمر المكتمل كأن يتغلغل الى روحي ليوسع لي مجرى تنفسي الذي ضاق فبدأت احاول التنفس بشكل منتظم حين بدأت تقرع طبول الذكريات داخلي.. في لحظات ضعفي وقوتي يأسي وأملى ، وعنادي وخضوعي وابتسامه مراره ظهرت بين شفتي وأنا أتذكر كيف جذبتني الدنيا دونه رحمه يمينا وشمالا.. حتي نضجت مبكرا.. سنوات وسنوات تمر وانا بين سجين الذكريات لأكبر وأنضج حتى غدوت اكبر من عمري..
نظرت الى وضعي الآن بداخل السجن بين المجرمين وارتدي عبايه بيضاء وفي انتظار الحكم علية في اي لحظه.. وضعت يدي فوق قلبي اشعر بالالام التي بدأت تدب في جسدي واحساس بالضياع والحزن والتخبط عاد ليسكن روحي فيقبض قلبي وتختنق انفاسي وأنا اتذكر احداث مرت بي غيرت حياتي باكملها.. و لحظات بدأت ترن في اذني اعادتني الى الوراء سنين عديدة
ضغط على يدي بعنف شديد وسقطت الدموع من عيني على يدي بحزن شديد ، لا أعرف كيف فعلت ذلك ، وأصبحت قاسية للغاية ، وبين عشية وضحاها أصبحت مجرمه .. قاتلاً! لكن كان هذا متوقعًا بعد أن تراكمت كل هذه الأحزان فوق بعضها البعض ، والآن لا أعرف أيَّ حزنٍ غيرني لهذا الحد...
سرعان ما ارتفع صوت أحد السيدات خلفي الذين بداخل الزنزانه ليعلو الصوت وانا اسمعهم وهم يتحدثون عني، هتفت السيده وهي تلوي شفتيها بضيق شديد وقالت
=هي مالها البت دي من ساعه ما جاءت هنا وهي ساكته ومسهمه مع نفسها كده؟ هي تهمتها ايه دي
أجابت السيده الأخري وهي تجلس أمامها بصوت بغيض قطع على تخيلاتي
=اسكتي على اللي عرفته عنها لما حاولت اوقع أي حد من العساكر هنا يقول لي حاجه عنها.. عارفه بنت مين دي مش هتصدقي
عقدت حاجبيها بفضول لتكمل الأخري حديثها جعلتها تنظر نحوي بذهول فالتفت ناحيتي وتركزت عيوني بعينيها قليلا قبل ان ابعد عيني بعيدا عنها بهدوء
=طلعت بنت العقيد اسماعيل عبد الرحيم لا وكمان تهمتها انها قتـ لت عمها أخو اسماعيل بيه بس مش اخوات شقق! أخوه من آلام بس
تطلعت فيها السيده مصدومه وعيونها مفتوحه باستغراب والذهول باد على وجهها لتهتف بعدم تصديق
=يا نهار اسود ومنيل قتـ لت عمها ودي اللي خلاها تعمل كده
هزت راسها بعدم معرفه قائله بحيره
=ما اعرفش بيقولوا لحد دلوقتي انها مش راضيه تعترف ولا تتكلم ولا تقول قتـ لته ليه؟ تلاقي شغل اونطه عاملايه عشان مفكره نفسها هتطلع من هنا! بس والله لو اتقلبت ليهم قرد على مين دي قضيه قتل
نظرت نحوي مره ثانيه لكن لم اهتم لها بينما جزت علي أسنانها بشماته و أردفت باستهزاء
=بنت الذين عايزه تعمل نفسها مجنونه عشان تفلت من العقوبه.. بس ايه اللي يخليها تقتل عمها شكلها كده والله اعلم الموضوع في ورث عشان كده قتلته.. ما احنا ياما بنشوف حاجات كثير من دي هنا
أطلقت زفرة عميقة وانا أحاول بصعوبه أن اتجاهلهم، ولكن بالرغم من كل ذهولهم واندهاشهم في محاوله أن يكتشفوا حقيقتي لم أرد عليهم وصمت دون أن أقوَ على أي رد فعل للمشهد الذي يمر أمامي ليعودوا مرة أخرى يتحدثون ويتبعهم ضجيج عالٍ من حولهم وأنا أغمض عيني متألما بوهن دون أن أعي الذهول الذي سيطر على من حولي .
❈-❈-❈
=في الحقيقه القضيه صعبه انا قراتها كويس ودرستها بس ما اوعدكيش بصراحه انها ممكن تطلع براءه وتفلت من العقوبه غير أن بنت حضرتك مصعبه علينا الموضوع بانها مش عاوزه تتكلم وتحكي اي حاجه نحاول نمسكها دليل
هتف بهذه الكلمات المحامي الي نشوي التي كانت تجلس امامه بداخل مكتبه بوجه شاحب اللون لتقول بتوجس
=يعني ايه؟ يا حضره المحامي ابوس ايدك اعمل اي حاجه وطلعلي بنتي انا عارفه أنها غلطانه والمفروض اصلا ما ابقاش جنبها ولا ادافع عنها بس انا أم ودي مهما تعمل بنتي.. غير اللي انا مش مصدقه لحد دلوقتي انها تعمل حاجه زي كده وتقتل
لتتابع حديثها بألم حاد يعتصر قلبها علي ابنتها قائله
=وعارفه كمان انها حتي لو ربنا نجاها وخرجت مش هتعرف تعيش بعد عمليتها السوداء دي ولا جدتها هتسيبها في حالها والله واعلم ابوها كمان هيعملها ازاي بعد كده وهيقدر يبص في وشها بعد ما قتلت اخوه..
سقطت منها دموعها بحسرة رغماً عنها وهي تقول بقهر وقله حيله
=بس انا مش بايدي حاجه غير ان انا اقف جنبها واشوف ليها محامي عشان كده جيتلك بعد ما سمعت ان حضرتك محامي كبير والقضايا إللي زي كده بتعرف تكسبها أو تجيب حكم حتى لو مخفف ليها.. بس ابوس ايدك ما تسيبهاش وساعدني
هز رأسه المحامي بتفهم ليقول بصوت هادئه.
=انا عارف ومقدر حاله حضرتك عشان كده مش عاوز اوعدك بحاجه انا مش هكون قدها، بس ما تقلقيش ان شاء الله اكيد هنلاقي حل.. خلينا مثلا نلعب على حته ان ما حدش شافها بعينه ولا في شاهد وأحد شافها وهي بتقتل عمها
عقدت حاجبيها باستغراب مستنكرة بشدة كلماته لتقول بيأس وضيق
=بس هي معترفه بكده يا استاذ ده غير في كذا شاهد على كده ومنهم نصف الداخليه اللي كانت معزومه عندنا في الفرح كلهم شافوها وهي طالعه غرقانه بدم حمدي وبتقول انها قتلت عمها.. وكلهم لما طلبوا شهادتهم في القضيه شاهدوا علي كده.. وغير كل ده بصماتها المطابقه
أردف المحامي بجدية قائلا
=انا عارف ده كويس ما هي المشكله هنا في اعترفها وكمان غير انها بتفضل ساكته وما بتقولش اقوالها إلا لما المامور يسالها طب قتلتي عمك ترد وتقول له ايوه وده السؤال الوحيد اللي بيتجاوب عليه دون على الاسئله كلها باصرار زي ما مذكور عندي في المحضر.. عشان كده احنا ممكن برده نلعب على الحته دي ونحاول نثبت ان المتهمه في الفتره الاخيره كان عقلها مش مضبوط وبتخرف كثير وبتحكي حاجات ما حصلتش وبيتهيالها، بمعنى اصح مجنونه يعني عشان ما حدش ياخذ باقولها دليل عليها
اتسعت عيناها نشوي بصدمه وذهول لتفكر هل توصلت الى هذا الحل لتخرج ابنتها من ذلك المازق.. ثم اكمل المحامي حديثه بحسم
=بس محتاج الاول اقعد مع المتهمه واتكلم معاها ممكن تتكلم واطلع منها بمعلومه تفيدنا في القضيه.. بس الاول لازم تعملي لي توكيل
❈-❈-❈
بداخل منزل إسماعيل في الصبح عندما استيقظ اسماعيل لم يجد نشوي بالمنزل مطلقاً ،فتح هاتفه المغلق بسرعه يتصل عليها وهو ينوي أن يبوبخها فكيف أتتها الجرأة للخروج دون استئذانه او حتى تقول له ؟! لكن لم تجيب علية مما جعله يغضب اكثر منها حتي جلس ينتظرها بفارغ الصبر ..وبعد ربع ساعه رأي اسماعيل باب المنزل يفتح نهض بحده وهو يصيح بصراخ
=كنتي فين يا نشوى و ازاي تخرجي من غير ما تقولي؟ انا صحيت قلبت عليكي البيت ما لقيتكيش في الشقه وكمان مش بتردي على تليفونك انتي عارفه الساعه كام دلوقتي؟ خرجتي امتى و ازاي تخرجي من غيري ولا حتى تستاذنيني.. هو انتم خلاص انتي وبنتك ما بقتش اقدر احكم عليكم كل واحد يعمل اللي على هواه واعرف بعد المصيبه ما تحصل
نظرت الي اسماعيل ودموعها بدأت تتجمع في عينيها وسحبت نفسها لتدخل البيت وأغلقت الباب خلفها قائله بصوت مكتوم
=اهدا يا اسماعيل الموضوع مش مستاهل كل الزعيق دة.. انا حبيت اروح المشوار ده لوحدي قلت شكلك نسيت او مش في دماغك اصلا
نطق اسماعيل بغضب وجنون يتحدث الي زوجته التي تظهر اكبر من سنوات عمرها بمراحل بوجه شاحب لايصدر عنه اى حركة
=مشوار ايه اللي خرجتي من الساعه ثمانيه الصبح ده عشانة
اخفضت نشوي عينيها تنظر الي الارض وهي تقف بجواره تشعر بضعف يستولي عليها لكن فقدت السيطرة على أعصابها لتهدر بصوت عنيف بهجوم
=كنت بشوف محامي يمسك قضيه ريحانة اكيد مش هنسيب البنت كده من غير محامي نكون واثقين فيه وكويس.. اصل لقيتك مكبر دماغك من الموضوع ده رغم ان رشوان قال لك المفروض دي أهم خطوه اللي ناخذها دلوقتي.. بس انت ولا هنا الظاهر كده اصلا
بعد النهارده هتنسى بنتك ومش هتساعدها ما في النهايه قتلت اخوك عيبه في حقك برده و الست والدتك لو عرفت حاجه زي كده هتزعل مننا اكثر ما هي زعلانه
شحبت ملامح إسماعيل من اتهامتها القاسية إليه ليقول بجمود وصدمه
=وانتي على اي اساس بقى فكرتيني ان انا مكبر دماغي من الموضوع و ازاي تتهمني ان انا هسيب بنتي ومش هسال فيها رغم المصيبه اللي عملتها اللي انا وانتي هندفع ثمنها بعد كده.. من كلام الناس و نظراتهم من وراء عملت بنتك السوداء و احنا للأسف ما عرفناش نربيها كويس.. وبعدين بدل ما تجيبي الحق عليا روحي شوفي بنتك إللي لحد دلوقتي، لا انا ولا انتي عارفين هي عملت كده ليه؟ انتي واخده بالك المصيبه اللي بنتك عملتها قتلت وقتلت مين؟ عمها!
تساقطت دموعها بمرارة لتغمض نشوي عينيها قائلة بألم وحسرة
=يبقي كلامي كان صح وانتي هتسيب بنتك ومش هتسال فيها.. وانا مش بنكر غلطه بنتي وانها غلطانه بس ما اقدرش اقف اتفرج عليها قلبي مش هيطوعني اسيبها لوحدها في المحنه دي.. ولسه عندي امل انها ما تكونش عملت كده وان في حاجه غلط او اكيد ده كابوس واصحى منه.. بس اكيد مش هقف اتفرج عليها واسيب بنتي تضيع اكثر ما هي ضايعه
تحرك اسماعيل يذرع ارض المنزل بخطوات عنيفة هاتفا لزوجته التي تقف تبكي بحرقه وتنظر اليه بتوتر ليهتف بشراسة صارخ بنبرة حادة متألم
=انا واقف بتفرج على بنتك ومش بساعدها تصدقي عندك حق.. عارفه انا بسبب عملت بنتك وأن لسه واقف جنبها رغم اللي عملته الناس بتبص لي ازاي؟ بلاش الناس جئتلك وقلتلك ان انا قدمت استقالتي من اسبوع بسبب معامله زمايلي لي في القسم و اللواء بنفسه سحب مني القضايا وقال لي معلش مش عاوزين نتعبك ركز في مشكله بنتك احسن.. لكن أنا فهمت هو كان يقصد يقول لي خلاص لحد هنا مش عاوزين منك خدمات او بمعنى اوضح ما ينفعش تبقى معنا وتدافع عن حقوق الناس وبنتك مجرمه
صعقت نشوي من حديثه وهي تشاهدة بهذا المنظر أمامها الذي خالف كل توقعاتها! فهي بالتاكيد لحظت غيابه عن العمل الفتره الاخير لكن توقعت ان يكون في اجازه لتقول بصوت مرتجف
=انت استقلت انا فكرتك واخذ اجازه مفتوحه
يـتـبع