-->

الفصل الثامن - صمت الفتيات





الفصل الثامن



=انت استقلت انا فكرتك واخذ اجازه مفتوحه 


أردف اسماعيل بصوت اجش مرير وقد التمعت الدموع بعينه لأول مرة في حياته بخيبة أمل كبيرة هو يشعر بالاهانه والظلم


=ما كنتش عاوز اقول لك عشان ما اتعبكيش أكثر وكفايه اللي إحنا فيه.. بعد 35 سنه خدمه معهم نسيوا لي كل حاجه وافتكروا لي غلطه واحده بس.. بس هم برده معاهم حق ما هو ما بقاش ينفع عشان كده ما بقاش في حل قدامي غير ان قدمت استقلتي بكرامتي احسن ما هم يطلعوني نهايه الخدمه ويقولوها لي بنفسهم، خليها تيجي مني احسن ..ده غير أمي اللي بقيلي داخل اهو على شهرين ما شفتهاش ولا رحت عزيتها ولا اطمنت عليها عشان مش قادر ارفع عيني في عينها ..وبحاول احبس نفسي هنا على قد ما اقدر في البيت عشان الجيران والناس واصحابي وقرايبي بقيت بهرب من كل حد حواليا عشان مش عاوز اقعد مع حد ولا اشوفهم.. عشان مش هستحمل كلامهم ولا نظرتهم لي.. وبعد كل اللي انا بقيت فيه من تحت راس بنتك وعملتها السواد وتقولي لي شكلك نسيتها ومش هتساعدها وتقف جنبها.. انا اصلا كل اللي بيحصل لي ده عشان واقف جنب بنتك رغم انها قتـ لت اخويا؟!. 


انفجرت في البكاء بمرارة وذهول ولم تقدر علي الحديث فقد وضعتهم ابنتهم في وضع صعب للغاية، سقط اسماعيل فوق المقعد الخلفي بوهن ولاول مره يظهر ألمه وحزنة على شقيقه بعد كل هذه المدة اغمض عينيه بألم قائلا بحسره


=فاكرة حمدي ولا كمان ناسيه، اخويا الوحيد مبقتش عارف احزن عليه ولا قادر اسامح بنتك اللي قتـ لته، اياكي تاني مره تتهمني اتهام زي ده وانتي مش عارفه ولا حاسه باللي بيا! انا عمال احاول امسك اعصابي وما بينش اللي انا فيه بس حتى دي مش قادر عليها.. خليني ساكت احسن يا نشوى وبلاش تفتحي في مواضيع بحاول اوقف عقلي يفكر فيها


التزمت نشوي الصمت وصوت بكائها يعلي فقط بحرقة بينما صرخ هو بصوت عالى متألم يهتف بعجز


=عرفتي دلوقت بس انا ساكت ليه؟ عشان لو فكرت دقيقه واحده في اللي عملته بنتك فعلا هبعد عنها ومش هاساعدها وهتبرى منها للأبد


❈-❈-❈


فى قسم الشرطة بداخل مكتب رشوان جلس رشوان منهمك من الحديث مع تلك التي  تجلس أمامه صامته كعادتها ترفض الحديث و كأنت تنحنى برأسها بعيدا عنه في حين الأخري يحاول بكل جهد أن يصل معها الي حل لعلها تتحدث وتبوح ما بداخلها وتريح الجميع، هز راسه بيأس وإحباط مرددا


=هو انتي هتفضلي ساكته كده كثير يا بنتي هو انتي مش فاكراني؟ انا عمك رشوان إللي كنت باجي ازوركم زمان وانتي صغيره وكان معايا مراتي.. انا عاوزك تثقي فيا وصدقيني انا هابقى زي والدك وهقف جنبك مهما اعرف عملتي كده ليه؟ بس اتكلمي!  


نظر إليها ببطء عاقد حاجبيه بتساؤل عندما لاحظ صمتها كعادتها ليقول بنفاذ صبر


=يا بنتي ما هو مش هينفع كده انتي عارفه وفاهمه كويس اللي انتي فيه دة اخرتها ايه؟ مستوعبه انك قتلتي وممكن لا قدر الله القضيه تنتهي باعدام او مؤبد؟ ليه تضيعي نفسك كده بس!  


أطلقت تنهيده طويلة بحزن تخفض عينيها بالم، ليقول رشوان بتفكير وشك


=طب هو انتم كنتم بتتخانقوا ولا حاجه و غصبا عنك عملتي كده صح؟ 


ليقابل صمتها أيضا ليهدر رشوان بغضب ناظر اليها بعنف جعلها تتراجع بظهرها بخوف من غضبه هذا ترى عينيه مشتعلة بالنيران وهو يقول بحدة


=لا حول ولا قوه الا بالله، ريحان ابوكي قدم استقالته من مده بسبب موضوعك والقضايا اللي كان مسكها اتسحبت منه! صعبت عليه نفسه وما لقاش حل غير ان يستقيل احسن ما هم اللي يمشوه.. يعني انتي ما ضيعتيش نفسك وبس لا كمان ضيعتي كل اللي حواليكٍ.. ايا كان السبب اللي خلاكي تعملي كده فانت غلطانه وعمر القتل ما كان حل  


اتسعت عيون ريحانه بصدمة وتوجس وهي بذهن شارد في استقاله والدها لتشعر بتانيب الضمير وحزن شديد عليه وقد التمعت عينها بالدموع، ثم نظرت إليه وكانت علي وشك الحديث لكن لم تجد ما تقوله لتضغط علي شفتيها بعنف وانكسار... مسح رشوان وجهه بقله حيله ويأس معها ليقول بضيق شديد


=تمام براحتك ما تتكلميش انا حبيت اريح ضميري واعمل اللي عليا عشان صعبان عليا ابوكي وامك، وفي النهايه كل واحد بيدفع ثمن اخطاء.. وانتي غلطتي يا ريحانه ولازم تدفعي ثمن الغلطه دي.. وللاسف حتى بعد ما يتنفذ حكم المحكمه مهما كان.. مش انتي لوحدك اللي هتدفعي ثمن الغلطه دي اهلك كمان هيدفعوا ثمن الغلطه دي وراكي اضعاف


❈-❈-❈


في منزل إسماعيل، كان إسماعيل قد انتهى من الصلاة و جلس يقرأ فى مصحفه قليلا، في حين تفاجأ بدخول زوجته كالاعصار دون الطرق علي الباب لتقترب منه وهي تحمل بيدها "جريده اخبار" صائحه بصدمه وعدم تصديق


=الحق يا اسماعيل شوف كاتبين ايه في الجرائد عن بنتك ده غير كل ما افتح فيسبوك الاقيهم نشرين خبر عن الموضوع.. مين سرب ليهم الاخبار دي وعرفهم اللي حصل 


أغلق إسماعيل مصحفه و وضعه جانبا و عدل من وضع نظارته فوق عينيه و هو ينظر نحوها وأخذ الجريده منها مرددا دون تفاجئ 


=اكيد حد من جوه الداخليه، الصحافه اصلا اكيد مش هتسيب جريمه زي دي تعدي من غير ما تنشر اي حاجه عنها مع كلمتين من عندهم عشان الاخبار تزيد وتنتشر..وكل وأحد هيكتب اكثر كل ما هيبيع اكثر


شهقت تبكي بمرارة وهي تهتف بنبرة مرتجفة قليلا 


=حسبي الله ونعم الوكيل انت هتسكت يا اسماعيل دول كاتبين كلام ما ينفعش يتكتب عن بنتك وكله غلط اصلا وما حصلش ..هي البنت لسه اتكلمت لحد دلوقتي.. اتصرف يا اسماعيل وحاول توقفهم


رمي الجريده جانبه بقله حيله ويأس هاتفاً بجدية


=وانا بيدي إيه اعمله هو انتي فاكره لو طلعت كلمتهم في حد هيخلي عنده دم ويقول نراعي مشاعرهم وبلاش نزايد عليهم الموقف ونسيبهم في اللي هم فيه.. وبلاش نتكلم في اعراض ناس.. تبقي طيبه ما تعرفهمش.. انا عارفهم كويس دول لما بيصدقوا اي مصيبه يمسكوا فيها ومحدش بيقدر يوقفهم ..اعملي نفسك انتي اللي مش واخده بالك وسيبيهم يكتبوا حد ما يزهقوا ويشوف ليهم موضوع ثاني 


وضعت نشوي يدها اعلى رأسها تشعر بألم حاد يصف برأسها وهي تحاول إستقبال الصدمات بعقلانية وهدوء، التي بدات تسقط وأحده تلوي الأخري فوق راسها دون رحمة، لتقول بصوت حزين


=كان مستخبيلنا كل ده فين بس؟ يا رب الطف بينا 


تنهد إسماعيل بوهن وضيق عندما تعالي صوت هاتفه ليفهم على الفوري من المتصل لكنه لم يرد، ثم نظر إلي زوجته هاتف بحزم


=اهي بدات اراهنك إللي بيتصل ده حد من الصحافه او الاعلام! اعملي حسابك من هنا ورايح ما ترديش بقى على نمر غريبه.. مش ناقصين وجع دماغ خلينا في اللي احنا فيه وبعدين دول لما يصدقوا 


❈-❈-❈


مرت أيام طويلة وحزينة أيضا والجميع في حاله ذهول وما زال لا احد يعلم ما دافع ريحانه لقتل حمدي....


بينما أنا من كثرة الحزن فلم استطع البكاء وكانت الدموع أبت ان تشارك معي ايامي في الحبس، وكنت اجبر نفسي على تناول القليل من الطعام..بينما كنت انظر حولي والي هؤلاء النساء في الحبس معي وما وصلت إليه وأنا ابكي بمرارة وذهول فكيف اصبحت بين ليله وضحاها هنا.. وفي الليل يعلي صوت بكائي والنحيب وكنت ارتجف.. 


وكنت أجلس لوحدي اكلم القمر ليلا خلف نافذة السجن ونهارا كنت اسرح بعقلي اتخيل نفسي في منزل عائلتي مع أبي وأمي! وأحدهم يربت على كتفي وأخر يمسح لي شعري ،وكلمات ظنَننّ انهنّ بها قادرين على بث الصبر في نفسي.. لكن على الاقل احوز باهتمام منهم.. حتى لو كان في خيالي انا فقط وليس حقيقي! لكن فلا يريحني سوى الهروب للنوم حتي يتوقف عقلي علي التفكير.. فالفِراش صديقٌ عَـظيم عِندما تُهزم.


على مائده كبيره مليئه بالاطعمه بداخل السجن وكانت النساء تجتمع حول المائده تتناول الطعام.. بينما كنت أنا اجلس منعزله عنهم بصمت واجبر نفسي على الطعام للعيش الايام المتبقيه لي، ثم شعرت بي احد يجلس جانبي فالتفت الي تلك الجالسة بجواري وكان الجميع منهمكين بالطعام لتاتي تلك السيده عليه كالعاصفة تلقى بكلماتها الحانقة تلك لتسالني بدهشة


= هو انتي صحيح يا بنت قتلتي عمك ليه؟ ايه اكل عليكم حقكم رحتي قتلاه عشان تورثوا ولا في حاجه تانيه


كانوا نفس هولاء المسجونات بالامس الذي كانوا يتحدثون عني لذلك لم اعير كلماتها اهتمام وبلا اكتراث دون ان ارفع راسي عن الطعام بين يدي أكملت طعامي في صمت.. دبت سميرة قدميها فى الارض بغضب هاتفة بحنق 


=ما تردي يا بنت عليا زي ما بكلمك انا مش بحقق معاكي يا روح امك ولا حد من البوليس عشان تفضلي ساكته و مسهمه.. ردي يا بنت قتلتي عمك ليه


تقدمت منها السيده الاخرى تدعي ثريا وهتفت بدهشة


=في ايه يا بنت يا سميره ما تسيبكٍ منها مالك وما لها.. سيبيها شكلها معبيه وحكايتها حكايه 


التفتت سميره الى ثريا تهتف بحده وغيظ 


=ما هي عشان حكايتها حكايه انا عاوزه اعرف بقى اللي فيها وادينا قاعدين بنتسلى.. يلا احكي


أغمضت عيني بشدة وضيق منها بينما ارتفع فجاه صوت العسكري يصيح بقوه قائلا


=ريحانه اسماعيل عبد الرحيم تعالي الضابط عاوزك 


التفت له بدهشة وقلق لي اهز راسي بالإيجاب دون النطق ثم نهضت ببطء وتحركت معه الي مكتب المامور الذي نهض واقترب مني متحدث بهدوء 


=تعالي يا ريحانه.. احنا كل ده ومش عاوزين نستعمل معاكي طريقه مش هتعجبك لان برده مقدرين لحد اخر لحظه والديك يبقى مين وانه خدم في الداخليه كثير.. صحيح هو قدم استقالته خلاص بس برده مش هننسى ولا هننسى افضاله علينا


شعرت بتانيب الضمير عندما ذكر استقاله والدي امامي، ثم تحاولت نبره بصوت حاد وتحذيري قائلا


=بس يا ريت انتي كمان ما تفضليش مطوله في اللي انتي فيه وما تساعدنيش وتفضلي عايشه في دور الصمت ده اللي مش هيفيدك بحاجه، وما تفتكريش فعلا عشان والدك كان ضابط هنا فاحنا مش قادرين نعمل حاجه معاكي ولا هنفضل ساكتين كثير على اللي انتي فيه.. على اخر الشهر ده هيكون عندك محكمه يا ريت من دلوقت لي قدام تفكري وتراجعي نفسك


يـتبـع