-->

الفصل التاسع - صمت الفتيات

 






الفصل التاسع


 

=بس يا ريت انتي كمان ما تفضليش مطوله في اللي انتي فيه وما تساعدنيش وتفضلي عايشه في دور الصمت ده اللي مش هيفيدك بحاجه، وما تفتكريش فعلا عشان والدك كان ضابط هنا فاحنا مش قادرين نعمل حاجه معاكي ولا هنفضل ساكتين كثير على اللي انتي فيه.. على اخر الشهر ده هيكون عندك محكمه يا ريت من دلوقت لي قدام تفكري وتراجعي نفسك

 

هتف حروف كلماته متعمد أن يثير الرعب والقلق داخلي حتى أتحدث، ثم قال بجدية وهو يتحرك للرحيل

 

=انا هاسيبك دلوقت مع المحامي بتاعك ياريت هو كمان يعقلك ويعرفك ايه الاصلح ليكي و لازم تعمليه.. عند اذنكم

 

عقد حاجبي باستغراب ونظرت خلفي لي اجد بالفعل رجل في عمر الثلاثون يجلس على المقعد لينهض ويبتسم بمجامله هاتفاً

 

=ازيك يا انسه ريحانه انا استاذ مدحت المحامي اللي وكلوا عيلتك عشان ادافع عنك

 

شعرت بالغضب الشديد لي أتحدث اخيرا بهجوم قائله بحده

 

=انا ما طلبتش محامي ومش عايزه حد يدافع عني يا ريت ترجع مطرح ما كنت وتسيبني في حالي وقولهم هم كمان يسيبوني في حالي

 

التفت ارحل بسرعه من الغرفه ليتقدم مني بلهفة ويقف أمامي مرددا

 

=طب استني بس احنا لسه ما تكلمناش انتي مستعجله على ايه؟ على العموم دلوقتي هعتبر نفسي عملت انجاز عشان اخيرا اتكلمتي عشان كنت دائما اسمع عنك انك رافضه الكلام مع الكل، ورفضه كمان تحكي اللي حصل.. اسمعني كويس لو خائفه تتكلمي وتحكي اللي حصل وتورطي نفسك اكثر فما تخافيش انا تواصلت مع والدتك ولقيت حل مناسب ممكن كمان تطلعي من هنا براءه

 

تجمدت قدمي بالأرض وبعض الكلمات نطقها بكل بساطة وسهولة لتصل اذني تصاحبها نظراتة الواثقة حاولت تجاهله و ارحل ولكن تابع هو قوله بجدية وبصوت خبيث ماكر

 

=ايوه زي ما بقول لك كده انتي ما عندكيش شاهد واحد شافك وانتي بتقتلي عمك صحيح انتي معترفه في النيابه وكمان بصماتك وقت الجريمه مطابقه.. بس مش مهم كل ده هنلاقي لي حل.. والحل اللي ما قدامناش غيره دلوقت ان نقول أنك الفترات الاخيره من حياتك ما كنتيش مظبوطه فيها ودائما اهلك كانوا بيشتكوا من ده وانك كنتي بتحكي حاجات كثير وتالفي قصص ما حصلتش عقلك الباطل بس هو اللي بيخترعها بس هي مش موجوده وما حصلتش..

 

تابع المحامي حديثه وهو يبتسم علي ذكاءه الخارق قائلا بهدوء

 

=ولو قدرنا نثبت ده في المحكمه يبقى بنسبه كبيره ما حدش هياخذ باقوالك وهيعتبروكٍ مجنونه وبتخرفي وانك فعلا ممكن ما قتلتيش

 

كنت لا اصدق ما سمعته اهذه ما توصلت اليه عائلتي ان يقنعوا الجميع باني فقد عقلي حتي يخرجوني من هنا، ايتهموني بالجنون وانا على حق! دموع تأبي إلا أن تفضح انفعالي وأنا احاول السيطرة عليها بصعوبة، لأفاجئه بنظره حطّمت كل حصوني لتسيل دموعي نقية من عيني ...اخذت اهمس له بصوت يغالبه البكاء ويدي تقبض علي كفي يدي بعنف وقسوة  

 

=اطلع بره.. اطلع بره ومش عاوزه اشوف وشك ثاني هنا

 

عقد المحامي حاجبيه بدهشة وصدمة بينما صرخت بأعلى صوتي فيه بقوه قائله

 

=اطـلع بــره بـقـول لـك

 

تحرك المحامي بغيظ للخارج بخطواته المتعثره.. وكان في تلك اللحظة يمر رشوان من أمام غرفه المكتب ليسمع صوت صراخي.. اقترب رشوان يركض نحوي وهو يصرخ فزعاً

 

=في ايه؟ ايه اللي حصل صوتك عالي ليه؟

 

نظرت إليه بوهنَّ لتبكي عيني بدموع نقية لابدأ بعدها بالبكاء على إثر نشيجي الذي يقطع أوصال أقسى القلوب! لي اثير في موجة من البكاء المرير وأنا أصرخ بقهر

 

=انا مش عارفه ليه كلكم عاوزاني اتكلم واقول ايه اللي حصل رغم انكم نفس اللي كنتم بتخرسوني زمان لما كنت بحاول اتكلم أو اشرح اللي جوايا وعمركم ما كنتم بتسمعوني حتي

 

انصدم رشوان مني لا يصدق باني اخيرا تحدثت ونطقت وقبل أن يتحدث انتفض جسدي وعيوني تشع غضباً وصدري يعلو ويهبط بعنف دلاله علي شده انفعالي ثم صرخت به وقد تجرت من اضطراب مشاعري وخوفي من ردت الفعل قائله بتهكم وسخريه

 

=دلوقت بس بعد فوات الاوان عاوزاني اتكلم ..طب هيفيد بايه ما خلاص انا ضعت من زمان اللي حصل حصل الزمن ما بيرجعش لوراء ولا اللي بينكسر بيتصلح.. يبقى ليه عاوزاني اتكلم نفذوا الحكم وريحوني وخلاص

 

رفعت عيني انظر له بألم وقد هوت دموعي فوق خدي بغزاره وضعف وهمست بوجع

 

=حكم الاعدام اللي انا مستنياه بفارغ الصبر وانتم خايفين منه ده بالنسبه لي راحه

 

أقترب مني عم رشوان ولكن هذه المره بعيون يملؤها الشفقه والدفئ وجسده هادئ ليقول حديثه بلهفه وقلق

 

=انا مش فاهم حاجه يا بنتي واحده واحده تقصدي ايه بكلامك واحنا امتى كنا بنخرسك و تقصدي مين اللي مش بيسمعك.. فهميني الموضوع عشان نقدر نساعدك واكيد في سوء تفاهم

 

شعرت انه وقت الصدمات وحسب، اتلقي كل صدمه تلو الاخري كالصفعه القويه التي تهبط فوق وجداني دون رحمه..!! هتفت من بين شفتي بعيون تترقق بها الدموع وصوت متحشرج اثر الغصه المريرة التي سرت بحلقي

 

=ما فيش سوء تفاهم ولا نيله.. و إللي أنا كاتمه في قلبي سنين لوحدي انتم اول ناس لما تسمعوا هتندموا انكم كنتم عاوزين تعرفوا الحقيقه ومش بعيد تخرسوني ثاني أصلا.. عشان كده انا ساكته ومش هتقدروا تشيلوا الحمل معايا

 

كان رشوان مذهول وفمة مفتوح و عقلة لا يستطيع استعاب كل حديثي لذلك نظر لي بقوة مرادفا باصرار

 

=لازم مهما كان اللي انتي بتتكلمي عنه نعرفوا.. حتى لو ما فيش حاجه هتتغير زي ما انتي بتقولي بس على الاقل اظهري دوافعك ..حتى عشان اهلك يعرفوا يعيشوا بعدك وهم محامين من نظرات الناس

 

وكأني احارب عاصفه قويه اثناء تسلقها لجبل شديد الانحدار هكذا حاولت إخراج كلماتي بعد عناء بثقل وإحباط

 

=ايوه الناس! كل اللي انا فيه ده اصلا كله من الناس.. الناس اللي دائما بتعملوا ليهم حساب.. الناس اللي انا بسببهم دفعت ثمن كبير.. الناس اللي انت بتتكلم عليهم دول كانوا اول ناس لما بفتح بقه يسكتوني.. وكاني عملت جريمه وعمرهم ما اقتنعوا ان انا كنت من زمان ضحيه مش مذنبه زي دلوقتي؟!

 

تنهد هو بضيق شديد وعدم فهم لكن قبل أن يتحدث قاطعته وانا امسك برأسي بعنف من الألم واخفضها صائحه بصوتي المتوسل وقد استعاده

 

=هو حضرتك متاكد أن كل اللي بيغلط بيدفع ثمن غلطته.. عشان الكلام ده لو صح فالمفروض مكاني ما كانش هنا؟ وناس تانيه هي اللي المفروض كانت تبقى مكاني وتتحسب مش انا

 

شعرت إني علي حافه انهيار عصبي يمر شريط حياتي امام عيني كله وبالفعل تعددت مرات وقوعي او محاوله حرق روحي، تلي جسدي يرتعش بعنف وهستريا و اخذت أنفاسي التي انقطعت عني تماماً وقد أصبحت عيني مرهقه بشده و شاحبه اللون اغمض عيني بقوه أشعر بألم جسدي و عصبي.. لاهداء بعدها ولكن اشعر اني ليست أنا!! التفت حولي بخوف وتوجس وبإرهاق قبل ان اهتف من بين شفتي المرتعشه في محاوله مني ان اتأكد انه رحل وهذا الكابوس انتهي وأنا الآن علي أرض الواقع.. نظرت إليه وأنا أقول بابتسامه ساخراً بقهر مريرة

 

=المحامي اللي اهلي جابوا ليا عشان يدافع عني اللي كان قاعد معايا من شويه قال لي نكته خليتني اضحك رغم إللي انا فيه... قال لي عشان تطلعي براءه وتقدري تعيشي وسط الناس من ثاني ان اقول أن انا مجنونه تعبانه مختله عقليا.. عقلي ما كانش سليم وقت وقوع الجريمه هو ده الحل اللي وصلوا لي اهلي في الاخر وبرده لسه بيفكروا وشايلين هم الناس وكلامهم

 

تطلع رشوان نحوي بصدمه من تفكير ابي وأمي!! بينما تقلس قلبي بداخل صدري وقتها و علمت ان هلاكي أقترب لا فرار منه وتسائلت نفسي هل جاء الوقت لي اتحدث واقول كل ما بداخلي بعد تلك السنوات؟ لكن ماذا سيتغير بعدها ولا شيء؟ ولكن لاجد نفسي اتحدث بنفس نبرته القويه واقول بعزيمة ودون وعي من ألمي

 

=المره الوحيده اللي قلت لا وعرفت اخذ حقي طلعوني مجنونه.. بس انا مش مجنونه انا عاقله ووقت وقوع الجريمه كنت بكامل قويه العقليه.. بس تمام مش انتم عاوزاني اتكلم؟ مش عاوزين تسمعوا مبررات؟ انا ما عنديش مانع هتكلم وهقول خلاص كل اللي انتم عاوزينه!! بس بشرط واحد لازم ذي ما هحكي ليكم احكي لي العالم كله كمان ويعرف  قصتي!!

 

يتـبع..