-->

الفصل الخامس - صمت الفتيات





الفصل الخامس



في أحد الأحياء الشعبية وداخل شقة في أحد البيوت المتواضعة ،بدأت آيات القرآن الحكيم تتردد في الداخل ، بينما سادت مظاهر الحزن في جميع أنحاء المكان بعد وفاة حمدي على يد ابنه أخيه ريحانة! بعد ذلك الخبر أصيب الجميع بالصدمة التي شلت أفكارهم. لم يصدق أحد حتى الآن أن ريحانة الشابة المسالمة قتلت عمها بدم بارد وفجأة دون مقدمات وفي يوم زفافها.


كانت تجلس زبيده تتوسط اريكة بين المعزين و عينيها متسعة بذهول تنهمر منهم الدموع بغزارة لاتستطيع تصديق ماحدث حتى الان وانها فقدت ابنها فى لحظة وعلي يد حفيدتها، كانت صدمه كبيره بكل المقاييس للجميع لم يفهم احد حتى الان لماذا قد فعلت ذلك؟ حتى بعد ان تم القبض عليها التزمت الصمت ورفضت الحديث بكافه الطرق! وكل ما قالته بعد الحادث وقبل القبض عليها "لقد قتـ لت عمي" 


بعدها في غمضه عين تحول الفرح الى كارثه كبيره وصوت الصراخ تعالي بين الجميع بصدمه وحزن..حتي حمدي عندما نقلوا جثته إلي المستشفي سريعا لاحدى الاطباء المتخصصين علي أمل أن يتم أنقذه تطلع إليهم الطبيب المختص بقله حيله ويأس فقد فارق الحياة قبل أن يأتي إلي هنا من الأساس.


لتستند زبيده خلفها علي المقعد بضعف وتتعالى شهقات بكاءها حتى انهارت تبكى بمرارة على فقدان اعز احبائها فى لحظة خاطفة لم تتخيل حدوثها حتى فى اسوء كوابيسها، لتصرخ بصوت عالي وبقهر


=اه يا حبيبي يا ابني آه يا قلب امك كنت فاكره انت اللي هتحضر خارجتي وتدفني مش انا.. يا وجع قلبي عليك ما لحقتش افرح بيك ولا اشوفلك عيال آآه


جلست مني جانبها يسود وجهها الشحوب لتهمس قائلة بضعف وقله حيله


=كفاية بقى يا ماما ده قدر ومكتوب ومالناش يد فيه.. ادعيله بالرحمه احسن انتي كده بتعذبي 


صممت لعدة ثوانى تهز راسها بضعف لتقول بانكسار بينما الدموع تتساقط من عينيها الحمراء من كثره البكاء بدون توقف بحرقه


=قلبي وجعني عليه يا منى مش قادره أصدق اني مش هشوفه ثاني.. ليه كده بس يا ريحانه عمل لك ايه عشان توجعي قلبي عليه ده كان زي الأب الروحي ليها يعتبر هو اللي مربيها من اكل وشرب وكان بيوديها المدرسه وهي صغيرة ويجيبها ولما كانت تحصل ليها اي مشكله كان بيبقى جنبها هو اول واحد.. وفي نفس الوقت ابوها وامها مشغولين في شغلهم وسايبينها لي.. ده اخره المعروف تقـ تله طب لـيـه؟ عـمـل ليـهـا ايـه؟


اقتربت منها جارتها تربت علي كتفها بحنان لتنظر زبيده بضعف شديد الى السيدة والتى حاولت التهوين عليها ثم قالت متسائلة بحيره


=هو انتم متاكدين يا جماعه اني ريحانه هي اللي قتـ لته بصراحه دي حاجه كلنا مش مستوعبينها ولا مصدقها حد فينا


اخذت مني تبكي دون ان تنطق بحرف واحد 

لتسرع سيده جانبها بضمها اليها تضع راس مني فوق كتفها ثم أكملت حديثها بتعاطف


=دي البنت كانت طيبه أوي و هاديه وعلى طول في حالها ولا عمرنا سمعنا عنها حاجه وحشة.. تقوم تقـ تل! ومين عمها؟ 


صمتت زبيده لثوانى تحاول ان توازن كلماتها من تلف أعصابها ومن كثره الصدمات التي مرت بها خلال فترة قصيرة لتقول بصوت ضغيف متحشرج من اثر البكاء


=ما اعترفت بنفسها الهانم انها قتـ لته وكمان البوليس اكد بصماتها اللي على الحديدة اللي فتحت بيها راس ابني وموتته.. مش عارفه ادعي عليها ولا ادعيلها دلوقتي، ليه كده يا بنتي تحرقي قلبي عليه ليه؟ وتحرقي قلب ابوكي وامك عليكي يوم فرحك.. ده الكل كان فرحان بيها وطاير من السعاده عشانها 


ثم تابعت تجز علي أسنانها بعنف وقست ملامحها بوحشية صارخه بهستريا


=قلبت كل حاجه في ثانيه وخلت اكثر يوم بنستناه عشان نفرح بقى ميتم... عمري ما هسامحها ،مش مسامحاكي يا ريحانه على وجع قلبي في ابني آآآآه


❈-❈-❈


ظلت نشوي تبكي بشكل هستيري على طفلتها الوحيدة وتتوسل إلى الله لإخراجها من تلك المحنة علي خير، شعرت بصدمة كبيرة كلما تذكرت منظر ابنتها وهي تسير ملطخه بدماء عمها بعد أن قتلته.. لم تكن تعرف كيف تتصرف إلا للتخفيف عنها بدأت بالصلاة ، وبمجرد انتهائها رفعت يدها ودموعها تتساقط متوسلة الله بكل ما بداخلها.


بينما كان إسماعيل في عالم آخر ، على عكس البراكين التي بداخله ، فإن جرأة ابنته في التصرف و وضعته في موقف لا يحسد عليه... فهو اصبح الآن بين نارين؟ بين حزنة على فقدان أخيه ام التحسر على ابنته التي تسببت في وفاة أخية؟ شاعرا أن عاجزاً عن الذهاب إلى والدته ليعزيها.. فهو حتى الان لم يراها ويخفف عنها وفي حين أخري كانت ابنته سبب وفاة ابنها؟


بعد مرور أسبوع.. بداخل مكتب المامور رشوان صديق وزميل اسماعيل توسط المقعد أمام الإثنين (الاب_والام) ناظرا إليهم بأسف شديد قائلا 


=للاسف يا اسماعيل زي كل مره ريحانه رفضت الزياره، مش عاوزه تشوف حد 


جاء صوت اسماعيل حينها قوي حاد وقد تحول نبره لغضب وصوت عالي من فقدان أعصابه


=هو ايه اللي مش عايزه تشوف حد كنت جيبها بالعافيه احنا خلاص ما بقاش فينا اعصاب ولازم نتكلم معاها ونعرف عملت كده ليه؟ لازم نكون جنبها حتى لو غلطانه احنا اهلها 


تنهد رشوان بعمق بيأس وعطف مرددا


=اسماعيل ممكن تهدا انا كان ممكن اعمل كده ،بس مش عاوز اضغط عليها كفايه حالتها ونفسيتها صعبه وهي رافضه الكلام مع الكل حتي الضابط اللي بيحقق معاها برده ماطلعش منها بحاجة ..وانا مش محتاج اقول لك وانت ضابط واكيد عارف موقفها كده ضعيف جدا في القضيه.. وسكوتها عمره ما هيجيب نتيجه و لازم تتكلم 


انتفض جـ سد نشوي بعنف وهستريا تلك التي تجلس وتستمع إلى حديثهم، خائفه على ابنتها فهي مهما تفعل في النهايه طفلتها الوحيده ولم تقدر عن التخلي عنها مهما فعلت لتنهض تصيح بتوسل وضعف


=انا مش قادره استنى اكثر من كده وما اشوفهاش حرام عليكم حسوا بيا قلبي واجعني على بنتي.. معلش يا استاذ رشوان حاول معاها ثاني، وقولها ما حدش مننا هيعمل ليها حاجه بس عاوزين نشوفها ونطمن عليها بس 


لتمسك بيد زوجها بتوسل وحاولت إخراج كلماتها بعد عناء بثقل وخوف 


=اتصرف يا اسماعيل ابوس ايديك البنت هضيع مننا


أقترب بجانبها وكفف دموعها بانامله وامسك بيدها وعاونها على الجلوس واجلسها على المقاعد وهو يردد بانكسار مكتوم


=وهي لسه ماضيعتش نفسها دي جريمه قـ تل فاهمه يعني ايه؟ انا ما بقتش عارف الاقيها منين ولا منين 


وضعت يدها على فمها وهي تبكى بهستيريا بينما هتف رشوان بجدية


=اهدي يا استاذه نشوى و ان شاء الله اكيد هنلاقي حل هو انتم وكلته ليها محامي ولا لاء؟ انا من رايي تركزوا اكثر دلوقت وتشوفه محامي كويس ليها


❈-❈-❈


في اليوم التالي.. 


ترجل اسماعيل من السيارة ليرتدى نظارته الشمسية  التى تخفي كسر عينه عند رؤيته زملائه في العمل ثم دخل للداخل. التزم جميع الموظفين الصمت لأنهم يعرفون ما فعلته ابنته! فقد تمت دعوة الجميع تقريبًا إلى حفل الزفاف ، وإذا كان أحدهم غائبًا ، فمن المؤكد أن الآخر أخبره بالخبر؟ لكن البعض منهم نظر إليه بدهشة واستنكار عندما رأوه قادمًا للعمل بهدوء مريب بعد ما فعلته ابنته المحتجزة هنا داخل السجن.


واصل إسماعيل خطواته ، وشعر أن كل العيون موجهة إليه ، لكنه حاول التجاهل واستمر في طريقه إلى مكتب رشوان صديقه وزميله في العمل.


جلس رشوان علي مكتبه باريحية وهو يتابع بعض الاعمال حتي تفاجأ بدخول اسماعيل إليه بوجه قاتم عقد حاجبيه باستغراب قائلا باستفسار


=اسماعيل انت ايه اللي جابك انا مش قلتلك تاخذ اجازه احسن الايام دي لحد ما نشوف موضوع بنتك هينتهي على ايه 


اقترب منه بخطوات متمهلة وجلس أمامه أعلي المقعد بثقل وهو يتحدث بضعف


=مش قادر اقعد في البيت وبنتي في السجن يا رشوان مش قادر اصدق بعد ما كنت ضابط وبرمي المجرمين بي ايدي في السجن وبحكم عليهم.. جاي عليا الدور دلوقتي واشوف بنتي بين قضبان السجن ومش قادر اعمل ليها حاجه.. مش قادر حتى استحمل نظرات الناس لي من غير ما تتكلم و فاهم يقصدوا ايه 


هز رشوان رأسه بعطف وتفهم ثم قال بضيق


=عشان كده طلبت منك انك تقعد في البيت أفضل ولو حصل اي جديد انا بنفسي هعرفك 


وضع اسماعيل يده على راسه ومسح على شعره يكاد ينفجر كالمقود بين ثانية وضحاها ثم هتف بنفاذ صبر وغضب عارم


=هو انا عيل صغير قدامك يا رشوان و مش فاهم اللي فيها والموضوع ده هينتهي على ايه؟ انا ضابط قبل ما اكون اب.. وفاهم كمان انا هيكون موقفي ايه بعد ما يتم الحكم على بنتي! بس مش قادر اواجه نفسي بالحقيقه ولا حتى بيني وبين نفسي انطقها.. طب هقول لامها اي حتي.. 


صمت رشوان ولم يعرف بماذا يجيب؟ ثم تابع اسماعيل هادر من بين أنفاسه الاهثه بانفعال 


=اللي مجنني في كل الموضوع ده ان انا مش فاهم لحد دلوقتي هي عملت كده ليه؟ تفتكر انت يا رشوان ريحانه قتـ لت عمها ليه.. ايه السبب اللي ممكن يخليها تعمل كده


حركت كتفه دليل على عدم معرفة وهو يقول بتفكير بقله حيله


=والله مش عارف يا اسماعيل ربنا وحده اللي عالم بيها، بس لما بقعد افكر مع نفسي مش بلاقي اجابه يمكن عشان في القضيه دي بالذات بفكر بعواطفي وانا عارف ريحانه كويس لما كنت بزورك في البيت انا وامراتي، وعارف قد ايه هي كانت طيبه وفي حالها وعمري ما كنت اصدق حاجه زي كده لو حد قالهالي.. بس انا كنت في الفرح زيي زيك وشفتها وهي خارجه بفستانها اللي مليان دم وبتقول انها قتـ لت عمها


مسح وجهه بعنف شديد حتى ضرب يده بشدة على سطح المكتب وهتف بصوت حاد بإصرار مشددا على حروف كلماته اللاذعة


=رشوان انا لازم اشوف بنتي بالعافيه بالذوق لازم اشوفها واتكلم معاها


حاول رشوان الاعتراض لكنه لم يجد سوى الموافقة على طلبه باستسلام ، ربما يعرف كيف يجعلها تتحدث... امسك الهاتف وتحدث مع العسكري بصرامة وقد اعطاه بعد الاوامر واغلق الهاتف وبعد قليل اتى العسكري وهو بجذب ريحانه التي اعتلت الصدمة ملامح وجهها عندما رأت والدها امامها وهي كانت تحاول الهرب منه ومن والدتها دائما الايام السابقة برفض الزيارات، وكانت لا تريد ذلك المواجهه وقفت امامه ترتجف وكأنها قد تم الحكم عليها بالاعدام للتوه ابتلعت ريقها واصتكت قدميها ببعضهم من الارتباك


حتى انتقل إليها إسماعيل محاولًا أن يكون أكثر هدوءًا رغم الحزن الذي ظهر في عينيه عندما رآها في هذه الحالة وكان العسكري يجلبها مثل المجرمين! تحرك العسكري للخارج بأمر من رشوان.


ثم تابع رشوان إسماعيل ونهض إليه هاتفاً بصوت هامس تحذير


=اسماعيل اهدى وما تخلينيش اندم ان انا سمعت كلامك وجبتها هنا من غير ما اعرفها انك موجود، أنا وافقتك عشان لازم تتكلم معاها و تخليها تتكلم وتحكي اللي حصل 



يـتـبع