-->

اقتباس - صمت الفتيات

 




اقتباس



وسرعان ما ظهر طيف مشوش في ذهني وبدأت أتذكر أحداث طفولتي التي لم أرغب أبدًا في تذكرها ، والتي سببت لي الكثير من المعاناة والجروح التي لم تلتئم بعد؟ لا تفارق ذهني أبدًا ، لذلك كنت دائمًا شاردة الذهن ،وفي حالة صحية سيئة ، ونوم غير مستقر مؤخرًا ،وما يؤلمني أكثر هو أنني لم أستطع الكشف عما بداخلي؟ إلي من؟ أو لماذا أتحدث إذا كان الوضع سيستمر كما هو دون تغيير!


أفقت فجأة على صوت رجل يتحدث بجواري بخشونه لم ألاحظ في البداية ما كان يقوله؟ لكن عندما نظرت إليه ،وجدت رجلاً يبلغ من العمر حوالي خمسين عامًا لكن بدا أنه علي ملامح وجهه من شيب وتجاعيد وجهه ابتسم بلطف وطيبه وهو يقول بنبرة حنونه = مالك يا بنتي سرحانه في ايه عمال انده عليكي شكلك مجهده قوي تعالي اقعدي جنبي في مكان أهو، وبعدين شكلك تعبانه خالص تعالي يا بنتي اقعدي جنبي انا زي والدك 


نظرت إليه متردده قليلاً بينما كان هو يبادلني النظره بحنان وابتسامة دافئة. مشيت نحو المقعد بصمت بعد أن شكرت الرجل بامتنان شديد ، لأنني كنت بحاجة فعلاً للاسترخاء ،وجلست متعبًا جدًا فوق المقعد وأغمضت عينيّ لـ أتنفس بهدوء واستمررت في فرك كتفي من الألم الذي أشعر به ، وبعد حوالي عشرين دقيقة شعرت بشيء لم يكن غريبا عليه؟


ارتجف جسدي وخافت تمامًا، وفتحت عيني على مصراعيها ولم أجرؤ على النظر إليه. حاولت الابتعاد بهدوء وصمت حتى أتجنب ما يفعله بي دون أي حديث قد يؤدي إلى تفتيت جراحي ،وقلت لنفسي إنني قد أكون موهومًا ، لا شيء أكثر! وقلت لنفسي مره ثانيه ،من المستحيل على رجل في هذا العمر أن يفعل شيئًا كهذا.


لكنه لم يتوقف ، وفعل ذلك مرة ثانية وقد تمادي أكثر وحاول مرة ثانية وثالثة وانا كنت أتجنب و اتفادى اكثر من مره ،لكنه كان لديه إصرار رهيب على لمسي ، اخذ رعبي يهدأ قليلاً وانا اقنع نفسي انها مجرد تهيئات ولكن اي تهيئات تلك؟! حين شعرت بلمسات خفيفة على ذراعها عندما بدأ يتمادى أكثر و أكثر وهو يصدر صوتًا مثيرًا للاشمئزاز بسرور مقرف بتلذذ وتمهل وكأنه يستمتع بما كان يفعله.


لم أكن أعلم ماذا أفعل هل انهض؟ أم أجلس حتى يتوقف وحده؟ شعرت بالارتباك لبضع ثوان ثم أنبت نفسي علي التخاذل سريعاً هكذا وحاولت التماسك او هكذا هيئ لي، أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن شعرت بأني سانهار حتما، لا اريد ذلك ان يحدث لي مره ثانيه واستقبل ذلك كعادتي بالصمت الذي لم يفيدني مطلقاً بل على العكس تماما يضرني اكثر واكثر. 


حاولت أن أقاوم من داخلي حافزتي للإستسلام ،ولم أكن أعرف كيف أتت من الجرأة فمسكت بيده بعنف حتى يتوقف، ونظرت إليه حتى لاحظت أن الرجل العجوز يستدير نحوي و شعرت بالحاجة إلى الاستعداد لما قد يحدث ولكن عندما تلاقت الأعين كانت نظراته كافية للكشف عن كل شيء لم يعد موجودًا فيه أي حاجة للتحدث أو الشك في ما يحدث الآن؟ هو بالفعل يتحرش به؟ تحرش بشابة في سن ابنته تحولت نظراتي إليه إلى اشمئزاز وقرف وكان عقلي يحاول الاستيعاب الأمر؟ لكن ما عانت من أجله هو نظراتي إليه كانت قوية جدا لم يهتز كأنه لم يفعل شيئاً مخزيّاً أو ممنوعاً؟ وأنا الضحية أخاف منه ،وسألت نفسي إلى متى سيستمر هذا الوضع فانا يتم قتلي بالبطيء ببطء والمذنب هو صاحب الحق؟ هل هذا حقًا عدل الله عندما قال: "استوصوا بالنساء خيرا" بالتأكيد لا؟ اذا لماذا ليس الحق معي؟ 


كان ذهني مشتتًا تمامًا ، وتناثرت أفكاري في تلك اللحظة بالرعب والارتباك ، لذلك حاولت حشد كل قوتي قبل أن أتلقى أي رد فعل ، فيكفي الي هذا الحد لقد صمت بما يكفي فيجب ان اكون في تلك اللحظه صلبة.. قوية ..لا يجب أن تضعف،. الحق معي انا، أنا الجاني عليه وليس المذنبه؟ وبعدها لم افكر في الامر ولو ثواني حين نهضت وصفعته على وجهه بكل قوتي! 


كان هناك صمت رهيب داخل المترو ، لكن عيني كانت موجهة نحوها فقط ، ورأيت صدمة كبيرة على وجهه ، لكن الصدمة لم تكن من نصيبه فحسب ،بل صدمت من نفسي أيضًا ، ومن ردت فعلي اخيرا وقد اخذت حقي ولو مرة واحدة في حياتي؟ ولكن قبل ان افرح بانتصاري حدث شيء لم أتوقعه في حياتي؟ 


أصدرت شهقه مصدومة عندما رأيت الرجل العجوز وهو يبكي كطفل صغير فجأة دون مقدمات ،ثم بدأ الجميع ينظرون إليه بدهشة وغضب عارم ثم تقدم رجل إليه وهو يقف جانب الرجل العجوز يحاول يهديه لكنه دون فائده فالرجل العجوز استمر بالبكاء بطريقه تثير العطف والشفقه تجاه ثم تطلع فيه الراجل الأخري بضيق شديد وقال بعدم رضي 

=ليه كده يا بنتي حرام عليكي في حد يعمل كده في راجل كبير، عمل لك ايه بس عشان تعملي فيه كده؟


حاولت أن اشرح الامر بسرعة، لكن اتسعت عيني في حالة من الصدمة وعدم الفهم ، حيث رأيت بعض النساء تنهض ويهاجمنني وإحداهن بدأت تصيح بعصبية حادة وعنف =هو حضرتك لسه هتسال ليه كده يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيكي وفي اللي زيك احنا مش عارفين الجيل ده بقي ماله، ما بيحترمش الاكبر منه ولا بيحترم حد، وكمان وصلت بيكي تمدي ايدك على راجل كبير هنروح منكم فين ده احنا بقينا في اخر الدنيا


ثم نظرت السيده الاخرى إليه بنظرات مقرفه وهي تتحدث بحده كبير =على رايك والله ده احنا بنشوف العجب من بنات الايام دي بالذات ،قدك ده عشان تمدي ايدك عليه لا اله الا الله امال بتعملي ايه في امك وابوكي اللي مش عارفين يربوكي، قولي بقى عملك ايه عشان تعملي فيه كده.. ايه سرقك ولا عمل لك ايه يا مؤذيه عشان تضربيه بالقلم 


ثبت وكأني كالصنم لا يستطيع التحرك ولا حتي تحريكه و ترقرت الدموع بعيني تلك اللحظه وأنا اري ان الجميع يدافع عن المذنب دون ان يعطوني الفرصه للتحدث حتى ويسمعوا اي مبررات لديه، حاولت الصراخ ولكن بلا فائده ايضا ..فقد عُقد لساني واخذ صدري يعلو ويهبط بعنف اشعر بتنميل في سائر جسدي والرجفه تتملك مني وقدمي لم تعد بإمكانها حملي لم اعلم كم استمريت علي حالي هذا ارتجف داخلياً اشعر بثقل انفاسي لا استطيع التنفس بشكل طبيعي واطرافي ترتعش خوفاً، فتحت فمي ودموعي تنسدل علي وجتني بخوف وذعر فلاول مره يحدث معي موقف مثل ذلك =لا ما سرقنيش بس عمل الالعن من كده عمال يتحرش بيا ويمد ايده عليا أكتر من مره.. ده راجل مش كويس ولا محترم


نهض الرجل العجوز وإبتلع ريقه بصعوبة وهو يشاور علي نفسه بصدمه زائف ودموعه مزالت تتساقط بقوة ليقول بنبره مرتعشه وقد تقين الان أن الجميع معه هو ليحاول قلب الموازين لصالحه =انا يا بنتي كلمتك ولا جيت جنبك ده انتي صعبتي عليا لما شفتك واقفه تعبانه ومش قادره تصلبي طولك من التعب، وقلت لك بكل حسن نيه تعالي اقعدي جنبي انتي زي بنتي تقومي تتبلي عليا اني بتحرش بيكي انا هعمل حاجه زي كده وانا في السن ده برده يا ناس


دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليه ومعدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرهني ،الا يكفيني ما هي بيه، أخفضت بصري وانا في حاله ذهول تاما لما الجميع يدافع عنه رغم انهم ليس معهم دليل واحد؟ او اذا كان الدليل بالنسبة لهم اني فتاه فذلك يكفي لهم؟ ظليت التهم الجميع بعيني وكأني أبحث عن طوق النجاة لي من اي شخص بين الموجودين بداخل المترو حتى لو واحد فقط يقف ويدافع عني لكني لم اجد مع الاسف الشديد غير دفاع بشكل رهيب ضدي انا! حتى اجبرت نفسي على التحدث لاكمل ما بداته وإجابت بصوت غير متزن بجفاء =ايوه عملت اقسم بالله انت كذاب و واحد مش كويس، هتروح من ربنا فين 


نهض فجاه راجل في سن الاربعين نحوي ونظر لي بعينين لا يخضعان وقلب لا يلين بعطف نحوي و كانت نظراته مليئة بالتحدي والقوة و ارتعش جفني و جسدي حين نظر لي بتحدي أقوي قائلاً بتهديد =يا انسه عيب كده احنا ساكتلك عشان انتي بنت وأنا بنفسي فعلا سمعت الرجل وهو بيقول لك تعالي اقعدي جنبي عشان صعبتي عليه، ممكن يكون بيتهيالك ولا حاجه وعيب تغلطي في واحد قد ابوكي 


لترفع سيده أخري بصرها نحوي بغضب شديد وثبات قائلة بحده =يعني ده جزات الراجل انه حب يعمل خير.. بس يا حاج بطل عياط حقك علينا احنا انت زي ابونا برده 


اخذ الرجل العجوز يصرخ بكلماته وهو يهز رأسه بهستريا وببكاء حار حتي يتعاطفون معه أكثر =والله يا بنتي ما عملتلها حاجه والله يا جماعه وحياه بناتي صعبت عليا عشان كده قلتلها تعالي اقعدي جنبي و حضرتك بنفسك سمعتني بقول لها كده، انا تتهمني بتحرش بيها وانا في سني ده و تهين فيا وتقول عليا كذاب.. هي الدنيا جرى فيها ايه بس الواحد بعد كده ما يعملش خير في البلد دي.. هاتوا مصحف احلف لكم عليه ان انا مظلوم وما لمستهاش ولا قربت جنبها، صدقوني يا جماعه انا مش كذاب وعيب لما عيله زيها تهني بالشكل ده ليه بس يا بنتي 

حركت رأسي بجنون وعدم تصديق لهذا الرجل العجوز وتصنعه الدائم ، فقد في لحظات تحولت الموازين وأصبح هو الضحية ،حاولت أن أصرخ مثلهم أنا على حق وليس هو، لكن لساني كان مقيدًا وأنا كنت مثقلة بالأعباء ونظرت حولي مرة أخرى بشفاه مرتجفة وبكيت من شعوري بالظلم ولم يصدقني أحد. 


في حين هز أحد الموجودين رأسه بأسف شديد ثم تقدم نحو الرجل العجوز و امسك بيده وأجلسه في الكرسي المقابل له، وهو يجول ببصره في المكان ثم قال بجدية وكانه يوجه للجميع رساله بان ما يحدث هذا عيب في حقنا احنا ايضا حتي يتحركوا =معلش يا راجل يا طيب تعالي اقعد جنبي انا، انتي زي ابويا برده وما يرضنيش حد يهينك وانا موجود


ظليت ابحث في وجه اي شخص عن أي بارقة أمل ولكني لم اجد لكن شاهدت شيء اخر المني أكثر، نظرات بعد الفتيات بعجز وقله حيله مثلي وهم خائفون أن يتحدثون او حتى يدافعون عني، وقد عرفت قيمه المعاناه الحقيقيه التي تتعرض اليها الفتيات حتي في التحديث وليس المعاني الحقيقيه في التحرش وانتهاك الجسد فقط، وهو الخوف وعدم الامان من ردت الفعل بعدها هل سيصدقها احد ام سيحدث ما يحدث معي الان، لذلك عرفت لما كل فتاه تفكر مليون مرة قبل أن تتحدث! حتى لو كانت الذي امام سيده مثلي؟ 


فـ الصمت سيكون دائما هو ردت الفعل الينا.. فاذا كنت اليوم لاول مره تجرات وتحدثت ودافعت عن نفسي فسوف أتراجع في التفكير بعدها اكثر من مره مثلهم حتي ابوح بما داخلي.. فالمجتمع هو ما يريد صمت الفتيات وليست أنا. 


وبعدها لم يعطيني أحد فرصه للحديث وجذبتني نفس السيده نحوها بقوه وعنف حتى كنت أن أسقط بالأرض من جذبها إليه وشعرت بالرعب الشديد في هذا الموقف الذي لم انساه في حياتي ابدا، كان مؤلم وجع رهيب! ابشع ما تعرضت له في حياتي؟ 


وفي نفس اللحظه توقف المترو في محطه ما لينزل بعض الركاب لكن لم تكن هذه المحطه ما أريد الهبوط منها، لي ارى السيده التي كانت تجذبني وتضغط على ذراعي بقوه شديده دون عطف أو شفقه تجاهي و دون مقدمات كانت تدفعني للخروج للخارج المترو بقسوة شديدة وهي تصرخ بصوت غليظ


=هي وصلت بيقي كمان هتتبلي علي الراجل 

منك لله يا شيخه إلهي ربنا يبتليكٍ بنصيبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا على الظالم والمفتري.. يلا غوري من هنا و روحي شوفيلك اي مصيبه تانيه توصلك مطرح ما انتي رايحه داهيه ما ترجعك يارب 


وكان كل ذلك لاني خرجت عن القاعدة و كسرت الصمت، على عكس مثيلاتي، ضحايا التحرش الجنسي وكان قد كان المقابل جزاتي واتهامي بالتعدي على رجل مسن غير مهذب ، لذا يُكتم صوت الحقيقه وهنا وثيقة إحتجاج ضد المجتمع وإزالة الأقنعة الزائفة فلا يوجد مجتمعا فاضلا وطاهرا ومثاليا كما نصور أنفسنا نحن المجتمعات الشرقية الذي دائما وابدا يكون الحل بالنسبه إليهم الصمت عن الحق كما يتطلب مننا "صمت الفتيات" 


يتبع