الفصل الثاني عشر - صمت الفتيات
الفصل الثاني عشر
أطلق إسماعيل سؤاله بقلق ، وملأت لهجته الحيرة نبرة صوته عندما لاحظ صمت أحمد طال خطيب ابنته ريحانة ، ولولا جريمة ريحانة لكانت زوجته الآن.
=مالك يا ابني هتفضل ساكت كثير عاوز تقول ايه ومتردد كده
مط أحمد شفـ تيه السفلي للامام بتلعثم وقلق ثم قال بصوت متردداً
=انا مش عارف ابدا منين الكلام يا عمي بس بصراحه ريحان حطيتنا كلنا في وضع صعب جدا واللي مصعب الموضوع اكثر انها مش عايزه تتكلم ولا حتى تقول مبرر واحد يخلينا حتى نسامحها ، حتى لما طلبتني في الزياره فكرت انها هتتكلم أخيرا وكان عندي امل بس خيبت املي في الحقيقه لثاني مره.. وهي بصراحه في اخر الزياره طلبت مني اني اشوف حياتي و انساها
ليحرك رأسه برفض واسرع بالقول ناهي باعتراض غير حقيقي وهمية قائلا
=بس انا اكيد مش هعمل كده يا عمي واسيبكم في ظروف زي دي و...
اخذ اسماعيل نفس عميق ليقول بعد تنهيدة يقاطع حديثه بصوت صارم
=اسمع كلامها يا احمد وسافر ..خلاص يا ابني الظاهر ان فعلا ما كانش ليكم نصيب في بعض والحكايه انتهت لحد هنا.
لوي أحمد شفتيه متعجبًا من حديثه وسلوكه ، وكان محرجًا في نفس الوقت عندما كشف إسماعيل عن نيته بالابتعاد عن ريحانة وتركها في تلك الظروف ليوفر اسماعيل عليه تلك الخطوة ، بينما عقدت نشوي حاجبيها حين كانت تجلس بجانب اسماعيل و تتابع الحديث بوجه باكي مصدوم بحزن..
ثم نظر اسماعيل إلي زوجته ليجد اثار دموع في عينيها البنية وعلي وجهه ملامح الألم محمله بخيبه الامل و قال لها زوجها بنبرة غاضبة ولهجه أمر
=نشوى قومي هاتيله حاجته والدهب يلا من جوه ، ربنا يوفقه في حياته ويعوضة بالاحسن أن شاء الله
❈-❈-❈
في اليوم التالي، فتحت احدى السجانات باب العنبر ودعت بصوت عالي "ريحانه عبد الرحيم" دب الفزع في أوصالي لكني لم اظهر ذلك بدلته بملامح جليديه وانتفضت على صوت السجانة تامرني بالقدوم ،هب جسدي بملامح شاحبة وأنا انهض واتحرك داخل العنبر
و أمسكت بي السجانة بقسوه متوجهه بى الى الضابط المناوب الذي أمر السجانه بتركي معه بمفرده.. تفحصني بنظرات جامدة و ملامح وجهه كانت متهجمة، وبعد فتره ليست بالقليله تحدث قائلا بخشونة
= البيه المامور وافق على طلبك وشويه والصحافه على وصول وادينا نفذنا طلبك وانتي كمان مطلوب منك تنفيذي وتحكي اللي حصل وتتكلمي.
فور سماعي كلماته تلك شحب وجهي بشدة وقد تجمدت الدماء بجـ سدي وظليت صامتة اتطلع اليه باعين متسعة ممتلئة بالفزع حيث لم اصدق ان بهذه السهولة وافقوا! تسارعت نبضات قلبي خوفاً فور إدراكي بان الجميع سيعرف قصتي كما اريد؟ اخذت ضربات قلبي تقصف داخل اذني من شدة الخوف والقلق فردت الفعل بعد أن أتحدث بالتأكد لم تكون جيدًا! اخفضت رأسي محاولاً إيجاد طريقة للخروج من مأزقي ، لكني لم أجد! صحيح اني اريد ان يعرف الجميع حقيقتي وأنني ليست مذنبه بل الضحيه! لكن خائفه من القادم ثم هززت رأسي ببطء مستسلمة لما سيأتي
ضغط على الجرس الموجود بجانبه وأتى إليه احدى السجينات و امرها بان تضعيني في غرفة أخري بجانبه عليها حراسة فهمت أن المقابلة ستتم هنا داخل هذه الغرفة الصغيرة.. نظرت حولي عدد لحظات لي أري غرفة صغيره جدا طولها وعرضها لا يتجاوز مترين ونصف وغير صالحه لاستخدام الآدمى لا يوجد بها سوى طاولة متوسطة الحجم وكرسيان أمام بعضهما وفي النصف الطاولة ... ثم رأيت لوحًا زجاجيًا كبيرًا داخل الحائط! لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً لمعرفة ما كان يحدث وراء ذلك ، لكنني لم أهتم ، ولم أتفاجأ أيضًا
مرت ساعة وأنا منهمكة تماماً في التفكير حتى أني تغافلت عما كان يشغلني ، ولَم انتبه الا عندما سمعت طرقات علي باب الغرفة وصوت أحدهم يتحدث مع العساكر الذي يقفوا في الخارج علي باب الغرفة... شعرت بالارتباك بضع ثواني ثم أنبت نفسي علي خوفي الدائم و التخاذل سريعاً هكذا ، وحاولت التماسك او هكذا هيئت لي نفسي
بضع ثواني تفصلني عن قول الحقيقه اخيرا دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليه ، معدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرني الا يكفيني ما أنا فيه ، انخفض بصري و استمريت اتطالع أمامي في الفراغ وكأنه طوق النجاة لي ، حتي سمعت صوت شخص وهو يتحدث بصوت منخفض في البدايه لم أهتم ولا أسمع شئ منه!
أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن وشعرت بأني سانهار ،ولكني كنت علي علم بما سيحدث و لَم يكن عليه سوى أن اعيد لذهني لمحات من الواقع ، وأنا ارفع بصري نحوه بهدوء شديد وثبات لاجد شاب في مقتبل العمر السابع والعشرين تقريباً بجسد عادي ليست رياضي او مفتول العضلات وملامحه شديدة الوسامة .. ولديه شعر بني طويل يصل إلي مؤخرة عنقه.
تقدم وجلس في الكرسي المقابل ، وهو يجول ببصره في المكان بعدم رضي ثم قال
=مساء الخير، انا الصحفي حمزه العطار إللي ان شاء الله هتابع معاكي وانشر قصتك
لم أجبه واتسعت عيناي بدهشة وغضب ، لأني أردت شابة صحفيه وليس شابًا! أنا لا أريد أتعامل مع الرجال ، فلا ينقصني ذلك. هربت منهم في الخارج لأجده أمامي هنا؟ أما حمزة فقد شعر بالإحباط والزعل عندما شاهد فتاة حسناء في العشرينيات من عمرها داخل الحبس فقد أضاعت مستقبلها بنفسها، هتفت بهجوم قائله
= انا طلبت صحفيه مش صحفي راجل؟ انا عاوزه بنت او ست كبيره ذيي مش أنت!
عقد حاجبيه باستغراب وقد شعر بالدهشة وهو يجيب عليه قائلا
=طب وهي هتفرق في ايه معاكي اذا كنت راجل ولا ست؟ ما انا في النهايه هاساعدك واعمل اللي انتي عاوزاه وانشر قصتك للناس
ضغط على أسناني بضيق شديد بينما تنحنحت بخشونة قبل ان اغمغم بحدة واقول
=مش عايزه اتعامل مع جنس راجل اهو كده وخلاص ممكن لو سمحت تقول ليهم يبعتوا لي واحده ست
صمت ثواني ونظر إليه قبل أن يتحدث قائلا بهدوء
=انا اعتقد لو خرجتي من هنا وما قلتيش حاجه مش هيسمعوا كلامك وهفتكروكي انك قصده تحوري وتعملي من اي حاجه مشكله عشان تضيعي وقت زي ما هم فاكرين برده لما طلبتي الصحافه تتدخل في الموضوع.. معلش تعالي على نفسك واتعاملي معايا ولو شفتي مني اي حاجه تضايقك اطلبي مني بكل هدوء تاني وانا اللي هامشي من غير اسئله.. تمام
صمت وأنا أشعر أن الحق معه فأنا لا أريد أن تضيع هذه الفرصة فهم لم يعطوني غيرها بالتأكيد للحديث، أفقت علي صوته قائلا بجدية
=ده لو فعلا يعني مشكلتك تستحق تتنشر وانتي فعلا عاوزه تتكلمي مش بتضيعي وقت زي ما حضره الضابط واللي معاه فاكرين كده.. فـ متهيالي الوقت اللي هيضيع هيكون مش لمصلحتك انتي الوحيده إللي فينا بالذات
نظرت إليه نظرات ميلئة بالغضب فهكذا يعتقد الجميع اني اخترع قصص وهميه لتضييع الوقت لا اكثر! اذا عندما اتحدث بالحقيقه ماذا سيقولون؟ ..تنهت بانفس متثاقلة وعيناي ملتمعة بالدموع وأنا اهمس بألم و خوف
=وانا اللي هيخليني اعمل كده واضيع وقت ما انا عارفه كويس اني سواي اتكلمت او ما اتكلمتش! حكم الاعدام هيتنفذ وانا خلاص وصلت للمحطه الاخيره في الحياه.. بس فكرت ان ما ينفعش بعد ما اموت تفضل الناس تفتكرني بالسيره الوحشه وتظن فيا الظن الوحش.. ما ينفعش افضل طول الوقت انا الوحشه وهم الكويسين الملائكه وتفضلوا تدعوا لي بالرحمه والمغفره وأنا اللي تدعوا عليا
ثم نظرت إليه بعيناي متسعة بالارتباك بينما الوى أصابع يدي بتوتر وضعف
=وغير الاهم من كل ده مش عاوزه حد يعيش نفس تجربتي او هو فعلا عايش نفس التجربه ومش لاقي حل زيي ولا عارف يعمل ايه ولا يتصرف ازاي؟
تسارعت انفاس حمزه و احتدت بشدة و هو يراقبني باهتمام و يسمع كل كلمة مما اقولها لكن لم يفهم الحقيقه التي اتحدث حولها؟ لكنه شعر بالغموض نحوي حين كنت أتألم بشكل جعل قلبي يرتجف خوفاً ولم اتحمل وانفجرت باكية وجسدي يهتز بقوة و قد بدأت اتذكر ذكريات من الماضي الاليم وجزء من معاناتي و محاولاتة في لمس جـ سدي! همست برعب وبتانيب ضميري رغم ما كان يفعلة معي
=مع اني عارفه ومتاكده ان انا شبه هفتح عليا ابواب جهنم وهعذب ناس معايا لما يعرفوا الحقيقه وفي اللي مش هيصدقني اصلا .. رغم عارفه برضه ان انا غلطانه لما لجات للحل ده وقتلت
توقفت عن الحديث لحظات لاخذ انفاسي بصعوبه من كثره بكائي ثم تابعت حديثي وضمت يدي الي صدري هامسة بصوت مرتجف و الخوف يملئ عيناي بينما جسدي يهز بقوة وقلت بنبرة متألمة
=بس عاوزه اريح ضميري ممكن كلامي يفيد ناس و ربنا يغفر لي اللي انا عملته رغم انه الوحيد إللي شاهد وعارف انا عملت كده ليه و كانت نيتي ايه.. وأنا إللي ضحيه مش هو!!.
شعر حمزه في تلك اللحظه بالحيره والشك نحوي وهو لا يعلم هل اتالم بالفعل ام احاول اسير عاطفته ومع ذلك حمحم قائلا
=تمام اتفضلي انا سامعك عاوزه تحكي ايه؟ وايه اللي عاوزه تحذري الناس منه من قصتك.. احكي وصدقيني لو فعلا مظلومه او نيتك خير زي ما بتقولي انا هساعدك وانشر قصتها.. يلا هتبداي تحكي من اول فين؟
امتلئ قلبي بالألم شاعرة لأول مرة في حياته معنى انه اكون ضعيفه و اعاري نفسي امام المجتمع حتي اثبت براءتي! أو دوافعي لفعل ذلك، همست بصوت متحشرج ملئ بالألم
=عندك وقت طويل تسمعني عشان الحكايه بتدات من وانا عندي خمس سنين.. آآ مالك سكت ليه؟
رفع رأسه وتطلع فيه قليلا وهو يحاول فهمي جيدا وقال بحيره
=ابدا بحاول افكر اللي ممكن يكون حصل لك وانتي في السن ده عندك خمس سنين.. سن صغير جدا على انك توعي للحياه واللي بيحصل
أجابته وانا امسح بيدي علي وجهي مزيلة الدموع العالقة بوجع اشعر بي داخلي حين بدات ارجع بذاكرتي من البدايه فقد كانت جميع الأحداث مرهقه و استنزافت نفسياً اكثر من جسدياً... انسابت الدموع من عيناي بينما شعور من الخوف يقبض على جسدي
و بعد عدة دقائق... قلت بصوت مختنق لاهث
=نصيحه مني ما تحاولش تفكر في اي حاجه هحكيها ليك او تخلي عقلك يودي ويجيب لاني مهما تحاول تفكر كتير هتجيب كل اسباب إللي في الدنيا الا الحقيقه اللي انا هحكيها دلوقتي.. عمرها ما هتخطر على بالك لا انت ولا هم؟
تنهد بقله حيله وإحباط من فهم ما أحاول الوصول إليه وقال مستسلم
=طب ما تحاولي ترضي فضولي وقولي اللي حصل وانا هحاول ما افكرش كتير واركز معاكي من البدايه.
ضميت بيدي حجابي بأحكام أكثر أعلي راسي وشعرت بالخجل والتوتر كان شعور مرير بالعار وكاني ساعري نفسي امام الجميع .. ثم نظرت إليه بتردد قليلا وكان بيني وبين نفسي حروبٌ صامتة حاولت أن أبدأ بالسلام لتنتهي المعركة داخلي وبدات بالحديث.
يـتـبـع