رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الرابع والعشرون
رواية صمت الفتيات بقلم الكاتبة خديجة السيد
الفصل الرابع والعشرون
رواية
صمت الفتيات
كنت أسير بخطوات بطيئه بتثاقل شديد بعد انتهائي من يوم العمل الشاق وبعدها دلفت بداخل المترو لاذهب الي المنزل تمنت لو بعد لحظات قصيره جدا اجد نفسي في المنزل من كثر التعب الشديد الذي اشعر به حتى اسقط على فراشي واسافر في سبات عميق.
كنت مرتدية بلوزة حريرية باللون الكشميري و بنطلون أسود قماش واسع قليلا واحمل حقيبة يدي صغيرة بنفس لون البلوزة، مع الحجاب الاسود يغطي خصلات شعري و وجهي الطبيعي دون تجميل.
نظرت حولي ولما اجد مقعد خالي بداخل المترو ولم افكر في الامر كثيرا حيث تقدمت لا اقف بجانب زوايا اسند عليها بظهري، وانا افرك وجهي وتنهدت بثقل وقد تذكرت احداث اليوم في المدرسه التي اعمل بها مدرسه فنون جميله وقد كانت هذه الرحله وهميه بالنسبه لي قبل سنوات فقط، فعندما التحقت بالكليه بعد اتمام تعليمي بالثانوي اجتاحت لمجهود جبار مع والدتي وابي أيضا، حتي يتركوني اكمل مسيرتي التعليميه كما افضل واحب انا، و جاء الجهد الاكبر حين قررت الالتحاق بالجامعة وكان اقناع والدتي بالذات ليس بالهين بتاتاً لانها كانت تعمل مدرسه ايضا لكن لغه عربيه، لذلك كان لديها امل كبير ان التحق بنفس الوظيفية واكون مدرسه لغه عربيه مثلها، لكن أنا كان لي راي اخر وقد احببت مهنه الرسم منذ طفولتي، وبعد معاناة فأنا الابنه الوحيده لهم وافقوا على ذلك.
وسرعان ما ظهر طيف مشوش داخل عقلي و اخذت أتذكر احداث طفولتي التي لم احب ان اتذكرها يوماً مطلقاً التي تسببت لي بالكثير من المعاناه والجروح التي لم تشفى حتى الان؟
ولا تفارق عقلي ابدا لذلك دائما اصبح شاردة الذهن وبصحه غير جيده وعدم اتزان نومي في الفتره الاخيره، وما هو يؤلمني اكثر انني لم استطيع البوح بما داخلي؟ لمن؟ أو لماذا أتحدث اذا كان الوضع سيستمر كما هو دون تغيير!
أفقت فجاه على صوت رجل يتحدث بخشونه بجانبي إلي لم انتبه في البدايه ماذا يقول؟ لكن عندما نظرت اليه وجدت رجل في عمر الخمسون تقريبا لكن كان يبدو عليه الشيب المبكر وملامح وجهه الظاهره بها تجاعيد، ابتسم بطيبه وهو يقول بنبرة حنونه
= مالك يا بنتي سرحانه في ايه عمال انده عليكي شكلك تعبان قوي تعالي اقعدي جنبي في مكان أهو، وبعدين شكلك تعبانه خالص،
تعالي يا بنتي اقعدي جنبي انا زي والدك
تطلعت فيه مترددة قليلا وهو يبادلني النظره بحنان وابتسامه دافئه، تقدمت نحو المقعد في صمت بعد أن شكرت الرجل بامتنان شديد فانا حقا كنت بحاجه الى الاسترخاء، وجلست بتعب شديد أعلي المقعد وأنا أغمضت عيني اتنفس بهدوء واستمرت في فرك كتفي من الالام الذي اشعر بي، وبعد عشرون دقيقه تقريباً شعرت بشيء لم يكن غريب عليه؟
فانتفض جـ ـسـ ـدي وكنت خائفه تماماً وفتحت عيني علي واسعها ولم اتجرا على النظر إليه، حاولت ان ابتعد بهدوء وصمت حتى اتفادى ما يفعله بي دون أي حديث قد ينكأ جراحي، وقلت إلي نفسي من الممكن ان اكون اتوهم لا اكثر! وقلت الى نفسي من المستحيل ان يفعل رجل بهذا العمر شيء كذلك.
لكنه لم يتوقف بل فعلها مره ثانيه وقد تمادي أكثر وحاولت مره ثانيه و ثالثاً ان اتفادى اكثر من مره ولكنه كان هو شبه لديه اصرار رهيب علي لمـ ـسـ ـي، اخذ رعبي يهدأ قليلاً وانا اقنع نفسي انها مجرد تهيئات ولكن اي تهيئات تلك؟! حين شعرت بلمـ ـسـ ـات خفيفه علي طول ذراعي بينما بدأ الأمر يتمادى أكثر و أكثر وهو يصدر صوت مقرف بتلذذ وتمهل وكأنه يستمتع بما يفعله
لم اعلم هل انهض؟ أم اظل جالسة حتى يتوقف هو من نفسه؟ شعرت بالارتباك بضع ثوان ثم أنبت نفسي علي التخاذل سريعاً هكذا وحاولت التماسك او هكذا هيئ لي، أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن شعرت بأني سانهار حتما، لا اريد ذلك ان يحدث لي مره ثانيه واستقبل ذلك كعادتي بالصمت الذي لم يفيدني مطلقاً بل على العكس تماماً يضرني اكثر واكثر.
حاولت ان اقاوم من داخلي رغبتي في الاستسلام ولم اعلم كيف اتت من الجراه وامسكت يده بعنف حتى يتوقف، ونظرت له حتي تنبه الراجل العجوز وهو يلتفت نحوي وشعرت باحتياج للتأهب لما قد يحدث ولكن عندما تلاقت الأعين ،كانت نظراته كفيلة بأن تبوح بكل شيء لم يعد هناك أي داعي للحديث أو الشك لما يحدث الان؟ فهو الان بالفعل
يتـ ـحـ ـرش بي؟ يتـ ـحـ ـرش بـي شابه في عمر ابنته تحولت نظراتي إليه إلي اشتمزاز وقرف وانا عقلي يحاول استوعب الأمر؟ لكن ما تألمت لاجله هو نظراته إلي كانت قويه جدا لم يهتز كانه لم يفعل شيء مخجل أو محرم؟ وانا المجني عليها خائفه منه بشده كذلك، وسالت نفسي الى متى سيظل هذا الوضع يتم قتلي بالبطيء والمذنب هو من معه الحق؟ هل هذا هو عدل الله حقا حين قال استوصوا بالنساء فالبتاكيد لا؟ اذا لماذا ليس انا من معي الحق؟
❈-❈-❈
كان ذهني مشتت تماما ،افكاري مبعثرة في تلك اللحظة برعب وحيره، لذا حاولت أن استجمع كل قوتي قبل أن اخذ أي رد فعل، فيكفي الي هنا لقد صمت بما يكفي فيجب ان اكون في تلك اللحظه، صلبة.. قوية ..لا يجب أن اضعف، الحق معي انا الجاني عليها وليس المذنبه؟ وبعدها لم افكر في الامر ولا ثواني حين نهضت وصفعته على وجهه بكل قوتي!
ساد صمت رهيب بداخل المترو لكن انا عيني كانت مصوبه تجاهه هو فقط وانا ارى صدمه كبيره علي وجهه لكن لم تكن الصدمه من نصيبه هو فقط بل انا ايضا صدمت من نفسي ومن ردت فعلي اخيرا وقد اخذت حقي حتى لو لي مره واحده في حياتي؟ ولكن قبل ان افرح بانتصاري حدث شيء لم أكن اتوقعه في حياتي؟
أصدرت شهقه مصدومة عندما رأيت الرجل العجوز وهو يبكي مثل الاطفال فجاه دون مقدمات وبعدها بدا الجميع ينظر إلي نظرات دهشه وغضب عارم مني وتقدم رجل إليه وهو يقف جانب الرجل العجوز يحاول يهديه لكنه دون فائده فالرجل العجوز استمر بالبكاء بطريقه تثير العطف والشفقه تجاه ثم تطلع فيه الراجل الأخري بضيق شديد وقال بعدم رضي
=ليه كده يا بنتي حرام عليكي في حد يعمل في راجل كبير كده، عمل لك ايه بس كده؟
حاولت ان اشرح الامر بسرعه لكن اتسعت حدقتي بصدمه وعدم استيعاب وانا ارى سيدات تنهض بهجوم نحوي وأحدهم تصيح بعصبية حادة وعنف
=هو حضرتك لسه هتسال ليه كده يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيكي وفي اللي زيك احنا مش عارفين الجيل ده بقي ماله، ما بيحترمش الاكبر منه ولا بيحترم حد، وكمان وصلت بيكي تمدي ايدك على راجل كبير هنروح منكم فين ده احنا في اخر الدنيا
نظرت السيده الاخرى بنظرات مقرفه إلي وهي تتحدث بحده كبير
=على رايك والله ده احنا بنشوف العجب من بنات الايام دي بالذات قدك ده عشان تمدي ايدك عليه لا اله الا الله امال بتعملي ايه في امك وابوكي اللي مش عارفين يربوكي، قولي بقى عملك ايه عشان تعملي فيه كده.. ايه سرقك ولا عمل لك ايه يا مؤذيه عشان تضربيه بالقلم
ثبت وكأني كالصنم لا يستطيع التحرك ولا حتي تحريكه و ترفرف الدموع بعيني تلك اللحظه وأنا اري ان الجميع يدافع عن
المتـ ـحـ ـرش دون ان يعطوني الفرصه للتحدث حتى ولا يسمعوا اي مبررات لديه، حاولت الصراخ ولكن بلا فائده ايضا ..فقد عُقد لساني اخذ صدري يعلو ويهبط بعنف اشعر بتنميل في سائر جـ ـسـ ـدي والرجفه تتملك مني و قدمي لم تعد بإمكانها حملي لم اعلم كم ظليت علي حالي هذا ارتجف داخلياً واشعر بثقل انفاسي لا استطيع التنفس بشكل طبيعي واطرافي ترتعش خوفاً، فتحت فمـ ـي ودموعها تنسدل علي وجنتيها بخوف وذعر فلاول اول مره يحدث معي موقف مثل ذلك
=لا ما سرقنيش بس عمل الالعن من كده عمال يـ ـتـ ـحرش بيا ويمد ايده عليا أكتر من مره.. ده راجل مش كويس ولا محترم
نهض الرجل العجوز وإبتلع ريقه بصعوبة وهو يشاور علي نفسه بصدمه زائف ودموعه مزالت تتساقط بقوة ليقول بنبره مرتعشه وقد تيقنت الان أن الجميع معه وهو يحاول قلب الموازين لصالحه
=انا يا بنتي كلمتك ولا جيت جنبك ده انتي صعبتي عليا لما شفتك واقفه تعبانه ومش قادره تصلبي طولك من التعب، وقلت لك بكل حسن نيه تعالي اقعدي جنبي انتي زي بنتي تقومي تتبلي عليا اني بـ ـتـ ـحـ ـرش بيكي انا هعمل حاجه زي كده وانا في السن ده برده
دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليا ومعدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرهني ،الا يكفيني ما أنا فيه، أخفضت بصري وانا في حاله ذهول تاما لما الجميع يدافع عنه رغم انهم ليس معهم دليل، او اذا كان الدليل اني فتاه فذلك يكفي لهم؟ ظليت التهم الجميع بعيني وكأني أبحث عن طوق النجاة لي من اي شخص بين الموجودين بداخل المترو حتى لو واحد فقط يقف ويدافع عني لكني لم اجد مع الاسف الشديد غير دفاع بشكل رهيب ضدي انا! حتى اجبرت نفسي على الحديث لاكمل ما بداته وإجابت بصوت غير متزن بجفاء
=ايوه عملت اقسم بالله انت كذاب و واحد مش كويس ..هتروح من ربنا فين
نهض فجاه راجل في سن الاربعين نحوي ونظر لي بعينين لا يخضعان وقلب لا يلين بعطف نحوي و كانت نظراته مليئة بالتحدي والقوة حين ارتعش جفني و جـ ـسـ ـدي حين نظر لي بتحدي أقوي قائلاً بتهديد.
=يا بنت عيب كده احنا ساكتلك عشان انتي بنت وأنا بنفسي فعلا سمعت الرجل وهو بيقول لك تعالي اقعدي جنبي عشان صعبتي عليه، ممكن يكون بيتهيالك ولا حاجه وعيب تغلطي في واحد قد ابوكي
لترفع سيده أخري بصرها نحوي بغضب شديد وثبات قائلة بحده
=يعني دي جزات الراجل انه حب يعمل خير.. بس يا حاج بطل عياط حقك علينا احنا انت زي ابونا برده
اخذت الرجل العجوز يصرخ بكلماته وهو يهز رأسه بهستريا وببكاء حار حتي يتعاطفون معه
اكثر.
=والله يا ابني ما عملتلها حاجه والله يا جماعه وحياه بناتي صعبت عليا عشان كده قلتلها تعالي اقعدي جنبي وانت بنفسك سمعتني بقول لها كده، انا تتهمني بـ ـتـ ـحـ ـرش بيها وانا في السن ده و تهين فيا وتقول عليا كذاب.. هي الدنيا جرى فيها ايه بس الواحد بعد كده ما يعملش خير في البلد دي.. هاتوا مصحف احلف لكم عليه ان انا مظلوم وما
لمـ ـسـ ـتهاش ولا قربت من جنبها، صدقوني يا جماعه انا مش كذاب عيب لما عيله زيها تهني بالشكل ده ليه بس يا بنتي
حركت راسي بغضب وعدم تصديق لهذا الرجل العجوز وتصنعه الدائم فقد في لحظات انقلبت الموازين وأصبح هو المجني عليه، حاولت الصراخ مثلهم فأنا الحق معي ولكن أنعقد لساني وقد فاض بي الكيل ونظرت حولي مره اخري بشفاه مرتعشه
في حين هز أحد الموجودين رأسه بأسف شديد ثم تقدم نحو الرجل العجوز و امسك بيده وأجلسه علي الكرسي المقابل له، وهو يجول ببصره في المكان ثم قال بجدية وكانه يوجه للجميع رساله ان ما يحدث هذا عيب في حقنا احنا ايضا حتي يتحركوا.
=معلش يا راجل يا طيب تعالي اقعد جنبي انا، انت زي ابويا برده وما يرضنيش حد يهينك وانا موجود
ظليت ابحث في وجه اي شخص عن أي بارقة أمل ولكني لم اجد لكني شاهد شيء اخر المني أكثر، نظرات بعد الفتيات بعجز وقله حيله مثلي هم خائفون أن يتحدثون او حتى يدافعون عني، وقد عرفت قيمه المعاناه الحقيقيه التي تتعرض اليها الفتيات حين التحديث، وهو الخوف وعدم الامان من ردت الفعل بعدها هل سيصدقها احد ام سيحدث ما يحدث معي الان، لذلك عرفت لما كل فتاه تفكر مليون مرة قبل أن تتحدث! حتى لو كانت التي أمام سيده مثلي
فـ الصمت سيكون دائما هو ردت الفعل الينا.. فاذا كنت اليوم لاول مره تجرات وتحدث ودافعت عن نفسي فسوف أتراجع في التفكير بعدها اكثر من مره مثلهم حتي ابوح بما داخلي.. فالمجتمع هذا ما يريده صمت الفتيات وليست أنا.
وبعدها لم يعطيني أحد فرصه للحديث وجذبتني نفس السيده نحوها بقوه وعنف حتى كادت أن أسقط بالأرض من جذبها إلي وشعرت بالرعب الشديد في هذا الموقف لم انساه في حياتي ابدا، كان مؤلم وجع رهيب! ابشع ما تعرضت له في حياتي
وفي نفس اللحظه توقف المترو في محطه ما لينزل بعض الركاب لكن لم تكن هذه المحطه ما أريد الهبوط منها لي ارى السيده التي كانت تجذبني وتضغط على ذراعي بقوه شديدة دون عطف أو شفقه تجاهي و دون مقدمات كانت تدفعني للخروج للخارج المترو بقسوة شديدة وهي تصرخ بصوت غليظ
=هي وصلت بيكي كمان هتتبلي علي الراجل
منك لله يا شيخه إلهي ربنا يبتليك بنصيبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا على الظالم والمفتري.. يلا غوري من هنا و روحي شوفيلك اي مصيبه تانيه توصلك مطرح ما انتي رايحه داهيه ما ترجعك يارب
انغلق الباب وبدأ يسير المترو لبعيد وشهقت فجأع حتي كنت سوف أسقط لولا حاولت الثبات لكن كانت الآلام تملئ عيني وانا أري الجميع حولي ينظرون إلى بدهشة وفضول وكأني كنت اغوص تحت سطح الماء ثم خدلت قدمي تحتي ولم تقدر علي حملي لي اسقط علي الارض ودموعي تسقط بغزارة دون توقف وانا ابكي بصوت عالي باشفاق علي نفسي من الاهانه والذل التي تعرضت لهما.
وكل ذلك لاني خرجت عن القاعدة و كسرت الصمت، على عكس مثيلاتي، ضحايا
التـ ـحرش الجـ ـنسـ ـي وكان قد كان المقابل جزاتي واتهامي بتـ ـعـ ـدي على رجل مسن واني غير محترمه، لذا يُكتم صوت الحقيقه !! وهنا وثيقة إحتجاج ضد المجتمع وإزالة الأقنعة الزائفة فلا يوجد مجتمعا فاضلا وطاهرا ومثاليا كما نصور أنفسنا نحن المجتمعات الشرقية الذي دائما وابدا يكون الحل بالنسبه إليهم "صمت الفتيات"
يتبع...