-->

رواية صمت الفتيات - بقلم الكاتبة خديجة السيد - الفصل الثلاثون

 رواية صمت الفتيات بقلم الكاتبة خديجة السيد



تعريف الرواية


نبذه مختصره عن الروايه:- تبدأ الحكاية في نسق مشوق مع ظهور عروسة بفستان زفاف ملطخ بالدماء قد ارتكبت جريمة قتل وبعدها يتم القبض عليها ليلة زفافها؟ ويفشل المحقق أن يقنع العروسه بالتحديث وتستمر بالصمت فقط في ظل أحداث غامضة دون دوافع للقتل! و هكذا توصد كل الأبواب وتساق عليها؟ 


حتى كانوا لا يعرفون اسباب عائله المجني عليها وخطيبها الذي يصاب بصدمة كبيرة، وفي مجتمعاتنا الشرقية وتكون التأويلات كثيرة ويُصدر الناس أحكامهم ضد المتهم من لحظة الإمساك به، ويتشوق الجميع لرؤية القاتل معلقا بحبل المشنقة وباسرع وقت مما يدفع أجهزة النيابة والقضاء سرعة، فعندما تكون المتهمة امرأة وبأي قضية فلا أعذار لها ولا بحث عن الدوافع.


لكن فجأة تعاكس الأقدار ومع قرار المتهمه المفاجئ اخيرا بالتحديث لكن أمام الصحافه!! لكن ليس حتى تنقذ نفسها بل لانقاذ حياة اطفال ابرياء حتى لا يقعون مثلها في ذلك الفخ! و تبدأ بالسرد بما تستطع البوح به خلال طفولتها بما أصابها لتحمل طيلة عمرها عقدة الخوف والوحدة لتوصلها في نهاية المطاف إلى ذلك الحل حتي لا يقع غيرها بي، حتى لو اضطرت الي فضح نفسها؟ بصفتها قضية حساسة يرفض المجتمع علاجها خوفاً من الفضيحة والعار الذي سيلحق بالفتيات الصغار الغير مذنبات، مستخدمة نظرية العنف يولد العنف، والحل من وجهه نظرهم "صمت الفتيات"


لكن يا ترى ماذا سوف يكون رد فعل الاهالي والمجتمع وخطيبها على حديثها ذلك؟. 


تصنيف الرواية


اجتماعية، واقعية قضايا هامه، روايات مصرية روايات واقعيه 


حوار الرواية


عاميه، لهجة مصرية


سرد الرواية


الفصحي


❈-❈-❈

الفصل الثلاثون


جميع المشاكل بداخلي سببها هو أنني تظاهرت بالغباء عندما فهمت، وابتسمت وقت الحزن، والتزمت الصمت وقت الكلام.


لم اعد اشعر بشيء !! كنت اجلس صامتة بعد أن ودعت أبي و بينما المساجين يحدقون به بشفقة حقيقية والحزن يستوطن مكان داخلهم بتلقائية على تلك المسكينة.


حينها رفعت عيناي الحمراء لاعلى وانا أشعر أني داخلي جرح غائر.... غائر اكثر مما توقعت... شعرت أني ارى قناع جديد اتلبسه... قناع من الخوف يخفي كل بواطن الروح.... قناع كنت امتقعه هو دائمًا..... قبل ان اتحدث.. فأدركت في نفس اللحظة.... أنها بالفعل النهايه قادمه !!!! 


لم اتخيل يوماً ان يبتليني الله هذا البلاء لكن عليا الصبر والتصدى لهم والتضرع الى الله فالله خير حافظ ، كانت الايام فى الحبس تمر بطيئه جدا فالساعه اظن انها قد صارت سنوات ولولا الايمان الذي انبعث داخل قلبي بقضاء الله وبقدري، وقوة تحملي لكانت جثتي توارى الثرى من خلال انتحاري الا اني اخشى الله ،اخاف عقابه ومؤمنه بان هذا ابتلاء سيصرفه الله عني مهما طال!! أم أن القدر له رأى اخر؟ 


عند منتصف الليل.


كنت دائماً خارج السرب، لا أحد يعرف ما يدور في ذهني، لا أتعمق مع أحد، كأنما لي قضية أُخرى وأرض أخرى، وحرب لا تعني الجميع..!


فتحت مصحف صغير كنت احتفظ به منذ دخولي هنا وكان اللسان عامرا بذكر الله دوما ومن الادعيه التى ادعوها، ثم بدأت اهمس فى طياتي حتى لا ازعج أحد ويستيقظ وانا اتلاوة ايات الذكر الحكيم ومع اخر حرف اقراه كنت انتفض بجسدي بعنف و اشهق بالبكاء ودموعي تتساقط دون اراده مني.


فى تمام الرابعه صباحاً افقت من دوامة افكاري على صوت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر رددت خلفه بصوت منخفض وبعدها نهضت للصلاة وعندما جلست علي سجده الصلاة انهارت فورا علي الارض داخلي في نوبة من البكاء الهستيرى بألم و انفجرت باكية بشهقات طويلة مرتفعة.


حسنا أنا صبور، لم أفعل شيئا سوي الانتظار حياتي كلها.. لكن الالام اصبح حتما صعب عليه قوه التحمل.


بدأت أقول بصوت مكتوم باكي والقهر ينبثق منه بضراوة الفاتحة وبعدها إيه صغيره... ثم قلت متحدثه في السجود بهمس موجوع


= لقد اهلكتني الفوضى رتبني يا الله


❈-❈-❈


بعد مرور أيام خرجت نشوي من المستشفى بعد اصرار و الحيح كبير منها، وظلت بالمنزل على فراش ابنتها بداخل غرفه ريحانه كعادتها.. حتي في يوم استمعت الى صوت طرقات علي باب المنزل نهضت نشوي ببطئ تستند وتتحمل على نفسها لتفتح الباب لتتفاجئ به زبيده أمامها.. لتتذكر علي الفور ما فعله حمدي بابنتها وترمقها بنظرات حادة مشتعلة وحاولت السيطره على اعصابها هاتفه ببرود تام


= خير نعم 


تفاجات زبيده من اسلوبها الجاف معها لتقول بصوت متوتر وإحراج


= في ايه يا نشوي مش هتدخليني عايزه اطمن عليكم يا بنتي عاملين ايه واخبار ريحانه ايه 


ارتسمت فوق شفـ..ـتيها ابتسامة باستهزاء و هي تزمجر بشراسة و عينيها مشتعلتين بنيران الغضب


= بجد عايزه تطمني علينا ولا عايزه تطمني ان حق ابنك مش هيروح علي الفاضي ،لا ما تقلقيش المحكمه خلاص حكمت على ريحانه بالاعدام نامي مرتاحه خلاص دلوقتي حق ابنك اهو جاء لك.. مبسوطه دلوقت اهو ابنك دمرها في الدنيا مرتين مره ساعه اللي عمله فيها وهي صغيره ومره ثانيه وهي كبيره وهتتعدم بسببه وهو ما يستاهلش 


ليتجمد جـ..ـسد زبيده ويشحب وجهها ثم أخفضت عينها بحزن قائلة بألم حاد


= اللي انتي بتقوليه ده يا نشوى وانا هفرح في حفيدتي هو انتي مش عارفه ريحانه من صغرها وهي بالنسبه لي ايه، ربنا يعلم حبي ليها ما تهزش ولا اتشيل من قلبي حتى بعد ما قتلت ابني وقبل ما اعرف اللي فيها 


ظلت صامتة دقائق تتطلع إليها باعين دامعة ممتلئة باليأس والإحباط هاتفه بصوت مرتجف


= وهو زعلك هيفيد بحاجه ما خلاص اللي حصل حصل والبنت بتروح مننا ومش عارفين نعمل ليها حاجه، ادينا كلنا بنتعلم من اخطائنا.! في الاول كنت مكسوفه اجي اعزيك واقول لك شدي حيلك وسامحيني على وجع قلبك في ابنك.. انما دلوقت ولا طايقه اي حد منكم اشوفه ولا اسمع سيرتكم ابعدوا عننا وسيبونا في حالنا بقى كفايه اللي حصل لبنتي منكم


كانت لازالت محتقنة تتطلع اليها بنظرات مشوشة غائمة مما جعل قلب زبيده ينقبض بقوة شاعره بألم يكاد يحطم روحها الي شظايا عندما وصل الي مسمعها صوت شهقات بكائها الحادة وهي أمامها..بينما همست بصوت منخفض


= افهم من كده انك مش عاوزه تدخليني


ممررت يدها بعنف فوق وجهها تزيل الدموع العالقة بوجنتيها مبتلعه بصعوبة الغصة التي تشكلت بحلقها


وهي تتطلع امامها بنظرات شبة غائمة مما جعل ضيق غريب يستولي علي زبيده فهي بحياتها لم تراها بهذا الضعف او الحقد الذي أصبح يملا قلبها تجاه ابنها حمدي لكنها تعرف انه يستحق هذا الكره هو الحقد من الجميع وليس هي فقط ،لتغمغم نشوي بحدة لاذعة


= مش هقدر ومش عاوزه ، واذا كنتي جايه تطبطبي  عليا وتقول لي كلمتين عشان اهدى مش هيحصل ولا نار هتهدى وابنك عمري في حياتي ما هسامحه وكل ما بفتكره واللي عمل في بنتي ما بعملش حاجه غير أنه ادعي عليه من قلبي أن ربنا ينتقم لي منه ويجيبلي حق بنتي.. غير كده مش عاوزه منكم حاجه مش طايقه حتى ادخلك وبعد ما تمشي ارجع اشم ريحه ابنك ثاني في بيتي.. امشي من فضلك وسيبينا في حالنا سيبيني في همنا اللي مش قادرين عليه 


تراجعت زبيده للخلف بينما القت هي عليها نظرة خاطفة بعينيها المحتقنه قبل ان تتحرك نحو الداخل تاركه باب المنزل مفتوح و زبيده لازالت واقفه بينما تحدق بالفراغ بنظرات مليئة بالبؤس والندم قبل ان تتركها و تغادر بصمت..


❈-❈-❈


تفاجات بقدوم العسكري ياخذني من العنبر الى الزياره توقعت ان يكون ابي او امي لكن عندما دلفت وجدت زميلتي فريده بالمدرسه، اتسعت عينا بصدمه وقلت بعدم تصديق


= فريده


وقفت بداخل الصف ثم استدارت الى الطلاب الصغار وهم يجلسون في المقاعد وينظرون اليه بتركيز واهتمام وأنا اهتف بجدية شديدة وأقول بتحذير 


= جـ..ـسمي ملكي انا وبس.. وممنوع حد يلـ..ـمسني في اي مكان حساس واذا حصل المفروض نقول لا ..ولو حد حاول ضروري تقولوا لحد من اهلكم وتحاولوا بدل المره 10 و لازم توصلوا المعلومه دي لاهلكم ان في شخص قريب منكم بياذيكم..


كنت دائما في كل نهايه حصه مع التلاميذ اخصص اخر 10 دقائق لهم لي اتحدث معهم في هذه الامور حتى اواعيهم باساليب هادئه و بجدية من التـ..ـحرش الجـ..ـنسي! لا اعلم لماذا كنت مهتمه بذلك، لكن كنت سعيده لفعل هذا، ربما كنت افعل شيء تمنيت ان يحدث لي عندما كنت صغيره ولم اجد أحد جانبي ولا يفتح عيني على هذه الامور ويحذرني احد كيف التصرف؟ ابتسمت لهم بحب وقلت 


= يلا لسه فاكرين الاغنيه اللي علمتها ليكم ..سمعوها مع بعض


بداوا الطلاب يهزوا رؤوسهم بالايجابي بحماس وبصوت عالي بنفس تون الكلمات مع بعض بطريقه منتظمه حتى توضح قائلين


= احمي جـ..ـسمي.. في جـ..ـسمي منطقه شخصيه لا اسمح لي احد اخر بلـ..ـمسها حتى اصدقائي وللطبيب ايضا فقط اسمح لي امي .. واذا لمـ..ـسني شخصا رغم عني ادفعه بعيدا عني


بعد انتهاء الحصه بداخل مكتب الزميلات المعلمين جلست فريده امامي قائله بصوت منخفض حتى لا يسمعها احد


= مش ناويه انتي تجيبيها لبره يا ريحانه وانا جنبك بدي الحصه للاولاد سمعتك وانتي بتتكلمي معاهم ..يا حبيبتي انتي مدرسه فنون جميله تعلمي الاولاد ازاي يرسموا مش اللي بتعمليه ده، صدقيني هتجيبي لنفسك الكلام، لو اي حد من المدرسين ولا المديرة عدت جنب فصلك دلوقت وشفتك بتتكلمي في حاجه زي كده مع الاولاد مش هتسكت ومش بعيد ترفدك لانها هتفهم الموضوع غلط


عقدت حاجبي وانا انظر اليها بدهشه وهتفت بحده


= هو انا بعمل ايه غلط عشان اتعاقب عليه ما انا بعلم الاولاد الرسم ومعاهم اول باول واخر 10 دقائق من الحصه ببدا اتكلم معاهم كل يوم في المواضيع دي ولازم نوعيهم.. احنا بقينا في مجتمع صعب يا فريدة وبعض الاهلي للاسف بينسوا الجزء ده في تربيتهم لاولادهم رغم أن اهم نقطه انهم يواعوا اولادهم من موضوع حد يقرب منهم، مش يستنوا لما تحصل المصيبه و يبداوا ياخذوا حظرهم، لازم احمي الطفل واتجنب في المستقبل اي حاجه زي كده تحصل


تنهدت فريده بقله حيله ويأس هاتفه 


= ربنا الحافظ أن شاء الله .. بس اعتقد الكلام ده المفروض الاهلي بس هي اللي تقوله لاولادها 


ابتسمت داخلي ساخره بألم حاد قبل أن اتحدث بخيبه أمل 


= واذا الاهالي نفسها ما اخذتش بالها ولا فكرت تحذر اولادها وتكلمهم في حاجه زي كده؟ يبقي هيعرفوا منين؟ اعتقد لازم نبدأ نفكر ندخل الحاجات دي في مناهج التعليم عندنا.


نظرت إليه فريده بابتسامه عريضه قبل ان تقترب مني وتحـ..ـضني بقوه وانا ايضا بدلتها الحـ..ـضن لا اسمعها وهي تقول باشتياق


= ازيك يا ريحانه عامله ايه وحشتيني قوي كان نفسي اعرف اوصل لك واشوفك من ساعه ما عرفت اللي حصل.. ما تتصوريش كلنا عاملين ازاي في المدرسه من ساعه لما عرفنا اللي حصل وكان نفسنا نيجي كلنا و نزورك والله لولا انه كان صعب يسمحونا بالزياره كلنا كنتي هتلاقي المدرسه كلها عندك هنا


ابتعدت عنها وعيني قد التمعت بالدموع وهتفت بارتجاف


= انتي كمان وحشتيني عامله ايه واخبار المدرسه والاولاد ايه؟  


هزت راسها مبتسمه وهي تقول بصوت حزين


= كلهم كويسين وبيسلموا عليكي وبيقولوا لك ربنا معاكي وانهم مش ناسيينك وبيدعوا ليكي علي طول


هززت برأسي بصمت وانا امسح دموعي بينما أردفت هي بصوت مبهج


= انا شفت الفيديو بتاع المحكمه منتشر على التواصل الاجتماعي بطريقه رهيبه وكثير مننا شفناه ومحققه نسبه مشاهدات عاليه.. انتي لخصتي بكلامك ده كل اللي بتعاني منه البنات في مجتمعنا شكرا يا ريحانه على الكلام ده وربنا معاكي في اللي جي... استمري يا حبيبتي ما تقفيش خلينا يبقى لينا صوت بقى والموضوع ده يبقيله حل وانتي اول واحده هتكوني بداتي وكسرتي قاعده الصمت البنات


عقدت حاجبي بدهشة وعدم تصديق


= انا كنت عارفه انهم بيصوروني بس ما كنتش عارفه انهم بيصوروني فيديو ونزله كمان الفيديو على التواصل الاجتماعي.. هو للدرجه دي قصتي انتشرت بسرعه؟ 


ابتسمت فريده ابتسامه صغيره وهي تقول بتاثر 


= هو الفيديو وبس يا ريحانه الدنيا مقلوبه عليكي بره، ناس كثير بتنشر قصتك ومهتمه انها تعرف ايه اللي حصل و مهتمين كمان انهم يوصلوا لكل البنات والاهالي رساله من قصتك عشان ما حدش يسكت ويقع في نفس اللي أنتي وقعتي فيه.. قصتك بقت ترند على التواصل الاجتماعي في بلاد كتير يا ريحانه ومفعلين هاشتاج باسمك كمان وبيطالبوا بي براءتك 


صمت لحظه وتذكرت ان كل هذا بالتاكيد بسبب الصحفي حمزه عندما كان ينقل اخباري للخارج ليدعي الجميع الانتباه الى قصتي والاخذ منها الجانب الجيد، وهذا ما قد حدث بالفعل واصبحت حديث الجميع لتنتشر قصتي بينهما والبعض يخاف من السكوت.. ربما تحدث معجزه ويكون اختيار الصمت عند التحرش اخر مرحله قد تلجا اليها أي فتاه وتلجا اخيرا لاخذ حقها بالقانون.. نظرت إلي فريده وعلي فمي ابتسامه سعيده داخلي انني قد حققت جزء من احلامي اخيرا حتى اذا بعدها سوف ينفذ حكم الاعدام عليه لم يعد يهمني


= ما تعرفيش فرحتيني بكلامك ده قد ايه عشان انا يوم ما فكرت أنشر قصتي كنت عشان كده و كويس الناس كلها بقت تاخذ حذارها وتخاف يحصل ليها نفس اللي حصل لي.. يا ريت المجتمع والاهالي يعرفوا اننا بسبب السكوت ده بنعاني قد ايه 


❈-❈-❈


بداخل كافتيريا أسفل منزل إسماعيل كانت تجلس مني شقيقته في انتظاره بعد ان اتصلت به لتخبره انها تنتظره بالاسفل حتى لا تزعج زوجته و تصعد اليه، وبعد فتره وصل اسماعيل وتقدم يجلس بجانبها على المقعد، ابتسمت مني له ابتسامه صغيره مردده


= ازيك يا اسماعيل عامل ايه انا اسفه ان انا نزلتك من بيتك في وقت زي ده، بس كان نفسي اطمن عليكم ومش عاوزه اروحلك البيت عشان مراتك ما تزعلش وما ترضاش تدخلني زي ما عملت مع ماما 


صمت بضيق وهو يتذكر ما فعلته زوجته في والدته وهي من اخبرته بنفسها انها لم تعد تريد اي احد من عائلته بداخل منزلها فهي لم تعد تثق في احد منهم بعد الآن وهو لم يقدر على الاجابه حينها فماذا سيقول وهو يعرف انها معها كل الحق لم تثق في احد بعد الآن.. إبتلع الغصة التي تشكلت بحلقه حتي لا ينهار جدار القوة الذى يظهره أمامها قائلا


= لا يا منى ولا يهمك و ما تزعليش من نشوي هي والله الايام دي تصرفاتها بقت غريبه وتعبانه على طول من تأثير الصدمه واللي بيحصل لينا، وانا كمان مقصر معاكم بس حقيقي مش قادر الفتره دي اقابل اي حد


امسك بيده التي فوق الطاولة مقرباً اياها منها وهي تغمغم برفق محاولاً تهدئته


= حقك يا حبيبي وحقها انا مش زعلانه منها ولا حتى ماما احنا مقدرين اللي هي فيه والله يكون في عونكم انتم الاثنين ويقويكم على اللي جاي..و ربنا يسترها على ريحانه وان شاء الله تخرج من المحنه دي على خير 


أردف اسماعيل بصوت مهتز مختنق و شـ..ـفتيه ترتجف في قهر بينما الالم الذى يشعر به بداخله يكاد يحطم روحه الي شظايا


= يا رب يا منى يا رب املنا كلنا في ربنا دلوقت 


كادت مني أن تبكي وتنهار وهي تري ضعف ووجع شقيقها بهذا الشكل لاول مره في حياتها تراه هكذا لكن تعرف ايضا ان الالام فاقت قوه الاحتمال، بينما حاولت التماسك وقبضت على ذراعه قبل ان تقول بصوت لاهث يملئه التوتر والخوف


= هو انت زعلان مني ومن ماما يا حبيبي عشان اللي عمله حمدي 


نفض يده بعيداً عنها هاتفاً بقسوة تعاكس الانكسار الذى يتصدع بداخله


= منى الله يكرمك ما تجيبيش سيرته قدامي انا اللي فيا مكفيني انتي مش عارفه انا بس كل ما افتكر صورته في دماغي ايه اللي بيحصل لي انا بقيت باتمنى كل يوم ان يكون عايش وانا اللي اقـ..ـتله بيدي وادخل السجن بدل بنتي.. وانتي ما لكيش ذنبي في اي حاجه


ليكمل صاح بصوت مرتجف ملئ بالألم


= خلاص ما بقاش لي اخ من ساعه ما عرفت اللي عمله في بنتي، انتي الوحيده اللي اختي وبس يا مني وانا ما بقاش لي اخوات غيرك 


❈-❈-❈


في منزل إسماعيل جلس حمزه أمامهم بالغرفه الضيوف، أبتسم حمزه قبل أن يغمغم بصوت مرتجف


= انا اسف لو جيت من غير ميعاد بس كنت عايز اطمئن على مدام نشوي انا رحت ليها المستشفى بس عرفت انها خرجت وما لحقتش اطمن عليها 


رفعت نشوي وجهها اليه مرغمة شفـ..ـتيها علي الانفراج و رسم ابتسامة بهدوء مغمغمة بامتنان


= متشكره يا ابني كثر خيرك اسماعيل حكيلي اللي انت عملته معايا لما اغمى عليا هناك في المحكمه كثر خيرك يا ابني 


هز رأسه حمزه بسرعه قائلا بابتسامة صغيره


=ما تقوليش كده انا ما عملتش غير الواجب، المهم اخبار صحتك ايه وليه خرجتي من المستشفى بدري اعتقد ان حالتك كانت عاوزه اهتمام اكثر من كده شويه 


رفع اسماعيل رأسه ينظر إلي زوجته بعتاب هاتفاً بحنق و غضب


= قول ليها يا ابني غلبت معاها انها تفضل في المستشفى ما رضيتش وكل اللي نزل عليها عاوزه تشوف ريحانه بس مش عارفين نشوفها حاليا والمحامي بيحاول يدبرلنا زياره 


اجابت نشوي بصوت مختنق نافذ الصبر  


= ما بحبش قاعده المستشفيات يا اسماعيل وقلبي مش هيبقى مطمئن على بنتي وانا قاعده هناك في المستشفى وخايفه حكم المحكمه يصدر وانا مش دريانه بيها، كفايه حتي المحامي ما طمناش وقال احتمال كبير النقد ما يتقبلش طالما ما فيش دليل واحد على انها قتلت دفاع عن النفس  


اعتدل حمزه في جلسته متنحنحاً بحرج يهمس بتردد


= معلش لو بدخل بس انا حسب اللي عرفته ان أهل الطفله اللي ريحانه نفذتها، كانت جارتكم، ليه ما تحاوليش تتكلموا مع اهلها انهم يعترفوا بالحقيقه اللي حصلت ممكن المحاوله دي تنفع 


اجابه اسماعيل بصوت متردداً بينما يبتلع لعابه بارتباك واضح


= فكرنا فعلا في كده يا ابني، بس احنا ما كناش لينا تعامل معاهم قوي ومش عارفين رد فعلهم هيكون ايه 


وقف بهدوء يعدل من ملابسه استعدادً لذهابه مغمغماً بنبرة صارمة


= مش هنخسر حاجه محاوله واحده ونشوف نيتهم ايه وانا مستعد اجي مع حضرتك يعني لو تحب وما عندكش مانع


❈-❈-❈


دلف بدر الي غرفة الاستقبال حيث كان اسماعيل و حمزه يجلسون بانتظاره تنهد بضيق قبل أن يجلس أمامهم قائلا بهدوء مفتعل


= انا عارف انت جاي ليه يا اسماعيل بس سامحني مش هقدر على اللي انت هتطلبه منه 


عقد اسماعيل حاجبيه مغمغماّ بحيرة


= يعني انت عارف يا بدر ان ريحانه ما كذبتش و فعلا نقذت بنتك من حمدي اللي كان عاوز يعتدي عليها 


رمقه بدر بنظرة متصلبة قبل ان يشير برأسه إليه قائلاً بضجر


= ايوه عارف ان البيه أخوك المحترم كان هيستغل طفله صغيره لولا ساتر ربنا


تنحنح اسماعيل بصوت منخفض قبل ان يغمغم بصوت اجش خشن من اثر الاحراج


= بس اكيد طبعا عارف ايه اللي حصل لريحانه منه وانها لما عرفت بس أنه عاوز يعمل في بنتك كده ما استنتش لحظه واحده ولا اترددت انها تنقذها حتى لو موتـ..ـته وضيعت مستقبلها، وهو ده اللي حصل دلوقتي بالفعل، وريحانه دلوقتي في السجن بسبب انها لحقت بنتك منه.. وبعدين لما أنت يا بدر عندك خبر بكل ده ليه نفيت اللي حصل وما رضيتش تجيب بنتك المحكمه تعترف


صمت بدر ثواني قبل ان يقول بصوت مخنوق


= مش هقدر اقول حاجه زي كده انا لو عملت حاجه زي كده في بنتي مش هقدر احط وشي في وش الناس بعد كده ولا بناتي هم كمان .. وهيفضل الموضوع ده زي وصمه العار في العيله عندنا 


اطبق حمزه اصابعه داخل يده مغلقاً اياها بقسوة مزمجراً بغضب قائلاً


= انت ايه اللي حضرتك بتقوله ده! طريقه تفكيره كلها غلط طبعا، المفروض تاخذ حق بنتك .. والاهم من كل ده ان ممكن شهاده بنتك تغير راي القاضي وتنقذ حياه واحده ما لهاش ذنب وهتموت بسبب انها نقذت بنتك وشرفها، ونقذتها فعلا من العـ...ـار والفضيحه إللي انت خايف منهم علي بناتك.


رفع بدر حاجبه قائلاً بنبرة يتخللها التحدي وهو متاكد بنسبه كبيره داخل ما يفعله هو الصحيح لأجل حمايه عائلته. 


= لو عندك بنات يا استاذ هتفهم وهتعرف انا بعمل كده لمصلحتهم، انت متخيل الموضوع سهل كده، اني اروح المحكمه بالبنت وتقول كل حاجه حصلت.. وبعد كده اقابل انا بقى نظرات الناس والكلام اللي هيطلعوه على بناتي


مسح اسماعيل وجهه بضعف وتعب مما جعل بدر يتوتر وهو يقول شاعراً بالارتباك


= انا مقدر حالتك يا اسماعيل وحاسس بيك و عارف وجعك على بنتك يعني ايه، و ممكن اساعدك باي طريقه ثانيه غير دي ..بس مش هقدر الوث شرف بنتي بيدي 


نظر إليه حمزه بعدم تصديق و عينيه التي تنطلق منه شرارت الغضب بعينيه الفازعة قائلا بحسره


= عارف لو كل واحد عمل زيك كده يبقى عليه العوض في حق البنات دي؟ انا مش قادر اصدقك بجد ،هو انت قادر ازاي تقف قدام بناتك وتطلب منهم بكل بساطه انهم ما تكلموش ولا يمنعوا حد يلـ..ـمسهم و يقرب منهم و يتـ..ـحرش بيهم ولا يغـ..ـتصبهم


ارتسم بدر تعبيرات وحشية علي وجهه مزمجراً من بين اسنانه المطبقة بقسوة بينما تتقافز شرارت الغضب من عينيه


= ما تحاسب على كلامك يا استاذ يا محترم ،هو انا قلت كده اكيد طبعا عمري ما هقول لبناتي حاجه زي كده


ضيق حمزه حدقتيه عليه مكتفاً ذراعيه فوق صدره بينما ينظر إليه يجيب بنبرة يملئها الازدراء بينما يسدد اليه نظرات شرسة قاتلة بفحيح حاد


= لا انت قلت خلاص وهم شايفين بعنيهم دلوقتي أن ابوهم المحترم سندهم وحمايتهم بيخفي حق اختهم عشان خايف من كلام الناس، عارف لو واحده من بناتك دول اتعرضت لنفس اللي اتعرضته بنتك هديه هيعملوا ايه؟ 


اندلعت نيران الغضب بداخل بدر فور سماعه كلماته الوقاحة تلك، بينما و قد طفح كيل حمزة من معاملته لهم بتلك الطريقة و رفضه المستمر بقول الحق.. اندفع نحوه حتي وقف امامه مباشرة هاتفاً بشراسة وعينيه تعصف بغضب عارم


= مش هيتكلموا طبعا ومش هيجي يقولوا ليك حاجه و مش هيبقى عندهم الجراه اصلا انهم يدافعوا عن نفسهم ويبعدوا الشخص ده عنهم من خوفهم منك ومن الناس.. والشخص ده هيفضل مستمر في اللي بيعمله وهو مطمئن ان البنت دي لما هتتكلم هتلاقي الف صوت يسكتها واولهم ابوها ...! 


ظل بدر صامت يتطلع اليه باعين متسعة بينما دقات قلبه تعصف داخل صدره من شدة الخوف و الارتباك بسبب ما قاله علي بناته.. ابتلع ريقه بصعوبة و هو يري زوجته و بناته يقفون على عتبه الغرفه ويستمعون الحديث، ليكمل حمزه و هو يرمقه بنظرات سامة مملتئة بالسخط والتحدي


= ده اذا اصلا ده ما بيحصلش مع واحده من بناتك تاني، وانت مش عارف لانهم هيخافوا يقولوا ليك، وهم شايفينك خايف تاخذ حق اختهم الصغيره.. ابقي ساعتها افرح أنت بقى وخاف وداري عليهم من الفضيحه والعـ..ـار اللي انت عاملهم حساب! بدل ما تعمل حساب لحق بناتك في المجتمع


انتفض بدر واقفآ وهو يهتف بشراسة وقسوة


= اطلع بره.. اطلع بره مش عاوز اشوفكم انتم الاثنين هنا تاني اتفضلوا بره بيتي.. انا اللي استاهل ان انا استضافتك وعاملتكم باحترام


كاد أن يتحدث حمزه مره ثانيه لكن اوقفه اسماعيل باشاره من يده وبعدها رحلوا بصمت.. بينما توقف بدر صامت فجاه لحظات عندما وقعت عينيه علي بناته الأربعة و زوجته الواقفين علي عتبه الغرفه ينظرون إليه بوجه قاتم دون تعبير بينما كانت هديه تبكي بشهقات منخفضة و قد اصبح وجهها محمر من شدة البكاء وكانت امها تاخذها باحضانها و تربت علي كتفها بحنان وقله حيله.. تقدم بدر حتي وقف امامهم مباشرة وهو يزفر بحنق و غضب


= في ايه انتم كمان، بتبصلي كده ليه انا بعمل لمصلحتكم انتم مش فاهمين حاجه ولا عارفين الدنيا بره ماشيه ازاي؟ ولا اللي هيحصل لما اختكم تروح تعترف وتقول اللي حصل ما حدش هيصدق ان ما حصلش حاجه وانها لسه بنت بنوت 


سقطت هديه دموعها وهي تقف بصعوبة علي قدميها التي كانت اشبه بالهلاك.. بينما اكمل والدها حديثه محاولة السيطرة علي اعصابه المشتعلة قائلا 


= وبعدين انتم فضلتوا ساكتين ليه؟ لما قال ممكن يكون حد بيعمل ليكم حاجه وانتم مش عاوزين تقولوا عشان خايفين مني!! ولا واحده منكم وقفت وقالت في وشه أنه ما بيحصلش حاجه زي كده وانه كذاب ليه؟؟ ما نطقتوش ليه وقلتوا انه ما بيحصلش؟؟ 


شعر بشعور من الصدمه والقلق يتغلغل بداخله فور قابل صمت بناته يخفضون رأسهم بالأرض بحالتهم تلك شاعرين بالتوتر والارتباك بينما لم يتجرأ أحد منهم ويتحدث بالنفي؟؟ معنى ذلك ربما هذا قد حدث بالفعل.. لم يتحمل بدر فكره ان يتطاول احد على بناته وهم يستقبلوا ذلك بالصمت وقله حيله.. ليشعر بغضب شديد داخله تجاه أي شخص قد لمـ..ـس بناته رغم عنها، ليعلم ان حمزه ما كأن يعنيه بكلماته تلك واقع مريرا.. لكن هز رأسه بسرعه و اطاح بيده هاتفاً بشكل هستيري


= خذي بناتك يا رحاب وغوري من وشي مش عايزه اشوف حد منكم.. يلا أنتم كمان


❈-❈-❈


في منزل إسماعيل كانت نشوي تسير بخطوات مرتعشه وهي تنتظر بفارق الصبر ان ياتي اسماعيل اليها ويخبرها ان بدر وافق على طلبهم سوف ياتي بذهب أبنته الى المحكمه حتى تشهد بالحقيقه وتبرا ابنتها ،ثم استدارت خلفها بسرعه ولهفه عندما استمعت الى الباب يفتح ودلف زوجها واغلق الباب خلفه و عينيه تلتمع بخيبة الأمل العاصفه الذى جعلت جـ..ـسدها ينتفض بخوف وقلق


ظلت نشوي تنتظر ان يتحدث زوجها ويخبرها ماذا حدث لكنه صمت ولم يجيب، لتبدا تفهم بمفردها ما حدث! ليتحول شحوب وجهها الى لون رمادى كما لو كانت قد فقدت الحياة غرزت اسنانها بشـ..ـفتيها بقوة حتى ادمتها و ذاقت طعم الدماء بفمها لكنها لم تبالى... 

فقد كان عقلها قد اغلق من شدة الصدمة الخذلان المستمرة.


همست بصوت مختنق باكي 


=ايه اللي حصل يا اسماعيل بدر قال لكم ايه؟ 


زفر اسماعيل بيأس و هو يفرك وجهه بغضب على ما يحدث معه لا يعلم كيف يحل الامر فكل مادا يتأزم الامر اكثر ..ظل ينظر اليها عدة لحظات بتردد قبل ان يقرر ان يتركها ويدلف إلي غرفته فلا يريد الضغط عليها فيكفى ما مرت به ومرضها... فقد كان يعلم ان ما سوف يخبرها به من صعب عليها تحمله ايضا


همست بصوت منخفض شبه ميت


=طيب اتكلم معايا فاهمني مالك..


و دون ان ينطق بحرف واحد تركها موليه ظهره لها متجه الى غرفته، شعرت بالصدمة و هي تشاهد ما يفعله لتخفض راسها بإحباط ويأس وتسارعت انفاسها و احتدت بشدة شاعره كأن ستار اسود من الالم يكاد يبتلعها...


بينما في الداخل، ليتجه اسماعيل الى فراشه يجلس به بعقل شارد و قلب مثقل محاولاً ايجاد طريقة لنجاء ابنته من حبل المشنقه.!! 


❈-❈-❈


الصمت علامة تعب، علامة خيبة، فأنا لمْ أصمت قط راضيًا، كلما طال سكوتي فاعلم بأن الألم فيّ ممتد أكثر من اللحظات التي أجيد البوح فيها.. نظرت إلي فريده التي جاءت مره ثانيه في موعد الزيارة، هززت رأسي هامسة بضعف


= الدنيا بقت مليانة وجع قلب بشكل مرعب .. كل الناس فيها اللي مكفيها وزيادة .. ارواحنا بقت هشة وقلوبنا بقت تتكسر من اقل كلمة .. ودموعنا بقت تجري من اقل موقف .. او حتي نظرة قاسية احنا بقينا ضعاف اوي من كتر ما اتوجعنا وشيلنا هموم عجزتنا قبل اوانا 


ربتت فريده علي كتفي برفق وهي تقول محاولا التخفيف عني


= ما خلاص يا ريحانه هتفضلي شايله الهم كده كثير ان شاء الله ربنا هينصرك وهتطلعي من هنا وبكره تقولي فريده قالت


اتسعت شـ..ـفتي بابتسامة ساخرة و أنا انظر الى عينيها هاتفه بيأس وإحباط


= ما بقتش فارقه كتير يا ريت حتى يعدموني واخلص هو انا حتى لو طلعت هعرف اعيش حياتي من ثاني عادي كده وانسى اللي حصل صعب، كفايه حتي بعد ما الناس كلها عرفت قصتي


شحب وجه فريده فور سماعها كلماتي تلك وفتحت فمها بصعوبه هامسه


= وانتي من امتى بقي بيهمك حاجه ولا كلام الناس مش ده كلامك واللي قلتي في المحكمه، يا ريحانه انتي حكيتي معاناه كل ست بتحصل ولسه مستمر الموضوع معاها وكتمه جواها على الأقل انتي جاءتلك الفرصه انك تتكلمي وتقولي، مش ذي غيرك لسه مستمرين في السكوت وعمالين نتوجع


نظرت نحوها بدهشة و أنا اشعر بالحزن و الأسف عليها قائله بتردد


= هو انتي يا فريده اتعرضتي انتي كمان لحاجه ذي كده؟ 


هزت فريده رأسها هامسة بصوت مرتعش وقد امتلئت عينيها بالدموع التى لم تستطع حجبها


= ما انا قلتلك ما فيش ست ما تعرضتش لحاجه زي كده وفي اللي سكتت زينا وفي اللي عرفت تاخذ حقها ويا بخت اللي عرفت تاخذ حقها في الزمن ده ولقيت اللي ينصرها


هززت رأسي بقوة هامسة بصوت مختنق


= معاكي حق مفيش ست معدتش بتجربة صعبه ذي دي، لأن احنا للاسف في مجتمع صعب وبالذات في المواضيع دي بيعمل نفسه مش شايف ولا سامع، اما بالنسبه للبنات اللي بتتعرض لكده، في ناس بتعرف تعدي والحياة بتستمر، وفي ناس مبتقدرش لأن خلاص الأمور عدت المسموح.. ويا تري اتعرضتي للتـ..ـحرش من مين؟ حد من اهلك زيي؟ 


اومأت فريدة برأسها برفض هامسة بضعف بصوت مختنق و هي علي وشك البكاء


= لا انا مشكلتي حاجه ثانيه خالص غيرك يا ريحانه.. اولا انا ماتعرضتش لي الـ..ـتحرش.. انا اغـ..ـتصبت و من جوزي؟!. 


شحب وجهي مغمغمه بارتباك فور سماعي كلماتها الغير مفهوم بالنسبة لي لاقول بشك


= جوزك ازاي مش فاهمه؟ قصدك انه بعد الجواز بيغصبك أنه يعمل معاكي عـ..ـلاقه غصب عنك


اجابت بتردد بصوت مختنق من بين شهقات بكائها التي بدأت بالانتحاب بمرارة


= لا هو اغتـ..ـصبني من قبل ما يتجوزني ولما اشتكيت وقلت لي اهل الحاره اللي انا ساكنه فيها واهلي مالقوش حل غير انهم يجوزوني لي ويستره عليا ما انا بقيت مفضوحه بقى لازم يلموا لحمهم.. يقوم شيخ ساكن معنا في العماره اللي مفروض اسمه شيخ و بيعرف ربنا يقترح أسوأ اقتراح على اهلي وهم يوافقوا بدون تفكير كانهم خلاص اخيرا لقوا حل عشان يديرو فضيحه بنتهم ..واديني دلوقت أنا اللي بادفع الثمن   


تجمد جـ..ـسدي و قد دب الرعب والصدمة بداخلي فور سماعي كلماتها تلك وهي قد زاد انتحابها بشدة بينما كامل جـ..ـسدي ينتفض بعدم استيعاب مرمقاً اياها بغضب شديد


= دي جريمه بس ازاي توافقي على حاجه زي كده يا فريده كنتي رحتي للبوليس و بلغتي عنه.. هم بيعملونا كده ليه؟ كاننا سلعه أو ليهم حق مكتسب فينا هما ازاي بيجي ليهم قلب يعملوا فينا كده.. هم ايه ولا بنت اتـ..ـحرش بيها ولا مغـ..ـتصبه كمان عارفه تاخد حقها في البلد دي !! هما مش عارفين انهم كده بيقوهم انهم يستمروا في الغلط اكثر.. كان لازم تبلغي الفلوس ويجيبلك حقك منه كان لازم اللي زي ده يتسجن


ابتسمت ساخره وهي تصدر تنهدات باكية هاتفة بصوت متحشرج 


= انتي طيبه وعلى نياتك يا ريحانه، عشان انا لما فكرت زيك اعمل كده اول حاجه منعوني اهلي عشان خايفين من الفضيحه.. وثاني حاجه اللي وجعتني بجد بقى ان سمعت من حد أن البوليس هم ذات نفسهم اللي بيقترحوا الاقتراحات دي كانها حل بالنسبه لينا وانهم يزوجوا البنت اللي اغتـ..ـصبت للاغتـ..ـصبها عادي كده.. حتي القاضي ساعات ذات نفسه بيحكم على البنات المغـ..ـتصبه كده.. المشكله فعلا في المجتمع يا ريحانه 

  

صمت وأنا لا ادرى ما يجب عليا فعله فكنت اعتقد لا يوجد أحد شاهد عذاب وظلم أكثر مني، و لكن ما سمعته قد فاق التوقعات.. لتكمل هامسة بصوت بارد يعاكس النيران و الألام التي تمزق قلبها


= حد منهم بيفكر في راي ولا يقول الغلبانه دي لما هتسكن في بيت واحد مع واحد زي كده ما يعرفش ربنا ولا عنده ضمير هيعمل معاها ايه ،وهتبقى هي حاسه بايه لما تلاقي الراجل اللي نهش لحمها في بيت واحد هم الاثنين لوحدهم لا و كمان بقيله حق فيها وهي ملزمه تطوعه لما يطلب كده ما هي مراته خلاص .. هو ده اللي يرضي ربنا  


اهتز جـ..ـسدي بعنف و انسحبت انفاسي من داخل صدري وأنا أجلس أمامها عاجزة علي الرد فـ الظلم في تلك الحياة قد تخطي عقبات كتيره في حياتنا اليومية دون رحمة أو عطف من بشر، لا أعلم إلي متي سوف يعاقب المجتمع الجاني وليست الضحيه..!! لاهمس بصوت مرتجف مختنق بينما اقاوم حتى لا انهار امامها..


= تعرفي لما نسمع حد بيحكيلك من بعيد موقف اتعرض لي بتقولي انا مستحيل اوصل لكده او اقبل بكده لو انا حصلي كذا مش هستحمل، بس وانتي في الموقف نفسه .. لأ بتعدي مره واتنين وتلاته واربعه ... ليه بتستحملي الوجع ده؟ كل ده عشان خايفين من الناس والفضيحه والعـ..ـار! الفضيحه والعـ...ـار ليهم هم مش لينا


سمعت بعدها العسكري يصيح بصوت أجش على انتهاء الزياره، و نهضت بتثاقل على قدمي و استدارت اسير للخارج بجـ..ـسد مرتجف و أنا لا ارى امامي بسبب عيناي الغائمة بالدموع الحارقة بينما الالم الذى بداخلي يكاد يمزق قلبي الى اشلاء... لاهمس بصوت موجوع


= استرها معنا يا رب ..قوينا يا رب على اللي جاي 


❈-❈-❈


في الصبح وصلت نشوي الي قسم الشرطه وخطت خطواتها البطيئه تسير بصعوبة بجـ..ـسدها حتي تقدمت بالداخل تبحث بعيناها عن شيء ما، بينما كان يمر رشوان من جانبها ليلمحها من بعيداً و ذهب إليها باستغراب قائلا


= استاذه نشوى خير حضرتك اللي جابك هنا وفين اسماعيل ازاي يسيبك تاجي لوحدك وانتي تعبانه و لسه خارجه من المستشفى 


اومأت رأسها بصمت مغمغمة بتعب 


= من فضلك يا استاذ رشوان ممكن توديني لاي ضابط هنا أو لسياده اللواء حتي، عاوزه اعمل بلاغ 

مهم


عقد رشوان حاجبيه بتعجب متسائلا باستفهام بصوت متوتر 


= خير يا استاذه نشوى عايزه تعملي بلاغ في مين هو في حاجه حصلت انا ما اعرفش 


ضغطت على شفتـ..ـها من لهيب الألم الذى يلتمع بعينيها مما جعلها تقترب إليه و هي تهمس بصوت مرتجف منخفض 


= اللي بيحصل كثير ولازم يتحط له حد ،من فضلك ريحني وقولي فين ممكن اعمل محضر 


راقبها رشوان باعين مضطربة و هو يومأ برأسه بهدوء قائلا مقترح


= طب تعالي معايا انا جوه وارتاحي عشان افهم في ايه وانا هفتحلك المحضر بنفسي لو عاوزه


هزت راسها بهدوء مريب و أشار بيده نحو مكتبه وهي صارت خلفه، دلف رشوان الغرفه ليجلس فوق المقعد الخلفي أمام مكتبه قائلا باهتمام


=اتفضلي يا استاذه نشوى اهدي وارتاحي.. عايزه تعملي بلاغ في مين؟ وهو عمل لك ايه عشان عاوزه تبلغي عنه؟ 


صمتت لحظه تشعر بالاستنفاذ و التعب وبالرغم من ثقل كلماتها التي جعلتها كالبحر يبتلع في جوفها لكنها قالتها وهمست متوتره 


= اسم المتهم نشوي علاء متهمه باهمال بنتها الوحيده وانها ما كانتش حاسه بيها ولا بوجعها وبسبب الاهمال ده وصلتها للمرحله أنها تقتل شخص.. عارفه انها جـ..ـريمـ..ـه ملهاش حل غير العقوبه ..بس انتم لو رجعتوا نفسكم هتلاقوا المفروض أنا اللي اتحبس مكان بنتي

وهي مظلومه 


اتسعت عينا بصدمه ونظر نحوها بدهشة.. ثم تنفس بعمق و هو يجيبها بعدم فهم


= إيه اللي انتي بتقوليه ده يا مدام نشوي؟ هو حضرتك كويسه 


شحب وجهها وابتلعت ريقها بتوتر... شعرت في تلك اللحظة أنها تقدم أخر خيط بيدها لحماية طفلتها من المـ..ـوت! ولكن شعور العجز يمتلكها أنه ربما يهدم حاجز من الحواجز التي تنبت مؤخرًا بينهمـا... وما بين إنعكاسات المشاعر تلك نطقت بصوت هادئ ولكنه مشحون بمشاعر شتى 


= ايوه انا كويسه ومش مجنونه عاوز تتاكد اتفضل ابعت حد يكشف عليا بس افتح يلا المحضر انت قدامك قضيه مينفعش تتفوت غير لما تعاقب المذنب الحقيقه، عشان في حد موجود دلوقتي جوه الحبس مالوش ذنب ومش المفروض هو اللي يتعاقب.. والمفروض انا اللي ابقى مكانه... يلا كمل المحضر


انحبست انفاسه داخل صدره فور ان فهم مقصدها ليحدق فى وجهها بدهشة ويأس لا يعرف ماذا يفعل لها ثم حمحم قائلا بقلق


= انا من رايي اتصل بي استاذ اسماعيل هو اكيد ما يعرفش انتي فين وقلقان عليكي


زفرت نشوي بحدة مجيبه اياه من بين اسنانها بغيظ محاولة السيطرة علي ألمها حتي لا تنفجر في وجهه من ثم سنتحمل عواقب انفجرها هذا 


= هو انت بتتجاهل كلامي ليه؟ و مش عاوز تعمل المحضر شايفني بخرف و بقول كلام ما ينفعش يحصل، لا يبقى كده المفروض انتم كمان تتحاسبوا زيي عشان مش عارفين تشوفوا شغلكم صح.. ايوه صح انتم كمان السبب


بدا صوتها يعلي والابواب تفتح والجميع يخرج ينظر اليها بدهشه وفضول.. لكنها سرعان ما زمجزت مطلقة صرخة حادة متألمة و الألم يعصف بها بينما ضربات قلبها تضرب بجنون داخل صدرها


=من ضمن القوانين اللي عمالين تطلعوها كل يوم نسيتوا تطلعوا اهم قانون في الزمن ده.. وتعاقبوا الاهالي نفسها ..ايوه احنا بنغلط زي اولادنا بالضبط بس بنعاقب الاولاد ونسينا نعاقب نفسنا ليه لما أم تهمل في بنتها وتوصلها انها تتعذب طول حياتها وتقـ..ـتل مش هي اللي تتعاقب ..


ظل الجميع يتطلع إليهم بصمت دون ان يستطع أن يجيبها أحد وعندما حاول رشوان تحريك شفتيه و اجابتها لكنه شعر بالعجز و تجمد من سدة التوتر.. 


وقفت نشوي بمنتصف القسم و الجميع حولها بينما شهقات بكائها المكتومة تملئ المكان من حولها وشعور بالذنب يتخلله لما فعلته بطفلتها الوحيدة وكيف تسببت في اذيتها، انفجرت باكية بسبب الألم الذي يعصف دون رحمة داخلها وصرخت بانفعال 


= قولي لي اللي مشغلينك انهم نسيوا يحطوا اهم قانون ويعاقبوا الاهلي على تقصيرهم واهمالهم في اولادهم.. وقول ليهم كمان أنهم نسيوا أن زي ما في عقوق الوالدين في عقوق لي الاولاد برضه و هنتحاسب في اخرتنا على تقصيرنا في اولادنا .. يبقى ليه في الدنيا ما نتحاسبش علي بنعملوا في اولادنا ونوصلهم لي..


اكملت صائحه بصوت مرتجف ضعيف من بين شهقات بكائها الممزقة، وكأنه كسهم قاسي انطلق ليصيب قلبها الذي يتلاطم بين امواج الحياه دون رحمة 


= يبقي ليه مش انا اللي اتحاسب انا اللي ما سمعتش بنتي انا اللي مهتمتش بيها زياده انا اللي مقربتش منها و فهمتها وعرفت هي كانت عاوزه تقول ايه ... شفت انا امي جاحد ازاي وقلبي اسود يبقى المفروض من فينا اللي يتعاقب انا ولا بنتي؟؟ 


ظل رشوان واقفة بمكانه و عينيه لا زالت عليها وصدره يعلو و ينخفض بقلق وحزن في ذات الوقت..


مسحت دموعها العالقة بعينيها وخديها بكم قميصها وهي تغمغم هامسة بصوت جامد متألمة وهي تخبره


= انا صح مش كده، يبقي اعدموني انا وطلعه لي بنتي! هي ما تستاهلش المـ..ـوت كفايه اللي حصل ليها وهي صغيره هي اصلا اتقـ..ـتلت من زمان وهي صغيره لما براءتها اتلوثت وروحها انطفت وكتمت صرخات المها جواها لما ما لقتش اللي يحميها ويصدقها، يبقى ما ينفعش تقـ..ـتل ميت مرتين؟ موتوني انا! انا اللي استاهل مش هي 


ضغطت بيدها علي قلبها للتخفيف من الالم الذي يعصف بها و هى تأنب نفسها بقسوة على إهمالها هذا وهي التي تسببت في حكم الاعدام لها، وهي من تستحق المـ..ـوت بدلا منها، انهمرت الدموع و إنطلقت من بين عينها بتلقائية متألمة.. تشعر شعور مُحطم ..شعور كاسر خاصةً ومرارة الخسارة تستقر ببواطن روحها....!! عادت للخلف خطوتان.. تحدق بالجميع بعيناها اللامعة بوميض راجي.. نادم... متخبطة ما بين الذهول و الجنون !! وحينها لم تتحمل فسقطت ارضًا وهي تنفجر في بكاء عنيف فنطقت اخيرًا بصوت مبحوح و تترجي وتتوسل مردده


= انتم ليه مش عاوزين تعقبوني وتسيبوا بنتي إيه ما فيش قانون بيقول كده عندكم؟ يبقى قوانينكم ظالمه، طب انا مستعده ابوس ايديكم واحد واحد بس سيبوا لي بنتي وخدوني انا مكانها.. والله العظيم انا اللي استاهل المـ..ـوت مش هي كفايه ظلم ليها كفايه اللي حصل لها و روحها اتقهرت.. كفايه وخدوني انا.. غيروا القانون بتاعكم وعاقبوا الاهالي إللي السبب في ضيعان مستقبل عيالهم مش هما.. ابوس ايديكم غيروا القانون وعاقبوني انا مش بنتي


يـتـبع...